هل الدين ضرورة؟
هل الدين ضرورة؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأُصلّي وأسلّم على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا عِلماً وعملاً متقبلاً يا رب العالمين وبعد.
الدين في الحياة:
معركة اليوم معركة وعي
|
السؤال الذي أريد أن أطرحه اليوم هل الدين ضرورة؟ بمعنى كُل الأشياء التي نحتاجها في حياتنا يُصنّفها الأصوليون وصنّفها من بعدهم الاقتصاديون إلى ضرورات، وحاجات، وكماليات، جمعها بعضهم قالوا: قانون ضحك؛ الضاد ضرورات والحاء حاجات والكاف كماليات، فالضاد ضرورة والحاء حاجة والكاف كماليات أو تحسينيّات أو تزيينات، أي الضرورة مثل الماء، الإنسان في حياته إن لم يشرب الماء يموت، إذاً الماء ضرورات، يجب أن يتوفر لكل الناس، القوت ضرورات، الطحين، القمح، الخبز ضرورات. |
الشعور بالفقر لعدم امتلاك الكماليات
|
إذاً مشكلة المجتمع الاستهلاكي هي كثرة العرض، دخلت امرأة إلى سوق كبير قالت: يا الله ما أكثر الأشياء التي لا نحتاجها، على كل حال هذا على الهامش، لكن السؤال اليوم هل الدين ضرورة؟ اليوم بعض الناس في المجتمعات المُتفلّتة فهمت أن الدين يمكن أن يكون كماليات، أي الدين تزيين، حاجة إضافية، هو وردةٌ تضعها على صدرك، نحن نفهم أنَّ الدين هواءٌ نستنشقه، الدين ليس وردةً أُزين بها صدري، ممكن بها وممكن بغيرها، لا، الدين هواء تستنشقه، إن لم نستنشقه عرضّنا حياتنا للهلاك، حياة القلب، قد يعيش الإنسان بغير دين لكن يعيش ولا يحيا أما الحياة فتحتاج إلى دين قال تعالى: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)(سورة الأنفال)
قال: |
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)(سورة النحل)
في المقابل قال تعالى: |
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)(سورة طه)
قال: معيشةً ولم يقل: حياةً، لأن المُعرِض عن الدين يعيش ولكن لا يحيا، فالدين ضرورة في الحياة. |
الدين عقيدة وشريعة:
الفطرة لا يمكن أن تشبع إلا بحقيقةٍ واحدة
|
إذاً الدين ضرورةً ليس حاجةً، ليس تحسيناً، الدين ضرورة، ما هو الدين الذي هو ضرورة؟ ولماذا الدين ضرورة؟ الآن عندما أتكلم عن الدين أتكلم عن الدين الإسلامي طبعاً الخاتم الناسخ لكل الشرائع، الذي لا يقبل الله إلا هذا الدين بعد نزوله، وأتكلم أيضاً على أي دين سماوي قبل تحريفه، أي الدين الذي هو من الله، الأديان الوضعية هذه للبشر قوانين، هذه تشبه القوانين، والأديان السماوية المُحرّفة ليس لنا بها شيء لأنها أُخرجت عن مدلولاتها، أتحدث عن الدين الذي هو من عند الله دين الإسلام اليوم، الذي ليس غيره ديناً يرتضيه الله لعباده، الدين عبارة عن شيئين اثنين؛ عقيدة وشريعة، أي دين أنزله الله هو عقيدةٌ وشريعة، عنوانان رئيسان عقيدةٌ وشريعة، العقيدة هي المُنطلقات النظرية، الإيمانيات، والشريعة هي الأعمال والسلوك، قال تعالى: |
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)(سورة الأنبياء)
لا إله إلا أنا؛ عقيدة، فاعبدون؛ شريعة، العبادة شريعة، سلوك، لا إله إلا أنا عقيدة يقينية. |
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)(سورة الأنبياء)
عندما يأتي في اللغة العربية ما نفي وبعده إلا هذا يُفيد في اللغة العربية الحصر، فأنت عندما تقول: جاء محمد، قد يكون قد جاء معه خالد وسعيد، لكن عندما تقول: ما جاء إلا محمد، إذاً واحد الذي جاء، حصر، واحد فقط، لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله، أي لا يوجد إله آخر يُعبد، فعندما قال تعالى: |
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)(سورة الأنبياء)
إذاً أيُّ رسولٍ جاء لأيُّ قومٍ في أي زمانٍ، في أي مكان، كان يدعو إلى شيئين اثنين لا ثالث لهما: لا إله إلا أنا فاعبدون، لا إله إلا أنا؛ العقيدة أهمها التوحيد، والشريعة العبادة أي انتظام الحياة وفق منهج الله، هذه هي العبادة، أن تنتظم حياتنا وفق منهج الله، أن نعبِّدَ حياتنا لله، أن نُخضع حياتنا لمنهج الله، في المأكل، في المشرب، في السفر، هذه هي العبادة، إذاً الدين عقيدةٌ وشريعة. |
الربط بين العقيدة والشريعة في آيات كثيرة في القرآن:
الله تعالى يربط بين العقيدة والشريعة في آيات كثيرة في القرآن، مثلاً : |
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)(سورة الماعون)
هذه عقيدة، هذا خالف العقيدة الصحيحة وكذَّب بالدين بدلاً من أن يؤمن بالدين. |
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)(سورة الماعون)
العقيدة تنتج شريعة
|
{ إنِّي فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، مَن مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، ومَن شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحالُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ. قالَ أبو حازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمانُ بنُ أبِي عَيَّاشٍ، فقالَ: هَكَذا سَمِعْتَ مِن سَهْلٍ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، فقالَ: أشْهَدُ علَى أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ وهو يَزِيدُ فيها: فأقُولُ إنَّهُمْ مِنِّي، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَن غَيَّرَ بَعْدِي. }
(صحيح البخاري)
إذاً لم تفهم الشفاعة بمفهومها الصحيح، العقيدة السيئة أنتجت سلوكاً سيئاً، في القرآن الكريم بنو إسرائيل: |
وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)(سورة البقرة)
عقيدتهم أنَّ النار موجودة لكن عشرة أيام ونرجع إلى الجنة وانتهت ! عاب عليهم الله تعالى ذلك قال: |
لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(123)(سورة النساء)
إذاً في المحصّلة أي عقيدة يعتقدها الإنسان ستنتج سلوكاً، إذا كانت العقيدة صحيحة السلوك سيكون صحيحاً، العقيدة فيها زيغ السلوك فيه زيغ، العقيدة فاسدة السلوك فاسد. |
مفاهيم الشريعة:
لذلك أهم ما يتعلّمه الإنسان هو الإيمان بالله تعالى، النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أيضاً يربط بين العقيدة والشريعة يقول: |
{ مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ }
(صحيح البخاري)
(مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ) هذه عقيدة، (فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ) هذه شريعة، (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) شريعة. |
إذاً العقيدة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، السلوك فليكرم ضيفه، فليكرم جاره، فليقل خيراً أو ليصمت، هذا الربط بين العقيدة والشريعة، فالدين عقيدةٌ وشريعة، الشريعة تشمل أولاً: علاقة الإنسان بربه؛ الصلاة، الصيام، شيء من الزكاة، لأن الزكاة فيها حق لله، بغض النظر عن حقوق الفقراء، الحج، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه علاقة الإنسان بربه، فالشريعة تُنظم علاقتنا بالله، هذا أول مفهوم للشريعة، أن تنتظم علاقة الإنسان بربه. |
الشريعة تُنظم علاقتك بالآخرين
|
{ كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في سفرٍ فانطلق لحاجته فرأينا حمَّرةً معها فرخان فأخذْنا فرخَيها، فجاءت الحُمَّرةُ فجعلت تفرشُ، فجاء النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: من فجع هذه بولدِها ؟ رُدُّوا ولدَها إليها ، ورأى قريةَ نملٍ قد حرقناها، فقال: من حرقَ هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذِّبَ بالنارِ إلا ربُّ النارِ. }
(صحيح أبي داود)
ينظم علاقته بالجماد، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ أُحُدٌ جبلٌ يُحِبُّنا و نُحِبُّهُ. }
(صحيح مسلم)
الجذع حنَّ إليه صلى الله عليه وسلم، بكى، فالإنسان يتعامل حتى مع الحجر بمنطق مختلف في ظلال دين الله عز وجل. |
الدين أساس حياة المجتمعات:
إذاً الدين عندما نفهمه بهذا الشكل على أنه يبدأ من العلاقات الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية هذا الدين ضرورة، لا يمكن أن تحيا المجتمعات بدون الدين، لماذا أقول هذا الكلام؟ قد يقول قائل: ما أهمية هذا الموضوع حتى نتكلم به؟ نحن مؤمنون أن الدين ضرورة، اليوم معظم الشبهات التي تتوجه إلى شبابنا، وإلى جيلنا، تريد أن تصل إلى العقل الباطن عندهم أنَّ الدين ليس ضرورة، يمكن أن نعيش دون دين، هذا هو الغرب، تقدّم وبنى ناطحات السحاب وأصبح متقدّماً. |
الدين ضرورة لا يستطيع الإنسان الاستغناء عنه:
الدين ضرورة حتمية
|
الدين منظومة أخلاق وقيَم وأعمال ضرورية للبشرية:
المسلم يُرافقه دينه في عباداته
|
محصّلة الموضوع الدين ضرورة هذا ما أردت أن أقوله في هذا اللقاء، الدين ضرورة ليس حاجةً وليس كمالياً، الدين ضرورة نحتاجها كما نحتاج الهواء، كما أنَّه إن لم يتنفس فإنه يموت فإن الدين ضرورة بحيث أن الإنسان إن لم يتعلّم دينه فإن حياته ستكون معيشةً ضنكاً، ولن يحيا الحياة الحقيقية حياة الإيمان حياة القلب إلا باتباع منهج الله تعالى. |