ثلاثُ منجيات و ثلاثُ كفارات

  • محاضرة في الأردن
  • 2021-01-25
  • عمان
  • الأردن

ثلاثُ منجيات و ثلاثُ كفارات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمِعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أحبابنا الكرام: حديثٌ شريف رواه عبد الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُنَجِّيَاتٍ، وَثَلَاثٌ كَفَّارَاتٌ، وَثَلَاثٌ دَرَجَاتٌ، فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمُنَجِّيَاتُ: فالعَدْلُ في الغَضَبِ والرِّضا، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَانْتِظَارُ الصَلَاةِ بَعْدَ الصَلَاةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلامِ، وَالصَلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ }

(صحيح الجامع)

(وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ) أي في المكاره..

ثلاث مُهلكات:
هذا حديثٌ من جوامع الكَلِم، نشرع في بيان بعض أحكامه اللطيفة، نبدأ بالمُهلكات: ومن فقه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بما يُهلِكُك ليحذِّرك ثم بما ينجِّيك ليبشِّركَ، نَذِيراً وبَشِيراً، لأن الإنسان ينبغي أن يخاف أولاً مما يُهلكه حتى يسعى إلى ما يُنجيه، هذه سُنَّة الحياة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ }

(أخرجه الترمذي)

(مَنْ خَافَ أَدْلَجَ) أي مَشى في الظلمة..
فالإنسان أولاً يحذرُ مما يَهوِي به في الرَّدى والمَهالك ثم يسعى إلى ما يُنجِّيه ويرفع درجاته، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالمُهلكات، والله تعالى لمّا قال في كتابه:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
(سورة البقرة)

الطاغوت هو كلُّ ما عُبِدَ من دون الله
فبدأ بالكُفر بالطاغوت وثَنَّى بالإيمان بالله، لأن الإنسان لن يُؤمن بالله حقاً إلا إذا كَفَرَ بما يُعبَدُ من دون الله، والطاغوت: هو كلُّ ما عُبِدَ من دون الله، المال قد يكون طاغوتاً، والشَّهوة قد تكون طاغوتاً، والنساء في الحرام قد يكنَّ طاغوتاً، فكلُّ شيءٍ يُعبد من دون الله ويسعى الإنسان إليه فهو طاغوت، فقال: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) فلذلك بدأ بالمُهلكات.

1- الشُّح المُطاع:
قال: (ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ) ما تلك المهلكات؟ قال: (فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ) الشُّح: هو البخل، أو هو منتهى البخل، البخل الزائد، قال تعالى:

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
(سورة الحشر)

الشُّحُّ مُهلكٌ لأن الإنسان إذا كانت نفسه شحيحةً بالعطاء فإنه يُخالف كريم الخِصال، المَحامِد كلُّها إن أردت جمعها فاجمعها في الكرم، فالشجاعة كرم، الشجاعة والإقدام كرمٌ في محصِّلة الأمر، والبسمة كرم، والخُلق الحَسَن من الكرم، فإذا أردت أن تجمع المحامِد فهي في الكرم، في أن تُعطي، في أن يكون همُّكَ العطاء لا أن يكون همُّكَ الأخذ، والشُّح لا يكون بالمال فقط، الإنسان قد يشحُّ بابتسامةٍ يبتسمها في وجه أخيه، أو يكون الشُّح في وساطةٍ يتوسطها لأخٍ ليُنجيه من شيءٍ يُهلكه يقول لك: لن أكلِّم أحداً، بل الواجب أن تكلِّم إن كنت تستطيع أن تشفَعَ فاشفَع، وقد يكون الشُّح بالعِلم والخبرة فيقول لك: لا أعلِّم أحداً من خبرتي، ويسأله الناس فيكتُمُ عِلماً، الشُّح بابه واسع لكن من أهم أبوابه الشُّح بالمال، أن يُمسِكَ الإنسان، ألا يعطي مما أعطاه الله.
الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم جاؤوا الدنيا فأعطوا ولم يأخذوا، انظر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بربِّكم ما الذي أخذه رسول الله من الدنيا؟! وكان عنده المال ومكَّنه الله وأغناه الله حتى مَلَكَ ما مَلَك.

{ مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ }

(رواه مسلم)

الإحسان إخواننا الكرام؛ مرتبةٌ عظيمة، أن يُحسِنَ الإنسان، أن يُعطي مما أعطاه الله من كلِّ شيء، قال تعالى:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
(سورة البقرة)

رزقك مالاً فأنفق، رزقك عِلماً فأنفق، رزقك شفاعةً فاشفع، رزقك منصباً فحُلَّ به مشكلات الناس، أعطِ مما أعطاك الله، المؤمن يدرك أن ما بين يديه ليس مُلكاً له وإنما هو مال الله في يديه، قال تعالى:

آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
(سورة الحديد)

هو استخلفك على هذا المال فأنفِق يُنفق الله عليك.
الماديَّة المقِيتة هي الشُّح المُطاع
إذاً المُهلكة الأولى: الشُّح المُطَاع، ما معنى الشُّح المُطَاع؟ أنت ترى اليوم الشُّح إما أن يكون ظاهرةً وثقافةً، وإما أن يكون حالةً فرديةً، هنا يتحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن الشُّح عندما يصبح ظاهرة، الناس تتبع الشُّح؛ تجعَلُ المادة هي همَّها كما نرى في المجتمعات الماديَّة اليوم، اليوم الماديَّة المقِيتة هي الشُّح المُطاع، بمعنى أن الإنسان يعبُدُ المادة من دون الله، قال تعالى:

إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
(سورة العاديات)

ثم قال:

وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
(سورة العاديات)

هنا (الْخَيْرِ) بمعنى المال بسورة العاديات، قال تعالى في سورة البقرة:

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)
(سورة البقرة)

المال خيرٌ في أصله
الخير هنا المال، فيأتي الخير بمعنى المال لأنه خيرٌ من الله عزَّ وجلَّ في أصله إلا إن استخدمه الإنسان في المعصية فيُصبح والعياذ بالله شراً لكن أصله خير، فقال: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) لا يُحب أن يعطي، هذه المادية، مجتمع المادة، اليوم هناك نظرياتٌ في المادية أناسٌ يُسمُّون أنفسهم الماديون يؤمنون بالمادة، فالمادة هي كلُّ شيء، وقيمة الإنسان فيما يملِكه لا فيما يُعطيه، لا في أخلاقه، (معك قرش تسوى قرش) هكذا يقول الناس اليوم للأسف الشديد، هذه المادية، هذا الشُّح المطاع، يعني الشُّح أصبح له مكانة، له نظرياتٌ تتحدث عنه، الناس اليوم يتكلمون عن الشُّح دون أن ينتبهوا، البخل كان صفةً ذميمةً جداً، فالعربي إذا وُصِفَ بالبخل والعياذ بالله ربما يذهب وينتحر إذا قِيل عنه بخيل، اليوم يتحدث الناس بالمادة وهي البُخل بعينه من غير أن يُسمُّونها بخلاً، ربما يشتري نمرة السيارة المميزة (111) بالملايين والناس يموتون من الجوع ولا يشعر بأنه فعل شيئاً سيئاً بأنه اشترى نمرة سيارة، الإنسان يشتري سيارةً وبيتاً ويتنعَّمُ بالدنيا والله عزَّ وجلَّ وهَبَه مالاً فيُنفق أول ما يُنفق على أهل بيته هذا واجب، لكن يُنفق في المُباح لا في التوسُّع بالمباحات بحيث تصبح محرماتٍ وتنقلِبُ إلى محرمات، يُنفق ويتزوج ويبيع ويشتري ويُتاجر ويعلو مكانةً في المال ويُنفق على عباد الله:

{ عَنْ أبي هُريرةَ رضِيَ الله عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ }

(رواه مسلم)

والقوَّة بالمال قوَّةٌ مهمَّةٌ جداً لكن لا أن تُصبح المادة همه، هناك شيءٌ يتحدث عنه علماء النفس بالشُّح المطاع: اللذة عندما تُستَهدفُ لذاتها تنقلِبُ إلى ضِدها، فالإنسان عندما يصبح همُّه المال يصبح المال مصدر تعاسةٍ له، عندما يُصبح همُّه الجنس يصبح الجنس تعاسةً له لأنه استهدفه فينقلِبُ إلى ضده، لكن عندما يستخدمه وسيلةً لهدفٍ أسمى يستمتع به، عندما يكون المال في يده لأنه يريد أن يصل به إلى رضا الله فالمال دائماً يُمِدُّه بالسعادة لأن الهدف متنامٍ، الهدف كبير، هناك جنَّةٌ بعدها فيستمتع بالمال، أما عندما يضع المال هو النهاية ويستهدِفُها فهنا المشكلة؛ أن تُستَهدَف اللذة فتنقلِبُ إلى شقاوة، هذا تحدث عنه علماء النفس.

2- هوىً مُتبع:
إذاً (وأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ) الشُّح: المادية، الهوى: هوى النفس، ما تميل إليه النفس، شهوة النفس، وشهوة النفس قد تكون بالمال لكنها هنا تميل أكثر إلى الشهوة الثانية الشهوة المحرَّمة، أكبر شهوتين محرمتين في الإسلام أن يُؤتى الإنسان من ماله أو من الطرف الآخر بأن يستهدف الحرام والعياذ بالله في المرأة، أو المرأة في الرجل، فهنا الهوى المُتَّبع، افتح الفيسبوك اليوم، افتح وسائل التواصل إذا أرادوا أن يُعلنوا عن طاولةٍ تجد أنهم وضعوا صورة امرأةٍ بثيابٍ متبذلة، هوىً متبع، يَهلِكُ الإنسان حينما يُصبح إلهه هواه، قال تعالى:

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
(سورة الجاثية)

{ تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ }

(صحيح البخاري)

(القَطِيفَةِ) اللباس الفاخر، يعبُدُ ثيابه، (الخَمِيصَةِ) شهوة البطن، الطعام والشراب.
بطولة المؤمن في قضية الهوى المُتبع
فالهوى المُتبع هو أنك ترى اليوم الناس والعياذ بالله إذا أُعلِنَ عن حفلةٍ فيها مغنِّيةٌ والعياذ بالله تجد البطاقات تنفد بعد أربعة أو خمسة أيام، وإذا أُعلِنَ عن محاضرةٍ دينيةٍ وتكون مجاناً ولا تجد اكتمالاً في العدد، فالهوى أصبح مُتبعاً، له أتباعٌ يتبعونه، وهذا يُهلك والعياذ بالله، بطولة المؤمن في قضية الهوى المُتبع أن يعيش الغربة التي تحدثنا عنها فيما أعتقد سابقاً بأن المؤمن غريبٌ في هذا الزمن، إذا رأى الناس ضلُّوا وأضلُّوا فإنه يأوي إلى بيته وإلى دينه وإلى صلاته وإلى عبادته ولا يذهب مع الناس في أهوائهم المُتبعة لأن الله تعالى جعل النجاة في كَفِّ النفس عن هواها، قال تعالى:

فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)
(سورة النازعات)

الجنة ندخلها برحمة الله، لكن مفتاحُها أن تنهى النفس عن الهوى، أن تمنع نفسك من أهوائها، النفس تهوى النوم إلى الساعة السابعة والثامنة والتكليف أن تستيقظ لصلاة الفجر، ربما يكون الجو بارداً والوضوء بالماء يحتاج إلى صبرٍ فتفعل، هذا من معاني: (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)، إذا مررت في الطريق ووجدت شيئاً لا يحلُّ لك النظر إليه (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) منعت نفسك من هواها، إذا جاءك مبلغٌ من رشوةٍ محرمةٍ (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) قال: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
فالهوى المُتبع إخواننا الكرام؛ يُهلك الإنسان ويُرديه في المَهالك، وكلُّ من اتبع هواه وصل إلى الهلاك، قال الشاعر:
إِنَّ الْهَوَى لَهْوَ الْهَوَانُ بِعَيْنِهِ فَإِذَا هَوِيتَ فَقَدْ لَقِيْتَ هَوَانَا
{ ابن المقفع }
عزة الإيمان وعزة أنك تمنع نفسك من المعصية لا يعدِلها شيء، أنك تمنع نفسك من الوقوع في المعصية، الإنسان الذي يتبع هواه في كلِّ شيءٍ يصغُرُ أمام نفسه قبل أن يصغُرَ أمام الناس، هو يشعر بأن نفسه لا يمكنه أن يتحكَّم بها فيصغُرُ أمام نفسه، فقال: (وَهَوًى مُتَّبَعٌ).

3- إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ:
أمراض القلب خطيرةٌ جداً
قال: (وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ) يعني هو قطب الزمان وحوله يدور العالم كلُّه وأنا كنت وكنت وأصبحت وفعلت! ويرى أنه هو من يَصْلُحُ ليُدير العالم بأسره، ويُعجبُ بنفسه، العُجب: مرض قلب، وأمراض القلب إخواننا الأحباب خطيرةٌ جداً، لأن مرض القلب يتحكَّم ولا يعلم الإنسان بتحكُّمِه حتى يُهلكه، معاصي الجوارح معروفة، الإنسان يُخطِئ فيتوب مساءً؛ يندم ويستغفر، معاصي الجوارح معلومةٌ لكن أمراض القلب لا ينتبه لها الإنسان، العُجب، الحَسَد، الكرُه، البُغض، الكِبر أي الاستعلاء على الناس، العُجب أن يُعجب بنفسه، هو ربما لا يستعلي على الناس لكنه مُعجبٌ بذاته، فإعجاب المرء بنفسه مشكلة، لماذا هو مشكلةٌ ومُهلك؟ لأن المُعجب بنفسه لا يتعلَّم، إذا كنت أظنُّ أنني أعلم كلَّ شيءٍ فلن أجلس في هذه الجلسة فهنا يبدأ الجهل، قال الشافعي رحمه الله:
" يّظّلُّ الْمَرْءُ عَالِمًا مَا طَلَبَ الْعِلْمَ فَإِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ فَقَدْ جَهِلَ،طالبُ العِلمِ يُؤثرُ الآخِرةَ على الدنيا فيَربَحُهما معاً، وأما الجاهِلُ فيُؤثِرُ الدُّنيا علَى الآخِرة فيِخْسَرُهُمَا مَعاً "
{ الإمام الشافعي }
الجهل يبدأ عندما تظنٌّ أنك قد علمت.
فهنا إخواننا الكرام قال: (فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ) هذه مُهلكةٌ لأنها تمنع الإنسان من الوصول إلى العِلم الصحيح، الهوى يصرِفُهُ عن العِلم، والعُجب بالنفس يصرِفُهُ عن العِلم، والشُّح يصرِفُه عن العطاء، وهذه الثلاث وردت في حديثٍ آخر للنبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ إِذَا رَأَيْتَ شُحّا مُطَاعاً، وَهَوًى مُتّبَعاً، وَإِعْجَابَ كُلّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فالزم بيتك، وأمسك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة }

(رواه أبو داود)

وخاصَّة النفس هنا لا تعني الإنسان وحده وإنما المقصود بخاصَّته أي من حوله من الأقارب، في العمل، أصدقاؤك، يعني لا يتوقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكن تجد أن الحياة أصبحت فيها ماديةٌ مفرطة، أهواءٌ وإباحيةٌ والعياذ بالله، والناس يتبعون كلَّ ناعقٍ من أجل هوى النفس، وتجد أن كلَّ واحدٍ يظن أنه قد عَلِم والناس جُهلاء فعندها تجد أنه لن يُجدِيَ الكلام العام نفعاً فتلزم خاصة نفسك، درس علمٍ تأوي إليه، أهل بيتك، أولادك، زوجتك، الموظفون عندك في العمل، زملاؤك في العمل، أصدقاؤك في المهنة أو في المدرسة أو في الجامعة إلخ.. هذه خاصَّة النفس.

ثلاث مُنجيات:
1- العدل في الغضب والرضا:
قالوا: (وَأَمَّا الْمُنَجِّيَاتُ: فالعدلُ في الغضبِ والرِّضا)، السماوات والأرض قامتا بالعدل، لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة الكِرام ليُقيّم التمر في خيبر من أجل أن يأخذ عليه المال من اليهود، فلما ذهب وقيّم:

{ عن سليمانَ بنِ يَسارٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يبعَثُ عبدَ اللهِ بنَ رواحةَ يخرِصُ بينه وبين يهودِ خَيبرَ، قال: فجعلوا له حُلِيًّا من حُليِّ نسائِهم فقالوا: هذا لك فخفِّفْ عنَّا وتجاوزْ في القَسْمِ، فقال عبدُ اللهِ بنُ رواحةَ يا معشرَ اليهودِ واللهِ إنَّكم لمن أبغضِ خَلقِ اللهِ إليَّ وما ذلك بحاملي على أن أحيفَ عنكم فأمَّا ما عرضتم من الرِّشوةِ فإنَّها سُحتٌ وإنَّا لا نأكلُها، فقالوا: بهذا قامت السَّماواتُ والأرضُ }

(التمهيد عن سليمانَ بنِ يَسارٍ)

(فجعلوا له حُلِيًّا من حُليِّ نسائِهم) نعطيك رشوةً مقابل أن تُخفِّفَ التقييم، أي تضع القيمة أقل مما هي حتى لا ندفع كثيراً، فقال لهم: (وما ذلك بحاملي على أن أحيفَ عنكم) لن أظلمكم، سأضع التقييم المناسب رغم أني لا أحبكم، بصراحة، طيب لماذا لا يُحبهم؟ ليس عداءً من غير سبب، لأنهم كانوا يخونون العهود والمواثيق، والقصة طويلةٌ في ذلك، قال: (وما ذلك بحاملي على أن أحيفَ عنكم) فماذا قالوا له وهم أهل كتاب؟ (بهذا قامت السَّماواتُ والأرضُ)، (بهذا): أي بالعدل، في أنك لا تحِيْفُ، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)
(سورة المائدة)

(وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي لا يحملنَّكُم، (شَنَآنُ قَوْمٍ) أي كُره قومٍ.
الحُبَّ في الله له مرتبةٌ عالية
سيدنا عمر جاءه رجلٌ قال له: أتحبُّني، قال: لا، قال: هل يمنعُكَ حبُّكَ لي أن تُعطيني حقي؟ قال: لا والله حقُّك تأخذه، فقال له: إنما يبكي على الحُبِّ النساء، هو هكذا رأى لكن أنا أقول: إنما يبكي على الحُبِّ الرجال، الحبُّ في الله؛ والله الرجال يبكون عليه، لأن الحُبَّ في الله له مرتبةٌ عالية، لكن العرب أحياناً يعتزون بعروبتهم: إنما يبكي على الحُبِّ النساء.
أحبابنا الكرام: هنا من المُنجيات أن تكون عادلاً لكن انظر إلى دقة كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (في الغضبِ والرِّضا) بدأ بالغضب؛ معظم الناس في الرضا يكون هناك عدل، الأمور واضحةٌ جداً، تقسيم ميراث والقانون يُؤيد هذا التقسيم والحُجج واضحةٌ وكلُّ شيءٍ واضحٌ فيعدِلُ في حالة الرضا لأنه مطمئنٌ راضٍ، لكن أحياناً يغضب فيخرج عن طَورِه فيَظْلِم، فيُسيء لإنسانٍ بكلمةٍ في حالة الغضب أو ينتزعه حقاً له في حالة الغضب، فالعدل بدأه النبي صلى الله عليه وسلم بالغضب قبل الرضا قال: (فالعدلُ في الغضبِ والرِّضا) عندما تكون راضياً ستعدِل، احتمال العدل هو تسعون في المئة لأن حقوقك معك، لكن عندما تشعر بأن هناك مشكلةٌ وتغضب فتخرج عن طَورِك فتُسيء لإنسانٍ وتظلِمُه أو تقول: لن أعطيك حقك، أو، أو، إلخ.. لأنك غاضبٌ منه، هنا المشكلة، وهنا أريد أن أنوِّهُ على قضيةٍ ربما تسألون عنها، أنتم معافون منها ولله الحمد، لكن أُسأل عنها كثيراً، يتصل بعض الناس يقول: يا أخي عندي ابنٌ - نسأل الله العافية - عاقٌّ لا يُطيعني فيما آمره ولا يخدِمُنِي أبداً وتركني، إلخ.. وأنا الآن أريد قبل أن أموت أن أحرِمَهُ من الميراث، سأُسجِّل كل الأملاك لابني فلان، أقول له: لمَ يا أخي؟! أولاً هذا الحق ليس أنت الذي فرضته حتى تحرمه، الله عزَّ وجلَّ هو الذي قال:

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ (11)
(سورة النساء)

لا يجوز حرمان الولد من الميراث
هو الذي وضعه فله حقٌّ عندك، فأنت الآن غاضبٌ مِنه لربما يُغيِّرُ ويُبدِّل وبعد ذلك لا يقبل إخوته أن يعودوا بما ملَّكتَهُم إياه ثم تخيَّل أنه بقيَ على سوئه ومُتَّ أنت على ذلك فإنك إن حرَمته زِدته عقوقاً إلى عقوقه هو ابنك في المحصلة فلا تخسره من أجل مال هذا حقٌّ فرضه الله عليك، قد يكون بعض أولادك قريبين منك، يعُاونونك، هذا يفعلونه لله ومع ذلك لا مانع أن تُكرمهم بشيءٍ بين الحين والآخر هذا حقك ومالك، لكن أن تحرِمَهُ من الميراث في لحظة غضبٍ فهذا ليس صحيحاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا) إذا كنت غاضباً ينبغي أن تكون عادلاً، حتى في لحظات غضبك لا تخرج عن مفهوم العدل، وإن حصل وغَضِبَ الإنسان وتكلَّم بكلامٍ غير صحيحٍ في حالة الغضب وليس فيه عدلٌ فليعد وليستدرك يقول: والله أنا كنت في حالة غضبٍ وتكلَّمت كلاماً لا يليق فأنا أعتذر منك يا أخي، (الْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا).

2- الْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى:
قال: (فَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى) الْقَصْدُ: هو الاعتدال، قال تعالى:

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ (19)
(سورة لقمان)

لا تُسرع ولا تُبطئ، مشي معتدل، فالقصد هو الاعتدال، القصد يكون في حالة الفقر وفي حالة الغنى، إذا افتقر لا يُمسِكُ المال ويقتِّر على أهل بيته، وإذا اغتنى لا يزيد النفقة إلى حدودٍ مبالغٍ فيها لأن المال موجودٌ فننفق ما شِئْنَا!

وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29)
(سورة الإسراء)

الإنسان يعتدل في النفقة هذا من الأدب مع النعمة، إذا قلَّت النعمة يعتدل وإذا زادت أيضاً يعتدل، لا يجعل هناك توسُّعاً في المباح، الشيطان في الأصل عنده أسلحة، الله تعالى منحه أسلحةً حتى يتحقق التكليف والاختيار، لمّا تركه سمَحَ له ببعض الأسلحة لكن ليس على المؤمن قال:

إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)
(سورة الإسراء)

خطورة التوسع في المباحات
لكن له أسلحة يحاول بها، فأول ما يحاول الشيطان بماذا يحاول؟ يحاول بالكُفر، أن يكفُر الإنسان بالله، هذا أعظم ما يريده الشيطان، وليس بعد الكُفر ذنب، فيحاول بالكُفر فإن رأى الإنسان مؤمناً لا يقبل بالكُفر بدأ يوسوس له بالشِّرك وهو ما يُناقض التوحيد، يعني أن يشرك مع الله شيئاً حتى لا تكون العبادة خالصة لله، فإذا وجده موحِّداً مستمسكاً لا يقبل الشرك فإنه يُوسوس له بالكبائر، الزنا، شرب الخمر، عقوق الوالدين، كبائر الذنوب، فإن وجده على طاعةٍ لا يقبل بالكبائر بدأ يُوسوس له بالصغائر، يقول له: هذه صغيرةٌ لا هي زنا ولا جريمةٌ هي نظرة، كلمة، مجلسٌ يُدار فيه شيءٌ لا يُرضي الله؛ أنت لا تشرب الخمر لكن هم وضعوا الخمر ما شأنك بهم! يبدأ بالصغائر، فتتكاثر الصغائر وإذا تكاثرت الصغائر تُهلك الإنسان إذا لم يتُبْ منها وأصرَّ عليها فإنها تُهلكه، الآن إذا وجده لا يقبل حتى الصغائر؛ أو يقع بالصغائر لكن يتوب مباشرةً، فالشيطان الآن يئس منه، بقي لديه ورقتان رابحتان، الأولى هي التوسُّع في المباحات: لا تريد الكبيرة ولا الصغيرة ولا الشِّرك ولا الكُفر، إذاً توسَّع بالمباحات هذا حلالٌ وهذا الذي أقوله لك ليس فيه حرامٌ نهائياً، يا أخي اشترِ عشر بدلاتٍ بدل الواحدة، وعشر سياراتٍ بدل السيارة، وكلَّ يومٍ في بلد، وأنفق في كِّل رحلةٍ كذا وكذا.. هذا حلالٌ لا أحد يقول لك حرام، لكن ما الذي يصنعه التوسُّع في المباحات؟ يُلهي الإنسان عن ذِكْر الله، لأنهما كفَّتان إذا طاشت واحدةٌ كثيراً فالثانية ستتأثر بشكلٍ معاكس، ضمن النطاق الطبيعي مقبولٌ ومحمودٌ في الدنيا ويبتغي وجه الله إن شاء الله بها، لكن مجرَّد ما كثُرَت جداً لم يعد هنا وقتٌ للطاعة، لم يعد هناك وقتٌ لركعتي قيام الليل، السهرة للساعة الثانية بعد منتصف الليل مع الرفاق، مباحٌ لا نفعل شيئاً، وماذا بعد ذلك؟! لا يوجد طلب علم، لا يوجد درس، لا يوجد تربية، هذا توسع في المباحات، والورقة الثانية الباقية بين يدي الشيطان؛ قال العلماء: التحريشُ بين المؤمنين، يقول: هل سمعت فلاناً ماذا تكلَّم عنك؟ وهذا قصده كذا، وكان يريد كذا.. فيُحرّش بين المؤمنين ويُفرِّقُ بينهم، هذه أسلحة الشيطان وكلُّها مكشوفةٌ كشفها الله لنا لكن بطولة الإنسان أن يحذرها وأن يتقِيَها.

3- خَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ:
وقال: (وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ)وبدأ بالسرِّ أيضاً، لأن الإنسان في العَلَن كثيراً ما يخشى الله لكن قد لا يكون ذلك خالصاً لوجه الله، لا يريد أمام الناس أن يَظهَرَ بمظهر الشهواني أو بمظهر العُدواني أو بمظهر الذي يأكل أموال الناس بالباطل، فيُعطي الناس حقوقها أمام الناس، لكنه إذا كان في سرِّه بينه وبين نفسه إذا خلا بمحارم الله انتهكها والعياذ بالله، في الحديث قال صلى الله عليه وسلم:

{ يؤتى برجال يَوْمَ الْقِيَامَةِ لهم أعمال كجِبَالِ تِهَامَةَ يَجْعَلُهَا اللَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا، قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا، قال: إِنَّهُمْ يصلون كما تصلون، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، ولكنهم إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا }

(رواه ابن ماجه)

لم يقل: فعلوها، انظروا لدقة الحديث، لأن الإنسان قد يضعُف في الخلوة، قد يعصي الله، لكن يُبادر إلى باب الله، لكن أن ينتهك! انتهاك حرمات الله بمعنى أنه يفعلُها كِبراً واستعلاءً عن طاعة الله لا ضعفاً وغَلَبةً، فرقٌ بين معصية الغَلَبَة ومعصية الاستكبار، آدم عليه السلام عَصى ربه، قال تعالى:

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121)
(سورة طه)

لكن عصاه في لحظة ضعفٍ قال:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120)
(سورة طه)

لكن الشيطان لما عصى ربه:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَوَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
(سورة البقرة)

فعندما يعصي الإنسان ربه مُستكبراً والعياذ بالله هذا اسمه انتهاك الحرمات، أو أنه يُداوم عليها شأنه أنه بين الناس ملاكٌ طاهرٌ وفي سرِّه شيطانٌ والعياذ بالله، هذا ينتهك حُرمات الله، لكن الذي تذِلُّ قدمه فباب التوبة مفتوحٌ إن شاء الله.
فقال: (وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ) وفي القرآن الكريم قال الله تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
(سورة فاطر)

أساس الخشية هو العِلم بالله
الخشية مرتبطةٌ بالعلم، العالم يخشى والجاهل لا يخشى، والله يا إخواننا الكرام؛ وأحلف بالله إن جدتي وجدتك التي كانت تخشى الله تعالى في أن تأكل قرشاً مِنْ حرامٍ أو أن تظلِمَ تقول لك: لا يجوز، وهي ربما لا تُحسِنُ القراءة والكتابة لهِيَ في خشيتها لله أفضل مِنْ عالمٍ يحمل أكبر شهادة ولكنَّه لا يخشى الله، فالعِلم ليس هنا المقصود به العِلم المدروس وإنما العِلم بالله، خشية الله، الذي يخاف الله هو العالِم (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وهذا ليس تزهيداً بشأن العلم وأنا أكثر الناس الذين يُحبون طلب العلم وأشجِّعُ عليه لأن العلم حِصْنٌ خاصةً في هذا الزمن سواءً العِلم الشرعي أولاً والعِلم الدنيوي ثانياً فكلاهما مطلوب، لكن الخشية أساسها العِلم بالله أن تعرِفَ أن الله عزَّ وجلَّ يُراقبك فقد أفلَحت ونَجَوْت.
لما ذهب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما - راوي هذا الحديث - في شِعاب الجبال فوَجَد راعياً يرعى شياهاً له، فقال له: تعال كُل معنا، قال: إني صائم، قال: أتصوم في هذا اليوم شديد الحر؟ حرٌّ شديد، قال: أُبادر أيامي، يعني أفعل شيئاً لأيامي التي ستأتي في الآخرة، وفي روايةٍ أنه قال: أصومه ليومٍ أشدَّ مِنه حرَّاً، فقال له عبد الله بن عمر: بعنا شاةً نذبحها ونُطعمك معنا، تُفطِرُ عليها، فقال له: الشاة ليست لي إنها لسيِّدي، فقال له: ما عساك أن تقول لسيِّدك أنها ماتت أو أكلها الذئب، هذا عذرٌ، قال: والله إني لفي أشدِّ الحاجة إلى ثمنها ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدَّقني فأنا عنده صادقٌ أمين، ثم مضى وهو يرفع إصبعه إلى السماء ويقول: ولكن فأين الله؟ فأين الله؟ هذه الخشية، هذا العِلم، هذا الراعي عالِمٌ وهو في شِعاب الجبال، هو عالِمٌ لأنه قال: أين الله؟ فمتى يقول الإنسان: أين الله؟ عندما يأتيه قرشٌ مِنْ حرامْ أو شهوةٌ مِنْ حرامٍ أو ظُلمٌ لإنسانٍ يمكن أن يسحقه ولا أحد يراقبه ثم يقول: أين الله؟ فقد فقه حقيقة الدين، الدين؛ أين الله؟ الدين حقيقته أين الله؟ والصلاة من أجل أن تصلك بالله ومن أجل أن تسأل أين الله دائماً والصيام من أجل ذلك، والزكاة من أجل ذلك، وكل الشرائع لتصِلَ إلى الخَشية، فخشية الله هي المُنجية، فقال: (وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ).
الآن نُجمل ما تبقى لأن هذا هو محور الحديث وما تحدثنا به، الباقي سهل، قال: (وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ) الكفارات التي تُكّفِّرُ الذنوب:

{ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ }

(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ)


ثلاث كفَّارات:
1- انْتِظَارُ الصَلَاةِ بَعْدَ الصَلَاةِ:
فقال: (وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَانْتِظَارُ الصَلَاةِ بَعْدَ الصَلَاةِ) يعني التعلُّق بالصلاة، فإذا فرَغَ من الظهر ينتظر العصر، وحاله أرِحْنا بها لا أرِحْنا منها، فينتظر الصلاة، وممن يُظلِّهُمُ الله في ظله:

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " }

(رواه البخاري)

(فَانْتِظَارُ الصَلَاةِ بَعْدَ الصَلَاةِ) فإذا صلَّى الظُّهر انتظر العصر، فإذا صلَّى العَصر انتظر المَغرب.

2- إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ على المكاره أو فِي السَّبَرَاتِ
مِما يُكفِّرُ الذنوب أن تُحسِنَ الوضوء
(وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ على المكاره أو فِي السَّبَرَاتِ) المعنى واحد، (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ): هو إحسانه وإتمامه وفق السنّة، وفي المكارِه: لأن الإنسان إذا كان الماء بارداً يصبح يتوضأ نصف تيمّم، يعني اليد إلى الساعد، الآن في البرد الشديد أو على صلاة الفجر، فمِما يُكفِّرُ الذنوب أن تُحسِنَ الوضوء ولو كنت تكره وصول الماء إلى أماكن معينةٍ لكن تزيد المرفق وبعده بقليلٍ كما كان يفعل سيدنا عمر رضي الله عنه، وتغسل القدمين مع الكعبين، والوجه ثلاث مرات من منبت الشعر إلى أسفل الذقن، وما بين شحمتي الأذنين، فيُسبغ الوضوء، يتمُّهُ ويُكمله على أحسن وجه، لذلك في الحديث:

{ عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ }

(أخرجه ابن حبان)

والوضوء لكل صلاةٍ مسنونٌ وإن كان الإنسان على طهارة، لكن سنّة فقط. (وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ).

3- نَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ:
الذهاب إلى صلاة الجامعة
(وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ) أن يذهب الإنسان إلى صلاة الجماعة، خمس الصلوات في الجماعة، أو الفجر والعشاء مثلاً، أو أكثر، أو كلُّ إنسان حسب عمله، لكن يحاول جهده أن ينقل قدمه إلى الجماعات، يعني إذا كان بالسيارة أيضاً نَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، البعض يتشبَّثُ بالحرفية أن (نَقْلُ الْأَقْدَامِ) أن تخطو، ربما تكون الخطوة لها أجرٌ إن شاء الله، أحياناً الإنسان المسجد قريبٌ من بيته لكن أحياناً المسجد في مكان مرتفع أو يحتاج إلى صعودٍ فالسيارة تُجزئ في الحديث لأنه نقل قدمه من مكانٍ إلى مكانٍ بغية حضور الجماعة ويسَّر الله الدابة للانتقال على بركة الله، (وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ).

ثلاثٌ درجات:
قال: (وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ) تلك كَفَّارَات تُلغي الذنوب، الدَرَجَات ترفع، كَفَّارَات وَدَرَجَات، الدَرَجَات ترفع مقام الإنسان، الكَفَّارَات تُلغي سيئاته.

1- إِطْعَامُ الطَّعَامِ
قال: (وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ) ولاشكَّ أن إِطْعَامُ الطَّعَامِ للفقراء خيرٌ من إِطْعَامُه لغير الفقراء، وقد ورد:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: شَرُّ الطَّعَام طَعَامُ الْوليمةِ؛ يُمْنَعُها مَنْ يأْتِيهَا، ويُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، ومَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوةَ فَقَدْ عَصَى اللَّه ورَسُولَهُ) (وفي روايةٍ في الصحيحين: عن أَبي هريرةَ من قوله: بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ؛ يُدْعَى إِلَيْهَا الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ }

(رواه مسلم)

لكن قال العلماء: أي إِطْعَامٍ للطَّعَام ما دام في مجلسٍ مباحٍ ففيه أجر، ولو دعوت أصدقاءك المقتدرين مالياً وقلت أطعمُهُم طعاماً فأتوا إلى المجلس وسمِعوا كلمة حق، فإِطْعَامُ الطَّعَام خيرٌ لمن كان ولو لم يكن للفقراء، لكن لا نقتصر على من يجِدُون الطعام نحاول أن يكون إِطْعَامُ الطَّعَام عاماً وأن يكون أكثر لمن لا يجد ثمن الطعام، (فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ).

2- إِفْشَاءُ السَّلامِ:
إفشاء السلام في كلِّ مكان
(وَإِفْشَاءُ السَّلامِ) انظر لكلمة إِفْشَاءُ السَّلامِ؛ إذا كانت هناك نقطة زيتٍ على ثياب أحدهم يقول: فشَّت لأنها تعمّمت، توسّعت، فجاء اللفظ النبوي إِفْشَاءُ السَّلامِ، يعني دخلت إلى العمل قل: السلام عليكم، دخلت إلى بيتك: السلام عليكم، لو خرجت إلى قضاء حاجةٍ في غرفةٍ ثانيةٍ مثلاً تكلَّمت في الهاتف ربع ساعة ورجعت قل: السلام عليكم، في البيت، في العمل، حتى في الطريق أحياناً إذا مررت ولا يوجد غيرك أنت وشخصٌ في الطريق فمن الأدب أن تُسلِّم عليه، دخلت المسجد، في كلِّ مكانٍ يُفشي الإنسان السلام، والسلام كلمةٌ رائعةٌ جداً كأنك تقول لمن تقول له: السلام عليكم، كأنك تقول له: علاقتي بك سينتظِمُها السلام، أنا سلمٌ لك وأنت سلمٌ لي، لن أسوءك ولن تسوءني، هذا معنى السلام، والسلام اسمٌ من أسماء الله الحسنى.

3- الصَلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ:
قال: (وَالصَلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) هذه صلاة الليل، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ واعلم أن شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُُ بِاللَّيْلِ، وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ }

(رواه الطبراني)

لو يجعل الإنسان لنفسه قياماً بالليل فهذه درجات، كلُّ إنسانٍ يطمح في الدنيا إذا وصل للألف بأن يصبحوا ألفين، ففي الآخرة هناك درجاتٌ فبإِفْشَاءُ السَّلامِ ترتفع درجتك، بإِطْعَامُ الطَّعَام ترتفع درجتك، بقيام الليل ترتفِعُ درجتك، فمن أراد الدرجات فهذه ثلاثة.
قال: (وَثَلَاثٌ دَرَجَات: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلامِ، وَالصَلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ) والنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل قُباء عندما وصل المدينة كان أول ما سمعه منه المسلمون أن قال:

{ عن عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ! أَفْشُوا اَلسَّلَام، وَصِلُوا اَلْأَرْحَامَ، وَأَطْعِمُوا اَلطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ بِسَلَامٍ }

(أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ)

إِطْعَامُ الطَّعَام عطاء، وَإِفْشَاءُ السَّلامِ عطاءٌ معنويٌّ أكثر منه مادي، لأن الإنسان ليس بماله فقط ولكن يسعُ الناس بخلقه وبكلمته الطيبة، والصلاة بالليل والناس نيام هي صلةٌ بالرحمن جلَّ جلاله، فعلاقةٌ نحو الخلق وعلاقةٌ مع الخالق.

{ "ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُنَجِّيَاتٍ، وَثَلَاثٌ كَفَّارَاتٌ، وَثَلَاثٌ دَرَجَاتٌ، فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمُنَجِّيَاتُ: فالعَدْلُ في الغَضَبِ والرِّضا، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَانْتِظَارُ الصَلَاةِ بَعْدَ الصَلَاةِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلامِ، وَالصَلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ" }

(صحيح الجامع)

والحمد لله رب العالمين.