دروسٌ من الهجرة
دروسٌ من الهجرة
السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ: بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِه أجمعين، |
بعد أيام قليلة إن شاء الله نستقبل عاماً هجرياً جديداً وأقول عاماً من باب التفاؤل، فهناك عام وهناك سنة وقد قال كثيرٌ من اللغويين: إن بينهما فرقاً، فالسنة تأتي للحديث عن القحط وعن الشقاء والهلاك نسأل الله السلامة، وأما العام فيأتي استبشاراً بالخير، قال تعالى: |
فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا(سورة العنكبوت: الآية 14)
قال كثيرٌ من المفسرين: بعد الطوفان لبث نوح مع قومه خمسين عاماً من الخير والهناء، أما باقي الأعوام فكانت سنوات، وأصبحوا يطلقون السنة من باب المجاز فيقولون: أصابتنا سَنَةٌ، يقصدون بذلك أصابتنا سنةٌ مُجْدِبَةٌ قاحطةٌ لا نبت فيها ولا ماء، فالسنة غالباً ما تطلق على الشقاء، والعام على الخير |
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ(سورة يوسف: الآية 49)
أما سنيُّ يوسف فكانت سنوات جدب: |
تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا(سورة يوسف: الآية 47)
العام الهجري الجديد نسأل الله أن يكون عام خير وبركة وفتح ونصر وشفاء إن شاء الله |
وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ(سورة إبراهيم: الآية 20)
اعتماد الهجرة النبوية بدايةً للتاريخ الإسلامي
إخواننا الكرام: من فقه المسلمين ومن فقه عمر رضي الله عن عمر، أنه جعل الهجرة النبوية الشريفة مبدأً للتاريخ، فقد ورد في بعض كتب السيرة أن الصحابة الكرام اجتمعوا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤرخون لنفسهم، لأن الإسلام يحث المسلم على التميُّز، أن يخالف غيره، لا مخالفة عداء بقدر ما هي مخالفة تميز والظهور بمظهر المسلم الذي له تأريخه وله عاداته وله قيمه وله مبادئه. |
أحداث الدعوة الإسلامية كثيرة
|
{ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ }
(رواه البخاري)
إذاً الأحداث كثيرة، وقد ذكرتُ أهمَّها، لكن لما أرادوا أن يؤرخوا اختاروا الهجرة، من بين كل هذه الأحداث اختاروا الهجرة النبوية الشريفة، لماذا؟ هذا من فقه الصحابة ومن فقه عمر رضي الله عنه؛ لأن الهجرة تحديداً كانت المرحلة الفاصلة في التحول الحقيقي، الهجرة هي الرحلة التي نصر الله بها الدين، وأعزَّ بها الإسلام فحُقَّ لها أن تكون مبدأً للتأريخ، فاليوم نقول: هذا العام ألف وأربعمئة وواحد وأربعون للهجرة، مضى على هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم كذا عام، نؤرخ بالهجرة. |
التعريف الدقيق للهجرة
أحبابنا الكرام: ما الهجرة؟ لو أردنا أن نعرِّفها بالتعريف البسيط: هي انتقال النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من مكة إلى المدينة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : |
{ سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنِ الهِجْرَةِ، فَقالَ: لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وإذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا }
(صحيح مسلم)
بعد أن فتح الله مكة لم يعد هناك من معنى لأن يهاجر شخص من مكة إلى المدينة، فالإسلام يقام في مكة ويقام في المدينة، فأصبح للهجرة مفهومٌ جديدٌ |
{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ }
(صحيح البخاري)
الهجرة قائمة إلى يوم القيامة
|
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا(سورة الأنفال: الآية 72)
الإيمان ينبغي أن تتبعه هجرة
|
المغبون من تساوى يوماه{ علي بن أبي طالب }
يا ابن آدم إن لم تكن في زيادة فأنت في نقصان{ الحسن البصري }
فالتغيير مطلوب لكن ينبغي أن يكون وفق حركة مدروسة من أجل أن يكون نحو الأفضل لا نحو الأسوأ هذا التغيير المطلوب. |
ترتيبات الهجرة
إذا جئنا إلى ترتيبات الرحلة حتى نرى كيف كانت الهجرة حركةً واعيةً مدروسةً؟ نأتي إلى هذه الترتيبات. |
تجهيز الراحلة
تجهيز الراحلتين في وقتٍ سابق
|
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ(سورة التوبة: الآية 40)
فكانت الصحبة، لذلك الإنسان يحرص على الصحبة، الصحبة أمر لا يعوض، كان عمر رضي الله عنه يقول: "والله لولا ركيعاتٌ في جوف الليل وإخوةٌ يلتقط معهم طيب الكلام كما ينتقي آكل الثمر أطايبه لآثرت الموت على الحياة"، فما معنى الحياة إن لم يكن لي فيها ركعاتٌ لوجه الله تعالى وإخوةٌ طيبون تتبادل معهم الإيمان بالله عزَّ وجلَّ |
"تعال بنا نؤمن بربنا ساعة"{ معاذ بن جبل }
فبكى أبو بكر رضي الله عنه من شدة الفرح عندما علم أنه سيكون صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته، فأبو بكر كان قد جهز راحلتين، قال: الراحلتان جاهزتان يا رسول الله، واحدة لك وواحدة لي، قال صلى الله عليه وسلم: بالثمن، يعني أدفع ثمنها وآخذها، فأخذها بالثمن، النبي صلى الله عليه وسلم ما أراد أن يفوِّت أجر أن يركب راحلةً قد دفع ثمنها حتى يكون جهاده بالنفس وبالمال وبكل شيء، فقال: بالثمن، فدفع ثمنها، فكان قد جهز راحلتين، هذه من ترتيبات الرحلة. |
السرية التامة
الشجاعة تأتي من الصلة بالله
|
استئجار الدليل
جواز الاستعانة بغير المسلم
|
الثبات على المبادئ
المبادئ لا تتجزأ
|
{ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ }
(صحيح البخاري)
احفظ سمعة دينك
|
قال تعالى: |
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا(سورة الممتحنة: الآية 5)
كيف يكون الإنسان فتنةً للكافر؟ حينما يجد الكافر منه وهو مؤمن بعداً عن الأمانة والصدق والخير والعطاء فيعتز بكفره ويقول لك: هؤلاء هم المسلمون انظر إليهم ماذا يصنعون! فيصبح المؤمن فتنةً للكافر، ويصده عن دينه. |
التخفي عن أعين المشركين
إذاً أيها الأحباب: من ترتيبات الرحلة أنه أودع علياً في فراشه وأمره أن يرد الودائع إلى أهلها، خرج مستخفياً من الباب الخلفي، من منزل أبي بكر رضي الله عنه خرج من الباب الخلفي ولم يخرج من الأمامي، أيضاً ترتيب للاستخفاء عن أعين المشركين، أبو بكر رضي الله عنه كلف ابنه عبد الله أن يستمع لما تقوله قريش، فلما أقام صلى الله عليه وسلم في غار ثور مع صاحبه ثلاثة أيام كان عبد الله يبيت عندهما ثم ينزل في الصباح متخفياً ويسمع ما الذي يحصل ويأتيهم بالأخبار، فكان عبد الله بن أبي بكر عين رسول الله وعين أبيه أبي بكر في مكة يأتيهما بالأخبار قبل أن يتابعا المسير. |
مسؤولية الإطعام وتغيير الطريق المعتاد
الخروج في غير الطريق المعهود
|
التوكل على الله بعد وصول المشركين إلى الغار
وصول المشركين إلى الغار
|
{ عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا فِي الغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا }
(صحيح البخاري)
هنا يظهر الجانب الآخر في رحلة الهجرة وأنها لم تكن رحلة أسباب فحسب، قال: " يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا " |
لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا(سورة التوبة: الآية 40)
التوكل على الله يكون بعد الأخذ بالأسباب
أمرنا الله بالأخذ بالأسباب
|
عمر رضي الله عنه مرَّ على قومٍ يجلسون ولا يعملون، قال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون على الله، قال: كذبتم، أنتم المُتَّكلون على الله، هناك متوكِّل وهناك متَّكل أو متواكل، قال: كذبتم أنتم المتَّكلون على الله، المتوكِّل من ألقى بذرةً في الأرض ثم توكل على الله. |
{ عَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً» }
(رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ)
الرزق يتطلب حركةً
|
النتائج لا تكون بالأسباب بل تكون بإرادة الله عز وجل
لكل عصرٍ أسبابه
|
ربنا عزَّ وجلَّ حتى لا نؤلِّه الأسباب وحتى لا نظن أن الأسباب هي التي تفعل النتائج عطل الأسباب أحياناً، نحن نعلم أن الرجل يتزوج امرأة فيأتي الولد، من غير زواج لا يوجد ولد، لكن الله عطل الأسباب مع مريم عليها السلام فجاءت بولدٍ من غير زواج، هذا بخلاف الأسباب، نعلم أن النار تحرق لكن مع إبراهيم عليه السلام النار لم تحرق، لماذا توجد هذه المعجزات؟ لأن الله يريد أن يقول لك: إن الأسباب لا تخلق النتائج بذاتها ولكن بإرادة الله وبفعل الله، حتى تبقى متيقظاً، هل الزواج يأتي بالولد؟ ليس دائماً، هناك حالة يكون زواج ولا يأتي الولد، وحالة نادرة بالتاريخ لم يحصل الزواج وحملت مريم الطاهرة المطهرة وجاءت بالولد، إذاً القضية ليست قضية أسباب، بل مسبب الأسباب جلَّ جلاله، لكن لا بد من الأخذ بالأسباب؛ هذا أهم درس في الهجرة. |
رحلة الهجرة ورحلة الإسراء والمعراج
إخواننا الكرام؛ لو أردت أن أعقد مقارنة سريعة، وقد ذكرنا تسلسل الأحداث في الدعوة الإسلامية، أردت أن أعقد موازنة سريعة بين الهجرة والإسراء والمعراج، لأن كليهما رحلة، رحلة الإسراء والمعراج ورحلة الهجرة، الهجرة كانت من مكة إلى المدينة لأربعمئة كيلومتر تقريباً، من مكة إلى المدينة تقريباً أربعمئة كيلومتر، الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى لمسافة أكثر بأربع مرات تقريباً، ألف وخمسمئة كيلومتر من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أطول بكثير، الهجرة كانت على راحلتين أعدهما أبو بكر قبل فترة وجهزهما للهجرة، الإسراء على البراق، ماذا نسمي البراق اليوم؟ صاروخ! أقوى من الصاروخ، الهجرة استغرقت في أصح الأقوال أربعة عشر يوماً، من لحظة الخروج مع ثلاثة أيام في الغار وإحدى عشر يوماً من المسير، الإسراء والمعراج استغرق جزءاً من ليلة، وليس ليلة كاملة، جزء من ليلة؛ الله أعلم بهذا لأنه ورد في بعض روايات كتب السيرة أنه عاد إلى فراشه ومازال الفراش ساخناً، جزء من ليلة، كل هذه المسافة جزء من ليلة، ذهاباً وإياباً، هنا فقط ذهاباً الهجرة. |
رحلة الإسراء والمعراج معجزة
|
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ(سورة التوبة: الآية 40)
التفاؤل والأمل من دروس الهجرة
التفاؤل في الهجرة النبوية الشريفة
|
{ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ أنَّهُ سمعَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ واقفٌ بالحَزوَرةِ في سوقِ مَكَّةَ وَهوَ يقولُ واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ }
(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ)
ودمه مهدور، وفي الطريق تبعه سراقة فلما وصل إليه أراد أن يقتنصه بسهمه فساخت قوائم فرسه وجمدت يده بالسهم، الآن نادى النبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد ادع الله أن يطلق لي قوائم فرسي، الفطرة تعرف أن هذا الرجل مجاب الدعوة، هي المصالح كانت تحول بينهم وبين الإيمان وليست الفطرة، الفطرة السليمة تستجيب، مصالحهم أعمت قلوبهم، فدعا الله له أن يطلق فرسه فأُطلِقَت، المرَّة الثانية الأمر نفسه، المرَّة الثالثة الأمر نفسه، قال: فعلمت أنه معصوم، يحميه الله من الناس، ولن أصل إليه فقلت: عهد الله بين وبينك أن لا أحاربك، اكتب لي كتاباً، النبي صلى الله عليه وسلم الآن يكتب له كتاباً سيبرزه سراقة عندما يعود النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحاً، إذاً النبي صلى الله عليه وسلم من لحظة خروجه من مكة كان يعلم أنه عائدٌ إليها |
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ(سورة القصص: الآية 85)
المعاد: هو مكة، ستعود من حيث خرجت، يقينه بذلك مئة بالمئة، ليس عنده أدنى شك بذلك، وكل الترتيبات التي اتخذها، اتخذها تعليماً لنا لأن الله أمره بها فالتزم الأمر لكن ليست لأنه يخاف أو يخشى ألا يصل، سيصل. |
القصة إلى هنا في الصحيح، ولها تتمة في كتب السيرة ضعفها البعض وصححها البعض، نستأنس بها أنه قال له عندما أعطاه الكتاب، أيضاً كتب الكتاب له عامر بن فهيرة، قال له: كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟! يعني أنت ستلبس سواري كسرى وتروي كتب السيرة أن ذلك كان في عهد عمر رضي الله عنه عندما فتحت بلاد الفرس وجاءت الغنائم ونادى سراقة وكان وقتها رجلاً معمراً قد جاوز المئة وألبسه سوار كسرى وكبر المسلمون. |
إذاً النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه للهجرة كان متفائلاً، كان يعلم أنه سيصل وسيبني الدولة وسيحارب وسينتصر وسيعود فاتحاً إلى مكة، وهذا تفاؤل المؤمن وأمل المؤمن لكنه التفاؤل المبني على العمل، وليس التفاؤل الساذج غير المبني على أسس ثابتة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعمل مع التفاؤل والأمل، ونحن اليوم يجب أن نتلمس هذا المعنى وهذا المضمون بألا نيأس من روح الله |
إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(سورة يوسف: الآية 87)
اليقين بنصر الله عز وجل
الثقة بنصر الله عز وجل
|
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ(سورة يونس: الآية 46)
وكأن الله تعالى يقول لنبيه يا محمد -صلى الله عليه وسلم- أمامك خياران إما أن ترى النصر بعينك أو أن تقضي إلى الله قبل تحقق النصر فيتحقق النصر بعد وفاتك، وحتى النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ كل نتائج دعوته في حياته، الفتوحات معظمها كانت في عهد عمر رضي الله عنه، هو عاد إلى مكة فاتحاً ورأى جزءاً من وعد الله، لكن لم يرَ الوعد الذي يبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، لكنه لم يره كاملاً، هو حصل فيما بعد، لكنه مات وهو متيقن صلى الله عليه وسلم أنه سيحصل وهذا هو النصر، فنحن اليوم إما أن الله تعالى سيرينا بعض الذي يعد المشركين أو أن نُتوفى ونحن على الخط في الطريق المستقيم مؤمنين بأن النصر متحققٌ لا محالة، لدينا هذان الخياران، نسأل الله أن نرى النصر بأم أعيننا، النصر مفرح |
وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ(سورة الروم: الآية 4-5)
دورة الحق والباطل طويلة
|
كل عامٍ وأنتم الخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |