مع الصديق رضي الله عنه - 3

محاضرة في الأردن
2021-06-28
عمان
الأردن

مع الصديق رضي الله عنه - 3

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

التشابه بين فضائل النبي الكريم وفضائل أبي بكر:

وبعد أيها الكرام؛ مع اللقاء الثالث والأخير مع سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه نتعلم من مواقفه، ونتعلم من الأحداث التي مرت معه في سيرته العطرة.

أيها الكرام؛ اليوم أريد أن أروي قصة من قصص أبي بكر الصديق رضي الله عنه ونعلق عليها وهي واردة في الصحيح، قال: لما ابتلي المسلمون في مكة واشتد البلاء، خرج أبو بكر مهاجراً قِبلَ الحبشة، أراد أن يهاجر إلى الحبشة، هذه قبلَ هجرة الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد، منطقة قريبة في طريقه إلى الحبشة، لَقِيَهُ ابنُ الدَّغُنّة - وهو سيد القارَة - فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، وأريد أن أَسِيحَ في الأرض، فأعبد ربي، هذه سياحة من نوع خاص، سياحة راقية جداً، خروج في سبيل الله، قال: أن أَسِيحَ في الأرض فأعبد ربي، فقال: فإن مِثْلَكَ - وابن الدغنة ليس مسلماً - لا يَخْرُجُ، ولا يُخرَج، ما ينبغي أن تخرج، ولا ينبغي أن يخرجك قومك، إنك -انظروا الآن إلى التعليل - تُكْسِبُ المعدُومَ - إنسان لا يوجد عنده شيء تكسبه، تعطيه، تجعله يكسب ويعيش - وتَصِلُ الرحم، وتحمل الكَلّ - الكل؛ الرجل الضعيف الذي لا يستطيع القيام بنفسه فتساعده - وتَقْرِي الضيف - إكرام الضيف من القرى، وهو طعام الضيف - وتُعين على نوائب الحق.

الحياة فيها نوائب، جمع نائبة وهي المصيبة، فعندما تأتي النوائب فإنك تساعد الناس وتعينهم، هذه الصفات في أبي بكر، هي نفسها التي ذكرتها خديجة رضي الله عنها يوم رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الغار يقول:

((عن عائشة رضي الله عنها أَولُ ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحةُ في النوم، وكان لا يرى رؤيا إِلا جاءت مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّب إِليه الخلاء، وكان يخلو بغار حِراء، فيتَحَنَّث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينْزِع إِلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إِلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق - وفي رواية: حتى فجأه الحق - وهو في غار حراء، فجاءه الملك. فقال: اقرأ. قال: قلت: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغَطّني، حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجَهْد. ثم أرسلني. فقال: اقرأ، فقلتُ: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني فقال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فرجع بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَرْجُف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خُويلد فقال: زمّلوني، زمّلوني، فزملوه حتى ذهب عنه الرَّوْع. فقال لخديجة - وأخبرها الخبر -: لقد خشيتُ على نفسي. فقالت له خديجة: كلا، أبشر، فوالله لا يُخزيك الله أبداً، إنك لتَصِلُ الرحم، وتَصْدُق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتَكسِب المعدوم. وتَقْرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحق، قالت: فوالله لا يُخزيك الله أبداً)) - [أخرجه البخاري ومسلم]

هذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا ابن الدغنة يقول بعد ذلك الكلمات نفسها وهي تبدو كلمات عربية أصيلة، أي معروفة عند العرب، يصف بها أبا بكر رضي الله عنه، فهذه من فضائل أبي بكر أنه وصف بما وصف به رسول الله صلى الله عليه وسلم تماماً.

الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم

وهذا أحبابنا الكرام؛ إن دل فيدل على أن الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، وأن الناس يحتاجون إلى المواقف لا إلى الأقوال، فموقف واحد في إعانة الناس، وفي الصدق أفضل ألف مرة من ألف محاضرة في الصدق، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، بين العين والأذن أربعة أصابع، لكن فرق كبير بين أن تسمع وأن ترى، فالرؤية تعلم أكثر مما يعلم السمع، ولذلك أعظم ما تربي أبناءك، والمعلم أعظم ما يعلم به طلابه القدوة، أن يفعل الفعل الحسن أمامهم، فهذا خير من أن يحدثهم عن الفعل الحسن، لأن الناس لا سيما الصغار يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم.

فلما رأى منه ابن الدغنة ما رأى، قال له: مثلك لا يَخْرُجُ، ولا ينبغي أن يُخرَج، ما المواصفات التي فيه؟ ما قال: إنك خطيب مفوه، وما قال: إنك رجل نسيب في قومك، ولا قال: إنك رجل لك مكانة عظيمة، وإنما قال: أنت تفعل هذه الأفعال التي فيها إعانة للناس، فأعانه ابن الدغنة، فماذا قال بعد ذلك؟ قال: فأنا لك جار، أي أنا سوف أجيرك، تحتمي بي، وهو سيد من سادات قومه، ابن الدغنة قال: وأنا لك جار فارجع، فاعْبُدْ رَبّك ببلدك، أنا أجيرك، قال: فارتحَلَ ابنُ الدَّغنة، فرجع مع أبي بكر إلى مكة، فطاف في أشراف كفار قريش، طاف على الأشراف وقال لهم: إِن أبا بكر لا يُخْرَجُ مثله ولا يخرج، ما مثل هذا تخرجونه، إِن أبا بكر لا يُخْرَجُ مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلاً يقول: إن ربي الله، إنه يُكْسِب المعدوم، ويعين على نوائب الحق، ويقري الضيف إلى آخره.

قال: فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وأمّنوا أبا بكر، أنت آمن، لكن اشترطوا فقالوا لابن الدغنة: مُرْ أبا بكر فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ في داره، وليُصَلّ فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ، ولا يَسْتَعْلِن به، أي بالخفاء، بالسر، فإنا نخشى أَن يَفْتِنَ أبناءَنا ونساءَنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فوافق.

تعزيز النبي مكارم الأخلاق الموجودة عند العرب:

هنا أريد أن أعلق على أمرين اثنين مهمين، الأمر الأول أحبابنا الكرام، النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء قومه قال:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق

[أخرجه البزار في مسنده والإمام أحمد]

الكرم صفة عربية أصيلة

فهذا يعني فيما يعني أن هناك أخلاقاً فطرية كانت موجودة عند العرب، وجاء النبي ليتممها، لا لينشئ أخلاقاً جديدة، أي أنا ما جئت لآمركم بالصدق من جديد، لكن لأعزز الصدق عند الناس، والناس عندهم شجاعة، لكن شجاعتهم أحياناً تقودهم إلى التهور، فيتهور وينزل الميادين من أجل ناقة قتلت، فجاء النبي ليتمم هذه المكارم، فيعيدها إلى وضعها الطبيعي، أي الشجاعة لها موضعها، لا نريد جبناً، ولا نريد تهوراً، الكرم صفة عربية أصيلة جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليعززها، لا نريد إسرافاً، ولا نريد تقتيراً، نريد أن يكون الكرم مرشَّداً في موضعه، لأن الفضيلة وسط بين طرفين، الشجاعة إن زادت على حدها أصبحت تهوراً، وإن نقصت أصبحت جبناً، الكرم وسط بين الإسراف والتقتير، كل فضيلة هي غالباً وسط بين طرفين، فالنبي صلى الله عليه وسلم جاء ليتمم مكارم الأخلاق، إذاً كان عند العرب أخلاق، الذي يصف العرب اليوم فيقول: هذه أمة العرب لا حول ولا قوة إلا بالله، لا يا أخي ! أمة العرب كانت أمة لها شأن بين الأمم، أولاً: كان عندها فطر سليمة لأنها كانت بعيدة عن مدنية فارس والروم، ودائماً الإنسان الملتصق بالصحراء أو بالبادية يصير عنده صفاء، ما معنى أنه لم يأتِ نبي إلا رعى الغنم؟ قال: وأنا كنت أرعاها، صلى الله عليه وسلم، حياة البادية والحياة مع الأغنام تصفي النفوس، حياة المدنية تشحن النفوس بالعلاقات العامة، يصبح الإنسان دائماً مشحوناً، الحالة الإيجابية تأتي من الحياة الطبيعية، فلذلك شاء الله أن كل نبي رعى الغنم، الحياة مع الأغنام، كان صلى الله عليه وسلم يجلس في غار حراء الليالي ذوات العدد، ما الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم في غار حراء؟ كان يتعبد الله، ينظر في آلاء عز وجل، ينظر في خلق السماوات والأرض.

إذاً أحبابنا الكرام مكارم الأخلاق موجودة بالنفوس بالفطرة، جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليعززها، والعرب كان عندهم من تلك المكارم، هذا عنترة بن شداد، كان يقول:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
{ عنترة بن شداد }

اليوم في جاهلية القرن الواحد والعشرين لا يغض طرفه إن بدت له جارته، بل يطلق بصره والعياذ بالله، العربي كان يأنف أن يطلق بصره إلى محارم جيرانه، كان عندهم من المثالب ما عندهم، وبعض المثالب كانت موجودة ببعض القبائل، مثل قضية وأد البنات البعض يظنها أنها قضية كانت سائدة عند العرب، لا، كانت عند قبيلة من قبائل العرب، كل العرب كانت تئد البنات؟ لا، وقصة سيدنا عمر أنه وأد ابنته في الجاهلية مكذوبة لا أصل لها فانتبهوا، ما كانت عادة موجودة، موجودة عند بعض العرب، فكان عندهم من المكارم، وكان عندهم من المثالب، لا ينكر ذلك أحد، عندهم من المكارم ما عندهم، وعندهم من المثالب ما عندهم.

هذه أم سلمة رضي الله عنها، لما خرجت صحبها رجل، قالت: ما رأيت أكرم منه، كانت إذا أرادت أن تنزل من على البعير ينيخ لها البعير ويبتعد، فإذا أرادت أن تصعد ينيخه لها ويبتعد حتى تصعد، عند قضاء حاجتها الأمر نفسه.

الجاهلية كانت تطلق ضد الحلم وليس العلم

إذاً العرب حملوا من مكارم الأخلاق الشيء الكثير، لذلك جاء الإسلام، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم في العرب، فكفانا جلداً للذات، يا أخي الأمة العربية هؤلاء جماعة داحس والغبراء، نعم عندهم مثالب، جاء الإسلام فهذبهم، ونقلهم من رعي الغنم إلى قيادة الأمم، لكن لم يكن العرب أمة هاملة، الجاهلية كانت تطلق ضد الحلم وليس العلم، انتبهوا الجهل يطلق في لغة العرب ضد العلم، وضد الحلم، يقال: جَهل فلانٌ عليه، أي لم يحلم، لم يكن حليماً، فالعرب لأن الحلم كان عندهم ضعيفاً، وتثور ثائرته لأدنى شيء، فسمي العصر بالعصر الجاهلي، لكن كان عندهم من العلوم ما عندهم، كانت تقام أسواق عكاظ، وسوق المجنة، والأشعار، وكان عندهم علوم، وتفوقوا بكثير من العلوم، لكن يقول قائلهم:

ألا لا يجهلنْ أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
{ عمرو بن كلثوم }

أي إذا مسّ أحدهم طرفي فأنا العربي الأشم، ابن القبيلة الفلانية، فأثور عليه، فجاء الإسلام وهذب النفوس.

{ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم واحد، وأباكم واحد، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى }

[أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط والبزار]

وجاء القرآن:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)

[ سورة الحجرات]

أي هذبهم، هذب نفوسهم، لكن كان عندهم من المكارم الشيء الكثير، هذا الأمر الأول.

لما جاء ابن الدغنة وقال: أجيروه، أجاره فوراً، هذه أين تجدها اليوم في القرن الواحد والعشرين؟ قال لهم: عندي، هذا لجوء سياسي من أعظم أنواع اللجوء، اليوم تنتهك الحرمات دون أي إقامة لأي وزن، أن هذا ببلد فلان، أو ببلد فلان، فأجاره فوراً.

ابتعاد الكفار عن القرآن:

النقطة الثانية: كفار قريش قالوا: نخاف أن يفتن نساءنا وأبناءنا وبناتنا، بمعنى آخر؛ هؤلاء كفار قريش فهموا تماماً أن الحق هنا، قال تعالى:

وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)

[ سورة النمل]

قد تستغرب، فتقول: أين كان عقلهم؟ لماذا لم يؤمنوا؟ كان الواحد منهم يذهب تحت نافذة ليسمع القرآن الكريم، من كثرة ما أطربهم سماعه، ومن شدة ما وجدوا من حلاوته.

الوليد بن المغيرة لما وصف القرآن وصفه بأجمل ما يصفه ربما أي مؤمن، إنّ عليه لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، ما هذا الوصف؟! إذاً فهم أن هذا القرآن هو الحق، لكن والعياذ بالله لما وجدوا هذا الحق سيقضي على مصالحهم، واستبدادهم بالعباد، وتحكمهم بالناس، ومصالحهم، وأموالهم، والربا الذي كانوا يقومون عليه، والتفلت الذي كانوا يعيشونه أنكروه، فالإنكار لم يأت من قناعة، وإنما جاء من مصلحة، فهنا يقولون: إذا جاء أبو بكر وسمعوا القرآن منه سيفتنهم، أي يعلمون لو سمعوا الحق النساء والبنات لآمنوا، ورأوا خُلق سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، واستمتاعه بالقرآن، وسمعوا كلام الله، سيفتنون بزعمهم، والحقيقة أنهم سيهتدون إلى الله عز وجل.

قال: ثم بدا لأبي بكر فابتَنَى مسجداً بفناء داره، سيدنا أبو بكر أراد أن يعمل حديقة صغيرة، يجعلها مسجداً ويصلي بها، لم يعد يريد أن يبقى داخل بيته، قال: فابتَنَى مسجداً بفناء داره، وبرز به، عمل مسجداً صغيراً مثل شرفة، فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فَيَتَقَصَّفُ عليه، أي تدخل عليه نساء المشركين وأبناؤهم فيُعجبون، وينظرون إِليه، وكان أبو بكر رجُلا بَكّاء، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، ينظرون إلى سيدنا أبي بكر وهو يبكي، ويقرأ القرآن، فيلفتهم منظره، فأفزع ذلك كفار قريش، خافوا جداً، قال: فأرسلوا إِلى ابن الدغنة، فقدم عليهم. فقالوا له: إِنا كُنَّا أَجَرْنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره - الشرط في داره - وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً خارج داره، فأَعْلَنَ بالصلاة والقراءة وقد خشينا أن يَفْتِنَ أبناءَنا ونِساءَنا.

وصاحب السلطة لا يُفتَن

لماذا خافوا على أبنائهم ونسائهم؟ لماذا هم لا يفتنون؟ لأنهم هم أصحاب الأموال، صاحب المال لا يفتنه عن ماله إلا أن يكون طالب حق، هم أصحاب الاستبداد بالعباد، وصاحب السلطة لا يُفتَن، يعرف نفسه، لكن خشوا على النساء والأبناء، لأن الأبناء على الفطرة، والنساء هم يتحكمون بهم، انظر على من خشوا، خشوا على الأبناء والنساء، فهم آمنون على أنفسهم من أن يفتنوا بكلام الله!!

فقالوا: أن يَفْتِنَ نِساءَنا وأبناءَنا، فائْتِهِ فإِن أحبَّ أن يقتصِر على أن يعبد ربه في داره فله ذلك، وإِن أبى إِلا أن يُعْلِن بذلك، فَسَلْهُ أن يَرُدَّ إِليك ذِمَّتَك. فإنا قد كرهنا أن نخْفِرَك.

نحن العرب لا يوجد عندنا أن نخفر ذمة أحد، أي لا ننقض العهد، فإما أن يدخل إلى داره فإن أبى فاسأله أن يرد لك ذمتك، تنازل حتى نحن نعرف عملنا معه.

فإنا قد كرهنا أن نخْفِرَك. ولَسْنا مُقِرِّين لأبي بكر الاستعلانَ، أن يعلن صلاته وقراءته، قالت عائشة رضي الله عنها: فأتى ابن الدغنة أبا بكر، فقال: قد عَلِمْتَ الذي عاقَدْتُ لك، أنا بيني وبينك عقد معهم، فإما أن تقتصر على ذلك، ضمن الاتفاق، وإما أن تُرْجِعَ إِليَّ ذِمَّتِي، فإني لا أُحِبُّ أن تسمعَ العربُ أني قد أُخْفِرْتُ في رجل عَقَدْتُ له، لا يناسبني أن يقال إني عاهدت رجلاً ثم نقض العهد، هذه من أخلاق العرب، أي الكلمة كلمة، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: فإِني أردُّ إِليك جِوَارَكَ، وأرضى بجوار الله، جاري الله.

الله عز وجل جار لمن لا جار له

أخواننا الكرام؛ الذي يجعل الله عز وجل جاراً له يجيره من كل شيء، حاشاه أن تستجير به ولا يجيرك، لكن ربنا عز وجل يمتحن، جواره عزيز، الله من أسمائه العزيز، فقد تستجير به أحياناً ويمتحنك في مالك، في أهلك، في ولدك، ليرى هل أنت تستجير به حقاً أم مصلحة؟ عندما يرى منك أنك تستجير به حقاً، والله إن الله عز وجل جار لمن لا جار له، فربنا عز وجل كريم لكنه عزيز، فجواره يحتاج إلى بذل، أي لا ينال جانبه، العزيز لا ينال جانبه.

سيدنا أبو بكر في هذه اللحظة قال له: رددت لك جوارك، أنت لم تعد تستطيع أن تتحمل أكثر من ذلك، لكن أرضى بجوار الله، أنا في جواره، فكيف كان جوار الله لأبي بكر؟ مضت 1400 سنة ونحن نجلس في هذا المجلس فنترضى عنه، رضي الله عنه، ومضت 1400 سنة وما زال ملايين المسلمين يتمنون اللحظة التي يمرون بها من أمام قبره حتى يقولوا بعد سلامهم على رسول الله: السلام عليك يا أبا بكر، هذا جوار الله، الذي يجيره ربنا عز وجل يبقى ذكره إلى أبد الآبدين، يخلد ذكره بالعمل الصالح، بالبذل، بالتضحية.

أخواننا الكرام؛ نبتغي جوار الله، ربنا عز وجل كريم وجواره عزيز، ومن أجاره الله فقد أجاره.

فقال له أبو بكر: فإِني أردُّ إِليك جِوَارَكَ، وأرضى بجوار الله، هذا الموقف الذي أحببت أن أقف عنده.

أبو بكر صحابي جليل وهو خير الناس بعد رسول الله:

لكن بختام سيرة أبي بكر أحبّ أن أعلق على شيء مهم جداً جداً، سأذكر النصوص وستفهمون مقصدي من النصوص.

محمد بن الحنفية بن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت لأبي أي لعلي رضي الله عنه: أي الناس خير بعد رسول الله؟ قال سيدنا علي بن أبي طالب في صحيح البخاري سأله ابنه أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، فأي شخص اليوم يثير خلافاً بين صحابة رسول الله، أو يبني عقيدته على وقوفه في صف صحابي دون صحابي فهو بذلك يخالف قول هذا الصحابي الجليل.

خير الناس بعد رسول الله أبو بكر

سيدنا علي يقول: خير الناس بعد رسول الله أبو بكر، قال: قلت: ثم من؟ قال: عمر، يقول محمد بن الحنفية: خشيت أن يقول في الثالثة عثمان، قال: قلت: ثم أنت؟ ابن يحب أن يكون أبوه خير من في الأرض، هذه فطرة، قال: قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين، أي تواضع سيدنا علي بن أبي طالب تواضع عجيب، وفهمه أن لسيدنا أبي بكر في الإسلام مكانة عظيمة، فأي إنسان يحاول أن يشوش هذه العلاقة، أو هذه المكانة فكلامه مردود عليه، هذه واحدة.

يقول علي رضي الله عنه، الآن القول لسيدنا علي، قال: كنت إذا سمعت رسول الله، أو سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وإذا حدثني غيره استحلفته، أي إذا الحديث فوراً من فم رسول الله آخذه وأعمل به، إذا جاء أحد قال: قال رسول الله، أقول له: أستحلفك بالله هل قاله رسول الله؟ فإن حلف صدقته، وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، أبو بكر لا يستحلف عند سيدنا علي، لأنه الصديق، قال: وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وصدق عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من عبد يذنب ذنباً ويتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر لذلك الذنب إلا غفر الله له }

[أخرجه الترمذي وأبو يعلى وابن حبان ]

ثم تلا:

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)

[ سورة آل عمران]

هذا حديث يرويه سيدنا علي عن سيدنا أبي بكر ويقول: صدق أبو بكر.

جعفر الصادق رضي الله عنه يقول لسالم بن أبي حفصة، سأله عن أبي بكر وعمر ما رأيك بأبي بكر وعمر؟ فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما، جعفر من آل البيت، رضي الله عن أهل البيت جميعاً، قال: تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى، ثم قال جعفر: يا سالم ! أيسب الرجل جده؟ هل هناك رجل يسب جده ! أيسب الرجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولهما وأبرأ من عدوهما، يدعو على نفسه ألا تناله شفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إن لم يوالِ أبا بكر وعمر، ويتبرأ من أعداء أبي بكر وعمر، هذا الكلام لجعفر الصادق رضي الله عنه.

فضل أبي بكر في نصر الدين الإسلامي:

الإيمان يحتاج إلى وقت ليتعزز بالنفوس

أخواننا الكرام ؛ كما تعلمون سيدنا أبو بكر لما ولي الخلافة – نعيد هذا للتذكر- جاءت حروب الردة، يقال: إن أبا بكر حمى الدين بحرب الردة، أي الله عز وجل نصر به الدين، حروب الردة لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت بعض الأحياء، الإيمان أخواننا الكرام يحتاج إلى وقت ليتعزز بالنفوس، وأحياناً لما توسعت الدولة الإسلامية صار لها شأن كبير، قد يدخل بعض الناس للدين مصلحة أو رهبة، يحدث ذلك في كل عصر، وفي كل مصر، أثناء ضعف المسلمين لا تجد منافقين، انظروا في الآيات المكية في القرآن، هل تحدث الله عن المنافقين في أي آية مكية؟ أبداً، لا يوجد منافقون بمكة، لماذا ينافق؟ المسلمون يسامون سوء العذاب، هل من أحدٍ يدعي الإسلام نفاقاً؟ لكن متى ظهر المنافقون؟ عندما بنيت الدولة، يصير هناك مكاسب، ونفاق، لكن عندما توسعت المكاسب أكثر وأكثر، ودولة الإسلام صار لها شأن، والراكب يسير لا يخاف شيئاً، وأمن الطريق، وصارت دولة الإسلام قوية، هناك من دخل بالإسلام رغبة بالغنائم، أو رهبة، قوة الإسلام ترهب البعض، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت بعض الأحياء، لكن ليست بالحجم الذي يوصف أحياناً في كتب التاريخ أن معظم العرب ارتدوا، لا، معاذ الله، إذا قلت ذلك كأنك تحكم على الدولة الإسلامية التي كانت بهذا الحجم بالفشل! أنهم ارتدوا، لا ليس هكذا، البعض ما فهموا، كانوا يعطون الزكاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)

[ سورة التوبة]

الإسلام ما قال: أعطوا صدقاتكم، قال: (خُذْ) هذا حق، والحق يؤخذ، أي على الحاكم أن يرسل فرقاً تجمع الزكاة، هكذا ينبغي (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ).

الزكاة تزكو بها النفوس

فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وانتقل إلى الرفيق الأعلى، بعض أحياء العرب أيضاً قالوا: لا نعطي الزكاة، كنا نعطيها لرسول الله، والآن مات رسول الله، لم يعد هناك زكاة، بعبارة حديثة اليوم، بالمجتمع الحديث، بمجتمع الدولة الحديثة، الدولة المدنية هذا اسمه: تمرد على الدولة، امتناع أحياء كاملة عن دفع مستحقات الدولة المالية، لا يوجد دولة في الأرض تقبل اليوم أي دولة بالعالم، من أضعف دولة لأقوى دولة تقبل أن يمتنع الناس عن دفع الضرائب طبعاً مع الخلاف بين الضريبة والزكاة، الضريبة من الضرب، الزكاة تزكو بها النفوس، لكن نحن نقارن حتى نفهم الذي صار، فلا تقبل دولة أن يمتنع الناس عن دفع مستحقاتهم، ومستحقات البيوت، ضريبة المبيعات، ضريبة الدخل، إلى آخره، ثم لا تسير الجيوش للحرب، هذا خط أحمر، فلما امتنعوا عن الدفع، الآن قال: عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر قال عمر: هنا عمر فهم المسألة فهماً آخر، مع أننا نفهم أن شخصية سيدنا عمر أقوى، لكن انظروا ماذا قال لسيدنا أبي بكر أيضاً؟ قال عمر: يا أبا بكر تقاتل الناس؟

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لمَّا تُوُفِّيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم واسْتُخْلِفَ أبو بكر بعدَه، وكَفر من كفر من العرب، قال عمرُ بن الخطاب لأبي بكر: كيف تُقاتِل الناس وقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أُمِرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إِله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، عَصَمَ مني مالَه ونفسه إِلا بحَقِّه، وحِسَابُه على الله؟ فقال أبو بكر: والله لأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقُّ المال، والله لو مَنَعُوني عَنَاقا كانوا يُؤَدُّونها إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إِلا أَن رَأَيتُ أَنَّ اللهَ شرحَ صَدْرَ أَبي بكرٍ لِلْقتال فعرفتُ أَنَّهُ الحَق }

أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك

سيدنا عمر يذكره أن هؤلاء لم يكفروا، إذاً هذه ليست ردة، أي معظم الناس لم يرتدوا لكن هذا فهم مغلوط لفريضة الزكاة (فقال أبو بكر: والله لأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بين الصلاة والزكاة) لا يوجد حل وسط (والله لو مَنَعُوني عَنَاقا كانوا يُؤَدُّونها إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ على منعها) سيدنا أبو بكر لم يتهاون، قال (فوالله ما هو إِلا أَن رَأَيتُ أَنَّ اللهَ شرحَ صَدْرَ أَبي بكرٍ لِلْقتال) فهم على سيدنا أبي بكر، سيدنا أبو بكر حمى الإسلام إلى يومنا هذا، لأن دولة الإسلام قائمة، ويجب ألا يتمرد شخص على دفع المستحقات، هذه هي حقيقة حروب الردة تماماً، حتى لا يفهم البعض أن حروب الردة هي إكراه لنا على دخول الدين، لا أحد أكره أحداً، فهم مسلمون، لكن امتنعوا عن أداء الحقوق، كل العالم يسيّر الجيوش لحرب من يمتنع عن أداء الحقوق.

الإسلام دعوة إلى الله ولم ينتشر بحدّ السيف:

الأمر الأخير أخواننا الكرام حتى يتضح معنى الحديث: (أُمِرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إِله إلا الله) البعض يفهم من هذا الحديث أنه إكراه، يقول لك: كيف؟

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)

[ سورة البقرة]

والنبي صلى الله عليه وسلم أُمر أن يقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فيفهم الحديث فهماً مغلوطاً (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) الإسلام لم ينتشر بحد السيف وكل النصوص تؤيد ذلك، وكل الوقائع تؤيد ذلك، الإسلام دعوة إلى الله عز وجل.

وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29)

[ سورة الكهف]

الحساب عند الله، لم يجبر أحد على الدخول أحبابنا الكرام، أنت لا تستطيع أن تقنع الناس بفكر، وأن يعتنقوه بالقوة، لأن أول فرصة تتاح له يحارب الفكر الذي أنت أقنعته إياه بالقوة، حتى السلوك ليس كل السلوكات تستطيع أن تقنع الناس فيها بالقوة، اليوم هل تستطيع أن تقنع الناس بالصيام بالقوة؟ يدخل إلى بيته ويختبئ ويشرب ماء، هل تستطيع أن تلزم الناس بغض البصر بالطرقات؟

يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)

[ سورة غافر]

الفكر لا يفرض بالقوة

لا يستطيع أحد أن يلزمه، إذا كانت كثير من السلوكات لا تفرض بالقوة، فكيف يفرض الفكر بالقوة؟ الفكر لا يفرض بالقوة، أن يسلم إنسان بالقوة ما معنى الحديث أنه (أُمِرتُ أن أُقاتل الناس)؟ أول شيء: أقاتل فعل مشاركة، قاتل، هذا بمعرض القتال في المعركة، وليس في ميدان السلم، ميدان الحديث المعركة وليس السلم، القتال أي يوجد طرفان ثم الناس، هل هم كل الناس؟ لا، الناس المقاتلون أو الصادون عن دين الله، قال تعالى في القرآن الكريم:

الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)

[ سورة آل عمران ]

من (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) كل الناس؟ لا، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ) هؤلاء أربعة أشخاص، واحد منهم كان أبو سفيان (إِنَّ النَّاسَ) قريش (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) فالناس ليست معناها كل الناس، وإنما معناها حسب النصوص (أُمِرتُ أن أُقاتل الناس) أي المقاتلين المعتدين، أو الصادين عن سبيل الله الذين يمنعون وصول الحق إلى الناس، هنا (أُمِرتُ أن أُقاتل الناس) حديث النبي (حتى يقولوا: لا إِله إلا الله) حتى يقولوا: لا إله إلا الله؟ أي هدف القتال أن يقولوا لا إله إلا الله؟ لا، إذا قلت لك: ادرس حتى تنجح، أي هدف الدراسة تحقيق النجاح، حتى هنا للتعليل، أي ادرس لتنجح، لو قلت لك: ادرس حتى المساء فهل هدف الدراسة أن يأتي المساء؟ لا، في القرآن الكريم:

قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)

[ سورة طه ]

ديننا يُقاتل المعتدين

هل نريد أن نعكف على الأصنام من أجل أن يرجع موسى أم نحن نريد أن نعكف عن الأصنام إلى أن يرجع موسى؟ بل المعنى الثاني، أي قتال الناس لا ينبغي أن يكون إذا قالوا: (لا إِله إلا الله) إذا بالمعركة أنت تقاتل إنساناً، والإنسان قال لك: (لا إِله إلا الله) ولو قالها بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه توقف فوراً، انتهى القتال، لكنك لا تقاتله ليقولها، تقاتله لأنه معتد، تقاتله لأنه لا يسمح للناس أن يدخلوا في دين الله، تقاتله لأنه يصد عن سبيل الله، لست تقاتله ليقولها، لكن لو أنه قالها فلا يجوز أن أقاتله أبداً، هذا معنى الحديث فقط (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) يا أحبابنا الحديث لا يدل أبداً على ولكن البعض يفهمه خطأ، يقول لك: دينكم يقاتل الناس حتى يشهدوا، ديننا لا يقاتل الناس من أجل أن يشهدوا، ديننا يقاتل المعتدين.

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)

[ سورة البقرة ]

ويقاتل:

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)

[ سورة الأعراف ]

الذي يقول لك: ممنوع تدعُو الناس إلى الله، لا، الناس من حقهم أن يصل إليهم صوتنا، لكن إذا قال إنسان: (لا إِله إلا الله) فممنوع قتاله، ولو قالها بلسانه، قال: لما جيء النبي صلى الله عليه وسلم برجل مقتول، قال: إنما قالها لينجو من القتل؟ قال: شققت على قلبه؟ ممنوع، قال الرجل (لا إِله إلا الله) خوفاً، طمعاً، انتهى حتى نبتر ونقطع أي شيء يؤدي لقتل إنسان معصوم، الإسلام يحمي النفوس.

تلخيص لما سبق:

سيدنا أبو بكر حارب حروب الردة للانتصار للإسلام، ولإعادة الناس إلى جادة الصواب، وبالفعل حمى الله به الدين إلى يوم القيامة، وحروب الردة كما قلنا: لم تكن حروب ردة بالمعنى الحرفي للكلمة، بمعنى أن مجموعة كبيرة من الناس ارتدوا، وإنما فوضى حصلت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضعاف الإيمان، أغلبهم امتنعوا عن دفع الزكاة فأعادهم أبو بكر رضي الله عنهم إلى جادة الصواب، وحمى دولة الدين إلى قيام الساعة.

والحمد لله رب العالمين

مع الصديق رضي الله عنه - 3

محاضرة في الأردن

2021-06-28

عمان

الأردن

جديد الموقع

خمس أمور تعينك على تربية أولادك
خطب الجمعة - 2019-06-14

تاريخ النشر : 2019-09-04

مكارم الأخلاق
خطب الجمعة - 2019-06-21

تاريخ النشر : 2019-09-04

حفظ العقل
خطب الجمعة - 2019-06-28

تاريخ النشر : 2019-09-04

مع الصديق رضي الله عنه - 3