ضمانتان من عذاب الله
ضمانتان من عذاب الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
عنوان لقائنا اليوم: ضمانتان من عذاب الله، قبل أن أبدأ بهاتين الضمانتين أريد أن أوضح بعض المصطلحات التي تتشابه فيما بينها فتؤدي أحياناً إلى سوء فهم في تعامل الله مع خلقه أو في سنن الله في تعامله مع خلقه. |
سنن الله تعالى في تعامله مع خلقه
السُنَّة هي الطريقة التي لا تتخلَّف
|
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً(سورة النحل: الآية 97)
هذه سُنَّة من سنن الله في التعامل مع خلقه؛ أن الذي يعمل الصالحات يحيا حياةً طيبةً، ومن سنن الله تعالى في خلقه: |
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا(سورة طه: الآية 124)
هذه سُنَّة من سنن الله، ومن سنن الله في خلقه: |
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا(سورة الطلاق: الآية 2)
هذه سُنَّة الذي يتقي الله تعالى؛ رغم الابتلاء يَجْعَل لهُ مَخْرَجًا من هذا البلاء أو من تلك المصيبة، هذه سنن، قوانين، فنحن حتى نفهم على الله تعامله مع خلقه هناك أحياناً بعض المصطلحات التي تتشابه فيما بينها سنوضحها قبل أن نشرع في الضمانتين، المصطلحات الثلاث هي: الابتلاء، المصيبة، العذاب، يحصل خلطٌ بينها أحياناً، كيف؟ |
الابتلاء
أولاً: الابتلاء، ما الابتلاء؟ الابتلاء هو الامتحان، ولن تجد إنساناً كائناً من كان مؤمناً أو غير مؤمن حتى الأنبياء إلا سيمتحن، هذه سُنَّةُ الله في الحياة. |
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا(سورة الملك: الآية 2)
فهذه سُنَّة. |
وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ(سورة المؤمنون: الآية 30)
وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ(سورة الأنبياء: الآية 35)
فالابتلاء أو الامتحان أو الفتنة هذه لا بد منها للجميع، بل يكاد يكون الأنبياء أعظم الناس ابتلاءً والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: |
{ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ }
(رواه الترمذي)
ربنا عزَّ وجلَّ يبتلي الإنسان على قدر قوته وتحمله، فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها. |
الابتلاء قدرنا
|
وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ(سورة الأنبياء: الآية 35)
فقد ينجح المبتلى بالفقر ولا ينجح المبتلى بالغنى، وقد ينجح المبتلى بالمرض ولا ينجح المبتلى بالصحة، فنحن مما تعارفنا عليه أنَّا إذا رأينا إنساناً لا دخل له ولا مال نقول: أعانه الله، مبتلى، لكن أيضاً ينبغي بالقدر نفسه إذا رأينا إنساناً يركب سيارةً فارهةً وعنده من المال ما عنده أن نقول: أعانه الله، أيضاً مبتلى، لأنه أيضاً ابتلاه الله لكن مادة الابتلاء مختلفة، المادة مختلفة، فالابتلاء واقع سواءً كان الإنسان في صحةٍ أو في مرضٍ، في غنى أو في فقر، أو كان في قوةٍ وعزٍّ ومنعةٍ أو في ضعفٍ، الابتلاء حاصل، وربُّنا عزَّ وجلَّ ابتلى سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بكافة صنوف الابتلاء ليكون قدوةً لنا إلى قيام الساعة، نحن قد يبتلينا الله بالفقر أو بالغنى، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ابتلي بكليهما، فعاش فترةً من حياته فقيراً فصبر، وعاش فترةً من حياته غنياً فأعطى وشكر، وابتلاه الله تعالى بالقوة فعفا عمن ظلمه عند فتح مكة، وابتلاه الله تعالى بالضعف فقال: (اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإنَّهُمْ لا يعْلَمُونَ) في الطائف، وابتلاه الله بفقد الولد وابتلاه بالولد، وابتلاه بالزوجة وابتلاه بالحديث عن زوجته في عرضها، نسأل الله العافية، فابتُليَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل أنواع الابتلاء ليكون قدوةً لنا، فنحن مبتلون أيها الأحباب؛ هذا قدرنا، هذه علة وجودنا في الأرض أن نُمتحن فيظهر الخير الكامن في نفوسنا فنستحق الجنة إن شاء الله، ويظهر الشر الكامن في نفوس السيئين فيستحقون النار بعدل الله جلَّ جلاله. |
هذه الأولى؛ الابتلاء: هذه لن ينجو منها أحد لا كبير ولا صغير لا غني ولا فقير لا صالح ولا فاسد، كلنا مبتلون، هذا النوع الأول: الابتلاء. |
المصيبة
النوع الثاني أو الكلمة الثانية التي أريد بيانها وتجليتها؛ المصيبة، المصيبة هي جزء من الابتلاء لكنه جزء خاص له سبب، المصيبة تأتي عقب ذنب وعقب معصية، قال تعالى: |
وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ(سورة الشورى: الآية 30)
المصيبة جزءٌ من الابتلاء
|
إذاً المصيبة أيها الأحباب؛ هي نوع من أنواع الابتلاء ولكنه في مقابل ذنبٍ ارتكبه الإنسان، ويشعر بداخله بهذا الشيء ويتوب إلى الله منه. |
العذاب لا يصيب المؤمنين
العذاب لا يصيب المؤمن
|
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(سورة الأنفال: الآية 33)
وفي آية ثانية: |
مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ(سورة النساء: الآية 147)
المؤمن يُبتلى لكنه لا يعذب، يُبتلى فترفع درجته، يبتلى فتكفَّر خطيئته، لكن لا يعذبه الله فيعيش في كمد وفي أسى وفي ضنك ثم يأتي يوم القيامة للعذاب الأشد، لا، هذا بعيد عن المؤمن في الدنيا وفي الآخرة، العذاب في الأصل ليوم القيامة، يوم القيامة يوم العقاب يعذب الظالم ويعذب الجاحد ويعذب الطاغية ويعذب الكافر، يوم القيامة، لكن قد يصيب الله تعالى بعض المعرضين عن منهجه الظالمين للناس قد يصيبهم بعذابٍ في الدنيا قبل الآخرة، دعونا نسميها بالعرف الحديث: دفعة على الحساب، ليتعظ الناس بهم، لكن ليس كل إنسان أساء وظلم يعذب في الدنيا قد تمضي الدنيا عليه ولا يعذب لأن الحساب يوم القيامة، قال تعالى: |
وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ(سورة آل عمران: الآية 185)
ليس في الدنيا، فلا تنتظر عذاباً في الدنيا للطغاة والمجرمين والظالمين والمنحرفين؛ عذابهم يوم القيامة ولكن قد يصيبهم الله في الدنيا ببعض العذاب |
وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(سورة السجدة: الآية 21)
يعني حتى المنحرف الكافر الظالم الطاغية الذي ظلم عباد الله، الله جلَّ جلاله يصيبه ببعض العذاب في الدنيا بهدف تربوي: لعله يرجع إلى الله (دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) العذاب الأكبر يوم القيامة. |
الشكر والإيمان
ما الضمانتان اللتان ورد ذكرهما في القرآن الكريم من عذاب الله؟ هناك آيتان، الآية الأولى: (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ) هاتان ضمانتان أوليتان، شكر وإيمان، كيف؟ الله عزَّ وجلَّ خلق هذا الكون بكل ما فيه، بسماواته وبأرضه وبمجراته وببحاره وبسهوله، هذا الكون سخره لنا، قال تعالى: |
وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ(سورة الجاثية: الآية 13)
المسخَّر له أعظم من كل المسخرات
|
أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ(سورة البينة: الآية 6)
أي شرُّ ما برأ الله. |
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا(سورة الفرقان: الآية 44)
لأن الأنعام خُلِقت لهدف فأدت ما خُلِقت لأجله، والإنسان خُلِق لهدف ولم يؤدِ ما خُلِق لأجله، هذا البعيد عن الله، المنحرف. |
نعود إلى الآية (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ) هذا الكون بكل ما فيه يدعوك إلى شيئين إلى الإيمان والشكر، فإن آمنت وشكرت ليس هناك عذاب. |
الإيمان كل شيء يقود إلى الله
|
فهذا آمن، يعني وصل للإيمان من خلال الكون فآمن بوجود الله وآمن بوحدانيته وآمن بكماله فالتزم بأمره فنجا من عذاب الله. |
الجزء الثاني أن يشكر، أن ينظر في هذا الكون فينتفع به، فلما انتفع به شكر الله عليه، إيمان وشكر هذه الآية الأولى، هاتان ضمانتان في الآية الأولى (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ). |
وجود رسول الله بيننا مأمنٌ من عذاب الله
الضمانتان الثانيتان في الآية الثانية (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ). |
نفي الشأن
|
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً(سورة الأنفال: الآية 25)
فأحياناً البلاء يَعُم، فوجود محمدٍ صلى الله عليه وسلم بين قومه كان أماناً من عذاب الله، الآن هل انتهت هذه الضمانة؟ قال العلماء: لم تنتهِ لكن أصبح لها معنى جديد (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) بوجوده في حياته صلى الله عليه وسلم وبسنَّته بعد مماته، ينبغي أن يبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا اليوم بسنَّته فهو قد انتقل إلى الرفيق الأعلى لكن بقيت سنَّته بيننا إلى يوم القيامة (وَأَنتَ فِيهِمْ) أي وسُنَّتك مطبقةٌ في حياتهم، فما دُمنا نقول: هذا أمر به رسول الله، وهذا نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونأتمر بما أمر وننتهي عما عنه نهى وزجر، نلتزم أخلاقه، نلتزم سيرته، نلتزم طريقته في التعامل مع الصديق والعدو والزوجة والأولاد والقوي والضعيف والغني والفقير ما دمنا نطبق سنَّته فنحن في مأمنٍ من عذاب الله (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ). |
في الاستغفار مأمنٌ من عذاب الله
كل إنسانٍ خطَّاء
|
شكا رجل إلى الحسن البصري جَدب الأرض، الأرض مُجدبة لا تنبت، فقال له: استغفر الله، وبعد حين جاءه رجل وشكا له عدم إنجاب زوجته فقال له: استغفر الله، وجاءه رجل وشكا إليه عدم إنبات النبات فقال: استغفر الله، فقيل له: يا إمام سألوك أسئلةً مختلفةً فأجبت بجوابٍ واحدٍ، فقال: ما جئت بشيءٍ من عندي، إنما هو قول الله تعالى: |
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا(سورة نوح: الآية 10)
هنا يقفز سؤال إلى الذهن حتى نحيط بالموضوع من جوانبه، وهل الغرب يستغفرون الله كثيراً لذلك أنعم الله عليهم بالخيرات الوفيرة! إنهم لا يستغفرون، لكنهم يتعاملون مع الله بقانون آخر، قلت لكم في البداية: الله له سنن عندما تفهم سننه ترتاح، مثلاً أنت تاجر في بلد كل يوم تأتيك مخالفة؛ يا أخي ائتِ بالقانون واقرأه، طبعاً في بلد يطبق القوانين ائتِ بالقوانين واقرأها بشكل جيد يا أخي، فهذا عليه مخالفة اجتنبه، فالله له سنن في التعامل مع خلقه، فهؤلاء لا يخضعون في الأصل لقوانيننا، بل لهم سنن أخرى، سنتهم هي قوله تعالى: |
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(سورة الأنعام: الآية 44)
عزة المسلمين بتطبيق قوانين وسنن الله عز وجل
هم يتعاملون مع الله بقانون آخر غير قانوننا، القانون الذي ارتضيناه لأنفسنا هو قانون المسلمين نستيقظ وننام ونحن نقول: نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً ينبغي أن تخضع لقانون أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قانونها أنَّ الله يعالجها، فلا يفتح لها أبواب كل شيء، بل يبتليها بالقحط ويبتليها حتى تعود إلى الله عزَّ وجلَّ، فنحن قانوننا غير قانونهم ينبغي أن ننتبه إلى هذه الجزئية، الآن بقياس آخر: قد تسأل فتقول: يا أخي هؤلاء أعزهم الله طبقوا القوانين ووضعوا قوانين بشرية وارتفعوا بين الخلق وصارت لهم مكانة واليوم يحكمون الأرض، سيدنا عمر رضي الله عنه فهم المعادلة، لما دخل القدس فاتحاً وقال له أبو عبيدة بن الجراح يا أمير المؤمنين لو استقبلوك على هذا الحال، يعني أنت في الطين وخلع حذاءه و يركب أبو عبيدة دابة واحدة و قليلاً ينزل ويركب، قال له: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، يعني ما كنت أحب أن اسمع منك أن تقول لي اعتز بلباسك وبدخولك عليهم، قال له: |
نحن قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلام مهما ابتغينا العزةَ بغيره أذلَّنَا الله{ عمر بن الخطاب }
نحن قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلام
|
تكرار الاستغفار مهما تكرر الذنب
أحبابنا الكرام: إذاً الضمانتان من عذاب الله في هذه الآية: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ): الأولى: أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا بسنَّته وبهديه وبتعاليمه. |
والضمانة الثانية: أننا إذا أعرضنا أن نعود بالاستغفار فوراً، وهذا وارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الترمذي: |
{ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىَّ أَمَانَيْنِ لأُمَّتِي : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) إِذَا مَضَيْتُ تَرَكْتُ فِيهِمْ الاِسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " }
(رواه الترمذي)
هذه الضمانة موجودة إلى يوم القيامة وهي ضمانة الاستغفار، تستغفر فأنت في مأمنٍ من عذاب الله، قال رجلٌ للحسن البصري: أما يستحي أحدنا من ربه؟ نفعل الذنب ثم نستغفر، ثم نفعل الذنب ثم نستغفر، فقال الحسن البصري: "ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذه". |
لا تقنط من رحمة الله
|
{ إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ }
(صحيح البخاري)
النبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ليس عنده ذنوب لا سابقاً ولا مستقبلاً، ويستغفر الله في اليوم مئة مرة ليعلمنا الاستغفار وليعلمنا أن الإنسان مهما بلغ فهو بحاجة إلى أن يتصل بالله بشكل دائم ويطلب منه المغفرة. |
محاسبة النفس
أمثلة عن محاسبة النفس
|
كان عمرُ رضي الله عنه في بستانٍ من بساتين الأنصار وكان أَنَسُ بْنِ مَالِكٍ يراقبه وهو لا يراه وإذ بعمر يقف مع نفسه موقف محاسبة، فيقول عمر يخاطب نفسه: "عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَخٍ بَخٍ وَاللَّهِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ"، يحاسب نفسه. |
مرةً كان يخرج عمر رضي الله عنه إلى بيت ويعود، فرآه طلحة، فأراد طلحة أن يتبعه ليرى ما الذي يصنعه أمير المؤمنين في هذا البيت؟ فتبعه فلما خرج دخل إلى البيت وراءه فإذا بعجوزٍ عمياء مقعدة فقال لها: ما شأن هذا الرجل الذي يأتيكِ كل يوم؟ قالت له: جزاه الله عني خيراً، يتعهدني بما يصلحني ويأخذ عني الأذى، يعني يأتي إليَّ بما يصلحني ويخرج الفضلات وغيره إلى خارج البيت، فجزاه الله عني خيراً، فضرب طلحة بيده رأسه وقال: ثكلتك أمك يا طلحة أعورات عمر تتتبَّع؟. |
ومرةً أتى أعرابيٌّ قد قرض الجوع بطنه وبه من الفقر ما به إلى عمر رضي الله عنه فقال - يا عمر الخير جزيت الجنة، اكسُ بنياتي وأمهنه، وكن لنا في ذا الزمان جُنَّة، أقسم بالله لتفعلنـه-قال عمر- وإن لم أفعل يكون ماذا؟ - قال الأعرابي - إذاً أبا حفص لأمضينه - قال عمر - وإذا مضيت يكون ماذا؟ - قال الأعرابي - والله عنهن لتسألن، يوم تكون الأعطيات منة، وموقف المسؤول بينهن، إما إلى نار وإما جنة - فبكى عمر ولم يجد إلا عباءته فأعطاه إياه وقال - خذ هذا ليوم تكون الأعطيات منة، وموقف المسؤول بينهن، إما إلى نار وإما جنة -. |
إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً فلا تَقُـــــلْ خَلَوْتُ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيـــــــــــــــــــبُ ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغــفـلُ سـاعــــــــــــــــةً وَلا أنَ مَــا تخفَيه عنـه يغيـــــــــــــب{ أبو العتاهية - العصر العباسي }
أسماء الله الحسنى وأهمية الاستغفار
إخواننا الكرام: الله تعالى له الأسماء الحسنى |
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا(سورة الأعراف: الآية 180)
ومن معاني الدعاء بأسماء الله الحسنى أن تنظر في كل اسم فتطلب من الله من خلال هذا الاسم، فتقول: يا رحيم ارحمني، ويا غفار اغفر لي، الله تعالى له ثلاثة أسماء تتعلق بالمغفرة، ثلاثة، بلفظ المغفرة، غير الستير من المغفرة، والعفو من المغفرة، جلَّ جلاله، لكن بالمغفرة بهذا الجذر: (غ، ف، ر) له ثلاثة أسماء |
غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ(سورة غافر: الآية 3)
غافر، الغافر جلَّ جلاله، هذا اسم فاعل على وزن فاعل |
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(سورة نوح: الآية 10)
(غَفَّارًا) مبالغة من الغافر، وهناك مبالغة أخرى: |
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(سورة المائدة: الآية 39)
أراد الله من عباده أن يستغفروا
|
الضمانتان من عذاب الله إما أن يكون الإنسان وفق المنهج (وَأَنتَ فِيهِمْ)، وإما أنه يحيد قليلاً فيعود إلى الاستغفار فوراً (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). |
والحمد لله رب العالمين |