لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون - اللقاء الأول

  • محاضرة في الأردن
  • 2021-08-09
  • عمان
  • الأردن

لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون - اللقاء الأول

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


الخوف مطلوب ولكن الحزن منهي عنه:
الإنسان يخاف من المستقبل المجهول
أيها الأخوة الأحباب؛ في كتاب الله أربع عشرة آية فيها قوله تعالى: "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون”، هذه الآيات تعطي أصنافاً من الناس لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الحزن على الماضي، إذا أراد الإنسان أن يعقد صفقة تجارية كان يمكن أن يربحها، أن يربح من وراءها شيئاً كثيراً لكن عند إبرامها كان مسافراً، فلما بلغه أنه كان من ورائها مبلغ كبير يحزن لما فاته من المال، وإذا كان متوقعاً أنه بالتحاليل يكون هناك مشكلة، والتحليل يحتاج إلى ثلاثة أيام حتى يصدر فإنه يخاف، طبيعة الإنسان يخاف من المستقبل المجهول، ويحزن إذا فاته شيء من الدنيا، الحزن لم يأتِ في القرآن إلا منهياً عنه، لأن الحرن عندما يملأ القلب لا يستطيع الإنسان حتى أن يحسن صلته بخالقه، فالحزن منهي في القرآن.

إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
[ سورة التوبة]

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
[ سورة آل عمران]

حتى في السنة الشريفة الحزن ثلاثة أيام على الفراق، ثم ننطلق إلى الحياة، حتى إن الإنسان لا ينبغي له أن يحزن على شيء قد فاته من الدنيا، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير، احرِصْ على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزْ، وإن أصابك شيء فلا تَقُل: لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل، فإن ' لو ' تفتحُ عَمَلَ الشيطان }

[أخرجه مسلم ]

أي مثل الحالة التي قلناها قبل قليل: رجع من السفر قالوا له: طارت الصفقة (قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل) لو كانت لي لجاءت، نقطة انتهى، لا يحزن، المؤمن لا يحزن على ما فاته من الدنيا، فالحزن دائماً منهي عنه، الخوف مطلوب، لكن مم نخاف؟ ليس من المجهول، ولكن نعلم:

قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
[ سورة التوبة]

المؤمن لا يحزن على ما فاته من الدنيا
فيطمئن الإنسان فيصبح خائفاً من ذنوبه، خائفاً من وقوفه بين يدي الله مقصراً في ذنبه، خائفاً من الله عز وجل لما يعظم الله عز وجل وهيبته في نفسه، فالمؤمن يخاف، لكن خوفه محمود، لا يخاف من المجهول، أهل الدنيا يقولون: هناك مجهول، أما المؤمن فيقول: ليس هناك مجهول، القادم بإرادة الله، وما قدره الله كائن (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) ولم يقل: كتبه الله علينا، لأن ما كتبه الله هو في محصلة الأمر سيكون مآله خيراً لك، شئت أم أبيت، أي قد تجد أن المرض شر، هو فعلاً شر، نسأل الله العافية، شر نسبي، أنت بنظرك له من زاوية معينة شر، لكن عندما تعلم أن الله كفر عنك به ذنوباً، ورفع به درجات عنده يوم القيامة ستعرف أن المرض أصبح خيراً وليس شراً، ففي المحصلة لا خوف في المستقبل على شيء، لأنه ليس أمام المؤمن شيء اسمه المجهول، كله بقدر الله، وكله مقدر، وكما قالوا: المقدور لا يوجد منه مهرب، فيرتاح المؤمن لذلك ويصبح خوفه من ذنوبه، من تقصيره.
وقد جاء عن الصحابة الكرام: لا يخافن العبد إلا ذنبه، لا تخف من شيء إلا إذا وقعت في ذنب فعليك أن تخاف، أما إذا كنت مستقيماً مع الله عز وجل فعليك ألا تخاف، وقعت إلى ذنب بادر إلى التوبة، الخوف من أجل أن تبادر إلى التوبة.

{ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ }

[أخرجه ابن ماجه ]


من يتبع هدى الله لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة:
إذاً: لا خوف عليهم في المستقبل ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا في الماضي، من هم هؤلاء في القرآن الكريم؟ الآية الأولى في سورة البقرة:

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
[ سورة البقرة]

الهدى هدى الله
لما أهبط آدم وحواء قال: (اهْبِطُوا) لأن ذريتهم هبطت كلها، أي اهبطوا من مكان إلى مكان، من الأعلى إلى الأدنى، من الجنة التي كانوا فيها جنة القرب من الله أعلى من الأرض: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى) الهدى هدى الله، قال: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي أنت عندما تتبع الهدى تقول: تتبعت فلاناً أو تبعته، أي خطوة على خطوة، وراءه، فالإنسان المؤمن يتبع هدى الله، أين يوجد شيء يرضي الله يسير وراءه، فإذا كان هناك شيء فيه معصية يتجاوزه (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) فما دمت في هدى الله فأنت في مأمن من الخوف ومن الحزن، أما أهل الدنيا فهم في حزن وفي خوف، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ صَانُوا الْعِلْمَ وَوَضَعُوهُ عِنْدَ أَهْلِهِ لَسَادُوا بِهِ أَهْلَ زَمَانِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ بَذَلُوهُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا لِيَنَالُوا بِهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ فَهَانُوا عَلَيْهِمْ، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمّاً وَاحِداً هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ }

[أخرجه ابن ماجه ]

الهم هو رضا الله
أي أنت همك واحد لا يوجد غيره، أن يرضى الله، الآن رضيت الزوجة في رضا الله، رضي الشريك في رضا الله، رضي مدير العمل في رضا الله، أما رضي مدير العمل في سخط الله فمعاذ الله، همّ واحد، الهم هو رضا الله، قال: (ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك) يهلك في الدنيا بأي واد من أوديتها لأنها متشعبة، يريد أن يرضي مديره بالعمل، مديره بالعمل يريد أن يوقع توقيعاً لا يرضي الله، يريد أن يرضي شريكه، شريكه يريد أن يحضر صفقة فيها محرمات، يريد أن يرضي زوجته، وزوجته تريد أن يزيد دخله قليلاً ويكثر الإنفاق، يريد أن يرضي أولاده، أولاده يريدون أن يسرحوا وفق ما يريدون ويعملوا ما يريدون، فهو تشعبت به الهموم يريد أن يرضي الجميع، يقول لك: لا أحد يرضى، أنت لماذا تريد أن ترضي كل الناس؟ أنت اجعل رضا الله نصب عينيك، الباقي الذي يقع رضاه مع رضا الله قل: أهلاً وسهلاً، والذي لا يقع رضاه مع رضا الله فلا أريد أن يرضى.
يزيد بن هبيرة، كان والياً على العراقين، كان يسمون الكوفة والبصرة العراقان، في زمن الخليفة يزيد بن معاوية، فجاء كتاب من يزيد بن معاوية لابن هبيرة، الكتاب فيه إنفاذ حكم على سجين، ربما اليوم يعرف هذا بالسجين السياسي مثلاً، فهناك إنفاذ حكم على سجين، ابن هبيرة وجد أن الأمر لا يرضي الله، لكن يزيد الخليفة وبعث للوالي، كان بإمكان الوالي أن يقول: أنا عبد مأمور، ألا يقول الناس اليوم كذا؟ أنا لا علاقة لي، ابن هبيرة كان عاقلاً، فاستدعى الشعبي، وهو تابعي من التابعين الأجلاء، استدعى الحسن البصري وهو من كبار التابعين، وعرض عليهما المسألة، وقال: جاءني كتاب من الوالي، إن أمضيته أغضبت الله، وإن منعت الكتاب - أوقفته - أغضبت يزيد، فما أنا فاعل؟ فقال له الشعبي كلاماً فيه ملاطفة وملاينة ومسايرة، سأتخيل ماذا قال له، قال له: حاول أن ترضي الطرفين، ترضي ربنا عز وجل، وترضي يزيد، قل له: سنؤخر التنفيذ، قل له: نفذت، ولا تنفذ، أي أمسك العصا من المنتصف، بهذا الكلام الذي يقوله الناس، فقال له الشعبي كلاماً فيه ملاطفة وملاينة ومسايرة، فالتفت إلى الحسن البصري، قال: وما تقول يا أبا سعيد؟ قال: يا بن هبيرة خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، فإن الله يمنعك من يزيد، لكن يزيد لا يمنعك من الله، إذا أراد الله بك عذاباً في الدنيا أو في الآخرة يزيد لا يقف ويمنعك من الله، فإن الله يمنعك من يزيد لكن يزيد لا يمنعك من الله، يا بن هبيرة! إنه يوشك أن ينزل بك ملكان غليظان شديدان، فيزيلانك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، وهناك لن تجد يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت به رب يزيد، فقال: ترك ابن هبيرة الشعبي، ومال إلى الحسن البصري، الذي لاطفه تركه، ومال إلى البصري وجعل يبجله ويعظمه، سمع كلاماً حقاً، فلما انتهى المجلس خرج الشعبي والبصري إلى الناس فاجتمع الناس عليهم في المسجد، الناس يريدون أن يعرفوا ماذا حدث، فسألوهم: ما الذي حدث؟ فقال الشعبي: أيها الناس! والله ما قال الحسن البصري لابن هبيرة كلاماً أجهله، الكلام الذي قاله أعلمه، الشعبي تابعي جليل، قال: ولكنني أردت فيما قلته وجه ابن هبيرة، وأراد هو فيما قاله وجه الله، فأقصاني الله من ابن هبيرة، وأدنى الحسن منه، الله الفعال، أنا أردت وجه ابن هبيرة فتركني ابن هبيرة، وهو أراد وجه الله فالتفت إليه ابن هبيرة، ثم قال - هذه الكلمة تكتب بماء الذهب - قالها الشعبي: يا أيها الناس! من استطاع منكم أن يؤثر الله على جميع خلقه في كل مقام فليفعل، لا تؤثر خلقاً من خلق الله، الرضا رضا الله، قال: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
في آية ثانية قال:

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)
[ سورة طه ]

فالذي يتبع هدى الله لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ولا يحزن على ما فات، ولا يخاف مما هو آت، ما الذي بقي من نعيم الدنيا والآخرة؟ الذي يتبع الهدى لا يضل في الدنيا، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، ولا يشقى في الآخرة، ولا يحزن على شيء فاته، ولا يخاف من شيء سيأتي، مستسلم لأمر الله ومعه ضمان، هذه الآية الأولى.

الاستسلام لله والخضوع لمنهجه:
الآية الثانية؛ قال:

بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)
[ سورة البقرة ]

(أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) أسلم؛ من الإسلام، والإسلام؛ من الاستسلام، والإسلام هو الخضوع للمنهج، أي تشبه اتباع الهدى، لكن أعمق، مستسلم لمنهج الله.

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً (36)
[ سورة الأحزاب ]

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65)
[ سورة النساء ]

الإسلام هو الخضوع للمنهج
انظروا ثلاث مراتب أخواننا الكرام، أنت اليوم اختلفت مع شريكك، اختلفت مع أخوتك على الميراث، اختلفت مع زوجتك على شيء من أحوال الدنيا (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) شجر؛ أي صار خلاف، الشجرة تتداخل أغصانها مع بعضها (شَجَرَ بَيْنَهُمْ) صار هناك خلاف، اختلفوا على شيء لن تكون مؤمناً حقاً حتى تحكم منهج الله ورسوله (فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) هذا أول شيء، قال: (ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ) عندما يقوم لا يقف على الباب ويقول: سمعتم الشيخ ماذا قال؟ ليس له حق في هذا الكلام، أنا صاحب الحق طبعاً الشيخ حكم بحكم الله، لم يحكم بخلاف هذا، شيخ من أهل العلم والدين حكم، وقال له: هذه الآية وهذا الحديث، الميراث ليس لك، هذا لأختك، هذا لها حق فيه، يخرج، يجد في نفسه حرجاً مما قضى الله ورسوله، أنا أنفذ لأنني وضعت يدي على شاربي أمام العالم لكن أقول لك: أنا مقتنع؟ لا والله لست مقتنعاً، إذا كان الدين هكذا يا أخي فهذا ظلم، الله لا يظلم، لا يرضى بالظلم، يجد في نفسه حرجاً من حكم الله ورسوله، هل هذا يكفي؟ لا، قال: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) يجب أن يخضع، يجب أن يقول: يا رب لك الحمد على هذا المنهج العظيم، إن كان الحق عليّ أنا سوف أدفع، لكن أنا عندما أمرني ربنا عز وجل أن أؤدي الحق، أمر مليار إنسان أن يؤدوا الحق لي عندما يكون الحق لي، لما منعني أن أنظر لامرأة لا تحل لي، أمر مليار إنسان ألا ينظروا لزوجتي، هذا منهج الله عز وجل، فأنا أسلم، قال: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) تسليماً؛ مفعول مطلق للتأكيد (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) هذا معنى (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) أي استسلم لحكم الله عز وجل، مخلصاً لله، يريد رضا الله عز وجل.
يوجد حالات بالغرب يحدثني عنها أخوة مسلمون يتصلون بي، وكانوا من رواد المساجد، ووصلوا إلى الغرب، المرأة هناك قالوا لها: حقوق المرأة، وهناك ظلم من بعض الرجال للأمانة لكن المرأة عندما قال لها القانون: أنت إذا تطلقت لك راتب، وبيت، ونفقة، هي شعرت أنها مستغنية عن زوجها، وزوجها عندما كان بالبلد المسلم كان يظلمها، ولا يوجد قانون، فأكثر عليها من اللوم وكذا، فوجدت الفرصة المناسبة من أجل أن تتخلص منه، كانت معه لأنه لا يوجد لها مكان آخر، والآن صار لها مكان، كثرت هذه الحالات للأسف، فتتجه للطلاق، بعض المحاكم مثلاً الأمريكية تأخذ المرأة نصف أملاك زوجك عند الطلاق، الشرع يقول لها: لك المهر والنفقة في العدة، فقط، نحن نعيش ببلد ديمقراطي، ببلد فيه حريات، ما يحكم القانون أريد أن آخذ، والصلوات التي كنتِ تصليها؟ وحكم الله؟

إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
[ سورة المائدة]

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
[ سورة المائدة]

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)
[ سورة المائدة]

أحياناً الإنسان يتقوى بالقانون إذا كان القانون في صالحه، ويقول لك: أنا مع الشرع حينما يكون الشرع في صالحه، هذا لم يسلم لأمر الله (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) انظر الإسلام مع الإحسان، الإحسان كما عرفه صلى الله عليه وسلم:

{ عن أبي هريرة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس إذ أتاه رجل يمشي، فقال: يا رسول الله. ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه ولقائه ورسله وتؤمن بالبعث الآخر، قال: يا رسول الله. ما الإسلام؟ قال: أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: يا رسول الله. ما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك }

[أخرجه ابن خريمة]

فالذي يراقب الله، ويشعر أن الله يراه في كل مكان، يحسن في عمله، يحسن في صلاته، يحسن في معاملته مع الآخرين، يحسن لأولاده، لزوجته، لوالديه، للناس جميعاً لأنه يراقب الله:
(الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك).
فهنا قال: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) مستسلم لحكم الله (وَهُوَ مُحْسِنٌ) لخلق الله قال: (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

الابتعاد عن المن والأذى:
الآية الثالثة والرابعة في الإنفاق، الثالثة قال:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
[ سورة البقرة]

الله هو المنان
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله) قال: أموال وليس مالاً، لأن المال يوجد منه نقد، ويوجد منه غير نقد، الأموال ليست النقد فقط، كل ما وهبك الله هو مال (ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى) ما المن؟ وما الأذى؟ المن؛ أن يمن عليه، وهذه صفة نقص في الإنسان، وصفة كمال في الواحد الديان، الله تعالى من أسمائه المنان، لأن ربنا عز وجل صاحب الفضل، فالمن منه جلّ جلاله تذكير بالفضل، والمنّ من الإنسان للإنسان أذى له، فالله هو المنان، لكن الإنسان لا يمن على الآخرين، المن أن يقول له: أحسنت إليك، وإذا اختلف معه في شيء يقول له: لحم أكتافك من خيري معاذ الله، أنت الله تفضل عليك، وكان يمكن أن تقف مكانه وأن يحسن الناس إليك، تلطف يا حبيبنا.
والله مرة في دمشق أقاموا حفلاً لمحسن تبرع بإنشاء دار للأيتام، فأقاموا له حفلاً كبيراً في صالة ضخمة، وقام بعض الخطباء وأثنوا عليه، وهذا جيد أن تثني على فاعل الخير حتى تشجع الناس، فقام بعض الخطباء وأثنوا عليه، ثم قام أحدهم، وتكلم كلمة لا تتجاوز الدقيقة، وقف، وهو شيخ معروف بدعابته، قال له: يا أبا فلان - هذا المحسن -؟ قال: نعم سيدنا، قال له: يا أبا فلان، أنت أحسنت وعملت الميتم، وعملت الجمعية، قال له: صحيح، قال له: وكان من الممكن أن تكون واحداً من المستفيدين من هذه الجمعية، فتقف على الباب وتنتظر دورك لتأخذ المعونة الشهرية، لكن الله تفضل عليك وجعلك في مقام الإحسان فاشكر الله، والسلام عليكم، كانت أبلغ كلمة قيلت في الحفل.
الإنسان عندما ينفق، هذا من فضل الله عليه، فلا ينبغي أن يتبعه بالمن.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان أبي يقول - انظروا للفهم العميق-: إذا أعطيت رجلاً شيئاً، ورأيت أن سلامك يثقل عليه، فكف سلامك عنه، أي أنت أعطيته مئة، أعنته بشيء، عملت له عملية جراحية، ثم رأيت أنك كلما مررت وسلمت عليه، السلام عليك يا أبا فلان، تمر من أمام محله السلام عليكم، هو يتذكر الإحسان، كان له مكانة في المجتمع، وكذا، يشعر أن هناك ثقلاً عليه، قال: فكف سلامك عنه، لا تسلم عليه حتى لا يشعر بالمن.
الأذى أخواننا الكرام؛ قال: أن تخبر بإحسانك له من لا يحب أن يعلم، أنت مننت على فلان، هذا منّ، الآن أعطيت فلاناً، رأيت شريكه قلت له: كيف شريكك فلان الفلاني، إن شاء الله بخير؟ الحمد لله أموره تحسنت، أنا والله ساعدته، وضعه كان صعباً، والله أكرمنا وساعدناه، هو يريد ألا يعرف شريكه، لا يريد أن يظهر أمام شريكه أنه أخذ معونة، فالأذى أن تخبر من لا يحب إخباره بإحسانك إليه، كف لسانك عن الأمر: (ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

الصدقة من أعمال الإخلاص:
الآية الرابعة أيضاً عن الإنفاق قال:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
[ سورة البقرة]

في كل حال، بالليل والنهار، أي لا يتوقف عن العطاء (سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) سراً وعلانية طبعاً قدم السر لأن الأصل في الصدقة هو الإخفاء.

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ' سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابّ نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه مُعَلَّق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعودَ إليه، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه، ورجل دَعَتْهُ امرأة ذاتُ مَنْصِب وجمال، فقال: إني أخافُ الله، ورجل تَصدَّق بصدقة فأخْفاها حتى لا تعلم شمالُهُ ما تُنْفِقُ يمينه، ورجل ذَكَرَ الله خاليا ففاضت عيناه }

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك ]

الأصل في الصدقة الإخفاء
فالأصل في الصدقة الإخفاء، فهي من أعمال الإخلاص، لكن أحياناً قد ينفق المال علانية عندما لا يتوجه إلى فقير بعينه، نحن جلسنا بهذا المجلس، انتهينا وقلنا: يا جماعة والله يوجد فقير، حالة من الحالات عندي، مريض وبحاجة إلى عمل جراحي، يكلفه ألفاً، فقام أول واحد أمام الناس، وقال: هذه مئة مني، الثاني قال: وأنا مئة، والثالث وضعه المالي ممتاز قال: أنا سأدفع مئتين، فهنا لم يضر أحداً، العلانية عملت تشجيعاً، قال: (سِرّاً وَعَلَانِيَةً) فسرتها الآية الثانية، قال:

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
[ سورة البقرة]

فالأصل إن كنت تريد أن تعطي فقيراً لا تقل للناس، أما إذا كان المشروع خيرياً عاماً لا مانع أن ينفق المال علانية بشرط أن تأمن على قلبك ألا يصيبه الغرور أو العجب ويكون الإخلاص موجوداً، قال: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

شروط العمل الصالح:
الآية الخامسة وأكتفي بها:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)
[ سورة البقرة]

العمل الصالح يصلح للعرض على الله
انظروا أخواننا الترتيب هنا جميل جداً (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) هذا الجانب المعرفي العقدي، المنطلقات النظرية، العقيدة، الإيمان والتصديق (آمَنُوا) الآن انتقل من الإيمان إلى العمل، من الفكر إلى السلوك، من المنطلقات النظرية إلى التطبيقات العملية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) لكن ما عملوا مطلقاً، كلنا نعمل، قال: (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فقيد العمل بالصلاح، والعمل الصالح سمي صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله، أي عمل تريد أن تعرفه صالحاً أو غير صالح، قل: هل يصلح أن أعرضه على الله يوم القيامة؟ إذا كان يصلح فتوكل على الله، والعمل الصالح لا يكون صالحاً إلا أن يكون خالصاً لوجه الله، وصواباً وفق منهج الله، فإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً فهو ليس بصالح، وإذا كان خالصاً جدلاً - وإن كانت نادرة - ولم يكن صواباً فلا يصلح أن يكون عملاً صالحاً، هذه حالة مثل حفل خيري تحضره والعياذ بالله الراقصة الفلانية - ننزه المجلس عن هذا لكن للتوضيح - يخصص ريعه لصالح الأطفال المنكوبين في العالم، جمعت العالم على شر، وعلى فسق، وعلى فجور، ثم قلت: والله نحن ما استفدنا شيئاً كله لصالح المنظمات الخيرية، الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيباً، عزيز جلّ جلاله لا يريد منك نفقة وأنت تقيم والعياذ بالله معصية، لا يجوز، يكون خالصاً وصواباً، وفق منهج الله، وتبتغي به وجه الله، قال تعالى:

فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)
[ سورة النمل]

عمل صالح يرضاه الله وفق منهجه.

أهم عملين صالحين يفعلهما الإنسان هما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة:
الاتصال بالله عظيمٌ عند إقامة الصلاة
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) الآن عطف الخاص على العام، إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أليست من الأعمال الصالحة؟ لكن عطفها لأن أهم عملين صالحين يفعلهما الإنسان هما إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، لماذا؟ لأن كل حركتك في الحياة إما أن تكون عمودية نحو الخالق، أو أفقية نحن المخلوق، أعطوني حركة ثالثة، إذا كنت تصلي؛ نحو الخالق، وإذا حججت؛ نحو الخالق، وإذا ذكرت؛ نحو الخالق، وإذا قرأت القرآن؛ نحو الخالق، وإذا تعاملت مع الناس، نحو المخلوق، فكل حركات البشر إما أن تكون حركة نحو الخالق، أو نحو المخلوق، فإذا تحركت نحو الخالق فالصلاة، ويكون الاتصال بالله عظيماً عند إقامة الصلاة، وإذا تحركت نحو المخلوق فأعظم شيء هو أن تهبه الزكاة، فالعلاقة صلة بالخالق وإحسان إلى المخلوق، لذلك عطف على العمل الصالح أهم حركتين في الحياة (وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ) ما قال: صلوا، في القرآن لا يوجد: وصلوا، إن الذين آمنوا وصلوا، لا، قال: (وَأَقَامُوا) دائماً، ولا مرة الله قال: صلوا.

وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)
[ سورة الأنعام ]

لأن إقامة الصلاة شيء، وأن تصلي شيء آخر، تقول العرب: أقام القوم سوقهم، أي لم يعطلوها من البيع والشراء، أما إذا أقاموا السوق بمعنى أنهم وضعوا الخيمة ووضعوا أجود أنواع الفرش لكن لا يوجد بيع وشراء، هل أقاموا سوقهم؟ لا، فإذا صلى الإنسان لكنه يظلم الناس، فقد أسقط الوجوب لكنه لم يحصل المطلوب، أسقط الواجب لكن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، الفحشاء في القول، والمنكر في الفعل.

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
[ سورة العنكبوت ]

فالذي يقيم الصلاة هو الذي يؤديها وفق منهج الله ويحقق مقصود الله منها، فيحسن صلته بالله فينطلق إلى إيتاء الزكاة والإحسان إلى المخلوقين، قال: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ما قال: لهم أجر، قال: (أَجْرُهُمْ) ما الفرق؟ ماذا قال صلى الله عليه وسلم؟ قال:

{ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ }

[أخرجه ابن ماجه]

ما قال أجراً، لو قال أجراً، أي هو اشتغل بمئة أعطيته خمسين، قال لك: والله لا تكفي، قلت له: لا يوجد غير هذا المبلغ، وأنت تعلم أن أجر هذا الأمر لا يكافئ الذي أعطيته إياه، هو اشتغل مدة يومين، فأنت ما أعطيته أجره، أعطيته أجراً، قال: (أَجْرَهُ) الأجر المكافئ لعمله، أو الأجر المتفق عليه، قبل أن تبدأ كم تريد؟ لكن أعطه في النهاية الأجر المكافئ لعمله، فقال: (أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ) فهنا ربنا قال عز وجل: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) وربنا عز وجل إذا أعطى الأجر لا يعطي المكافئ، يعطي أضعافاً مضاعفة إلى مئة ضعف، لكنه يطمئنك: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
والحمد لله رب العالمين