• محاضرة في الأردن
  • 2020-12-28
  • عمان
  • محاضرة في الأردن

من صيد الخاطر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يارب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، واجعلنا إلهي من عبادك الصالحين:

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
(سورة الزمر)

كتاب صيد الخاطر لمؤلفه ابن الجوزي
وبعد؛ لقاؤنا اليوم نصٌّ من كتاب (صيد الخاطر) لمؤلفه ابن الجوزي، وابن الجوزي أحد علماء القرن السادس الهجري، توفي عام 597 للهجرة، واسمه عبد الرحمن وكنيته أبو الفرج، وله مؤلفاتٌ عديدة، هو فقيهٌ حنبلي، ومؤرخ، ومحدث، أحد مؤلفاته سماه صيد الخاطر، يقصد بذلك أنه يخطر في بال الإنسان خواطر، قد تكون خواطر مفيدةً تفيد الأمة، تفيد المجتمع، لا سيما خواطر العلماء أمثال ابن الجوزي، فكان يُقيِّدُ هذه الخواطر بالكتابة، يكتب ما يخطر في باله، فاجتمع له كتاب سماه صيد الخاطر، يعني ما جاء في خاطره واصطاده وقيَّده في هذه الأوراق، كتابٌ جميلٌ جداً ولطيفٌ وموضوعاته متنوعة، إحدى هذه الخواطر وجدتها مناسبةً جداً لما نعيشه اليوم من أحداث، ومن ضيق، ومن عسر، نسأل الله أن يجعل معه يسراً، وفرجاً، وخيراً، إن شاء الله..

الدنيا دار ابتلاءٍ واختبار
يقول ابن الجوزي رحمه الله: نزلت فيَّ شدةٌ وأكثرت من الدعاء أطلب الفرج والراحة، وتأخرت الإجابة، فانزعجت النفس، وقلِقَت، فصِحْتُ بها: ويلكِ تأملي أمركِ أمملوكةٌ أنتِ أم حرةٌ مالكة؟ أمدبَّرةٌ أنت أم مُدبِّرة؟ خاطب نفسه: أنتِ حرَّةٌ أم مملوكةٌ؟ إذا كنتِ حرَّةً مالكةً لأمركِ فأخبريني، أما إذا كنتِ مملوكةً لخالقكِ فشأن العبد يختلف عن شأن السيد، نحن جميعاً مملوكون لخالقنا جلَّ جلاله، ألا نقول كما قال الله تعالى في القرآن:

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)
(سورة البقرة)

نحن مملوكون ولسنا مالكين
نحن لله، نحن لسنا ملكاً لأنفسنا، مَنْ مِنا يملك نفسه؟ مَن يستطيع أن يملك لحظة مغادرته للدنيا؟ مَن مِنا يستطيع أن يتحكم بقطر شريانه التاجي بحيث لا يضيق فتكون فيه جلطةٌ نسأل الله السلامة؟ مَنْ مِنا يستطيع أن يتحكم بخروج البول منه؟ لا أحد، مَنْ مِنا يستطيع أن يتحكم بعمل كليتيه؟ نحن مملوكون، هذه حقيقة شئنا أم أبينا، نحن لسنا مالكين، نحن مملوكون، مملوكون لخالقنا بالكلية، حياتنا بيده، وموتنا بيده، وشفاؤنا بيده، ومرضنا بيده، ورزقنا بيده، والمطر بيده، فنحن مملوكون، قال: تأملي أمركِ، أمملوكةٌ أنتِ أم حرةٌ مالكة؟ أمدبَّرةٌ أنت أم مُدبِّرة؟ هل أنتِ تدبرين أمركِ أم الله تعالى يدبر أمركِ؟ قال تعالى:

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)
(سورة السجدة)

الله تعالى هو الذي (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) نحن لا ندبر شيئاً لأنفسنا، نحن نتخذ الأسباب، نحن نصنع ما نظنُّ أنه يُحقق الغاية، لكن من الذي يُدبر الأمر؟ الله تعالى، هو المُدبِّر جلَّ جلاله، فقال: ( أمدبَّرةٌ أنت أم مُدبِّرة؟ أما علمتِ أن الدنيا دار ابتلاءٍ واختبار؛ فإذا طلبتِ أغراضكِ، ولم تصبري على ما ينافي مرادكِ فأين الابتلاءُ؟ وهل الابتلاء إلا الإعراض وعكس المقاصد، فافهمي معنى التكليف) نحن في الدنيا مبتلون، قال تعالى:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
(سورة المؤمنون)

وقال تعالى:

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
(سورة الملك)


حقيقة الابتلاء
لا بد أن تُبْتَلى
فنحن في دار ابتلاءٍ واختبارٍ ولسنا في دار جزاء، والإنسان عندما يكون في دار ابتلاء، ما معنى الابتلاء؟ قال لها: وهل الابتلاء إلا الإعراض وعكس المقاصد، كيف يتحقق الابتلاء؟ يتحقق عندما تريد شيئاً ولا يتحقق ما أردته فهنا يتحقق الابتلاء، أما إذا كان كلُّ شيءٍ تريده يُحققه الله لك، اطلب تُعطَ، هذه الجنة وليست الدنيا، من يقول: كل ما أريده يتحقق في الدنيا فهو يطلب ما كان في الآخرة ولا يطلب شيئاً من الدنيا، الدنيا فيها عكس المقاصد، تطمح لمالٍ فلا يتحقق، تُريد ربحاً عشرين بالمئة فيأتي عشرة بالمئة، تريد شفاءً من كل داءٍ فيأتي المرض فيمتحنك الله به، تريد أن تنام فيقول لك: استيقظ لصلاة الفجر، تريد أن تملأ عينيك من الحرام فيقول لك: لا، عليك فقط بالحلال، زوجتك فقط، أما النساء الأخريات فلسنَ لك، لا تنظر إليهن نظر الرِّيبة، هذا هو الابتلاء.. فابن الجوزي رحمه الله بهذا الفقه يقول لنفسه: ( أما علمتِ أن الدنيا دار ابتلاءٍ واختبار؛ فإذا طلبتِ أغراضكِ، ولم تصبري على ما يُنافي مرادكِ فأين الابتلاء؟) إذا كنت تريد المال فيأتيك المال فأين الابتلاء؟ إذا كنت تريد الجاه فيأتيك الجاه فأين الابتلاء؟ لا بد أن تُبْتَلى، أن تُمتحن، أن تطلب فلا يأتي المراد، هذا هو جوهر الحياة الدنيا أن فيها كَدْحاً، تعباً، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)
(سورة الإنشقاق)

لا راحة لنا إلا بلقاء الله، لا راحة لمؤمنٍ إلا بلقاء الله، لن نرتاح من عكس المقاصد إلا عند لقاء الله، هناك:

{ قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ }

(صحيح البخاري)

هناك تطلب الشيء فتجده أمامك، فقط يخطر في بالك فتجده بين يديك، هناك في الآخرة، أما في الدنيا فحال الدنيا أنك تطلب ولا تجد ما تريده، وهذا لا يعني أنك دائماً تطلب فلا تجد مرادك، قد تجد مرادك لكن لا يتحقق الاختبار إلا بعكس المقاصد، فالإنسان لا بد أن يُخالف طبعه حتى يُبتلى ويُمتحن.
أحبابنا الكرام: إذاً هذا الجواب الأول، قال لها: ( وهل الابتلاء إلا الإعراض وعكس المقاصد، فافهمي معنى التكليف ) هذا الدرس الأول أعطاه لنفسه وهو حقيقة الدنيا، الدنيا دار ابتلاءٍ واختبارٍ لا دار جزاء، نحن في ممرٍ ولسنا في مقر، نمرُّ من الدنيا إلى الآخرة، وفي هذا الممر نجد من الصعوبات ما نجد ونجد من الراحة ما نجد لكن لا بد من الابتلاء، وعندما نصل إلى المقر نصل إلى دار السلام بسلامٍ نسأل الله تعالى أن يبلغنا الجنة برحمته.

المؤمن يبدأ بأن يُقاضي نفسه بما يجب أن يُقدِّمه لمولاه قبل أن يطلب من مولاه
الإنسان المؤمن العاقل يبدأ بأن يُقاضي نفسه
قال: فلما تدبرت ما قُلته سكنت بعض السكون، يعني نفسه اطمأنت قليلاً لكن ليس كما ينبغي، قال: فقلت لها: ( وعندي جوابٌ ثانٍ، وهو أنكِ - أيتها النفس - تقتضين الحق بأغراضك ولا تقتضين نفسك بالواجب له وهذا عين الجهل ) كيف ذلك؟ يعني أنتِ تطلبين من الله تعالى أغراضكِ، الإنسان له أغراضٌ في الدنيا، مال، جاه، شفاء، قوة، يسر، فهو يطلب من الله وهذا مشروع وينبغي للإنسان أن يدعوَ الله، ولكن قال لها: أنتِ تطلبين الحق بأغراضكِ، يعني أنتِ تطالبين الله بأشياء لكِ تريدينها، ولا تقتضين نفسكِ بالواجب له، الإنسان المؤمن العاقل يبدأ بأن يُقاضي نفسه بما يجب أن يُقدِّمه لمولاه قبل أن يطلب من مولاه، أنت مطلوبٌ منك أن تعبده حق عبادته:

{ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَوْ وُزِنَ فِيهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ لَوَسِعَتْ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبِّ لِمَنْ يَزِنُ هَذَا؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لِمَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ مِثْلَ حَدَّ الْمُوسَى فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: مَنْ تُجِيزُ عَلَى هَذَا؟ فَيَقُولُ: مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِي، فَيَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ }

(رواه الحاكم)

أنت يُطلب منك أن تأتي ما أمر وأن تنتهي عما نهى عنه وزجر، أنت يُطلب منك أن تُطيعه وأن تُحسن إلى عباده وأن تُحسن الصلة به، هذا المطلوب منك لله، فإذا وقف الإنسان وطلب ما يريده قبل أن يؤدي ما وجب عليه! قال: وهذا عين الجهل، أن تطلب من الله قبل أن تُؤدي حق الله، أن تطلب من الله قبل أن تُؤدي الواجب الذي أمرك به جلَّ جلاله.
قال: ( وإنما كان ينبغي أن يكون الأمر بالعكس) ينبغي أن تأتي ما أوجبه الله عليك ثم تطلب ما تريده من الله، أولاً أدِّ ما عليك ثم اطلب من الله ما لك.
قال: ( وينبغي أن يكون الأمر بالعكس، لأنكِ مملوكةٌ والمملوك العاقل يُطالب نفسه بأداء حق المالك ويعلم أنه لا يجب على المالك تبليغه ما يهوى ) العبد عند سيده في زمن العبودية، اليوم لا يوجد عبودية أفراد اليوم يستعبدون أمماً بأسرها نسأل الله السلامة! لكن في زمن العبودية العبد عند سيده ماذا يصنع؟ ما الذي يدفعه عقله أن يؤدي ما يأمره به سيده، ثم يطلب ما له ويترك الأمر لسيده إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، هذا مقتضى العبودية، فنحن عبيدٌ له جلَّ جلاله، فمن عبوديتك لخالقك جلَّ جلاله أنك لا تطلب شيئاً هو لك أو تظن أنه حقٌ لك قبل أن تؤدي الواجب الذي عليك، ثم اترك الأمر للمالك جلَّ جلاله واطلب منه واترك الأمر له، هذا هو المعنى، فقال لها: والمملوك العاقل يُطالب نفسه بأداء حق المالك ويعلم أنه لا يجب على المالك تبليغه ما يهوى، جلَّ جلاله لا يُسأل عن شيءٍ ولا يجب عليه شيء، نحن العبيد الذين يجب علينا، يجب علينا الطاعة، هو أوجدنا، وهدانا، وأرشدنا، ومنحنا نعمه، الماء، والطعام، والشراب، هو يملك أمرنا، هو الخالق يملكنا خلقاً وتصرفاً ومصيراً، إذاً ما الذي ينبغي أن نشغل أنفسنا به؟ أن نؤدي الواجب الذي كُلفنا به، لا أن نطلب ما نريده، أول شغلٍ لنا أن ننشغل بالواجب الذي كلفنا به مولانا جلَّ جلاله.

الله عزَّ وجلَّ أوجب لنا حقاً عليه
مرَّةً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع معاذ، قال:

{ كنتُ رِدفَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على حِمارٍ، فقال: يا مُعاذُ، فقُلتُ: لَبَّيكَ يا رسولَ اللهِ، قال: أتَدري ما حَقُّ اللهِ على العِبادِ؟ قال: قُلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: فإنَّ حَقَّ اللهِ على العِبادِ أنْ يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا، فهل تَدري ما حَقُّ العِبادِ على اللهِ إذا فَعَلوا ذلك؟ قال: قُلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: فإنَّ حَقَّ العِبادِ على اللهِ إذا فَعَلوا ذلك ألَّا يُعذِّبَهم }

(أخرجه البخاري)

حق الله عليك أن تعبده موحداً
(أنْ يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا) الله تعالى له حقٌ عليك، أن تعبده موحداً لا تتجه إلا إليه، لا تشركوا به شيئاً لا حجراً، ولا صنماً، ولا مدراً، ولا شمساً، ولا قمراً، ولا زوجةً، ولا ولداً، ولا مالاً، ولا درهماً، ولا تشركوا به شيئاً، مهما بدا الشيء صغيراً، بل تخلص له العبادة - الآن موطن الشاهد- ثم قال له: (فهل تَدري ما حَقُّ العِبادِ على اللهِ إذا فَعَلوا ذلك؟) الله أكبر، الآن الخالق جلَّ جلاله المالك، السيد، يُنشئ لك أيها الإنسان الضعيف المخلوق ينشئ لك حقاً عليه وهو الغني عنك، قال: (فهل تَدري ما حَقُّ العِبادِ على اللهِ إذا فَعَلوا ذلك؟ قال: قُلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: فإنَّ حَقَّ العِبادِ على اللهِ إذا فَعَلوا ذلك ألَّا يُعذِّبَهم) الله عزَّ وجلَّ أوجب لنا حقاً عليه وهو الغني عنا، ما هذا الحق؟ ألا يُعذِّبنا إن نحن عبدناه ولم نشرك به شيئاً، نأمن عذابه لكن لا نأمن الابتلاءات التي ترفع الدرجات وتُكَفِّرُ السيئات، لا نأمن بعض المصائب التي تأتي نتيجة التقصير، لكن نأمن العذاب يبقى الإنسان معلقاً بالله ويوم القيامة يأتي اللهَ آمناً لا يعذبه جلَّ جلاله، هذا حقٌ أوجبه الخالق على نفسه للمخلوق وهو من الغرائب لأنه لا يوجد سيدٌ ومالكٌ من أهل الأرض يضع حقاً للناس عليه، هذا في دنيا البشر تجده لا يُلْزِمُ نفسه بشيء، لكن الخالق جلَّ جلاله وهو من يملكنا خلقاً وتصرفاً ومصيراً أوجب لنا حقاً عليه ألا يُعذِّبنا إن نحن عبدناه، إذاً الأمر الأول: أن نأتي بالواجب الذي علينا وهو أن نأتمر بما أمر وننتهى عما نهى عنه وزجر ثم نقول: يا رب، والمولى جلَّ جلاله ليس ملزماً بتلبية ما نريد فهو أعلم بما يصلحنا، هذه النقطة الثانية.

سدُّ باب الإجابة بالمعصية
ابن الجوزي ما زال يُخاطب نفسه، لم ينته، هذا حوارٌ مع النفس وهو من أرقى الحوارات، أن يحاور الإنسان نفسه، فقال ابن الجوزي: (فسكنت أكثر من ذلك السكون) يعني نفسه، فقلت لها: ( وعندي جوابٌ ثالثٌ، وهو أنك قد استبطأتِ الإجابة، وأنت سددتِ طرقها بالمعاصي، فلو قد فتحتِ الطريق أسرعت _ أي أسرعت الاستجابة_ كأنك ما علمتِ أن سبب الراحة التقوى أو ما سمعت قوله تعالى:

وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
(سورة الطلاق)

وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
(سورة الطلاق)

أو ما فهمت أن العكس بالعكس؟) (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) ومن يعصي الله؟ لا يجعل له مخرجاً، هذا معنى العكس بالعكس (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) ومن يعصي الله؟ ليس له مخرجٌ فهو يَسدُّ باب الإجابة بالمعصية، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم عن العبد:

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا"، وَقَالَ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟ }

(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)

يَسدُّ الإنسان باب الإجابة بالمعصية
يَسدُّ الإنسان باب الإجابة بالمعصية ثم يقول: دعوت فلم يستجب الله لي! وأنت لماذا سددت باب الإجابة؟ لماذا سددت الطريق على الدعاء بالمعاصي والآثام؟ من آداب الدعاء أن يتوب الإنسان قبل الدعاء من المعاصي والآثام، وفي صلاة الاستسقاء يُندب للإمام عندما يدعو الناس لصلاة الاستسقاء أن يأمر قبل ذلك بردِّ المظالم قبل أن تقول: يارب أنزل الغيث، هناك أموالٌ لفلان عليك، اذهب وأعطه المال، فلانٌ أسأت له أمام الناس وهو يُخاصمك ويُعاديك لما فعلت اذهب واطلب منه السماح، نزيل الشحناء، نزيل البغضاء، فإزالة المنكر قبل الدعاء، لذلك قال لها: أوما علمتِ أن العكس بالعكس.
قال: (آه من سُكر غفلة صارت أقوى من كلِّ سُكرٍ في وجه مياه المراد يمنعها من الوصول إلى زَرْعِ الأماني) السُكر الذي يُغلقونه في وجه الماء، فهذا السُكر يوقف الماء من أن يصل إلى المزروعات تغلقه فلا يصل الماء، والمعصية كأنها سُكرٌ يُغلق الطريق إلى الإجابة، فعندما يملأ الإنسان طريق الدعاء بالمعاصي فكأنه يُغلق الطريق على الإجابة، هذا معنى كلامه، هذا الجواب الثالث انظروا فقه ابن الجوزي رحمه الله.
قال: ( فعرفت النفس أن هذا حقٌّ فاطمأنت) بعد أن سكنت صار معها اطمئنان، فهمت حقيقة الدنيا أننا في دار ابتلاء، فهمت حقيقة العبودية أننا مملوكون والمملوك يجب أن يبدأ بواجباته قبل أن يُطالب بحقوقه إن كان له حقوق، الأمر الثالث: أنه سدَّ طريق الإجابة بالمعاصي والآثام، والإنسان عندما يسدُّ طريق الإجابة بالمعصية والإثم فعليه أن يُهيئ نفسه لعدم الإجابة.

المُدبِّرُ أعلم بالمصالح
قال: ( فعرفت النفس أن هذا حقٌّ فاطمأنت، فقلت: وعندي جوابٌ رابعٌ، وهو أنك تطلبين ما لا تعلمين عاقبته، وربما كان فيه ضرركِ، فمثلكِ كمثل طفلٍ محموم - أصابته الحمى، مريض- يطلب الحلوى، والمُدبِّرُ لكِ أعلم بالمصالح، كيف وقد قال الله تعالى:

وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
(سورة البقرة)

الإنسان لا يعلم عاقبة الأمور
ما معنى الجواب الرابع؟ هذا جوابٌ مهمٌ جداً، أحياناً الإنسان يطلب شيئاً لا يعلم عاقبته، يريد المال وهو لا يعلم أن هذا المال يُطغيه، يريد المنصب وهو لا يعلم أن هذا المنصب الذي ربما يصل إليه فيتجبَّرُ على عباد الله فيستحق النار، فالإنسان لا يعلم عاقبة هذه الأمور، فقال: تطلبين ما لا تعلمين عاقبته وربما كان فيه ضرركِ، فمثلكِ كمثل طفلٍ محمومٍ وهو يطلب الحلوى، طفلٌ صغيرٌ مريض، والطبيب قال لهم: إياكم أن تعطوا هذا الطفل الحلوى لأنه يُضرُّ بصحته، والطفل يبكي يريد الحلوى وأبوه يمنع الحلوى عنه، هل نقول: إن هذا الأب ظالمٌ قاسٍ يمنع ابنه مما يريد، أم نقول: إن هذا الأب رحيمٌ ودودٌ يُشفق على ابنه من أن يأكل الحلوى فيزداد مرضه أو يتأخر شفاؤه؟ لا شك أنها الثانية، كلنا ذاك الإنسان، كلكم نسأل الله أن يحفظ لكم أبناءكم، عندكم أولاد، الولد مرضَ ويُريد شيئاً أنت تمنعه منه، لماذا تمنعه منه؟ هل تمنعه قسوةً عليه أم رحمةً به؟ هنا السؤال؟ فربنا جلَّ جلاله يمنع عنا أحياناً أشياءَ لأنه يحبنا ولأن عاقبتها ليست خيراً لنا، نحن لا نعلم الغيب وليس لنا علمٌ كعلم الله، علم الله شاملٌ، واسعٌ، عامٌ، ونحن ليس لنا علمٌ كعلمه (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فنطلب أشياء فيها ضررنا فيمنعها الله عنا رحمةً بنا، هذا معنى الجواب الرابع، قال تعالى:

وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا (11)
(سورة الإسراء)

أحياناً يطلب الإنسان شيئاً يظنه خيراً وهو في الحقيقة يدعو بالشر لنفسه وهو لا يعلم أنه شرٌ له، فيزيد في الدعاء ويلحُّ في الدعاء والله تعالى يُثيبه على دعائه لأن الدعاء صلة بالله تعالى فلا تقنطوا من الدعاء، لكن إذا تأخرت الإجابة فاعلم أن هذا لخيرٍ لك لا تعلمه لكن الله يعلمه، وهنا يحضرني حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو مهمٌ جداً في هذا الباب.

طرق إجابة الدعاء
يقول صلى الله عليه وسلم:

{ ما مِن رجلٍ يَدعو اللَّهَ بدعاءٍ إلَّا استُجيبَ لَهُ، فإمَّا أن يعجَّلَ له في الدُّنيا، وإمَّا أن يُدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يُكَفَّرَ عنهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعا، ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ أو يستعجِلْ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يستَعجلُ؟ قالَ: يقولُ: دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي }

(صحيح الترمذي)

(فإمَّا أن يعجَّلَ له في الدُّنيا) يا رب اشفني فيشفيه الله، يا رب ارزقني في هذه التجارة ربحاً كبيراً فيرزقه الله، هذا عُجل له في الدنيا.
قال: (وإمَّا أن يُدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ) يطلب طلباً فالله تعالى بحكمته يعلم أن هذا الأمر لا يُناسبه الآن، فيدَّخره له في الآخرة، يوم القيامة ربما يجد من العطاء من الله عزَّ وجلَّ كجبل أُحد، يقول: يا رب لم كل هذا؟ يقال له: هذا بدعائك، ادَّخره الله لك، بالله عليكم بصدقٍ ومن أعماق النفس لو قلت لإنسانٍ: هل أعطيك الآن مئة دينار أم أعطيك غداً ألفاً؟ لو سألت مئة إنسانٍ يقول لك: غداً ألف فوراً، فيجد العطاء الأكبر ينتظره ولا يُبادر إلى العطاء الصغير، هذا ما يحصل معنا، ندعو الله عزَّ وجلَّ بشيء،ٍ هذا الشيء ربنا عزَّ وجلَّ من الحكمة ألا نأخذه الآن، من الحكمة الإلهية من علم الله لا يُناسبنا الآن فيدَّخره لنا إلى يوم القيامة لكن بعطاءٍ عظيمٍ لأن عطاء الدنيا محدود لكن عطاء الآخرة لا حدود له، فالعاقل يترك الأمر لله إن عجل لي في الدنيا فالحمد لله، وإن ادَّخر لي في الآخرة فالحمد لله ألف مرَّةٍ ومرَّة، المهم أن ندعو وأن نبقى على دعاء وعلى صلة بالله.
قال: (وإمَّا أن يُكَفَّرَ عنهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعا) إنسانٌ يدعو وهو مقيمٌ على الذنوب والمعاصي كيف يستجاب له؟ بالمغفرة، ربنا عزَّ وجلَّ كريم مستحيلٌ أن تمد يديك ويردك خائباً، أقول: بالنسبة لك بأقل الأحوال يغفر لك ذنوبك وهذا أمرٌ عظيمٌ جداً أن تغفر الذنوب.
فقال: (ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ): إذا دعا بإثمٍ فلا يُستجاب له، وإن دعا بقطيعة رحمٍ فالله تعالى أيضاً لا يستجيب له، لأن الله لا يستجيب للمعاصي والآثام، (ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ أو يستعجِلْ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يستَعجلُ؟ قالَ: يقولُ: دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي) هذه دعكم منها، لا تقل: يا رب دعوتك فلم تستجب لي، راجع نفسك، راجع حساباتك، إن كان هناك معصيةٌ فاتركها، إن كان هناك طاعةٌ فواظب عليها، لكن لا تقل: دعوتك فلم تستجب لي، دع الأمور للخالق، أنت مُدَبَّرٌ ولست مُدَبِّراً، دع الأمر لله تعالى فهو الذي يدبر الأمر بما يكون فيه صلاحك وبما يكون فيه خيرك.
إذاً قال: فمثلكِ كمثل طفلٍ محمومٍ يطلب الحلوى والمُدبِّرُ لكِ أعلم بالمصالح كيف وقد قال الله:
(وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ).
قال: ( فلما بان الصواب للنفس في هذه الإجابة زادت طمأنينتها) استراحت النفس، فهمت حقيقة الدنيا، وحقيقة العبودية وأن الإنسان يسدُّ أحياناً باب الإجابة بالمعصية وأن الله تعالى قد يمنع عنه شيئاً لحكمةٍ بالغةٍ علِمها من علِمها وجهِلها من جهِلها.

المنع يمكن أن يكون عين العطاء
بقي الآن الجواب الخامس، قال: ( فلما بان الصواب للنفس في هذه الإجابة زادت طمأنينتها، فقلت لها: وعندي جوابٌ خامسٌ، وهو أن هذا المطلوب - الشيء الذي تطلبه - يُنقِصُ من أجركِ، ويحط من مرتبتكِ، فمنعُ الحق جلَّ جلاله لكِ ما هذا سبيله عطاءٌ منه لكِ، ولو أنكِ طلبتِ ما يُصْلِحُ آخرتكِ كان أولى لكِ) ما معنى ذلك؟
إذا فهمت الحكمة في المنع أصبح المنع عين العطاء
أحبابنا الكرام: أحياناً الإنسان يطلب شيئاً فيُمنع عنه، لكن يقول ابن عطاء الله رحمه الله: ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك، فإذا فهمت الحكمة في المنع أصبح المنع عين العطاء، فالله تعالى قد يمنع عنا شيئاً يُنقصُ من أجرنا أو يحطُّ من مرتبتنا فيكون هذا المنع عطاءً منه جلَّ جلاله، هكذا يفهم المؤمن، إذا طلب شيئاً من الله ومُنِعَ عنه حاول، اتخذ الأسباب، ودعا ثم منعه الله عنه هذا المنع هو العطاء، هكذا يفهم المؤمن حكمة الله تعالى فيما يجري، يصبح المنع عين العطاء، فقال لها: ولو أنكِ طلبتِ ما يُصْلِحُ آخرتكِ كان أولى لكِ، وهذا لا يعني ألا يسأل الإنسان ربه شيئاً من الدنيا، لا، الإنسان يحتاج في الدنيا ما يُصلحه، يحتاج رزقاً، يحتاج زوجةً، ويحب أن يكون له ولد، ويحب أن يكون له رزقٌ وفير، وسمعةٌ طيبة، فلا حرج ولا مانع أن تطلب الدنيا من الله، لكن ينبغي دائماً أن تبدأ بحاجات الآخرة، اطلب من الله الجنة، الرضا، القناعة، اطلب من الله عزَّ وجلَّ صفاء القلب، اطلب من الله عزَّ وجلَّ نقاء السريرة، اطلب من الله عزَّ وجلَّ دوام الصلة به جلَّ جلاله، اطلب منه جلَّ جلاله أن يُعينك على ألا تظلم مخلوقاً، اطلب منه أن تلقاه وهو راضٍ عنك، اطلب منه حسن الخاتمة، قل: يا رب ارزقني حسن الخاتمة واجعل أسعد أيامي يوم ألقاك وأنت راضٍ عني، اجعل آخر كلامي من الدنيا لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، اجعلني عندك من المقبولين من المتقين، ارضَ عني يا رب، ارزقني لذة النظر إلى وجهك، هذا أعظم الدعاء، الدعاء بالآخرة، وقالوا: من آداب الدعاء أن يبدأ الإنسان بطلب المغفرة والرضا وطلب الآخرة ثم يطلب حاجته من الدنيا، فلا يُمنع الإنسان من طلب حاجته من الدنيا لكن يُفضل أن يبدأ بالدعاء بصلاح الآخرة قبل أن يسأل صلاح الدنيا، هذا هو المعنى، فهنا ابن الجوزي رحمه الله تعالى قال: فمنع الحق لكِ ما هذا سبيله عطاءٌ منه لكِ، ولو أنكِ طلبتِ ما يُصْلِحُ آخرتكِ كان أولى لكِ.
يقول ابن الجوزي: ( فأولى لكِ أن تفهمي ما قد شرحت، فقالت النفس له: لقد سرحتُ في رياض ما شرحتَ، فَهِمْتُ إذ فَهِمْتُ ) هِمْتُ الأولى من هامَ، يهيمُ، (فـ) (هِمْتُ) من الهيام، يقال: هامَ، يهيمُ، ويقال: هامَ على وجهه، فَهِمْتُ إذ فَهِمْتُ، لما فهمت المعنى الذي قلته هِمْتُ حباً في الله تعالى، فلما يفهم الإنسان حكمة الله ويعلم أن الله تعالى لا يُؤخر عنه شيئاً إلا لمصلحته ويفهم أن الدنيا دار ابتلاءٍ لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، وممرٌ وليست مقراً، وأن الله تعالى جعلها وعاءً لعملٍ صالحٍ تلقى به ربك، ثم يفهم حقيقة العبودية وأنه عبدٌ لخالقه ومولاه، وأن المملوك ينبغي أن يبدأ فيؤدي واجباته قبل أن يطلب ما يظنه حقوقاً له، ثم يفهم أن إجابة الدعاء ينبغي أن تبدأ بفتح الطريق بالطاعات لا أن نغلق الطريق على الدعاء بالمعاصي، ثم يفهم أن الإنسان ينبغي أن يعلم أنه قد يدعو أحياناً (بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ)
وأن الله تعالى قد يحجب عنه ما فيه ضررٌ له، ثم يفهم أن المنع من الله تعالى قد يكون عين العطاء، لأن الله تعالى يمنعك ليُعطيك وربما يُعطيك شيئاً ليمنعك من شيءٍ، فالله تعالى يعلم ونحن لا نعلم عندما يفهم كل ذلك يهيم حباً في خالقه ومولاه جلَّ جلاله الذي لا يأتيه إلا بما يُصلِحُه ولا يُعطيه إلا ما يكون له فيه خيرٌ في دينه ودنياه وآخرته.

فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55)
(سورة القمر)