شُكْرُ النعم
شُكْرُ النعم
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِه وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. |
إخواننا الكرام: أتحدث اليوم إن شاء الله عن موضوع الشكر، شكر النعمة، وما دفعني للحديث في هذا الموضوع إلا موجةٌ من السخط تجتاح الأمة بشكلٍ عام، فلا تجد راضياً إلا قليلاً ومهما بلغ الإنسان من مالٍ وعلمٍ ومنصبٍ وسمعةٍ وخيرٍ فإنك لا تجد في كثيرٍ إلا من رحم ربي الرضا عن الله، يُعطى من الصحة والمال والخير والأولاد ولا تجد الرضا الذي ينبغي أن يتحقق في قلب العبد المؤمن والشكر الذي ينبغي أن يكون في قلبه لمولاه، فسميتها موجة سخطٍ تجتاح العالم فلا تجلس في مجلسٍ إلا تسمع الشكوى من الأحوال ومن الصحة ومن الأمور مع أننا كلنا غارقون بنِعَمِ الله من حيث نعلم ومن حيث لا نعلم. |
النعم الظاهرة
قال تعالى: |
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً(سورة لقمان: الآية 20)
شكر الله على نعمه الكثيرة
|
النعم الباطنة
الإسلام من النعم الباطنة
|
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي }
(صحيح مسلم)
الابتلاءات مِحَنٌ لكنها في حقيقتها مِنَح
|
أحبابنا الكرام: لما قال: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) ينبغي أن ننتبه إلى النِعَم الظاهرة وأن لا نألفها وأن ننتبه أحياناً إلى نِعَم الله الباطنة، في آيةٍ ثانية يقول تعالى: |
وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا(سورة النحل: الآية 18)
يعني أنت لا تستطيع أن تحصي خيرات نعمةٍ واحدةٍ من نِّعَم الله تعالى، فإن كنت عاجزاً عن إحصائها فأنت عاجزٌ عن شكرها من باب أولى. |
الكنود هو من ينسى شكر المنعم على نعمه
إذاً أحبابنا الكرام: مرَّةً عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سمع امرأةً تقول: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ القَلِيْل، فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ قالت: أما سمعت قوله تعالى: |
وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ(سورة سبأ: الآية 13)
فضرب عمر على رأسه وقال: كُلُّ الناس أفقه منك يا عمر، فقلةٌ من الناس فعلاً هم الشاكرون |
إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ(سورة العاديات: الآية 6)
عدٌ للمصائب ونسيانٌ للنعم
|
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا(سورة العاديات: الآية 1)
هذه واو القسم، ما (الْعَادِيَاتِ)؟ (الْعَادِيَاتِ: هي الْخَيْل الَّتِي تَعْدُوا)، تركض في أرض المعركة، فلما تركض يصدر لها صوت يسمى الضَّبح، الإنسان يلهث عندما يركض، الخيل تَضبَح، لهاثها اسمه الضَّبح، فقال: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) فإذا عدت هذه الخيول أصدرت صوت الضبح. |
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا(سورة العاديات: الآية 2)
(الْمُورِيَاتِ): أي التي تشعل القدح، تقدح؛ لماذا؟ تضرب بسنابكها الأرض والحجارة فتقدح من شدة ما تعدوا تقدح. |
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا(سورة العاديات: الآية 3)
فإذا أصبح الصباح أغارت هذه الخيول على الأعداء |
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا(سورة العاديات: الآية 4)
أثارت هذه الخيول النَّقع، والنَّقع هو الغبار الشديد، الغبار الشديد التي تثيره الخيول وهي تركض. |
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا(سورة العاديات: الآية 5)
كن كالخيل في الوفاء
|
إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا(سورة الفرقان: الآية 44)
أو أن يكون مع المنعم فيتجاوز النعمة إلى خالقها جلَّ جلاله. |
الله شاكرٌ وشكورٌ
أيها الأحباب: إذاً أصل موضوع الشكر ألا يكون الإنسان كنوداً بمعنى أنه ينسى ما أُعطي ويَعُدُّ ما فقد، بينما المؤمن ينسى ما فقده ويَعُدُّ نِعَم الله تعالى عليه التي كلنا متلبسون بها ومهما فعلنا ما وفَّينا حق شكرها لله تعالى جلَّ جلاله. |
أيها الإخوة الكرام: ومن عظيم موضوع الشكر أن الله تعالى سمى نفسه باسمين من الشكر، فالله تعالى شاكرٌ وشكورٌ |
فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ(سورة البقرة: الآية 158)
الشاكر والشكور من أسماء الله الحسنى
|
ميزان الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات
لما كتب الله تعالى الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، كما في الحديث الصحيح، وضع ميزان للتعامل مع خلقه؛ فقال: |
{ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً }
(صحيح البخاري)
أنت هل تقبل من عامل أن يقول لك: والله كنت أنوي أن أعمل ولكني لم أعمل؟ لم تعمل النتيجة لن أعطيك شيئاً، الله تعالى يقول: (مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً) هذا الشاكر جلَّ جلاله، فقط هَمَّ بها، يعني نوى الخير لكن منعه شيءٌ عن فعل هذا الخير، انشغل بشيء، نوى قيام الليل فلم يستيقظ لكنه هَمَّ به فيكتب له حسنة، قال: (وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْر حَسَنَاتِ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ) كما في بعض الروايات |
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ(سورة البقرة: الآية 261)
عظمة الله منعته من فعل السيئة
|
التخلُّق بأسماء الله شاكرٌ وشكورٌ
هذا هو الشاكر جلَّ جلاله، هذا هو الشكور، فأنت لمَّا قال تعالى: |
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا(سورة الأعراف: الآية 180)
ما معنى (فَادْعُوهُ بِهَا)؟ يعني أن تتخلق بهذا الاسم في أخلاقك، فالله تعالى شاكرٌ وشكورٌ، كن أنت شاكراً وشكوراً له أولاً وللناس ثانياً، لأنه |
{ «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» }
(رواه أبوداود)
وهذا من اسم الشكور أنه أمرك أن تشكر الآخرين |
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ(سورة لقمان: الآية 14)
ربط الشكر للوالدين بشكر الله
|
إخواننا الكرام: الله تعالى لا يُضيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا |
إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا(سورة الكهف: الآية 30)
وهذا من اسمه الشاكر ومن اسمه الشكور: أنك إذا أحسنت؛ الله لا يمكن أن يضيع عملك، يشكر لك هذا العمل في الدنيا وفي الآخرة. |
الإكثار من الأعمال الصالحة
أيها الكرام: أيضاً من اسم الشكور: في الحديث الصحيح: |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ }
(صحيح مسلم)
شكر الله للعمل الصالح
|
{ لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ }
(أخرجه مسلم)
لعلها تكون هذه النظرة بوجه طلق مغفرة لك ويشكرها الله لك، فالله لا يضيع أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، فقالوا: الشكور يُجْزِل المثوبة، تعطي قليلاً فيعطي على القليل كثيراً جلَّ جلاله، بل إن الشكر بعد أن كان صفةً من صفات الله واسماً من أسماء الله هو صفة الأنبياء، قال تعالى: |
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا(سورة الإسراء: الآية 3)
يمدحه الله تعالى بأنه (كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) كثير الشكر، وقال تعالى: |
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(سورة النحل: الآية 120-121)
فوصف الله أنبياءه بالشكر جلَّ جلاله، قال تعالى: |
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ(سورة الزمر: الآية 66)
ما تلقى الله عزَّ وجلَّ بأحب إليه من الشكر. |
الدين نصفان شكرٌ وصبرٌ
حال المؤمن مع الله صبرٌ وشكرٌ
|
أيها الأحباب؛ قال تعالى: |
لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ(سورة إبراهيم: الآية 7)
فالشكر من أسباب الزيادة والكفر من أسباب البعد عن النِّعَم، فربنا عزَّ وجلَّ: |
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ(سورة النحل: الآية 112)
لم تشكر، هنا الكفر عكس الشكر (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) في مقابل الجوع والخوف يَمْتَنُّ الله على قريش: |
الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ(سورة قريش: الآية 4)
نعمتان الأمن والشِّبَع، لمَّا يكون هناك كفر بأنعم الله يذهب الأمن ويذهب الشِّبَع، وعندما يكون هناك قرب من الله يأتي الأمن ويأتي الشِّبَع، وهما من أعظم نِعَم الله على الإنسان أن يكون: |
{ "منْ أَصبح مِنكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ، مُعَافَىً في جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها" }
(رواه الترمذي)
ما فاته من الدنيا شيء من كان آمِناً، مُعَافَىً، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، ما فاته من الدنيا شيء أبداً، كل الإضافات تحسينيات كماليات لكن هو لم يفته شيء لمَّا كان في صحته وعِندهُ قُوتُ يَومِهِ، وعنده الأمن، آمِناً في سِرْبِهِ، ولا أمن كأمن الإيمان وأمن التوحيد |
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(سورة الأنعام: الآية 82)
قال تعالى: |
وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ(سورة آل عمران: الآية 145)
وهذا قانون لا يتخلف؛ الله تعالى يعدك بالجزاء إن أنت كنت شاكراً له. |
أركان الشكر
ثلاثة أركانٍ قرآنية للشكر
|
يعني أركان الشكر ثلاثة عند ابن القيم وهي كلها قرآنية: |
1. الإعتراف بالنعمة
{ عن ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: مُطِرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ، قَالُوا: هَذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} ، حَتَّى بَلَغَ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} }
(صحيح مسلم)
(أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَمِنْهُمْ كَافِرٌ) بعد المطر انقسم الناس قسمين شاكر وكافر، فمن (قَالُوا: هَذِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ) هؤلاء الشاكرون، فقط اعترفوا بالنعمة، يا رب لك الحمد، نعمة المطر، جاءه الولد يارب لك الحمد هذا منك وإليك، جلس على الطعام وبين يديه الطعام |
{ إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا }
(صحيح مسلم)
الاعتراف أول مراتب الشكر
|
2. التحدث بالنِعَم
قال تعالى: |
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ(سورة الضحى: الآية 11)
يمكن أسلفت سابقاً ولا مانع أن أعيد هنا لأن الموضوع له علاقة بالشكر، المقصود بالتحدث بالنِعَم لا كما يفهمه بعض الناس من أن يذكروا كثيراً من تجاراتهم وأسفارهم ورؤاهم في السفر وكذا، والناس يعني هناك تفاوت |
انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا(سورة الإسراء: الآية 21)
التفاوت في الدنيا يسير
|
{ بين كل درجتينِ مسيرةُ ألفِ عامٍ للراكبِ المسرعِ... }
(أخرجه ابن الجوزي)
هناك الدرجات، الدرجات في الدنيا متفاوتة لكن تفاوت بسيط لا ينظر له، أما الآخرة التفاوت فيها عظيم. |
عدم إظهار النعم أمام من لا يملكها
|
{ عَن عائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: " أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا " }
(متفقٌ عَلَيْهِ)
هذا التحدث بالنِّعَم، أنا أشكر الله على نعمه، الموضوع ليس موضوع ذنوب، الموضوع أعمق، الموضوع اعتراف وثناء على الله بما أنعم به عليَّ من النِّعَم التي لا تعد ولا تحصى. |
3. استخدام النِّعمة في طاعة الله
الركن الثالث وهو الأهم في شكر النِّعمة: هو أن تستخدم النِّعمة في طاعة الله هذا أعظم الشكر قال تعالى: |
اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا(سورة سبأ: الآية 13)
شكر العمل أعظم أنواع الشكر
|
الرضا أصل الشكر
آخر شيء إخواننا الكرام: الشكر من أين ينبع، أصل الشكر؟ أصل الشكر أحبابنا يأتي من الرضا، الرضا أصل الشكر، يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: |
{ َكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ }
(أخرجه البخاري)
عندما ترضى فأنت ستشكر حتماً
|
وقد ذكروا أن رجلاً ذهب إلى عالمٍ يشكو فقره، فقال له: أيسرُّك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا، يعني فقط لا تبصر فتصبح غني، قال: لا، ثم قال: أيسرُّك أنك أخرس ولك عشرون ألف درهم؟ قال: لا، أيسرُّك أنك مجنون ولك ثلاثون ألف درهم؟ أيسرُّك أنك مقطوع اليد ولك كذا؟ قال: ثم قال: أما تستحي أن تشكو الله وعندك ما ليس عند الناس؟. |
الطموح صفة إيجابية
السعي دائماً نحو الأفضل
|
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ(سورة يوسف: الآية 55)
لا يمنع، ما الذي يمنع أن يعتني الإنسان بصحته؟ يمشي، ينظم طعامه، القوة |
{ المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعيفِ وَفي كُلٍّ خَيرٌ }
(رواه مسلم)
هذا الطموح مطلوب لكن عندما يصبح الطموح كفراً بالنعمة ونظراً إلى الأعلى دائماً فكل ما ورد درجة يتطلع إلى ما بعدها دون أن ينظر إلى ما عنده من النِّعَم هذا يصبح طموحاً سلبياً، أنه يصبح يمد عينيه |
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا(سورة طه: الآية 131)
يصبح يمد عينيه دائماً إلى ما يفتقده وينكر ما يجده، أما الطموح بمعنى أن تشكر ما أنت فيه وتسعى إلى الأفضل فهذا مطلوبٌ ومحبوبٌ ومرغوبٌ. |
إذاً أيها الأحباب: موضوع الشكر يعني أظن أنه موضوع مهم جداً ولعلنا إن شاء الله كلنا من أهل الإيمان وأنتم شاكرون حامدون لكن |
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ(سورة الذاريات: الآية 55)
وأنا أذكِّر نفسي قبلكم لأنه أحياناً كما قلنا النِّعمة تُؤلَف فإذا أُلفت نُسِيَت، اللهم أرنا نعمك بدوامها لا بزوالها، لما تزول النعمة يعرف الناس ما كانوا فيه من نِّعَم أما عندما تكون موجودة يألفونها فينسونها وهم لا يشعرون، فهي دعوة لي ولكم من أجل أن ننتبه دائماً إلى نِعَم الله تعالى، أن ننتبه دائماً إلى ما أنعم الله به علينا وألا نألف النِّعَم فننسى شكرها. |
والحمد لله رب العالمين. |