أجمَعُ آية
أجمَعُ آية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين و على آله وأصحابه أجمعين. |
قصة عمر بن الخطاب مع عبد الله بن مسعود:
آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله
|
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)[ سورة البقرة]
آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، فناداهم أي القرآن أحكم؟ أحكم آية، فجاءه الجواب: |
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)[ سورة الزلزلة]
قال: فنادهم: أي القرآن أجمع؟ أي أجمع للمعاني، فجاء الجواب: |
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)[ سورة النحل]
قال: فنادهم: أي القرآن أخوف؟ فجاء الجواب قوله تعالى: |
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (123)[ سورة النساء]
فقال: ناداهم: أي القرآن أرجى؟ أرجى آية في كتاب الله، فجاء الجواب: |
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)[ سورة الزمر]
قال: أفيكم عبد الله بن مسعود؟ قالوا: اللهم نعم، لأن سيدنا عمر بن الخطاب علم أن هذه الأجوبة هي من الرجل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: |
{ من سرّه أن يقرأ القرآن رطباً كما أُنزل فليقرأْه على قراءَة ابن أُم عبد }
[أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن خزيمة]
و هو عبد الله بن مسعود. |
أجمع آية في القرآن الكريم:
في اللقاء الماضي تحدثنا عن أعظم آية، وهي آية الكرسي، و اليوم عن أجمع آية و هي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) هذه آية أجمع آية كما قال ابن مسعود رضي الله عنه لأنها جمعت ما ينبغي امتثاله في الخير، وما ينبغي اجتنابه بالشر. |
في القرآن كثير من المأمورات، وكثير من المنهيات، لكن هذه الآية تحديداً جمعت أشياء مهمة ينبغي الامتثال لها، تجمع تحتها ألوف البنود، أي كلمة العدل وحدها تشمل آلاف المعاملات، وكلمة الإحسان تشمل آلاف الأنواع (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) تشمل كذلك، والنهي كذلك (الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) فجمعت تحتها كل البنود التي ينبغي أن يأتمر بها الإنسان، و كل البنود التي ينبغي أن ينتهي عنها الإنسان، فما من شيء يأتمر به الإنسان إلا يكون ضمن (بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) وما من شيء ينتهي عنه إلا أن يكون ضمن (الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) فلذلك سماها ابن مسعود أجمع آية بهذا المعنى. |
معرفة الآمر قبل الأمر:
انظروا إلى الآمر قبل أن تسمعوا للأمر
|
فلما يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ) فكأنه يقول لنا: انظروا إلى الآمر قبل أن تسمعوا للأمر، فليس الآمر هنا أباً، ولا ابناً، ولا رفيقاً، ولا زوجاً، ولا ملكاً، ولا رئيساً، ولا صاحب منصب، ولا صاحب مال، وإنما هنا هو الله الخالق (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ) لذلك قالوا: لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت، فعندما يعصي الإنسان أمراً لا ينظر أن الأمر بسيط فيقول: ماذا فعلنا؟ كل الناس تأخذ المبالغ، والرشاوى، والأمور تمشي هكذا، ليس الأمر ماذا فعلنا مهما يكن الذنب بسيطاً، لكن المشكلة أنك خالفت أمر الله، الذي خلقك، ورزقك، وأعطاك، ومنحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى و الرشاد، فالمخالفة ليست على قدر ما خالفت، وإنما على قدر من خالفت، لذلك المؤمن يعظم الله في قلبه، فيخاف منه فلا ينتهك حرماته، بينما الشارد عن الله تعالى لا يعظم الله عنده، قال تعالى: |
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13)[ سورة نوح ]
أي هيبة وعظمة؟! |
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)[ سورة الزمر ]
الأمر معظم المسلمين يعلمونه اليوم
|
كيف نعرف الآمر حتى إذا سمعنا (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ)؟ الآمر غاب عن أبصارنا لكنه لم يغب عن قلوبنا، فكل شيء في الكون يدل عليه، فإذا نظرت في ملكوت السماوات والأرض، كل شيء يدلك على الإله العظيم، هذه المجرات التي تبعد عنا ملايين السنوات الضوئية، الطيور التي في السماء، الشجرة التي بجوار بيتك، ابنك الذي بين يديك، ربيته و كبر، قال تعالى: |
وَبَنِينَ شُهُوداً (13)[ سورة المدثر]
البنون يشهدون لك على خلقك أنت، وعلى وجود الله الذي خلق هذا الابن، كل شيء في الكون يدل عليه، إذا أردت أن تتعرف عليه أيضاً أمامك كتاب الله، هناك الكثير من آيات القرآن الكريم تعرف بالآمر، عندما يقول تعالى: |
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)[ سورة الإخلاص]
هذا تعريف بالآمر، عندما تحدثنا في اللقاء الماضي: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) هذا تعريف بالآمر، وفي الوقت نفسه عندما يحدثك الله تعالى عن أفعاله في القرآن فيقول: |
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)[ سورة الفيل]
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)[ سورة الفجر]
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)[ سورة الأنعام]
هذا كله من أجل أن تعرفه فتعظمه وعندها لا أقول: لن تعصيه. |
{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ }
[أخرجه الترمذي]
لأن النفس تغلب الإنسان، لكن تصبح المعصية أقل بكثير، عدد المعاصي، وحجم المعاصي، ثم يبادر الإنسان إلى التوبة فوراً إن عصى الله لأنه يعظم الآمر عنده. |
كان بعض الصحابة يقول لبعض التابعين: إنكم لتعملون أعمالاً - للتابعين - هي في أعينكم أدق من الشعر، أي ترونها هينة، مثل الشعرة بالعين بسيطة، هي في أعينكم أدق من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات المهلكات، يقول شراح الحديث: ليس يعني أن الكبائر أصبحت بعده صغائر، لا، لأن عصر التابعين هذا من خير القرون، قال: ولكن كانت الأمور الصغيرة لعظم مكانة الله في عيون الصحابة تكبر عندهم، فالتابعون لم يرتكبوا كبائر حاشاهم، لكن الأمور البسيطة التي كانوا هم من عظم الله في قلوبهم يرونها أمراً كبيراً أصبحت الآن بسيطة، ماذا فعلنا؟ فما بالنا نحن المسلمين اليوم؟ |
إذاً المقصود كل هذا الكلام منطلق من مطلع الآية (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ). |
الأوامر الإلهية والنواهي الإلهية من رحمة الله بهذه الأمة:
أحبابنا الكرام؛ لما قال موسى لقومه: |
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)[ سورة البقرة]
ماذا كان ينبغي أن يفعل قوم موسى - بنو إسرائيل -؟ كان ينبغي أن يأتوا فوراً إلى أي بقرة تصادفهم ويمتثلوا أمر الله، لأن الله يأمر، لكنهم لا يعرفون الله الآمر فقالوا: |
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)[ سورة البقرة]
أعطاهم مواصفات، قالوا: |
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)[ سورة البقرة]
أعطاهم مواصفات، قالوا: (مَا هِيَ) مرة ثانية أعطاهم مواصفات أخرى حتى ضاقت عليهم الحيل، فوجدوا: |
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)[ سورة البقرة ]
لا يوجد غيرها، اشتروها بثمن عالٍ، قال: |
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)[ سورة البقرة]
هو لا يريد أن ينفذ، هذا أمر، بالوقت نفسه يقول إبراهيم عليه السلام لابنه إسماعيل: |
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)[ سورة الصافات]
ما قال له: إن الله يأمر أن أذبحك، بل هوَّنها عليه، قال: (إِنِّي أَرَى) أي المنام يتكرر كل يوم، أرى فعل مضارع يفيد التكرار، فالرؤيا متكررة، أي صار هناك شيء يدعو للانتباه، (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) رؤيا منامية، ماذا قال إسماعيل؟ (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) هناك الأمر كان بذبح بقرة، هنا الذبح لمن؟ لابنه النبي، فانظروا بين الأمرين، وقارنوا بين الاستجابتين، ما الذي اختلف؟ اختلف أن إسماعيل عليه السلام مربى في بيت نبوة، بالنسبة له إذا قال الله شيئاً فيجب أن يفعل فوراً، قال: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). |
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)[ سورة الصافات]
أي ذبح، انتهى، التنفيذ كان بشكل كامل. |
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)[ سورة الصافات]
لكنه كان امتحاناً، طبعاً نحن لن يمتحننا الله ويقول لنا: اذبح ابنك، ولا كما عاقب بني إسرائيل: |
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66)[ سورة النساء]
الصادق تحبه الناس
|
إذاً قارنوا، كم كان ذبح البقرة سهلاً جداً (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) نحن أيضاً الله تعالى يأمرنا في عيد الأضحى أن نذبح كبشاً، وهذه سنة أبينا إبراهيم، أي جاءت من هذه القصة، لا يوجد إنسان يسأل كيف الكبش وما لونه؟ لكن هم عندما كانوا بعيدين عن الله بعد الأرض عن السماء بدؤوا يتحايلون حتى لا ينفذوا الأمر. |
إذاً عندما نقول لا نطيل أكثر من ذلك هذه الجزئية، لكن هي مهمة جداً (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ) فانتبه لمن يأمر دائماً. |
الفرق بين العدل والإحسان والمساواة:
الآن: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) ثلاثة مأمورات، وثلاثة منهيات (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) ثلاثة مأمورات، وثلاثة منهيات. |
الإحسان أعلى من العدل
|
فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)[ سورة الشعراء]
أول ما في العدل هو العدل مع الله تعالى، وهو التوحيد، التوحيد هو العدل والشرك هو الظلم. |
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)[ سورة لقمان ]
أعظم ظلم هو الشرك، وأعظم عدل هو التوحيد، أما قلت لكم هي أجمع آية لأنها تجمع كل شيء تحتها، أي العدل يبدأ بالعدل مع الله، فالمشرك ليس عادلاً، ولو عدل مع كل خلق الله، قال لك: أنا دائماً أوزع بالعدل، إذا لم يكن عادلاً مع ربه فهذا العدل كله يأخذ أجره في الدنيا. |
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)[ سورة الشورى]
لأن العمل قليله وكثيره مع التوحيد ينفع، والعمل قليله أو كثيره مع الشرك لا ينفع، فليعمل المشرك ما شاء، ما دامت الوجهة غير صحيحة فهو على الطريق الخطأ، مهما فعل فأجره في الدنيا، لكن ما دام لم يتوجه بالعمل إلى الله فهناك مشكلة. |
ثم العدل مع النفس، الإنسان يعدل مع نفسه، كيف يعدل مع نفسه؟ إذا أتى شهوة محرمة، فحرم الصلة بالله، ثم داوم على هذه الشهوة المحرمة فارتكب الكبائر، ثم أتى الله يوم القيامة مفلساً، فهل كان عادلاً مع نفسه؟ لا والله كان ظالماً، لذلك الله تعالى في القرآن الكريم يذكر أنهم يظلمون أنفسهم: |
سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)[ سورة الأعراف ]
يظلم نفسه لا يعدل معها، لأن الله خلقك من أجل الجنة، فإذا سرت في طريق الجنة فأنت عادل، ولما يسير المنحرف في طريق النار فقد ظلم نفسه. |
فالعدل أولاً مع الله، لئلا يشرك به شيئاً، ثم مع النفس بألا تحملها على المعصية فتحرمها من السكينة في الدنيا، والأجر العظيم يوم القيامة. |
العدل يكون مع الزوجة
|
العدل بين الأولاد، لما جاء هذا الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أشهد يا رسول الله أني نحلت ابني هذا حديقة، قال: ألك ولد غيره؟ قال: نعم، قال: أكلهم أعطيتهم مثل ما أعطيت؟ قال: لا، قال: |
{ عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: فلا تُشْهِدْني إِذَنْ، فإِني لا أشهد على جَور }
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك]
العدل شيء والمساواة شيء آخر
|
إذاً العدل مفهوم أوسع من المساواة بكثير، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) العدل مع الله، العدل مع النفس، العدل مع الآخرين، الزوجة، الأولاد، العدل في الميراث، يأخذ الرجل وتأخذ المرأة وفق منهج الله عز وجل، العدل: |
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ[ سورة النساء ]
المساواة؛ الذكر نفس الأنثى، لكن العدل هو منهج الله الذي جاء به الله، أن تعطي وفق حقائق الميراث التي فرضها الله، هذا هو العدل. |
ثم العدل مع كل الناس، شريكك في العمل تعدل معه فلا تظلمه، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما }
[أخرجه الحاكم ]
أيضاً العدل مع الأولاد، العدل مع الرعية، الحاكم مع رعيته، هناك عدل حتى مع العجماوات من الحيوانات، إذا أطعمتهم مثلاً أن تطعم كل من في الحقل، أي العدل مفهومه واسع جداً، بحيث يبدأ من أخص الخصوصيات، و ينتهي بأعلى المقامات، كله عدل، فالعدل ليس له حد، تكلمنا عن العدل مع الزوجة، مع الأولاد، العدل مع الأب والأم ببرهما وإعطائهما حقوقهما، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحّ، فإن الشحّ أهلك من كان قبلِكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم }
[أخرجه مسلم ]
هذا العدل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) الإحسان مرتبة أعلى من العدل، أنا لي حق عندك، من العدل أن أطالبك به، ومن العدل أن تعطيني إياه، الإحسان وجدتك معسراً لا تملك هذا الحق فعفوت عنك، فالإحسان زيادة على العدل، ما كل مشكلاتنا في الحياة تحل بالعدل، أحياناً الإنسان يقول لك: أنا أريد أن آخذ حقي بالقانون، بالعدل، أحياناً كثيرة نحتاج إلى الإحسان، الإحسان أن تترك شيئاً من حقك الذي هو عدل لك من أجل أن ترضي ربك، ومن أجل أن تقرب هذا الإنسان إلى الله تعالى فتحسن إليه. |
ثلاثة بنود بالعلاقة مع الناس:
قال تعالى: |
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)[ سورة آل عمران]
كظم الغيظ يوقف المشاكل
|
المرتبة الثانية، قال: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) لا أريد أن أبقى دائماً مكظوم الغيظ، من الداخل أنا منزعج، لا، حتى تنتهي من هذه القضية عفوت عنه، سامحه الله سيدي، هذا العفو مسح الآثار، العفو هو مسح الأثر، عفوت؛ مسحت، عفت الديار، الشاعر كان يقول هذا لأنها لم يبق فيها أحد، عفت الديارُ، فالعفو؛ مسح الأثر، انتهى من نفسك نهائياً، هل يوجد مرتبة أعلى؟ نعم، الإحسان (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) أي كظمت غيظك عنه، ثم عفوت عنه، ثم وجدت أن تحسن له. |
سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان له قريب اسمه: مسطح بن أثاثة، وهذا الرجل كان سيدنا أبو بكر يعطيه نفقة دائمة، ينفق عليه من ماله، فلما صارت حادثة الإفك وتكلم الناس في عرض الطاهرة المطهرة المبرأة السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي بنت أبي بكر رضي الله عنه، كان مسطح من بين الناس الذين خاضوا في هذا الحديث، ليس من الذين أشاعوه، لكن خاضوا فيه، لأن الناس وقتها انقسموا، قسم هو الذي أشاع، هذا والعياذ بالله عذابه أليم، وقسم خاض، وهذا ينبغي أن يتوب إلى الله، وقسم أمسك لسانه، وهذا جيد، وقسم رابع دافع، صار يقول: لا، هذا غير صحيح، السيدة عائشة هي أم المؤمنين لا تفعل ذلك، عندما يقع الحدث شخص أشاع الفاحشة، هذا والعياذ بالله إثمه أعظم، الثاني خاض في الحديث، أنا لا دخل لي، أنا أتكلم الذي سمعته، أيضاً إثمك عظيم جداً، لأنك تنقل ما سمعت، لا تقل: ناقل الكفر ليس بكافر، لا، تتكلم على عرض امرأة طاهرة، الثالث؛ أنا لم أتكلم شيئاً جيداً، ولا كلمة، هذا ممتاز، و لم يحمل إثماً أبداً، الرابع أفضل، الرابع قال: لا. |
أم أيوب الأنصاري، قالت له: يا أبا أيوب ! أسمعت ما يقول الناس في عائشة؟ قال: نعم، سمعت، قالت له: وما تقول؟ أي ما رأيك؟ هم يتكلمون كثيراً بالمدينة، قال لها: يا أم أيوب أكنت أنت فاعلة ذلك؟ قالت له: لا والله، قال لها: وعائشة والله أفضل منك، أنت لا تفعلين ذلك، وعائشة أفضل منك لا تفعلها، لسانه دافع، دافع عن أخيه، هذه إيجابية. |
فأحدهم مسطح، مسطح من الذين خاضوا، لم يشع لكنه خاض في الحديث، فلما ظهرت براءة السيدة عائشة رضي الله عنها أقسم أبو بكر يميناً بالله ألا يعود إليه بالإحسان، أي النفس نفرت، شيء مزعج تكلم في عرضه، الآن سيدنا أبو بكر تحديداً لأنه هو أبو بكر رضي الله عنه، لو كان غيره نقول: هذا من حقه، لكن أبا بكر مرتبة عالية جداً، الصديق، فجاءه العتاب من الله تعالى، قال: |
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)[ سورة النور]
فلما سمع الآية بكى سيدنا أبو بكر، قال: بلى والله أحب أن يغفر الله لي، وأعاد النفقة إلى مسطح، هذه مرتبة عالية، يملكها الأنبياء والصالحون والمقربون والمؤمنون، عموم المؤمنين، كثيراً نحسن لمن أساء إلينا، لكن هذه تحتاج إلى جهد بالنفس، وإلى بناء إيماني، و أنا أضيف شيئاً؛ أحياناً الإحسان للمسيء، إذا كان يبعده عن الحق أكثر وأكثر لا ينبغي أن تحسن إليه، لكن لو رأيته منكسراً نادماً، ووجدت أن إحسانك إليه يقربه من الله فينبغي أن تحسن إليه، حتى لا يكون الأمر عاماً، أنه دائماً ينبغي أن أحسن لمن أساء، لا، أحياناً تعلم أن هذا المسيء إحسانك إليه لا يزيده إلا بعداً عن الحق، يتكبر أكثر وأكثر، فهذا ينبغي أن يؤخذ على يديه، لكن أحياناً تعلم أن إحسانك يقربه من الله، نادم، كذا، فالإحسان هنا. |
الإحسان إلى ذي القربى:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)، (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) خصهم هنا بالذكر بالإحسان لكي يوسع دائرة التكافل الاجتماعي، إيتاء؛ أي إعطاء (ذِي الْقُرْبَى) من المال، من الجاه، أي شيء، لأن هؤلاء هم أولى الناس بنفقتك، وأولى الناس بعطائك، كان الفقهاء يقولون: لا تقبل زكاة مال وفي الأقارب محاويج، أي إذا إنسان خاله محتاج ولا يجد، وذهب ودفع زكاة ماله لغيره هذا في مشكلة. |
الأقرب إلى الإيمان أقرب إلى العطاء
|
(وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) و تشمل القربى قرب النسب، و قربى الجوار، و قربى الإيمان (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى). |
النهي عن الفحشاء والمنكر والبغي:
الآن: (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) أيضاً ثلاثة؛ الفحشاء؛ تطلق في القرآن غالباً الفاحشة على الزنا، وعلى كل ذنب عظيم، الذنوب العظيمة اسمها فواحش. |
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)[ سورة الشورى]
المنكر سمي منكراً لأن النفوس تنكره
|
(وَالْبَغْيِ) هو الظلم، والعدوان (وَالْبَغْيِ) هو الظلم أن تظلم الناس، يأمر بالعدل وينهى عن البغي، طبعاً البغي ضمن الفحشاء والمنكر، لكن خصه بالذكر، كما خص إيتاء القربى، وهو ضمن الإحسان، أي اختار أهم شيء بالإحسان هو أن تحسن لذي القربى واختار أسوأ شيء بالمنكر وهو الظلم، الظلم هو أكثر شيء تنكره النفوس السليمة، أكثر شيء بالمنكر، أي لو إنسان نظر نظرات غير صحيحة، نظرات حرام، هذا ظلم، لكن ما اعتدى على أحد، لو أنه مثلاً أكل رشوة من آخر بالتراضي، الأول راض بذلك قال له: المهم أن تمشي أموري وكذا، ربما يقول: لا يوجد فيها اعتداء، لكنه منكر، أما البغي فأن تظلم إنساناً، أنت مقتدر هو غير مقتدر، أنت تستطيع أن تفعل هو لا يستطيع فظلمته، فالبغي من أشد أنواع المنكر فلذلك خصه بالذكر. |
الموعظة ذكرى يتذكر بها الإنسان:
(وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الوعظ؛ هو تكرار الإرشاد، هذا المجلس يسمى مجلس وعظ، إذاً نتذاكر فيه الخير، نتذاكر فيه ترك الشر، فهو مجلس وعظ، مع التذكير بالعاقبة، الوعظ فيه تذكير بالعاقبة، كأن تقول: من فعل ذلك فله الجنة، ومن عصى واستمر على عصيانه فله النار، فهذا من الوعظ (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي رجاء أن يكون في هذه الموعظة ذكرى يتذكر بها الإنسان، فإذا عرضت له معصية، أو عرض له شيء لا يرضي الله فإنه يتذكر ما وعظه الله تعالى به، فينتهي عنه (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فيها إدغام، هي أصلاً: تتَذَكَّرُونَ، ثم أدغمت التاء بالذال، وشددت صارت (تَذَكَّرُونَ). |
والحمد لله رب العالمين |