نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

  • محاضرة في الأردن
  • 2020-11-02
  • عمان
  • الأردن

نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى نبي الرحمة سَيِّدِنا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطيبين الطاهرين أمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
عنوان لقائنا اليوم: نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.
أيها الكرام: ربنا جلَّ جلاله لخص الهدف من إرسال محمدٍ صلى الله عليه وسلم إلى البشرية فقال:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
(سورة الأنبياء: الآية 107)

وتعلمون أن هذا الأسلوب؛ النفي مع (إِلَّا) يفيد الحصر، كقولنا: لا إله إلا الله، أي لا معبود بحقٍ إلا الله، أو كقولنا: ليس في الدار إلا فلان، إذاً لا يوجد في الدار كلها إلا فلان من الناس، هذا أسلوب الحصر في العربية؛ نفي مع (إِلَّا)، فعندما يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) حصر الهدف من بعثته صلى الله عليه وسلم في الرحمة فهو رحمةٌ مهداة، وهذا ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث فقال:

{ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ }

(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

أهدانا الله تعالى نبيه رحمةً لنا، فهو الرحمة صلى الله عليه وسلم، وإن شئت فهو نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.

الرحمة التي جاء بها النبي الكريم هي الرحمة العامة
أيها الكرام؛ يقول صلى الله عليه وسلم: كما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ لَنْ تُؤْمِنُوا حتى تراحمُوا، قالوا: يا رسولَ اللهِ ! كلُّنا رَحِيمٌ، قال: إنَّهُ ليس بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صاحبَهُ، ولَكِنَّها رَحْمَةُ العَامَّةِ }

(أخرجه الحاكم في المستدرك بسند صحيح)

أول شيءٍ في مفهوم رحمته صلى الله عليه وسلم أنها رحمة العامة، كلٌ منا رحيم، كل الناس عندهم رحمة، حتى البعيدون عن الله عندهم شيءٌ من الرحمة، يرحم ولده، أحياناً يرحم صاحبه أقرب الناس إليه، يرحم شريكاً له اتفقا على شيء، كل إنسانٍ عنده شيءٌ من الرحمة، يرحم به بعض الناس أو بعض الكائنات، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بمفهوم الرحمة العامة، فلما قالوا له: كلنا رحيم، كلنا عندنا رحمة، قال: ليس ذاك بل رحمة العامة، أي أن تكون رحمتك لكل الناس، بل لكل المخلوقات حتى غير البشر، رحمةً بالحيوانات، رحمةً بالجماد، رحمةً بالنبات، هي رحمة العامة، هذا المفهوم الأول.
الإسلام جاء برحمة العامة
يعاني العالم اليوم من رحمة الخاصة، انظروا إلى المفهوم النبوي في رحمة العامة، اليوم تجد أمةً يرحم بعضها بعضاً، حتى بعض المسلمين اغتروا بهذه الرحمة، يقول لك: هذه البلاد يُرحم فيها الضعيف، المسكين، يُخصص راتبٌ للفقير، جميل جداً، يُخصص راتب لمن مات زوجها، يعتنون بكبار السن، هذه رحمة، وأنا أقول: نعم إنها رحمة، لكن هل هؤلاء عندهم رحمة العامة؟ يعني هل يتأثرون عندما تُقصف شعوب بأكملها وتُباد؟ هل يتأثرون عندما يجدون كثيراً من أهل الأرض لا يجدون قوت يومهم، وهم يعيشون في تخمةٍ وعافية؟ لا يتأثرون، فهذه ليست رحمة، عندما تكون الرحمة خاصةً بشعبٍ معين، أو بعرقٍ معين، أو بأقرباءٍ معينين، فهي ليست رحمةً أرادها النبي صلى الله عليه وسلم، وليست رحمةً جاء بها الإسلام، الإسلام جاء برحمة العامة.
من هنا أيها الكرام: ورد أيضاً في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

{ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا يَرْحَمُ، قَالَ: لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ، يُرْحَمُ النَّاسُ كَافَّةً }

(رواه أبو يعلى والطبراني)

الإنسان يكون عنده فطرة فيها رحمة فيعطيه الله رحمةً من عنده يرحم بها الخلق، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم:

{ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: ‏الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ }

(رواه أبو داود والترمذي وأحمد)

لم يقل: ارحموا المؤمنين في الأرض، ولا قال: ارحموا المسلمين في الأرض، ولا قال: ارحموا المطيعين، قال: ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، وهذا أوسع مفهوم لرحمته صلى الله عليه وسلم.

اجتماع فضائل الأخلاق في الرحمة
إخواننا الكرام: الرحمة تجمع فضائل الأخلاق كلها؛ اللطيف رحيم، والكريم رحيم، والرفيق رحيم، والمحب رحيم، والودود رحيم، الرحمة هي أوسع مفهومٍ في الأخلاق، فالذي يملك صفة الرحمة؛ يُنفق من ماله رحمةً، ويُنفق من وقته رحمةً، ويبتسم رحمةً، ويعطي رحمةً، وقد يمنع رحمةً، قال الشاعر:
فَقَسا لِتَزدَجِروا وَمَن يَكُ راحماً فَليَقسُ أَحياناً وَحيناً يَرحَــــــــــــمُ
{ أبو تمام }
الرحمة هي تحقيق المصلحة في من ترحمه
ليست الرحمة كلها ليناً، هناك في الرحمة شيءٌ من الحزم أحياناً، الرحمة هي أن تحقق المصلحة في من ترحمه، اليوم إذا مرض ابنك، فقال لك الطبيب: لا بد من أخذ هذا الدواء، فجئت لتعطيه الدواء فبكى، فهل تقول: أنا رحيمٌ به فلن أعطيه الدواء، دعه مرتاحاً، هل هذه رحمة؟ لا، الرحمة أن تصرَّ عليه، وأن تعطيه الدواء، وإن كان مُرّاً لأنك تريد شفاءه، من هنا نفهم قول إبراهيم عليه السلام يخاطب أباه قال له:

يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ
(سورة مريم: الآية 45)

قد يتبادر إلى ذهن الإنسان أن يكون الكلام: يمسك عذابٌ من المنتقم أو من الجبار، لكنه قال: (عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ) لأن الرحمن تقتضي رحمته أحياناً أن يأتيك بشيءٍ يضرك من أجل مصلحتك الأخروية الدائمة، فالمرض رحمةٌ من الله عزَّ وجلّ، وأحياناً إذا افتقر الإنسان لشيء فالتجأ إلى الله، فافتقاره رحمة، فالرحمن جلَّ جلاله قد يسوق بعض الشدائد لعباده ليحملهم على طاعته، وينجيهم من عذاب الآخرة، فهو يرحمهم بذلك، فالرحمة مفهومها واسع، أنت قد ترحم ابنك؛ ونسأل الله السلامة للجميع، تسمح أن يفتح بطنه وتستأصل الزائدة الدودية منه حتى لا تؤدي إلى التهاباتٍ أعظم في المستقبل، فأنت ترحمه، الطبيب يرحم المريض وفي ظاهره إنما يستخدم المِبضع ثم يخيط ودماء تسيل ويداه ملطختان بالدماء لكنه يرحم، فالرحمة ليست دائماً ليناً كما يتصور البعض.

رحمة النبي الكريم بأمته
أحبابنا الكرام:

{ عن عبد اللَّه بن عَمْرو بن العاص، رضي اللَّه عنهما، أَن النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تَلا قَوَل اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في إِبراهِيمَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْللْنَ كَثيراً مِنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَني فَإِنَّهُ مِنِّي} (إبراهيم: 36)، وَقَوْلَ عِيسَى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: {إِنْ تُعَذِّبْهُم فَإِنَّهُم عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُم فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ} (المائدة: 118)، فَرَفَعَ يَدَيْه وَقالَ "اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي"وَبَكَى، فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:"يَا جبريلُ اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فسلْهُ مَا يُبكِيهِ؟ "فَأَتَاهُ جبرِيلُ فَأَخبَرَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِمَا قَالَ: وَهُو أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا جِبريلُ اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ" }

(رواه مسلم)

انظروا إلى رحمته صلى الله عليه وسلم، هذه رحمة بالأمة كلها، قال: أُمَّتِي أُمَّتِي يا ربي، حتى بعث الله إليه جبريل عليه السلام فقال له: قل لمحمد إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ، حتى هدأ النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاءته البشرى بأن الله سيرضيه بأمته، هذه من رحمته صلى الله عليه وسلم، ربنا عزَّ وجلّ يقول:

عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ
(سورة الأعراف: الآية 156-157)

العذاب في الأصل ليس هدفاً لذاته
(عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ) العذاب في الأصل ليس هدفاً لذاته، العذاب هو معالجة، كيف؟ أنت عندما تفتح جامعة وتضع لها نظام عقوبات، فهل هناك عاقلٌ يقول: أُنْشِئَتْ الجامعة لتعاقب الطلاب؟ بل العاقل يقول: أُنْشِئَتْ الجامعة لتُخرِّج جيلاً متسلحاً بالعلم والمعرفة، لكن العقوبات ضرورية جداً من أجل استمرار مسيرة الجامعة بالشكل الصحيح، أنت عندما تقود سيارتك فتجد فيها مكبحاً تضغط عليه فتتوقف السيارة، فهل تقول: إن السيارة أُنْشِئَتْ من أجل أن تقف؟ السيارة أُنْشِئَتْ من أجل أن تسير، لكن إن كان هناك حادثٌ محتمٌ فالمكبح ضروري لإيقاف السيارة، فالعذاب الإلهي ليس مطلوباً لذاته، والله لم يخلقنا ليعذبنا، قال: (عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ) وفق الحكمة الإلهية، ما الهدف من الخلق؟ قال: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وأنا وأنت شيء، اللهم ارحمنا برحمتك، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وكل ما في الوجود شيء، ورقة الشجر هذه شيء، والنملة شيء، كل ما في الوجود يطلق عليه شيء.

رحمة الله وسعت كل شيء
(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ) قد يقول قائل: ما دامت الرحمة وسعت كل شيء فلمَ يخصصها الله؟ هل هذا يقدح في سعة رحمته؟ أبداً، سآتيكم بمثلٍ، لو قلت لكم: هذه القاعة فرضاً تتسع لألف إنسان، واسعةٌ جداً، تتسع لألف، لكن الذي يريد أن يدخل إليها ينبغي أن يأتي ببطاقة تؤهله للدخول، فذهب ثمانمئة وجاؤوا بالبطاقة ودخلوا، ثم جاء المئتان الذين لم يأتوا بالبطاقة فمُنعوا من الدخول، فقال قائلهم: هذه القاعة ضيقة، لا يا أخي القاعة ليست ضيقة، الأمكنة موجودة لكن أنت لم تتعرض لما يؤهلك لدخول القاعة فالمشكلة عندك، فرحمة الله واسعة جلَّ جلاله، لكنه طلب منك بطاقةً لتدخل في تلك الرحمة الواسعة، هذه البطاقة تقتضي منك التقوى، أن تمتنع عن معصية الله، وإن عصيت تتوب حتى نكون موضوعين، لا يوجد إنسانٌ لا يخطئ.

{ وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ }

(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ)

رحمة الله جلَّ جلاله واسعة
(كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ) لكن يتقي الله، يخاف الله، نهي الله عنده ليس هيناً، يرتكب المعصية، ويقول: وماذا صنعنا؟ لا (يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) عنده عطاءٌ للآخرين، يحب الناس، يؤتي مما آتاه الله.
(وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ): يؤمن بالقرآن الكريم.
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ) يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فرحمة الله جلَّ جلاله واسعة لكن الذين لم يدخلوا في رحمته يتحملون وِزر عملهم، وتبقى رحمة الله واسعة، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).

رحمة النبي الكريم مع أعدائه
أيها الكرام: النبي صلى الله عليه وسلم كانت رحمته واسعة، بحيث أخذ من رحمة الله تعالى ما جعله يرحم الخلق كلهم، حتى مع أعدائه، والدليل قال تعالى:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
(سورة آل عمران: الآية 159)

الرحمة هي سببٌ لالتفاف الناس حولك
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ) أي بسبب الرحمة التي أودعها الله في قلبك يا محمد صلى الله عليه وسلم كنت ليناً مع الناس، فأحبوك والتفوا حولك وفدوك بأرواحهم وبمهجهم لكن (لَوْ)، و( َلَوْ) حرف امتناع لامتناع، يعني لم يكن ذلك لكن افتراضياً (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) لأنه ما عندك رحمة، فالناس يتركونك، لكن بسبب الرحمة التفوا حولك.

رحمة الإنسان لنفسه
الآن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما جاء به من الرحمة جاء برحمة الإنسان نفسه، ألم يقل تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
(سورة التحريم: الآية 6)

هذه رحمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء برحمة الإنسان نفسه أولاً، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: إنَّ لنفسِكَ عليكَ حقًّا، وفي حديثٍ آخر: إنَّ لبدنك عليكَ حقًّا.

{ آخى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بينَ سَلْمانَ وبينَ أبي الدَّرْداءِ، فزار سَلْمانُ أبا الدَّرْداءِ، فرأَى أمَّ الدَّرْداءِ متبذِّلةً، فقال: ما شأنُكِ متبذِّلةً؟! قالتْ: إنَّ أخاكَ أبا الدَّرْداءِ ليس له حاجةٌ في الدُّنْيا. قال: فلمَّا جاء أبو الدَّرْداءِ، قرَّبَ إليه طعامًا، فقال: كُلْ، فإنِّي صائمٌ. قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكُلَ. قال: فأكَلَ، فلمَّا كان الليلُ ذهَبَ أبو الدَّرْداءِ ليقومَ، فقال له سَلْمانُ: نَمْ، فنام، ثمَّ ذهَبَ يقومُ، فقال له: نَمْ، فنام، فلمَّا كان عندُ الصُّبْحِ، قال له سَلْمانُ: قُمِ الآنَ، فقاما فصلَّيَا. فقال: إنَّ لنفسِكَ عليكَ حقًّا، ولربِّكَ عليكَ حقًّا، ولضَيفِكَ عليك حقًّا، وإنَّ لأهلِكَ عليكَ حقًّا، فأَعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فأَتَيا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذَكَرا ذلكَ؟ فقال له: صدَقَ سَلْمانُ }

(صحيح الترمذي)

فكان يقول: أقومُ وأنامُ، وأصومُ وأفطِرُ، وأتزوَّجُ النِّساءَ، فمَن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منِّي، فالنبي صلى الله عليه وسلم أول ما سنَّ من الرحمة أن ترحم نفسك، فما أراد أن تُعذب نفسك

{ إنَّ رهطًا من الصحابَةِ ذهبوا إلى بيوتِ النَّبِيِّ يسألونَ أزواجَهُ عن عبادتِهِ فلمَّا أُخبِرُوا بها كأنَّهُم تقالُّوها أي: اعتبروها قليلةً ثُمَّ قالوا: أينَ نحنُ مِن رسولِ اللَّهِ و قد غَفرَ اللَّهُ له ما تقدَّمَ من ذنبِهِ و ما تأخَّرَ؟ فقال أحدُهُم: أما أنا فأصومُ الدَّهرَ فلا أفطرُ وقال الثَّاني: وأنا أقومُ اللَّيلِ فلا أنامُ وقال الثَّالثُ: وأنا أعتَزِلُ النِّساءَ فلمَّا بلغ ذلك النَّبيَّ قال لهم: إنَّما أنا أعلمُكُم باللَّهِ وأخشاكم له ولكنِّي أقومُ وأنامُ وأصومُ وأفطِرُ وأتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منِّي }

(أخرجه البخاري)

{ عنِ ابن عباس رضي اللَّه عنهما قَالَ: بيْنما النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرجُلٍ قَائِمٍ، فسأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرائيلَ نَذَر أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْس وَلا يقْعُدَ، وَلاَ يستَظِلَّ وَلاَ يتَكَلَّمَ، ويصومَ، فَقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:"مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ ولْيَستَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ ولْيُتِمَّ صوْمَهُ }

(رواه البخاري)


عندما تفرض المشقة على الإنسان يكون أجرها أكبر
الأجر على قدر المشقة
أحبابنا الكرام: الأجر على قدر المشقة، عندما تكون المشقة مفروضةً عليك، كيف؟ أنت في سفر، ونزلت في استراحة، وكادت الشمس تشرق، ولا بد أن تصلي الفجر، وكان الجو بارداً، والماء يكاد يتجمد، فقلت: والله لن أفوت الفجر، سأتوضأ وأصلي، فَتَوَضَّأْتَ رغم برودة الماء، وشعرت بالبرد، الآن تُثاب على قدر مشقتك، ثوابك أعظم، لكن لو أنك استيقظت في بيتك، هنا في عمان، وكان لديك صنبوران من الماء واحدٌ بارد، وواحدٌ ساخن، وقلت سأتوضأ بالبارد ليكون الأجر أعظم، لا، الأجر نفسه لا تعذب نفسك، خذ الماء الساخن الموجود، لو فُرضت عليك المشقة فالأجر أعظم، لكن عندما يكون الأمر متاحاً فالله تعالى يريدك أن تأخذ من الدنيا التي أباحها لك، هذا الفرق بين الأجر على قدر المشقة عندما تُفرض المشقة، أو عندما لا تُفرض فينبغي أن آخذ بالأيسر، وفي الحديث:

{ ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا كانَ أبْعَدَ النَّاسِ منه، وما انْتَقَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِنَفْسِهِ في شيءٍ قَطُّ، إلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بهَا لِلَّهِ }

(رواه البخاري)

ما دام مُباحاً لا يوجد أي مشكلة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم كان في سفر وقام وأفطر أمام الناس لأن الصيام كان متعباً، والسفر طويل، والجو حار، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف وأفطر أمام الناس، فبلغه أن بعض الناس قد بقوا صائمين، نريد أن نبقى صائمين لا نريد أن نفطر، بعد أن سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفطر، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

{ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ }

(صحيح مسلم)

هؤلاء يعصون الله بصيامهم، لأن الجو حار، والسفر بعيد، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو المشرِّع بأمر الله تعالى أفطر وأنت تريد أن تتابع صيامك، تظن أنك بذلك تؤجر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يفطر رحمة النفس؛ أن يرحم الإنسان نفسه في سلم الأولويات، تعطي لبدنك حقه، تعطي لنفسك حقها، تعطي لكلَّ ذي حقٍّ حقَّه، هذه الأولى.

الرحمة بالأهل
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد سنَّ الرحمة بالأهل، قال صلى الله عليه وسلم:

{ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً }

(متفق عليه)

{ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ }

(أخرجه مسلم)

{ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ }

(أخرجه مسلم)

فالرفق مع الأهل، التعامل مع الزوجة والأولاد، أن يكون الإنسان رفيقاً إذا دخل، يسلم على زوجته وعلى أهل بيته، هذا من سنَّته صلى الله عليه وسلم في الرفق.
كان النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح؛ تقول عائشة وقد كانت صغيرة في السن:

{ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ لِكَىْ أَنْظُرَ إِلَى لَعِبِهِمْ ثُمَّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ،‏ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ حَرِيصَةً عَلَى اللَّهْوِ }

(صحيح مسلم)

الرفق مع أهل البيت
هي تحب أن تشاهد هذا الأمر، فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقف وهو قائد الأمة وفي ذهنه ما في ذهنه من هموم الأمة، لكنه يحرص على عائشة، فيضع لها الستار لتقوم وتنظر إلى الحبشة، وهم يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ، فيقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ حَرِيصَةً عَلَى اللَّهْوِ، وهذا يشمل الزوجة إن تزوج الإنسان زوجةً صغيرةً، ويشمل الجارية في بيتك سواءً كانت ابنتك، أو كانت خادمةً تحرص على بعض اللهو، فلا تعاملها بما تعامل به نفسك، أنت قد مللت اللعب واللهو ربما في رأسك من الأعباء الكثر، لكن هي لها ذلك، فقال: فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ حَرِيصَةً عَلَى اللَّهْوِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أيضاً من رحمته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرحمة بالأطفال:

{ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ }

(صحيح البخاري)

أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح:

{ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا }

(صحيح أبي داود)

وهو في الصلاة يحمل أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ حفيدته رضي الله عنها، فكان إذا كبر وضعها، إذا أراد أن ينزل وضعها فإذا قام حملها صلى الله عليه وسلم.
يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح:

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ }

(صحيح أبي داود)

يريد أن يناجي ربه وأن يقرأ الصفحات والآيات ويُطوِّل في الصلاة، فهذا أحب شيءٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي، أسرع في صلاتي، مخافة أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ، الأم تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضيعها بدأ يبكي، ويصعب عليها أن تسمع بكاءه ولا تجيبه، فرحمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يضحي بغبطته وسروره بين يدي ربه، لئلا يَشُقَّ على أمٍ تسمع بكاء صغيرها، ولا تستطيع الوصول إليه فيُسرع في صلاته ليمكنها من رضيعها.

الرحمة بالخدم
أيضاً من رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالخدم، الخادم أحبابنا الكرام؛ جعله الله تحت يدك ومثل الخادم موظفٌ ضعيفٌ عندك، عاملٌ بسيطٌ جئت به ليعمل شيئاً في بيتك، يلحق بالخدم أي عامل أو أي موظف بسيط ضعيف، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ إِذَا جَاءَ خَادِمُ أَحَدِكُمْ بِطَعَامِهِ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ أَوْ لِيُنَاوِلْهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِى وَلِىَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ }

(سنن ابن ماجه)

جعل النبي صلى الله عليه وسلم لك خيارين، أحياناً يكون بسبب معين، العائلة مع بعضها، أو أحياناً بطبيعة الخادم، ما ألزمك أن يجلس معك، إما أن تقعده معك وهذه ببعض الأحيان ممكنة، إذا ما استطعت قال: فليناوله منه، أعطه شيئاً من الطعام، قال: فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِى وَلِىَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، انظر إلى هذه اللفتة العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني هو عانى من حر الطعام، وهو يصنعه، والدخان خرج، والرائحة شمها، ثم تجلس وتأكل وهو يبقى بلا طعام، هذه من رحمته صلى الله عليه وسلم.
رحمة النبي الكريم بالخدم
أيضاً من رحمته بالخدم ما رواه رَبِيعَةُ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: أَلَا تَزَوَّجُ؟ نريد أن نزوجك يا ربيعة، قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ، مَا عِنْدِي مَا يُقِيمُ الْمَرْأَةَ، ما عندي التكاليف لأتزوج، وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْكَ شَيْءٌ، الزواج قد يشغلني عنك، فَأَعْرَضَ عَنِّي فَخَدَمْتُهُ مَا خَدَمْتُهُ، ربما أسابيع أو سنة، ثُمَّ قَالَ لِي الثَّانِيَةَ: أَلَا تَزَوَّجُ؟ فَقُلْتُ: مَا عِنْدِي مَا يُقِيمُ الْمَرْأَةَ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَشْغَلَنِي عَنْكَ شَيْءٌ يا رسول الله، قال: فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُصْلِحُنِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَعْلَمُ مِنِّي، يعني لعلني أسأت الأدب، فهو يريد أن يزوجني وهذا صلاحٌ لي في ديني ودنياي وآخرتي، فهو أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُنِي، فقال: وَاللَّهِ لَئِنْ قَالَ لي تَزَوَّجْ لَأَقُولَنَّ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إذا أعادها فسأقول: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ: يَا رَبِيعَةُ، أَلَا تَزَوَّجُ؟ فَقُلْتُ: بَلَى مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى آلِ فُلَانٍ، بيت من الأنصار، انْطَلِقْ إِلَى آلِ فُلَانٍ فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فُلَانَةَ، قال فَذَهَبْتُ فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ، يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُزَوِّجُونِي فُلَانَةَ فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ، وَبِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهِ لَا يَرْجِعُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِحَاجَتِهِ، قال: فَزَوَّجُونِي وَأَلْطَفُونِي، كانوا لطفاء معي واستجابوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحياناً هذا الموظف أو الخادم أنت ذو جاه، عندك جاه معين يمكن أن تستخدمه له في زواج، أو أن تساعده بشيء من أجل زواجه، أو أن تُمده بزيادة في الراتب ليستطيع أن يقيم بيته، الإنسان العادي الذي ليس عنده رحمة يقول لك: دعه عامل بسيط إذا تزوج غداً يقصِّر في الأعباء التي هي عليه، دعه بلا زوجة، الرحيم ينظر إلى الناس كما ينظر إلى نفسه فيقول: لعل الله عزَّ وجلّ بتلك الزوجة يحصنه من الحرام، لعله يحصنه من الوقوع في الفواحش، فيساعده في زواجه.

الرحمة بالضعفاء
من رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالضعفاء، كان صلى الله عليه وسلم يقول:

{ عن أَبي الدَّرْداءِ رضي اللَّه عنه قَالَ: سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقُولُ: ابْغونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّمَا تُنْصرُونَ، وتُرْزقون بضُعفائِكُمْ }

(رواه أَبو داود)

الرزق محض فضلٍ من الله
أعطوني الضعفاء، أريد الضعفاء، قال: فَإِنَّمَا تُنْصرُونَ، وتُرْزقون بضُعفائِكُمْ، لا تظن أخي الحبيب أن الله إنما يرزقك بحيلتك أو بدهائك، والله لو كان الرزق بالحيلة والدهاء والتجارة والشطارة، لكانت البهائم عافاكم الله أبعد الناس عن الرزق، إذ ليس عندها حيلة في شيء، ولكانت الطير أبعد ما يكون عن الرزق، لكن الرزق أبداً ليس بالحيلة، الحيلة أسباب، والله عزَّ وجلّ يعطيها من يشاء من عباده، لكن الرزق هو محض فضلٍ من الله، فالإنسان عندما ينصر الضعفاء، يمدُّ يد العون لهم بما يستطيع، الآن يرزقه الله بهم، لا تدري بمن ترزق بضعيفٍ أكرمته، بفقيرٍ أعطيته، بطالبٍ مكنته من متابعة دراسته، بيتيمٍ ابتسمت في وجهه، وأعطيته قطعةً من الحلوى، لا تدري كيف يرزقك الله، فقال: إِنَّمَا تُنْصرُونَ وتُرْزقون بضُعفائِكُمْ.
أريد أن أضيف شيئاً للنصر بالضعفاء، النصر بالضعفاء له قانون وضعي أرضي ألا تسمعون اليوم في الإعلام تمتين الجبهة الداخلية، يعني من أسباب النصر أن تكون الجبهة الداخلية متينةً حتى لا يستطيع الأعداء خرقها، عندما يُنصر الضعفاء تقوى الجبهة الداخلية، تُمتَّن، يصبح النسيج واحداً للمجتمع، هذا أيضاً من أسباب النصر.

الرحمة بالحيوان
النبي الكريم نشر الرحمة في ربوع الأرض كلها
أيها الكرام: رحمته صلى الله عليه وسلم لا تكفي لها محاضرات ولا خطب لسنوات حقيقةً من غير مبالغة، لأنه نشر الرحمة في ربوع الأرض كلها، كان من رحمته صلى الله عليه وسلم أنه كان يرحم الحيوان، البهائم العجماوات، البهائم التي لا تنطق، كان يرحمها، كان يقول صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ }

(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

وقد رأى رجلاً يذبح شاةً أمام أختها فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

{ أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ؟ هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا؟ }

(أَخْرَجَ الْحَاكِمُ)

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا، أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ، قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ }

(رواه أبو داود)

الجمل يبكي لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من معجزاته هو من المعجزة من حيث إنه شكا للنبي، لكن من حيث الواقع الجمل يحس ويشعر، قال الشاعر العربي:
فَازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القَنَا بِلَبَانِـــــــــــــــــهِ وَشَكَا إِلَيَّ بِعَبْـرَةٍ وَتَحَمْحُــــــــمِ لَوْ كَانَ يَدْرِي مَا المُحَاوَرَةُ اشْتَكَى وَلَكانَ لَوْ عَلِمْ الكَلامَ مُكَلِّمِي
{ عنترة بن شداد }
هذا ما قاله عنترة بن شداد قبل الإسلام، كانوا يشعرون بالخيل وحتى بالناقة والجمل، لكن مع النبي صلى الله عليه وسلم يُضاف لها المعجزة الربانية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليه فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ، مسح له عينيه، فَقَالَ: من صاحب هذا الجمل؟ فَجَاءَ رجل مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟ فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ، تجيعه وتتعبه، فهذه رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوانات العجماوات.

الرحمة بالجماد
من رحمته صلى الله عليه وسلم بالجماد، أنهم لما جعلوا له منبراً ترك الجذع الذي كان يتكئ عليه إذا خطب، فسمع الصحابة أنين الجذع، فذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده على الجذع حتى سكن.

{ وعَنْ جابرٍ رضي اللَّه عنْهُ قال: كانَ جِذْعٌ يقُومُ إلَيْهِ النَّبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يعْني فِي الخُطْبَةِ، فَلَما وُضِعَ المِنْبرُ، سَمِعْنَا لِلْجذْعِ مثْل صوْتِ العِشَارِ حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَوضَع يدَه عليْهٍ فسَكَنَ }

(رواه البخاريُّ)

يقول رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ:

{ هذِه طَابَةُ، وَهذا أُحُدٌ، وَهو جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ }

(صحيح مسلم)


الإسلام لم يأت للحروب بل جاء رحمةً للعالمين
ويوم دخل مكة فاتحاً وكادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله تعالى قال: ما تظنون أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: أخٌ كريم وابن اخٍ كريم، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ.

{ روى ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، إلى أن قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ }

قال: من دخلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمِنٌ، ومن أغلقَ علَيهِ دارَهُ فَهوَ آمِنٌ، ومن دخلَ المسجدَ فَهوَ آمنٌ، قال بعضهم: اليوم يوم الملحمة، قال: بل اليوم يوم المرحمة، اليوم يوم المرحمة ليس يوم الملحمة، لن يكون هناك التحام، النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحب الحرب، لكن الحرب كانت تفرض على المسلمين فرضاً، هذا الفرق بين من يحبون الحرب اليوم وينشرون الدمار في كل يوم ثم يتهمون المسلمين بأنهم يسعون للحرب، ما ورد أبداً أن النبي صلى الله عليه وسلم قاد حرباً حباً في الحرب، لما فُتحت مكة عليه من غير حرب أمن الناس جميعاً، إلا أربعة الذين كانوا يعني قد أساؤوا للإسلام إساءاتٍ بالغة، حتى عكرمة بن أبي جهل يوم رجع إليه مسلماً بعد أن كان يريد أن يهرب أمنه صلى الله عليه وسلم، حتى وحشي بن حرب الذي قتل عمه أمَّنه وقال له: لا تريني وجهك، لا أستطيع أن أراك، ولكن أمَّنه.
من طبيعة الحياة أن الحروب فيها مفروضة
النبي صلى الله عليه وسلم ما أحب حرباً، ولا الإسلام جاء لحرب، لكن طبيعة الحياة أن الحروب فيها مفروضة، وإنك إما أن تُحارِب وإما أن تُحارَب، فيوم كنا نُحارِب كنا ننشر الخير في أصقاع الأرض، ويوم كنا نُحارِب كنا رحمةً للعالمين بما جاء به نبينا رحمةً للعالمين، ويوم أصبحنا نُحارَب أصبحت الدماء في الشوارع، يوم كنا نُحارِب ما كانت الدماء في الشوارع، يوم فتح المسلمون القدس بقيادة صلاح الدين الأيوبي أحد الفرنجة يقول: والله ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم منهم، والله خرجنا بأمتعتنا فما أخذوا منا شيئاً، لا قطعوا شجراً ولا قتلوا ولداً، صلاح الدين يقف مع امرأة نصرانية يبحث لها عن ابنها يوقف الجيش كاملاً حتى أعاد إليها ابنها، طبيعة الحياة أن فيها معركة، الذي يريد أن يعيش في عالم وردي، العصافير تزقزق والسماء مشرقة هذا لا يفقه حقيقة الحياة، إما أن نُحارِب وإما أن نُحارَب، هذه طبيعة الحياة، يوم حاربنا مَـلأْنَا الأرض عدلاً وقسطاً، ويوم حاربوا هم واستضعفونا ملؤوا الأرض ظلماً وجوراً وقهراً.

الحرب في الإسلام
الرحمة ليست ضعفاً، وليست ليناً، وأريد هنا أن أعقب على شيء الآن جاءني خاطر، أين جاءت آية (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)؟ قال:

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
(سورة الأنبياء: الآية 105-106-107)

هدف المعركة هو نشر الرحمة في الأرض
(الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) هناك معركة، ولكن هذه للعالمين جميعاً حتى لا يستضعف إنسانٌ إنساناً، وحتى لا يُمنع إنسانٌ من عبادة الله، وحتى لا يتحكم الطواغيت بالعباد كما نرى اليوم، وحتى لا تصبح مقدساتنا عُرضةً للإيذاء، هذه هي الحرب في الإسلام، هذا هو مفهوم الجهاد من أجل أن تُصان الحقوق والأعراض والكرامات للمسلم ولغير المسلم.

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا }

(صحيح البخاري)

غير المسلم يتنعم بأمن الإسلام قبل أن يتنعم به المسلم، هو ليس عليه جهاد، فتُفرض عليه الجزية ويحمى من كل مكروه، قبل أن يتنعم المسلم بأمن الإيمان وأمن الإسلام، فعقَّبتُ هذا التعقيب الأخير لأبين أن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لا يتناقض ذلك أبداً مع أن هناك جهاداً في سبيل الله، ومع أن هناك مقاطعةً لمن أَسَاءَ لديننا، وأننا لا نرضى الدنية في ديننا، ومع أننا لا نقبل أن يُساء إلى ديننا، ولا إلى نبينا، هذه عزة المسلم، وهذه رحمته أيضاً لأنه يريد الخير للناس فلا ينبغي أن يتعرض للإيذاء، فيُمنع من نشر الخير في الأرض، هذا مفهوم الرحمة وهذا هو نبينا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
والحمد لله رب العالمين.