• محاضرة مع اتحاد خريجي العلوم الشرعية من عمان
  • 2021-04-23

الغرباء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.

مقدمة:
بادئ ذي بدء: أشكر لاتحاد خريجي العلوم الشرعية هذه الدعوة الطيبة لإلقاء هذه المحاضرة في رحاب اتحادنا المبارك، كما أشكر للدكتور فادي جزاه الله خير الجزاء رئيس الاتحاد، هذه التوطئة الطيبة المباركة، وأشكر لجميع الحاضرين حسن المتابعة، وعلى بركة الله أبدأ.

الغربة أنواع ثلاث:
أيها الكرام؛ موضوعنا عن " الغربة والغرباء ".
والغربة أنواع ثلاث: غربة دنيا، وغربة دين، وغربة وطن.
غربة الدنيا نشترك بها جميعاً
أما غربة الدنيا فنشترك بها جميعاً، فكلنا في الدنيا غرباء، المؤمن وغير المؤمن، المستقيم والمنحرف، الصالح والطالح، كلنا في الدنيا غرباء لأننا سنغادرها، ومن تعريفات الغريب: أنه يحل في أرض حيناً ثم يرحل عنها، فبهذا المعنى كل أهل الأرض غرباء، هذه غربة الدنيا، من منا ليس غريباً في الدنيا؟!
أيها الأخوة الكرام؛ غربة الدنيا جاء فيها حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكبي فقال: كُنْ في الدنيا كأنك غَريبٌ، أو عابِرُ سَبيلٍ، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيتَ فلا تَنتَظِر الصَّباحَ، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءَ، وخُذْ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك }

[أخرجه البخاري والترمذي]

يخاطب صلى الله عليه وسلم ابن عمر رضي الله عنهما، ينصح له يقول له: (كُنْ في الدنيا كأنك غَريبٌ، أو عابِرُ سَبيلٍ) ما معنى غربة الدنيا أيها الأحباب؟ الغريب ليس من أهل الدار، والغريب ليس من أهل الوطن، وأهل الشام يقولون: يا غريب كن أديباً، يقولون: أرضهم ما دمت في أرضهم، ودارهم ما دمت في دارهم، وحييهم ما دمت في حييهم، فالغريب أيها الكرام لا يتدابر مع الناس، لا يعيش مع الناس من منطلق المحموم على الدنيا، لأنه غريب فيها، لا يترك العمل في الدنيا ولكنه يترك العمل للدنيا فهو يعمل في الدنيا لكن لوجه الله تعالى، فمن هذا المنطلق من منطلق غربته في الدنيا فإنه يتجاوز عن الناس، يعفو عنهم ويصفح إذا وجد أن عفوه وإحسانه يقربهم إلى الله، لأنه يريد وجه الله، فلا يتدابر مع الناس، ولا يتنافس معهم تنافساً محموماً لأنه يعلم أنه ضيف في الدنيا.

الابتعاد عن التنافس في الدنيا:
الدنيا ممرٌ وليست مقراً
أيها الكرام؛ كنت أقول دائماً: نحن أبناء الآخرة، نحن في الدنيا ضيوف، الدنيا ممرٌ وليست مقراً، عندما نعلم أننا ضيوف في الدنيا لا يعني أبداً أن نترك الدنيا للآخرين، ولكننا نحسن التصرف في الدنيا، لأننا نعلم أننا ضيوف، أنت عندما تكون في بيت من بيوت الناس وأنت ضيف عليهم فلا يليق بك أن تتدخل كثيراً في خصوصياتهم، أنت تفعل ما تريد في بيتك لكن ليس في بيت الآخرين، فتنضبط بالضوابط، هذا معنى الغربة، فأنت عندما توقن أنك غريب في الدنيا فلا يليق بهذه الغربة أن تنافس عباد الله على أرزاقهم، ولا يليق بهذه الغربة أن تتدابر مع عباد الله.

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ' إِيَّاكُم والظَّنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجسَّسُوا، ولا تَنَافسُوا، ولا تحاسَدُوا، ولا تَبَاغضُوا، ولا تَدَابَروا، وكُونوا عبادَ اللهِ إِخواناً كما أمرَكُم، المسلم أخو المسلم، لا يظلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ. التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا - ويشير إِلى صدره - بِحَسْب امرئ من الشَّرِّ أن يَحْقِر أخاه المسلمَ، كلُّ المسلمِ على المسلم حَرَام: دمُهُ، وعِرْضُهُ، ومَالُهُ. إِن الله لا ينظر إِلى أجسادكم، ولا إِلى صُوَرِكم، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأَعمالكم }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك ]

ولا يليق وأنت في الغربة أن تسيء إلى مخلوق من مخلوقات الله عز وجل إلا ما كان رداً على إساءة، وبالمثل، وبالضوابط الشرعية.
إذاً أيها الكرام؛ المؤمن غريب في الدنيا، وغير المؤمن غريب في الدنيا بمعنى أنه سيرحل عنها، فكلنا غرباء دنيا (كُنْ في الدنيا كأنك غَريبٌ، أو عابِرُ سَبيلٍ) معنى لطيف من لطائف الحديث (كُنْ في الدنيا كأنك غَريبٌ) إضافة إلى أنه لا يتنافس في الدنيا مع العباد، ولا يتنافس تنافساً محموماً، ولا يبيع دينه من أجل دنياه، ولا يتدابر مع عباد الله، ولا يلعن، ولا يسب ويشتم، لأنه غريب.

النظر إلى مخلوقات الله والتفكر بعظمة الخالق:
المؤمن يعيش كل يوم وهو ينظر لمخلوقات الله
إضافة إلى كل هذه المعاني سأضرب مثلاً: أنا من دمشق، عندما أتجول في مدينتي دمشق لا ألقي بالاً لما حولي، أركب في سيارتي أو في وسائط النقل العامة وأمضي في طريقي، لا تعنيني لافتات المحلات، ولا الأبراج التي وجدت، ولا المحلات التجارية لأنني قد ألفتها، دمشق ألفتها وألفتني فما أنتبه إلى شيء وأنا في شوارعها، لكنني لو سافرت إلى مدينة أخرى مثلاً إلى حمص، حمص الجميلة اللطيفة، وأنا لم أزرها مثلاً في حياتي هذه أول مرة، فأنا الآن غريب في حمص، فأمشي في الشوارع وألتفت يمنة ويسرة، يعنيني كل شيء في حمص، لأنني سأقيم فيها أياماً وأعود، فأنتبه إلى معالمها، وأنتبه إلى طبيعتها، وأنتبه إلى مساجدها الجميلة، وإلى أسواقها الرائعة، يلفت نظري فيها كل شيء لأنني غريب.
من معاني (كُنْ في الدنيا كأنك غَريبٌ) أن المؤمن يعيش كل يوم وهو ينظر إلى مخلوقات الله وكأنه ينظر إليها للمرة الأولى، قال تعالى يعاتب هؤلاء الذين شردوا عن منهجه:

وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)
[ سورة يوسف]

الغريب لا يعرض عن آيات الله، يلتفت إلى كل آية من آيات الله، أنت عندما تفتح نافذة غرفتك، وتجد عصفوراً صغيراً؛ مخلوقاً من مخلوقات الله يغرد، فيملأ الأسماع طرباً، وتنظر إليه فيملأ عينيك حسناً، تنظر إليه بعين الجمال، ومن أسماء الله الجميل، فتصل إلى الجميل من خلال هذا العصفور الجميل، إذا مررت أمام شجرة فاستظللت بظلها تحمد الله على ذلك، أنت غريب تنظر إليها: ما هذه الشجرة الجميلة! وكأنك تراها للمرة الأولى، كل شيء في خلق الله يلفت انتباهك.
للأسف أيها الأحباب؛ نحن اليوم كل شيء في مدنية الشرق والغرب يلفت انتباهنا، فكلما صدر هاتف حديث أحدث من الهاتف الذي بين أيدينا يلفت نظرنا أنه قد جاء هاتف حديث، وكلما اخترعوا اختراعاً جديداً ملأنا أنظارنا به، نقول: أين وصل العلم؟ حسناً جميل لكن ألا تنظر إلى الطائر في السماء، وإلى الشجرة، وإلى التفاحة التي تمسكها لتأكلها، وإلى ابنك الذي بين يديك، الذي كان نطفة من ماء مهين، فأصبح أعصاباً، وجلداً، وعضلات، وأجهزة، وعينين، وسمعاً، وبصراً، ألا يلفت نظرك خلق الله أم أننا نلتفت فقط إلى صنع البشر؟

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
[ سورة المؤمنون ]


أنواع الغربة:
1 ـ غربة الدنيا:
إذاً أيها الكرام؛ من معاني الغربة في الدنيا أن المؤمن من غربته في الدنيا - وهذه للمؤمن فقط - ينظر بعين التعظيم، والإجلال، والحب لكل ما في الأرض من مخلوقات حتى إذا جلس اليوم على مائدة الإفطار، ورأى فيها الطعام الطيب، والشراب المنعش، فإنه يعظم ذلك في داخله، تعظم النعمة عنده، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظم عنده النعمة مهما دقت، لأنه ينظر من خلالها إلى المنعم، فلا يقف عند النعمة، ولكن تنقله النعمة إلى المنعم.
إلف النعمة من أسوأ العادات
هذا من معاني غربة الدنيا، أن يكون نظرنا إلى كل شيء في الدنيا نظر غريب وكأننا نراه للمرة الأولى، فيملأ فكرنا وعقولنا تعظيماً، ويملأ قلوبنا حباً، دربوا أحبابكم، وطلابكم، وأبناءكم على هذا المعنى، ليس هناك شيء بالمصادفة، وليس هناك شيء نعتاد عليه ونألفه، إن إلف النعمة، وإلف خلق الله عز وجل من أسوأ العادات، لا تألف هذه الأمور، دائماً ذكِّرْ نفسك، وحرض نفسك، وضُخَّ فيها المحفزات لتبقى دائماً متيقظةً لما يحيطنا الله تعالى به من نعم، ومن جمال في الخلق، ومن جمال في المخلوقات، ومن نعم لا تعد ولا تحصى.

وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
[ سورة إبراهيم ]

إذاً أيها الكرام؛ هذه الغربة الأولى غربة دنيا، كلنا في الدنيا غرباء، نعيش على مائدة الله، ولا ينبغي أن ننشغل عنها، كلنا في الدنيا غرباء، فلا نتنافس تنافساً مذموماً مع عباد الله، كلنا في الدنيا غرباء فلا نتدابر من أجل الدنيا، ولا يلعن - والعياذ بالله - بعضنا بعضاً من أجل الدنيا، ولا يشتم بعضنا بعضاً من أجل الدنيا لأننا غرباء، ويا غريب كن أديباً، هذه غربة الدنيا.

1 ـ غربة الدين:
الغرباء في الدين اليوم قليلون
الغربة الثانية أيها الكرام: هي غربة الدين، غربة الدين هذه ليست عامة، اليوم الغرباء في الدين قليلون، هم المستمسكون بدين الله، ليس كل المسلمين غرباء، أهل الإسلام غرباء في هذا العالم، والمستقيمون وأهل الإيمان غرباء في أهل الإسلام، والمخلصون لله العاملون على منهج الله، الداعون إلى الله غرباء في أهل الإيمان، فتضيق الدائرة، لكن بشكل عام هناك غربة الإسلام، وغربة الإيمان، وغربة الدعوة إلى الله، فكلها غربات بعضها فوق بعض، أي هذه هي طبيعة الحياة، أن الله عز وجل شاءت حكمته أن نكون في آخر الزمان، في الأوقات العصيبة التي يمر فيها الإسلام، وهناك من جاؤوا في أوقات بداية الإسلام وكان الدين غريباً أيضاً، وهناك من جاؤوا في عصور عزة الإسلام، ولله تعالى في ذلك حكم، ونحن نسلم الأمر لله عز وجل في اختياره لنا، لكن نحن الآن في غربة دين وهذا لا شك فيه، فنحن بالتزامنا بمنهج الله نحقق هذه الغربة، الناس اليوم ربما الواحد منهم لا يبالي إن أكل المال من حلال أو من حرام، لكن المؤمن يقف عند كل درهم يأخذه أو ينفقه، فهو في ذلك غريب عن الناس، الناس اليوم لا يبالون إذا أقاموا علاقات محرمة مع نساء لا يحللن لهم، لكن المؤمن ينظر إلى كل حركة يتحركها، ولكل خطوة يخطوها في هذا المجال، فلا يقيم علاقة لا ترضي الله عز وجل فهو غريب مع هؤلاء المتفلتين، الناس اليوم عموماً يريدون أن يصلوا إلى المناصب العالية، ولو كان على حساب ظلم الناس، وقهر الناس، وإبادة الناس، المهم أن يصل إلى القمة كما يظن، لكن المؤمن لا يرضى أن يصل إلى شيء، وأن يُرفع له ذكر إلا في طاعة الله، فهو بذلك غريب عن أحوال الناس.
غرباء الدين يستشعرون ما أعده الله تعالى لهم
إذاً هذه الغربة غربة الدين يستشعرها المؤمن، وهي صعبة، لكن متى استشعر الأجر العظيم الذي أعده الله لهذا الغريب في آخر الزمن فإن غربته تهون، شأنه في ذلك شأن إنسان ذهب إلى بلد ليقيم فيه ست سنوات، أو سبع سنوات، أو أكثر ليدرس الطب فيها باختصاص مهم جداً، فهو غريب في هذه الديار، وليس معه أحد، ويشعر بالغربة، واللغة مختلفة، وعادات الناس مختلفة، وفي الجامعة لا يجد أصحاباً يعينونه على دراسته، فيشعر بالغربة، لكنه يوم يتذكر أنه بعد سنوات سيصبح طبيباً مرموقاً، ويعود إلى بلده ليعين فيه في مكان مرموق ليحصل له دخل كبير، وليشتري بيتاً في أفخم الأحياء، هذا في عرف الدنيا طبعاً، وليشتري مزرعةً مثلاً فإنه تهون عليه غربته يوم يذكر ما ينتظره بعد هذه الغربة.
والمؤمن غريب في دينه، لكنه يستشعر ما أعده الله تعالى للغرباء، إذ يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم : طوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء؟ قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم }

[أخرجه الطبراني، والطبراني، والإمام أحمد]

لمَ يستشعر هذا المعنى؟ لأن له أطيب ما يكون، فمثل أحسن حسنى، وأطيب طوبى، أي هذا على وزن فعلى، أطيب طوبى، وأحسن حسنى، وطوبى شجرة في الجنة أيضاً كما قال صلى الله عليه وسلم:

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة شجرة يسير الراكب مائة عام في ظلها ما يقطعها }

[أخرجه الترمذي]

أي عندما يستشعر ما أعده الله من طيب ومن طوبى له فإنه يهون عليه ما يجده في غربته في دينه.

العبرة ليست بالعدد وإنما بما يقدم الإنسان لدينه:
أيها الأخوة الأحباب؛ الناس اليوم من غير أن يشعروا ألفوا أن يكونوا مع الكثير، لكن الكثير في كتاب الله تعالى مذموم، الكثير مذموم، ألم يقل الله تعالى:

وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)
[ سورة الأنعام]

ألم يقل تعالى:

ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
[ سورة الواقعة]

ألم يقل:

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
[ سورة سبأ]

ألم يقل:

قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
[ سورة ص]

عليك بطريق الحق ولو قلَّ السالكون
إذاً القرآن الكريم لا يعنيه الكثرة، والإسلام لا تعنيه الكثرة، الذي يعنيك هو أن تكون وفق منهج الله، فعليك بطريق الحق ولو قل السالكون، ولا تغتر بطريق الباطل ولو كثر الهالكون، وأنت الجماعة إذا كنت على حق، ولو كنت وحدك، وهم مهما كثروا فهم الأفراد، ولو اجتمعوا على الباطل، فالعبرة أن تكون على الحق، وعلى طريق الحق، وليست العبرة أن تكون مع الكثير، هذا مفهوم من مفهومات غربة الدين.
نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: " يجيء النبي يوم القيامة، ومعه رجل والنبي ومعه الرجلان " لكن من هذا الرجل؟ ومن هذان الرجلان؟ هم قمة البشر، وقمة الخلق، النبي صلى الله عليه وسلم عندما بدأ دعوته إلى الإسلام، الإسلام بدأ بواحد، وباثنين، وبثلاثة، وبدار الأرقم كانوا مجموعة رجال لكنهم بنوا أمة لا يزال التاريخ إذا ذكرها فاح العطر في كل مكان، ليست العبرة بالعدد، وإنما العبرة بما يقدم الإنسان لدينه، ولخدمة دينه.
أيها الأخوة الأحباب؛ أيها الأخوة الكرام: النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دِينه كالقابض على الجمر }

[أخرجه الترمذي]

تخيل أن إنساناً يمسك جمرة في يده، جمرة! النار في داخلها تحرق الأيدي يمسكها، ويقبض عليها، لا يكتفي بلمسها بل يقبض عليها، كم يكون هذا صعباً عليه، وشاقاً عليه، فالقابض على دينه في هذه الأزمان، (كالقابض على الجمر).

أحاديث عن غربة الدين:
أيها الكرام؛ نأتي إلى السنة، في السنة المطهرة خمسة أحاديث تتحدث عن غربة الدين، الحديث الأول يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، كما في صحيح مسلم، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بَدَأَ الإِسلامُ غريباً وسَيَعُودُ غريباً كما بدَأَ، فطُوبَى للغرباءِ }

[أخرجه مسلم]

وفي رواية أخرى قيل:

{ عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدِّين ليأرِزُ إلى الحجاز كما تأرِزُ الحيةُ إلى جُحرها، وليَعْقِلَنَّ الدِّينُ من الحجاز مَعْقِل الأُرْوِيَّة من رأس الجبل، إن الدِّين بدأ غريباً، وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء وهم الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ }

[أخرجه الترمذي]

ينبغي الانتقال من الصلاح إلى الإصلاح
هناك يَصلحون، وهناك يُصلحون، ولكل منهما معنى، الطوبى؛ كما قلت لكم على وزن فعلى، مؤنث أطيب، طوبى، مثل أحسن؛ حسنى، أكرم؛ كرمى، أيضاً في الجنة شجرة (يسير الراكب مائة عام) اسمها طوبى (فطوبى للغرباء) من هم الغرباء كما ورد وصفهم في السنة؟ الوصف الأول كما قلنا: الذين يَصلحون، أو يُصلحون، روايتان صحيحتان (يُصْلحون ما أفسد الناسُ) يَصلحون؛ أي هم صالحون في ذاتهم، الناس فاسدون وهم صالحون (فطوبى) لهم، لكن لا يكفي ذلك لكل حال، بل إذا استطاع الإنسان أن ينطلق من الصلاح إلى الإصلاح فإن ذلك واجب عليه، وهنا تأتي الرواية الثانية: (يُصْلحون ما أفسد الناسُ) فالإنسان لا يكتفي بالصلاح، بل ينبغي أن ينتقل من الصلاح إلى الإصلاح، قال تعالى:

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)
[ سورة هود]

أي إنهم ينطلقون إلى إصلاح المجتمع، إلى إصلاح من حولهم، في حدود ما يعلمون، في حدود من يعلمون، وما يعلمون، فهناك من مكنهم الله من العلم فواجبهم أعظم، وهناك من كانت بضاعته في العلم مزجاة، فينشر وفق ما يعلم وفي حدود ذلك، وهناك من معارفه كثيرة فواجبه أكبر، وهناك من أسرته ضيقة فواجبه أقل، وهكذا فكل في حدود دائرة علمه، ودائرة الأشخاص الذين يعرفهم، هؤلاء ينبغي أن يُصلحوا بعد أن يَصلحوا، صلاح ثم إصلاح، أما الصلاح وحده فحسنٌ وجيدٌ، لكنه لا يكفي إن كان الإنسان قادراً على الإصلاح.

صفات الغرباء:
1 ـ يُصلحون ويَصلحون إذا فسد الناس:
أيها الأخوة الكرام؛ إذاً أول صفة من صفات غرباء الدين؛ أنهم يُصلحون ويَصلحون إذا فسد الناس.

2 ـ إصلاح ما أفسده الناس من سنة رسول الله:
الصفة الثانية: ورد في حديث أخرجه الترمذي بسند صحيح يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدِّين ليأرِزُ إلى الحجاز، كما تأرِزُ الحيةُ إلى جُحرها، وليَعْقِلَنَّ الدِّينُ من الحجاز مَعْقِل الأُرْوِيَّة من رأس الجبل، إن الدِّين بدأ غريبا، وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء وهم الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ من بَعْدي من سُنَّتي }

[أخرجه الترمذي]

(الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ من بَعْدي من سُنَّتي) قلنا: يجب أن ينطلق الإنسان من الصلاح إلى الإصلاح، فإذا وجد فساداً حوله فينبغي أن يصلحه، يصلحه بيده، أو بلسانه، أو بقلبه، وفق ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينبغي أن يصلح، الإنسان في أسرته، ينبغي أن يصلح أهل بيته، زوجته وأولاده، والمرأة ينبغي أن تصلح أهل بيتها، تنصح لزوجها، وتصلح أولادها، ومدير الشركة ينبغي أن يسعى إلى إصلاح مجتمعه في شركته التي يديرها، فلا يسمح باختلاط محرم غير منضبط، ولا بغش، ولا بكلام خارج عن طاعة الله، ومدير المؤسسة، والمعلم، والتاجر، والمحامي، كل ينبغي أن يصلح في دائرته (ما أفسد الناسُ).
لكن المعنى الجديد في الحديث هنا، قال: (ما أفسد الناسُ من بَعْدي من سُنَّتي) وهل السنة تحتاج إلى إصلاح؟ أليس القرآن والسنة مصدري الوحي المتلو وغير المتلو؟

لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
[ سورة فصلت]

بلى، لكن الناس أفسدوا في السنة، السنة صالحة، لكن الناس أفسدوا من سنة رسول الله، فيأتي الغريب في آخر الزمان ليصلح ما أفسده الناس من سنة رسول الله، فاليوم عندما ينبري رجل من أهل العلم والفضل للرد على من ينكرون السنة، أو يعبثون بها، أو يؤولونها بطريقة لا تتفق مع الضوابط الشرعية، ولا الأصول الفقهية، ولا قواعد اللغة العربية، فإنه يصلح ما أفسده الناس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واليوم عندما ينبري إنسان بإحياء سنة أماتها الناس، وتركوا العمل بها فإنه يصلح ما أفسده الناس من سنة رسول الله، واليوم عندما ينبري إنسان لمحاربة البدع، والخرافات، والتمييع، والتشدد في الدين فإنه يصلح ما أفسده الناس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً إصلاح ما أفسده الناس من سنة رسول الله أمر واسع يقوم به طلاب العلم، وأهل العلم، وهؤلاء غرباء في قومهم، لأنك اليوم إذا نظرت في اليوتيوب نظرة سريعة تجد أن أحدهم ينشر منشوراً في الحرب على السنة فيحصد مئات ألوف المشاهدات، فيجب أن يقوم أهل العلم بالرد على هذه المنشورات، وهذه البرامج التي تميع الدين الإسلامي، أو التي تتشدد في ديننا، فهما أمران على السواء.
المسلم يعتز بدينه
أنا أعجب أشد العجب ممن يحاربون التشدد ولا يحاربون التمييع والتفلت؟! ينبغي أن يسير الخطان مع بعضهما، اليوم شبابنا كما أنهم يتعرضون لتشدد في الدين ليس صحيحاً، وليس من الدين في شيء، فإن الحملة أشد في تمييع الدين ممن يدعون أنهم تجديديون (تنويريون) التنوير والتجديد أن نحيي ما أميت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا نتعامل مع الإسلام بنفسية منهزم، والذي يشعر دائماً أنه ينبغي أن يقدم التنازلات من أجل أن يرضى الناس عنه وعن دينه، بل إن المسلم يعتز بدينه، ويرفع رأسه عالياً فيه، فدينه أضاء الدنيا كلها يوم كان يطبق بحذافيره، بدءًا بالحدود وانتهاء بأبسط الأمور في بيت الخلاء، كان ينير الأرض كلها بالعدل والتسامح، اليوم إذا أردنا أن نعود إلى عزتنا فعلينا أن نطبق ديننا ولا نتفلت منه، ديننا يوم كان يطبق، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم يوم كانت تنشر، لم يحدث هناك تطرف ولا تفلت، لكن يوم تخلينا عن ديننا صار التطرف والتفلت، إذاً الدين ليس سبباً لما نحن فيه بل البعد عن الدين هو سبب ما نحن فيه، فلا ينبغي أن نقدم تنازلات، وإنما ينبغي أن نقدم تمسكاً أكثر بديننا الصحيح البعيد عن وادي التشدد، وعن وادي التفلت في مسارين متصلين لا ينفك أحدهما عن الآخر.
أيها الأخوة الكرام؛ إذاً الصفة الثانية: (الذين يُصْلحون ما أفسد الناسُ من بَعْدي من سُنَّتي).

3 ـ النزَّاع من القبائل:
الصفة الثالثة: جاءت في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن عبد الله بـن مسعود رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الإسلام بـدأ غريباً، سيعـود غريباً، فطوبى للغـرباء، قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: النّزَّاع من القبائل }

[ أخرجه ابن ماجه ]

لا تقلق لأنك وحدك
هذه الصفة الثالثة للغرباء في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (النزاع من القبائل) من كل قبيلة رجل، أو رجلان، أو مجموعة رجال، أي قلة قليلة من كل قبيلة، هم من يكونون غرباء آخر الزمان، اليوم ربما تجد حياً بأكمله، اليوم الحي نيابة عن القبيلة، لا تجد فيه على صلاة الفجر مثلاً مستيقظاً إلا رجلاً أو رجلين - نسأل الله السلامة - وتجد مثلاً مجموعة من التجار في غرفة من الغرف أي مئة تاجر فلا تجد فيهم إلا تاجراً أو تاجرين لا يأكلون الربا، أو لا يرضون أن يتعاملوا بالربا، والباقي يقول لك: هذا زمن لا يمكن أن تترك فيه الربا، أو يتحجج بحجج واهية، أو بالأصل ليس عنده مشكلة في هذا الأمر، ولا يقيم له وزناً، فمن كل قبيلة تجد من ينزع منها إلى الحق وإلى الخير فهنا أعود وأكرر: لا تقلق لأنك وحدك، يقول تعالى:

وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
[ سورة الزخرف]

لو كنتم كثرة ستعاقبون.
للطرفة - حتى نغير الجو قليلاً - يوم كنا صغاراً في المدرسة، لو أن أحدنا لم يكتب واجبه الذي أقره المعلم، ثم دخل المعلم إلى الصف، وقال للطلاب: أخرجوا واجباتكم، هذا الطالب الذي لم يكتب الواجب يضع رأسه خلف زميله في المقعد الأمامي ويصرخ بأعلى صوته: أستاذ لم نكتب الواجب، لم يقل: لم أكتب الواجب، يقول: لم نكتب الواجب، يريد أن يعمم خطأه على الصف كله، وربما هو الوحيد، أو معه زميل كسولٌ آخر لم يكتبا واجبهما لكنه يريد أن يعمم هذا السوء على الصف كله لعله ينجو مع المجموعة، هذه ثقافة الرعاع نسأل الله السلامة، ينفذها بعض الأطفال، أو بعض الطلاب في براءة طبعاً، لكن للمثل، لم نكتب، وهو حده لم يكتب.
قال تعالى: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) لو كانت الملايين ظلمت فإنها ستعذب، فسيدنا عمر بن الخطاب يوم قال: لو اشترك أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً، أي لو أن أهل بلدة تآمروا على قتل واحد لقتلتهم به جميعاً، هذا من فقه سيدنا عمر، أي أن العقوبة لا بد أن تقوم حتى يستقيم المجتمع وفق الضوابط الشرعية طبعاً.
إذاً أيها الكرام؛ أيها الأحباب: هنا عندما نقول: ((النزاع من القبائل)) فلا تقلق إن كنت وحيداً، ولا تقلق إن كان معك أخ واحد في الله، أو أخان، أو ثلاثة، فنعم ما أنت عليه، وهم على باطلهم.

وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)
[ سورة الأنعام]

أيها الكرام؛ (النزاع من القبائل) هي الصفة الثالثة.

4 ـ تذكير الناس بالله بغض النظر عن النتائج:
أما الصفة الرابعة في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: ' طوبى للغرباء، فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر من يطيعهم }

[أخرجه الطبراني والإمام أحمد]

وهذا معنى جديد وجميل (من يعصيهم أكثر من يطيعهم).
كن على الحق ولا تهتم بعدد المستحيبين
مرة كنت أخطب خطبة الجمعة هنا في عمان، وعندما انقضت الخطبة جاءني رجل أعرفه - رجل من الصالحين - وقال لي: يأتي في بالي خاطر أريد أن أسالك عنه، قلت: تفضل، قال لي: أنت كل جمعة تخطب الخطبة، وتعطي الدروس، ثم تنظر في واقع المسلمين فتجد الناس مقيمين على المعاصي، والآثام، والربا، والنظر إلى الحرام، وكذا، وكذا إلى آخره، ألم تمل؟ ألا تمل من الموعظة والنصيحة وأنت لا ترى آثاراً لعملك؟ قلت له: يا حبيبنا النبي صلى الله عليه وسلم أخبرني بطبيعة الطريق وقال لي: (من يعصيهم أكثر من يطيعهم) فهذا محفزٌ لي للمتابعة، وليس مثبطاً لي، والله لو أن رجلاً واحداً استمع مني الخطبة فانتفع بكلمة منها لكنت أنا الرابح، فأنا لا يعنيني كم عدد المتابعين، ولا كم عدد الملتزمين، ولا كم عدد المستجيبين.
واليوم أخواننا طلاب العلم الشرعي، والعلماء الأكارم، وخريجو اتحاد العلوم الشرعية اليوم أنت ربما تمسك الهاتف، وتقوم بمحاضرة، أو تقوم بتوجيه نصيحة للناس عبر البث المباشر، وتجد أنه بعد أسبوع أو أسبوعين تابعك مئة أو مئتا شخص، وتنظر إلى مغنية من الساقطات، أو مغنٍ من المنحرفين، ينشر السفور والمجون والعري، وتجد من تابعه عشرات ملايين الأشخاص لأغنية ماجنة ساقطة، فهل هذا مجال مقارنة؟ هل يليق بك أن تقارن نفسك به؟

قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
[ سورة الأنعام]

دعهم في غيهم، لا تنظر إلى هؤلاء، أنت قل الحق، وامضِ في طريقك، ولو اتبعك واحد فأنت على حق، ولو اتبعه مليون فهو على الباطل.
فهنا هذا الحديث مبشر وجميل، أن تعلم طبيعة الطريق، يخبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بطبيعة الطريق، فالطريق ليست محفوفة بالورود والرياحين، نحن ما سلكنا طريق الدعوة إلى الله، والاستقامة على منهج الله، ونحن نعلم أن طريقنا محفوفة بالورود والرياحين، نعلم أنها مليئة بالأشواك والعقبات، لكننا سلكناها لما ينتظرنا من وعود الله تعالى حتى نصل إليه وهو عنا راض، حتى نبرئ ذمتنا أمام الله.
إذاً أيها الكرام؛ الصفة الرابعة قال: (من يعصيهم أكثر من يطيعهم) ويقول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:

{ عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: لأن يهدى الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت }

[أخرجه الطبراني]

أخواننا الكرام؛ اليوم تطلع الشمس على ماذا؟ تطلع الشمس على شركة آبل، تطلع الشمس على مايكروسوفت، تطلع الشمس على بي إم، وعلى الأودي، وعلى كل أنواع السيارات، وأنا لو أن شخصاً واحداً هداه الله بي لكان ذلك لي خيراً مما تطلع عليه الشمس، هذه عقيدتنا، وهذا إيماننا.
أيها الكرام؛ يقول تعالى:

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (272)
[ سورة البقرة]

ويقول مخاطباً نبيه:

فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)
[ سورة الغاشية]

فأنا ما كلفت أن أهدي الناس، فالله هو من يهديهم، ولكني كلفت بالتذكير، وآخذ أجري عند الله بمجرد قيامي بمهمتي بغض النظر عن النتائج.
أيها الكرام؛ هذه الصفة الرابعة (من يعصيهم أكثر من يطيعهم).

5 ـ التمسك بالدين الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم:
الخامسة والأخيرة: يقول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده:
(إن أحب شيء إلى الله الغرباء) استشعر معي هذا المعنى أخي الحبيب، ستكون غريباً، حتى غريب الدين(إن أحب شيء إلى الله) أحب شيء على الإطلاق (الغرباء)، قال: (الفرارون بدينهم، يبعثهم الله مع عيسى بن مريم عليه السلام).
(الفرارون بدينهم) الله تعالى يقول في كتابه:

فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
[ سورة الذاريات]

فإذا كنت غريباً تفر بدينك إلى الله، أصحاب الكهف كانوا غرباء في قومهم:

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16)
[ سورة الكهف]

نحن يجب أن نفر بديننا خشية الانحرافات السلوكية والعقدية، خشية الشهوات والشبهات، خشية من المتفلتين، والمميعين، ومن يسمون أنفسهم المجددين، وخشية من المتشددين التكفيريين، ينبغي أن نفر بديننا، من تفلت المجتمع، ومن تشدد من يدعون تطبيق الإسلام، يجب أن نفر من كل هؤلاء، فنستمسك بديننا الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

الفرار إلى الله تعالى:
أيها الكرام؛ أيها الأحباب: قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) والفرار يقتضي المسارعة، هل رأيت في حياتك فاراً إلى جهة ما يمشي ببطء؟ ما هذا الفرار؟ سارعوا:

سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
[ سورة الحديد]

لابد من المسارعة والمسابقة، ربنا جلّ جلاله لما تحدث عن الرزق قال:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
[ سورة الحديد]

تأتي الحركة مع الهدف الذي تسعى إليه
لكن عندما تحدث عن الجنة قال: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) لكنه عندما تحدث عن ذاته العلية قال: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) فتأتي الحركة وطبيعة الحركة متوافقة مع الهدف الذي تسعى إليه، فإلى الجنة لا تمشي مشياً، وإلى الرزق لا تسارع مسارعة، فالرزق يحتاج إلى مشي، لكن الجنة تحتاج إلى مسارعة، إلا أن الله تعالى يجب أن نفر إليه، أو نحتاج أن نفر إليه فراراً بديننا (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) فالفرار يقتضي المسارعة، والفرار يقتضي الجماعة (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) مع واو الجماعة، لأنك لو فررت إلى الله بدينك وحيداً ربما لا تجد معيناً في الطريق، فحاول أن تصحب أخاً معك يعينك وتعينه، والفرار يقتضي التوحيد، فلو أنك فررت إلى جهة فإنك لا ينبغي أن تلتفت إلى غيرها، بل تنظر إلى جهتك وحدها، لذلك في الحديث القدسي:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغْنى الشُّركاء عن الشِّركِ، مَنْ عَمِل عَمَلا أشرك فيه مَعي غيري تركتهُ وشِرْكَهُ }

[أخرجه مسلم]

الله تعالى لا يَقبل العمل المشترك، ولا يُقبل على القلب المشترك، بل تفر إلى الله وحده، والفرار إلى الله أيضاً يقتضي عملاً صالحاً تقدمه فلا ينبغي أن تذهب إلى الله عز وجل فاراً إليه، وليس بيدك شيء تقدمه بين يدي الله؛ من عمل صالح، من دعوة إلى الله، من خير قدمته، هذه كلها من معاني الفرار إلى الله تعالى.

تلخيص لما سبق:
نعيد الصفات بشكل سريع: يَصلحون أو يُصلحون إذا فسد الناس.
والثانية: (يُصْلحون ما أفسد الناسُ من بَعْدي من سُنَّتي).
والثالثة: (النزاع من القبائل).
والرابعة: (من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم).
والخامسة هم: (الفرارون بدينهم).
أيها الأحباب؛ هذه غربة الدين، الغربة الأولى؛ غربة الدنيا، كلنا غرباء في الدنيا (كُنْ في الدنيا كأنك غَريبٌ، أو عابِرُ سَبيلٍ) كلنا راحلون، وكان معنا أخوة في رمضان الماضي اليوم ليسوا معنا، ونحن جميعاً نسأل الله أن يطيل في أعماركم في الصالحات، اليوم مع بعضنا لكن لا يدرينا أن نتم رمضان، أو أن يأتي رمضان آخر علينا، فكلنا غرباء في الدنيا، المهم بزاد من التقى.
والغربة الثانية: غربة الدين، وهي غربة المستمسكين بمنهج الله عز وجل على الرغم مما حولهم من تفلت، وتشدد، وتمييع، وغير ذلك.
كنا نسمع من فم المنشد منذر سرميني، حفظه الله، من كلمات سليم عبد القادر فيما أذكر، أنشودة جميلة جداً تبعث فينا الروح العزيمة في شبابنا:
غـــــرباء ونحن سر الوجــود ورفيف الشذا وأهــــــــل البنود غرباء ونحن رمز الصمـــود وجنود الهدى وحــــق الجنود غـــــــــرباء وليس بدعاً فهـــذا قدر الحر فــــــــــي بلاد العبيد غــرباء والكون يهتز شوقــاً لرؤانا فــــــــــــي كل فجر جديد غــــــــــرباء وقد ملكنا زمانـــاً ونشرنا فـــــي كل أرض ورود غـرباء وقد رشفنا عهــــوداً في ظلال القرآن تاج الخلود نحن قوم إذا شدونا نشيداً يمـــــــــــــلأ الزهر مقفرات البيد
{ سليم عبد القادر }
تنقلب الصحارى المقفرة إلى أرض مخصبة فيها الرياحين والورود بأناشيد الغرباء.

3 ـ الغربة الثالثة هي غربة الوطن:
ترك الأوطان جعله الله قريناً لقتل النفس
والثالثة: غربة الوطن، وهذه غربة الوطن ربما يشترك معنا كثير من المتابعين، لاسيما أننا أهل سوريا الكرام، أهل الشام، أهل حمص، أهل حلب، أهل كل ذرة في تراب وطننا الغالي، محافظة محافظة من غير تحديد ولا تمييز اغتربنا عن أوطاننا، شاء الله لنا ذلك، وهذه حكمته نؤمن بها، ونسلم لها، ونرضى بما قدره لنا، ونحتسب أجر هذه الغربة عند الله تعالى، فترك الأوطان جعله الله تعالى قريناً لقتل النفس، قال تعالى:

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66)
[ سورة النساء]

فالخروج من الديار جعله الله تعالى مع أمره بقتل النفس، لأن الإنسان عندما يخرج من وطنه مضطراً، وحتى إن خرج مختاراً، فإنه يعاني من غربة الوطن ما يعاني، كلنا نحن إلى الوطن، وكلنا يحب أن يكون في وطنه، والنبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج من مكة في حديث الإمام أحمد قال:

{ عن عبد الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحَزَوَّرَة وهو يقول: والله إنَّكِ لخيرُ أرضِ الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخْرِجْتُ منكِ ما خرجتُ }

[أخرجه الترمذي]

لا شك أن مكة لها أفضليتها وميزتها، لا ينكر أنه وطنه صلى الله عليه وسلم الذي ولد فيها، والذي يحبه، والذي يحب البقاء فيه، النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أرضه، في صحيح البخاري:

{ عن عائشة رضي الله عنها: قالت: لما قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة وُعِكَ أبو بكر وبلال، قالت: فدخلتُ عليهما، فقلت: يا أبتِ، كيف تَجِدُك؟ ويا بلال، كيف تَجِدُك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذتْه الحمَّى يقول: كُلَّ امرئ مُصَبَّح في أهلِهِ والموتُ أدنَى من شِراكِ نَعْلِهِ، وكان بلال إذا أُقْلِع عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شِعْري هل أبيْتَنَّ ليلة بواد وحولي إذْخِر وجَليلُ؟ وهل أرِدَنْ يوماً مِيَاهَ مَجِنَّة وهل يَبْدُوَنْ لي شامَة وطَفيلُ؟ قالت عائشة: فجئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فقال: اللهمَّ حَبِّبْ إلينا المدينة كحُبِّنا مكةَ أو أشَدَّ، اللهم صَحِّحْها، وبارك لنا في مُدِّها وصاعها، وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجُحْفة }

[أخرجه البخاري ومسلم ومالك]

هذه أماكن، أماكن في مكة كان يحبها بلال رضي الله عنه، فكان في مرضه يستذكر أيامه في مكة.
حب الوطن موجود في النفوس
قالت عائشة رضي الله عنها: (فجئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه فقال: اللهمَّ حَبِّبْ إلينا المدينة كحُبِّنا مكةَ أو أشَدَّ، اللهم صَحِّحْها) صححها؛ اجعل الصحة فيها، اجعلها معافاة صحيحة (وبارك لنا في مُدِّها وصاعها، وانقل حُمَّاها) مرض الحمى (فاجعلها بالجُحْفة) فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن صحابته الكرام قد عانوا في غربة الوطن ما عانوه، فحب الوطن موجود في النفوس والإسلام لا يعارضه بل إنه شيء فطري، لكن أحياناً يجتمع مع الحب الفطري حب شرعي، فنحن جميعاً نحنّ إلى مكة فطرة وشرعاً، ونحنّ إلى أوطاننا فطرة، لكن أهل الشام إذا حنوا إلى أوطانهم فإنهم يحنون إليها في آخر الزمان فطرة وشرعاً معاً لأن الشام أرض مباركة وردت فيها أحاديث صحيحة، في بركتها في آخر الزمان، فقد أخرج أبو داود بسند صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إن فُسطَاط المسلمين يوم الملحمة بالغُوطَةِ إلى جانب مدينة يقال لها: دمشقُ، من خير مدائن الشام }

[أخرجه أبو داود]

فحنيننا إلى وطننا ليس حنين فطرة فحسب وإنما حنين شرع إلى جانب الفطرة، لأنها أرض مباركة، نسأل الله تعالى أن يرجع كل مغترب إلى وطنه، وهو سالم غانم معافى إن شاء الله تعالى.

غربتنا في الدين شرف لنا لأن أحبّ شيء إلى الله الغرباء:
أيها الكرام؛ إذاً هي غربة دنيا، وغربة دين، وغربة وطن، كلنا غرباء في الدنيا وكلنا إن شاء الله من متابعينا الأكارم الآن في غربة أثناء المحاضرة، تركوا ربما وسائل اللهو وبعض المسلسلات الرمضانية، وجلسوا للاستماع إلى محاضرة في حب الله تعالى، وفي حب نبيه صلى الله عليه وسلم، فكلنا في هذه اللحظات إن شاء الله غرباء دنيا، وغرباء دين، وبعضنا غرباء وطن، فاجتمعت علينا غربات ثلاثة، لكنها كلها شرف، وكلها رفعة، وكلها علو وذكر، وكلها سمو، فلا تبتئسوا بهذه الغربة، فغربتنا في الدنيا تدفعنا إلى العمل للقاء الله لنصل إلى أرض لسنا فيها غرباء وهي أرض الآخرة، وغربتنا في الدين شرف لنا لأن أحب شيء إلى الله الغرباء (فطُوبَى للغرباءِ) ولأننا نستمسك بما أوحي إلينا رغم ما نجده من تفلت الناس، وتشتتهم، وتفرقهم، وغربة بعضنا عن أوطانهم أيضاً شرف لأننا والله ما تركنا أوطاننا لا طلباً لمال، ولا طلباً لمنصب، وإنما هجرنا أوطاننا لنثمر في أماكن أخرى خيراً وبركةً إن شاء الله، وقلوبنا معلقة بها لنعود إليها يوماً بنصر وعزة وفخر وعطاء إن شاء الله تعالى فافتخروا بهذه الغربات الثلاثة، غربة الدنيا، وغربة الدين، وغربة الوطن.

خاتمة وتوديع:
في نهاية هذا اللقاء الطيب الذي سعدت فيه بصحبتكم، وشرفت فيه باستضافة اتحادنا، اتحاد خريجي العلوم الشرعية، وربما يتابعني من هو خير مني، وأفضل للكلام مني، وأشرف بمتابعة الجميع، أشكر من جديد لإدارة اتحاد العلوم الشرعية هذه الدعوة المباركة التي إن دلت فإنما تدل على حسن ظنهم بي، وأسأل الله تعالى أن أكون عند حسن ظنهم.
اللهم بارك لنا في شهر رمضان، وأعنا على الصيام والقيام، وغض البصر وحفظ اللسان، واجعلنا فيه من عتقائك من النيران يا أرحم الراحمين.
وكل عام وأنتم بخير، وأنتم الخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته