منهج الإصلاح في القرآن والسنة
منهج الإصلاح في القرآن والسنة
السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ: بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يارب العالمين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً متقبلاً صالحاً يارب العالمين. |
عنوان لقائنا اليوم منهج الإصلاح، كلمة الإصلاح راقية يحبها كُلُّ مصلح ويخشى منها كُلُّ مفسد، من لا يحب أن يصلح؟ أن يصلح نفسه وأن يصلح أهل بيته، بل يطمح أحياناً أن يصلح العالم كلَّه، فالأرض خُلِقَت من أجل أن تَصلُح لا من أجل أن يُفسَد فيها |
وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ(سورة البقرة: الآية 205)
تعريف الإصلاح
الفساد هو أن تُخرِج الشيء عن طبيعته
|
القلب في أصل خلقه
|
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ(سورة الأعراف: الآية 170)
كن مصلحاً والله يتولاك، قال تعالى: |
وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(سورة الأعراف: الآية 142)
قال تعالى: |
وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(سورة القصص: الآية 77)
قال تعالى: |
إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(سورة يونس: الآية 81)
مهما رأيت من المُفسِد أنه انتفش وأخذ قوةً وبدا لك أنه في وضع كبير وفي وضع يهابه ويخشاه الناس مهما بدا لك من فورته قل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) لا بد أن يُفسِد الله عليه خطته التي يريد بها إفساد الآخرين (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) هذا قانون لا يتخلف ولا يتغير. |
أنواع الإصلاح
الإصلاح أيها الأحباب؛ هنا دخلنا في صلب الموضوع بعد هذه المقدمة، الإصلاح نوعان: أن يُصلَح الفرد وأن يُصلَح المجتمع، ما منا واحدٌ إلا ويملك أن يُصلِحَ نفسه وأن يبذل جهده في إصلاح من يعولهم ويقوتهم من أبناء بيته وأهل بيته وأسرته وربما عائلته وربما ينتقل إلى إصلاح المجتمع لكن يجب أن يبدأ الإنسان بإصلاح نفسه فإصلاح الفرد هو الأساس، كيف يصلح الفرد؟ |
جاء عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: |
"لا يَصْلُحَ آخِرُ هذه الأمة إلاّ بما صَلُحَ به أوّلُها"{ الإمام مالك }
إصلاح الأمة بالقرآن الكريم
|
{ إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ }
(أخرجه البخاري)
لأن عندهم بعض الصفات لكن رشَّدها الإسلام، فهذه الأمة كيف صلحت؟ صلحت بالقرآن الكريم، صلحت بسنَّة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا أردنا أن نصلح الفرد في آخر الزمان فينبغي أن ننظر في صلاحه في أول الزمن |
"لا يَصْلُحَ آخِرُ هذه الأمة إلاّ بما صَلُحَ به أوّلُها"{ الإمام مالك }
الفرق بين المواطن الصالح والعبد الصالح
القوانين الرَّادعة قد تُصلح بعض الأفراد لكن هذا الصلح ليس صلحاً عاماً وإنما صلح جزئي مادامت القوانين منفذةً وكاميرات المراقبة تعمل فقد تصلح الأفراد بكاميرات المراقبة، لكن هل هذا هو العبد الصالح الذي يسعى الإسلام إليه؟! بعض المفكرين كان يقول: "إنَّ الغرب أنشأ المواطن الصالح لكن الإسلام أراد أن يُنشئ الإنسان الصالح"، كيف؟. |
المبادئ لا تتجزأ
|
{ مَن غشَّ فليسَ مِنَّا }
(صحيح الترغيب)
النبي صلى الله عليه وسلم يوم هاجر ترك عليَّاً في فراشه كما في الرواية الصحيحة ليؤدي الودائع إلى أهلها لأنه إنسان صالح، فالإنسان الصالح غير المواطن الصالح، نحن نسعى إلى الإنسان الصالح، المسلم يبني الصلاح في الفرد بحيث يلتزم هذا الفرد بالمبادئ ويلتزم بالقيم ويلتزم بالدين في أي مكان وفي أي زمان ولا يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قليل. |
إصلاح الفرد في القرآن الكريم
إقامة الصلاة إصلاحٌ للعلاقة مع الله
|
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(سورة الكوثر: الآية 2)
الزكاة تعبيرٌ عن العطاء
|
سيدنا محمد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إمام المصلحين أصلح الدنيا كلها يوم أن صلحت علاقته بربه. |
{ عَن عائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتى تَتَفطَّر قَدَمَاه، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رسُول اللَّهِ وَقد غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّم مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ:"أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا }
(متفقٌ عَلَيْهِ)
لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟! نحن نقف بين يدي الله لأن لنا ذنوباً نقول: يارب اغفر لنا، لعل الله يغفر لنا السيئات بالحسنات |
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ(سورة هود: الآية 114)
الإصلاح يكون ببناء علاقة صحيحة مع الله تعالى
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح علاقته بربه ويقف بين يديه الساعات الطِوال وليس له ذنوب فقد قال له الله تعالى: |
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا(سورة الفتح: الآية 1-2-3)
(وَمَا تَأَخَّرَ) يعني وما سيأتي، ماذا كان جواب محمدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم؟ (قَالَ: أَفَلا أُحبُ أن أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا). |
القضية قضية إصلاح نفوس، أنا أحب أن أقف بين يدي الله لأشكره على نعمائه، فالوقوف بين يدي الله ليس دائماً استغفاراً من ذنب وإنما هو بناء علاقة صحيحة مع الله يَصلُح بها الإنسان ويُصلِحُ بها الآخرين، قال تعالى: |
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ(سورة النساء: الآية 146)
التوبة تحتاج إلى إصلاح
|
فالفرد أحبابنا الكرام؛ لا تصلح علاقته بنفسه إلا إذا عرف ربه ووقف بين يديه وأحسن الصلة به، هذا إصلاح الفرد، لا يوجد طريق آخر حتى تصلح النفس إلا بمناجاة الله عَزَّ وجَلَّ، القوانين تُصلحها بشكل جزئي، تضبطها لكن لا تصلحها، النفوس تصلح بالعلاقة مع الخالق جَلَّ جَلالُه، بالمدد من الله عَزَّ وجَلَّ. |
إصلاح ذات البين
أما إصلاح الآخرين فهذا يسمى في الدين: إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ. |
{ قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البيِّن، فإن فساد ذات البيِّن هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّين " }
(رواه أبو داود والترمذي وأحمد)
فالإسلام يحض على الإصلاح، أن تصلح كل علاقة بينيَّة بينك وبين الآخرين أو بين اثنين من الآخرين، هذا (ذَاتِ الْبَيْنِ) إما بينك وبين الآخرين أو بين اثنين تُصلِح العلاقة بينهما، هذا دعوة لإصلاح ذَاتِ الْبَيْنِ ألا يكون هناك مشاحنات ولا بغض ولا كره بين خلق الله عَزَّ وجَلَّ، هذا (إصلاح ذات البيِّن، فإن فساد ذات البيِّن هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّين) نسأل الله السلامة. |
المجتمع لا يَصلُح إلا بالعدل
|
عصر المبادئ
إخواننا الكرام: مالك بن نبي رحمه الله فيلسوف ومفكر جزائري إسلامي كبير، له نظرية جميلة جداً؛ يقول مالك بن نبي: إن العصور التي تمر فيها البشرية ثلاثة عصور: عصرٌ يسمى عصر المبادئ والقيم، وعصرٌ يسمى عصر الأشخاص، وعصرٌ يسمى عصر الأشياء. |
الصدق هو السمة الرئيسية لعصر المبادئ
|
يوم مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وانتقل إلى الرفيق الأعلى من حب عمر له رضي الله عن عمر قال: "من قال إن محمداً قد مات قطعت رأسه"، لم يستطع أن يتحمل الصدمة، لأن رسول الله يحمل الرسالة صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ووفاته كانت أعظم مصيبة نزلت بالمسلمين إلى يوم القيامة، وما نزلت مصيبة بمسلم فتذكر مصيبة المسلمين برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم إلا هانت عليه مصيبته. |
فلما قال عمر ذلك قام أبو بكر رضي الله عنه لينتصر للمبدأ فقال؛ كما في صحيح البخاري: |
{ أمَّا بَعْدُ فمَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ مُحَمَّدًا قدْ مَاتَ، ومَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ }
(صحيح البخاري)
أبو بكر يحب رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كحب عمر لرسول الله أو أشد، لأن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كان يقول عن أبي بكر: |
{ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا }
(صحيح البخاري)
وفي مرضه الذي توفي به كان يقول: |
{ سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ }
(صحيح البخاري)
كان يحبه حباً يفوق الخيال، وهو صاحبه في الغار |
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا(سورة التوبة: الآية 40)
عصر المبادئ عند وفاة النبي الكريم
|
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ(سورة آل عمران: الآية 114)
فيقول عمر رضي الله عنه: (واللَّهِ ما هو إلَّا أنْ سَمِعْتُ أبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَعَقِرْتُ، حتَّى ما تُقِلُّنِي رِجْلَايَ، وحتَّى أهْوَيْتُ إلى الأرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا، عَلِمْتُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ مَاتَ) فهذا عصر اسمه عصر المبادئ كما يذكره ابن نبي رحمه الله، عصر المبادئ. |
عصر الأشخاص
ثم تأتي عصور أخرى القيمة فيها للشخص، للخليفة، الناس تتعلق بعدل عمر، أو بصلاح الدين الأيوبي الذي فتح القدس وهذا عصر أشخاص وهو عصر جيد عندما يكون الأشخاص جيدين، نحن جميعاً نحب من أبنائنا أن يتعلقوا بالرموز وبالقدوات، فمجتمع بلا قدوات مجتمع هالك، فما المانع من أن نتعلق بالأشخاص؟! لكن على ألا نقدسهم ولا نعظمهم إلى درجة أن يخطئوا ثم نبقى متعلقين بهم على خطئهم فيكون هذا حباً مع الله لا حباً في الله! فعصر أشخاص، ثم ذهب عصر الأشخاص وجاء عصر الأشياء، وفي عصر الأشياء قيمة المرء متاعه، وقيمة المرء ما يملكه ويستمد قيمته من طراز سيارته، وفي أحدث النظريات يستمدها من رقم سيارته الذي يباع بالملايين، ومن مساحة بيته، ومن، ومن، ومن، فتصبح قيمة الإنسان هي أشياؤه وليست ما يحمله من قيم، ويتعامل الناس بهذا المنطق مع الآخرين وهذه المصيبة الكبرى في أن يصبح تعامل المجتمع مع الآخرين هو تعامل بقيمة الأشياء وليس بقيمة المبادئ فينظرون إلى من يملك الأكثر نظرة التعظيم الأكبر وهذا خطأٌ كبيرٌ، وقد ورد في التوراة: |
(وَمَنْ جَالَسَ غَنِيًّا فَتَضَعْضَعَ لَهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ){ شعب الإيمان }
قصة سيدنا عمر مع جبلة بن الأيهم
تمسك سيدنا عمر بالمبادئ
|
عُنُـقُ المُرتـَدِّ بالسَّيـفِ تُحَزُّ عالَم نَبنيهْ كُلُّ صَدعٍ فيهْ يُداوَى وأَعَزُّ الناسِ بالعَبدِ بالصُّعلوكِ تسَاوَى{ سيدنا عمر رضي الله عنه }
قال: أنظرني حتى الصباح، سآخذ قراري على مهلي، وأراد شيئاً وأضمره في داخله فارتحل ليلاً مع أصحابه ورجع إلى مملكته في الروم وارتد عن دين الله تعالى، وخسر عمر جَبَلة لكنه ربح المبدأ، ولم يقل: لنراضِ الأعرابي بشيءٍ من المال ليسامح ثم نبقيه في الإسلام، المبدأ فوق الشخص، هذا عصر المبادئ، المبادئ فوق الأشخاص، وللفائدة هذا الرجل ذهب وتَنَصَّر وعاد إلى هرقل، وهرقل أدنى مجلسه وجعل له قصراً عظيماً؛ فرح به لأنه عاد إليه، ثم إن عمر رضي الله عنه أرسل رسولاً إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام فلما عاد من عنده سأله عمر: ألقيت هرقل؟ قال: نعم، قال: وقدمت له الرسالة؟ قال: قدمت الرسالة، هرقل اعتنى بالرسالة وما أجاب إلى الإسلام لكنه احترم أن عمر رضي الله عنه يرسل له رسالة في عصر عظمة الفتوحات الإسلامية، فاحترم الرسالة ولكن لم يجب لا بنفيٍ ولا بإثباتٍ، انظروا عمر، عمر لم ينسى جَبَلة، قال له: ولقيت جَبَلة؟ قال: لقيته، قال: وماذا كان يصنع؟ قال: كان يشرب الخمر، فقال عمر: "أبعده الله، تعجل فانيةً بباقيةً"، أخذ الدنيا وترك الآخرة، قال عمر: فماذا قال لك؟ قال: سمعته ينشد |
تَنَصَّرَتْ الْأَشْرَاف مِنْ عَار لَطْمَــة وَمَا كَانَ فِيهَا لَوْ صَبَرْت لَهَا ضَــرَرْ تَـكَـنَّـفَـنِـي مِـنْهَـا لَـجَـاج وَنَــخْـــــــــوَة وَبِعْت لَهَا الْعَيْن الصَّحِيـحَة بِالْـعَــوَرْ فَيَا ليتَ أمّي لمْ تَلدنِــــي، وَلـيتَنِـي رَجعتُ إلى القَــولِ الذي قالهُ عُمـــر ويا ليتَنِي أرْعَى المَـخاضَ بقَفـــــرةٍ وكنتُ أسيراً في ربيعة أو مُـضَـــــــــر ويا ليتَ لي بالشَّامِ أدنى مَعيشــــةٍ أُجَالِسُ قَومي ذَاهبَ السَّمعِ والبَصـر{ جَبَلة بنُ الأيهَمِ }
المبادئ فوق الأشخاص
|
بنود منهج الإصلاح
أيها الكرام: منهج الإصلاح في القرآن ذكرته آيةٌ كريمةٌ واحدةٌ لخَّصت كل المنهج وهذا من إعجاز القرآن الكريم؛ قال شعيب عليه السلام مخاطباً قومه كما في القرآن: |
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(سورة هود: الآية 88)
كيف لخَّصت المنهج؟ لخَّصت المنهج بخمسة بنود: |
البينة هي الوضوح
|
القدوة مصلحٌ لمن حوله
|
3. الإرادة الصادقة في الإصلاح: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ) فمن لم يملك الإرادة في الإصلاح لن يصلح. |
أهمية الحوار في الأسرة
|
5. وأخيراً التوكل على الله والإنابة إليه: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) إياك أيها المصلح أن تتكل على نفسك تقول: أنا أصلح أولادي، لا، الله يصلحهم ولعله يجعلني سبباً في إصلاحهم، أما المصلح فهو الله جَلَّ جَلالُه هو الذي يصلح أما أنا سبب؛ أبذل جهدي والأمر لله (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). |
مفهوم الإصلاح في الحديث الشريف
إخواننا الكرام: |
{ عَنْ السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ ؟!، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَأيْمُ اللهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا }
(أخرجه مسلم والنسائي)
الإصلاح يشمل الجميع
|
وآخر ما أختم به حديث جميل جداً فيه عبرة كبيرة: |
{ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ، قَالَ: أَلا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ، تَحْمِلُ عَلَى رَأسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا! فَلَمَّا ارْتَفَعَت الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا، فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَتْ صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ }
(صحيح ابن ماجه)
الحكمة ضالة المؤمن
|
أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا والحمد لله رب العالمين. |