عمر رضي الله عنه على فراش الموت
عمر رضي الله عنه على فراش الموت
اَلسَّلَامُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اَللهِ وَبَرَكاتُهُ: بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ وعلى صحابته الغُرِّ الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنَّا وعَنْهُمْ يا رَبَّ الْعَالَمِينَ. |
أيها الإخوة الأحباب: نعود اليوم إلى الحديث عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، والحديث عن الصالحين لا ينتهي، وبذكر الصالحين تتعطَّر المجالس. |
ثلاث شخصيات في حياة الإنسان
تمايز الناس فيما بينهم
|
{ خيرُ القُرونِ قرني ثُمَّ الذين يلونَهم ثُمَّ الذين يلونَهم ثُمَّ يفشو الكَذِبُ }
(صحيح مسلم)
فنحن نسعى إن شاء الله لنكون من خير القرون. |
حج سيدنا عمر رضي الله عنه
|
المؤمن لا يخشى لقاء ربه
أيها الإخوة الكرام: يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: |
{ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءهُ }
(صحيح البخاري)
(إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ) فالإنسان بشكل طبيعي لا يحب الموت لأن الموت بالنسبة له غيبٌ لا يدري ما بعده فيتعلق بالشهادة، بالعالم الموجود الآن، بماله، بولده، بأحبابه، بأصدقائه، هذا وضع طبيعي، فالسيدة عَائِشَة أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ بكل صراحة قالت: يا رسول الله: (إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكِ) أي ليس هذا هو المعنى، فما المعنى؟ |
المؤمن يُبشَّر بالخير إذا دنا أجله
|
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ(سورة الأعلى: الآية 17)
بينما بالعكس تماماً البعيد عن الله المتفلت الشارد الكافر قال: يُبَشَّرُ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فيكره لِقَاءَ اللَّهِ لأنه سيلقى شيئاً يسوؤه فيتعلق بالدنيا أكثر وأكثر فيكره الله لقاءه، هذا معنى الحديث. |
فسيدنا عمر رضي الله عنه؛ هنا لما قال: "اللهم قد كَبِرَت سِنِّي وضَعُفَت قوتي وانتشرت رعيتي فخذني إليك غير مُفَرِّطٍ ولا مُضَيِّعٍ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويتقبل الله من المتقين"، سيدنا عمر أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه. |
خطبة الجمعة الأخيرة لسيدنا عمر
ثم رجع عمر إلى المدينة وخطب يوم الجمعة وذكر في خطبته نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكرٍ رضي الله عنه ثم قال: |
{ إنِّي رَأَيْتُ كَأنَّ دِيكًا نَقَرَنِي ثَلَاثَ نَقَرَاتٍ، وإنِّي لا أُرَاهُ إلَّا حُضُورَ أجَلِي، وإنَّ أقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أنَّ أسْتَخْلِفَ، وإنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ، ولَا خِلَافَتَهُ، ولَا الذي بَعَثَ به نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فإنْ عَجِلَ بي أمْرٌ، فَالْخِلَافَةُ شُورَى بيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ، الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وهو عنْهمْ رَاضٍ. }
(صحيح مسلم)
(رَأَيْتُ كَأنَّ دِيكًا) أي في المنام، (وإنِّي لا أُرَاهُ إلَّا حُضُورَ أجَلِي) فسر الرؤيا بأنه قد حان الرحيل، (وإنَّ أقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أنَّ أسْتَخْلِفَ) أي أن أجعل خليفةً بعدي، أن أسمي خليفة، (فإنْ عَجِلَ بي أمْرٌ) توفيت قبل أن أستخلف، (فَالْخِلَافَةُ شُورَى بيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ) الستة هم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، رضي الله عنهم. |
حفظ الله لدينه
الإسلام محفوظٌ بحفظ الله
|
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(سورة الحجر: الآية 9)
فاطمئن الإسلام محفوظٌ بحفظ الله وهو في ازديادٍ وانتشار لا في انكماش رغم كل ما يُكاد له، لكن القضية في أن ينظر الإنسان في نفسه هل أنا جنديٌّ من جنود الحق أم نسأل الله السلامة جُعِلتُ في خندقٍ آخر في عداء الحق؟! فالقضية أنا وليست الإسلام، الإسلام محفوظ، لكن هل استخدمني الله تعالى في حفظه أم استبدلني؟ هل جعلني على الحق أم نسأل الله السلامة بسببٍ مني وببعدٍ مني عن الحق جعلني في الباطل؟! هذه هي القضية. |
(إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ) هذا كلام عمر رضي الله عنه؛ لو أردنا أن نحلله في اللغة العربية: أي إنَّ الله يستحيل أن يضيع دينه هذا معنى (لَمْ يَكُنْ) يعني ليس من شأن الله أن يضيع دينه فالدين محفوظٌ بحفظ الله تعالى. |
طعن سيدنا عمر وهو يصلي الفجر إماماً
وفي صباح يومٍ من الأيام وبينما عمر رضي الله عنه يصلي بالناس صلاة الفجر ويكبِّر ويبدأ بالقراءة، بينما هو كذلك إذ تقدَّمت إليه يدٌ من أيادي الأعداء التي لا تتسلَّل إلا في الظلام؛ فيهوي صريعاً والدماء تنبعث منه، فما راعَ الناس إلا تكبير عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، إذ أخذه عمر رضي الله عنه بيده فقدمه. |
من فقه الإمام في الصلاة
|
سيدنا عمر يوصينا الصلاة
لما قالوا له يا أمير المؤمنين: الصلاة الصلاة؟ قال: لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة. |
أيها الكرام: |
{ كانَ آخِرُ كَلامِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الصَّلاةَ الصَّلاةَ ! اتَّقوا اللهَ فِيما مَلَكَتْ أَيْمانُكم }
(صحيح أبي داود)
آخر ما أوصى به محمدٌ صلى الله عليه وسلم أمته بالصلاة وبملك اليمين، أما الصلاة فواضحة، لأنه كما صح في الحديث: |
{ عن أَبي هُريْرةَ رضي اللَّه عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "إِنَّ أَوَّل مَا يُحاسبُ بِهِ العبْدُ يَوْم القِيامةِ منْ عَملِهِ صلاتُهُ، فَإِنْ صَلُحت، فَقَدْ أَفَلحَ وَأَنجح، وَإنْ فَسدتْ، فَقَدْ خَابَ وخَسِر، فَإِنِ انْتقَص مِنْ فِريضتِهِ شَيْئاً، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وجلَّ: انظُروا هَلْ لِعَبْدِي منْ تَطَوُّع، فَيُكَمَّلُ مِنْهَا مَا انْتَقَص مِنَ الفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يكونُ سَائِرُ أَعمالِهِ عَلى هَذَا" }
(رواه التِّرمِذِيُّ)
أول ما يسأل الناس عنه يوم القيامة الصلاة، أول سؤال عندما نقف بين يدي الله سيسألنا الله عن صلاتنا فيقول: انظروا لعبدي في صلاته، فإن كان هناك نقص قال: انظروا هل له من تطوع (نوافل)؟ فيكمّل النقص. |
بالصلاة نرسم الطريق إلى الآخرة
|
الإسلام جاء ليقضي على العبودية
الحرية من أهم مقاصد الإسلام
|
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ(سورة البقرة: الآية 256)
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ(سورة الأنفال: الآية 39)
قضاء الإسلام على العبودية
|
{ عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللّه تحْتَ أيْدِيكُمْ. فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مما يأكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِما يَلْبَسُ، ولا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ فإنْ تكلَّفوهُمْ فأعِينُوهُمْ " }
(متفق عليه)
حتى الاسم ألغاه الإسلام: |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي }
(صحيح مسلم)
لا تناده: يا عبدي، ليس عبداً لك هو عبدٌ لله، لكن يخدم عندك. |
النبي صلى الله عليه وسلم آخر كلامه من الدنيا: |
{ كانَ آخِرُ كَلامِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الصَّلاةَ الصَّلاةَ ! اتَّقوا اللهَ فِيما مَلَكَتْ أَيْمانُكم }
(صحيح أبي داود)
خوف عمر من الله عز وجل
نتابع الأيام الأخيرة في حياة عمر، رضي الله عن عمر، وكان عمر رضي الله عنه على فخذ ابنه عبد الله فقال: "يا بني ضع خدي على التراب علَّ الله أن يرحمني"، فلم يفعل عبد الله، فأعادها قائلاً: "ضع خدي على التراب لا أُمَّ لك يا عبد الله"، يقول عبد الله: فوضعت خده إلى الأرض حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خارجةً من بين أضغاث التراب وبكى وأصغيت إليه لأسمع ما يقول فإذا به يقول: "ويلَ عمر إن لم يتجاوز الله عنه، ويلَ عمر إن لم يتجاوز الله عنه"، ويدخل الصحابة يعودونه ومن بينهم علي رضي الله عنه فيقول: "ما خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللهِ إنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مع صَاحِبَيْكَ"، رسول الله وأبي بكر، وحسبت إني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ"، بَكْرٍ وَعُمَرُ، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: "يَا لَيْتَنِي أَنْجُو كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ". |
{ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، وُضِعَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ علَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عليه، قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنَا فيهم، قالَ فَلَمْ يَرُعْنِي إلَّا برَجُلٍ قدْ أَخَذَ بمَنْكِبِي مِن وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فَإِذَا هو عَلِيٌّ، فَتَرَحَّمَ علَى عُمَرَ، وَقالَ: ما خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللهِ إنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مع صَاحِبَيْكَ، وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فإنْ كُنْتُ لأَرْجُو، أَوْ لأَظُنُّ، أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ معهُمَا }
(صحيح مسلم)
المحبة بين الصحابة صنعت فتوحات عظيمة
الحب يصنع ما لا تصنعه الأفكار
|
الخوف على قدر المعرفة
الخوف من الله والنظر إلى عظمته
|
لمَّا كان الصحابة يخافون؛ سيدنا عمر يقرأ سورة الطور حتى يبلغ: |
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ(سورة الطور: الآية 7-8)
عِظَمُ مقام الله في قلوب الصحابة
|
{ ثُم يَأْتي زَمانٌ مَن عمِلَ منهم بعُشْرِ ما أُمِرَ به نَجا }
(رواه الترمذي)
نحن جماعة معشار آخر الزمن، بِعُشْر ما عمل صحابة رسول الله نسأل الله النجاة، أما هؤلاء قمم لا نبلغ شأوهم لكن نسأل الله أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته بحبنا إياهم. |
اختيار سيدنا عمر لمكان دفنه
ويختم عمر رضي الله عنه وأرضاه حياته بأهم ما لديه، ما أهم ما لدى عمر؟ أن يدفن بجوار صاحبيه رسول الله وأبي بكر رضي الله عنه، فيحدث البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله قال لابنه عبد الله: |
{ انْطَلِقْ إلى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، ولَا تَقُلْ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ، فإنِّي لَسْتُ اليومَ لِلْمُؤْمِنِينَ أمِيرًا، وقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ أنْ يُدْفَنَ مع صَاحِبَيْهِ، فَسَلَّمَ واسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ السَّلَامَ، ويَسْتَأْذِنُ أنْ يُدْفَنَ مع صَاحِبَيْهِ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، ولَأُوثِرَنَّ به اليومَ علَى نَفْسِي، فَلَمَّا أقْبَلَ، قيلَ: هذا عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، قدْ جَاءَ، قَالَ: ارْفَعُونِي، فأسْنَدَهُ رَجُلٌ إلَيْهِ، فَقَالَ: ما لَدَيْكَ؟ قَالَ: الذي تُحِبُّ يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ أذِنَتْ، قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، ما كانَ مِن شيءٍ أهَمُّ إلَيَّ مِن ذلكَ، فَإِذَا أنَا قَضَيْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ، فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فإنْ أذِنَتْ لي فأدْخِلُونِي، وإنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إلى مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ }
(صحيح البخاري)
عدم استغلال المنصب حتى في أسوء الظروف
|
حياء السيدة عائشة من سيدنا عمر بعد دفنه
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها؛ وهنا ملمح عجيب حقيقةً وهو في الصحيح أخرجه أحمد في مسنده: |
{ كنتُ أدخُلُ بَيتي الذي دُفِنَ فيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَبي، فأضَعُ ثَوْبي، وأقولُ: إنَّما هو زَوْجي وأبي، فلمَّا دُفِنَ عُمَرُ معهم، فواللهِ ما دخَلتُهُ إلَّا وأنا مَشدودةٌ علَيَّ ثيابي؛ حَياءً مِن عُمَرَ! }
(أخرجه أحمد)
حياء السيدة عائشة رضي الله عنها
|
فالآن تهنأ يا عمر بجوار من أهدى البشر فسقى رفاتك وَابِـــلٌ من ماء غيث مُنْهَمِــــــر{ شاعر مغمور }
الحياة في سبيل الله
إخواننا الأحباب: سيدنا عمر عاش حياته لله، وقضى لله، واليوم بعد ألف وأربعمئة سنة نذكره وتطيب المجالس بذكره ونترضى عنه، ويوجد أشخاص أقوياء وأغنياء ما عاشوا لله، بل عاشوا لأنفسهم أو عاشوا والعياذ بالله على الناس فبنوا عزهم على إذلال الناس وبنوا مجدهم على أنقاض الناس وبنوا غناهم على إفقار الناس وقضوا وهم أقوياء لكننا اليوم لا نذكرهم وإن ذكرناهم ذكرناهم بسوء وقلنا: كفوا عن ذكرهم فقد تعكر المجلس بذكرهم، فالإنسان أيها الأحباب؛ إما أن يحيا لله وإما أن يحيا لغير الله |
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(سورة الأنعام: الآية 162)
فليكن لسان حالنا جميعاً أن نحيا في سبيل الله، الموت في سبيل الله شرف وهو شرفٌ عظيمٌ، ونسأل الله أن يرزقنا الشهادة في سبيله لكن إن لم يتح لنا أن نموت في سبيل الله فلا أقل من أن نعيش في سبيل الله، فالعيش في سبيل الله متاح لجميع البشر وهو ممكن ومطلوب وثماره يانعة وقريبة، الحياة في سبيل الله نِعمَ الحياة أن تجعل حياتك لله، فتنفق في سبيل الله، وتأخذ في سبيل الله، وتعطي في سبيل الله، وتربي أولادك في سبيل الله، وتصلي في سبيل الله، وتصوم لله، وتعطي لله، وتمنع لله، وترضى لله، وتغضب لله، هذا معنى أن يحيا الإنسان في سبيل الله. |