• محاضرة في الأردن
  • 2020-10-12
  • عمان
  • الأردن

النداء الخالد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أيها الإخوة الأحباب: نتحدث اليوم إن شاء الله تعالى عن قصة الأذان، ذاك النداء الخالد المحبب إلى نفوس المؤمنين، القريب من نفوس المحبين، الذي نسمعه كل يوم خمس مراتٍ.

الصلاة هي الفرض الوحيد المتكرر
الصلاة أقدس فريضةٍ في الإسلام
ولكن ربما لانهماكنا في أعمالنا وانشغالنا بدنيانا، قد لا ننتبه إلى هذه الكلمات الراقية التي جُعلت دعوةً للصلاة، تلك الفريضة التي هي أقدس فريضةٍ في الإسلام، الفريضة المتكررة الوحيدة التي لا تسقط بحال، تعلمون أن الصيام يسقط عن المريض والمسافر، وأن الحج يسقط عن الفقير أو من لا يجد أمن الطريق، وأن الزكاة تسقط عمَّن لا يملك نصابها، وشهادة أَلَّاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قد تكون في العمر مرّةً يدخل بها الإنسان الإسلام، إلا أن الصلاة فرضٌ وحيدٌ يتكرر كل يومٍ خمس مراتٍ، ولا يسقطه مرضٌ ولا سفرٌ، له أحكامٌ خاصةٌ في المرض والسفر لكنه لا يسقط، لأن الدين صلاة بل الصلاة عماد الدين، والدعوة إلى الصلاة تكون بالأذان.
الأذان له قصة يرويها عبد الله بن زيد رضي الله عنه كما في مسند الإمام أحمد بسندٍ صحيح قال:

{ لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَضْرِبَ بِالنَّاقُوسِ وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ؛ لِمُوَافَقَتِهِ النَّصَارَى، طَافَ بِي مِن اللَّيْلِ طَائِفٌ وَأَنَا نَائِمٌ: رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا عَبْدَاللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى، فقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ وقَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَت الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَت الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ، فَكَانَ بِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إلَى الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَائِمٌ، فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِن النَّوْمِ"، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الحارثي التَّيْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ ، وَفِيهِ قال: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ: إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فليُؤذِّن به؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، قَالَ: فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ. قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وهو يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي أُري، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ }

(أخرجه الإمام أحمد)

كيف نجمع الناس للصلاة؟ نضرب بالناقوس إعلاماً للناس بالدعوة إلى الصلاة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره ذلك، لماذا؟

اختيار الأذان للدعوة إلى الصلاة
إخواننا الكرام: عندنا معانٍ سامية في ديننا، الناقوس مجرد صوتٍ لا قيمة له، ليس في داخله مضمون، ليس فيه بيان، لا يحمل معانٍ، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم له كارهاً، لا يوجد أي معنى لأن تضرب بالناقوس، مثل الطلاب في الفرصة، والجرس يعني انتهاء الفرصة والعودة إلى الصف، لا يوجد أي معنى، مجرد إعلام، أما الأذان فبيانٌ ومعانٍ راقية، الله أكبر، الله أكبر، فيه كلمات وفيه صوتٌ جميلٌ يدعو إلى الصلاة، صوتٌ وكلماتٌ معاً، أما الناقوس فمجرد صوتٍ لا قيمة له، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان كارهاً أن يُدعى للصلاة؛ هذه العبادة المقدسة بصوت ليس له معنى، فقال: وَهُوَ لَهُ كَارِه.
( إنها رُؤْيا حقٍّ)، هذه رؤيا حقٍ من الله أراد أن يرسلها رسالةً عن طريق هذا الصحابي الجليل عبد الله بن زيد، فلما أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم عليها بأنها رؤيا حقٍ أصبحت الدعوة إلى الصلاة بهذه الكلمات سُنَّةً.

الإسلام يدعو إلى الجمال المشروع
(فقُمْ مع بِلالٍ فالقِ عليهِ ما رأيتَ فليُؤذّنْ بهِ، فإنه أنْدَى صوتاً منكَ)، وهذا دليلٌ على أن الإسلام يدعو إلى الجمال، الجمال المشروع، الصوت الحسن، المنظر الحسن، أن يُصلح الإنسان رحاله أن يُحسن داره، أن ينظف فناء بيته، هذا جمال، وفي الحديث:

{ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ }

(صحيح مسلم)

الصوت الحسن جمال
الله تعالى من أسمائه الجميل، الصوت الحسن جمال، يحب الإنسان أن يسمع صوتاً حسناً ما دام مشروعاً، ليس غناءً فاحشاً، وإنما كلماتٌ طيبةٌ تدعو إلى الصلاة، كلماتٌ طيبةٌ في حب النبي صلى الله عليه وسلم، كلماتٌ طيبةٌ في حب الوطن، في حب الخير، في حب المعروف، ما الذي يمنع أن يكون الصوت حسناً نجوِّدُ به أصواتنا وندعو الناس إلى الخير، فالإسلام يدعو إلى الصوت الحسن، يدعو إلى المنظر الجميل لكن في طاعة الله، لأن بعض الناس إذا نظر نظرةً لا ترضي الله فقلت له: غضَّ بصرك عن المحارم، قال لك: (إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ)! فيستخدم هذا الحديث الشريف الراقي من أجل شهوةٍ دنيئةٍ تدافعه نفسه إليها للنظر إلى عورات الآخرين والعياذ بالله، وإنما (إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ) الجمال هو ما حسَّنه الشرع، الجميل هو الجميل في نظر الشرع، الجميل في نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الجمال الذي نظنُّه جمالاً وهو في حقيقته بعيدٌ كل البعد عن الجمال، فالحشمة جمال لكن لا يدرك ذلك إلا أصحاب النظر الثاقب والإيمان العميق، الحشمة جمال والتعري قبح وليس جمالاً

يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ
(سورة الأعراف: الآية 26)

أيها الأحباب: الإسلام يدعو إلى الجمال، ولكن ما جمَّله الشرع وما حسَّنه الشرع، لا ما تجمِّلُه بعض النفوس المريضة، من النظر إلى العورات وتتبع ما لا يُرضي الله تعالى.
(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) حَمِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الله تعالى على أنه وفقه إلى هذه الكلمات الطيبة التي يُدعى الناس بها إلى الصلاة بدلاً من أن تكون الدعوة إلى الصلاة من خلال أنغامٍ لا معنى لها، وإنما بكلامٍ راقٍ.

نعمة البيان من أعظم نعم الله على الإنسان
إخواننا الكرام: يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ
(سورة الرحمن: الآية 1-2-3-4)

قال تعالى: (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) قبل أن يقول: (خَلَقَ الْإِنسَانَ) مع أنه بالترتيب الزمني خُلق الإنسان ثم عُلِّم القرآن، لكن الله تعالى قال:(عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ) لماذا؟ أنت عندما تشتري آلةً عظيمة النفع غالية الثمن، أليس منهج التعامل معها أهم منها؟ لأنك إن لم يكن معك المنهج في التعامل معها إما أن تهملها فلا تنتفع بها، أو أن تُشغِّلها بغير منهج فتعطبها.
لا معنى للوجود من غير منهجٍ يسير عليه
فالله تعالى قال: (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) قبل قوله: (خَلَقَ الْإِنسَانَ) لأنه لا معنى لوجود الإنسان من غير منهجٍ يسير عليه، فقدَّم تعليم القرآن على خلق الإنسان تقديماً رُتبياً لا تقديماً زمنياً، الرتبة في تعليم القرآن أهم من خلق الإنسان نفسِه، لأنه لا معنى له إن لم يسر على منهجٍ يقول له: هذا حلال، هذا حرام، هذا يجوز، هذا لا يجوز، إذاً المنهج أهم من الإنسان.
ما أريد الوصول إليه في الشاهد هنا هو (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، (الرَّحْمَٰنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) البيان من أعظم النعم التي امتنَّ الله بها على الإنسان، بأنه يستطيع أن يتفاعل مع الآخرين من خلال البيان، باللغة الواحدة نتفاعل مع بعضنا، وباللغات الأخرى نتفاعل مع الشعوب الأخرى، وبالترجمة يتفاعل شعبٌ مع شعبٍ آخر، قال تعالى:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ
(سورة العلق: الآية 1-2-3-4)

القلم ينقل المعارف، فمن نعم الله العظمى على الإنسان أنه ذو بيان، يبين ما يريده من خلال اللغة، فالأذان بيان لغوي رائع جداً، لو نظرنا في معانيه لوجدنا فيها الخيرات الكثيرة.

تفريغ الكثير من الكلمات الإسلامية الراقية من مضمونها
العزمٌ على الفعل مع تعليق المشيئة لله
المشكلة أيها الأحباب أن في ديننا أذكاراً كثيرة نقول: الله أكبر، بعد الصلاة نقول: سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، أذكارٌ كثيرة، لكن لأننا درجنا على قولها ربما بعد حين لا ننتبه إلى معانيها الراقية، يجب على الإنسان إذا قال: الحمد لله أن ينتبه إلى ما يقول، إذا قال: سبحان الله أن ينتبه لما يقول، إذا قال: إن شاء الله أن ينتبه لما يقول، عابوا علينا قبل فترة أننا نقول: إن شاء الله حتى قالها هذا الرجل في أمريكا وكأنه يستهزئ، لأنها أصبحت كلمة تدل على أن الإنسان إن قال: إن شاء الله فهو ينوي في داخل أنه لا يريد أن يفعل، وإنما هي في الحقيقة عزمٌ على الفعل لكن مع تعليق المشيئة لله عزَّ وجلّ لأن الإنسان قد يمنعه مانع، قال تعالى:

وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ
(سورة الكهف: الآية 23-24)

أنت تريد أن تعطيه حقه ودينه في الأسبوع القادم، لكن تقول له: إن شاء الله فلربما يحصل شيءٌ خارجٌ عن إرادتي وإرادتك، فعملياً الكلمات الإسلامية الراقية فُرِّغت من مضمونها عند كثيرٍ من الناس، فيجب أن نعيد لها ألقها من خلال فهمها.

الدروس التي نستفيدها من الأذان
الأذان أيها الأحباب فيه دروس، عندما تسمع الأذان تكون منغمساً في عملك أو مع أهل بيتك أو في نزهة أو في الطريق سمعت المؤذِّن يقول: الله أكبر، ما الدروس التي يمكن أن نستفيدها من الأذان؟

1. اعرف ربك
الدرس الأول أحبابنا الكرام: عنونته اجتهاداً مني: اعرف ربك، معرفة الله، وهذه في القسم الأول من الأذان، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، هذه لمعرفة الله كأنه يبدأ بتعريفك بذاته قبل أن يدعوك إلى الصلاة.

1.1 التعظيم
الله أكبر ومعناها الحقيقي
الدرس الأول: اعرف ربك، وفيه معنيان المعنى الأول: معنى التعظيم، والمعنى الثاني: معنى التوحيد، معنى التعظيم: اللَّهُ أَكْبَر، ومعنى التوحيد: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه، هذا أول درس؛ اعرف ربك، وفيه فرعان: تعظيمٌ، وتوحيدٌ.
أنت منغمسٌ في عملك اللَّهُ أَكْبَر من عملك الذي بين يديك، ربما يكون عملك يدرُّ عليك ربحاً، ولكن الله عزَّ وجلّ يُكَافِئُكَ على صلاتك ربحاً أعظم من ربحك المادي الذي ستُحصِّله من هذا العمل الذي سيُلهيك عن طاعة الله، اللَّهُ أَكْبَر، ربما تكون مع أهل بيتك، اللَّهُ أَكْبَر من هذه الجلسة، ربما تكون مع رفاقك وتتسامرون أطراف الحديث وتضحكون، فتسمع: اللَّهُ أَكْبَر، اللَّهُ أَكْبَر من هذه الجلسة، ولو كانت جلسةً مُباحة، المؤمن لا يجلس جلسةً محرمةً، لكن حتى الجلسة المباحة اللَّهُ أَكْبَر منها، الآن وقت الصلاة أهم.
أحبابنا الكرام: ذكر الله تعالى في قرآنه الكريم ثلاث مرَّات مطلع الآية

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
(سورة الزمر: الآية 67)

عظمة الإسلام في التاريخ الأموي
هذا التعظيم، أن تُقدر اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، سأضرب مثلاً؛ أحياناً تسمع كلمة بحسب معرفتك بهذه الكلمة يكون تفاعلك معها، الآن لو قلت: دمشق، كلكم الآن سمعتم كلمة دمشق، أحدكم لم يزر دمشق في حياته، دمشق بالنسبة له تعني عاصمة سورية، فيها تاريخ، فيها حضارة، فيها طعام طيب، فيها أشخاص، انتهى الأمر عنده بهذا الشكل، الثاني سمع دمشق، دمشق زارها مرَّةً وتمتع بها ودخل إلى سوق الحميدية وصلى في المسجد الأموي، انصرف ذهنه فوراً إلى سوق الحميدية، وبعض المنسوجات الشرقية، ثم إلى هاتين الركعتين اللتين صلاهما في المسجد الأموي، وتذكر فيهما هذا المسجد وعظمة الإسلام في التاريخ الأموي، انتهت دمشق عنده، الثالث كان كلَّ أسبوع يزور دمشق، له تاريخ مع دمشق، دمشق سوق الحميدية، ودمشق قصر العظم، وريفها الجميل والغوطة التي تُحيط بها كما يحيط السوار بالمعصم، ودمشق المساجد الجميلة ودمشق النظافة، يروي عن دمشق أشياءً أكثر وأكثر، يعرف دمشق أكثر، قلت: دمشق فسمعها إنسانٌ دمشقيٌ، وُلد في دمشق، فتذكر بيت جدته.
ورأيت منزلنا القديم وحجرةً كانت بها أمي تمدُّ وسادي
{ نزار قباني }
وتذكر النافورة في البحرة الشامية، وتذكر طفولته يوم كان يرتع في البيت، وربما دمعت عينه حنيناً إلى دمشق، فكل إنسان سمع الكلمة نفسها، لكن كل إنسان طافت به طوافاً، لله المثل الأعلى، هو مجرد مثل، قال تعالى:

وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ
(سورة إبراهيم: الآية 25)

إذا قلت لك: الله، اللَّهُ أَكْبَر، كل إنسان له تجربة مع الله، بقدر تجربته مع الله يعظم الله في قلبه، يتذكر نِعم الله عليه
أنعم عليه الله بالنعم الجسيمة العظيمة، يتذكر تراويح رمضان، يتذكر زيارته الأولى لمكة، يتذكر وقوفه عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتذكر ساعات السَّحَر التي يقضيها في مناجاة الله، يتذكر صلوات الجماعة التي يقضيها مع الله، يتذكر السجود، فكل إنسان بحسب معرفته بالله يكون تقديره لله، الكلمة واحدة، لكن كل إنسان له تجربة مع الله عزَّ وجلّ يتذكر بها الله، فينبغي للإنسان أن يعظِّم الله عزَّ وجلّ، فإذا عظُم الله في نفسه وفي ذاته عظُمة الحرمات في عينه فلا يَنْتَهِكْهَا، لأن الآمر هو الله، هذا معنى درس التعظيم.
الله أكبر من كل شيء
اللَّهُ أَكْبَر، أكبر من كل شيء، أكبر من نَفْسكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ، أكبر من مال تأخذه من مصدرٍ لا يحل أن تأخذ المال منه، أكبر من صفقةٍ تجاريةٍ ليست في مرضاة الله، فيها مضرةٌ للناس، فيها بناء مجدٍ على أنقاض الناس، اللَّهُ أَكْبَر، لا أريد أن أخسر علاقتي بالله عزَّ وجلّ من أجل دنيا فانية، فاللَّهُ أَكْبَر، هذا هو درس التعظيم، اللَّهُ أَكْبَر، الآيات الثلاث:

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
(سورة الزمر: الآية 67)

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ
(سورة الأنعام: الآية 91)

مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
(سورة الحج: الآية 74)

المؤمن يرى العزَّة في طاعة الله
فعندما لا تعرف أن مَالِكَ يَوْمِ الدِّينِ هو الله، والسماوات والأرض بيده فلا تُقدِّره حق قدره، وعندما لا تقرأ في كتابه لا تُقدره حق قدره، (إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ)، وعندما لا تتعرف إلى أسمائه الحسنى، القوي، العزيز، العظيم، الرحمن، الرحيم، لا تُقدّره حق قدره، فالمؤمن أيها الأحباب ميزته عن غير المؤمن أنه إذا نظر نظر بنور الله، فإنه يرى الشقاء في معصية الله، ويرى العزَّة في طاعة الله، بينما غير المؤمن لا ينظر إلى أبعد من أنفه، فيرى اللحظة الآنية، فيرى أن هذه اللحظة من حرام ستحقق له متعةً جسدية، أو مبلغاً مالياً فيُقدمُ عليه، دون أن يدقق أهذا يرضي الله أم لا يرضي الله؟ لأنه لم ينظر بنور: اللَّهُ أَكْبَر، أما المؤمن فينظر بنور: اللَّهُ أَكْبَر، فاللَّهُ أَكْبَر من كل شيءٍ، فهي ليست كلمةً تقال بقدر ما هي معنًى يعيشه الإنسان في حياته، تذكر: اللَّهُ أَكْبَر، فلا تعصِ خالقك وترضي مخلوقاً من مخلوقات الله، لأن اللَّه جلَّ جلاله أَكْبَر، هذا الدرس الأول وهذا يتكرر أكثر شيء اللَّهُ أَكْبَر اللَّهُ أَكْبَر، اللَّهُ أَكْبَر اللَّهُ أَكْبَر، وفي نهاية الأذان: اللَّهُ أَكْبَر اللَّهُ أَكْبَر.

2.1 التوحيد
الدرس الثاني من اعرف ربك: هو التوحيد، لا يكفي أن تقول الله عظيمٌ، الله عظيمٌ واحدٌ لاَ شَرِيكَ لهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه، أنت تشهد بالوحدانية لله، تشهد وكأنك ترى بعينك وحدانية الله، في كل شيءٍ خلقه الله
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِــــدُ
{ أبو العتاهية }
كل شيء يشهد بأن الله واحد لاَ شَرِيكَ لهُ
في هذه الشجرة دلالةٌ على أن الله واحدٌ لاَ شَرِيكَ لهُ،، وفي تلك القطة شهادةٌ على أن اللَّه وحْدهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، في كل شيء تنظر إليه يشهد لك هذا الشيء بأن الله واحد لاَ شَرِيكَ لهُ، في كل شيء في السماوات وفي الأرض، فشهادة الوحدانية تعني أنه لَا إلَهَ إلَّا اللَّه أي لا معبود بحقٍ إلَّا اللَّه، لا نتجه إلَّا إلى اللَّه، لا نرضي إلَّا اللَّه، لا نطيع إلَّا اللَّه، لا نخشى إلَّا اللَّه، لا نحب إلَّا اللَّه، لا يعني أنه لا يحب الآخرين لكن يحبهم في الله إن قرَّبت محبتهم إلى الله بهذا المعنى، فالمؤمن يحب لكن يحب في الله، ويخشى ولكن يخشى في الله، ويغضب لكن يغضب لله، ويرضى لكن يرضى لله، أموره كلها مرتبطةٌ بخالقه جلَّ جلاله، فأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه هذا درس التوحيد.
التوحيد أول واجبٍ تدخل به وآخر واجبٍ تخرج به، عندما يولد المولود يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في أذنه اليسرى، فيقال له: اللَّهُ أَكْبَر اللَّهُ أَكْبَر، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه، فيدخل التعظيم والتوحيد في أذن المولود أول شيء، ولما يريد إنسانٌ أن يدخل في الإسلام، يدخل بقوله: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّه، ولما يريد إنسانٌ أن يخرج من الدنيا ففلاحه ونجاحه أن يخرج منها بلَا إلَهَ إلَّا اللَّه

{ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ }

(رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)

اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، قد يقول قائل: سهلة وهو على فراش الموت لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، لا والله ليست سهلةً، ما أيسرها على من عاش حياته على لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وما أصعبها على من قضى حياته وهو يعيش لكل شيءٍ إلا لله، والعياذ بالله، كم من أُناسٍ وهذا مشاهد يرويه أشخاصٌ عن أشخاصٍ، كم من أُناسٍ نطقوا بها أمامه على فراش الموت عشرات المرَّات، وهو لا يستطيع أن يقولها مرَّةً، فالموفق من وفقه الله، الموفق من وفقه الله إليها، ابن قيم الجوزية رحمه الله ذكر قصة مؤذن والحديث عن الأذان نسأل الله السلامة، قال: هذا المؤذن كان يدعو الناس إلى الصلاة، اللَّهُ أَكْبَر اللَّهُ أَكْبَر.

{ الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }

(رواه مسلم)

المؤذن له فضلٌ عظيمٌ في الإسلام
المؤذن له فضلٌ عظيمٌ في الإسلام، يدعو الناس إلى الصلاة، لكن هذا المؤذن يبدو أن في دينه رقةٌ، فكان يؤذن يوماً، فرأى امرأةً تبحث عن مكانٍ، فنزل فسألها قالت: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ حمامٌ اسمه منجاب، فوقعت في قلبه والعياذ بالله، فقال لها: من هنا، وأشار إلى بيته، فدخلت في بيته، فدخل وراءها وأغلق الباب، فاحتالت عليه لتهرب منه، فقالت: يصلح أن يكون معنا الليلة ما يسرنا، قال: الليلة آتيكِ بكل ما تحتاجينه، فخرج ليحضر الطعام والشراب فهربت منه، فلما رجع لم يجدها، فجعل يغني ويقول:
يَا رُبَّ سائلةٍ يَوْمًا وقد تعبت أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب؟
{ المؤذن في القصة }
يقول ابن القيم رحمه الله: فلما حضرته الوفاة جاءه بعض الناس يقولون له: قل: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، فجعل يقول:
يَا رُبَّ سائلةٍ يَوْمًا وقد تعبت أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب؟
{ المؤذن في القصة }
فمن عاش على شيءٍ مات عليه، حسب ما يشغل الإنسان قلبه، فالذي تشغل قلبه الصلاة، ويحافظ على الخمس صلواتٍ في اليوم وفي الليلة، ويحرص على أداء صلاته، الله عزَّ وجلّ إن شاء الله يوفقه إذا كان على فراش الموت أن ينطق بلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، فيختم له فيها وتكون الجنة داره، إذاً الدرس الأول: اعرف ربك: هو قسمان: تعظيمٌ، وتوحيد.

2. اعرف رسولك
الدرس الثاني: اعرف رسولك: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه، محمدٌ صلى الله عليه وسلم قائدٌ محنك، أبٌ رفيق، زوجٌ حنون، مصلحٌ عظيم، عبقريٌ من عباقرة الدنيا، لكن إذا أردت أن تصفه بوصفٍ واحد فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم
اليوم البعض من حيث لا يدري، وبعض المستشرقين من حيث يدرون يصفون محمداً صلى الله عليه وسلم بالعبقرية والذكاء والدهاء، وهم مصيبون فهو عبقريٌ صلى الله عليه وسلم بمعنى الذكاء العظيم قاد أمةً، لكن يريدون بذلك أن يهمزوا ويلمزوا من أنه نبيٌ يُوحى إليه، بعضهم من حيث يشعرون، وبعضهم من حيث لا يشعرون، لكن النبي صلى الله عليه وسلم صاحب وحيٍ عندما ينطق ينطق عن وحيٍ، قال تعالى:

وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ
(سورة النجم: الآية 3-4)

فعندما نصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصفٍ جامعٍ مانعٍ نقول: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه، لأنك عندما تقول: محمدٌ رسول الله فأنت تؤمن بالرسالة وتؤمن بالمُرْسَل إليه وتؤمن بالمُرْسِل جلَّ جلاله، أنت عندما تشهد له بالرسالة فأنت تؤمن بما جاء به من الوحي من الكتاب والسنَّة الصحيحة وتؤمن بالله الذي أرسله، وتؤمن به صلى الله عليه وسلم رسولاً من عند الله، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه، قال تعالى:

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
(سورة المؤمنون: الآية 69)

لا بد أن تعرف رسولك صلى الله عليه وسلم من خلال أحاديثه الشريفة، من خلال سنَّته العطرة هذا معنى: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه، أما أن يشهد إنسانٌ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وهو لا يعرف شيئاً عن الرسالة فهذه مصيبةٌ كبرى، لا بد أن نتعلم أكثر سنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة.

3. التعريف بالآمر قبل الأمر
أيها الإخوة الأحباب: الآن هذا الجانب النظري في الأذان، الجانب النظري اعرف ربك، اعرف رسولك، اعرف ربك عظيماً واحداً، واعرف رسولك مرسلاً من عند خالقه جلَّ جلاله، هذا جانبٌ نظري، أَيْدلُوجِيّ، فكري، بالعبارات الحديثة، عقيدي بالمصطلح الشرعي.
التعريف بالآمر قبل التعريف بالأمر
الآن بعد ذلك قال: حَيَّ عَلَى الصَّلَاة، متى دعاك إلى الصلاة؟ بعد أن عرفك به وبرسوله صلى الله عليه وسلم، الآن أنت تنطلق من عقيدة، أنت اللَّهُ أَكْبَر عندك من كل شيء، وهو واحدٌ لاَ شَرِيكَ لهُ، وطاعته أوجب الواجبات، ورسوله صلى الله عليه وسلم صاحب السنَّة التي ينبغي أن تتبعها في الصلاة، الآن قال لك: حَيَّ عَلَى الصَّلَاة، هذا منهجٌ لنا جميعاً في دعوتنا مع أولادنا، أن ننطلق بالتعريف بالآمر قبل أن ننطلق إلى التعريف بالأمر، الآمر ثم الأمر، أو الآمر والأمر معاً.
الآن لو جمعت مليار مسلم فرضاً وعندك مكبر صوت يُسمعهم جميعاً، لا ندري ما تخبئه لنا الأيام، أو عبر وسائل التواصل وسألتهم جميعاً: الكذب حلالٌ أم حرام؟ ضع هذه أو هذه، أنا أتوقع أن المليار مسلم سيكتبون: حرام، لا يوجد مسلم اليوم لا يدرك أن الكذب حرام، فإذا نزلت إلى الأسواق تجد واقع كثير من المسلمين مختلفاً عن الإجابة، يكذب ليحصل مالاً إذاً هل مشكلته أنه لا يعرف أن الكذب حرام؟ لا والله، مشكلته أنه لا يعرف أن الله عزَّ وجلّ أكبر، أمره ألا يكذب، مشكلته لا يعرف أن الله تعالى إذا أمر ينبغي أن يطاع، لأنه عظيم وواحد جلَّ جلاله، إذاً مشكلته نقصٌ في الإيمانيات أم عدم معرفة بالسلوكات؟ بل في الإيمانيات، إذاً ينبغي أن ننمّي الإيمان في أبنائنا، في طلابنا، في دعوة الناس إلى الله، الإيمان أولاً أن نبني الإيمان في النفوس قبل أن نبنيه في الحركات، الحركات تأتي تبعاً للإيمان، الإيمان يجعل الإنسان يستقيم على أمر الله تعالى، فلذلك قال: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قوموا إلى الصلاة، ما معنى حَيَّ عَلَى الصَّلَاة؟ هلموا، أقبلوا، قوموا، الآن ينهض المؤمن إلى الله الذي يعرفه وإلى تطبيق سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحبه، حَيَّ عَلَى الصَّلَاة، أقبِل على الصلاة، أسرع إلى الصلاة.

4. الدعوة إلى ما يبقى من عملٍ ليوم القيامة
كل ما يبقى يسمى فلاحاً
حَيَّ عَلَى الْفَلَاح، الفلاح في الأصل هو البقاء، كل ما يبقى يسمى فلاحاً، الإنسان إذا أكل وشرب وجمع مالاً هل من عاقل يقول: إن هذا يدوم؟ عاقل وليس مؤمناً! ائتني بملحدٍ لا يؤمن بوجود الله والعياذ بالله، هل يستطيع أن ينكر أن كل ما معه لن يدوم له؟ إذا قال: سيدوم لي ففي عقله مشكلة! لا يستطيع إنسان أن ينكر أن كل ما في الدنيا لن يدوم، لأن الناس ترى بعينيها الموت، الموضوع مشاهد ليس غيباً بل شهادة، الكبير يموت والصغير يموت، والحاكم يموت، والمحكوم يموت، والملوك يموتون، والرؤساء يموتون، والصغار يموتون، والأغنياء والفقراء والعقلاء وغير العقلاء، الكلُّ يموت.
فإذا قال إنسانٌ: أنا لن أموت فهذا اتهمه في عقله، إذاً لا شيء في الدنيا يدوم، فالله تعالى لما يدعوك يدعوك إلى ما يبقى، حَيَّ عَلَى الْفَلَاح، الذي يبقى هو صلتك بالله الذي تلقاه يوم القيامة، هذا هو الذي يبقى، فلماذا تأتي ما يفنى وتترك ما يبقى؟ هذا معنى: حَيَّ عَلَى الْفَلَاح، قم إلى البقاء، قم إلى ما تجده يوم القيامة أضعافاً مضاعفة، الفلاح هو البقاء، الفلاح هو النجاح، هو الفوز، هو التفوق، والفلاح في القرآن الكريم ورد عدة مرات:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
(سورة المؤمنون: الآية 1)

وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(سورة البقرة: الآية 5)

لأنهم يحققون الهدف من وجودهم، والفلاح لا يكون إلا عندما تحقق الهدف من وجودك وهو أن تدخل الجنة بسلامٍ، وأن تعبد الله حق عبادته، فلذلك قال: حَيَّ عَلَى الْفَلَاح، قوموا إلى ما يدوم، إلى ما يبقى، إلى الخير، إلى الفوز، هذا معنى حَيَّ عَلَى الْفَلَاح.

الفرق بين الحياة والمعيشة في القرآن الكريم
قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
(سورة الأنفال: الآية 24)

هذه هي الحياة، الإنسان يوم يلقى أجله

يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي
(سورة الفجر: الآية 24)

المؤمن جُلّ اهتمامه لخدمة الأبد
وهذه التي كنت فيها ما هذه؟ هذه حياة، لكن حياةٌ دنيا، لكن أنت قدمت لحياتك الأخرى الباقية الممتدة، هذه الذي ينبغي أن نقدِّم لها، الناس جُلّ اهتماماتهم في تلك الثمانين عاماً أو التسعين أو المئة التي سيعيشها، جُلّ اهتمامه موظفٌ من أجل خدمة ثمانين سنَّة، لكن المؤمن جُلّ اهتمامه لخدمة الأبد، الثمانين سنَّة يستخدمها ولا يخدمها، يملكها ولا تملكه، تنقاد له ولا ينقاد لها، لكنه موظف كل ما آتاه الله من إمكانات من أجل ما يبقى وما يدوم، هذا حَيَّ عَلَى الْفَلَاح، (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)، (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
(سورة طه: الآية 124)

لم يقل حياةً، هذه ليست حياة الذي يعرض عن ذكر الله يعيش، يأكل ويشرب لكنه لا يحيا أما

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
(سورة النحل: الآية 97)

الحياة تكون بالإميان والعمل الصالح
هذه الحياة، بالعمل الصالح حياة، بالإيمان حياة، بغير الإيمان معيشة وضنك فوقها، يعيش ليأكل ويشرب وينام ويقضي من الدنيا ما يقضي، لكن بضنكٍ، بضيقٍ في القلب، لأنه يعيش ولا يحيا أما المؤمن فيحيا مع الله (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، ثم يُختم الأذان بعودة إلى الأصل، انظروا بدأ باللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ويختم باللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، لأن الأصل هو الإيمان، الأصل هو التعظيم، الأصل هو التوحيد.

أدعية الاستفتاح في الصلاة
وأختم بهذا الحديث الشريف:

{ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بيْنَما نَحْنُ نُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذْ قالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مِنَ القَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قالَ رَجُلٌ مَنِ القَوْمِ: أَنَا، يا رَسولَ اللهِ، قالَ: عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، قالَ ابنُ عُمَرَ: فَما تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ ذلكَ }

(صحيح مسلم)

من أدعية الاستفتاح في الصلاة:

{ سبحانَك اللهمَّ وبحمدِك، وتبارَك اسمُك، وتعالى جَدُّكَ، ولا إلهَ غيرُك، وجَّهتُ وجهيَ للذي فطَر السمواتِ والأرضَ حنيفًا وما أنا من المُشرِكين، إنَّ صلاتي ونُسُكي ومحيايَ ومماتي للهِ ربِّ العالَمينَ }

(رواه الطبراني)

هذا دعاء من الاستفتاح، ومن أدعية الاستفتاح التي لا ينتبه لها بعض الناس: (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، ومن أدعية الاستفتاح أيضاً:

{ اللَّهمَّ باعِدْ بَيْني وبَيْن خَطايايَ كما باعَدْتَ بَيْنَ المشرِقِ والمغرِبِ اللَّهمَّ نقِّني مِن الخَطايا كما يُنقَّى الثَّوبُ الأبيضُ مِن الدَّنَسِ اللَّهمَّ اغسِلْني مِن خَطايايَ بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ }

(صحيح ابن حبان)

هذا أيضاً من أدعية الاستفتاح.
أدعية استفتاح الصلاة كثيرة، منها هذا الدعاء، (اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) فقال صلى الله عليه وسلم: عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فهذه دعوة إن شاء الله إذا سمعنا الأذان أن نتمعن في تلك المعاني الراقية وأن ننهض إلى صلاتنا.
والحمد لله رب العالمين.