• محاضرة في الأردن
  • 2022-11-07
  • عمان
  • الأردن

الكنز

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.


حرص الإنسان على ما يسعده:
وبعد أيها الكرام؛ مما جُبل عليه الإنسان الحرص، وقد جاء في الحديث: " يشيب ابن آدم وتشيب معه خصلتان، الحرص والأمل ".
المؤمن يبني حياته على العطاء
فالإنسان حريص على ما يسعده، من باب حرصه يخبئ بعض ماله أحياناً، من الحرص، لا ينفق، المؤمن لا أقول إنه غير حريص، فهو بشر في محصلة الأمر، يريد أن يؤمن مستقيلاً لأولاده، يريد أن يدع بعضاً من ماله لحاجة طارئة تأتي إليه، يريد أن يتمتع ببعض الدنيا بالحلال، لكن ما يكون في داخله من رغبة في الآخرة يجعله أكثر قدرة على العطاء من غيره، يتميز بالعطاء، يعطي مما أعطاه الله، وأقل عطائه زكاة ماله، ربع العشر، وكلما زاد في إيمانه زاد في عطائه، فالمؤمن يبني حياته على العطاء.
اليوم أريد أن أتحدث عن حديث شريف، عن كنز، كنز عظيم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم غير ما يكنزه الناس من الذهب والفضة، هذا الحديث رواه الطبراني في معجمه بسند صحيح:

{ عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: بينما هم في سفر إذ نزل القوم يتصبحون فقال شداد ادنوا هذه السفرة لفيت بها، ثم قال: استغفر الله ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أزمها وأخطمها قبل كلمتي هذه ليس كذلك قال محمد صلى الله عليه وسلم ولكن، قال يا شداد: إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات، اللهم إني أسألك التثبيت في الأمور والعزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وخلقاً مستقيماً، وأستغفرك لما تعلم وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من خير مما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، إنك أنت علام الغيوب }

[أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم ]

(إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات) الذهب والفضة كناية عن كل ما يكنزه الإنسان من المال، اليوم النقود تقوم مكان الذهب والفضة، كان هناك دينار ذهبي، ودرهم فضي، اليوم يوجد عملات مختلفة تقوم مقام الذهب والفضة، وما يزال حتى اليوم الذهب والفضة لهم مكانة، لكن إضافة للذهب والفضة اليوم يكنز الناس حسابات بنكية يعدون أوراقاً نقدية، ويكنزون سيارات، يكنزون بيوت، يكنزون عقارات، أراضٍ، إلى آخره.
فقال: (إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات) أنت احفظ هؤلاء الكلمات، واجعلها في حرز عندك بحيث تكررها دائماً، وتفهم مضامينها، ما هذه الكلمات؟

{ اللهم إني أسألك التثبيت في الأمور والعزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وخلقا مستقيما، وأستغفرك لما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من خير مما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، إنك أنت علام الغيوب }

هذه الكلمات أمر النبي صلى الله عليه وسلم شداداً، وأمر أمته، ونحن من أمة الاستجابة إن شاء، أمرنا أن نكنز هذه الكلمات.

طلب الثبات من الله عز وجل لأسباب كثيرة منها:
1 ـ إقبال الفتن:
ماذا في هذه الكلمات؟ أول ما فيها الطلب من الله الثبات، أن يطلب الإنسان من ربه الثبات في الأمر، الأمر هو الإسلام، الدين، الإيمان (اللهم إني أسألك التثبيت في الأمور) نحن اليوم أحوج ما نكون إلى الطلب من الله بالثبات، لأسباب كثيرة، أولها: إقبال الفتن، الفتن أقبلت بشهواتها وشبهاتها، فيقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال فِتنا كَقِطَع الليْلِ المظلم، يُصبحُ الرجلُ مؤمِنا ويُمْسِي كافِرا، ويُمسِي مُؤمِنا ويُصبْحُ كافِرا، يَبيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ من الدُّنْيا }

[أخرجه مسلم والترمذي]

أعظم ما في هذا العصر هو الفتن
أي استقبلوا الفتن بأعمال صالحة، حتى لا تصيبكم الفتن، قال: (بادروا بالأعمال فِتنا كَقِطَع الليْلِ المظلم، يُصبحُ الرجلُ مؤمِنا ويُمْسِي كافِرا، ويُمسِي مُؤمِنا ويُصبْحُ كافِرا، يَبيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ من الدُّنْيا) فأعظم ما في هذا العصر هو الفتن التي استعرت، الشهوات في كل مكان، فأنت مضيت في الشارع تجد الشهوات معروضة على جانبي الطريق، فإذا فتحت هاتفك خرج لك من الفتن ما يخرج، تفتح على موضوع مختلف تماماً تريد أن تبحث في تجارتك عن شيء فتجد الفتنة قد قفزت إلى الشاشة قفزاً على هيئة إعلان، وتفتح لتتصفح موضوعاً فتجد الشبهة قد عرضت لك، انظر هذه الآية، انظر هذا الحديث، هل القرآن من كلام الله تعالى أم كلام محمد صلى الله عليه وسلم؟ تفتح المرأة جوالها ظلمك الإسلام، اليوم الفتن تعرض في كل مكان (كَقِطَع الليْلِ المظلم يُصبحُ الرجلُ مؤمِنا ويُمْسِي كافِرا) نجد هذا اليوم نشاهده بأم أعيننا، تقول: فلان؟! نعم والله فلان، هذا الذي يخرج نعرفه كان في المسجد، وكنا نقوم الليل معه، وكنا، وكنا، وكنا، ثم تجده اليوم قد جند قدمه وسيفه لحرب الإسلام، فاليوم الفتن مشتعلة لذلك نحن بحاجة إلى الثبات.

2 ـ تغير الزمان:
الأمر الثاني الذي نحن بحاجة فيه إلى طلب الثبات دائماً، والنبي كان أكثر ما يقول في سجوده، في قيام الليل في السجود، يقول:

{ عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت: قلت: يا رسول الله وإن القلوب لتتقلب؟ قال: نعم ما من خلق الله من بشر من بني آدم إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله عز وجل فإن شاء الله أقامه وإن شاء أزاغه فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب. قالت: قلت: يا رسول الله ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: بلى قولي: اللهم رب محمد النبي اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتنا }

[ أخرجه الإمام أحمد ]

هذا من؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول:

وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)
[ سورة النحل ]

أي تثبت ثم تزل، ولما سأله أصحابه: ما أكثر ما تدعو الله بالثبات؟! فقال صلى الله عليه وسلم:

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أن يقولَ: يا مُقَلِّبَ القلوب ثبِّتْ قلبي على دِينِكَ، فقلتُ: يا رسول الله، قد آمنَّا بكَ، وبما جئتَ به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوبَ بين إصبعين من أصابع الرحمن، يُقلِّبها كيف يشاءُ }

[أخرجه الترمذي ]

ما سمي القلب قلباً إلا لكثرة تقلبه
وما سمي القلب قلباً إلا لكثرة تقلبه، فالإنسان أحياناً يكون قلبه مقبلاً، وأحياناً يدبر لكن المصيبة أن يتقلب القلب فينقلب من إيمانٍ إلى كفر، أو أن ينقلب من شكر إلى نكران، أو ينقلب من ثبات إلى ضعضعة، لذلك الله تعالى لما ضرب مثلاً قال:

أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)
[ سورة التوبة ]

فنحن بحاجة إلى الثبات في زمن المتغيرات أكثر من أي زمن مضى، وأكثر ما ينبغي أن نسأل الله تعالى أن نسأله الثبات في الأمر، يا رب إنا نسألك الثبات في الأمر، لأنه لا يثبتك إلا الله، لا إنسان يقول: أنا أثبت من نفسي، أنا قوي، أنا إيماني قوي، لا، كلنا ضعاف، لذلك عندما نقرأ نقول:

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
[ سورة الفاتحة ]

فنحن لولا عون الله تعالى لما ثبتنا، وعندما نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي لا حول عن معصيته ولا قوة على طاعته إلا به، أي لا نستطيع أن نتحول عن معصيته من ذاتنا، إنسان يقول: أنا بالنسبة لي موضوع النساء أنا خارج حساباتي، أنا لا أنظر إلى النساء ولا أشتهي، لا، لا، قل: لا حول عن معصية الله إلا به، لولا أن الله ثبتني، لذلك سيدنا يوسف علمنا هذا الدرس، وهو من هو في الثبات؟! قال:

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)
[ سورة يوسف ]

قال:

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
[ سورة يوسف ]

فلولا أن الله صرف عنه لوقع، وقال تعالى:

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
[ سورة يوسف ]

المؤمن يتأدب مع الله
هنا نقف (هَمَّتْ بِهِ) همت به بالفاحشة والعياذ بالله، قال: (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) أي لولا أنه أدرك أن هذه المعصية نتيجتها هي نار جهنم، وهذا هو البرهان الحقيقي بخلاف ما في الكتب من بعض الإسرائيليات، ونظر إلى السماء فوجد صورة أبيه، أو كذا، لا ما يرد ذلك في الصحيح (رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) البرهان؛ هو النور الساطع، نور من الله يقذفه في قلب المؤمن فيرى به الحق حقاً، والباطل باطلاً، وكلنا يمكن أن نرى برهان ربنا في لحظة معينة فنحيد عن المعصية، لذلك لا حول عن معصية الله إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به، لا يقول أحد: أنا قوي على الصلاة، لا، لولا أن الله يقويك لكنت كغيرك، فلذلك المؤمن يتأدب مع الله، فإذا رأى عاصياً لا يحتقره، وإنما يشفق عليه، ويتعامل مع العصاة بشعور المرضى وكأنه الطبيب، وليس بشعور الضابط وهم الجنود، وإنما بشعور الطبيب الذي يتعامل مع المرضى بخلاف من يتجاهرون بالمعاصي والآثام فهذا شأنهم آخر، لكن المغلوبين على أمرهم ينظر إليهم على أنني لولا أن الله منَّ علي لكنت مكانهم.

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)
[ سورة القصص ]

المِنة من الله علينا، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94)
[ سورة النساء ]

فمن منا إلا وله زلل وله معصية؟ لذلك نسأل الله دائماً الثبات.

3 ـ إقبال الدنيا:
ثم من الأسباب التي توجب على الإنسان أن يسأل الله الثبات: إقبال الدنيا، الفتن كثيرة، لكن أيضاً من غير الفتن لو لم يكن هناك فتن سيكفي إقبال الدنيا حتى يسأل الإنسان ربه الثبات، لأن الدنيا تغر، وتضر، وتمر.
وسائل الراحة بين يدينا اليوم كثيرة جداً
أخواننا الكرام؛ أفقر إنسان فينا اليوم بالفقر المادي، أفقر إنسان فينا اليوم في مجتمعاتنا عنده من الدنيا ما لم يكن عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنت تدخل مثلاً على بيت تقول: والله فقر ليس طبيعياً، ثلاجة صغيرة جداً تهتز، ومروحة قديمة، وحر شديد، من كان عنده من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان يضع فيه الطعام؟ أو مروحة تدور؟ كسرى ملك الفرس كان يقف له شخص يمسك له بكرتونة ليأتي بالهواء على وجهه، فاليوم نحن نعيش، أقبلت الدنيا علينا أيها الإخوة الكرام، والله أقبلت الدنيا، الحمد لله، نحن نشكر الله، لكن إقبال الدنيا ينبغي أن يدفعنا إلى أن نسأل الله الثبات، لأن الدنيا تحرفك عن مسارك، أكثر ما يكون الناس قرباً من ربهم حينما تنعدم وسائل الراحة، أما وسائل الراحة بين يدينا اليوم كثيرة جداً حتى عند الفقراء.
فلذلك بعض التابعين الكرام كانوا لما رأوا الدنيا قد بسطت عليهم ما لم تبسط على صحابة رسول الله كان يقول قائلهم: وأخشى أن نكون ممن عُجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، يخافون من إقبال الدنيا، المؤمن يبادر ذلك بالعمل الصالح، بالإنفاق، بالصدقة، بالشعور بالآخرين، ويسأل الله الثبات، حتى لا تغريه الدنيا وتحرفه عن مساره.

4 ـ الحرب الضروس التي أعلنت على الإسلام ليلاً نهاراً:
أيضاً مما يدفعنا إلى طلب الثبات دائماً هي تلك الحرب الضروس التي تعلن ليلاً نهاراً على الإسلام، اليوم أينما وجهت، وأينما يمنت وجهك تجد حرباً على الإسلام، حتى أصبح الواحد يخشى أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، فيقول له: لطف العبارة، ولعلك تقول: هذا عيب، هذا لا ينبغي، لكن لا تدخلنا في الحلال والحرام، ويخشى في بعض المجالس، وفي بعض البلدان، وفي بعض المؤتمرات أن يذكر آية من كتاب الله، أو حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يقبل الناس منه أن يقول: قال المفكر الفلاني، وقال الفيلسوف.

وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
[ سورة الزمر ]

هذا اليوم واقع، وهو يزداد مع الأسف، يجب أن نوطن أنفسنا أن هذه العداوة تزداد يوماً بعد يوم، كلما قوي الإسلام وكان انتشاره أكبر فإنهم يزيدون في العداوة منه، في عداوته، لذلك هذا يدفعنا إلى طلب الثبات لأن الإنسان يتأثر بالفكر الذي حوله، يسمع فربما يدخل شيء إلى قلبه فينبغي أن يسأل الله الثبات.

5 ـ التفكير في حسن الخاتمة:
وأخيراً مما يدفعنا إلى سؤال الله الثبات أن نفكر في حسن الخاتمة، فكم من إنسان عاش على خير لكن خُتم له بشر! فالإنسان يخاف من سوء الخاتمة، فيسأل الله الثبات إلى الممات.
الإنسان يخاف من سوء الخاتمة
وقد روي أن الإمام أحمد بن حنبل وهو من هو في العلم، وهو من هو في الوقوف في وجه الظلّام، وهو من هو في الثبات في وقت الفتن، وقضية خلق القرآن وغير ذلك، ثبت وعُذب في الله، لكن لما أتته سكرات الموت كان يقول: لما بعد، ليس بعد، فلما أفاق قليلاً قال له أصحابه: كنت تقول ليس بعد؟ قال: جاءني الشيطان فقال: نجوت مني يا بن حنبل، فكنت أقول: ليس بعد، ما دام النفس يخرج إذاً ما زال لك مدخل عليّ، أسأل الله أن ينجيني منك.
فالإنسان يسأل الله الثبات لأنه يتذكر أن هناك لحظة سيغادر بها الدنيا، فيسأل الله أن يثبته حتى يلقى الله، على الصلاة، على العبادة، على الصيام، على الطاعات، على المنهج لا يحيد، ولا يغير، ولا يبدل.

على الإنسان أن يسأل الله العزيمة على السير في الطريق الصحيح:
(اللهم إني أسألك التثبيت في الأمور، والعزيمة على الرشد) الرشد؛ الهداية.

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
[ سورة البقرة]

أي يصلون إلى الرشد.

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
[ سورة البقرة ]

فهنا يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه، ويطلب منا هذا الدعاء أن نسأل الله العزيمة على الرشد، فكم من إنسان يعرف الطريق الصحيح ولكنه لا يملك العزيمة على السير فيه؟! فيقول لك: والله أريد أن أصلي الفجر لكني أنام عنها، ويقول لك: والله أريد أن أكف عن النظر إلى الحرام، لكن لا أجد في نفسي القدرة على ذلك، ويقول لك: أريد أن أتوقف عن الربا ولكن أجد نفسي مدفوعاً بحكم المعاملات التجارية إلى القرض الربوي، وما إلى ذلك، فينبغي أن يسأل الإنسان ربه العزيمة على الرشد، والسؤال هنا لا يعني مجرد السؤال، وإنما يعني أن يكون الإنسان طالباً للرشد، ثم يستعين بالله ليسير في هذا الطريق، فيأخذ بالأسباب ويتوكل على الله معاً.

سؤال الله عزائم المغفرة وموجبات الرحمة:

{ عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن كانت له إِلى الله حاجة، أو إِلى أحد من بني آدمَ فليَتوضَّأُ ولْيُحْسِنِ الوضوءَ، ثم ليصلِّ ركعتين، ثم لِيُثْنِ على الله، ولْيُصلِّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إِله إِلا الله الحليمُ الكريمُ، سبحان الله ربِّ العرشِ العظيم: الحمدُ لله رب العالمين، أسألكَ موجباتِ رحمتكَ، وعزائمَ مغفرتك، والغنيمةَ من كلِّ بِرّ، والسلامةَ من كل إِثم، لا تدعْ لي ذنبا إِلا غفرتَهُ، ولا همّا إِلا فَرَّجْتَه، ولا حاجة هي لكَ رِضى إِلا قضيتَها يا أرحم الراحمين }

[ أخرجه الترمذي ]

من أدب الدعاء النبوي
وهذا من أدب الدعاء النبوي، محمد الغزالي رحمه الله، ليس الإمام الغزالي، محمد الغزالي المعاصر، ألّف كتاباً سماه: فن الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء، كتاب جميل، فن الذكر والدعاء، أي النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتقي الكلمات في الأدب مع الله تعالى في دعائه، فهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، (أسألك موجبات رحمتك) نعم الإنسان يقول: يا ربِّ ارحمنِي، يسأله الرحمة فوراً، لكن من فن الذكر والدعاء عند النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل أحياناً (موجباتِ رحمتكَ).
طالب يمكن أن يقول للأستاذ: نجحنِي، الأستاذ يقول له: سأحاول حسب علاماتك، حسب وضعك، لكن الطالب الأكثر قدرة على الكلام، أو الأكثر عقلاً يقول للأستاذ: أستاذ أعطنيِ الطريقة التي أنجح بها، دلني على الطريق، ماذا أدرس؟ كيف أدرس؟ الوقت الذي أحتاجه؟
(موجباتِ رحمتكَ) أي يا رب دلني على الأشياء التي توجب أن تتنزل رحماتك عليّ، فيدله الله على عمل صالح، على شخص مريض يزوره، على شخص فقير يعطيه، على مريض يساعده في إجراء عملية جراحية، على ركعتين في جوف الليل، على، على، يدله على أبواب الخير لأنه سأل الله موجبات الرحمة، ما يوجب رحماتك يا رب أسألك أن تدلني عليها.
(وعزائمَ مغفرتك) أيضاً تشبه (موجباتِ رحمتكَ) أي الأشياء التي تستوجب مغفرتك يا رب دلني عليها، لأن الإنسان بين عمل يؤدي به إلى رحمة الله أو خلل يؤدي به إلى مغفرة الله، نحن جميعاً عندما نستيقظ صباحاً إما أن نسير على الطريق فتأتي رحمات الله أو نخالف فتأتي مغفرة الله، هذا المؤمن، لذلك في آيات كثيرة:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
[ سورة البقرة ]

غفور إذا كان هناك ذنب يغفره، ورحيم إذا كان هناك عمل صالح يتجلى على قلبك بالرحمة، فالإنسان يسأل الله تعالى موجبات الرحمة، وعزائم المغفرة، أي الأشياء التي توجب، وأعزم بها على أن أطلب مغفرتك يا رب (وعزائمَ مغفرتك).

شكر الله على نعمه:
الشكر نعمة من الله
(وأسألُكَ شُكْرَ نِعْمَتِك) ناجى أحد الصالحين ربه، قال: يا رب كيف أشكر لك على نعمك والشكر نعمة منك؟ الشكر نعمة من الله يا أحباب، فهو يسأله هي نعمة من الله الذي يلهم الشكر أنعم الله عليه بنعمة الشكر.
لذلك ورد: ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان الحمد أفضل من تلك النعمة، أي إذا أنت جلست بمجلس وأكلت طعاماً لذيذاً، جيد، إذا قلت: الحمد لله، الحمد لله أفضل من الطعام، لأن الطعام دخل إلى المعدة، وهُضم، وذهب، أما الحمد بقي ليوم القيامة، فأيهما أفضل الحمد أم النعمة؟ الحمد، لذلك الحمد على النعمة أفضل من النعمة.
(وأسألُكَ شُكْرَ نِعْمَتِك) اسأل الله أن يرزقك الشكر، يلهمك إذا أكلت الطعام أن تحمد الله عليه، وإذا شربت الشربة أن تحمد الله عليها، والشكر أحبابنا الكرام على مراتب؛ أول مراتب الشكر امتلاء القلب بالحمد لله تعالى، حالة نفسية مبنية على معرفة بفضل الله تعالى، وينتقل إلى شكر اللسان، الحمد لله، ثم ينتقل إلى شكر العمل:

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
[ سورة سبأ ]

(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) بهذا المعنى قد يقول بلسانه: الحمد لله لكنه ينفق النعمة في غير الوجه الذي أراده الله، فهو لم يعمل شكراً، قال شكراً لكنه لم يعمل شكراً، كيف يعمل الإنسان شكرا؟ يقول: يا ربِ لك الحمد على نعمة العين، إذاً لا تنظر إلى الحرام، يقول يا ربِ لك الحمد على نعمة القدم، إذاً تمشي إلى مجالس العلم، مجالس الخير، الصحبة الطيبة، الجلسة المفيدة الهادئة، إلى الأهل، إلى الأصحاب، إلى الأحباب، لا تمش إلى مكان تدار فيه المعاصي والآثام، تحمد الله على نعمة المشي، الأذن ! إذا حمدت الله على نعمة الأذن لا تسمع الغيبة والنميمة، والغناء الفاحش، والساقط، اسمع كلام الله، اسمع الأناشيد الجميلة، اسمع الحق، اسمع الخير، اسمع الكلمة الطيبة، إلى آخره.
فهذا (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً) بمعنى أن يشكر الله تعالى على نعمه من جنس النعمة، فإذا أطعمه الله أطعم، وإذا سقاه الله سقى الآخرين، وإذا أعطاه الله أعطى، وهكذا(اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً).

إتقان العبادة:
(وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك) العبادة أحبابنا الكرام، يوجد حسن، ويوجد أحسن، أي من إتقان العبادة هو حسن العبادة، الإحسان هو الإتقان، قال تعالى:

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)
[ سورة السجدة]

الذي أتقن كل شيء خلقه، فالإحسان هو الإتقان، وعندما قال صلى الله عليه وسلم:

{ عن رجل من النخع رحمه الله قال: سمعت أبا الدرداء حين حضرته الوفاة قال: أحدثكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، واعدد نفسك في الموتى، وإياك ودعوة المظلوم فإنها تستجاب، ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين العشاء والصبح ولو حبواً فليفعل }

[أخرجه الطبراني]

الإحسان يؤدي إلى إتقان العبادة
هذا أيضاً يفضي إلى إتقان العبادة، إذا الإنسان وقف بين يدي الله ليصلي وهو يعبد الله كأن الله يراه، كأنه يرى الله، هذه المرتبة الأولى، كأنه (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي أدنى حد أن تعتقد أن الله يراك، فكيف يؤدي عبادته الآن؟ بإتقان، فالإحسان بالمعنى النبوي والمعنى القرآني يؤدي إلى إتقان العبادة، فنسأل الله تعالى حسن عبادته، أي أن نؤديها على الوجه المطلوب، وأن نحقق المقصد منها، أن يؤديها على الوجه المطلوب، مثلاً الصلاة يتم ركوعها، يتم سجودها، يأتي بسننها، بآدابها، ثم بعد ذلك تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا ينطلق لسانه بفحش، ولا عمله بمنكر، هذا أدى الصلاة بحسن العبادة، هذا حسن العبادة.
الصيام؛ التزم بآدابه، صام عن الطعام والشراب لكنه لم يصم عن الغيبة والنميمة، هذا ليس من حسن العبادة، أتى بآداب الصيام من حسن العبادة.
الآن:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
[ سورة البقرة ]

حقق الصيام غايته في تقوى الله، هذا (وحسن عبادتك).

القلب السليم يؤدي إلى صدق اللسان:
(وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً) قالوا:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً
{ الأخطل }
الكلام في الفؤاد، في القلب، وأحياناً الإنسان يقول لك: رأيت منظر جميلاً ذهلت أمامه فما أسعفتني الكلمات، امتلأ القلب بالكلام لكن اللسان ما استطاع أن يعبر عما في القلب، فيقول له: أنا عاجز عن شكرك، تعجز الكلمات عن شكرك، فالكلام في الفؤاد، لذلك جمع هنا بين القلب واللسان، لأن اللسان هو دليل القلب، فإذا كان القلب سليماً كان اللسان صادقاً، وإذا كان القلب مريضاً كان اللسان كاذباً، القلب السليم يؤدي إلى صدق اللسان، القلب السليم:

يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
[ سورة الشعراء]

قال ابن القيم رحمه الله: القلب السليم سلم من كل شهوة لا ترضي الله، وسلم من تحكيم غير شرع الله، وسلم من خبر يتعارض مع خبر الله.
القلب السليم سلِمَ من كل شهوة لا ترضي الله
أي ربنا عز وجل قال: إن أول الخلق هو آدم عليه السلام، وإنه خلقه على صورته، يوم خلق السماوات والأرض على الصورة نفسها، فالخبر الذي يتناقض مع هذا الخبر أن يقال إن أصل الإنسان قرد، وتطور فأصبح إنساناً، هذا الخبر يتناقض مع خبر الله، فإذا تعلق به الإنسان القلب صار فيه مرض، سلم من شهوة لا ترضي الله، عنده عجب، شهوة لا ترضي الله، يرى نفسه فوق الناس، هذه شهوة لا ترضي الله ينبغي أن يزيلها، سلم من تحكيم غير شرع الله، يعلم أن الشرع لا يعطيه هذا الحق ولكن بقوة القانون يأخذه، فيقول له: بيننا المحاكم نحن في بلد فيها قانون لو سمحت، يقول له: إلى الشيخ الفلاني نحتكم، الشيخ المفتي نسأل، نحن في بلد فيها قانون لو سمحت، فهذا لم يسلم قلبه لأنه يريد أن يحكم غير شرع الله تعالى، فالقلب السليم هو الذي سلم من كل شهوة لا ترضي الله، سلم من تحكيم غير شرع الله، سلم من قبول خبر يتناقض مع خبر الله.
(ولساناً صادقاً) لا يتكلم بالكذب، ينطق بالحق.

{ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إِلى البرِّ، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يَصدُق ويَتَحَرَّى الصِّدقَ حتى يكتبَ عند الله صدِّيقا، وإِياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إِلي الفجور، وإِن الفجور يهدي إِلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذَّابا إِلا أن أبا داود ذكر الكذب قبل الصدق }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك]


الالتجاء إلى الله لصرف الشر وجلب الخير:
(وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من خير مما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم) من خير ما تعلم فيها تفويض، أي قد يظن الإنسان الخير هنا وهو ليس هنا.

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
[ سورة البقرة ]

(وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك) أي ألتجئ وأحتم بك أن تجيرني من شر ما تعلم، اصرف عني الشر، واجلب لي الخير.

استغفار الله تعالى لأنه يعلم السر وأخفى:
(وأستغفرك لما تعلم) ربنا عز وجل:

وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
[ سورة طه]

إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)
[ سورة الأعلى]

و(السِّرَّ وَأَخْفَى) أي إذا تحت السر أي ما خفي يعلمه الله تعالى، أحياناً الإنسان كيف السر وأخفى؟ الجهر ما يقوله، يقول لك: أنا جئت إلى هنا من أجل الخير، أريد الإصلاح، هذا ما قاله، السر الذي أضمره في نفسه هو أنه قادم إلى هذا المكان ليقيم الحجة على فلان، بينه وبينه مشكلة يريد أن يشمت به في هذا المجلس، لكن هذا ما أعلن عنه هو هذا سر، أحياناً يكون هناك ما هو أخفى من السر، يقول لك: والله لا أدري لماذا أتيت؟ كيف قادتني أرجلي؟ ربما يسمونه هذا أحياناً: استرجاع للذكريات، بعلم النفس، صار معه شيء في الماضي يقول لك: شيء مشابه، يوجد أشياء في النفس لا يعلم الإنسان، هذه يسمونها علماء النفس لماذا؟ أي الإنسان أحياناً حتى تصل معه إلى لماذا الحقيقية، لماذا فعل ذلك تصل معه إلى شيء ربما هو لا يعلمه، فقال: (السِّرَّ وَأَخْفَى) أي أخفى من السر يعلمه جل جلاله.
فلذلك عندما تقول: (وأستغفرك لما تعلم) لعل هناك من ذنوب الخلوات، أو الجلوات، أو من الأشياء التي أنت لا تعلمها لكن الله يعلمها، حظ النفس أحياناً شيء فقال: (وأستغفرك) الشك الذي يقع في النفس أحياناً (وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب) انظروا إلى هذا الحديث، بدأ بعالم الشهادة: (إذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة) هذا شهادة، الآن كل ما ورد بالحديث متعلق بالغيب، الناس تكنز الشهادة، يرى بعينه، يقول لك: هذا، لكنه لا ينتبه إلى الغيب، وختم الحديث بالغيب (إنك أنت علام الغيوب) فكل الدعاء هذا متعلق بالغيب.
الآن ائتِ بإنسان ليس له علاقة بالدين، قل له: والله لقيت لك كنزاً، يقول لك: هات، قل له: كل يوم قبل أن تنام: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد) أي رشد؟ قل له: (شكر نعمتك) لا يعلمها، لأنه غيب كله، هو يعيش بالشهادة، كنز أي أعطنيِ، لذلك خُتم الحديث (إنك أنت علام الغيوب) لأن هذا من علم الغيب، كل ما تدعوه أنت بهذه الأمور نابع من إيمانك بالغيب لأنه يوجد يوم القيامة، فلذلك أنت بحاجة إلى الثبات، والعزيمة، والشكر، والعبادة، وموجبات الرحمة، وعزائم المغفرة، كل هذه الأمور نحتاجها ليس لدنيانا، وإنما لأخرانا، أي للغيب، لذلك جاء ختام الحديث (أنت علام الغيوب).
والحمد لله رب العالمين