• مركز ارتقاء للعلم والدعوة
  • 2021-03-20

على أبواب رمضان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

إكرام الضيف من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم:
أيها الأخوة الكرام؛ عنوان لقائنا هذا: "على أبواب رمضان"..
أيها الكرام؛ الإنسان إذا كان سيأتيه ضيف، وهذا الضيف مهم جداً، وهذا الضيف عزيز على قلبه، وغالٍ على قلبه، فإنه يعد العدة لاستقباله، هكذا سنة الحياة، فقبل يوم أو أيام من قدوم الضيف - وكلما كان الضيف مهماً أكثر بدأ الاستعداد بشكل مبكر أكثر - يقوم بإعداد العدة لاستقبال ضيفه، هذا حالنا في الدنيا، كلنا نستعد لضيوفنا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

{ مَن كانَ يؤْمِنُ باللهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقلْ خَيْرًا،أوْ لِيصْمُتْ، مَن كانَ يؤْمِنُ باللّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يؤْمِنُ باللّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ }

[ مسلم عن أبي هريرة ]

فإكرام الضيف من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
رمضان فرصة قد لا تتكرر
رمضان أيها الأخوة الكرام ؛ ضيف جليل يأتي في العام مرة واحدة، وهو فرصة قد لا تتكرر، جميعنا في رمضان الماضي قضينا رمضان، وهناك من فارقنا إلى دار البقاء ولن يكون معنا في رمضان القادم، هذه حال الدنيا، ولعل أحدنا - نسأل الله للجميع السلامة والعمر الطويل في طاعة الله عز وجل -:

{ خيركم من طال عمره وحسن عمله , وشرّكم من طال عمره وقبح عمله }

[الترمذي في السنن]

قد لا يدرك رمضان القادم، فلذلك هو فرصة استثنائية قد تتكرر وقد لا تتكرر، باختصار لو عاش أحدنا سبعين سنة فسيأتي عليه سبعون رمضان، هذه هي ليس هناك أكثر من ذلك، هذه سنة الحياة، فحق على المزور أن يكرم الزائر، رمضان زائر عزيز وحق علينا أن نكرم قدومه.

لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص:
أيها الأخوة الأحباب ؛ قالوا: إن لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، ربنا جلّ جلاله خلق مليارات البشر على مرّ التاريخ، اليوم في الأرض أكثر من سبعة مليارات، لكنه اصطفى منهم أنبياءه ورسله، واصطفى من أنبيائه ورسله أولي العزم من الرسل، واصطفى من أولي العزم محمداً صلى الله عليه وسلم، فهو خير البشر قاطبة، فهناك لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص.
اختص من المساجد ثلاثة مساجد
خلق الله القارات الخمس بما فيها، وخلق الكون بما فيه، لكنه اختار من هذه الأرض كلها المساجد، فهي بيوت الله، وفيها تجليات الله، ثم اختص من هذه المساجد ثلاثة مساجد، فجعل الرحال لا تشد إلا إليها، المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الأقصى.
أما الأزمنة فلقد خلق الله الشهور، والأعوام، والأسابيع، والأيام، والساعات، والدقائق، والثواني، ثم اختص منها ثلث الليل الآخر، فجعل فيه ساعة إجابة، واختص من الأيام يوم الجمعة، فجعله عيداً للمسلمين، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله بدعاء إلا استجاب الله له، واختص من الأيام أياماً كثيرة منها أيام رمضان، ومنها أيام النحر، ومنها يوم القرِّ، ومنها الأيام العشر من ذي الحجة، واختص من الليالي ليلة القدر فجعلها خيراً من ألف شهر، فالله اختص من الأزمنة أزمنة محددة جعل فيها شيئاً ليس في غيرها من الأزمنة، وقد ورد:

{ إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها }

( أخرجه الطبراني في الكبير وفي سنده ضعف)

كيف نتعرض لها؟
أحبابنا الكرام ؛ النفحات موجودة، نحن الآن في نفحة خير، لأن شعبان هو شهر للتهيئة لدخول رمضان، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح:

{ فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان }

( أخرجه البخاري)

أي كان يصوم أكثر شهر شعبان، وكما ورد في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم }

( أخرجه النسائي )

شهر شعبان أيضاً من خواص الله بالأزمنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من صيامه، ولأنه كما صح ترفع فيه الأعمال، فالتعرض لنفحات الله يشبه البث الإذاعي أو التلفزيوني، لكن إن لم تخرج هاتفك وتتعرض للموجة وتلتقطها فلن تأخذ شيئاً من هذا البث المفتوح.
نفحات الله موجودة في هذا الشهر الكريم شهر شعبان، وفي شهر رمضان، لكن نحن ينبغي أن نتعرض لها، كيف يتعرض المؤمن لنفحات الله؟

كيف يتعرض المؤمن لنفحات الله؟
يتعرض المؤمن إلى نفحات الله حينما يزكي نفسه أيها الكرام، التزكية أيها الكرام تأخذ معنيين اثنين ؛ معنى الطهارة ومعنى النماء، قال تعالى:

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)
[ سورة الشمس]

هذه النفس التي خلقها الله تعالى والتي نحن مسؤولون عنها إنها الأمانة التي قال الله تعالى فيها:

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
[ سورة الأحزاب ]

الأمانة التي حملها الإنسان هي نفسه التي بين جنبيه
قال كثير من أهل العلم: الأمانة التي حملها الإنسان هي نفسه التي بين جنبيه، فالمخلوقات الأخرى لم تقبل حمل الأمانة، الملائكة ما قبلت فلذلك هم غير مخيرين، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ليس عندهم شهوات، والحيوانات - أعزكم الله - كلها غير مكلفة، إنها لا تملك ما تدير به نفسها العقل، وهو مناط التكليف، لا تعقل، فهي بذلك غير مكلفة لكن الإنس والجن قبلوا حمل الأمانة، ما معنى قبل حمل الأمانة؟ يعني ذلك أنه مكلف، والمكلف مشرف إن أدى الأمانة على وجهها، وظلوم جهول إن ترك تأدية الأمانة على وجهها، سأضرب لذلك مثلاً..
أب لديه خمسة أولاد قال لهم: من منكم يا أولادي قادر وكفء ليذهب إلى بلدة من بلاد الغرب المتخصص في مجال الطب مثلاً ثم يعود بشهادة عليا إلى بلده ينفع بها أمته؟ أربعة منهم قالوا: لا يا أبي لسنا أهلاً لحمل هذا التكليف أبداً، الخامس قال: أنا لها يا أبي، الآن حينما قبل حمل الأمانة هذا الولد، والده الآن أعطاه كل شيء، أعطاه مبلغاً من المال كي يسافر، قطع له تذكرة سفر، زوده كل سنة بمبلغ مالي يكفيه حتى يتفرغ لدراسته، هيأ له سيارة في تلك البلاد كي تنقله إلى جامعته، اشترى له الكتب، أعطاه كل ما يريد، لأنه قبل حمل الأمانة، هذا الولد الآن أمام خيارين ؛ الخيار الأول أن يحمل الأمانة تماماً، وأن يأتي إلى هذا البلد ويلتفت إلى دراسته، ويؤدي واجباته، ويحصن نفسه من الدخول في الأشياء التي تلهيه عن الهدف الذي جاء من أجله لهذا البلد، ثم يعود بشهادة عالية، يستقبله الأب ويكرمه المجتمع، ويعين في بلده في رتبة عالية، ويكون في أعلى مستوى، هذا قبل حمل الأمانة وأداها، وله كل التقدير، وله كل الاحترام في المجتمع، أما لو أن هذا الولد قال: أنا لها يا أبي، ثم أعطاه الأب كل ما يريد فإذا به يذهب إلى هذا البلد الغربي فيذهب إلى الأماكن والمنتزهات والمقاصف، وربما - والعياذ بالله - إلى النوادي التي تقدم ما لا يرضي الله، ويقضي سنة من عمره دون أن يدرس، ودون أن يفعل شيئاً، فيرسب في آخر العام، فيعود إلى بلده مهاناً، لأنه قبل حمل الأمانة ثم لم يحملها، لم يحملها على الوجه الصحيح، هنا قال تعالى:

إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
[ سورة الأحزاب ]

ظلم نفسه لأنه حملها ولم يحملها..

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
[ سورة الجمعة]

وبعض المسلمين - نسأل الله السلامة - حملوا القرآن ثم لم يحملوه، فهذا الرجل حينما يعود إلى بلده مهاناً لأنه لم يحمل الأمانة على الوجه الصحيح قال: أنا لها، ولم يكن كما ينبغي، فكان ظلوماً لنفسه، جهولاً بحجم الأمانة التي هي نفسه التي بين جنبيه، هذا المثال الذي قلنا عن الولد الذي قال: أنا لها، ينطبق تماماً على حالنا في الدنيا، نحن في الأزل قلنا: يا رب نحن لها، وحملها الإنسان، وهذا شرف عظيم أن تحمل الأمانة، لكن هل أنت على هذا المقدار من حمل الأمانة؟ إن زكيت نفسك، وحملتها على طاعة الله، وطهرتها من العيوب والأدران، ولقيت الله عز وجل بها طاهرة مطهرة، فأنت أهل لهذه الأمانة، وستسعدك هذه الأمانة إلى أبد الآبدين في جنة يدوم نعيمها.
أما الإنسان الذي قال: أنا لها، ثم دنس نفسه، أي دنسها بالمحرمات، ودنسها بالسيئات، ودنسها بمعصية الرحمن، فهذا ظلوم جهول، سيشقى بهذه الأمانة التي حملها إلى أبد الآبدين في نار لا ينفد عذابها، نسأل الله السلامة.
أيها الكرام ؛ عندما يكون هناك نفحة من نفحات الله فهذا ميدان لنسعى جميعاً لتزكية نفوسنا لنحملها على طاعة الله عز وجل، الله تعالى في القرآن الكريم يقول:

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)
[ سورة الشمس]

هذان قسمان، قسم بالشمس وقسم بضحى الشمس..

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
[ سورة الشمس]

هذه عشرة أقسام يقسم الله تعالى فيها في القرآن الكريم، العظيم يقسم جل جلاله بالشمس، طبعاً الإنسان لا يجوز له أن يقسم بغير الله، من حلف بغير الله فقد أشرك، كما في الصحيح، لكن الله تعالى يقسم بمن شاء من خلقه ليلفت نظرنا إلى عظيم صنعه، والشمس وضحاها إلى آخره ما جواب القسم؟ قال تعالى:

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)
[ سورة الشمس]

أي كل هذه الأقسام التي أقسم الله تعالى بها من أجل أن يقول لك: قد أفلح من زكاها، زكى نفسه، وقد خاب من دساها، كيف نزكي أنفسنا ونحن على أبواب رمضان؟ نزكيها بالتخلية ثم بالتحلية.

التخلية والتحلية:
التخلية ثم التحلية
أحبابنا الكرام ؛ ما التخلية وما التحلية؟ التخلية أي أنت اليوم عندك كأس كريستال مصنوع من أفخم أنواع الزجاج، ربما ثمن الكأس الواحد ثلاثون أو أربعون ديناراً، فاخر جداً لكنه ملوث، وضع في مكان فيه مياه آسنة، فأصبح ملوثاً، الآن إذا أردت أن تملأه بشراب من أنفس الأشربة شراب الورد مثلاً لتقدمه لضيفك، هل يمكن أن تملأه بالشراب قبل أن تنظفه من الأدران؟ بل تقوم بالتخلية ثم تقوم بالتحلية، فتخلي الكأس ثم تنظفه من أدرانه، وتلمعه بالماء والصابون حتى يعود شفافاً وبراقاً، ثم تأتي إلى الشراب الفاخر وتقدمه لضيفك، فأنت قمت بالتخلية ثم التحلية، دائماً التخلية قبل التحلية، فنحن على أعتاب رمضان، وعلى أبواب رمضان، هذا الزائر الكريم على الله، والعزيز علينا جميعاً، ينبغي أن نبدأ من الآن بالتخلية، لأنه إذا جاء رمضان وبدأنا بالتخلية بواحد رمضان ريثما نخلي أنفسنا ونتوجه إلى الله تجد رمضان قد آذن بالرحيل، وفات القطار، فلذلك يجب أن نبدأ من الآن بالتخلية.
هذه من أجل فاصل منشط مرة كنت في دمشق أخطُبُ - لأن أخطِب أي أذهب لخطبة امرأة وأنا متزوج لا أستطيع أن أخطب - فكنت أخطُبُ على منبر من منابر دمشق، منبر جامع النابلسي، وكان في الأسبوع الأول من رمضان، أي مضى من رمضان فقط يومان، ربما كان اليوم الثالث يوم جمعة، فكنت أخطب خطبة الجمعة فإذا بي بالخطبة الثانية أقول للناس: ها هو رمضان يودعنا، ها نحن نودع رمضان، ها هو رمضان الحبيب قد حلّ ضيفاً علينا ثم يرحل، رمضان إنا آسفون لرحيلك، كم أحببناك يا رمضان، جعل الناس ينظرون إليّ وعيونهم تحدق بي لعل هذا الشيخ قد أخطأ، وحمل خطبة قديمة كانت معه ورمضان لم يمض عليه إلا يومان وهو يودعه، فقلت بعد دقائق لا تعجبوا من كلامي أنا لم أخطئ أنا أودع رمضان لأنني أعلم أن كل ما يبدأ فسينتهي، وإن ودعته عند رحيله فقد فات الأوان، لكنني أردت أن أذكركم من اليوم الأول فيه أو اليوم الثاني أنه سيرحل، لأنك إن علمت أنه سيرحل فإنك ستقبل عليه إقبالاً مختلفاً.
إذاً أيها الكرام ؛ كلُّ ما بدأ فإنه سينتهي، نحن اليوم في شعبان، أيام ويأتي رمضان، ربما خمسة وعشرون يوماً، رمضان على الأبواب، نحن الآن إذا أعددنا العدة لرمضان من الآن بصيام بعض أيام شعبان، ببعض الأعمال الصالحة، وأهم منهما عقد العزم على التوبة النصوح، التوبة هي التخلية أحبابنا الكرام، فإذا جاء رمضان جاءت التحلية، أول يوم تشعر براحة في النفس، بإقبال على الله، لأنك قد خليت النفس من مشاغلها قبل رمضان، مما يستعد له لهذا الشهر الكريم أحبابنا الكرام كل واحد منا لديه جدول أعمال ؛ واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، وأحياناً أمور مالية عالقة تحتاج إلى حل طويل، أمور أسرية، خلافات مع بعض التجار، مع بعض الأصدقاء، كل له جدول أعمال، فأحبابنا الكرام لو أن الإنسان أراد أن يستعد لرمضان من الآن فينبغي أن يغلق الملفات قبل رمضان، رمضان لا يسع غيره كما قال أهل العلم، فمن الآن إذا كان لديك ملفات يمكن حلها فعليك بحلها، وإن وجدت لا يمكن حلها أجلها لبعد رمضان، هذا أيضاً مما يستعد به لشهر رمضان.

التوبة علم وحال وعمل:
أيها الكرام ؛ التوبة - كما قال أهل العلم - علم وحال وعمل، ديكارت كان يقول: إن السلوك البشري تحكمه ثلاث كلمات ؛ إدراك، انفعال، سلوك، كيف ذلك؟ أنت تسير في غابة ظهر لك ثعبان، أدركت أنه ثعبان، وأن لدغته قاتلة، هذه مرحلة الإدراك، الانفعال خوف، أي إنسان يظهر له ثعبان يخاف فينفعل فيضطرب، هذا الانفعال، السلوك أحد حلين إما أن يهجم عليه فيقتله، وهذا نادر، وإما أن يهرب، وهذا الأكثر، هذا إدراك، انفعال، سلوك.
التوبة هي إدراك وانفعال وسلوك
مثال آخر ؛ تمشي في طريق وجدت شيئاً يلمع اقتربت منه فأدركت أنه جوهرة نفيسة، الانفعال فرح، فرحت بهذا الذي وجدته، السلوك: بادرت فوراً إلى التقاطه ووضعه في جيبك، المؤمن ينبغي أن يبحث عن صاحبه، لكن هنا نتحدث عن الأمر العام ؛ أدرك، انفعل، سلك سلوكاً، هذا المبدأ العام، التوبة يحكمها هذا القانون ؛ إدراك انفعال سلوك، سنضع علم حال عمل، نفس الشيء، هذه بالمصطلحات الشرعية، بمصطلحات ديكارت إدراك انفعال سلوك، كيف الإدراك؟ أن تعلم أنك مذنب، أن أعلم أني مذنب، بعض الناس يذنب ولا يعلم أنه مذنب لذلك جاء في الحديث الصحيح..

{ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُم }

[ مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ]

قال أهل العلم: لو لم تذنبوا أي لو لم تشعروا بذنوبكم.
أذنب قلت له: هذه معصية، قال: ما فعلت شيئاً. ما المشكلة في ذلك؟ يطلق بصره في الحرام، يقول لك: ما المشكلة كل الناس هكذا؟ الله أكبر، إذاً أنت عندك مشكلة في الإدراك، أنت لا تدرك، الأسوأ من ذلك أن الإنسان أحياناً يصغر الذنب في عينه لأنه لا ينظر إلى الله عز وجل الذي أمره بهذا الأمر، لذلك كان بعض السلف يقولون: لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت، ليست المشكلة في أنك نظرت نظرة أو قلت كلمة، المشكلة أنك اجترأت - نسأل الله السلامة - على الله الذي أمرك بترك ذلك فلم تتركه، والذي أمرك أن تفعل ذلك فلم تفعله، هذه جرأة على الآمر، وليس الموضوع ترك الأمر فحسب، إنما جرأة على الآمر، لذلك الإدراك أن تعلم أن الذنب عظيم مهما كان بسيطاً لأنك تجرأت فيه على الآمر الذي خلقك، والذي صورك، والذي أعطاك ومنحك الوجود، ومنحك الهدى والرشاد، ومنحك الإيجاد، هذه المشكلة أن يتجرأ الإنسان على خالقه، نسأل الله السلامة.
كان بعض السلف يقولون: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات.
قال شراح الحديث: ليس يعني ذلك أن الكبائر في عهد رسول الله قد أصبحت صغائر بعده أبداً، مستحيل أن يكون التابعون وتابعو التابعين يجدون الزنا صغيرة معاذ الله هم أعظم من ذلك، وهم من خير القرون، قالوا: ولكن كانت الصغيرة تعظم عند أصحاب رسول الله لعظم الله في قلوبهم.
إذاً أيها الكرام ؛ الإدراك أن يدرك الإنسان أنه مقيم على ذنب، وأن هذا الذنب مهما بدا في نظره صغيراً فهو عظيم، قال تعالى:

إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
[سورة النور]

فأن يحسب الإنسان ذنبه هيناً هذا من الجرأة على الله لأنه تقصير في حق العبودية.
أيها الكرام ؛ الإدراك أولاً، علم أو إدراك، علم بأن هذا ذنب، وأنني ينبغي أن أتوب منه، الانفعال أو الحال هو الندم، فإذا أدرك الإنسان عظم ذنبه ندم على ما كان منه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

{ الندم توبة }

[أحمد عن أنس بن مالك]

النبي صلى الله عليه وسلم لخص الحالة كلها بقول: الندم توبة، لأن الذي ندم علم أنه مذنب وسيتوب بعد ذلك، فلخص الإدراك والانفعال والسلوك بكلمة واحدة قال: الندم توبة.
الآن عندما ينفعل الإنسان ويندم لأنه عصى الله، لأنه ترك أمر الله، لأنه خالف ما أمره الله به، الآن سيسلك السلوك الذي هو أولاً: الإقلاع عن الذنب، يا رب أنا اليوم لن أعود إلى هذا الذنب، والعزم على عدم العودة مستقبلاً، والإصلاح، والإصلاح إن كان هناك حقوق للعباد سيندفع فوراً إلى تأدية هذه الحقوق، أما إذا كان الذنب بينه وبين الله لمجرد أن ندم وأقلع عن الذنب وعزم صادقاً على عدم العودة إليه في المستقبل، يا رب أنا تبت كأن الله يقول له: وأنا يا عبدي قبلت، لأن الصلحة بلمحة كما يقول العوام، وكلمتهم جميلة، لكن عندما يكون هناك حقوق للعباد فلا بد أن يندفع الإنسان إلى أداء حقوق العباد، إضافة إلى توبته إلى الله تعالى.

الإحساس بالسعادة والتألق في رمضان:
إذاً أيها الكرام ؛ نحن بحاجة قبل رمضان إلى التخلية، وهي التوبة هنا أن نزكي أنفسنا بتطهيرها، لأنه كما قلت لكم في البداية قد أفلح من زكاها، الزكاة تأتي بمعنى التطهير، يطهر النفس، وتأتي بمعنى النماء، ومنها الزكاة، الزكاة تطهر نفس الإنسان وتنمي ماله لأن الله يعوض عليه أضعافاً مضاعفة، فطهارة ونماء، فالإنسان عندما يزكي نفسه ويحليها بالمكارم أول ما ينبغي فعله أن يتوب إلى الله، وأن يعقد العزم على التوبة إلى الله.
أيها الكرام ؛ في رمضان - نسأل الله أن يبلغنا رمضان جميعاً - كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان، أي صار رمضان في حياتهم في كل العام.
أيها الكرام ؛ في رمضان نشعر بسعادة و تألق يختلف عن بقية العام، كنت أسأل لماذا نسعد في رمضان؟ ما سر السعادة في رمضان؟ سأضرب مثلاً يوضح الحقيقة ثم أعود للإجابة على السؤال.. طالب في التوجيهي هنا في الأردن، الثانوية العامة اسمها: التوجيهي، عندنا في دمشق اسمها البكالوريا، في بعض البلدان الشهادة الثانوية، على كل هذه المرحلة الفصل الأخير قبل الدخول إلى الجامعة، هذا يعتبر في كل البلاد مصيرياً، لأنه يحدد مستقبل الإنسان، الكليات والجامعات، هذا الطالب عنده امتحان مهم جداً بالفرع العلمي، وعندهم أهم مادة في الفرع العلمي يوم الأحد هي مادة الرياضيات، يوم السبت جاءه زملاؤه صباحاً، وطلبوا منه أن يخرجوا معه في نزهة، من منا لا يحب أن يخرج في نزهة مع أحب الناس إلى قلبه والجو جميل وربيع، والطعام طيب؟! ألحوا عليه، هو طالب يحب أن يكون له مستقبل لكن تحت إصرارهم ذهب معهم، في النزهة وهم جالسون ينظرون إلى الماء الذي يتدفق في النهر، ويأكلون الطعام الطيب، وهو ملامح وجهه تشير إلى أنه منزعج جداً طوال الوقت، منزعج وما هنئ له بال في هذه النزهة، لماذا؟ لأنه مشغول بشيء لا يتوافق مع هدفه، هو عنده امتحان غداً، وهذه النزهة وإن كانت جميلة جداً لكنها تلهيه عن هدفه الذي يسعى إليه، لكن لو أنه جلس في بيته، وفي غرفته، وليس هناك إطلالة جميلة، ولا هواء عليل، ولا ماء يتدفق، ولا طعام طيب، ولكنه أمسك بالكتاب، وراجعه كاملاً، وحل المسائل، وأصبح جاهزاً للامتحان، أصبح طيلة النهار بسعادة لا تعدلها سعادة، لأنه الآن يسعى إلى الهدف الذي هو يسعى إليه، حركته جاءت متوافقة مع هدفه، فلذلك يسعد، بينما في النزهة يريح جسده لكنه يتعب نفسه لأن حركته لا تتوافق مع الهدف الذي يسعى إليه.
لماذا نسعد في رمضان؟ لأننا مشغولون خلال نهار رمضان وخلال ليل رمضان لما خلقنا من أجله، نحن خلقنا للعبادة قال تعالى:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
[ سورة الذاريات]

طبعاً العبادة بمفهومها الواسع الشامل الذي يشمل العبادات الشعائرية والتعاملية، وعمارة الأرض، العبادة بمفهومها التي يعني كل عمل من أعمال البر التي تقرب إلى الله، حتى عمل الإنسان عبادة، عندما نكون في رمضان مشغولين طيلة النهار بالعبادة، وطيلة ليلنا بالعبادة، فنحن الآن نسعد لأننا مشغولون بما خلقنا من أجله، أما في باقي العام فنحن مشغولون بأشياء كثيرة جداً ربما لم نخلق لأجلها، ينشغل الإنسان بالرزق، وهذا لا شيء فيه، بالمناسبة بالعكس مطلوب أن يسعى الإنسان للرزق والكسب، لكن لا أن ينشغل به عن طاعة الله، وعن عبادة الله، هذا المقصود، لكن عندما يشغل وقته ونفسه عن العبادة ساعة بالرزق، وساعة بالأولاد، وساعة بالمشكلات، وساعة بالسفر، ويشغل نفسه بكل شيء عن أهم شيء، عندها يشعر بالضيق لأنه مشغول بشيء لم يخلق من أجله.
في رمضان نسعد لأننا مشغولون بطاعة الله، نسعد لأننا نحقق هدفنا في الحياة، نسعد لأننا نعمل للذي خلقنا من أجله، قال تعالى:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
[سورة الذاريات]


كيفية الاستعداد لشهر رمضان:
أيها الأحباب ؛ كل هذا الكلام الذي أتحدث به الآن هو تشويق على أبواب رمضان، وعندما أخبرني الأخوة المنظمون - جزاهم الله خيراً- عن هذه المحاضرة عن العنوان تبادر إلى ذهني فوراً عنوان: على أبواب رمضان، لأنني أشعر بالمسؤولية عندما يكون الضيف بحجم رمضان قادماً إلينا ونحن غافلون، لاهون عنه، أشعر بعظم المسؤولية عندما يكون شعبان يمضي يوماً بعد يوم ونحن لا نقدم شيئاً لله، ولا نقدم فيه طاعة، ولا نقدم فيه عملاً صالحاً، ولا نقدم فيه سعادة للآخرين تسعدنا بين يدي الرحمن، وقد قالوا: إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين.
عمل صالح، توبة، إنابة، أذكار، المحافظة على الصلوات في وقتها بإتقانها، بأدائها على الوجه الذي يريده الله منا، بحيث تنهانا عن الفحشاء والمنكر، كل هذه الأمور مجتمعة ينبغي أن نهيئ أنفسنا لها من الآن حتى إذا دخل رمضان كنا على أتم الاستعداد لاستقباله.
النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبره يوماً فقال: آمين، ثم صعد الدرجة الثانية فقال: آمين، ثم صعد الثالثة فقال: آمين، فلما سئل عن ذلك، قال: جاءني جبريل وقال لي: رغم أنف عبد أدرك أبويه عند الكبر فلم يدخلاه الجنة، فقلت: آمين، ثم جاءني فقال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصلِّ عليّ، فقلت: آمين، ثم جاءني فقال: رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له.
رغم أنفه أي التصق أنفه بالأرض، أي خاب وخسر بالمعنى اللغوي الصحيح، خاب عبد وخسر عبد أدرك رمضان، أحياه الله، ودخل إليه، وخرج منه ولم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى؟
لذلك حري بنا أن نستعد لهذا الشهر.
يجب أن تنتهي الخصومات قبل رمضان
أخواننا الكرام إذا كان هناك خصومات ينبغي أن تنتهي قبل رمضان، كلكم أهل علم وأهل خير، وكلكم خير مني لا تواضعاً بل حقيقة، ولكن أذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، إن كان هناك خصومات في العائلة، مع الأصدقاء، ادفع بالتي هي أحسن من الآن، تجاوز الخصومات، ألا يكون هناك شحناء في قلبك لأحد من المسلمين كائناً من كان، الإسلام يسعنا جميعاً، افتح صدرك للجميع، سواء كانوا على مذهبك أو غير مذهبك، طبعاً بشرط أن يكونوا سليمي العقيدة، ومستقيمي السلوك، ولكن قد نختلف في بعض الجزئيات ولا يضر ذلك، افتح قلبك للجميع، إذا كان هناك خصومات يجب أن تحل، إذا كان هناك مشكلات عالقة ينبغي حلها فوراً قبل أن يأتي رمضان، نتوب إلى الله من الليلة، ونعقد العزم على التوبة، نصوم بعض أيام شعبان، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، نكثر من الأعمال الصالحة، من الأذكار بعد الصلوات، أذكار الصباح، أذكار المساء، أي نجعل من شهر شعبان مقدمة لرمضان، قالوا: يزرع المؤمن في رجب ويسقي في شعبان ويحصد في رمضان. أما أن يبدأ الزراعة أول يوم في رمضان! نريد أن نبدأ بالزراعة ينتهي رمضان ولم نحصد، نريد أن نحصد إن شاء الله العتق من النار، وأن نخرج من رمضان في ليالي القدر وقد غفر لنا ما تقدم من ذنبنا، هذا ما نسعى إليه، لأن:

{ من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه }

[ متفق عليه عن أبي هريرة ]

{ من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه }

[ متفق عليه عن أبي هريرة ]

نحن نريد أيها الأحباب ؛ أن يدخل رمضان ونحن مستعدون له أكمل الاستعداد، أعددنا العدة لاستقباله، ضيف عزيز كريم، فنخلي النفوس قبل أن يأتي رمضان، إذا جاء رمضان كانت التحلية، نملأ الآن النفس بالطاعات، بالخيرات، بالمبرات، بالقيام بالصيام، بغض البصر، بحفظ اللسان، كل هذا نحلي به أنفسنا بعد أن تبنا إلى الله في شعبان، وعدنا إلى الله، وعقدنا العزم على العودة إلى الله تعالى.

الإيمان بالغيب وبموعود الله لنا:
ختاماً أيها الكرام ؛ نسأل الله أن يجعل هذا المجلس في صحائف أعمالكم، وأن يجعله شفيعاً بين يدي خالقنا، وحجة لنا لا حجة علينا، لو أن ملكاً من ملوك أهل الأرض وعد الناس في ليلة من الليالي في الساعة الثالثة قبل الفجر سوف أكون في الساحة الفلانية سمى لهم ساحة كبيرة، في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية، وسأقف لاستقبال طلباتكم فمن كان عنده طلب فليأت، الآن هل سيأتي الملك؟ ربما، ربما لن يأتي، ربما يموت قبل أن يأتي، وربما بعض المقربين له والمستشارين يقولون له: الوضع الأمني لا يسمح، فلا يذهب، أي مجيء هذا الملك مؤكد أم محتمل؟ محتمل، واجب أم جائز؟ جائز، لو أنه جاء في الوقت المحدد هل يستطيع أن يسمع كل الناس مجتمعين؟ مستحيل، لأنه يشغله سمع عن سمع، لا يستطيع المرء أن يسمع شيئين معاً، ربما قالوا: النساء أكثر قدرة تسمع وتتابع شيئاً على الشاشة وتسمع ابنها مثلاً، شيئان معاً ربما لكن ثلاثة أو أربعة مستحيل، لا يستطيع الإنسان أن يسمع أشياء متعددة معاً، لو أنه سمع الجميع وقف وقتاً طويلاً وسمع كل الناس، هل يستطيع أن يلبي حاجات الجميع؟ مستحيل، لو قال له قائل: أريد أن تدخلني الجنة هل يستطيع؟ لا يستطيع، إن قال له: أريد أن تشفي ابني هل يستطيع؟ لا يستطيع، إذاً مجيئه محتمل وسماعه محتمل وإجابته محتملة، ومع ذلك كم سيأتي للقاء الملك في ذلك اليوم الذي وعد فيه الناس؟ أنا أعتقد إذا كان في البلد عشرة ملايين سيأتي العشرة، ربما الأطفال الرضع يبقون في بيوتهم، وربما من الناس من يبيت في المكان قبل أسبوع يحجز مكاناً له ينام ويستيقظ ليكون في الصف الأول قريباً من الملك، هذا واقع لا يستطيع أحد إنكاره..
أحبابنا الكرام ؛ الملك جل جلاله، ملك الملوك ومالك الملوك، على موعد مع الناس كل ليلة في ثلث الليل الآخر، ليقول: هل من طالب حاجة فأقضيها له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ لماذا الناس يستنكفون عن هذا اللقاء؟ الملك مالك الملوك في موعد معنا في رمضان ليسمع دعوانا، ويملأ قلوبنا حباً وسكينة، الملك و ملك الملوك ومالك الملوك في موعد استثنائي معنا في شهر شعبان الأعمال ترفع إليه جلّ جلاله فلماذا لا نستغل هذه الفرصة ولا نستثمرها لنرفع أعمالنا إلى الله؟
ينبغي أن نؤمن بالغيب والشهادة
أيها الكرام ؛ مشكلة الإنسان أنه يتعامل بالشهادة وينسى عالم الغيب، ونحن ديننا ينبغي أن نؤمن فيه بالغيب والشهادة، الشيء الذي يغيب عنا نظن غفلة منا أنه غير موجود، وهو أهم في وجوده من الشيء الموجود فنتعامل بالواقع، لكن ينبغي أن نتعامل مع النصوص الشرعية التي تنبئنا عن أشياء غيبية وكأننا نراها بأعيننا، أحد السلف الصالح كان يقول: رأيت الجنة والنار عياناً أي بعيني، فقال له أحدهم: يا فلان انظر فيما تقول أي لعلك أخطأت، فقال: والله لقد رأيت الجنة والنار عياناً. غريب؟! قالوا له: ما تقول يا فلان؟ قال: لقد رأيتهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورؤيتي لهما بعيني رسول الله أصدق عندي من رؤيتهما بعيني، أي رؤيتي بعيني الغيب أصدق من عيني الشهادة، لأن بصري قد يطغى ويزيغ، أما بصر النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه خالقه: ما زاغ البصر وما طغى، أي ما جاوز الحد وما زاغ، المشهد الذي رآه رسول الله كما هو..
أيها الكرام ؛ نحن عندما نؤمن بالغيب، ونؤمن بموعود الله، ونؤمن بما أعده الله لنا من خير إن نحن أطعناه في هذه الأيام المباركة الفضيلة أيام شعبان، وما ينتظرنا من شهر رمضان، الذي نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياه بصحة وبسلامة وبخير وعافية، وقد رفع الوباء وزال البلاء، وما ذلك على الله بعزيز، عندما نؤمن بكل ذلك نندفع إلى العمل، ونندفع إلى الخير، وإلى المعروف، وإلى الطاعة، وإلى العبادة، وإلى البر، عسى أن يتقبلنا ربنا ونكون عنده في عليين.

خاتمة وتوديع:
أسأل الله تعالى أن يبارك للجميع في أهليهم، وفي أموالهم، وفي ديارهم، وفي بلادهم، وأن يجعل هذا الشهر فرصة نوعية للارتقاء إلى رب الأرض والسماء، ونحن في مركز ارتقاء، وينبغي أن يكون رمضان فرصة لمتابعة الترقي لا أن يكون موعداً لمدافعة التدني، أي نتابع الترقي إلى الله بعد تخلية مما لا يرضي الله، وأسأل الله تعالى أن ألقاكم دائماً على خير إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته