• محاضرة في الأردن
  • 2022-05-23
  • عمان
  • الأردن

من أعجب العجب !!

الحمد لله رب العالمين، وأُصَلِّي وأُسَلِّم على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.


أعجب العجب عدة أشياء هي:
1 ـ أن تعرف الله ثم لا تحبه:
أيها الأخوة الأحباب؛ اخترت لكم فائدة من كتاب الفوائد لابن القيم الجوزية رحمه الله، له كتاب اسمه الفوائد، جمع فيه فوائد جمة هذه إحداها.
يقول ابن القيم: من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأُنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه ثم لا تشتاق إلى انشراح القلب بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه بنعيم الإقبال عليه، والإنابة إليه.
قال: وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه، وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب، هذا أعجب العجب، من أعجب الأشياء.
الأولى: أن تعرفه ثم لا تُحِبَه، أو ثم لا تُحِبُه، كلاهما صحيح لغةً، أن تعرفه ثم لا تُحِبَه.
الله تعالى أصل الجمال
إخواننا الكرام؛ أنت إذا عرفت رجلاً ذا أخلاق حسنة , وكرم، وفضل، جميل الصورة، كامل الأخلاق، أعطاك، أي ثلاث صفات، عنده جمال، وكمال، ونوال، الجمال في الصورة، في الموقف، في أناقة اللباس، الجمال، والكمال في التعامل، عاملك معاملة راقية، ما رأيت منه إلا حباً، وصدقاً، ومودةً، وقرباً، والنوال؛ العطاء، زرته فأكرمك ووضع لك الطعام، وهيأ لك الزاد، وربما أكرمك بهدية على الباب، أعطاك جمالاً، وكمالاً، ونوالاً، لا بد أن تحبه، مستحيل! هذا مع إنسان، مع مخلوق، مع مخلوق نلت منه جمالاً وكمالاً ونوالاً، يستحيل ألا تحبه، فكيف مع الخالق جلّ جلاله؟ الله تعالى أصل الجمال، فكل ما في الوجود من جمال إنما هو مسحة من جمال الله، عندك طفل صغير نظرت إلى وجهه ووجدت فيه جمالاً هذا من جمال الله، ومن أسمائه سبحانه وتعالى الجميل، إذا ذهبت في نزهة وسررت كثيراً، وقلت: والله أحببت هذا المنظر، ما الذي رأيته؟ ورود، ورياحين، وعصافير، وماء رقراق، من خلق هذا الجمال؟ الجميل جل جلاله، أما الكمال فكل ما تجده في الكون من كمال، سواء كمال الصنعة، أو كمال التعامل، أو رقي الحديث، أو أدب التواضع، أو أي كمال من كمالات الخلق إنما هو جزء يسير من كمال الله تعالى لأنه جلّ جلاله إذا كنت قد أُعجبت بحلم إنسان فهو الحليم، وإذا قلت: ما شاء الله ! فلانٌ رحيم جداً فإنما اشتق هذه الرحمة من الرحيم، وإذا قلت: والله كان ودوداً جداً معي فالله تعالى هو الودود، وإذا قلت: عاملني بلطف فالله تعالى هو اللطيف، أي موقف كامل من بشر تحبه فهو مشتق من الله تعالى، والدليل قال تعالى مخاطباً نبيه:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
[ سورة آل عمران]

فما تجده من رحمة رسول الله فيأسر قلبك، ما هذه الرحمة؟! كيف عامل أصحابه بهذه الرحمة، كيف عامل أعداءه بالرحمة؟ كيف عامل الجمل بالرحمة؟ كيف عامل جذع النخلة بالرحمة؟ اعلم أن هذه الرحمة من الله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) ولولا هذه الرحمة لما لان لهم، ولما التفوا حوله، ولما أحبوه، ولما فدوه بأرواحهم.
إذاً الجمال منه جل جلاله، كل جمال في الأرض هو مسحة من جمال الجميل، وكل كمال في الأرض هو جزء من أسماء الله تعالى الحسنى، وصفاته الفضلى، الودود ، الرحيم، اللطيف، وكل نوال في الدنيا؛ عطاء، عندما تزور إنساناً ويعطيك، ويهبك شيئاً، هذا ماله أم مال الله؟ مال الله، إذاً الجمال منه، والكمال منه، والنوال منه، فمن أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، الإنسان يحب الجمال، ويحب الكمال، ويحب النوال.
ورد: يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، طبعاً هذا في الآثار عن الأنبياء - لكن معناه صحيح- يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن القلوب جبلت على حبّ من أحسن إليها، ونحن قد ملأنا الله تعالى إحساناً وفضلاً منه، كلنا من إحسانه جلّ جلاله.
إذاً من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، مستحيل إذا إنسان عرف ربنا عز وجل ألا يحبه، لأنه أصل الجمال، والكمال، والنوال.

2 ـ أن تسمع الداعي إليه ثم تتأخر عن الإجابة:
حيّ على الصلاة هي داعي الله تعالى
وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، أبسط معنى لكلام ابن القيم هذا الصلاة، حيّ على الصلاة، هذا داعي من؟ داعي الله، أنت إذا كان لك أب تحبه، وتجلّه، وتعظمه، تعظيماً للأشخاص، فدعاك، قال لك: يا فلان، إذا تأخرت عنه هذا عقوق، فأنت عندما تسمع داعي الرحمن ينادي إلى الصلاة، ثم تتأخر عن الإجابة، أو نصلي الصلاة في آخر وقتها، قبل أن يؤذن الأذان الثاني، أو لا سمح الله عند البعض قد تفوته الصلاة، فهذا سمع منادي الرحمن ثم تأخر عن الإجابة، وفي القرآن الكريم:

رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)
[ سورة آل عمران ]

أن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، كيف تعلم أن الداعي هو الله ثم تتأخر عن الإجابة؟
حدثني مرة شيخنا، قال: والله كلمة أثرت فيَّ من أربعين سنة، قلت له: ما هي؟ قال: أصبحت أحضر خطبة الجمعة تحضيراً مكثفاً، قال: جاءني رجل بعد صلاة الجمعة قال لي: أتعلم من الذي دعا الناس إليك اليوم؟ قلت له: من؟ قال: الله، لما قال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
[ سورة الجمعة ]

قال: فو الله لما علمت أن الذي دعا الناس إليّ هو الخالق أصبحت أستصغر نفسي أن أتكلم كلاماً غير محضر ومجود من أجل أن أحضره للزبائن الذين جاؤوا بدعوة الرحمن جل جلاله.
إذاً لما تعلم من الداعي تكون الإجابة على قدر الداعي، نحن في حياتنا الدنيا - سامحوني - الأصل في الإنسان أن يقبل دعوة الجميع في الدنيا، لأنك لا تعلم من هو أقرب إلى الرحمن من الآخر، بعض الناس يقبل دعوة الأغنياء، والأقوياء، فإذا دُعي إلى شخص فقير، أو رقيق الحال لا يجيبه، هذا سوء أدب مع الله، لأنك لا تدري أنت من الأقرب إلى الله، فأنت يجب أن تلبي الدعوة، أحياناً تكون تلبية دعوة الأقوياء والأغنياء من الدنيا، أما الفقراء فمن الآخرة.
مثلاً شخص عنده صهران، زوَّج أختيه وعنده صهران، صهر غني، وبيته بالعاصمة، بوسط العاصمة، وصهر فقير بأطراف العاصمة، يقول لك: صلة رحم، كل أسبوع يجب أن نزور أختي، من الأخت؟ التي زوجها غني، هذه زيارة للدنيا، سامحني، زيارة الآخرة أن تقصد هذه التي بيتها بعيد، وزوجها فقير الحال، وأن تجبر خاطرها بالدخول عليها، وأن تمدح زوجها في بيتها، عندما تدخل لعندها إلى البيت وتقول لها: ما شاء الله ! والله بيتكم جميل، ومؤنس، صحيح أنه صغير لكن ما شاء الله مؤنس جداً، وزوجك شخص جيد وطيب، تجبر خاطرها، وتدخل السرور إلى قلبها، هذه زيارة الآخرة.
في الدنيا بعض الناس يجيبون الداعي الأقوى، الداعي الأغنى، القوي والغني جل جلاله، والذي عنده كل شيء، والذي حياتك بيده، وموتك بيده، وغناك بيده، وفقرك بيده، وعزك بيده، وذلّك بيده، هو الذي يدعوك، يقول لك: قم يا عبدي وقف بين يدي، فلما يتأخر الإنسان عن الإجابة فوالله إنها لسفاهة ما بعدها سفاهة، أن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة.

3 ـ أن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره:
الإنسان يعامل من يعطيه الربح الأكثر
أن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، إخواننا التجار الكرام؛ إذا كان عندك بضاعة محدودة، مئة قطعة، ودُفع لك بالقطعة عشرة دنانير، وجاء واحد وقال لك: بضاعتك دعها لي كاملة، وأنا أدفع لك عشرة ونصف على القطعة، ماذا تقول له فوراً؟ هذه البضاعة لك، وإنتاج المعمل كله لك، لأن هذا السعر لا أحد أعطاني إياه، فلن تعامل غيره، لأن الربح عند فلان، يقول لك: أكثر شخص يعطيني على القطعة ربحاً هو فلان، فلا أعامل غيره، تقول له: بضاعة المعمل لك، لا نريد أن نبيع أحداً.
فإذا عرفت قدر الربح في معاملة إنسان فإنك لا تعامل غيره، ولو كان هناك ربح لكن أقل تعامل من يعطيك الربح الأكثر، هذه طبيعة الإنسان، فأعظمُ من يعاملك بالربح هو الله تعالى، خلقنا لنربح عليه لا ليربح علينا.
" الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ".

{ عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة وسبع أمثالها، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة أو يمحها الله عز وجل }

[أخرجه الطبراني]

خاف من الله فتركها(كتبت له حسنة) لأنه خاف من الله وتركها هو همّ بسيئة لكن لما قال: يا رب، لا، لن أفعل ذلك اتقاء ربي كتبت له حسنة (فإن عملها كتبت عليه سيئة) واحدة، أي معاملة في الربح درجة أولى، لا يمكن أن تعامل غيره، ماذا يقصد ابن القيم رحمه الله لا تعامل غيره؟ ليس المقصود ترك الأخذ بالأسباب، الإنسان يترك الدنيا، يترك الناس، لا، أبداً، لكن هو عندما يعامل الناس يكون هدفه إرضاء رب الناس جل جلاله، لا يترك معاملة الناس، ولكن يعاملهم ابتغاء مرضاة الله، وابتغاء وجه الله.
وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، مستحيل إنسان يربح ثم يتجه إلى من لا يعطيه ربحاً، ربنا عز وجل يعطي على الحسنة عشرة أمثالها ويزيد جل جلاله إلى سبعمئة ضعف.

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
[ سورة البقرة]

من أسمائه الواسع جلّ جلاله، فأنت إذا عاملته ووجدت الربح فلا يمكن أن تعامل غيره، أي لا يمكن أن تطلب أجراً على عملك من الناس، تطلب من الله.
مدرّس ناجح، طلبه ملك البلاد ليدرس ابنه، ذهب لتدريس ابن الملك لكن هذا المدرس عنده جهل بأقدار الناس، الدرس الأول، الثاني، الثالث، عشرة دروس ولا أحد سأله: ماذا تريد؟ فانزعج، فقال لمسؤول القصر، قال له: عشرة دروس ! أين المال؟ قال له: حسناً كم تريد على الدرس؟ قال له: أريد ألفاً، قال له: حسناً هذه عشرة آلاف في ظرف وانتهى الأمر، الملك كان قد وضع في مخيلته أنه بعد انتهاء العام الدراسي يريد أن يكرمه ببيت، هذا عطاء الملك، الملك لا يريد أن يعطي مبلغاً مثل الناس، يريد أن يعطيه بيتاً، لكن لجهله ولفرط جهله استعجل، فأخذ فانياً وترك باقياً، طبعاً بعرف الدنيا، فالإنسان عندما يعلم أن مع الله عز وجل الربح عال جداً لا يعامل الناس، يعامل رب الناس، يطلب أجره من الله، لا يرائي الناس، لا يزين من صلاته لما يرى من نظر الناس لأنه يريد إرضاء الملك جل جلاله، فهو الذي يعطي، والملك يعطي على قدره.
لما جاءت إلى الخليفة امرأة عجوز، قالت: أريد، فأعطاها شيئاً كثيراً، طلبت ديناراً فأعطاها ألفاً، قال له أحد الحضور: يا أمير كان يكفيها القليل، قال: إذا كان يرضيها القليل فإنا لا يرضينا القليل، فالملك يعطي على قدر ملكه، فالله جل جلاله ملك الملوك.

أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)
[ سورة المائدة]

فإذا أعطى أدهش جل جلاله في الدنيا والآخرة، فقال: وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره.

4 ـ أن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له:
الأهوال هي من غضب الله تعالى
أن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، تتعرض لغضبه، كلنا نعرف أنه إذا غضب الجبار جلّ جلاله كيف يكون غضبه، أي إذا وجدت زلزالاً فهذا من غضب الجبار، وإذا وجدت إعصاراً فهذا من غضب الجبار، وإذا وجدت مرضاً فتاكاً ووباء فمن غضب الجبار، والعياذ بالله النار يوم القيامة من غضب الله تعالى، فكل ما في الدنيا من أهوال، وكل ما في الآخرة من أهوال هي من غضب الله تعالى، وحتى إذا كان يوم شديد الحر فقد ورد في الصحيح:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا اشتَدَّ الحرُّ فأبْرِدُوا بالصلاة، فإن شدة الحرِّ من فَيحِ جهنم }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك ]

والعياذ بالله، فلما تعرف غضب الجبار لا ينبغي للعاقل أن يتعرض لغضب الله تعالى.
كان هناك شخص كما ذكر ابن قدامة في كتابه التوابون، اسمه دينار العيار وكانت أمع تعظه فلا يتعظ، وكان مسرفاً على نفسه، مكباً على المعاصي والآثام، وأمه تعظه فلا يتعظ، دخل يوماً مقبرةً، فوجد عظماً قد خرج من المقبرة، قبر وخرجت بعض العظام فأمسك العظم بيده، عظم إنسان، فأمسكه بيده فتفتت بين يديه، فكانت بدايته من هنا، فرجع إلى بيته منكسر القلب، حتى أصبحت أمه تقول له: ارفق بنفسك يا دينار، من كثرة بكائه على ما أسرف في ماضيه من المعاصي، وكان يقول: يا دينار ! ألك قوة على النار كيف تعرضت لغضب الجبار؟
الإله العظيم يتعجب؟ نحن نتعجب، هنا نقول من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، لكن الإله يتعجب؟ هناك آية قال بعض أهل العلم فيها تعجب، لغةً صيغة تعجب قال تعالى:

أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)
[ سورة البقرة]

أي لما ربنا جل جلاله ينظر إلى هؤلاء وقد استحلوا محارمه، وقد طغوا في الأرض وبغوا، ونسوا المبتدى والمنتهى، وقد بنوا بنيانهم على أنقاض الناس، وبنوا عزهم على إذلال الناس، فإن الله تعالى يقول: (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) أي ما أشد صبرهم على النار، يعرضون نفسهم لغضب الله تعالى.
وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، الذي يعرف غضب الجبار لا يتعرض لغضبه، نعم قد تزل قدمه، فيبادر إلى باب الله فوراً ويستغفر، لكن لا يعصي الله تعالى جهاراً نهاراً، متكبراً.
إخواننا الكرام؛ كنت قلت سابقاً وأقول: ألف معصية من غلبة النفس لا تعدل معصية واحدة من معاصي الكبر، ألف معصية من غلبة النفس، غلبته نفسه فعصى، لا تعدل عند الله معصية واحدة من معاصي الكبر والإصرار، أبداً، والدليل أن الله تعالى لما خلق الخلق، وذكر لنا بداية الخلق، عصاه آدم عليه السلام، وعصاه إبليس اللعين، معصيتان لكن معصية إبليس استكبار، عصى واستكبر، فكانت تلك المعصية والعياذ بالله له جحيماً إلى يوم القيامة، وأما آدم عليه السلام فعصاه غلبة نفس، أوهمه الشيطان:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)
[ سورة طه]

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (115)
[ سورة طه]

أي عزماً على المعصية (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) على المعصية، كان عازماً على الطاعة لكنه نسي فعصى:

فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
[ سورة البقرة]

ابن القيم؛ في الفوائد أيضاً يقول: لما يعلم الله أنك قد عصيته غلبةً يلهمك التوبة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ)قال له: قل كذا وكذا وأنا أتوب عليك، لأنه ما أراد المعصية، وإنما جاءت غلبة، غلبة نفس، فلذلك يا كرام؛ وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، نقصد أن يتعرض الإنسان لغضب الله عامداً متعمداً غير تائب، أما الإنسان، وكلنا ذو خطأ، من ضعف النفس يعصي ويتوب، والله تعالى أحبّ من عبده أن يتوب إليه، لذلك من أسمائه العفو، والغفور، والغفار، لماذا اتصف الله بهذه الأسماء؟ لأننا نخطئ، ولماذا أرادنا أن نخطئ وقد كان جل جلاله على كل شيء قدير؟ كان يمكن أن يخلقنا كالملائكة.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
[ سورة التحريم]

سهلة، قال:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالذي نَفسي بيدهِ، لَو لَم تُذنِبُوا لَذَهَبَ الله بكُمْ، وَلَجَاءَ بقوم يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِرُ لهم }

[أخرجه مسلم ]

هو أراد أن يسمع صوتك، لأنه عفو، غفور، غفار، فلا تتحقق أسماؤه تلك إلا بالمعصية التي يعصيها الإنسان، لكنها معصية الغلبة، لا معصية الكبر والاستعلاء حاشاه جلّ جلاله.
إذاً؛ وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، من أعجب الأشياء.

5 ـ أن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس في طاعته:
قال: وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس في طاعته.
أحبابنا الكرام؛ المعصية كما يقول ابن مسعود رضي الله عنه: إن للمعصية سواداً في الوجه، وبغضاً في قلوب الخلق، وضيقاً في الرزق، وظلمةً في القبر، وإن للطاعة لنوراً في الوجه، وحباً في قلوب الخلق، وسعةً في الرزق، ونوراً في القبر.
المعصية فيها ألم
فالمعصية فيها ألم، أي إنسان يعصي الله تعالى يخالف شرع الله فهو يخالف فطرته التي فطره الله عليها، فيجد ألم المعصية، والله الذي يجد ألم المعصية في داخله فقلبه حيّ، والذي يعصي الله، ويقول لك: وماذا فعلنا؟ فكبّر عليه أربعاً لوفاته، لأنه يعصي الله ثم تقول له: أتعصي الله؟ يقول لك: ماذا فعلنا؟ كل الناس هكذا، هذا الزمن صعب أخي، لا، إذا عظمت المعصية عندك صغرت عند الله، وإذا صغرت المعصية في عيني عظمت عند الله.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: المؤمن ذنبه كالجبل جاثماً على صدره، يقول لك: والله اليوم منزعج لم أصلِّ الفجر، والله اليوم أنا منزعج جداً كلمت إنساناً بكلام أزعجته به كل النهار أنا منقبض، والله أنا منزعج اليوم لأنني جلست هذا المجلس، وقد كان فيه اختلاط غير مرض لله تعالى، وأدير فيه حديث غيبة ونميمة، فانقبض صدري، الله أكبر ! هذا علامة القلب الحي، أما إذا قال لك: ماذا في الأمر؟ فكبر عليه أربعاً لوفاته.
فقال: وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته، ثم لا تطلب الأنس بطاعته، مكان جعله متألماً، ويعلم أن هناك مكاناً فيه أُنس، فمن العجيب ألا يتجه إليه، وألا يترك مكان الألم، إنسان سنه تؤلمه، وعيادة طبيب الأسنان أمامه، ولم يدخل ليعالج سنه فإنه يُشك في عقله، فألم المعصية معروف فلماذا لا نتجه إلى الأنس بالطاعة؟ الطاعة مؤنسة.

6 ـ أن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه ثم لا تشتاق إلى انشراح القلب:
قال: وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه ثم لا تشتاق إلى انشراح القلب بذكره ومناجاته.

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
[ سورة الرعد]

لا تطمئن القلوب إلا بذكر الله
لو قال تعالى: تطمئن القلوب بذكر الله لاحتمل ذلك لغة أن تطمئن بغير ذكر الله، تطمئن القلوب بذكر الله، إذاً وتطمئن بمال وفير، وتطمئن بنزهة رائعة، لكن لما قال: (أَلَا) أداة استفتاح، وقدم (بِذِكْرِ اللَّهِ) أفادت الحصر، إذاً لا تطمئن القلوب إلا بذكره، والله أيها الأخوة لو أن القلوب اطمأنت، القلوب وليست الأجساد، الأبدان تطمئن، تطمئن بالدنيا ويقول لك: أمضينا ساعات جميلة جداً جداً، لم يتحدث عن الأبدان، يتحدث عن القلب لما يسكن، ويشعر بالرضا، وقد تجد الإنسان جسده مريض ربما، لكن القلب مطمئن، نتحدث عن القلب، لو اطمأنت القلوب بغير ذكر الله عز وجل لما كان لهذا الدين معنى، سامحوني الكلمة قاسية اللقاء الماضي تحدثنا لماذا الدين ضرورة حتمية؟ لأنه لا يمكن أن يسعد الإنسان بغير اتصاله بالله، في الدنيا، لا أتكلم عن الآخرة، الآخرة أكيد تحتاج إلى دين، من يقول إن الآخرة يفلح بها الإنسان بغير دين! لكن حتى الدنيا.

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
[ سورة طه]

مهما وجدته في قمة لذته، وحرسه، وخدمه، لا يمكن للقلب أن يسكن إلا بذكر الله فلذلك قال: وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه.
إخواننا أنتم - لا نزكيكم على الله - أطهار، فأي واحد فيكم جلس - كلنا حصل لنا ذلك - في مجلس لم يذكر فيه اسم الله أبداً أربع أو خمس ساعات بحكم العمل، بحكم أصدقاء قدماء، رفقاء الجامعة مثلاً، جلس بمجلس لساعتين لم يذكر اسم الله تعالى، عندما يقوم يشعر بعصرة القلب يقول لك: والله حديث الدنيا يا أخي غير طبيعي، والله انتهى المجلس ما كنت أستطيع أن أقف على قدمي، يتكلمون عن المصائب القادمة لهذه الدنيا، بعد أسابيع ماذا سيحصل، وبعد سنوات، والفقر، والأمراض، والأوبئة، لا يوجد كلمة عن الله، يقول لك: والله شعرت أنني غير قادر على القيام لأنه لم يذكر اسم الله تعالى.

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمع قوم ثم تفرقوا لم يذكروا اسم الله كأنما تفرقوا إلا عن جيفة حمار }

[أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم]

والعياذ بالله، أما إذا ذكروا الله في المجالس قال:

{ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، ويذكرون الله تعالى، إِلا تنزَّلت عليهم السَّكينةُ، وغشيتهم الرحمةُ، وحفَّتْهم الملائكةُ، وذكرهم الله فيمن عندَه }

[أخرجه مسلم والترمذي والنسائي ]

فالمجلس الذي فيه ذكر لله تعالى فيه انشراح للصدر.
لذلك قال: وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه، ثم لا تشتاق إلى انشراح القلب بذكره ومناجاته.

7 ـ أن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه بنعيم الإقبال عليه:
الحب رزق من الله
أن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا تهرب منه بنعيم الإقبال عليه والإنابة إليه، والله يا كرام بحكم عملي مع الناس في الدعوة إلى الله عز وجل، أسأل الله أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، أرى من الناس الذين يذوقون العذاب من تعلق القلب بغير الله ما أرى، هناك أشخاص قلوبهم معلقة بالدنيا بشكل عجيب أحياناً كهذا مجنون ليلى، يجد كل أُنسه وسعادته في أن تبتسم له، أو ترسل له رسالة أقول له: يا أخي هون عليك، يكون مثلاً أهلها غير موافقين، أو أهله غير موافقين، وهو يرى الجحيم في البعد عنها، ولا يرى الأُنس إلا بها، أخي جرب الأُنس بالله، لعل الله لم يكتبها لك، بحكم الإعلام علموهم أن الحب أساس الزواج، وفي الحديث: ليس للمتحابين إلا النكاح، أي إذا كان يستطيع، ونحن دائماً ندعو الأهل أن ييسروا هذا الأمر إذا حصل حب، لكن في الأصل هو يظنه حباً، هذا الذي قبل الزواج هو يظنه حباً، هو تعلق قلب بشهوة يسمونه له عبر الإعلام أن هذا حب متيم، بعد الزواج بثلاثة أيام لا يكاد يكلمها ولا تكلمه، فيسمونه له حباً، الله تعالى قال:

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
[ سورة الروم]

فلما قالوا للفتاة: الحب أساس الزواج، وقالوا للشاب: الحب أساس الزواج، فتعلق القلب، فمات القلب كمداً، وربما لا يستطيع أن يحصّل هذا الذي يظنه حباً، أما النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحمد لله الذي رزقني حبها، حب خديجة.

{ عن عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغْضَبْتُه يوماً، فقلت: خديجة عجوز، فقال: إني رُزِقْتُ حُبَّها }

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

فالحب رزق من الله، والقرآن الكريم عبر عنه بالمودة، لأنها السلوك، قال: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) فإذا كان هناك طاعة لله ربنا يطرح المودة بين الزوجين، أما أن يتعلق القلب بغير الله عز وجل بهذا التعلق المرضي فيجد من الألم ما يجده الإنسان، وقد لا يستطيع أن يصل إليه، هذا ألم العشاق، لكن أيضاً كثير من الناس تعلقهم بالدنيا وبالمال وبالموبقات شيء عجيب، فقال: وأن تذوق العذاب، فعلاً عذاب، عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه بنعيم الإقبال عليه والإنابة إليه، الإقبال على الله نعيم يا أحباب، كل منكم في رمضان في ليلة معينة مثلاً ذاق الإقبال على الله، تمنى أن هذه الليلة لو تنسحب على العام كله، كل واحد منا ذهب إلى بيت الله الحرام يوماً وذاق نعيم الإقبال على الله.

8 ـ علمك أنك لا بد لك منه وأنك أحوج شيء إليه:
نحن مفتقرون إلى الله في كل ثانية
أخيراً قال: وأعجب من هذا، كل هذا الذي مضى، وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه، نحن مفتقرون إلى الله في كل ثانية، في كل جزء من ثانية، لا يمكن أن تقوم حياتنا إلا به، لا جسداً، ولا قلباً، ولا نفساً، الجسد إذا لم يكن بقيومته جل جلاله لا تقوم الكلية بوظائفها، ولا الكبد بوظائفه، ولا تبصر العين، ولا تسمع الأذن، لا بد لنا منه جل جلاله، والقلب إن لم يتصل به يشقى بالبعد عنه.
وعلمك أنك لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه، نحن مفتقرون إليه في كل ثانية.
لما هارون الرشيد قال له أحدهم: بكم تشتري هذا الماء، كأس الماء، إذا منع عنك؟ إن لم تجد ماء، قال: بنصف ملكي، قال: فإن منع عنك إخراجه؟ شربت والماء لم يعد يخرج ماذا تصنع؟ قال: بنصف ملكي الثاني، قال: ملكك لا يساوي كأس ماء وإخراجه.
نحن أحوج شيء إليه جلّ جلاله، مفتقرون إليه في شربة الماء، وفي إخراج شربة الماء، فلما تعلم ذلك قال: أعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض.
والله عجيب، الطفل الصغير يعلم أنه أحوج ما يكون إلى أمه، يريد أن يرضع، ويريد أن تنظفه، ويريد أن تضمه، لا ينام دون أمه، فيعلم أنه أحوج ما يكون إليها، أيعرض عنها؟ هي تضربه وهو يلتجئ إليها، إذا ضربته وعاقبته يتمسك بأهدابها وبثوبها، لأنه ليس ما له غيرها، العاقل الكبير يعلم أنه لا بد له من الله ويعرض عن الله، فقال: وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه، وأنت عنه معرض ! وفيما يبعدك عنه راغب، من الذي يبعدنا عن الله؟ المعصية، ويرغب بالمعصية وهي تبعده عن الله، وهو مفتقر إلى الله.
فعلاً هذا ابن القيم رجل عجيب لما فهم هذه المعاني، عجيب فعلاً، هذا الرجل ملهم من الله، فعلاً هذا أعجب العجب ليس أعجب العجب لا كورونا، ولا جدري القرود، ولا الطائرات الحديثة، هذا كله من عجائب الدنيا، لكن فعلاً أعجب شيء ألا نتجه إلى الله، وألا نحتمي بحماه، ونحن في كل لحظة مفتقرون إليه.
والحمد لله رب العالمين