صلاح الدين والدنيا والآخرة

  • محاضرة في الأردن
  • 2021-09-27
  • عمان
  • الأردن

صلاح الدين والدنيا والآخرة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.


القضايا التي عالجها الدين كاملة وتامة لا تحتاج إلى إصلاح:
كان من هديه صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح مسلم أنه كان يكثر من الدعاء الآتي:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: اللَّهمَّ أَصْلِح لي ديني الذي هو عِصْمَةُ أمري، وأصَلِح لي دُنيَايَ التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعَل الحياة زيادة لي في كلِّ خيرٍ، واجعل الموتَ راحة لي من كل شَرٍّ }

[ أخرجه مسلم ]

بدأ بالدين، بإصلاح الدين، أولاً: هل الدين يحتاج إلى إصلاح؟ الدين منهج الخبير.

لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
[ سورة فصلت]

القوانين الوضعية تتغير بتغير البيئات
كل النظريات الوضعية تحتاج إلى إصلاح، وهذا واضح، عندما تصدر القوانين تصدر قوانين معدلة، تعديلاً للقانون السابق 85، يصدر التعديل في عام 2000، أو 2010، لأن القوانين الوضعية تتغير بتغير البيئات، بتغير الظروف، بتغير الأحوال، فتتغير القوانين تبعاً للظروف وللبيئة، القانون الذي يصلح في عام ألف وتسعمئة وثمانين قبل ثورة المعلوماتية لا يصلح اليوم مع وجود الكومبيوتر والهاتف المحمول، فالدين بحد ذاته كمنهج من عند الخبير، قرآن وسنة، لا يحتاج إلى إصلاح، بل إنه المنهج الوحيد الذي لا يحتاج إلى إصلاح، لأنه صالح لكل زمان ومكان، حتى الأحكام الظنية فيه جاءت ظنية، أي يمكن تأويلها على أكثر من وجه حتى تناسب جميع الأزمان إلى قيام الساعة، أي الفقه الإسلامي فقه حيّ، نستطيع أن نستنبط أحكاماً شرعية متعلقة بالأحداث المستجدة من خلال النصوص الشرعية، أنت اليوم تفاجأ بأبحاث بالماجستير والدكتوراه لطلاب الشريعة، مثلاً أحكام الملكية الفكرية بالإسلام، الملكية الفكرية شيء جديد، مستحدث، الماركة التجارية، لكن من خلال النصوص الشرعية المتعلقة بالغش، والتدليس، والسرقة، تستطيع أن تستنبط أحكاماً توائم أحكام الملكية الفكرية، المستجدات الطبية، اليوم يوجد طفل أنبوب، أيضاً من خلال الأحكام الشرعية التقليدية تستطيع أن تستنبط، اليوم يوجد مجامع الفقه الإسلامي، تعطيك للمستجدات سواء للتجارة، يوجد بورصة، يوجد بنوك، ما هو ربوي وما هو غير ربوي، فالفقه الإسلامي فقه حي أي حتى الأمور المستجدة تستطيع أن تستنبط لها أحكاماً من الفقه الإسلامي من عموم النصوص الشرعية، مثلاً ربنا عز وجل قال:

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
[ سورة الأعراف]

{ عن يحيى المازني رحمه الله: أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ }

[أخرجه مالك ]

الدين لا يحتاج إلى إصلاح
إذا جاء شيء جديد خبيث، مخدرات أو غيرها نسأل الله السلامة، ما ورد نص شرعي بالكلمة، لكن عموم الأدلة (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ) منع الإضرار بالآخرين، لا ضرر بالنفس، ولا إضرار بالآخرين، منع قتل النفس، منع ذهاب العقل، جاءت الشريعة لحفظ العقل، فيحرم هذا قياساً على هذا، القصد أن الدين لا يحتاج إلى إصلاح، اليوم الدعوات لإصلاح الدين، يقولون: ما إصلاح الدين؟ هذا اتهام للخالق بالنقص، إذا كنت تريد أن تزيد فهذا اتهام للخالق بالنقص، في الحكم، وإن كنت تريد أن تحذف فهذا اتهام بالزيادة، معنى هذا يوجد أحكام زائدة على الحاجة! ففي الحالتين هذه مصيبة كبرى، الدين لا يحتاج إلى إصلاح، بمعنى الدين كنصوص شرعية جاءت لكل زمان ولكل مكان، قال تعالى:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)
[ سورة المائدة ]

الإكمال عددي، والإتمام نوعي، أنا أكمل لك العدد، وأتمّ لك النوع، أقول لك: كم لك معي؟ عشرة، هذه للكمال أعطيك إياها، عشرة بالكمال، بالتمام ؛ أنت أعطيتني عشر تفاحات كبار، أرجعهم لك حجمهم كبير، وليس فيهم طرف رديء، هذا تمام، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً) فكان سيدنا عمر لما جاءه أحد اليهود، وقال: آية في كتابكم لو أنزلت علينا نحن معاشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً؟ قال: ما هي؟ قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً) فقال عمر: والله إني لأعلم أين نزلت، نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب يوم عرفة، هو كان مثل عيد، لأن ربنا عز وجل يعلن لنا أنه رضي الإسلام لنا ديناً.
إذاً القضايا التي عالجها الدين كاملة وتامة، فالدين من حيث هو دين الله عز وجل لا يحتاج إلى إصلاح.

الابتعاد عن الفهم المغلوط للدين:
الدين المعاملة
إذاً ما معنى: (اللَّهمَّ أَصْلِح لي ديني)؟ الطريقة التي أتدين بها أنا قد تكون ليست على المنهج الصحيح، فهمي للدين قد يكون فهماً قاصراً، فأنا لا أسأل الله أن يصلح الدين، وإنما يصلح لي ديني، فهمي للدين، تديني، هل أنا ديني صحيح أم لا؟ اليوم بعض المسلمين يفهمون الدين على أنه عبادات شعائرية، هذا فهم غلط، يقول لك: نصلي ونصوم أخي ماذا تريد غير هذا، أنا لا أريد غير هذا، أريد المعاملة، طبعاً الدين المعاملة ليس حديثاً لكن معناه صحيح لأن الناس ترى من دينك معاملتك، لا ترى صلاتك، ولا صيامك، هذه بينك وبين الله، فالدين عندما يكون فيه نقص فهمته على وجه، وتركت وجهاً مهماً جداً فيه وهو التعامل (اللَّهمَّ أَصْلِح لي ديني) يوم يكون هناك إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب، قال تعالى:

ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
[ سورة البقرة]

الأحكام التي تعجبني أؤمن بها، والأحكام التي أجد أنها قاسية عليّ أتركها، هذا فهم مغلوط في التدين، أنا:

وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
[ سورة النور]

عندما يكون لي الحق، أقول لك: أخي أحتكم لشرع الله، وعندما أرى الحق بالشرع يخالف أهوائي، أخي نحن بالقوانين، البلد فيها قانون أخي، هذا تدين لا يرضي الله، هذا تدين يا جماعة لا يرضي الله، هذا تدين خاطئ، (اللَّهمَّ أَصْلِح لي ديني) إذاً التدين المغشوش، أو التدين المنقوص، أو التدين المتشدد أحياناً، يوجد تمييع وتساهل، يوجد تشدد.

{ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو واقف على راحلته هات القط لي فلقطت له حصيات وهي حصا الخذف فلما وضعتهن في يده قال: نعم بأمثال هؤلاء فارموا بأمثال هؤلاء فارموا بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين }

[أخرجه النسائي وابن ماجه وأبو يعلى والإمام أحمد وابن حبان وابن خزيمة]

الغلو أهلك من كان قبلنا، لأنه أيضاً الغلو في الدين، والتنطع بالدين، الدين لا يوجد فيه ضحك، ولا نزهة، ولا فسحة للأولاد، ولا ملاطفة مع الزوجة، المتدين فظ غليظ القلب!! ما أراد الله عز وجل الدين كذلك.

الدين هو الحكم الذي يجب أن نعود إليه دائماً:
إذاً: (اللَّهمَّ أَصْلِح لي ديني) لأن الدين هو ما تدين الله به، ما معنى يدين؟ رجع يرجع، دان إلى الشيء رجع إلى الشيء، فالدين هو ما تعود إليه في حياتك، عندما تحصل عندك مشكلة تدين إلى دينك، إلى منهجك، إلى منهج الحياة الذي تعتمده، القانون دين، كيف يكون القانون ديناً؟ الله بالقرآن ذكر أن القانون دين، بمعنى العودة إليه، قال:

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)
[ سورة يوسف ]

الملك، الملك عنده دين، دين الملك بعهد سيدنا يوسف عليه السلام، قانون الملك الذي يرجع الناس إليه كان السارق يسجن، بدين يعقوب كان السارق يُسترق، أي إذا سرقت من عند إنسان وانكشفت بدين يعقوب يؤخذ السارق رقيقاً، يصير عبداً، يُسترق، فلما يوسف عليه السلام أراد أن يأخذ أخاه ما استطاع أن يأخذه في دين الملك في مصر، هو يريد أن يأخذه ويجعله عنده، فقبل أن يحاججهم قال لهم:

وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَت مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
[ سورة يوسف ]

الدين هو الحكم
جزاؤه هو عليه، فأخذ منهم الإقرار، وقال: سأحاسبكم على دين يعقوب، فأقام الحجة عليهم، أنتم بمصر، لكن لن أحاسبكم على دين ملك مصر، فقال تعالى: (لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) لأن الدين يجب أن نرجع له، هذا إشارة ضمنية، بأن الدين هو الحكم الذي يجب أن تعود إليه، فعندما تقول: ديني الإسلام ليس إعلان ولاء، القضية ليست دين الإسلام أنا مسلم، السلام عليكم، لا ليس هكذا، دينك ترجع إليه، يصير معك مشكلة مع زوجتك يجب أن نرجع لدين الله، ماذا يقول الدين؟ عندما نعقد العقد نقول: على كتاب الله وسنة رسوله، جميل! لماذا عندما تصير مشكلة نحتكم لغير كتاب الله؟ نحن عقدنا العقد على كتاب الله، وعندما نريد أن نبدأ الشراكة بين اثنين، بسم الله الرحمن الرحيم، والله على ما نقول شهيد، عندما تصير مشكلة نحتكم للقوانين، طبعاً ليس دائماً القوانين غلط، يوجد جزء من القوانين يكون ضمن شرع الله، لكن أحياناً يتناقض القانون هنا يظهر إيمان المؤمن، بالغرب مثلاً المرأة في دين الله عز وجل إذا طُلقت لها المهر بعد الدخول والخلوة، ونصف المهر قبل الدخول والخلوة، هذا دين الله، دين أمريكا لها نصف أملاك زوجها، أي القانون في أمريكا، عندما تُطلق وتكون امرأة محجبة، وتقول لك: أنا مقيمة في بلد فيه قوانين، ماذا يقول القانون أطبق، معنى هذا يوجد مشكلة عندك في الاحتكام، في فهم الدين في الأصل، تفهمين الدين على مزاجك.

الدين وسطي:
فهم الدين يتوافق مع القرآن والسنة
لذلك (اللَّهمَّ أَصْلِح لي ديني) أي ينبغي أن أفهم الدين فهماً يتوافق مع الوحيين؛ الوحي المتلو وهو القرآن، والوحي غير المتلو وهو السنة، هذا الدين الذي يجب أن نفهمه على هذا الأساس، أما هذا الدين الذي فيه شطط، وخروج عن المنهج، وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان سواءً باتجاه تمييع الدين، وأحكامه، أو باتجاه التشدد في الدين، والتضييق على الناس بأشياء لا تُفهم، فهذا غلو، وتطرف، وتطرف من الجانبين، ما هو التطرف؟ البعد عن الوسط، أحياناً من يميع الدين يتهمون الملتزمين بالدين بالتطرف، لأنهم وضعوا حالهم بالوسط، صار الملتزم متطرفاً، إذا قال مثلاً: أنا والله لا أتعامل بالربا، متشدد، لا، أنا لست متشدداً ، أنا جالس بالوسط، أنت المتطرف تتعامل بالربا، المتشدد هو الذي ذهب بذاك الاتجاه الثاني، وحرم ما أحل الله له من الطيبات، أما الذي على المنهج فهو الوسط، اليوم صار هناك وسطية مختلفة، أي كل واحد يقول لك: أنا وسطي، هو يكون بأقصى اليمين أو اليسار يقول لك: أنا وسطي، لا، لست وسطياً، الدين هو الوسط، أنت تطرفت عندما بعدت عن الدين باتجاه التمييع والانحلال، فميعت الأحكام، وإيماني في قلبي، والله فلانة صالحة وجيدة لكنها غير محجبة، لكن إيمانها بقلبها، وفلان والله لطيف و ودود لكنه لا يصلي، لكن معاملته طيبة معي، هذا تمييع لدين الله عز وجل، تطرف، والثاني الذي جلس بالجانب الثاني، وكل واحد ترك واجباً من واجبات الدين أو سنة من سنن الدين يقول له: أنت كافر والعياذ بالله، هذا متطرف أيضاً، فالدين الوسط.
عندما نقول: (اللَّهمَّ أَصْلِح لي ديني) أي أصلح لي تديني الذي أدين لله به، حتى يأتي وفق المنهج.

الدين يعصم الإنسان من الوقوع في المهالك:
رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالدين، لأن الدين هو عصمة الأمر، ما معنى ديني الذي هو عصمة أمري؟ عصمة أمري ؛ أي يعصمني في كل أموري من الوقوع فيما يشينني في الدنيا والآخرة، هذا عصمة الأمر، أرجع للدين، الدين يعصمني، يمنعني من الوقوع بالمهالك، يحفظني، هذا عصمة أمري، أنه يعصمك، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)
[ سورة المائدة]

مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم، أي يحفظك، يمنعك من الناس، الدين عندما يعصم أمري يمنعني من أن أقع فيما يشينني، ويهلكني في الدنيا وفي الآخرة، كيف؟
سيدنا عمر بن الخطاب كانت إذا وقعت مصيبة كان يقول: الحمد لله ثلاثاً، أولها قال: إذ لم تكن في ديني، والثانية: إذ أُلهمت الصبر عليها، والثالثة: إذ لم تكن أكبر منها، الحمد لله ثلاثاً، أي مصيبة، أول واحدة يقول: إذ لم تكن في ديني.
كل مصيبة هينة أمام مصيبة الدين
والدعاء المأثور: " اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا "، لأن كل مصيبة في غير الدين هينة أمام مصيبة الدين، لأن أي مصيبة تنتهي بالموت، مهما اشتدت المصيبة كم تستمر؟ إنسان نسأل الله السلامة مرض مرضاً عضالاً، كم سنة هذا المرض العضال؟ حتى يموت، أي هو بالنتيجة أيام معدودة، إلا مصيبة الدين، إنها تبدأ متاعبها من لحظة الموت وقد تستمر إلى الأبد، مصيبة الدين كبيرة، الإنسان يصاب في دينه، إذا أصيب المرء في دينه فأقم عليه مأتماً وعويلاً، أي مصيبة أن يصاب الإنسان، هذه المصيبة الحقيقية.
من أيام توفي شيخ، والد أحد أخواننا الكرام، هو شيخ مصري رحمه الله، فزرته في بيته، لأن الشاب هنا مغترب ليس له أحد، فزرته لأخفف عنه في بيته، قلت له: أنا أغبط والدك لأنني حسب علمي به مات ولم يغير، ولم يبدل، فلم تكن له مصيبة في دينه، وأعلم العلماء من نفس بلده، غيروا وبدلوا ربما كانوا أعلى مرتبة منه في السلم الاجتماعي، والمناصب الجامعية، لكنهم غيروا وبدلوا ووقفوا وقوفاً مشيناً ضد الحق، فهؤلاء الذين ينبغي أن نخشى عليهم، أما هذا مات وهو ثابت على الحق، ولله الحمد، أن المصيبة ليست في الدين، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.

الإيمان قيد:
الدين عصمة الأمر كما قلنا يعصمك، ويمنعك من أن تقع فيما يشينك عند الله، وعند الناس، في الدنيا وفي الآخرة، كيف؟ الدين فيه قيود، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث يقول:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه: عنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ، لا يَفْتِكُ مؤمِن }

[أخرجه أبو داود]

كيف قيد؟ أي أنت إيمانك يمنعك من مئة عمل غلط، تقول له: لا أريد، ما الذي منعك؟ الإيمان، يقول لك: يوجد سهرة مرتبة والله سننبسط، تقول له: خير أين هي؟ يقول لك: والله مختلطة، وغناء، تقول له: لا أذهب، فالإيمان يقيد، غيرك عنده حرية في حركته، حركته 360 درجة، أنت معك 180 درجة، أنت حركتك مقيدة، من أجل أن تستقيم يجب أن تقيد حركتك، فهو أتاح لنفسه كل شيء، تقول له: والله أنا هذه الصفقة لا استطيع أن آخذها، فلان لم يسأل، لا يوجد عنده مشكلة، لا يوجد عنده منظومة اسمها: حلال وحرام، كله مكسب، المبلغ مكسب، والمرأة مكسب، فأنت يقيدك الإيمان.

الدين ضمان لسلامتنا وليس حداً لحرياتنا:
كل أوامر الدين وضعت ضماناً لسلامتنا
كيف نريد أن نفهم قيود الإيمان، كيف أفهم القيود؟ عندما أفهم عصمة الأمر، عندما أفهم القيود بشكل صحيح أفهم عصمة الأمر، أنت تمر في مكان، وجدت لوحة مكتوب عليها: ممنوع الاقتراب، توتر عال، كهرباء، خطر الموت، هل تشعر بالحقد على واضع اللوحة لأنها حدت حريتك أم تشعر بالامتنان له لأن اللوحة وضعت لضمان سلامتك؟
كل أوامر الدين، كل نواهي الدين وضعت ضماناً لسلامتنا لا حداً لحريتنا، إذاً هو عصمة الأمر، صحيح أنني لا أستطيع أن أتحرك، لكن أفهم أن عدم قدرتي على الحركة غير المنضبطة إنما هو ضمان لسلامتي في الدنيا والآخرة، وليس حداً لحريتي، فأنظر إلى المتفلت لا نظر إعجاب لأنه يتحرك كما يريد، وإنما نظرة إشفاق عليه، لأنه يقع فيما يشينه، لأنه لا يوجد ما يعصم أمره، ما يمنع أمره من الانزلاق إلى المهاوي، هذا هو الدين، الدين ضمان لسلامتنا وليس حداً لحرياتنا.
لذلك المسلم عندما يرتفع في سلم الفقه والفهم يصبح التزامه بالأوامر التزاماً أكثر انسيابية، لا يجد معاناة كثيرة في الالتزام، عندما يفهم الأوامر تماماً.
أنت معك سيارة، وتريد أن تمر على جسر، جسر بسيط جداً له حمولة قصوى، كتبت إدارة المرور: الحمولة القصوى خمسون طناً، أنت السيارة التي معك حوالي ستين أو سبعين طناً، فنظرت يمنة ويسرة هل هناك شرطي مرور؟ إن وجدتُ شرطياً أمتنع عن السير، إذا لم يكن هناك شرطي سأمر، نقول لك: تمهل يا أخي! العقل يقول: المشكلة ليست في وجود الشرطي من عدمه المشكلة أن الجسر سيعاقبك، لأنك إذا صعدت على الجسر، وأنت تعلم أنه سينهار، فأنت عندما تمتنع من الصعود على الجسر ليست القضية في أنك خائف من جهة تمنعك، وإنما لأنك تشعر في قرارة نفسك أن هذا الجسر سيهلكك، الجسر سيعاقبك، طبعاً نحن نخاف من الله عز وجل، لكن عندما يرتقي الإنسان، يرتقي في سلم المعرفة لله عز وجل، ويفهم أن المعصية نتائجها السلبية في داخلها، وأن الطاعة نتائجها الإيجابية في داخلها، عندها يرتاح أكثر.
الطاعة إيجابية
أنت أب، يوجد مدخلان للبيت، الأب أراد أن ينظم الحركة فأغلق الباب الثاني وأقفله، وقال للأولاد: الدخول من هذا الباب، الولد إن خالف التعليمات وأحضر مفتاحاً وفتحه ودخل، لا يحصل شيء، لكن الأب وضع قانوناً وضعياً، أراد أن ينظم الحركة، لكن لو أن أحداً خالف لا يوجد مشكلة، لا يصير معه شيء، لا يمرض، أما إذا كانت هناك مدفأة مشتعلة، وجاء شخص ووضع يده عليها، ستحترق، الموضوع ليس قانوناً وضعياً، الموضوع قانون علمي، النار تحرق، أوامر الدين من النوع الثاني، ونواهي الدين من النوع الثاني، عندما تعصي ربنا عز وجل المعصية هي المشكلة، والطاعة هي الإيجابية، ليس موضوع تنظيم، الموضوع عميق جداً، الربا:

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)
[ سورة البقرة]

النظر الحرام يتعسك في بيتك، يمنع عنك الرزق، الغش ؛ يأتي من يغشك، الزنا والعياذ بالله نتيجته وبال على صاحبه في الدنيا والآخرة، وبال ؛ أي إثم كبير، يعود وباله عليك ؛ أي إثمه، إذاً العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة علمية، والعلاقة بين الطاعة ونتائجها علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة، هذه تؤدي إلى هذه، هكذا تفهم أوامر الدين.
لذلك عندما نقول: (اللَّهمَّ أَصْلِح لي ديني الذي هو عِصْمَةُ أمري) هذا معنى عصمة الأمر، يعصمنا أي يمنعنا.

تشجيع الإسلام على العمل:
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (وأصَلِح لي دُنيَايَ التي فيها معاشي) أي الدنيا مطية إلى الآخرة، في بعض العصور فهم المسلمون أن الدنيا كلها سوء، وكلها شر، فانتقلوا إلى مفهوم سموه: الزهد، أن نزهد في الدنيا، والزاهد في الدنيا لا يريد شيئاً منها، إذا حصل بنهاية اليوم على شيء من طعام يكفيه، وإذا كان لباسه ممزقاً، وربما غير نظيف، ويجلس على الرصيف يقول لك: هذا زاهد، لا غير صحيح هذا الكلام، الإسلام لا ينظر إلى الدنيا بهذه النظرة التشاؤمية، لا، الإسلام يشجع على العمل.

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة - النخلة الصغيرة - فليغرسها }

[أخرجه البزار ]

لم يبق أحد لماذا يغرسها؟ من سيأكل منها؟ إنه يشجعك على ألا تترك العمل، استمر.

تعريف بالكبر وغمط الناس:
النبي صلى الله عليه وسلم لما تحدث مع أصحابه عن الكبر، قالوا:

{ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ' لا يدْخُلُ الجنةَ مَنّ كان في قلبه مثقالُ حبَّة من كِبْر، فقال رجل: إنَّ الرجلَ يحب أن يكون ثوبُه حَسَنا ونعلُه حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبِرْ: بطَرُ الحقِّ، وغمطُ الناس }

[أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي]

يا رسول الله! إن أحدنا يحب أن يكون نعله حسناً، وثوبه حسنةً؟ والله نحب أن نتجمل، لباس نظيف ومرتب لا يوجد مشكلة، قال: ليس ذاك، لقد فهمتم المعنى بشكل خاطئ، قال:(الكبِرْ: بطَرُ الحقِّ، وغمطُ الناس) البس، وتزين، وحسن رحالك، لا يوجد أي مشكلة (الكبِرْ: بطَرُ الحقِّ، وغمطُ الناس) بطر الحق ؛ أن يأتيك حكم شرعي وترفضه، أنت متكبر على شرع الله، أقول لك: قال الله، وقال رسول الله، تقول لي: والله أنا لست مقتنعاً بهذا الموضوع، هذا الكبر، (وغمطُ الناس)، تقول: فلان ما شاء الله حوله! يقول لك: لا يفهم، تقول له: خير من يفهم إذاً؟ هو وحده يفهم، يغمط الناس حقهم، ما شاء الله فلان خريج جامعة! يقول لك: يا أخي هذه الجامعة غير جيدة، هو يقيم نفسه على أنقاض الآخرين، يغمط الناس، ينزل من قدر الناس، ويرفع من قدر حاله، هذا (الكبِرْ بطَرُ الحقِّ، وغمطُ الناس) أما أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة فهذا ليس كبراً.

الدنيا مطية للآخرة:
الإسلام يأمرنا بالعمل في الدنيا
إذاً يصحح النبي صلى الله عليه وسلم المفاهيم، فعندما نقول: (وأصَلِح لي دُنيَايَ التي فيها معاشي) أنت تعيش في هذه الدنيا كما كتب الله لك، خمسون، ستون، سبعون، ثمانون، تسعون، مئة، تعيش ما كتبه الله لك من الأيام، والدقائق، والثواني، لماذا لا تعيشها في طاعة الله وتحقق منها الوسيلة – الغاية - التي وجدت من أجلها؟ أي تجعل الدنيا مطية للآخرة، إذا كنت قوياً واستطعت أن تكسب المال تنفق منه على المحتاجين، وتأخذ الثواب، وتعمر الأرض بالخير، إذا بطاعته تصبح قوياً، وتنصر المظلوم يا حبذا، إذا استطعت أن تتعلم وتنشر العلم، أو تفيد الناس من علمك يا حبذا، إذاً ليست الدنيا مهملة، أو ليس الإسلام يحضنا على ترك الدنيا، لكن يحضنا على ترك العمل للدنيا، ويأمرنا بالعمل في الدنيا، نعمل فيها لا لها، نعمل للآخرة في الدنيا، لكن لا نعمل لها لأنها زائلة، والجاهل الذي يعمل لها وستنقضي، يبني ويعمر ثم يذهب، أما إذا عمل لله فكل ما عمله للدنيا يبقى، تنتهي المشكلة، إذاً نعمل فيها ولا نعمل لها، نجعلها في أيدينا ولا نجعلها في قلوبنا، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ عن نافع مولى ابن عمر رحمه الله: قال: كان ابنُ عمر - رضي الله عنهما - إذا جلس مجلسا لم يَقُمْ حتى يدعوَ [ بهنَّ ] لِجُلَسَائِه، وزَعم أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهنَّ لِجُلسائِهِ: اللَّهمَّ اقْسِم لنَا من خَشْيَتِكَ ما يَحُولُ بيننا وبين معاصِيك، ومِن طاعتك ما تُبَلِّغُنَا به جَنَّتك، ومن اليَقِين ما تُهوِّنُ به علينا مصائِبَ الدنيا، اللَّهمَّ أَمتِعنا بأسماعنا، وأبصارنا وقُوَّتنا ما أَحيَيتنا، واجعَلُه الوارثَ منا، واجعل ثَأْرنا على من ظلمنا، وانْصُرْنا على منْ عادانا، ولا تجعلْ مُصيبَتَنَا في دِيننا، ولا تجعل الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، ولا تُسَلِّطْ علينا مَن لا يَرحَمُنا }

[أخرجه الترمذي ]

ما قال: لا تجعل الدنيا همنا، لأنها همّ من الهموم، لكن لا تجعلها أكبر همنا، اجعل أكبر همنا الآخرة، الدنيا هم، أريد أن أزوج أولادي، وأريد أن أشتري بيتاً، وأريد أن أشتري سيارة، هموم الدنيا، وأريد أن أدرس ابني بالجامعة، هموم الدنيا، لكن ليست أكبر الهم، أكبر هم هو الآخرة.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بصلاح الدنيا (وأصَلِح لي دُنيَايَ) أي أعطني رزقاً كافياً، أولاداً بررة، زوجة صالحة، ماذا يريد الإنسان في الدنيا؟ تجارة جيدة مقبولة إلى آخره، هذه: (وأصَلِح لي دُنيَايَ التي فيها معاشي).

دخول الجنة هو صلاح الآخرة:
بقي البند الأخير: (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) المعاد إلى الله يوم القيامة نعود إليه.

إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)
[ سورة مريم]

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)
[ سورة البقرة]

فالآخرة ندعو الله عز وجل أن يصلحها لنا، ما معنى أن يصلح الله لنا آخرتنا؟ بمعنى أن يصلح لنا أعمالنا في الدنيا التي تصلح للعرض عليه في الآخرة، أولاً، أنت كيف تصلح آخرتك؟ إذا قال لك أحدهم: اللهم أصلح لي امتحاني، أي إن شاء الله أدرس بشكل جيد، أما إذا لم أدرس لا يصلح الله امتحاني، فعندما نقول اللهم: (وأصلح لي آخرتي) معنى هذا أن تكون أعمالنا في الدنيا مقبولة عند الله حتى نلقاها يوم القيامة.

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)
[ سورة الكهف]

الأعمال في الدنيا سبب لدخول الجنة
ويصلح الله لنا آخرتنا بأن يدخلنا الجنة إن شاء الله، دخول الجنة هو صلاح الآخرة، والأعمال في الدنيا التي تكون سبباً لدخول الجنة هي صلاح الآخرة أيضاً.
النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بصلاح هذه الأمور الثلاث، صلاح الدين والمقصود به هنا التدين، ما أدين به، ما أرجع به إلى الله ينبغي أن أصلحه، وأدعو الله أن يصلحه لي، وصلاح الدنيا لأنها مطية للآخرة، ولأنها سبب لدخول الجنة، ورد في بعض التفاسير:

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
[ سورة الزمر]

قال بعض المفسرين: (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) في الدنيا (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ) أي لو لم نكن في الدنيا لما كنا يوم القيامة في الجنة، يحب الدنيا لأنها مطيته للآخرة، لأنها هي العبور، هي دار الممر إلى المقر، تزودوا من ممركم إلى مقركم، وعندما قال:

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
[ سورة القصص]

(وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) أي لا تنس أن تأخذ حصتك من الدنيا التي تعينك على الوصول إلى هدفك في الآخرة (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) بطاعة الله طبعاً، لأنني إذا أخذت نصيبي من الدنيا، من المال، زكيت، فإن ذلك ينفعني يوم القيامة، إذا أخذت نصيبك من الصحة، تقوم وتصلي لله عز وجل، إذا جاء عليّ في حياتي بعد أن بلغت إلى أن توفاني الله أربعون رمضان فأنا أخذت نصيبي من الدنيا (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) فدعا بصلاح ديننا، وبصلاح دنيانا، وبصلاح آخرتنا، هذه من الأدعية الجامعة من أدعيته صلى الله عليه وسلم، فأنا أدعوكم وأدعو نفسي أن نكثر من هذا الدعاء: (اللَّهمَّ أَصْلِح لي ديني الذي هو عِصْمَةُ أمري، وأصَلِح لي دُنيَايَ التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي).
والحمد لله رب العالمين