• محاضرة في الأردن
  • 2021-10-11
  • عمان
  • الأردن

ثلاث شخصيات

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


لكلّ إنسان ثلاث شخصيات:
أيها الأخوة الأحباب؛ الإنسان أي إنسان، له شخصيات ثلاث، كل واحد فينا هذا ليس انفصام شخصية، لا، لكن الواقع أن له ثلاث شخصيات من حيث شعر أم لم يشعر، شخصية يكونها، وشخصية يحب أن يكونها، وشخصية يكره أن يكونها، شخصية يكونها، شخصية يحب أن يكونها، شخصية يكره أن يكونها، ثلاث شخصيات.
الشخصية التي يكونها؛ هي أنت وأنا بما نحن عليه من إيجابيات أو سلبيات، كل واحد منا له إيجابياته وله سلبياته، فيه نوازع خير، وفيه نوازع شر، فيه طاعات، وعنده بعض المعاصي، عنده تفوق في مجالات، وعنده تقصير في مجالات أخرى سواء في الدين أو في الدنيا، هذا الواقع، فالشخصية التي أنا عليها كما هي.
دائماً هناك شخصية أكره أن أكونها
دائماً هناك شخصية أكره أن أكونها، شخصية البخيل مثلاً، المؤمن، أو الذي نشأ نشأة اجتماعية كريمة يكره شخصية البخيل، إن وجد إنساناً بخيلاً يكرهه، لئيماً يكرهه، طاغية يكرهه، قاتلاً يكرهه، هذه الأسوة السيئة التي لا يحبها أبداً، هناك شخصية يحب أن يكونها هي القدوة الحسنة، أو الأسوة الحسنة، الشخصية التي أحب أن أكون عليها، أنا هنا، لكن أحب أن أكون هنا، هذه القدوة الحسنة، الآن المسافة بين الشخصية التي أنا عليها والشخصية التي أحب أن أكونها كلما كانت أضيق فأنا أقرب إلى الشيء الجيد أو الكمال، أقرب، كلما كانت أقرب فأنا أقرب إلى التوازن الداخلي مع نفسي، أنا مؤمن طائع لله عز وجل، لست كالصحابة الكرام، ولكني أرجو أن أكون منهم، أحاول أن أعمل أعمالاً مثل أعمالهم، كما قال الصحابة الكرام، قال: إني لأحب أبا بكر وعمر وإن لم أعمل بمثل أعمالهما ولكن أرجو الله أن يحشرني معهما، أنا لست بمرتبة أبي بكر وعمر، لكن أتطلع أن أكون كأبي بكر وعمر، أحياناً الشخصية التي يحب أن يكونها الإنسان تتنوع، مثلاً يحب أن يكون كسيدنا خالد في الشجاعة والإقدام، يحب أن يكون كسيدنا عمر في القوة في الحق، الحزم عند الحاجة إلى الحزم، يحب أن يكون كسيدنا أبي بكر في رقته، وتواضعه، وهدوئه، يحب أن يكون كأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، كأبي بن كعب في علمه، تنوع الشخصية والنتيجة يرسم شخصية لنفسه، الله تعالى أمرنا في القرآن الكريم أن نجعل هذه الشخصية التي نحب أن نكونها هي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)
[ سورة الأحزاب]

(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أن تتأسى برسول الله، أن تسعى لأن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن تحاول أن تقترب من أخلاقه العظيمة، أن تحاول أن تقترب من كمالاته صلى الله عليه وسلم، هذه هي الأسوة أو القدوة.
لذلك قالوا: قل لي ما الشخصية التي تحب أن تكونها أقل لك من أنت، اليوم إذا سألت أبناءنا، ابن من الأبناء يقول لك: أنا أحب أن أكون مثل لاعب كرة القدم الفلاني هذا حلمه، أي هو أقصى ما يريد أن يصل إليه، أن يصبح قادراً على إدخال الكرة في الشباك، هذا تقزيم للشخصيات صنعناه بأنفسنا، وصنعه قبل ذلك لنا الغرب والشرق.
آخر يقول لك: أحب أن أكون كالمغني الفلاني، أي إذا دخلت إلى مكان ما الكل يتصور معي، الشخصيات التي يحب أن يكونها الإنسان تُرسم رسماً، لذلك مهمتنا نحن أن نحاول جهدنا أن نبني القدوات الصحيحة، لأن الإنسان بطبيعته دائماً يطمح إلى شخصية يحبها من حيث يشعر أو لا يشعر، فإما أن نبني لأنفسنا شخصيات صحيحة، أو يبني لنا الآخرون قدوات مزيفة، لا يوجد شخص ليس له قدوة، أو أسوة.

النبي الكريم أسوة لنا في كل شيء:
الشخصية التي نحب أن نكونها
لذلك القرآن الكريم يتحدث عن هذه الحقيقة يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) هذه الشخصية التي نحب أن نكونها إن شاء الله، شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تتحقق هذه الأسوة لا بد أن يكون هناك سيرة لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، لذلك حفظ لنا الله تعالى بحفظه سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم وسنته، حفظ يذهل العالم اليوم! 1400 سنة وأكثر من مبعث هذا النبي الكريم تستطيع أنت أن تتأسى به، العفو منكم وأنت في بيت الخلاء، يصل معك إلى بيت الخلاء يقول لك: ماذا تفعل داخل بيت الخلاء، وفي الوقت نفسه يقول لك: ماذا تفعل في السياسة الدولية مع أعدائك، كيف كان يرسل الكتب، ويراسل الملوك، ويبعث السفراء، علمنا من أصغر شيء إلى أعلى شيء في السنة وكله بمرتبة واحدة، تفتح كتاباً في السيرة كيف كان يعامل زوجاته، كيف كان يعامل أبناءه، عندما حزن ماذا فعل، عندما فرح ماذا فعل، عندما تكلم الناس في عرض زوجته ماذا فعل، عندما مات ابنه ماذا فعل، عندما افتقر، عندما اغتنى، عندما قويَ، عندما ضعف، لأنه أسوة صلى الله عليه وسلم كانت حياته مليئة بالأحداث بشكل مكثف، بشكل يلتف الأنظار فعلاً، انظر للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم من البعثة إلى الوفاة 23 سنة، عشر سنوات بمكة، وثلاث عشرة سنة بالمدينة، ثلاث وعشرون سنة فيها من الأحداث بشكل مكثف مكثف بحيث إن حدث معك شيء تجد لك في رسول الله أسوة فيه، فإذا افتقر الفقير نقول له: لك في رسول الله أسوة، هل كان النبي فقيراً؟ لا، لم يكن فقيراً، النبي صلى الله عليه وسلم كان غنياً، لكنه افتقر، لكن أيضاً ذاق الفقر في مرحلة من حياته، ذاق الفقر حتى إذا دخل إلى بيته فسأل: هل عندكم من طعام؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم، تجمَّل عندما افتقر.

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال }

[أخرجه الترمذي]

بلال الحبشي يدخل الطعام، عندما حوصر بالشعب قبل وبعد ذلك بأيام مكة الصعبة يُدخل رغيف الخبز، أو قطعة من رغيف الخبز يُدخلها تحت إبطه، وهذا طعامه وطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثون من يوم وليلة، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال).
لك في رسول الله أسوة حسنة
إذا افتقر الإنسان نقول له: لك في رسول الله أسوة حسنة، النبي صلى الله عليه وسلم عندما افتقر وقف الموقف الأكمل، تجمل، صبر، لم يخرج عن مبادئه، ولا عن ثوابته، ولا عن قيمه، تقول: إذا اغتنيت ماذا أفعل؟ لك في رسول الله أسوة حسنة، النبي صلى الله عليه وسلم بلغ من الغنى ما بلغ، حتى إنه ملك الذهب والفضة، حتى جاءه أعرابي فنظر فوجد وادياً من غنم، غنم كثير في الوادي، قطيع كبير من الغنم، قال له: لمن هذا الغنم؟ قال: هو لك، طبعاً لو لم يكن لرسول الله لما أعطاه إياه، لأن الإنسان لا يهب شيئاً لا يملكه، ولا يجود بذلك، قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله هو لك، قال: أشهد أنك رسول الله، تعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، أي الفقر، ثم رجع إلى قومه فقال: أسلموا مع محمد فإنه يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة.
إذاً هو في لحظة الفقر كان في قمة تجمُّله، الإنسان قد يفتقر فينظر إلى الأغنياء ويتضعضع لهم، ويبيع دينه من أجل دراهم، أو قد يسخط على الله والعياذ بالله لماذا أفقرني الله؟ لماذا أنا لا أملك المال؟ لماذا غيري يملكه؟ وفي لحظة الغنى يمكن للإنسان أن يطغى، قال تعالى:

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
[ سورة العلق]

عندما يشعر نفسه صاحب مال وكذا يستغني عن الله فيترك صلاته، ويترك عبادته، ويقول لك: هذا من عرق جبيني، ومن جهدي، ومن كدي، ولا يوجد أحد له فضل عليّ، ينسى الله عز وجل، فلما ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر، وذاق الغنى، فهو أسوة للفقير والغني معاً.
النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة ذاق من الضعف الكثير، حتى كان صلى الله عليه وسلم يمر فيجد قريشاً يعذبون أصحابه، عمار بن ياسر، وسمية، وأسرة آل ياسر، فيقول:

{ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فأخذ بيدي، فانطلقت معه صلى الله عليه وسلم فمر بعمار وبأم عمار يعذبا، فقال: صبراً آل ياسر فإن مصيركم إلى الجنة }

[أخرجه الحارث ]

لا يستطيع أن يدفع الأذى عن المسلمين الذين كانوا حوالي عشرة أو عشرين مسلماً فقط، لا يستطيع أن يدفع عنهم.
في الطائف خرج يلتمس النصرة عند أهل الطائف، فما كان منهم إلا أن أغروا صبيانهم، وسفهاءهم، حتى ضربوه بالحجارة، وأدميت قدمه صلى الله عليه وسلم، ولجأ إلى حائط من بستان من بساتين الأنصار، وهناك جاءه ملك الجبال، فقال:

{ عن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أَتَى عليك يوم كان أشدّ مِنْ يوم أُحُد؟ قال: لقد لَقِيتُ من قومك. وكان أشَدَّ ما لقيت يوم العقَبة؛ إِذ عَرَضْتُ نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كِلال. فلم يُجبني إِلى ما أردتُ. فانطلقت وأنا مهموم. على وجهي. فلم أستفق إِلا وأنا بقَرْن الثعالب فرفعت رأسي. فإِذا أنا بسحابة قد أظلَّلتني. فنظرت فإِذا فيها جبريل. فناداني. فقال: إِنَّ الله قد سمع قولَ قومِكَ وما ردُّوا عليك. وقد بعثَ إِليك مَلَكَ الجبال لتأمر بما شئت فيهم. فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ. ثم قال: يا محمد. إن الله قد سمع قولَ قومِكَ، وأنا مَلَكُ الجبال، وقد بعثني ربُّك إِليك لتأمرني بما شئت. إنْ شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله وحده لا يُشْرِكُ به شيئاً }

[أخرجه البخاري ومسلم]

الأخشبان جبلان في الطائف فلو أطبق عليهم الأخشبين فاليوم لا يوجد مدينة اسمها الطائف، فقال له: اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون (أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله) لو نظرنا في قولته صلى الله عليه وسلم: لا يا أخي (أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله) انظر إلى البعد الزماني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أصلابهم من يوحد الله، قال له: ربما أنا وأنت يا ملك الجبال يائسون من هؤلاء، الواضح أن هؤلاء ميؤوس منهم:

خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)
[ سورة البقرة]

لا يوجد استجابة أبداً، رسول الله عندكم بدلاً من أن تكرموه، أو على الأقل أن تردوه بأسلوب حضاري، تغرون به صبيانكم وسفهاءكم وما جاء إلا ليدعوكم إلى الله؟! إنهم لا خير فيهم، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم) أنا أريد الجيل القادم، لا أريد هذا الجيل، هذا الجيل قد يذهب ولا يكون منه خير يرجى، لكن: (أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله).
نوح عليه السلام قال:

وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً (27)
[ سورة نوح]

هذا نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، لكن محمداً صلى الله عليه وسلم سيد الرسل قال: (أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله).
دعاء النبي الكريم لقومه بالهدى رغم ما تعرض له
ثم إنه يعتذر عنهم فيقول: فإنهم لا يعلمون، يعتذر عنهم إلى الله، أي يا رب لا يعلم الجاهلون، يعتذر لهم بجهلهم، ويدعو لهم بالهداية، الله اهدِ قومي، رغم كل ما حصل معه، هذا في قمة الضعف، هل وصل بأحدنا الضعف إلى درجة أن يذهب إلى قوم فيدمى بالحجارة، ويُضرب، ويلاحق في الطرقات، والله ما وصل ولله الحمد نسأل الله السلامة والعافية لكن النبي صلى الله عليه وسلم وصل إلى هذا، كيف كان موقفه؟ كما بينا.
ذاق القوة، النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة أصبح العرب كلهم وحتى العجم يهابون هذه الدولة الناشئة التي أرهبت العالم كله، يوم فتح مكة آلاف السيوف كانت تنتظر إشارة منه لتنهال على رقاب مخالفيه الذين ساموه العذاب، يقول: اذهبوا فأنتم الطلقاء، انتهى الأمر.

{ مَن دخل دارَ أبي سفيان فهو آمِن، ومن أغْلَقَ بابَه عليه فهو آمِن، ومَن دخل المسجد فهو آمِن، قال: فتفرَّق الناس إِلى دورهم وإِلى المسجد }

[أخرجه أبو داود]

من أبو سفيان؟ أبو سفيان الذي قاد الحروب ضده، الذي نكل بأصحابه، ثم يجعل له ميزة، يقول: (مَن دخل دارَ أبي سفيان فهو آمِن).
إذاً هو في قمة القوة دخل مكة فاتحاً كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله، ما دخل مدخل القائد المظفر المنتصر، رافع الرأس، أنا، وأنا، وإنما دخل متواضعاً لله عز وجل، صلى الله عليه وسلم، فهو بضعفه كان أسوة حسنة، وفي قوته كان أسوة حسنة.
تعامل النبي مع المنافقين في حادثة الإفك
ما ذاق - ولله الحمد - واحد منا أن يتكلم الناس في عرض زوجته، ومن زوجته؟ بنت أبي بكر، أم المؤمنين، الطاهرة، المطهرة، من يتحمل من البشر ذلك؟ أراد الله عز وجل أن يذيقه هذا الأمر لأنه أسوة، قد يتكلم الناس في شأن من شؤونك، أو في شيء ماذا تتصرف؟ ماذا يكون سلوكك؟ تكلم الناس في عرض زوجته، ما الذي فعله؟ هل هبّ غاضباً كالأزواج، وأخذ السيف وضرب عنقها لأن الناس يتكلمون عليها قبل أن يتحقق من المسألة؟ لا، صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، هل أخرجه هذا الكلام عن دعوته؟ هل هام على وجهه حاشاه صلى الله عليه وسلم؟ أبداً، إن كنت بريئة فسيبرئك الله، تعامل مع المنافقين الذين يديرون الحديث في حادثة الإفك في المدينة، تعامل مع أهل بيته، تعامل مع أبي بكر، تعامل مع المسألة كلها بكل صبرٍ وبكل رضا حتى جاءت تبرئة السيدة عائشة من السماء.
مات ابنه، قد يقول قائل: رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ابنه، والله يحب رسوله، طبعاً يحب رسوله لكن ليست محبة الله لعبده علامة، أو دليلاً على عدم ابتلائه، بالعكس، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه.

{ عن مصعب بن سعد رحمه الله عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الناس أشَدُّ بلاء؟ قال: الأنبياءُ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ على حَسْبِ دِينه فإن كان دِينُهُ صُلْبا اشتَدَّ بلاؤه، وإن كان في دِينه رِقَّة على حَسبِ دِينه، فما يَبْرَحُ البلاءُ بالعبد حتى يتركَهُ يَمْشِي على الأرض وما عليه خطيئة }

[أخرجه الترمذي ]

فالنبي صلى الله عليه وسلم رغم محبة الله له أذاقه فقد الولد لأن الله تعالى يعلم أن من أمته من يفقد ولده، هذا واقع، هذه الحياة، هكذا برمجها الله، فيمكن أن يفقد الإنسان ابنه، ما الذي فعله رسول الله؟ قال:

{ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فذكر الحديث في قضية إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إنما هذه رحمة، ومن لا يرحم لا يرحم، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وسبيل نأتيه، وأن أخرانا سيلحق أولانا، لحزنا عليك حزناً أشد من هذا، وإنا بك لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب }

[أخرجه أبو داود ]

علمنا كيف يكون الحزن في أشد ساعات الفقد، لأن أعظم فقد هو فقد الولد بلا منازع، فعلمنا كيف يكون الصبر عند الفقد.
انظروا إلى الأسوة كيف تتحقق برسول الله صلى الله عليه وسلم، شاء الله تعالى أن تكسف الشمس في يوم وفاة إبراهيم، هكذا أراد الله، والعرب عندهم في الجاهلية يعتقدون أن الشمس والقمر ينكسفان لموت أحدٍ أو لحياته، فإذا جاء مولود مهم وانكسفت الشمس يقولون: هذا مولود انكسفت الشمس من أجله، أو إذا مات إنسان يقولون: انكسفت الشمس لموته حزناً عليه، خرافات لا أساس لها من الصحة، وهو في قمة حزنه على ولده، في قمة حزنه، يقف لينتصر للتوحيد، يعتلي المنبر، ويقول:" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لأموت أحد ولا لحياته "، حاشاه أن يستغل الموقف، يقول: انظروا أنا نبيكم، وهذه كرامة لي، لا، أبداً، انتصر للمعلومة الحقيقية، انتصر للحقيقة الكونية، للحقيقة الكونية التي تقول: إن هذه الظاهرة ظاهرة كونية يخوف الله تعالى بها عباده.

{ عن عائشة رضي الله عنها قالت: كسفَت الشمسُ على عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم فصلَّى بالناس، فأطال القراءة، ثم ركع فأطال الركوعَ، ثم رفع رأسه، فأطال القراءة - وهي دون قراءته الأُولى - ثم ركع فأطال الركوع، دون ركوعه الأول، ثم رفع رأسه، فسجد سجدتين، ثم قام فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، ثم قام فقال: إِن الشمسَ والقمرَ لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله يُريهما عبادَه، فإذا رأيتُم ذلك فافْزَعُوا إِلى الصلاة }

[أخرجه البخاري ومسلم]

أمر الناس بالصلاة عند رؤية الكسوف.

حياة النبي مرسومة من قِبل الله عز وجل ليكون قدوة لنا:
إذاً أيها الكرام؛ كل هذا الكلام من أجل أن أقول شيئاً: النبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا، أسوتنا، الشخصية التي نحب أن نكونها، لن تجد شيئاً في حياتك إلا تبحث له في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجد موقفاً مشابهاً، لا أبالغ والله، كل شيء يحصل معك تبحث بالسنة تجده، هذا إعجاز، أنا أعتبر ذلك من الإعجاز، يقول لك: اليوم يوجد إعجاز لغوي وإعجاز علمي، يوجد إعجاز في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، في الأحداث التي رسمها الله تعالى لحياة نبيه صلى الله عليه وسلم، حياته مرسومة من الله عز وجل، كلنا حياتنا مرسومة من الله، لكن حياته مرسومة بشكل يلائم أن يكون أسوة لنا إلى يوم القيامة بحيث لا يحصل موقف معنا في حياتنا إلا نعود إلى سيرته، وإلى سنته فنجد ما يماثل الموقف الذي كنا عليه فهي تشريع.

الأنبياء كلهم أسوة لنا:
سيدنا يوسف سُجن ظلماً
الأكثر من ذلك الأنبياء كلهم أسوة، رسول صلى الله عليه وسلم أخذ شيئاً من كل نبي بما حصل معه، سيدنا يوسف سُجن، سُجن مظلوماً، أي سجين يُسجن إلى يوم القيامة ظلماً له في يوسف أسوة حسنة، وهو في السجن، قابع في السجن رغم كل ما يعانيه إذا تذكر يقرأ سورة يوسف، يوسف عليه السلام نبي الله، وسُجن ظلماً، وبتهمة هو بريء منها مئة بالمئة.

ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)
[ سورة يوسف]

الآيات الدالة على براءته: (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) الآيات تدل على براءته، لماذا سجنتموه؟ هذا ما يحصل في كل زمان ومكان.

وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)
[ سورة الأعراف]

اسجنه أفضل من أن ينقل العدوى التي تنادي بالإصلاح.
فالنبي صلى الله عليه وسلم سُجن في الشعب، يوم حوصر الشعب، حتى أكلوا ورق الشجر، أشد أنواع السجن، إنسان مثلاً يكون صالحاً، ويبذل جهداً عظيماً في تربية ابنه لكنه لا يفلح، سيدنا نوح هذا ابنه، رغم كل صلاح سيدنا نوح حتى:

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)
[ سورة هود]

لم يقبل، فله أسوة حسنة في نوح، أقول بذل جهده ورباه، لكن ما استطاع، ما أفلح، النبي لم يفلح في تربية ابنه، الإنسان آخر شيء هو مخير، هو اختار طريق الباطل فما استطاع والده أن يهديه.

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
[ سورة القصص]

المقصود أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فيها قدوة وأسوة، وسيرة الأنبياء عموماً فيها قدوة وأسوة لنا في القرآن الكريم بما ذكره الله تعالى، فرعون أعتى طاغية في الأرض، أول شيء قال:

فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)
[ سورة النازعات]

ثم قال:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
[ سورة القصص]

أنا حسب معلوماتي لا يوجد إله غيري، أول مرة: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)، المرة الثانية: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) كأنه لا يوجد غيري، والعياذ بالله، في قصره كان هناك امرأة فرعون، امرأة صالحة وهي في قصر فرعون، ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن المرأة مستقلة بدينها عن الرجل، امرأة زوجها سيء، وكتمت إيمانها خشية على نفسها، لها أسوة حسنة في القرآن الكريم، والعكس بالعكس، نوح ابنه، إبراهيم بالعكس والده.

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً (44)
[ سورة مريم]

فإذا كان الولد صالحاً فلك في إبراهيم أسوة، كأن الله عز وجل رسم حياة الأنبياء من أجل أن يكونوا قدوة للناس في كل زمان وفي كل مكان إلى قيام الساعة.

خمسة أمور تكسبنا محبة رسول الله:
أحبابنا الكرام؛ خمسة أمور تكسبك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلاقاً من هذا الكلام الذي بدأنا به، لأن الله تعالى يقول في قرآنه:

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)
[ سورة المؤمنون]

معرفة رسول الله فرض عين على كل مسلم
أي معرفة رسول الله فرض عين على كل مسلم، إذا ما عرفت رسولك تنكره والعياذ بالله، يجب أن نتعرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبته صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يُؤمن أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين }

[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي]

اليوم لو سألت ملياري مسلم في الأرض، قلت له: هل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليك أم نفسك؟ يقول لك: لا والله رسول الله، جواب فطري، وجواب جميل جداً، هكذا نحن بالفطرة المسلمون نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الحقيقة هذه المحبة، لا أريد أن أقول: جوفاء، كل محبة لرسول الله نافعة إن شاء الله، لكن المحبة غير المترجمة إلى عمل ليست صادقة مئة بالمئة، أما المحبة عندما تنطلق إلى عمل فتصبح صادقة، إذا قال الأب لابنه: والله أحبك، كل يوم يقول له عشر مرات أحبك، بعد ذلك قال له ابنه: أريد خمسين ديناراً لأنني سأذهب في نزهة، والأب معه، قال له: حبيبي وعيني وعلى الجيب لا تقرب، لن يقتنع الابن أن والده يحبه، لن يقتنع، يقول كيف تحبني ولم تعطني؟ إلا عندما يكون في التربية شيء آخر، يقول له: بابا لا تنفع هذه النزهة، هذه ليست لك، أنا روحي لك، لكن هذا الموضوع لا، هذا شيء آخر، أما شاب واحتاج مبلغاً من المال، أو للجامعة، ومعه ولم يعطه، يقول لك: لا يحبني، فالحب يحتاج إلى بذل، لذلك كانوا يقولون: الحب بلا إنفاق نفاق، أحبك لكن لا أساعدك بشيء.
فعندما يقول: (لا يُؤمن أحدُكم) أي الإيمان الكامل (حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين) هذا يعني أنه عندما تتعارض مصالحي المتوهمة، طبعاً لماذا أقول مصالحي المتوهمة؟ لأنه لا يوجد مصلحة إلا في تطبيق شرع الله، إذا قال لك أحدهم: والله مصلحتي في هذه الصفقة، التي فيها خمر، لكن مصلحتي فيها، لا ليست مصلحتك فيها، مصلحتك ألا تأخذها، لأن هذه تذهبك إلى النار، هذه لا يوجد فيها مصلحة، مصلحتك المتوهمة، تتوهم أن مصلحتك في هذا المبلغ، لكن مصلحتك ليست في هذا المبلغ، مصلحتك بالمال الحلال ولو كان قليلاً، لذلك نقول: مصلحتك المتوهمة، عندما تتعارض مصلحتي المتوهمة مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأركل مصلحتي المتوهمة بقدمي، وأتبع أمر رسول صلى الله عليه وسلم فقد قدمت البرهان على محبته صلى الله عليه وسلم، فالمحبة تحتاج إلى اتباع، والاتباع يحتاج إلى محبة فهما شيئان متكاملان.
الصحابة الكرام كانوا في أشد حالات الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يكون له اتباعاً.
روى أبو أُسيد أن النساء كن يخرجن من المسجد فاختلطن بالرجال، عندما يخرجن من المسجد، تخرج المرأة مع الرجل، فيزاحمن الرجال، والمرأة من شانها الستر والحياء، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء:

{ عن أبي أُسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النِّساءِ في الطريق: استَأْخِرْنَ فليس لَكُنَّ أن تَحقُقْنَ الطَّرِيق، عَليكُنَّ بحافَّاتِ الطَّريق فكانت المرأة تَلصَقُ بالجدار، حتى إِنَّ ثَوبَها ليتعلقُ بالجدارِ مِن لُصُوقِها بهِ }

[أخرجه أبو داود ]

(فليس لَكُنَّ أن تَحقُقْنَ الطَّرِيق) أي دعنا نعمل ممراً للنساء وآخر للرجال ((عَليكُنَّ بحافَّاتِ الطَّريق) فالنساء يمشين يميناً ويساراً، والرجال كونهم الأكثر عدداً يمشون بالمنتصف، يقول راوي الحديث: (فكانت المرأة تَلصَقُ بالجدار، حتى إِنَّ ثَوبَها ليتعلقُ بالجدارِ مِن لُصُوقِها بهِ) امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نزلوا وادياً فتفرقوا في الشعاب، أي كل واحد يمشي وحده، فيقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: كان الناس إذا نزلوا مَنزِلا، وفي رواية: كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزِلا - تفرَّقُوا في الشِّعاب والأودية فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن تفرقُّكم في هذه الشَّعابِ والأَودِية، إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انْضمَّ بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بُسِطَ عليهم ثوب لَعمَّهم }

[أخرجه أبو داود ]

أي امشوا بجانب بعض، نؤنس بعضنا، فيقول راوي الحديث: (انْضمَّ بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بُسِطَ عليهم ثوب لَعمَّهم) أي لو أخذت العباءة وألقيتها فوقهم لن تراهم، أي من المبالغة من كثرة ما هم استجابوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ابن مسعود رضي الله عنه، صحابي جليل، كان داخلاً إلى المسجد، المسجد هنا، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بالناس، فقال لهم: مكانكم اجلسوا، يقول للناس الذين هم داخل المسجد اجلسوا، ابن مسعود كان على الباب، يريد أن يدخل إلى المسجد، لم يدخل بعد، هو ما زال خارج المسجد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اجلسوا يشير لهم، فجلس ابن مسعود، هو خارج المسجد، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعال يا ابن مسعود ادخل، أي ابن مسعود عود أذنيه ألا تسمع أمراً لرسول الله إلا بادرت إلى تنفيذه، مع أنه بالمنطق الأمر ليس موجهاً إليه، يدخل ثم يجلس مع الناس، لكن ما دام سمع النبي يقول: مكانكم، يجلس فوراً، لا يتلكأ عن تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بأصحابه في نَعْليه، إذْ خَلَعهما فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك أصحابُه أَلقوْا نِعَالَهم، فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاتَه قال: ما حَمَلكم على خَلْعِ نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قَذَرا، وقال: إذا جاء أحدكم المسجدَ فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرا، أو أذى فليمْسحْه وليُصَلِّ فيهما }

[أخرجه أبو داود]

كان يصلي بالناس صلى الله عليه وسلم فخلع نعليه ووضعهما عن يمينه فالصحابة كلهم في الصلاة خلعوا نعالهم ووضعوها عن أيمانهم، أو قال الراوي: عن شمالهم فوراً، فلما قضى صلاته، قال: ما حملكم على ما فعلتم؟ كلكم خلعتم نعالكم؟ ما الذي حصل؟ قالوا: يا رسول الله! رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا، فأنت الأسوة، وأنت في الصلاة خلعت ونحن خلعنا، نحن نتأسى بك، فقال: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قَذَرا) هذا حكم خاص بي (وقال إذا جاء أحدكم المسجدَ، فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرا، أو أذى، فليمْسحْه) امسح القذر وصلِّ، إذاً الصلاة بالنعلين جائزة.

{ عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: خالِفوا اليهود، فإنهم لا يصلُّون في خفافهم ولا نِعالهم }

[أخرجه أبو داود]

فالصلاة بالنعلين مباحة ليست سنة وليست حراماً، مباحة بحكم المباح.
أمر رسول الله مقدم على كل أمر
إذاً الذي أريد أن أقوله هذا الاتباع بهذه الطريقة بحيث أنني أنا أحاول جهدي لن أقول لك نحن نستطيع أن نكون متبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، كلنا مقصرون، لكن أن نعود أنفسنا، ونعود أبناءنا، ونعود شبابنا على أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على كل أمر، فإذا كان هناك سنة لرسول الله فالسنة قبل، أما أن نقصر فهذا شيء من شأن البشر، نقصر ونستغفر، لكن أصل المسألة، أصلها في أذهاننا، وفي عقيدتنا، وفي عقيدة أسرنا أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق كل أمر، فإذا جاءك الأمر من الله، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس، وإذا جاءك من غيرهما فتعرضه على كتاب الله، وعلى سنة رسوله، فإن وافق فعلى العين والرأس، وإن خالف فاركله بقدمك ولا تبالي.
كنت أقول خمسة أمور تكسبك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن يبدو أن الوقت أخذنا بالأسوة الحسنة أطول مما كنت أتوقع، الأمور الخمسة التي ربما نعرضها في مرة قادمة.
الأولى: الاتباع، اتباع سنته وقد تكلمنا عنها.
والثانية: قراءة سيرته، وقد تحدثنا عنها.
والثالثة: الصلاة والسلام عليه، فأكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والرابعة: استشعار فضله علينا.

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
[ سورة التوبة]

والخامسة: تمني رؤيته وتذكره دائماً.
يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: من أشدّ أمَّتي لي حُبّا ناس يكونون بَعدِي يَوَدُّ أحدُهم لو رآني بأهله وماله }

[أخرجه مسلم ]

ما قال صحابتي (من أشدّ) أي أنت قد تكون أشد حباً له من صحابته الذين كانوا معه، انظر إلى هذا الملمح (من أشدّ) ما قال أشد (من أشدّ) أي جزء ممن يحبون رسول الله (من أشدّ أمَّتي لي حُبّا ناس يكونون بَعدِي يَوَدُّ أحدُهم لو رآني بأهله وماله) أي يقدم أهله وماله على أن يرى رسول الله، وأن يجتمع به، لما يسمع، لماذا يتمنى أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لما يسمع عنه، لما يقرأ سيرته، لما يقرأ في سنته، لما يسمع عن كماله، لما يسمع عن رحمته، عن حلمه، عن عفوه، عن محبته، عن تواضعه، لما يقرأ عنه هذه الأمور (يَوَدُّ أحدُهم لو رآني بأهله وماله).
فأسأل الله عز وجل أن يجعلنا متبعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، متأسين بسنته.
والحمد لله رب العالمين