كيف تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

  • محاضرة في الأردن
  • 2021-10-20
  • عمان
  • مركز واحة الجنان القرآني

كيف تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


عطاء الله عز وجل لنا عطاء بلا مقابل:
وبعد فيا أيتها الأخوات الفاضلات؛ أشكر لكن هذه الدعوة الطيبة المباركة، والتي إن دلت على شيء فعلى حسن ظنكن بي، وأسأل الله أن أكون عند حسن الظن.
ثم أشكر إدارة المركز القرآني على هذه الدعوة الطيبة، وأشرف وأسعد أن أكون اليوم بينكن للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بادئ ذي بدء: روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن معاوية رضي الله عنه قال:

{ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاويةُ على حَلْقَةٍ في المسجد، فقال: ما أجلسَكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: آللهِ ما أجلسكم إِلا ذلك؟ قالوا: آللهِ ما أجلسنا غيره، قال: أَما إِني لم أستحْلِفْكم تُهْمَة لكم، وما كان أَحد بمنزلتي من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَقلَّ عنه حديثاً مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حَلْقَةٍ من أصحابه، فقال: ما أَجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمَدُهُ على ما هدانا للإِسلام، ومَنَّ به علينا، قال: آللهِ ما أَجلسكم إِلا ذلك؟ قالوا: آللهِ ما أجلسنا إِلا ذلك قال: أما إني لم أستحلفْكم تُهمة لكم، ولكنه أَتاني جبريل، فأخبرني أن الله - عز وجل - يُباهي بكم الملائكة }

[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي ]

المستحلف أحياناً يستحلف شخصاً آخر فيُظن أنه يتهمه بالكذب، وحاشا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلهم عدول.
فقال: (أما إني لم أستحلفْكم تُهمة لكم، ولكنه أَتاني جبريل، فأخبرني أن الله - عز وجل - يُباهي بكم الملائكة) فهؤلاء جلسوا يتذاكرون منّة الله عليهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونحن في هذا المجلس الطيب إن شاء الله ما أجلسنا إلا تذاكر منّة الله علينا أن هدانا لدينه، وأن منّ بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم علينا.
المنّ هو العطاء بلا مقابل
أيتها الفاضلات: المنّ؛ هو العطاء بلا مقابل، من منا قدم شيئاً لربه ليمنّ عليه بهذه المنة العظيمة وبأن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبينا؟ نحن نفخر اليوم بأننا أبناء وبنات أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هذه المنة العظيمة ماذا قدمنا تجاهها؟ فهو منٌّ من الله، عطاء بلا مقابل، قال تعالى:

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)
[ سورة آل عمران]

هذه منّة الله علينا، هناك منّ بالمعنى السلبي، والشيء بالشيء يذكر، منّ بالمعنى السلبي هو أن يمنّ إنسان على آخر بشيء أعطاه إياه، قال تعالى:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
[ سورة البقرة]

ما معنى ذلك؟ المنّ؛ أن يعطيه مبلغاً من المال يساعده في شيء من عوارض الدنيا، ثم كلما لقيه يقول له: أنا أعطيتك، أنا وهبتك، والأسوأ من ذلك بعض كلمات الغافلين عن الله والعياذ بالله، يقول له: لحم أكتافك من خيري، وهذا سوء أدب مع الله، فيمنّ عليه.

المنّ لله ولرسوله فقط:
ما الأذى؟ الأذى شيء آخر، الأذى؛ أن يخبر آخر لا يحب من أُعْطِي أن يصل إليه الخبر، أي يعطي فلاناً فإذا لقي صديقه قال له: هل علمت ما أعطيته لفلان؟ فيؤذيه بذلك.
كان بعض الصالحين يقول لاببه: يا بني ! إذا أعطيت إنساناً عطية ثم علمت أن سلامك عليه يؤذيه فكف سلامك عنه، أي هو يسكن، وله دكان بجوار بيتك، كلما مررت في طريقك: السلام عليكم يا أبا فلان، فتشعر بعينه أنه يتأذى من هذا السلام، لأنه يشعر وكأنك تذكره بما أعطيته، غيِّر طريقك ولا تلق عليه السلام حتى لا تؤذيه.
فالمنّ من الإنسان للإنسان سوء أدب مع الأشخاص ومع الخالق جلّ جلاله لماذا؟ لأنك في الحقيقة عندما تعطي إنساناً، وهذا ليس تواضعاً وإنما هو حقيقة، فأنت إن أعطيته هل أعطيته من مالك أم من مال الله الذي أعطاك؟ من مال الله، إذاً المنّ لله ولرسوله، فإذا قلت: أعطيتك، فأنت تمن بشيء ليس لك في الأصل.

وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
[ سورة النور]

فالمنّ لله ولرسوله.

الأدب النبوي:
عدم العطاء يدل على الجفاء
هذا المعنى أيتها الأخوات الكريمات؛ يوم النبي صلى الله عليه وسلم أعطى قوماً أسلموا حديثاً، مؤلفة قلوبهم، يسمون: مؤلفة قلوبهم، وهؤلاء لهم سهم من السهام، فأعطاهم ليؤلف قلوبهم إلى الإسلام، فوجد الأنصار في أنفسهم عليه، وظني أنهم لم يجدوا عليه لأنه لم يعطيهم مالاً، ولكن لأن عدم العطاء يدل على الجفاء بعرف الناس، فوجدوا في أنفسهم عليه فجاءه زعيمهم سعد، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله !

{ عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي، وما أنا من ذلك قال: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة قال: فجاء رجل من المهاجرين فتركهم، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار، قال: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل ثم قال: يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف بين قلوبكم؟ قالوا: بل الله ورسوله أمن وأفضل، قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل؟ قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم، أتيتنا مكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت قوماً ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا }

[أخرجه أبو يعلى والإمام أحمد ]

(يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم) هم انزعجوا، أعطيت من أعطيت، ولم تجعل فيهم عطية، فقال صلى الله عليه وسلم: (فأين أنت من ذلك يا سعد؟) أي أنت ناقل خبر أم أنت متبن للفكرة؟ انظروا إلى الدقة النبوية والقيادة، (قال: يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي) صراحة، وجرأة، ما أنا إلا واحد من قومي جرأة مع أدب، أنا من قومي يا رسول الله (ثم قال: يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟) انظروا إلى الأدب النبوي قال: (فهداكم الله بي) الله تعالى يقول لنبيه في القرآن الكريم:

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
[ سورة الشورى]

وفي آية ثانية يقول له:

إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
[ سورة القصص]

هداية التوفيق من الله تعالى وحده
كيف نوفق بين الآيتين؟ (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) لأن هداية التوفيق من الله تعالى وحده، فمن لم يهده الله لا يستطيع أحد أن يهديه توفيقاً، أما هداية الدلالة فهي من النبي صلى الله عليه وسلم (إِنَّكَ لَا تَهْدِي) أي أنت تدلهم على الطريق، لكن لا تملك أن تضعهم فيه إجباراً، فالإنسان مخير، فإذا مشى فيه وفقه الله وهداه، فهذه هداية الدلالة، وهداية التوفيق، فقال له: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) لأنه يدلنا صلى الله عليه وسلم إلى الصراط المستقيم، فهو يهدينا إليه.
أيتها الفاضلات؛ قال: (يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها في أنفسكم، ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟).
ثم قال لهم: ما تقولون؟ سكتوا (قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدقتم) الآن يعلمهم ما يقولون، قال: قولوا يا معشر الأنصار: ألم تكن فقيراً فكفاك الله بنا؟ آتينا فقيراً فواسيناك، أتينا عائلاً فأغنيناك، قولوا، فيذكرهم صلى الله عليه وسلم بفضلهم عليه، وهو صاحب الفضل صلى الله عليه وسلم يذكرهم، هذه القيادة الحكيمة، هنا موطن الشاهد، فالأنصار خجلوا، قالوا: (أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده إنه لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً وحظاً) المنّ لله ولرسوله.

خمسة أمور تكسبنا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1 ـ اتباع سنته:
أيتها الفاضلات؛ هذه خمسة أمور تكسبكن وتكبسنا جميعاً محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أولاً: اتباع سنته، الاتباع أيتها الكريمات يورث الحب، والحب يورث الاتباع، فكلاهما شرط ونتيجة، الاتباع يعطي الحب، والحب يعطي الاتباع، فلا بد من حب واتباع أما الحب بغير اتباع.
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع لـــــو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لــــــــــــمن يحب يطيع
{ الإمام الشافعي }
أما الاتباع بغير حب فقسوة في القلب وجفاء، ولا يتصور أصلاً أن يكون اتباع دون حب، إلا الاتباع القسري، عندما يكون الإنسان بالخدمة الإلزامية بالجيش، ويأمره آمر من الجيش، عقيد إلى آخره، فيأتمر، وقد يكون لا يحبه، لكنه ينفذ الأمر قسراً، في ديننا:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
[ سورة المائدة]

ليس هناك طاعة قسرية، وإنما طاعة طوعية، على كلّ فأول ما يكسبنا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباع سنته.

مواقف الصحابة الكرام باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الآن مواقف الصحابة الكرام باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء يسبي العقول.
روى أبو أُسيد أن الرجال لما خرجوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلط بعضهم بالنساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً النساء:

{ عن أبي أُسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه: سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النِّساءِ في الطريق: استَأْخِرْنَ فليس لَكُنَّ أن تَحقُقْنَ الطَّرِيق، عَليكُنَّ بحافَّاتِ الطَّريق فكانت المرأة تَلصَقُ بالجدار، حتى إِنَّ ثَوبَها ليتعلقُ بالجدارِ مِن لُصُوقِها بهِ }

[أخرجه أبو داود ]

تنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
(فليس لَكُنَّ أن تَحقُقْنَ الطَّرِيق) أي لا تمشين في الوسط مع الرجال (عَليكُنَّ بحافَّاتِ الطَّريق) أي جعل ممراً للنساء، وممراً للرجال كيلا يصير تلامس فقال: (عليه الصلاة والسلام َعليكُنَّ بحافَّاتِ الطَّريق) يقول راوي الحديث: (فكانت المرأة تَلصَقُ بالجدار، حتى إِنَّ ثَوبَها ليتعلقُ بالجدارِ مِن لُصُوقِها بهِ) تنفيذاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مرةً كان صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، فأثناء الصلاة خلع نعليه ووضعهما عن يمينه، قال الراوي أو عن شماله لدقة الوصف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصحابة الكرام خلعوا نعالهم فوراً ووضعوها عن أيمانهم، أو عن شمائلهم.

{ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بأصحابه في نَعْليه، إذْ خَلَعهما فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك أصحابُه أَلقوْا نِعَالَهم فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاتَه، قال: ما حَمَلكم على خَلْعِ نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني، فأخبرني: أن فيهما قَذَرا، وقال: إذا جاء أحدكم المسجدَ فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمْسحْه، وليُصَلِّ فيهما }

[أخرجه أبو داود ]

(فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاتَه، قال: ما حَمَلكم على خَلْعِ نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا) اتباع، لم ينتظروا حتى نهاية الصلاة ليسألوا لماذا فعلت ذلك يا رسول الله؟ هل نحن مطالبون به؟ فوراً خلعوا نعالهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن جبريل أتاني، فأخبرني: أن فيهما قَذَرا) أي هذا حكم خاص (وقال إذا جاء أحدكم المسجدَ، فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمْسحْه، وليُصَلِّ فيهما).
ابن مسعود رضي الله عنه كان داخلاً إلى المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس، فقال لهم:

{ لما استوى النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، قال للناس: اجلسوا، فسمعه ابن مسعود وهو على باب المسجد، فجلس. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تعال يا بن مسعود }

[أخرجه ابن خزيمة ]

ابن مسعود كان على الباب، لم يدخل بعد، أي الخطاب ليس له، لأنه خارج المسجد، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: مكانكم، جلس في مكانه على باب المسجد، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (قال له النبي صلى الله عليه وسلم: تعال يا بن مسعود) وما أنكر عليه، لأن ابن مسعود رضي الله عنه عود أذنه ألا تسمع أمراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بادرت إلى تنفيذه قبل أن تسأل عن حكمة أو سبب، فما دام قد أمر فقد انتهى الأمر.
الإمام مالك رضي الله عنه، إمام دار الهجرة، كان إذا جاءه الناس فطرقوا بابه تخرج إليهم الجارية، فتقول لهم: الإمام مالك يسألكم: تريدون الحديث أم المسائل؟ أي هل أنتم قادمون لتسمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عندكم مسألة فقهية؟ فإن قالوا: المسائل خرج إليهم فأجابهم، وإن قالوا: الحديث، أدخلتهم الجارية فجلسوا، فدخل الإمام مالك إلى مغتسله فاغتسل، ثم تطيب، ثم خرج فجلس في مجلسه، وكان يضع البخور أمامه فلا يزال يبخر، ثم يحدثهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سُئل عن ذلك؟ قال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخواننا الكرام؛ أخواتنا الفاضلات؛ اتباع الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم شيء مذهل، أي يتبعونه في مشيته، في حركاته، في سكناته، الاتباع أورثهم حباً عظيماً، أورثهم حباً في القلوب، حتى قال صلى الله عليه وسلم:

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يُؤمن أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ ونَفسهِ والنَّاس أجمعين }

[أخرجه البخاري ومسلم والنسائي]

الحب ينشأ عن الاتباع
الحب ينشأ عن الاتباع، والاتباع ينشأ عن الحب، فكلاهما شرط ونتيجة، فلا بد من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استطعنا، نستنفد الوسع في ذلك، ما أمر به نأتمر، وما نهى عنه ننتهي، لذلك نحقق قوله تعالى:

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)
[ سورة الأحزاب]

النبي صلى الله عليه وسلم أسوة، لأن كل المواقف التي تقع مع البشر في حياتهم وقع بها صلى الله عليه وسلم، سيرته إعجاز، ذاق الفقر؟ نعم، ذاق الفقر، دخل بيته قال:

{ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم: يا عائشةُ، هل عِنْدَكم شيء؟ قالتْ: فقلتُ: يا رسولَ الله، ما عندنا شيء، قال: فإني صائم }

[ أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ]

انتهت المسألة، ذاق الغنى؟ نعم، ذاق الغنى حتى جاءه أعرابي، قال: لمن هذا الوادي؟ غنم كثير، قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله هو لك، فرجع إلى قومه فقال: أسلموا مع محمد فإنه يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ أي الفقر.
ذاق الضعف؟ نعم ذاق الضعف، ذاق الضعف يوم ذهب إلى الطائف يلتمس النصرة عند أهلها فما كان منهم إلا أن ضربوه بالحجارة حتى أدميت قدمه الشريفة صلى الله عليه وسلم:

{ عن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أَتَى عليك يوم كان أشدَّ مِنْ يوم أُحُد؟ قال : لقد لَقِيتُ من قومك وكان أشَدَّ ما لقيت يوم العقَبة؛ إِذ عَرَضْتُ نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كِلال. فلم يُجبني إِلى ما أردتُ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إِلا وأنا بقَرْن الثعالب فرفعت رأسي، فإِذا أنا بسحابة قد أظلَّلتني، فنظرت فإِذا فيها جبريل فناداني فقال: إِنَّ الله قد سمع قولَ قومِكَ، وما ردُّوا عليك، وقد بعثَ إِليك مَلَكَ الجبال لتأمر بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلَّم عليَّ، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قولَ قومِكَ، وأنا مَلَكُ الجبال، وقد بعثني ربُّك إِليك لتأمرني بما شئت، إنْ شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله وحده لا يُشْرِكُ به شيئاً }

[أخرجه البخاري ومسلم ]

النبي الكريم ذاق القوة والضعف
جاءه ملك الجبال، قال له: يا محمد إن الله أرسلني لأكون طوع أمرك، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين، الأخشبان جبلان في الطائف، أي لو أطبق عليهم الأخشبان اليوم، لو أحدكم ذهب إلى مكة وأراد زيارة الطائف، يقولون له: كان هناك طائف، لكن انتهت من 1400 سنة، قال: (إنْ شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرِجَ الله من أَصلابهم مَنْ يَعبد الله وحده لا يُشْرِكُ به شيئاً) اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، وهو في قمة الضعف مكنه الله أن ينتقم من خصومه فرفض ثم ذاق القوة حتى دانت له الجزيرة العربية، ودخل مكة فاتحاً متواضعاً لله، حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره، فلما كانت السيوف تنتظر إشارة منه لتهوي على رقاب من ناصبوه العداء، وأخذ بيوت أصحابه، ونكلوا به وبأصحابه، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
إذاً ذاق القوة والضعف، ذاق الفقر والغنى، ذاق فقد ولده، تكلم الناس في عرض زوجته، ذاق فقد الولد، ذاق فقد خديجة رضي الله عنها، فقد عمه أبا طالب الذي كان سنده في قريش، إلى آخره، لما كانت سيرته بهذا الشكل أُمرنا أن نتأسى به.

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21)
[ سورة الأحزاب]


2 ـ قراءة سيرته:
إذاً خمسة أمور تكسبك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولاً: اتباع سنته، ثانياً: قراءة سيرته، يوجد سنة ويوجد سيرة، السنة أمر ونهي، تأتمر وتنتهي.

{ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا }

[أخرجه مسدد بن مسرهد ]

السيرة هي حياته صلى الله عليه وسلم
تأتمر، فهذه سنة، السيرة هي حياته صلى الله عليه وسلم، كيف عامل زوجته، كيف عامل أولاده، كيف عامل أصدقاءه، كيف عامل أعداءه، هذه السيرة، فإذا قرأت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بد من أن تحبه، لأن الكمال البشري متجسد في سيرته صلى الله عليه وسلم.
رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهذه لقطة واحدة - له صحابي اسمه جليبيب، رجل دميم، فقير دميم، أي بشع، خلق الله جميل، لكن بموازنات البشر أحياناً يكون دميم الصورة، النبي صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه، قال له: ألا تتزوج يا جليبيب؟! قال: إذاً تجدني كاسداً يا رسول الله، أنا لا أحد يزوجني، قال: أنا إن فعلت تفعل؟ قال: نعم، بدأ رسول الله يتحين الفرص لتزويج جليبيب، جاءه رجل يسمعه عن ابنته الثيب، ولا مانع من أن يعرض الرجل ابنته للزواج لا كما يقول المجتمع اليوم، وضع طبيعي جداً يبحث عن شاب مؤمن فيعرض ابنته للزوج، قال صلى الله عليه وسلم: أنا أخطبها، فالرجل طار فرحاً، بلحظة واحدة صار صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم ونعمين لرسول الله، قال: ولكن ليس لنفسي أريدها، قال: لمن؟ قال: لجليبيب، قال: جليبيب؟! إذاً أستشير أمها، أي أريد أن أشاور الأهل، وهذا أيضاً في الشرع لا يوجد ما يمنع الرجل أن يستشير أهل بيته، لا كما يظن البعض، فذهب إلى بيته، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إليك ابنتك جاء بنفس الطريقة، قالت له: نعم ونعمين، أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ولكن ليس لنفسه يريدها، قالت: لمن؟ قال: لجليبيب، قالت: جليبيب؟! لا والله لا نزوجها جليبيباً، وقد منعناها فلاناً وفلاناً، أي جاءنا من هو خير من جليبيب، من حق المرأة أن تقول ذلك، والنبي لم يجبرهما على شيء، لكن انظروا إلى هذه البنت العظيمة.
ولــــــــــــــــو أن النساء كمــــــا رأينا لفضلت النساء على الرجال وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكيـــــــر فخــــر للهـــلال
{ أبو الطيّب المتنبي }
كانت تسمع الحديث من خلف سترها، قالت: يا أبي ويا أمي، من خطبني إليكما ليس العريس؟ قالا: لا، العروس باللغة العربية للذكر وللأنثى، قالت: لكن من الخاطب؟ قالا: رسول الله، قالت: وتردان على رسول الله أمره؟ ادفعا بي إليه فإنه لن يضيعني، قال: فكأنما جلت عنهما، سروا بسماع كلامها، وقالت لهما في رواية:

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً (36)
[ سورة الأحزاب ]

ذهب الرجل لرسول الله مسروراً، قال: يا رسول الله زوجها جليبيباً، شأنك بها، البنت عندك، فقال صلى الله عليه وسلم:

{ اللهم صب عليهما الخير صباً، ولا تجعل عيشهما كداً كداً }

[أخرجه أبو يعلى]

النبي أعطي العالم كله درساً في المساواة
جمع الصحابة لجليبيب وزوجوه، وبعد أسابيع من زواج جليبيب أو أشهر سمع منادي الجهاد ينادي لمعركة أُحد فخرج جليبيب متناسياً فرحته بأيامه الأولى بزواجه الميمون، بعد نهاية المعركة جلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يتفقد أصحابه قال: من تفقدون؟ قالوا: لا نفقد أحداً، الجميع موجود، قال: لكني أفقد جليبيباً، قوموا بنا إلى أرض المعركة، ذهب بنفسه يبحث عن جليبيب حتى وجده في أرض المعركة مسجى قد استشهد، وحوله سبعة من المشركين قد قتلهم، فأكب صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي على جليبيب، وجعل يقبّله، ويقول له: يا جليبيب أنت مني وأنا منك، يعطي العالم كله درساً في المساواة، رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رجل صاحب دعابة أنت مني وأنا منك، ثم رفعه على يديه، ثم جعل الصحابة يحفرون له قبره، فيقول أنس ابن مالك: والله حفرنا قبر جليبيب وماله ذراع غير يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ما بقي أحد من الحاضرين إلا وتمنى أن يكون مكان جليبيب، ثم ألحده بيده الشريفة في قبره، وقبّله من جبينه وقال: يا جليبيب أنت مني وأنا منك.
هذا نبي الرحمة، إذا قرأ الإنسان سيرته محال ألا يحبه.
إذا قرأ الإنسان سيرته محال ألا يحبه
هذا عداس كما أخبرتكم يوم رجع من الطائف صلى الله عليه وسلم مهموماً، حزيناً فجلس في بستان، يوجد حائط، يرتاح من العناء، والدم يسيل من قدمه، شيبة وعتبة ابنا ربيعة جالسان، وهو بستان شيبة وعتبة، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم رقا لحاله، ورقت له رحمهما، فقالا لغلام لهما نصراني اسمه عداس: خذ قطفاً من العنب لهذا الرجل، أي أطعمه عنباً، فأخذ قطفاً من العنب، وذهب إليه، فوضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ ليأكل فقال: بسم الله، فقال عداس: أهل هذه البلاد لا يقولون ذلك، أول مرة أسمع رجلاً يقول: بسم الله عندما يأكل، فقال صلى الله عليه وسلم: ومن أي أهل البلاد أنت؟ أنت من أين؟ قال: أنا من نينوى، وأنا نصراني، فقال صلى الله عليه وسلم: نينوى؟! قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ قال عداس: وما أدراك بيونس بن متى؟ من أين تعرفه؟ قال: هذا أخي، أنا نبي، وهو كان نبياً، فأكب عداس على وجنة رسول الله يقبّلها، على رأسه، ثم جعل يقبّل يديه، وقدميه، فلما رأى عتبة وشيبة ما حصل، قال أحدهما للآخر: أما غلامك فقد أفسده عليك - ذهب الغلام بلحظة واحدة خلال دقيقتين من الحوار - قال: أما غلامك فقد أفسده عليك، موطن الشاهد؛ فلما رجع عداس إليهما، قالا له: ما شأنك مع الرجل تقبّل رأسه ويديه ورجليه؟ فقال عداس: - انظروا ماذا قال - قال: والله يا سيدي لا يوجد بالأرض كلها شيء أفضل من هذا، بدقيقتين أنارت عليه أنوار النبوة، فقال: لا يوجد الأرض شيء أفضل من هذا.
سفانة بنت حاتم الطائي، لما أُسرت في فتح مكة، استعرض النبي الأسرى فخرجت إليه، قالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليّ منّ الله عليك، فقال: فقد فعلت، قال: من الوالد؟ قالت: حاتم الطائي، قال: من الوافد؟ قالت: عدي، قال: الهارب من الله ورسوله، عدي هرب، يريد أن يركب البحر ويهاجر، فقال صلى الله عليه وسلم: قد فعلت، ولكن لا تتعجلي، فإذا جاءك من هو ثقة من قومك فأعلميني، حتى تذهبي مع رجال، فلما جاءها رهط من قومها أعلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تقول سفانة: فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم - هذه أسيرة مشركة، غير مسلمة - قالت: فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملني؛ أعطاني دابة، وأعطاني نفقتي، فقالت له: أستأذنك بالدعاء، أريد أن أدعو لك، قال: تفضلي، وقال لأصحابه: اسمعوا وعوا، أي ستسمعون كلاماً مختلفاً، هذه سفانة، هذه قد ربيت ببيت حاتم الطائي، أكرم العرب، فقالت له: أصاب الله ببرك مواقعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب عن كريم قوم نعمة إلا جعلك سبباً في ردها.
الآن ذهبت إلى عدي بن حاتم الطائي، موطن الشاهد؛ قال لها: هل لقيت الرجل؟ قالت: نعم اذهب إليه، فوالله ما رأيت أكرم منه، من القائل؟ بنت حاتم الطائي أكرم العرب، تقول له: ما رأيت أكرم منه، هي قد ربيت ببيت حاتم الطائي، لما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ما رأيت أكرم منه؟

3 ـ الصلاة والسلام عليه:
خمسة تكسبنا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتباع سنته، وقراءة سيرته والصلاة والسلام عليه، أكثرن من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة عليه نور، تقضي همّ الإنسان، تكفيه همه، وتقضي له دينه، وهذا الأمر الوحيد الذي بدأ الله فيه قرآنه بنفسه، وثنى بملائكة قدسه فقال:

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)
[ سورة الأحزاب ]

الإكثار من الصلاة والسلام عليه تزيدنا حباً له
هذا النبي الكريم؛ إذا أكثرنا من الصلاة والسلام عليه ازددنا حباً له، وصلاة الله تعالى عليه، ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، والملائكة يدعون له، ويثنون عليه، ونحن نثني عليه، وندعو له، ونزيد من صلتنا به من خلال الصلاة والسلام عليه، وتأملن في هذا المعنى إذا علمت الواحدة منكن أن صلاتها وسلامها على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغه الآن أي أنا إذا قلت الآن: الصلاة والسلام عليك يا سيدي ويا حبيبي يا رسول الله، جاء ملك وأخذ الصلاة والسلام فبلغه لرسول الله، وقال له: إن العبد الضعيف بلال يبلغك السلام، فهذا المعنى كفيل في أن نزيد من صلاتنا وسلامنا عليه.

4 ـ استشعار فضله علينا:
النبي الكريم هو صاحب الفضل الأعظم
خمسة تكسبنا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتباع سنته، وقراءة سيرته، والصلاة والسلام عليه، واستشعار فضله عليك، لماذا يحب الواحد منا أمه وأباه؟ لأنهما صاحبا فضل عليه، يتذكر فضلهما فيحبهما، من صاحب الفضل الأعظم من البشر طبعاً بعد الله؟ نقول من البشر على الإنسان؟ رسول الله، فلولاه ما كنا في هذا المجلس، ولما أقمنا صلاة، ولما وحدنا خالقاً، ولما دخلنا جنة، فهو صاحب الفضل الأعظم.

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
[ سورة التوبة]

يقول: أمتي أمتي، كل الناس تقول: نفسي إلا رسول الله يوم القيامة يقول:

{ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ أُمَّتي أُمَّتي وبكى، فقال الله عز وجل: [ يا جبريل ]، اذهب إِلى محمد - وربُك أعْلم - فَسَلْه: ما يُبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله؟ فأخبره بما قال - وهو أعلم - فقال الله: يا جبريل، اذهب إِلى محمد، فقل له: إِنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ ولا نَسُوؤُكَ }

[أخرجه مسلم ]

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم صاحب فضل، يخاطبه جلّ جلاله فيقول:

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)
[ سورة الشعراء]

يكاد يهلك نفسه صلى الله عليه وسلم حزناً على أمته إن هي ابتعدت عن المنهج القويم: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).

5 ـ تذكره وتمني رؤيته:
خمسة تكسب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتباع سنته، وقراءة سيرته، والصلاة والسلام عليه، واستشعار فضله علينا، وتذكره دائماً وتمني رؤيته، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: من أشدّ أمَّتي لي حُبّا ناس يكونون بَعدِي يَوَدُّ أحدُهم لو رآني بأهله وماله }

[أخرجه مسلم ]

أي لو قدم أهله وماله مقابل أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا من أشد أمته حباً له، فنحن نتمنى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويوم قدم وفد الأشعريين يرتجزون: غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه، فلما يتذكر الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتمنى أن يراه في منامه في الدنيا، وأن يجتمع به يوم القيامة مع:

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً (69)
[ سورة النساء]

هذا مما يزيد محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)
[ سورة آل عمران ]

فاتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يورث فقط محبة رسول الله وإنما يورث محبة الله تعالى.

الدعاء:
أسأل الله تعالى أن يكسبنا محبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجعل حبه وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إلينا من الماء البارد على الظمأ، الله ارزقنا حبك وحبّ من يحبك، وحبّ عمل صالح يقربنا إلى حبك.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ اللهم، اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم اجمعنا بحبيبك ومصطفاك في مستقر رحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا في هذا المجلس الكريم ممن تحفهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله فيمن عنده.
مرة ثانية: أشكر لكم هذا الحضور الكريم، وأشكر لمن دعاني هذه الدعوة الطيبة المباركة، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته