عِبَر وعَبَرات
عِبَر وعَبَرات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلِّم على نبينا الأمين، اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
قصة هارون الرشيد مع الفضيل بن عياض:
وبعد فيا أيها الأخوة الأحباب؛ أروي لكم اليوم قصة من هذا الكتاب : (موقف وعبرة) القصة بعنوان: (عبر وعبرات)، يقول راوي القصة؛ القصة في زمن هارون الرشيد، الخليفة العباسي المعروف، يقول راوي القصة: |
حدَّث الفضل بن الربيع خادم أمير المؤمنين هارون الرشيد؛ الفضل كان خادماً لأمير المؤمنين يرافقه، قال: حجّ أمير المؤمنين هارون الرشيد فأتاني فخرجت مسرعاً، فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليَّ لأتيتك، لماذا جئت أنت؟ أنا آتيك، فقال: ويحك قد حكَّ في نفسي شيء، هناك شيء يشغل بالي جئت من أجله، فانظر لي رجلاً أسأله، فقلت: ههنا سفيان بن عيينة، سفيان بن عيينة كان محدث الحرم المكّي من مواليد الكوفة، رجل من التابعين، فقلت: ههنا سفيان بن عيينة، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه فقرعت الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعاً، فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليّ لأتيتك، فقلت له: خذ لما جئناك له رحمك الله، جئنا نسمع منك موعظة، قال: فحدثه ساعة، ليس ساعة أي عبارة عن ستين دقيقة وإنما برهة من الزمن، ثم قال له: عليك دين؟ قال: نعم، قال: يا أبا العباس اقض دينه. |
أحب للمسلمين ما تحب لنفسك
|
كلما عظمت المسؤولية كان الوقوف بين يدي الله عز وجل أعظم وأشد:
الدين لا يطلب منا أن نبتعد عن الحياة
|
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَْ(27)[سورة الحديد]
إنه التفرغ للعبادة، بمعنى العبادة الشعائرية، يجلس ويترك الناس ويعتزل الدنيا، لا أحد قال بذلك. |
فلما قال له: صم الدنيا، وليكن إفطارك منها الموت، المقصود صوم الدنيا عن الحرام لا الصوم عن الحلال، فالحلال مشروع، هو قال: ابتليت بهذا البلاء، أشيروا عليّ فإنني ابتليت بهذا البلاء، قال: عدها بلاءً وعددتها نعمةً، لمّا يفهم الإنسان أي مسؤولية يأخذها في الدنيا على أنها امتحان، بلاء أي امتحان، يكون قد نجا وفاز، أكبر مصيبة تصيب من يتقلد منصباً أو يُجعل له مكانٌ أو مكانة، تبدأ مصيبته عندما يفهم المكانة تشريفاً ولا يفهمها تكليفاً، أنت في أي مكان كنت حتى في عملك، إذا كنت مدير معمل عندما تفهم أنه تشريف تخسر العمل وتخسر العمال، أما هي فتكليف ومتابعة ومراقبة، كل إنسان يكون في مهمة وتحت يديه أشخاص عندما يفهم أن هذا تشريف فينسى عمله، ولا يؤدي دوره، وعندما يفهمه تكليفاً ينهض به، ويقوم به، من أصغر مسؤول إلى أكبر مسؤول، الولاية الخاصة أو الولاية العامة ليست تشريفاً بل هي تكليف، حتى في قوله تعالى: |
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(34)[سورة النساء]
هذا تكليفٌ وليس تشريفاً، (قَوَّامُونَ) أي شديدو القيام، أي يجب عليه أن يصلح الأمور، ويتابع بيته، هو أخذ مكاناً ينبغي أن يقوم فيه بأمر الله، فإذا قصّر سيحاسب، فعندما يقول إنسان ويترنم: أنا مسؤول، والنعم، ما شاء الله مسؤول، قال تعالى: |
وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ(24)[سورة الصافات]
فكلما عظمت مسؤوليتك كان الوقوف بين يدي الله عز وجل أعظم وأشد. |
فقال: صم الدنيا وليكن إفطارك منها الموت. |
من أراد النجاة من عذاب الله عليه توقير الكبير والعطف على الصغير:
الثاني قال له: إذا أردت النجاة من عذاب الله غداً فليكن كبير المؤمنين عندك أباً، صنف المؤمنين كلهم إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول من هو أكبر منك فهذا أبٌ لك، الكبير أب، والأوسط أخ، والصغير ولد، ابن، فماذا تفعل؟ قال: فوقر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك، باختصار علاقتك مع الناس، إنسان كبير بالعمر ولو بدر منه شيء غير مناسب هذا بمقام والدك، شيبة شابت في الإسلام تحترمه وتوقره مهما بدر منه، والأوسط المماثل لك، زميلك في العمل مثلاً هذا أخوك، فأحب له ما تحب لأخيك، أما الصغير أصغر منك فهذا ولدك، تنصح له بهدوء، تعامله برقة، بعطف، بحنان، إلى أن تتألف قلبه وتصلحه. |
على الإنسان أن يحب للمسلمين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه:
الثالث رجاء بن حيوة قال: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحبه لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، هذا ما يعبر عنه: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، والله لو طبق الناس هذا الكلام وأصله في الحديث الشريف: |
{ عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال :لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه }
[متفق عليه]
لا نظلم مسلماً ولا غير مسلم
|
{ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: ما هذا يا صاحِبَ الطَّعامِ؟ قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النَّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي }
[صحيح مسلم]
{ يا صاحِبَ الطعامِ أسْفلُ هذا مِثلُ أعلاهُ ؟ فقال : نَعَمْ يا رسولَ اللهِ ! فقال رسولُ اللهِ : مَن غَشَّ المسلِمينَ فلَيْسَ مِنْهُمْ }
[أخرجه الألباني]
من غش مطلقاً، من غش غير مسلم فهو ليس منا. |
الموعظة الحسنة هي تذكير الناس بالجنة والنار:
إذا أردت أن تحدث أحداً فحدثه بلطف
|
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( 125)[سورة النحل]
الموعظة الحسنة تذكير بالجنة والنار، بالثواب وبالعقاب، الموعظة الحسنة أن تذكر الناس. |
الخطاب في الدعوة ثلاث مراحل:
جعل الخطاب في الدعوة على ثلاث مراحل: 1- ادع إلى سبيل ربك بالحكمة، 2- والموعظة الحسنة، 3- وجادلهم بالتي هي أحسن، الحكمة: الحكمة لأشخاص يقبلون الحق ويقبلون عليه، ليس عندهم مشكلة مع الحق وأهل الحق، وهذا يحتاج إلى حكمة، أما الموعظة الحسنة فهي أن الشخص يحب الحق وأهل الحق ولكن عنده بعد، بعيد عن الحق، هذا يحتاج أن تذكره بالله بالموعظة الحسنة، الوعظ: أن تقول: انتبه هناك عقاب وجنة ونار، وجادلهم بالتي هي أحسن: هذه للمعاندين والمعرضين عن الحق، هذا جدال، لم يقل: بالتي هي حسنى، بل قال: بالتي هي أحسن، أي اختر أنسب العبارات وألطف العبارات لأنه معاند فإذا زدت عليه الجرعة في التأنيب والجدال السيئ فإنه يتمسك أكثر بباطله، (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). |
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَْ(46)[سورة العنكبوت]
فالجدال يكون بالتي هي أحسن، والموعظة الحسنة والحكمة لا تحتاج إلى وصف؛ حكمة وما أجمل الحكمة! |
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)[سورة البقرة]
أهمية الكلمة في حياة الإنسان لأنها الأساس في ديننا:
أحبابنا الكرام؛ قبل أن أتابع، الكلام جميل ولكن قبل أن أتابع، الكلمة الطيبة؛ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ الكلمة الطيبة صدقة }
[رواه البخاري ومسلم]
الكلمة فتحت القلوب، فتحت البلاد، دخل الناس بها في دين الله أفواجاً، كلمة تدخلك في دين الله، أشهد أن لا إله إلا الله، من أعظم ما يمكن أن يقوم به الإنسان أن يتكلم الكلمة الطيبة: |
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24)[سورة إبراهيم]
إن وجدت المصداقية تعلق الناس بالكلمة
|
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿2﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)[سورة الصف]
فأول سبب لبعد الناس عن الكلمة أن السلوك لا يطابقها، السبب الثاني فيما أعتقد: وسائل التواصل الحديثة التي ألهت الناس عن الكلمة، وسائل التواصل فيها كلمة لكنه كلام غير منظم، غير مبوب، أي كلام عام، هنا حكمة، هنا كذا، فالناس بشكل طبيعي صاروا يميلون للوجبات الجاهزة في الكلام، أما حضور مجلس علم لنصف ساعة فيجدونه ثقيلاً، أيضاً هذا الأمر يجب الانتباه إليه لأن الكلمة هي الأساس في ديننا. |
الولاية أمانة:
بكى هارون بكاءً شديداً ثم قال له: زدني رحمك الله، سُرَّ الخليفة، هارون الرشيد ما يروى عنه من روايات تالفة أنه كان له جوار وطرب كل هذا لا أصل له، هارون الرشيد كان يحج عاماً ويغزو عاماً، فتحت الفتوحات في عهده، عندما توفي كان عمره اثنتين وأربعين سنة، هارون الرشيد - وهذا في إحدى حجاته - في حجه أراد أن يسمع كلام الحق، لكن طبعاً ليست الخلافة كما كانت في عهد الراشدين وعمر بن عبد العزيز، لذلك هو كان يبكي، سبحان الله كلما جاء زمن ترحم على الذي قبله، فقال له: يا أمير المؤمنين إن أبا ذرٍّ رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ألا تستعملني؟ أي في منصب أو ولاية، ألا تستعملني؟ |
{ قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قالَ: فَضَرَبَ بيَدِهِ علَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قالَ: يا أَبَا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّهَا أَمَانَةُ، وإنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلَّا مَن أَخَذَهَا بحَقِّهَا، وَأَدَّى الذي عليه فِيهَا }
[صحيح مسلم]
الولاية أمانة كبرى
|
فبكى هارون بكاءً شديداً، ثم قال: زدني رحمك الله، فقال الفضيل: يا حسن الوجه، أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: |
{ ما مِنْ عبدٍ يسترْعيه اللهُ رعيَّةً ، يموتُ يومَ يموتُ ، وهوَ غاشٌّ لرعِيَّتِهِ ، إلَّا حرّمَ اللهُ عليْهِ الجنَّةَ }
[رواه البخاري ومسلم]
أخواننا الكرام؛ الولاية أمانة، أمانة كبرى، ما من عبد يسترعيه الله رعية، أي بين يديك عشرة وغششتهم، ما معنى غششتهم؟ إن أفسدتهم فقد غششتهم، إن لم تعطهم أجرهم فقد غششتهم، إن لم تؤمن لهم حرفتهم وأنت قادر على ذلك فقد غششتهم، إن جعلتهم يتسولون الناس فقد غششتهم، أي أنت مؤتمن على هؤلاء الأشخاص الذين تحت يدك، لذلك ينبغي أن تحب لهم ما تحب لنفسك، تعاملهم كأنهم أولادك، لا تغشهم. |
من ترك أمره لله فهذا من تمام العقل والفهم:
الدين لله
|
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)[سورة الحديد]
نحن كلنا علينا دين لله، كلنا، أعمال صالحة نرجو ثوابها، ونسأل الله السلامة، أعمال سيئة نرجو مغفرتها إن شاء الله، فكل إنسان مدين لله، قال: دين لربي لم يحاسبني عليه، الويل لي إن سألني، الويل لي إن لم ألهم حجتي، يسألك وليس لديك حجة، لماذا ظلمت إنساناً؟ يا رب لا يوجد أي شيء أقوله. |
قال هارون: إنما أعني ديناً للعباد؟ قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، ربي لم يأمرني أن أطلب من العباد من أجل الدنيا، إنما أمرني أن أصدق وعده، وأطيع أمره، قال تعالى: |
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)[سورة الذاريات]
الله لم يطلب مني أن أقترض هو يرزقني، فقال له هارون: هذه ألف دينار هدية خذها، فأنفقها على عيالك وتقوّ بها على عبادة ربك، هذا موقف صحيح من هارون ليس خطأ أن تكرم إنساناً ليس له حاجة، فقط من باب الإكرام، أحب أن يكرمه، فقال: سبحان الله! أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا؟ |
الإنسان الناجح يترك مكافأته على الله
|
فقال له: أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلمك الله ووفقك، ثم صمت فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب قال هارون: يا فضل إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين، فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به، فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه، أي أنا كنت أنفق عليكم فلما أصبحت كبيراً تريدون أن أقبل هدية السلطان وآخذ مالاً وأنا لا أريد أن أخذه؟ أريد أن أبقي عملي لله تعالى، فلما سمع هارون هذا الكلام وهو على الباب قال: ندخل فعسى أن يقبل المال بعد أن سمع زوجته والحال، فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جانبه فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينما نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء، من الجيران، قالت: يا هذا قد آذيت الشيخ فانصرف، لا تعرف أنه أمير المؤمنين، قالت: يا هذا قد آذيت الشيخ فانصرف رحمك الله، يقول الفضل: فانصرفنا . |
أثر الكلمة الطيبة:
الكلمة الطيبة صدقة
|
هذا الفضيل بن عياض هو نتاج كلمة طيبة، الفضيل بن عياض كان قاطع طريق وكانت الأم إذا أرادت أن تسكت ابنها تقول: اسكت وإلا أعطيتك للفضيل، هكذا ذاع صيته، يقطع الطريق ويسرق، فعلا يوماً جداراً يريد أن يسرق بيتاً فوجد الرجل صاحب البيت مازال مستيقظاً فجلس ينتظره على الجدار، فالرجل عابد من الطراز الأول وقف يصلي وهو يقرأ قوله تعالى وهو يبكي: |
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)[سورة الحديد]
والرجل يقولها من قلب نقي، فلما سمعها الفضيل قال: بلى يا رب قد آن، بلى يا رب قد آن، ونزل من الجدار وذهب إلى الصلاة فوقف خلف الإمام فإذا به يقرأ: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) فتاب الفضيل بكلمة، وهذا نتاج الكلام الطيب الذي قاله لهارون الرشيد. |
أحبابنا الكرام؛ القرآن الكريم كلمة، القرآن كله كلمة طيبة تقرؤها وتدخل إلى القلب فتصادف قلباً نقياً فتتحكم فيه، وربما تغير كلمة طيبة مجرى حياة إنسان بالكامل، تتكلم معه بكلمة فيقول لك: هذه الكلمة غيرت مجرى حياتي. |
فهذا الموقف في الكلام الطيب وفي الكلمة الطيبة. |
والحمد لله رب العالمين |