• محاضرة في الأردن
  • 2022-11-28
  • عمان
  • الأردن

انوِ الخير

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

الأعمال ليست بالظواهر إنما الأعمال بالنيات :
الأصل في ديننا أن الأعمال بالنيات
وبعد ؛ هل تعلمون من هو أعجز إنسان في دين الله ؟ أكثر الناس عجزاً هو الذي يعجز عن أن ينوي خيراً ، الأصل في ديننا أن الأعمال بالنيات ، يقول صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث اختاره الإمام البخاري ليفتتح به صحيحه ، وهذا من فقه الإمام البخاري رحمه الله ، افتتح كتابه بقوله صلى الله عليه وسلم :

{ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول إِنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى . فمن كانت هجرته إِلى الله ورسوله فهجرته إِلى الله ورسوله . ومن كانت هجرته إِلى دنيا يُصِيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إِلى ما هاجر إِليه }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي]

هذه أداة حصر وقصر (( إِنما )) أداة حصر وقصر ، أي العمل بنيته ليس بظاهره ، لماذا العمل بنيته ؟ لأن الأعمال تتشابه في ظواهرها ، أنت إذا دخلت إلى المسجد وجدت عشرة أشخاص يُصلون ، صورتهم ، الأعمال بالظاهر واحدة ، الكل كبّر ، الكل وضع اليد اليمنى فوق اليسرى ، الكل قرأ الفاتحة ، الكل ركع ، الكل سجد ، فتشابهت الأعمال ، وتشابهت الأقوال ، لكن البواعث التي هي النيات مختلفة ، هناك شخص يصلي ونيته خالصة لوجه الله ، وهناك شخص من يصلي ليراه الناس في المسجد فيثقون به فيبتاعون من عنده ، وهناك شخص آخر يصلي لأن والده أخذه معه إلى الصلاة إجبارياً ، أما أنت فرأيت المشهد الجميع مثل بعضهم تماماً ، إذاً الأعمال ليست بالظواهر الأعمال بالنيات .
مثال آخر : لو وضعت مصوِرة ، كاميرا خفية في شجرة ، ووضعت تحت الشجرة خمسين دينار ، وهناك محل تجاري قريب ، وهناك سوق ، وصورت ، جاء شخص أخذ الخمسين ديناراً وضعها في جيبه ، وضعت خمسين أخرى جاء شخص أخذها وضعها في جيبه ، العملان متشابهان ، الأول وضعها في جيبه يريد أن يسأل عنها ، أن يضع إعلاناً في السوق ، أو يضع خبراً عند البقالية أنني وجدت خمسين ديناراً أمام محلك ، والثاني وضعها يريد أن يأخذها قبل أن يراه أحد ، فالعملان تشابها في الظاهر ، اعرض الفلمين على الشاشة ، العملان متشابهان تماماً لكن البواعث مختلفة ، لذلك الأعمال بالنيات .

العمل الذكي يتشابه مع العمل العبادي في الظواهر ويختلفان في البواعث :
الذكي يطبق شرع الله عز وجل
حتى اليوم عندما تجد في الغرب يذهب إنسان إلى بلاد الغرب يعود يقول لك : والله وجدت صدقاً ، تعاملهم بالتجارة صدق ، صحيح ، وهذه نقطة يحمدون عليها ، نحن لا نبخس الناس أشياءهم ، لكن هل هذا لإرضاء الله ؟ في الغالب لا لأنه لا يوجد بالأصل إيمان بالغيب ، إرضاء الله يحتاج إلى إيمان بالغيب ، وغالباً هم يتعاملون مع الشهادة فقط ، في الغالب ، فيقول : والله وجدت أخلاقاً كثيرة من المسلمين ، فالعمل الذكي يتشابه مع العمل العبادي في الظواهر ، لكن يختلفان في البواعث ، فالذكي يطبق شرع الله عز وجل ، يقول لك : إذا كنت صادقاً وأميناً ، يتحدث الناس ، إذا أتقنت صنعتي يتحدث الناس عني بأن فلاناً صنعته متقنة ، يُعامل الناس بالأمانة ، يأتي في الموعد ، لا يتأخر بتسليم المشروع ، فتكثر تجارته ، فهو ينطلق من باب الذكاء في العمل ، المؤمن يفعل الأعمال نفسها ، يستفيد منها الفائدة نفسها ، لكن هو ينوي بها وجه الله تعالى ، فيثاب عليها في الآخرة ، فالأعمال العبادية مع الأعمال الذكائية إن صح التعبير تتشابه في الظاهر ، وتختلف في البواعث ، في النيات ، فالعمل بنيته ، وقد ورد في الحديث وإن كان فيه ضعف :

{ عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نية المؤمن خير من عمله ، وعمل المنافق خير من نيته ، وكل يعمل على نيته ، فإذا عمل المؤمن عملاً ثار في قلبه نور }

[أخرجه الطبراني]

وفي رواية : أبلغ من عمله ، نيه المؤمن خير من عمله ، أو أبلغ من عمله ، لماذا ؟ لأن المؤمن ينوي الخير الكثير ، ثم يصيب منه شيئاً فقط ، فيؤجر على ما نوى ، يؤجر على الخير الكثير ، وهذا من رحمة الله ، فنيته خير منه عمله ، وبالمقابل الكافر نيته شر من عمله أي هو ينوي أشياء سيئة جداً لكن يتاح له أن يفعل بعضها فقط ، لكن نيته أكثر من ذلك ، أكبر من ذلك ، فـــ (( نية المؤمن خير من عمله )) .
وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يوصي ابنه ، فقال : أي بني انوِ الخير فإنك ما زلت في خير ما نويت الخير .

النية أساس الدين وركن العبادة :
تحرير النية لله أعظم ما يفعله الإنسان
الإنسان إذا حرر نيته ، تحرير النية ، وجعل نيته خالصة لوجه الله ، فهذا أعظم ما يفعله ، ثم ما يأتي به من الأعمال طبعاً بعد الفرائض قليلاً كان أم كثيراً يؤجر عليه ، وإذا كانت النية غير محررة ، وخالصة لوجه الله لا ينفعه لا قليل العمل ولا كثيره ، يؤجر عليه في الدنيا لكن ليس في الآخرة ، لأنه فعله للدنيا ، أنفق ليقال منفق ، وقد قيل ، قرأ ليقال قارئ ، وقد قيل ، جاهد ليقال شجاع ، وقد قيل ، ثم يقال : خذوه إلى النار ، لأن الذي فعله فعله في الدنيا وأخذ جزاءه ، من رحمة الله ، ومن عدل الله أن الإنسان إذا فعل شيئاً يريد به الدنيا أعطاه الله الدنيا ، وإذا فعل شيئاً يريد به الآخرة يأخذ الآخرة ، ويأخذ الدنيا ، أي يتحقق السمعة الحسنة ، ويتحقق الذكر الحسن بين الناس ، ويستحق الجنة بأعماله .
إذاً النية هي لا أبالغ إذا قلت هي أساس الدين ، هي ركن العبادة ، إذا إنسان وقف ، وركع ، وسجد ، وما نوى صلاة الظهر ، لا تقبل صلاته ، فعل الأفعال كلها لكن دون نية ، إذا ذهب وطاف حول الكعبة سبعة أشواط رياضة ، ولم ينوِ الطواف لا يقع طوافه ، إذا صدف أنه في يوم من الأيام استيقظ وبدأ عمله ، ولم يشعر على نفسه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ما أكل ولا لقمة ، ثم انتبه بعد الغروب أنه ما أكل هل يقال عنه صائم ؟ لا ، لأنه لم ينوِ الصيام ، أما إذا سبق المغرب بساعة ونوى الصيام ، يصح صيامه إذا كان نفلاً طبعاً نتكلم ، الفرض يحتاج إلى نية من الليل قبل الفجر ، تبييت النية ، النفل الأمر فيه أوسع ، وهكذا .
إذاً الإنسان إن لم ينوِ فالعمل لا قيمة له ، قال تعالى :

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
[ سورة البينة]

النية هي الإخلاص ، والنية موضعها القلب ، ويتلفظ بها اللسان ، ليعين القلب فقط ، لا يوجد عندنا نحن في الإسلام نية على اللسان ، النية في القلب ، لكن لو تلفظ بها الإنسان ليعين قلبه عليها لا نقول له : فعلت شيئاً لا يجوز ، وإنما الأصل أن النية في القلب .

أحاديث تتعلق بالنية :
الآن يوجد فرص أنا أسميها فرصاً ذهبية من الله عز وجل ، كلها تتعلق بالنية جمعتها لكم ، الحديث الأول عن جابر الأنصاري رضي الله عنه ، قال :

{ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : قال : كُنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ بالمدينةِ رجالا ما سِرتُمْ مسيرا ولا قَطَعْتُم وادياً ، إلا كانوا معكم ، حبَسَهُم المرضُ }

[ أخرجه مسلم ]

(( كُنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غزاة )) غزوة في سبيل الله ، فقال: (( إنَّ بالمدينةِ رجالا )) لم يخرجوا ، هؤلاء ظلوا في المدينة لم يخرجوا (( إنَّ بالمدينةِ رجالا ما سِرتُمْ مسيرا ، ولا قَطَعْتُم وادياً ، إلا كانوا معكم ، حبَسَهُم المرضُ )) وفي رواية : إلا شركوكم في الأجر ، معكم ، هم في المدينة بين أهلهم ، وأنتم في الغزوة ، هم نووا الخروج لكن منعهم المرض ، أو عدم وجود الراحلة ، أو ، أو ، إلى آخره ، فهم شركاء في الأجر وكأنهم موجودون ، وكأنهم في المعركة .
وعن معن بن يزيد قال :

{ عن معن بن يزيد رضي الله عنه : قال : بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وَجَدي ، وخطب عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكحني ، وخاصمت إِليه وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها ، فوضعها عند رجل في المسجد ، فأعطانيها ، ولم يَعْرِفْ ، فأتيتُه بها ، فقال : إِني الله ما إِيَّاكَ أردتُ ، فخاصمتُهُ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لكَ ما نويتَ يا يزيدُ ولكَ ما أخذتَ يا مَعْنُ }

[أخرجه البخاري ]

(( وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها ، فوضعها عند رجل في المسجد)) جاء إلى رجل في المسجد ، هذه الدنانير صدقة لوجه الله ، إن وجدت فقيراً فأعطه إياها ، فأخذتها هذا وجد الفقير من ؟ ابن المتصدق ، قال : فأخذتها (( فأتيتُه بها )) جاء إلى البيت ومعه الدنانير صدقة ، قال : والله (( ما إِيَّاكَ أردتُ )) هذه الدنانير لفقير غيرك ، وليست لابني (( فخاصمتُهُ إِلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم )) أي ذهب إلى رسول الله قال : ابني أخذ الصدقة ، وأنا هذه الصدقة وضعتها لفقراء المسلمين (( فقال صلى الله عليه وسلم : لكَ ما نويتَ يا يزيدُ ، ولكَ ما أخذتَ يا مَعْنُ )) ، فنيته أنه يتصدق ، المال بشكل أو بآخر رجع إليه ، إلى بيته ، لكن النية حصلت ، والأجر حصل (( فقال : لكَ ما نويتَ يا يزيدُ ولكَ ما أخذتَ يا مَعْنُ )) .
الآن الأجمل من ذلك ، قال :

{ عن أبي الدرداء رضي الله عنه : يبلُغ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : من أتى فِرَاشَهُ وهو ينْوي أن يقومَ يُصلِّي من الليل ، فغلبَتْه عينهُ حتى أصبح ، كُتِبَ له ما نوى وكان نومُه صدقة عليه من ربِّه }

[أخرجه النسائي]

(( من أتى فِرَاشَهُ )) بعد العشاء (( وهو ينْوي أن يقومَ يُصلِّي من الليل ، فغلبَتْه عينهُ )) لم يستيقظ إلا بعد أذان الفجر ، حتى أصبح (( كُتِبَ له ما نوى وكان نومُه صدقة عليه من ربِّه )) عز وجل ، كتب له ما نوى ، كأنه صلى القيام ، أخذ الأجر ، وكان نومه صدقة من الله عليه .
ويقول صلى الله عليه وسلم :

{ عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : قال : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني ، عامَ حَجَّة الوداع ، من وجع اشتدّ بي . فقلتُ : يا رسول الله ، إِني قد بلغ بي من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ، ولا يَرثُنِي إِلا ابنة لي ، أَفأَتصدَّق بثلثي مالي ؟ قال : لا . قلتُ : فالشَّطْر يا رسول الله ؟ فقال : لا . قلتُ : فالثلث ؟ قال : فالثلث ، والثلث كثير - أو كبير - إنك أن تَذَرْ ورثتك أغنياء خير من أن تَذَرهم عالَة يَتَكَفَّفُون الناسَ ، وإنك لن تُنفقَ نفقة تبتغِي بها وجه الله إِلا أُجِرْتَ بها ، حتى ما تجعلُ في فم امرأتك }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك ]

النية طيبة وأجر الصدقة
هنا يوجد معنيان ؛ معنى شرعي ، ومعنى ذوقي ، المعنى الشرعي واضح ، الإنسان ما دام نيته طيبة فما يطعمه لأهله له به أجر الصدقة ، لأهله ، لأهل بيته ، جاء إلى البيت ومعه طعام ، أو أغراض للطعام ، وحضّرت زوجته الطعام ، وهو ينوي أن يكفي عياله ابتغاء مرضاة الله عز وجل فما وضعه في فم امرأته يُكتب له ، ويؤجر عليه ، هذا المعنى .
يوجد معنى ذوقي ، هذا اليوم يسمونه الاتيكيت ، قال : (( حتى ما تجعلُ في فم امرأتك )) اليوم يتباهون ، يقول لك : عندهم ذوق عال يطعمها بيده ، النبي صلى الله عليه وسلم قال (( حتى ما تجعلُ في فم امرأتك )) أي وكأنه يقول لك : لا مانع أن تطعمها بيدك لقمة مثلاً فيها نوع من أنواع الود ، هذا يسمونه : اتيكيت ، اشتهيتك بهذه اللقمة .
وقال معاذ رضي الله عنه :
(( أما أنا فأنام وأقوم ))
أي الليل كله ينام بعضه ويقوم بعضه ، وأحياناً ينام ليلة ويقوم ليلة ، أي لا يقوم كل الليالي .

{ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : قال : بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومعاذا إِلى اليمن ، فقال : ادْعُوَا الناس ، وبَشِّرا ولا تُنَفِّرا ، ويَسِّرا ولا تُعسِّرا ، وتطاوعا ، ولا تختلفا ، قال : فقلتُ : يا رسولَ الله ، أفْتِنَا في شَرَابَيْن ، كنا نَصنعُهما باليمن : البِتْعُ ، وهو من العسل يُنْبَذُ حتى يَشْتَدَّ ، والمِزْرُ ، وهو من الذُّرَة والشعيرِ ، يُنْبَذُ حتى يشتدَّ ، قال : وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد أُعطي جوامع الكلم بخواتمه ، فقال : أنهى عن كل مُسْكر أسْكَر عن الصلاة . - وفي رواية : فقال صلى الله عليه وسلم : كُلُّ مسكر حرام - قال : فَقَدِمْنا اليمن وكان لكل واحد منا قُبَّة نزلها على حِدَة ، فأتى مُعاذ أبا موسى - وكانا يتزاوران - فإذا هو جالس في فِنَاء قُبَّتِهِ ، وإِذا يهوديّ قائما عنده ، يريد قتله ، فقال : يا أبا موسى ، ما هذا ؟ ! قال : كان يهوديّا فأسلم ، ثم رجع إِلى يهوديته ، فقال : ما أنا بجالس حَتى تَقْتُلَهُ ، فقتَله ، ثم جلسا يتحدَّثان ، فقال معاذ : يا أبا موسى ، كيف تقرأُ القرآن ؟ قال : أَتَفَوَّقُه تَفَوُّقا : على فراشي ، وفي صلاتي ، وعلى راحلتي ، ثم قال أبو موسى لمعاذ : كيف تقرأُ أنتَ ؟ قال : سأُنَبِّئُكَ بذلك ، أَمَّا أنا : فأنام ، ثم أقوم فأقرأ ، فأحْتَسِبُ في نومتي ما أَحْتَسِبُ في قَومتي }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ]

كما أنني عندما أقوم أحتسبها عند الله ، أحتسب النوم عند الله ، لأنني عندما أضع رأسي على الفراش ، وأنام ، وآخذ قدري من النوم ، استيقظ إلى عملي نشيطاً ، أكفي نفسي ، أحقق رغبات عيالي ، أكفِي المسلمين ، أتصدق ، فأحتسب نومتي ، أن هذا النوم في سبيلك يا الله .

قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)
[ سورة الأنعام]

{ فأحْتَسِبُ في نومتي ما أَحْتَسِبُ في قَومتي }

وعن جابر قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

{ إنَّما يُحشَرُ الناسُ على نِياتِهم }

[أخرجه ابن ماجه]

(( يحشر الناس على نياتهم )) وليس على أعمالهم (( على نياتهم )) أنا لا أخفف طبعاً من شأن العمل بمعنى أن الإنسان : والله نويت ، هو نوى صادقاً ، وكانت نيته خيراً ، ثم حصل بعض ذلك ، وتخلف بعضه (( فيحشر الناس على نياتهم )) لكن ليس المقصود أن يتساهل الناس بالأعمال ، أنا أنوي الخير دون أن أفعله ، لا ، النية الصادقة سأفعله ، لكن جرى شيء لم يفعله يكتب له وكأنه فعله .

ثلاثة أمور على الإنسان أن يحفظها :
1 ـ الصدقة لا تنقص المال :
الآن حديث من روائع الكلم ، أخرجه الإمام أحمد عن أبي كبشة الأنماري ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

{ عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه : أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : ثلاث أُقْسِمُ عليهن ، وأُحَدِّثُكم حديثاً فاحفظوه : ما نقص مالُ عبد من صدقة ، ولا ظُلِمَ عَبْد مَظْلمَة فصبر عليها ، إلا زاده الله بها عِزاً ، ولا فتح عبد بابَ مسألة إلا فتح الله عليه بها باب فقر ، أو كلمة نحوها }

[أخرجه الترمذي ]

الصدقة لا تنقص المال
سيقسم على ثلاثاً ، وسيحدثنا حديثاً ، الثلاثة قال : (( ما نقص مالُ عبد من صدقة )) الصدقة لا تنقص المال ، يا شيخنا على الآلة الحاسبة حسبناهم كانوا ألفاً وصاروا ألفاً إلا خمسة وعشرين ، صاروا تسعمئة وخمسة وسبعين بعدما أخرجنا الزكاة ، كيف ما نقصت ؟ هذه البركة ، المال لا ينقص بالصدقة أحبابنا الكرام ، هذه البركة ، هذا الزر غير موجود على الآلة الحاسبة ، لأن ما كل شيء يقاس بزمنه ، ولا كل شيء يقاس بحجمه .
الدليل ؛ الأخوة التجار ، إذا نزلت إلى عملك ، عملت من الساعة الثامنة صباحاً للثامنة مساء والمحل مفتوح ، قلت : اليوم ما شاء الله العمل من الثامنة إلى الثامنة ! كم بعت ؟ والله لم يدخل أي زبون ، في اليوم الثاني نزلت ثمانية أغلقت الساعة العاشرة دخل لعندك عشرة زبائن ، باليوم الأول كان الربح أم بالثاني ؟ بالثاني ، فالعمر لا يقاس بكم عشت ، لكن بما فعلت .
لذلك ابن عطاء السكندري كان يقول :
ربّ عمر اتسعت آماده وقلّت أمداده وربّ عمر ضاقت آماده واتسعت أمداده
أي بعمر يسير ، بوقت قصير ، حقق ما لم يحققه غيره في عمر طويل ، فالعبرة ليست في الآماد ، وإنما في الإمداد ، فيما أمديت فيه عمرك من الخيرات ، فقال : (( ما نقص مالُ عبد من صدقة )) .

2 ـ الصبر عند الظلم :
(( ولا ظُلِمَ عَبْد مَظْلمَة فصبر عليها إلا زاده الله بها عِزاً ، ولا فتح عبد بابَ مسألة إلا فتح الله عليه بها باب فقر )) الإسلام لا يجيز المسألة إلا لذي فقر مدقع ، أو غرم مفظع ، أو دم موجع ، إما إنسان فقير لدرجة لا يجد ما يأكله ، هذا يسأل ، أو إنسان غارم عليه ديون لا يستطيع سدادها ، والدائنون يطرقون بابه كل صباح ، فيسأل أنا أريد أن أقضي ديني ، أو لذي دم موجع إنسان عليه دم ، قتل خطأ أو شيء ، أي دية .

3 ـ الابتعاد عن سؤال الناس إلا عند الحاجة الملحة :

{ ولا فتح عبد بابَ مسألة إلا فتح الله عليه بها باب فقر }


الدنيا أربعة نفر :
1 ـ رجل رزقه الله مالاً وعلماً :
الآن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ، هنا موطن الشاهد ، قال :

{ عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه : إنما هذه الدنيا لأربعة نَفَر : عبد رزقه الله مالاً وعلماً ، فهو يتَّقي في ماله رَّبهُ ، ويَصِلُ به رَحِمَهُ ، ويعلم أنَّ للَّه فيه حقاً ، فهذا بأَفضل المنازلِ ، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقْه مالا ، فهو صادقُ النية للَّه ، يقول : لو أنَّ لي مالا لَعَمِلْتُ بعمل فلان ، فأجره بنيته - وفي رواية : فهو بنيته - فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علماً ، فهو يَخبِط في ماله بغير علم ، لا يتَّقي فيه ربَّه ، ولا يصل به رحمه ، ولا يعلم للَّه فيه حقا ، فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقْهُ الله مالا ولا علماً ، فهو يقول : لو أنَّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان ، فهو بنيته ، وَوِزرُهما سواء }

[أخرجه الترمذي ]

حق العلم إنفاقه وعدم كتمه
(( إنما هذه الدنيا لأربعة نَفَر )) أي أربعة أصناف (( عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتَّقي في ماله رَّبهُ ، ويَصِلُ به رَحِمَهُ ، ويعلم أنَّ للَّه فيه حقا ، فهذا بأَفضل المنازلِ )) رجل معه علم اتقى الله فيه ، لم يبذله للطغاة ، والأقوياء ، ويفتي الفتاوى من أجل كسب المناصب ، اتقى الله في علمه ، ما تكلم بشيء وفعل بخلافه ، فأفقد الناس المصداقية ، أو يتكلم بشي ، أو ينهى عن شيء ثم يفعله ، أو يأمر بشيء ثم لا يفعله ، فقالوا : هذا الدين كله باطل ، اتهموا دينه ، اتقى ربه فيه ، اتقى ربه في علمه ، والثاني اتقى ربه في ماله ، ما أنفق من حرام ولا كسب من حرام ، (( ويَصِلُ به رَحِمَهُ )) أي المال جعله في خدمة عياله ، في خدمة الفقراء من عياله ، لأنه أولى الناس بصدقتك الأقربون ، (( ويعلم أنَّ للَّه فيه حقا )) العلم لله فيه حق ، والمال فيه حق ، حق المال للزكاة في أقل الأحوال ، وفي أكثرها الصدقات ، وحق العلم إنفاقه وعدم كتمه ، قال : (( فهذا بأَفضل المنازلِ )) .

2 ـ رجل آتاه الله علماً ولم يرزقه مالاً :
الصنف الثاني : (( وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقْه مالاً فهو صادقُ النية للَّه يقول : لو أنَّ لي مالا لَعَمِلْتُ بعمل فلان بنيته فأجرهما سواء )) الثاني عنده علم ، ليس المقصود هنا العلم الشرعي التفصيلي ، لكن عنده علم يدفعه إلى أن يقول : والله أتمنى أن يكون عندي مال فأنفقه ، أي يعلم حق الله في المال في ذلك ، فنوى ذلك ، لكن أنا لا أملك المال ، قال : فهما سواء ، أي هو والأول في المرتبة نفسها عند الله ، لأن القاعدة :

لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7)
[ سورة الطلاق]

آتاك مالاً يكلفك بالإنفاق ، آتاك علماً يكلفك بالتعليم ، آتاك قوة يكلفك بإحقاق الحق ، آتاك منصباً يكلفك ألا توقع قراراً إلا فيه مصلحة الأمة ، ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ) ، غير الآية :

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
[ سورة البقرة]

لن يحاسبك الله إلا على شيء أعطاك إياه
لا ، كل واحدة بمعنى ، نحن نحفظ الأولى دائماً ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) أي ربنا عز وجل لا يكلف شيئاً لا يطاق ، إذا إنسان قال : أنا لا أستطيع غض البصر في هذا الزمن ، نقول له : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) ، الثانية بمعنى آخر ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ) بمعنى أن الله تعالى يوم القيامة لن يحاسبك إلا على شيء أعطاك إياه ، لا يأتي لرجل يقول له : لِمَ لم تنفق ، يا رب ! لم تؤتنِي مالاً ، كيف أنفق ؟ ( إِلَّا مَا آتَاهَا ) وهذا درس تعليمي لنا في حياتنا مع الناس ، أنت مع موظفيك ، أحياناً يعاقب من غير أن يكلف ، مع زوجته في البيت يغضب من غير أن يؤتيها الشيء الذي تفعل بها ما أمر بها ، أنت لم تأتِ بالطعام ، لم تأتِ بمستلزمات الطعام ، ثم جاء وقت الطعام فغضب لماذا لم تحضر الطعام كيف تكلفنني شيئاً لم تؤتنِي أسبابه ؟ فالله تعالى من رحمته ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ) ، قال : هذا النفر الثاني .

3 ـ رجل رزقه الله مالاً و لم يرزقه علماً :
الثالث ؛ قال : (( وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علماً )) هذا ما عنده علم ، عنده مال فقط ، هذا مصيبة متحركة على وجه الأرض ، قال : (( فهو يَخبِط في ماله بغير علم )) ما دام لا يوجد علم المال يخبط فيه ، يشتري به المحرمات ، يبالغ في المباحات أحياناً بغير حاجة ، لا يعلم أين ينفق المال - بالعامية بالشامي عندنا يقولون : الذي معه مال ولا يوجد معه علم يَقرف ويُقرف - إذا لم يكن فيه دين يَقرف ويُقرف ، يجلس بمجلس : كيف أنتم تعيشون بهذا الوضع الصعب ! والله مصروفي باليوم كذا ، يزعج الناس بكلامه ، لا يوجد تواضع ، لا يوجد قبول ، مزعج ، المال وحده من غير علم يزعج نفسه ويزعج الآخرين به ، قال : (( فهو يَخبِط في ماله بغير علم ، لا يتَّقي فيه ربَّه ، ولا يصل به رحمه ، ولا يعلم للَّه فيه حقا )) هذا مثل قارون (( فهذا بأخبث المنازل )) مال بلا علم أخبث منزلة .

4 ـ رجل لم يرزقه الله مالاً ولا علماً :
قال : (( وعبد لم يرزقْهُ الله مالا ولا علماً فهو يقول : لو أنَّ لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان )) لو معي مال كنت ذهبت ، وسافرت ، وأكلت ، وشربت ، واشتريت والعياذ بالله الخمور ، وركبت السيارات ، وصاحبت النساء في الحرام (( لعملت فيه بعمل فلان )) قال : (( فهو بنيته ، وَوِزرُهما سواء )) هذا أشقى الناس ، هذا ما فعل ، هذا عندنا بالشام يقولون : مطبل بالدنيا مزمر بالآخرة ، هذا لا أخذ شيئاً بالدنيا ، ولا بالآخرة ، لكن يتطلع إلى أن يكون كأهل المعاصي والآثام ، النية أهلكته ، والصنف الثاني النية رفعته .

كيفية توزيع الحسنات والسيئات :
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فما يروي عن ربه عز وجل قال ، قال :

{ عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يروي عن ربِّهِ : إنَّ الله تعالى كَتَبَ الحسناتِ والسيئاتِ ، ثم بيَّن ذلك ، فَمَنْ هَمَّ بحسَنة فلم يعملْها كَتَبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هَمَّ بها وعَمِلها ، كَتَبَها الله له عنده عَشْرَ حسنات إلى سبعمائة ضِعْف ، إلى أضعاف كثيرة ، ومَنْ هَمَّ بسيئة فلم يعمَلْها ، كَتَبَها الله عنده حسنة وإن هو هَمَّ بها فَعَمِلها ، كَتَبَها الله له سيئة واحدة ' . زاد في رواية ' أو محاها ولا يَهْلِك على الله إلا هَالِك }

[أخرجه البخاري ومسلم]

كلما زاد الإخلاص زاد الأجر
(( إنَّ الله تعالى كَتَبَ الحسناتِ والسيئاتِ )) هذه حسنة وهذه سيئة ، قال : (( ثم بيَّن ذلك ، فَمَنْ هَمَّ بحسَنة فلم يعملْها كَتَبها الله له عنده حسنة كاملة )) لم يعملها لعارض ، مفهوم الكلام ، لم يعملها لعارض ، همّ بها ، ثم كما ذكرنا في الحديث : أراد أن يقوم الليل فغلبته عيناه ، أراد أن ينفق هذا المال للفقراء فجاءه شيء بتجارته ينبغي أن يدفع المال وإلا هلكت تجارته فدفعه ، وترك الصدقة ، جاءه عارض منعه من الخير الذي ناواه ، قال : (( كَتَبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هَمَّ بها وعَمِلها ، كَتَبَها الله له عنده عَشْرَ حسنات إلى سبعمائة ضِعْف إلى أضعاف كثيرة )) الله أعلم ، هذه الأضعاف الكثيرة هي الإخلاص ، كلما كان الإخلاص أشد في الحسنة التي يفعلها الإنسان كانت الأضعاف مضاعفةً ، كلما نما فيها جانب الإخلاص .
قال : (( ومَنْ هَمَّ بسيئة فلم يعمَلْها كَتَبَها الله عنده حسنة )) كاملة ، هو نوى أن اليوم في المساء يسهر هذه السهرة التي فيها مجون ، وكذا ، وأشياء لا ترضي الله عز وجل ، ثم وهو ذاهب تذكر الله عز وجل ، لا ، أنا لست من هذا الصنف ، أنا معاذ الله أنا إنسان مصلّ ، لا أحضر هذا ، فرجع ، حسنة من الله لأنه تركها مخافة الله ، لكن ليس الإنسان الذي أراد أن يسرق فذهب فوجد الباب موصداً فرجع فيكتب له حسنة ، لا ، لا يأخذ إثماً لأنه لم يوقع السيئة ، لكن لا يأخذ حسنة ، لأنه ترك بأسباب ليست منه .

وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
[ سورة النجم ]

إذا لم يكن هناك سعي منه لترك المعصية فلا يثاب ، لكن من رحمة الله لعل الله عز وجل أراد أن يحجب عنه السيئة لخير فيه فما مكنه منها ، هذا جيد ، أي فيه خير فأراد الله أن يمنع عنه السيئة .
والصنف الرابع قال : (( وإن هو هَمَّ بها فَعَمِلها كَتَبَها الله له سيئة واحدة )) .

أحاديث تبين الصدق في النية وليس في القول :
وعن أبي بردة ، واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر ، فكان يزيد يصوم في السفر ، فقال له أبو بردة : سمعت أبا موسى مراراً يقول قال صلى الله عليه وسلم : إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً .
ليس من البر الصيام في السفر
الإنسان اعتاد أن يصوم الاثنين والخميس ، في السفر المسافر ليس عليه صيام ، ليس من البر الصيام في السفر خاصة إذا كان هناك مشقة زائدة ، فأفطر ، لم يستطع أن يقوم بالليل لطبيعة السفر من الصباح عنده ذهاب إلى الأعمال وكذا فيستيقظ على الفجر ، كُتب له ما كان يفعله صحيحاً مقيماً .

{ عن شداد بن الهاد رضي الله عنه : أن رجلاً من الأْعرابِ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فآمن به وَاتَّبَعَهُ ، ثم قال : أُهاجِرُ معك ، فأوْصى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعضَ أَصْحابِه ، فلما كانت غَزاة ، غَنِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئا ، فَقَسَمَ وقَسَمَ له فأعْطَى أصحابَهُ ما قَسَمَ له ، وكان يَرْعى ظَهْرَهم ، فلمَّا جاء دَفَعُوهُ إليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قِسْمٌ قَسَمَ لَكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فأخَذَهُ ، فجاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذا ؟ قال : قَسمْتُهُ لَكَ ، قال : ما على هذا اتَّبَعْتُكَ ، ولكن اتَّبَعْتُكَ على أنْ أُرْمى إلى هَا هُنا وأشارَ إلى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فأموتَ ، فأَدْخلَ الْجنَّةَ ، فقال : إنْ تَصْدُقِ اللّهَ يَصْدُقْكَ فلَبِثُوا قليلاً ، ثم نهَضُوا في قتال العَدُوِّ ، فأُتِى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قد أصَابهُ سَهْمٌ حيثُ أشار ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أَهُوَ هُوَ قالوا نعم قال : صَدَقَ الله فَصَدقَهُ ، ثم كفَّنَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جُبَّتِهِ ، ثم قدَّمهُ فَصَلَّى عليْه فكانَ ممَّا ظَهَرَ مِنْ صلاتِهِ : اللَّهُمَّ هذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهاجِرا في سبيلك ، فَقُتِل شَهيدا ، أنا شهيدٌ على ذَلك }

[ أخرجه النسائي ]

(( رجل من الأْعرابِ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فآمن به وَاتَّبَعَهُ ثم قال : أُهاجِرُ معك ، فأوْصى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعضَ أَصْحابِه ، فلما كانت غَزاة غَنِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئا ، فَقَسَمَ وقَسَمَ له )) أي كل واحد له قسمة في الغنائم ، (( فأعْطَى أصحابَهُ ما قَسَمَ له ، وكان يَرْعى ظَهْرَهم )) هو غير موجود ، لكن هو له نصيب من الغزوة ، من الغنائم ، هو يرعى ظهرهم ، أي أخذ أغنامهم يرعاها فاليوم لم يحضر فهذه حصة فلان أعطوه .
النبي صلى الله عليه وسلم لا يطلع على النيات
(( فلمَّا جاء دَفَعُوهُ إليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قِسْمٌ قَسَمَ لَكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فأخَذَهُ ، فجاء به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذا ؟ قال : قَسمْتُهُ لَكَ ، قال : ما على هذا اتَّبَعْتُكَ )) أنا لم أتصور في نيتي أن هذا الأمر يجلب المال ، (( ولكن اتَّبَعْتُكَ على أنْ أُرْمى إلى هَا هُنا - وأشارَ إلى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ فأموتَ فأَدْخلَ الْجنَّةَ )) أنا جئت للقتال في سبيل الله ، للشهادة ، للموت ، أنا ما جئت للمال ، (( فقال : إنْ تَصْدُقِ اللّهَ يَصْدُقْكَ )) انظروا النية ، هذا الصدق في النية أحبابنا الكرام وليس في القول ، هذه نية ، الآن النبي صلى الله عليه وسلم لا يطلع على النيات ، الكلام رائع لكن يا ترى فيه صدق أم لا ؟ قال : (( إنْ تَصْدُقِ اللّهَ يَصْدُقْكَ )) هذه قاعدة إخواننا الكرام ، أي إنسان يصدق الله عز وجل في شيء يصدقه الله به ، أريد أن أقوم للفجر ، يقوم إلى الفجر ، أريد أن أصلي القيام ، يقوم ويصلي القيام (( إنْ تَصْدُقِ اللّهَ يَصْدُقْكَ )) .
(( فلَبِثُوا قليلاً ، ثم نهَضُوا في قتال العَدُوِّ - غزوة جديدة- فأُتِى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قد أصَابهُ سَهْمٌ حيثُ أشار )) صادق الرجل ، طالب شهادة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أَهُوَ هُوَ )) تذكر كلامه (( أَهُوَ هُوَ ' قالوا نعم ، قال : صَدَقَ الله فَصَدقَهُ )) الآن تحققت ، النية صارت واضحة ، (( ثم كفَّنَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في جُبَّتِهِ )) انظروا إلى كرامته عند النبي صلى الله عليه وسلم (( ثم قدَّمهُ فَصَلَّى عليْه ، فكانَ ممَّا ظَهَرَ مِنْ صلاتِهِ : اللَّهُمَّ هذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهاجِرا في سبيلك ، فَقُتِل شَهيداً ، أنا شهيدٌ على ذَلك )) تخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم يشهد لإنسان :

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42)
[ سورة النساء]

الشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

الانتباه إلى النية وجعلها خالصة لوجه الله :
كان عبد الله بن المبارك يقول : ربّ عمل صغير تعظمه النية ، وربّ عمل كبير تصغره النية .
وكان الفضيل بن عياض يقول : إنما يريد الله منك نيتك وإرادتك .
ربنا عز وجل هو الذي ييسر الأمور ، أنت عندما تطعم مسكيناً أنت تظن أنك تطعمه أنت ؟ لا والله ، الله هو الذي يطعمه ، لكن يسره على يديك ، يريد منك النية الصادقة فقط ، ربنا عز وجل ، هو ييسر له .
والله أحبابنا الكرام ؛ كثير من الوقائع نوينا فيها شيئاً ويسره الله تعالى ، ما كنا نتخيل أنه سيحصل ، أقول : أنا ما كنت متخيلاً أن أعمل هذا العمل كله ، لكن نويت ، ما دام النية صادقة ربنا ييسر الأمر .
وقال بعض السلف : من سره أن يكمل له عمله فليحسن نيته ، فإن الله عز وجل يأجر العبد إذا حسنت نيته حتى باللقمة ، حتى اللقمة التي يأكلها ، أو يطعمها يأجره إذا كانت نيته حسنة فيها .
فأحبابنا الكرام ؛ النيةَ النية ، انتبهوا إلى النوايا ، وحرروا النوايا ، وأخلصوا لله تعالى وبعد ذلك ينفع العمل قليله وكثيره ، ولننتبه إلى أن تكون النية لغير الله ، فإنها إن حصل ذلك فالعمل لا ينفع لا قليلاً ، ولا كثيراً .
والحمد لله رب العالمين