من دروس سورة التكاثر
من دروس سورة التكاثر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ. |
أيها الإخوة الكرام: حيَّاكم الله تعالى وأسعدكم بكلِّ خير، حديثنا اليوم عن سورةٍ وحديثٍ، السورة هي سورة التكاثر: |
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)(سورة التكاثر)
والحديث: |
{ عَنْ عبْدِ اللَّه بنِ الشِّخِّيرِ أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وهُوَ يَقْرَأُ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) -[التكاثر:1]-قَالَ: يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي! مَالي! وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟! }
(أخرجه الترمذي)
المال مال الله
|
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)(سورة الحديد)
يدكَ على المال ليست يدَ ملكٍ لكنها يدُ أمانة، فينبغي أن تتصرَّف بالمال وفق تعليمات صاحب المال جلَّ جلاله فهو الذي أنعَمَ عليك به، فالمالُ في الأصل مالُ الله ونحن مستخلفون فيه، لكن الإنسان يقول: مالي، مالي: هذا لي. |
المفهوم الحقيقي للمال
كل شيءٍ تملِكُه هو مال
|
فالإنسان له من ماله هذا أما باقي الرصيد في البنك فليس له، هذا مالُ الورثة كما يقال، أنت لك في الدنيا طعامٌ أكلته وشرابٌ شربته ولباسٌ لبِستَهُ وصدقةٌ دفعتها فبقيت إلى يوم القيامة وبقي أثرها، فلما قرأ صلى الله عليه وسلم (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قال هذا الحديث الشريف، هذا الربط بين الآية والحديث، قرأ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) (قَالَ: يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي! مَالي! وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ) الطعام والشراب واللباس يذهب إلا إن ابتُغِيَ به وجه الله فيبقى أثره، الصدقة تبقى إلى قيام الساعة؛ يبقى أثرها، لذلك انظروا إلى هذا المعنى الجميل؛ النبي صلى الله عليه وسلم كان يوزع شاةً، لم يبقَ شيء منها: |
{ عن عائشة رضي اللَّه عنها أَنَّهُمْ ذَبحُوا شَاةً، فقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "مَا بَقِيَ مِنها؟ "قالت: مَا بَقِيَ مِنها إِلاَّ كَتِفُهَا، قَالَ:"بَقِي كُلُّهَا غَيرَ كَتِفِهَا" }
(رواه الترمذي)
لأن الذي تصدقنا به هو الذي يبقى، أما الكتف فمازال معنا فهو زائل، الصدقة هي التي تبقى، هذا المعنى. |
يُروى عن بعض السلف أنه أمسكَ تفاحةً في يده فقال: "أكلتها ذهبت أطعمتها بقيت"، لأنه يبقى أجرها عند الله تعالى إذا تصدَّقت وأطعَمْت. |
اللهو هو أن تنشغل عن شيءٍ نفيسٍ بشيءٍ خسيس
أحبابنا الكرام: أريد أن أنتقل إلى سورة التكاثر بالتفصيل يقول تعالى: |
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)(سورة التكاثر)
الإنسان في أصل فطرته لا يُحبُّ أن يلهو
|
بربكم إذا كان عندك صورةٌ لك وأنت في عمر السنتين ووالدك أتى لك بلعبة القطار، فأخذ القطار عقلك فجلست وبدأت تحرِّكُ القطار وتصدر أصواتاً من فمك لتُعبِّر عن أن القطار يسيُر ثم القطار اصطدم بشيءٍ ....إلخ.. لو نظر الآن الإنسان إلى نفسه وهو يصنع ذلك وهو بعمر السنتين ألا يضحك من نفسه كيف كان ينشغل بهذا ويلهو به؟! شيءٌ مضحك، الآن ابنك يفعله في البيت وتُسرُّ به لكن أنت لا تفعله، هل يُعقل أن أنشغل بلعبةٍ وأنا أمامي عملٌ وأمامي وأمامي! هذا ما يحصل مع الإنسان بشكلٍ عام يوم يجد أنه انشغل بالدنيا عن الآخرة وانشغل بالمتع الرخيصة عن السعادة الأبدية وانشغل بالأشياء التافهة عن الأشياء العظيمة وانشغل بطلب المتابعات التي لا ترضي الله عن طلب العلم، هذا الذي يحصل، هذا معنى (أَلْهَاكُمُ). |
معنى التكاثر
التكاثر لا ينتهي
|
{ من أصبح مُعافًى في بدَنِه، آمنًا في سِرْبِه، عندَه قوتُ يومِه فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا }
(أخرجه ابن حبان)
انتهى، الباقي كلُّه تكاثر وتفاخر وتباهٍ وتعالٍ على الناس، سجّل ابنه في المدرسة الفلانية وأنا أريد أن أسجل ابني في مدرسةٍ أفضل من المدرسة الفلانية تُعنى باللغة الأجنبية وتُعطي الشهادات، من باب التكاثر. |
لكن الآية الكريمة لا تعني أبداً أن الإنسان لا ينبغي أن يُصلح دنياه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: |
{ اللهمَّ أَصلِحْ لي دِيني الذي هو عصمةُ أمري، و أَصلِحْ لي دنياي التي فيها معاشي، و أَصلِحْ لي آخرَتي التي فيها مَعادي، و اجعلِ الحياةَ زيادةً لي في كل خيرٍ، و اجعلِ الموتَ راحةً لي من كلِّ شرٍّ }
(أخرجه مسلم)
فنحن نعيش في الدنيا وينبغي أن نُصلحها ما استطعنا لكن لا ينبغي أن ننشغل بها عن الآخرة ولا ينبغي أن نتكاثر بها بمعنى أن نتفاخَر على بعضنا بها، فلأن فلاناً جاء بهذا الجهاز فينبغي أن آتي بالجهاز الأعلى منه، هنا المشكلة في التكاثر وفي التفاخر فقال تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) يعتبُ علينا ربنا جلَّ جلاله، التهيتم بالتكاثر في الدنيا بالأموال وبالأولاد وبالمزارع وبالسيارات عن الآخرة. |
زيارة المقابر ليست نهايةً للإنسان
قال تعالى: |
حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)(سورة التكاثر)
زيارة المقابر ليست نهايةً للإنسان
|
الموت في الإسلام
الشيء بالشيء يذكر؛ نحن في جائحة كورونا تحديداً صوَّروا لنا الموت بطريقةٍ غير إسلامية، غير شرعية، أريد أن أدخل في العمق قليلاً، الموت في ديننا ليس شيئاً مُرعباً أو مُخيفاً، ليس شيئاً مُقلقاً إلى هذا الحد الذي يُصوَّر عليه، أن الإنسان يتوفى! حسناً تلك هي الحياة، نحن هكذا دخلنا على هذا الشرط جئنا: |
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30)(سورة الزمر)
المصيبة ألا نستعدَّ للموت
|
{ وَلا تَجْعلِ الدُّنْيَا أكبَرَ همِّنا وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمٍنَا }
(رواه الترمذي)
اليوم عند معظم القوم وللأسف تسرَّب ذلك إلى المسلمين من الحضارة المادية الغربية، اليوم الدنيا عند الكثيرين هي مَبْلَغُ عِلمِهم وأكبر هَمِّهم، لا أحد يلتفت للآخرة، كل الناس يظنون أن الموت هو فاجعة لأنها ستُنهي الحياة التي يعيشها، لا يا أخي الموت لن يُنهي الحياة التي نعيشها، الموت سنتوقف لننتقل إلى نوعٍ جديدٍ من الحياة أجملَ بكثيرٍ من الذي نعيشه الآن، سنتوقف لننتقل إلى نوعٍ مختلفٍ تماماً، كمثال: أنت عندك مكانٌ في البيت يلعب فيه الأولاد فقلت لهم: الآن انتهى اللعب في هذا المكان، عندنا مكانٌ آخر سننتقل إلى البستان الآن، فقط، فهو انتقالٌ من طبيعةٍ معينةٍ في الحياة فيها كدحٌ: |
يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)(سورة الإنشقاق)
إلى نوعٍ جديدٍ من الحياة فيه راحةٌ وسعادةٌ للمؤمن وعقابٌ لمن ظَلَم وطَغى وبَغَى ونَسِي المُبتدى والمُنتهى، فهو فقط تغييرٌ بطبيعة الحياة وليس نهايةً لكلِّ شيء، فربنا تعالى يقول: |
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)(سورة التكاثر)
جاء الموت ولم تستعدَّ له، يا أخي استعد فقط لتنتقل إلى حياةٍ أجمل. |
(حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ): زيارة ثم تخرج منها للقاء الله. |
الإيمان قبل فوات الأوان
ثم يقول تعالى: |
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)(سورة التكاثر)
ما معنى (كَلَّا)؟ (كَلَّا) أداة ردع وزجر، يعني أنت لو سألك إنسان هل أنت جائع؟ تقول: لا، لكن لو قال لك شخص: هل أنت سارق؟ فإنك لا تقول له: لا، بل تقول له: كلَّا، موسى عليه السلام يوم قال له أصحابه: |
فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)(سورة الشعراء)
كان عنده ثقةٌ عجيبةٌ بالله، مستحيل أنا نبيٌّ من أنبيائه وسأبلِّغُ الرسالة كيف يدركونني؟ |
قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)(سورة الشعراء)
فأنت عندما يكون السؤال يُشكك في ثوابتك تقول: كلا، للردع والزجر فربنا جلَّ جلاله يقول: (كَلَّا) الدنيا ليست للتكاثر، ما جئت بكم يا عبادي إلى الدنيا لتتكاثروا بالأموال وبالأولاد وبالخدم وبالحشم وبالمزارع وبالبيوت وبالأجهزة ما جئت بكم إلى الدنيا لهذا، أنتم لم تُخلَقوا لهذا (كَلَّا) قال: (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) متى يعلم الإنسان؟ عند الموت، (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ). |
فرعون طَغَى وبَغَى: |
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24)(سورة النازعات)
وقال: |
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)(سورة القصص)
فلما أدركه الغرق: |
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَوَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)(سورة يونس)
فقال تعالى: |
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)(سورة يونس)
إياك أن تعلم الحقيقة بعد فوات الأوان
|
عِلْمٌ آخر بعد عِلْمِ الوفاة
قال: |
(ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)(سورة التكاثر)
(ثُمَّ): حرف عطف يُفيد التراخي، أي هناك علمٌ آخر بعد فترةٍ زمنية، ما هو؟ قال: (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) يوم القيامة، العلم الأول عند الوفاة، وهناك علمٌ ثانٍ أشمل يوم القيامة عندما: |
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)(سورة المطففين)
ويقول لك الله عزَّ وجلَّ: يا عبدي فعلت كذا وكذا.. يا عبدي أمرتك فلم تأتمر، نهيتك فلم تنتهِ، نسأل الله السلامة، فهنا ستعلم الحقيقة أكثر من ذي قبل، بأنك التهيت وبأنك تكاثرت وكان معك فرصةٌ عظيمةٌ لتخلُدَ في جنةٍ يدوم نعيمها ففوَّتها على نفسك أيها الإنسان الشارد عن الله: |
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)(سورة التكاثر)
(كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) عند الموت، (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) إذا قامت القيامة. |
اليقين هو القَطْع
قال: |
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)(سورة التكاثر)
اليقين هو القَطع مئةً بالمئة
|
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)(سورة التكاثر)
يعني لو تصل إلى اليقين القطعي بأن الله تعالى لم يَخلُقكَ للدنيا وإنما خَلَقكَ للآخرة، ولو تصل إلى اليقين القطعي بأن هناك يوماً ستقف فيه بين يدي الله ليُحاسبك على أعمالك، ولو تصل إلى اليقين القطعي بوجود الله ووحدانيته وكماله، هذا علم اليقين ليس فيه شكٌّ ولا واحد بالمئة، (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ). |
رؤية الجحيم يوم القيامة
قال: |
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)(سورة التكاثر)
المؤمن سيرِدُ النار ليرى عدل الله
|
وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71)(سورة مريم)
والورود لا يعني أننا ندخلها، قال تعالى: |
لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102)(سورة الأنبياء)
في الجنة خلودٌ لا ينغِّصُه شيٌء لكن ربنا عزَّ وجلَّ شاءت حكمته أن يرى الإنسان - حتى المؤمن- الجحيم يوم القيامة ليرى عدل الله عزَّ وجلَّ وليرى مكانه فيما لو أنه لم يُطِع الله فتزداد سعادته بالله وبمكانه من الجنة، ألم يقل تعالى: |
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)(سورة الصافات)
ثم قال تعالى: |
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)(سورة الصافات)
إذاً كلُّنا سنرى الجحيم يوم القيامة لكن والعياذ بالله الكافرون بالله سيَرونها وسيكونون فيها، والمؤمنون سيَرونها لكن دون أن يتأثَّروا ولو بصوتها قال: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ). |
رؤية الجحيم في الدنيا
حب الحلال يُريحُ النفس
|
الفرق بين عِلْمَ الْيَقِينِ و عَيْنَ الْيَقِينِ و حَقُّ الْيَقِينِ
قال: |
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)(سورة التكاثر)
هذه يوم القيامة، ما الفرق بين (عِلْمَ الْيَقِينِ) و(عَيْنَ الْيَقِينِ)؟ يوجد عندنا في القرآن الكريم: (عِلْمَ الْيَقِينِ)، (عَيْنَ الْيَقِينِ)، (حَقُّ الْيَقِينِ) |
إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)(سورة الواقعة)
(عِلْمَ الْيَقِينِ): نظرت إلى الجدار وجدت خلفه دخاناً يتصاعد قلت: لا دخان بلا نار، هذا علم اليقين، فسِرتَ إلى خلف الجدار فرأيت بعينك النار تشتعل هذا (عَيْنَ الْيَقِينِ)، نسأل الله السلامة اقتربت منها ووضعت يدك فاحترقت فسَحبتَها، هذا (حَقُّ الْيَقِينِ). |
المؤمن عنده علم اليقين قبل أن يرى بعينه وقبل أن تمَسَّهُ النار يعلم (عِلْمَ الْيَقِينِ) فقال: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) ستراها بعينك يوم القيامة. |
السؤال يوم القيامة
ثم قال: |
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)(سورة التكاثر)
انظر إلى هذا الختام بالسورة يترك فكرك يسبحُ مع السؤال أن هناك سؤالاً يوم القيامة، يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: |
{ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي الْعَبْدَ مِنْ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ؟ }
(رواه الترمذي)
الماء البارد نعيم، عندك ماءٌ باردٌ في البيت تتنعَّم به، هذا نعيم، فنحن كم عندنا من النعيم فوق الماء البارد؟ زوجةٌ وأولادٌ وبيتٌ وسيارةٌ وما لذَّ وطاب وأنواعٌ منوعةٌ من الطعام. |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ: (مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ)؟ قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا قُومُوا)، فَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيْنَ فُلَانٌ)؟ قَالَتْ ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنْ الْمَاءِ إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ)، فَذَبَحَ لَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ }
(أخرجه مسلم)
الرزق هو كل ما ننتفع به
|
ما يبقى للإنسان من ماله
والنبي صلى الله عليه وسلم مرةً سأل أصحابه: |
{ أَيُّكُمْ مالُ وارِثِهِ أحَبُّ إلَيْهِ مِن مالِهِ؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما مِنَّا أحَدٌ إلَّا مالُهُ أحَبُّ إلَيْهِ، قالَ: فإنَّ مالَهُ ما قَدَّمَ، ومالُ وارِثِهِ ما أخَّرَ }
(أخرجه البخاري)
قدَّمت مالك أمامك فسرَّك اللحاق به، عملٌ صالح، مساعدةُ فقير، قدَّمته أمامك فسرَّك اللحاق به، أما مال وارثك هو المال الذي سيبقى للورثة، لمن بعدك، فالإنسان يُحب ماله أم مال وارثه؟ يُحب ماله، إذاً فليقدِّم ماله أمامه بعملٍ صالح، ولو بالإنفاق على الأهل، ليس المطلوب فقط مدُّ يدِ العون للآخرين بالعكس الدينار الذي تُنفقه على بيتك وعلى عيالك هو أحبُّ دينارٍ عند الله تعالى أن تُنفقه على أهل بيتك، نعود إلى الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ): |
{ عَنْ عبْدِ اللَّه بنِ الشِّخِّيرِ أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وهُوَ يَقْرَأُ:(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)-[التكاثر:1] قَالَ: يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي! مَالي! وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟! }
(رواه الترمذي)
ينبغي أن يكون المسلم حسناً بين الناس
|
الصلة بالله والصلة بالمخلوقين
يقول سيدنا عمر رضي الله عن عمر: |
"والله لولا ركيعاتٌ في جوف الليل وإخوةٌ يُلتَقَطُ معهم طَيِّبُ الكلام كما يُنتقي آكل الثمر أطايبه لآثرتُ الموتَ على الحياة"{ سيدنا عمر رضي الله عنه }
ليس في الدنيا والله إلا صلاةٌ تُحسِنُها بين يدي الله أو إخوةٌ طيبون تلتقي بهم فتَنْتَقِي معهم الكلام الحسن كما يَنْتَقِي آكل الثمر أطايبه وإلا فالدنيا فانيةٌ لكن يبقى منها صلةٌ بالله وإحسان للمخلوقين، حركة بالصلة نحو الخالق، وحركة نحو المخلوق بالإحسان هذا معنى: |
يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ (55)(سورة المائدة)
(يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) مع الله، (وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) مع المخلوقين. |
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)(سورة الكوثر)
النحر من أجل أن تذبح الأضاحي وتُقدِّمها للناس، فتُحسِن صلتك بالخالق وتُحسِنُ صلتك بالمخلوق، حركةٌ أفقيةٌ وحركةٌ عموديةٌ هذه هي الحياة صلةٌ بالخالق وإحسانٌ إلى المخلوقين. |
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من مُحسِني الصلة به ومن مُحسِني الصلة بعباده وأن يرزقنا وإياكم رزقاً حلالاً طيباً لنستخدمه في طاعة الله وأن يوسِّعَ علينا وأن يجعل نعم الدنيا متصلةً بنعم الآخرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |