شروط الانتفاع بالقرآن الكريم

  • محاضرة في الأردن
  • 2023-01-09
  • عمان
  • الأردن

شروط الانتفاع بالقرآن الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين وأُصلِّي وأُسلِّم على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا عِلماً وعملاً مُتقبلاً يا رب العالمين وبعد:
أيُّها الأخوة الأحباب في كتاب الله تعالى شكوى واحدة، يشكوها رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه يوم القيامة ليس هناك غيرها.

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)
(سورة الفرقان)


أُمة سيدنا محمد أُمتان:
كل من بلغته الدعوة فهو من أمة التبليغ
ليس من شكوى إلا هذه الشكوى، أنَّ قومه اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً، وأُمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمتان أُمة التبليغ وأُمة الاستجابة، كل من بلغته الدعوة فهو من أُمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبليغاً، يعني اليوم إذا يوجد في الأرض مليار وثمانمائة مليون مسلم فهؤلاء أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أُمة التبليغ بلغتهم الرسالة، لكن من المُستجيبون؟ ربما نصف مليار، ربما ثلاثمائة مليون الله أعلم، يعني الذين بلغتهم الرسالة واستجابوا لها، بغض النظر عن العُصاة فكلنا ذو خطأ، لكن من الذين استجابوا ابتداءً وطبقّوا المنهج؟ أقاموا الصلاة، آتوا الزكاة، تركوا المُنكرات، أدّوا الفرائض، هؤلاء أُمة الاستجابة.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
( سورة الأنفال)

فكل من استجاب فهو من أُمة الاستجابة، وكل من بُلِّغ هو من أُمة التبليغ، الناجون هم من أُمة الاستجابة ليس هناك صك عند الله تعالى لأحدٍ من خلقه.

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
( سورة المائدة)

واليوم هؤلاء اليهود واليوم المسلمون إن قال بعضهم نحن أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، لكن إن كنت من أمة التبليغ فحسب هذا ليس مجالاً لنتفاخر به، يعني إذا قال فلان أنا مُنتسب إلى الجامعة الفلانية ورفع رأسه عالياً، ثم رجعنا إلى القيود فوجدنا نعم قبل أربع أو خمسة أعوام انتسب إلى الجامعة وقدّم أوراقه ثم طرد منها وما زال يرفع رأسه بأنه من الجامعة الفلانية وهو لم يدرس ولم يتعلّم، ولم يقدّم امتحان، ولم يأخذ شهادة! فما معنى انتسابك لهذه الجامعة وأنك من أهلها و أنت دخلت إليها دون أن تنتفع بشيء منها؟!

هجر القرآن مفهومه واسع:
فأمةٌ من أُمة رسول الله أُمة التبليغ اتخذت القرآن مهجوراً، ربما اعتزّت به يعني تدخل إلى بيته وتجد في صدر بيته:

وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (29)
( سورة المؤمنون)

جميل جداً وضع الآيات بالبيت والتزيُن بالآيات والتبرك بالآيات هذا مطلب لا مانع، لكن أن يكون هو منتهى الآمال هنا المشكلة، وربما تدخل إلى محله التجاري وتجد في صدر محله التجاري:

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1)
(سورة الفتح)

وربما تركب سيارته فتجده قد وضع آيةً أمامه:

وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41)
(سورة هود)

جميل لكن هل هذا الأمر يُعفيك من المسؤولية أمام الله عز وجل؟ الجواب بالتأكيد لا، (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، هجروا تلاوته، هجروا تعلُّمه، هجروا تفسيره، هجروا تدبُّره، هجروا العمل به، وأعظم أنواع الهجر للقرآن أن يُهجر العمل به، فلو أنَّ إنساناً قرأه وتعلّم تجويده ولكنه لم يعمل به فهذا هُجران، فالهجر مفهومه واسع، الذي ليس له وِرِد من القرآن يعني من رمضان إلى رمضان هذا هجرٌ للقرآن، يُغلق المصحف في الثلاثين من رمضان ويوضع على الرف ويكسوه الغبار ونفتحه في واحد رمضان العام القادم هذا هجر، لا أُبالغ المصحف يجب أن يُفتح يومياً ولو خمس صفحات في اليوم، يعني عشر دقائق في الأربع وعشرين ساعة ينبغي أن يُفتح، أن يُقرأ، فالتلاوة هجر لِمن يترك التلاوة، التعلّم هجر الذي ليس له درس عِلم أبداً يتعلم فيه آيةً وتفسيرها، إسقاطاتها على الواقع، كيف نتدبرها، كيف نتعامل مع القرآن هجره، الذي لا يتدبر القرآن نوع من أنواع الهجر يعني يقرأه هذا ممتاز، القرآن الكريم مُتعبّدٌ بتلاوته أي أنه لو أن إنساناً تلاه فقط ولم يتدبره مأجور، لكن الأعظم أن يتدبر ولو آية واحدة في الأسبوع، يتدبرها يفهم معناها، مضمونها، والذي ترك العمل به هجر، كل هذه أنواع الهجر للقرآن الكريم.

أسلوب ضرب الأمثال:
ضرب المثل أسلوب عربي ثم أسلوب قرآني
النبي صلى الله عليه وسلم يضرب الأمثال، وضرب المثل أسلوب عربي ثم أسلوب قرآني، وأسلوب نبوي، ضرب المثل ما الذي يفعله؟ يُخرج الفكرة من المعنى المُجرد إلى المعنى المحسوس، يعني مثلاً ابنك الصغير قال لك: أنا لا أرى الله عز وجل كيف أعبده وأنا لا أراه؟ كيف أؤمن بوجوده وأنا لا أراه؟ الفكرة مجردة جداً عند الطفل ومن حقه أن يسأل، ولا يجب أن يُغلق الطريق في وجهه يجب أن يُجاب، لو قلت له مثلاً بأبسط مثال نقوله جميعاً، يا بني هذه الغرفة فيها كهرباء؟ يقول لك: نعم، ما الذي دلك على ذلك؟ تألق المصباح وتكبير الصوت، هل رأيت الكهرباء بعينك؟ لا، كيف آمنت بوجودها؟ من خلال آثارها، وكذلك الله يا بني ولله المثل الأعلى نحن لا نراه بالدنيا ولكن الخلق يدل عليه، فكل شيء في الكون يدل عليه، وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه واحد، فما الذي فعله المثل؟ نقله من علم مجرد إلى شيء محسوس، أبو تمام الشاعر المعروف قال:
وإِذَا أَرادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضيلَة ٍ طويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ
{ أبو تمام }
معنى مجرد أنه إذا ربنا عز وجل يوجد شخص مُهم، مُفسر، له تاريخ، له عِلم واسع، أو كتاب مهم فيه خير كبير، أو فكرة جميلة جداً نسيها الزمن، أراد الله نشر هذه الفضيلة من جديد أن يعود الناس ويستمعوا إلى هذا العالم الرباني، أو يقرؤوا هذا الكتاب المفيد، أو يتذكروا تلك الأفكار التي كان لها دور كبير في نهضة الأمة، طويت القضية الناس نسوها منذ ألف وتسعمائة سنة، قال: أتاح لها لسان حسودٍ يخرج لها إنسان حسود على هذا العالم على هذا الكتاب أو على تلك الفكرة، ويبدأ يُفعِّل الفيسبوك ضدها فيبدأ الناس يتناقلون كلامه فما الذي يفعله ذلك عند الناس؟ يعودون ليقرؤوا أصل الفكرة عن ماذا يتكلم هذا فيعود الكتاب إلى الانتشار والعالم إلى الانتشار وإلى آخره، عن طريق الحسود الذي حسد هذا العالم هذه فكرة مجردة كيف بينّها أبو تمام؟
وإِذَا أَرادَ اللَّهُ نــَشـْرَ فَضيــلَة ٍ طويــتْ أتـاحَ لها لسانَ حسودِ لَوْلاَ اشتعَالُ النَّارِ، فيما جَاوَرَتْ ما كَانَ يُعْرَفُ طيبُ عَرْف العُودِ
{ أبو تمام }
العود رائحته رائعة لكن إذا لم نُشعل النار لا نشم ريحه، فالنار هي لسان الحسود، وطيب العرف العود هو الفضيلة التي طُويت، هذا المثل نقل الفكرة من معنى مجرد كلام مجرد، الفضيلة تحتاج إلى من ينشرها من جديد عن طريق لسان حسود، معنى جديد (لَوْلاَ اشتعَالُ النَّارِ، فيما جَاوَرَتْ ما كَانَ يُعْرَفُ طيبُ عَرْف العُودِ) المثل المُوضِح الذي يطرأ في فكرك دائماً، كلما أشعلت العود في البيت وانتشر عبقَّه وريحه تقول هذه تشبه حالة فضيلة طُويت والله جعل لها حاسدين فنشروها، من غير أن يشعروا ومن غير أجر ومن غير ثواب هذا ما يحدث الآن.
لمّا بعض الفساق والمُعرضين تكلّموا عن كتاب الله عز وجل مثل تمام رشدي وغيره وقتها بيعت أكبر نسبة من المصاحف في أوروبا والخبر معروف ومنتشر، الناس يريدون أن يفهموا عما تتكلم، ولما بعض السفهاء تكلموا في نبينا أيضاً الكثير من الغربيين أرادوا أن يقرؤوا، المنصف يقول أريد أن أعود إلى مصادر أُخرى فأتاح لها لسان حسود.

حال الناس مع كتاب الله كما صنفها النبي الكريم:
هذه المقدمة وقد طالت هدفها أن أقدِّم لهذا، الحديث النبي صلى الله عليه وسلم كان يضرب الأمثال، من الأمثال التي ضربها:

{ مَثَلُ المُؤْمِنِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ، مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها طَيِّبٌ، ومَثَلُ المُؤْمِنِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ، لا رِيحَ لها وطَعْمُها حُلْوٌ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي يَقْرَأُ القُرْآنَ، مَثَلُ الرَّيْحانَةِ، رِيحُها طَيِّبٌ وطَعْمُها مُرٌّ، ومَثَلُ المُنافِقِ الذي لا يَقْرَأُ القُرْآنَ، كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ، ليسَ لها رِيحٌ وطَعْمُها مُرٌّ. في حَديثِ هَمَّامٍ بَدَلَ المُنافِقِ، الفاجِرِ }

(صحيح البخاري)

الأُتْرُجَّةِ ثمرة من الثمار معروفة في ذلك العصر تسمى الأُتْرُجَّةِ، يعني مثلاً التفاحة لكن اختلفوا أي ثمرة هي، لكنها ثمرة طيبة الطعم طيبة الرائحة، أنت إذا شممت تفاحة ريحها طيب وإذا أكلتها طعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا رائحة لها، المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، مؤمن يصلّي ويصوم لكن ليس له ورد يومي من القرآن، ليس له رائحة لكن الطعم طيب مثل التمرة، قال: ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيبٌ وطعمها مر، هو في مضمونه مُنافق فالطعم مُرّ، لكن بقراءته للقرآن حتى المُنافق أصبحت له ريحٌ طيبة المُنافق! انظروا إلى بركة القرآن، هو في طعمه مُرّ لكن ريحه طيبة بالقرآن، قال: ومثل المُنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مرٌ ولا ريح لها، وفي رواية وريحها مر، قال لشدة كراهتها استُعير لها مرارة المذاق، استعارة نستعير كلمة مكان كلمة لمعرفة المعنى، لكن الرواية المشهورة طعمها مرٌ ولا ريح لها يعني لا شكل ولا مضمون.
حال الناس مع كتاب الله تعالى
فهذا المثل العظيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم صنّف الناس إلى أربعة أقسام: مؤمن يقرأ ومؤمن لا يقرأ، ومُنافق يقرأ ومُنافق لا يقرأ، هذا حال الناس مع كتاب الله تعالى، فإذا أردت أن تكون صاحب طعم طيب يعني مضمون جيد، ورائحة جميلة تنشر عبيرك للآخرين خيرك للناس فكن من الصنف الأول، الصنف الثاني مقبول طبعاً هو ليس لا يقرأ القرآن لأنه غير مؤمن بالقرآن أو تارك أو هاجر، لكنه مشغول بالحياة مثل حالنا نسأل الله السلامة، يعني بين الحين والآخر يفتح المصحف، لكنه يُصلي يقرأ القرآن في الصلاة، يُزكّي، يعني عنده من الخير ما عنده وإلا ما كان طعمه طيب، كيف يكون الطعم طيباً والإنسان إيمانه سُكوني فقط يعني في أفكار في الرؤوس؟! لا عنده خير، لكن ما عنده أوراد من القرآن لا يقرأ القرآن هذا كالتمرة، إذا وضعنا صحن تمر الآن هنا مثلاً ساعة لا نشم رائحة أبداً، أنت يجب أن تتذوقه حتى تعرف مضمونه، الريحان للمنافق الذي يقرأ القرآن، تشم الريحان تُسر لكن تمضغه تلفظه فوراً لأنه مُنافق، والأخير مُنافق لا يقرأ القرآن كالحنظل لا طعم ولا ريح، الطعم مُرّ والريح مُرّ لا صوت ولا صورة، لا شكل ولا مضمون، دائماً أنا أشبه الشكل والمضمون أنّ الإنسان دائماً يحتاج إلى الشيئين معاً هناك أشخاص يقولوا لك أنا إيماني في قلبي، وهناك أشخاص الشكل إيماني، لحية وثوب وقبعة ومسبحة والمضمون سيء، يجب أن يجتمع الأول والثاني، المرأة التي تخرج سافرةً بالطرقات وتُغري الناس بمفاتنها وتكشف عورتها أمام الناس وتقول لك أنا إيماني في قلبي، هذا كلام مرفوض، وبالمقابل المرأة التي تضع الحجاب ثم تُسيء إلى الناس أيضاً مرفوض، لا بدّ أن يجتمع الأمران معاً، لأنه اليوم هناك حالة المُلتزِم المُصلّي الذي يلتزم في المساجد من غير أن يشعر ينتقل البعيدين عن الدين يقولوا فلان أخلاقه جيدة معاملته طيبة، والعكس بالعكس الذي يكون لا يُصلي تقول له: هلمّ إلى الصلاة يقول لك: رأينا إلى الذين يُصلون كيف يعاملون الناس! أنا أريد المعاملة الدين معاملة يا أخي، لكن هذا ليس حديثاً لكن معناه صحيح، الدين ما يراه الناس من دينك هو مُعاملتك، لكن أيضاً العبادات الشعائرية هي أساس الدين وعماده، فلا ينبغي أن تُترك الصلاة ويُقال أخلاقه جيدة لأنَّ الأخلاق المُتكاملة لا تكون إلا بالصِّلة بالله، فالذي يُقصر في حقوق ربه مهما أعطى من حقوق البشر فهو ظالم لنفسه ولدينه ولربه، وبالمقابل لا نقبل من الإنسان الذي يصلي في الصف الأول ويُغضب الناس، فينفّر الناس من دين الله بأفعاله، فالشكل والمضمون مثل كأس كريستال فاخر تريد أن تصب فيه شراب الليمون الطيب، فلا أنت تقبل كأساً مُتسخاً لتشرب به شراب الليمون، ولا أنت تقبل مياهً آسنةً لتضعها في كأس كريستال فاخر! فالشكل مطلوب والمضمون مطلوب، لا يوجد مظاهر في الدين، الناس تقول مظاهر الدين، الدين كُل مُتكامل ليس له مظاهر وبواطن هو كُل متكامل، ظاهرك لله وباطنك لله، التزم في ظاهري بأخلاق الإسلام والتزم في باطني بأخلاق الإسلام، فهذا مثل القرآن في الحديث النبوي.
نعود إلى الآية التي بدأت بها (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) هجروا أحكامه، هجروا تلاوته، هجروا تدبره، هجروا العمل به، هجروا تعلّمه، درس عِلم في التفسير إلى آخره، كله من الهجر، هجر القرآن.

شروط الانتفاع بالقرآن الكريم:
أولاً: الخوف من الجليل:
لآن حتى ننتفع بالقرآن هناك خمسة أمور يجب أن تتوفر وكلها لها أساسٌ في كتاب الله تعالى وسنة رسوله، الأمر الأول للانتفاع بالقرآن هو الخوف من الجليل.

طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)
(سورة طه)

وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
(سورة الأعراف)

وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)
( سورة الأنعام)

أغلب الآيات تربط الانتفاع بالقرآن بالخوف
فكل الآيات التي تتحدث عن الانتفاع بالقرآن أو أغلب الآيات تربط الانتفاع بالقرآن بالخوف من الله، كيف ذلك؟ كيف يُربط الانتفاع بالقرآن بخشية الله تعالى أو بالخوف من الله تعالى؟ الإنسان عندما يخاف من شيء مباشرةً يقرأ عنه، يعني اليوم مع ثورة المعلومات إذا إنسان وجد انتفاخ في يده فوراً يُخرج الجوال ويكتب في غوغل انتفاخ في اليد لون أحمر ويبدأ يقرأ باهتمام بالغ، السبب هو أنه خاف، يعني يريد أن يرى نسأل الله السلامة للجميع سرطان الجلد كيف تكون علاماته؟ هو بدأ يخاف يا ترى بإبر الالتهاب أم يُستأصل أم بالمرهم؟ أول شيء يقرأ فهو الخوف دائماً يدفع الإنسان إلى فعل شيء أكثر من الرجاء، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم:

{ من خاف أدلجَ ومَن أدلج بلغ المنزلَ ألا إن سلعةَ اللهِ غاليةٌ ألا إن سلعةَ اللهِ الجنةُ }

( صحيح الترمذي)

أي مشى في الظلمة، الخوف يُحرك شيء إلى الله، والله تعالى هو خالقنا ويعلمُنا لذلك دائماً يخوفنا بالنار ويرغبنا بالجنة وكل دعوةٍ لا تُبنى الخوف والرجاء فهي مقصورة

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
(سورة الأنبياء)

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)
(سورة الرعد)

نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49 (وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)
( سورة الحجر)

فلا بدَّ من الخوف والرجاء وقد تحدثنا عن ذلك في لقاءاتنا الماضية، فعلى كل حال الانتفاع بالقرآن من شروطه الخوف من الله عز وجل، لأنه أنا إذا خفت من الله أريد أن اتبع منهجه حتى لا أقع فيما حرمه الله، فألجأ إلى المنهج فوراً فانتفع الآن واقرأ بشعور الانتفاع، فأول شيء الخوف من الله تعالى.

ثانياً: التفاعل مع الآيات:
القرآن كتاب تفاعلي
الأمر الثاني من شروط الانتفاع بالقرآن الكريم التفاعل مع الآيات، القرآن كتاب تفاعلي إن صحَّ التعبير، بمعنى أنك تتعامل معه ككائن حي، لا أريد أن أقول كائن حي حتى لا أصف القرآن بغير ما وصف به، تتعامل معه بشعور أنك تتفاعل معه هو يُعطيك وأنت تُعطيه، فإذا قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنا من الذين آمنوا، وهذا دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن فإذا مر بآيةٍ فيها تسبيحٌ سَبَّح:

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
( سورة الواقعة)

يقول سبحان ربي العظيم، وإذا مر بآيةٍ فيها سؤال سأل، وإذا مر بآيةٍ فيها تعوذٌ تعوذّ

وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97)
( سورة المؤمنون)

يقول أعوذ بالله من همزات الشياطين هذا تفاعل، والقرآن كتاب كريم وصفه الله تعالى بأنه قرآن كريم، ما معنى كريم؟ كلما زِدته تدبّراً زادك عطاءً، وعطاء القرآن لك يكون على شيئين، نفسي ومالي، معنوي ومادي، المادي تقول والله هذه الآية قرأتها فخطر في بالي معنى والله ما خطر في بالي كم مرة قرأت هذه الآية؟ ولا مرة خطر في بالي! لكن قرأتها بتدبر هذه المرة ففهمت منها شيئاً، فالقرآن كلما زدته تدبُّراً زادك معاني هذا المادي، والمعنوي كلما قرأته زادك سكينةً زادك طمأنينةً، كل إنسان فينا وأنتم جميعاً من أهل القرآن إن شاء الله، يعني إذا قرأت القرآن الكريم بدأت الساعة السابعة انتهى السابعة والنصف حاله عند السابعة والنصف غير حاله عند الساعة السابعة هو يخرج بسكينة مختلفة مع القرآن الكريم، القرآن فيه سكينة فالتفاعل مع الآيات من شروط الانتفاع بالقرآن أن تتفاعل مع الآيات.

ثالثاً: تفريغ النفس من شواغلها:
ومن ذلك أيضاً تفريغ النفس من شواغلها، لذلك القرآن الكريم:

أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)
( سورة الإسراء)

الفجر ماذا فيه؟ صفاء، لا يوجد مشاكل، الإنسان لمّا ينزل إلى عمله، لمّا يدخل في الحسابات، لمّا يدخل في السوق فالنفس فيها صفاء، عند الصفاء يكون الانتفاع بالقرآن في مستوى أعلى، لذلك قرآن الفجر تشهده الملائكة، هذا تفريغ النفس من شواغلها.

رابعاً: أن يُقرأ بشعور التلقّي للتنفيذ الفوري:
أعلى شعور في القراءة هو شعور التلقّي للتنفيذ
ومن شروط الانتفاع بالقرآن الكريم أن يُقرأ بشعور التلقي للتنفيذ الفوري، نقرأ القرآن أحياناً بشعور التبرُّك والقرآن بركة هذا لا خلاف فيه، أو أحياناً يمكن للإنسان أن يقرأ القرآن بشعور اللغوي شعور اللغة العربية، جُمل القرآن فيها بلاغة ما بعدها بلاغة، كان عندنا مدرس في الجامعة ليس مسلماً ويقرأ لنا كثيراً من القرآن، ويُعلّمنا اللغة منه ومُعجب كثيراً بلغة القرآن، لكن شعوره عندما يقرأه هو شعور اللغة العربية لأنّ القرآن كتاب بلاغي رائع جداً، لكن ما انتفع به، فكل إنسان يقرأ بشعور لكن المؤمن أعلى شعور عنده في القراءة هو شعور التلقّي للتنفيذ يعني أنا عندما أقرأ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)
( سورة المائدة)

هذا الكلام لي أنا.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)
( سورة الحجرات)

هذا الكلام لي، فأنا عندما أقرأه اقرأه بشعور التلقي للتنفيذ، بمعنى أنه ينبغي أن أنهض وأقوم بما جاءت به الآيات، أن أتفاعل معها بهذا الشعور، النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن مسعود اقرأ عَليَّ القرآن، قال أأقرأ عليك وعليك أُنزل؟ قال: أني أحب أن أسمعه من غيري، وهذه إشارة لطيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الإنسان أحياناً يقرأ القرآن وهذا هو الغالب والأعمّ لما هناك من أجر عظيم في القراءة، لكن أحياناً يحب صوت قارئ بصوت أخ يستمع ويتفكر ويتدبر في الآيات، نوع آخر من أنواع التدبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: أحب أن اسمعه من غيري، قال: فقرأت عليه من سورة النساء حتى وصلت إلى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} يُخاطبه وجئنا بك يا محمد صلى الله عليه وسلم على هؤلاء شهيداً، قال: فبكى! فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان، قال: حسبك.

{ قالَ لي النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اقْرَأْ عَلَيَّ، قُلتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قالَ: فإنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِن غَيرِي، فَقَرَأْتُ عليه سُورَةَ النِّسَاءِ، حتَّى بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، قالَ: أمْسِكْ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. }

(صحيح البخاري)

إذاً النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفاعل مع الآيات وكان يقرأها بهذا الشعور، شعور التلقّي للتنفيذ، شعور التفاعل مع الآيات القرآنية التي تُتلى، فإذاً الله تعالى يقول:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
(سورة ق)


خامساً: حضور القلب:
خامس شروط الانتفاع بالقرآن حضور القلب، لمن كان له قلبٌ كلنا لنا قلوب، ولو لم يكن لنا قلب لم يكن هناك حياة! المرضى إذا واحد سألته يقول لك عندي السكري أو يقول لك أن معي القلب وأنا معي قلب هو يقصد أنّ معه مرضاً في القلب، يعني معه مشكلة قلبية تحتاج طبيب يعني لي طريقة خاصة في الحياة وأنواع غذاء معينة حتى أحافظ على صحة قلبي يقصد معي قلب يعني مرض القلب .
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، يقصد لمن كان له قلبٌ حيّ، قلب به حياة الإيمان وليس قلب ينبض ثمانين نبضة في الدقيقة أو مائة وعشرين لا المقصود حياة الإيمان:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
( سورة الأنفال)

القلب الحي يستقبل الإشعاعات الروحية
فعندما يكون القلب حيّاً بمعنى أن هذا القلب يستقبل الإشعاعات الروحية (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) يعني الإنسان إما يتفاعل مع الآية بنفسه أو يعطي سمعه لمن يتفاعل معها، يعني هناك طريقتين بعض الناس من العوام يقول لك: أنا لم أدرس وليس لدي معلومات لكن أنا أحب القرآن، أنا أُلقي السمع أسمع الآية وأتفاعل، أسمع معناها فأفرح، أو ألقى السمع يعني إما أُعطي سمعك لتصل إلى الحقيقة من خلال تجارب الآخرين، وإما أن تصل إليها أنت بنفسك لمن كان له قلب يعني تفاعل ذاتي، أو ألقى السمع، تعلَّم من غيره ولا يوجد طريق ثالث، إذا كان عندك جهل بمعلومة إما أن تتعلمها أو أن تعطي السمع لمن يعلمها فيعطك إياها وجبةً جاهزةً، إذا كان شخص جائع إما أن يقوم ليطهو، أو أن يجد من يطهو له هذا باختصار، ولله المثل الأعلى إما أن تأتيك الوجبة جاهزةً عن طريق إلقاء السمع أو أن تعالجها بنفسك لتصل إلى الحقيقة لكن لا بُدَّ أن تصل إليها .
فشروط الانتفاع بالقرآن الخوف من الله وحضور القلب والتفاعل مع الآيات وتفريغ النفس من شواغلها وتلقّي القرآن بشعور التلقّي للتنفيذ والحمد لله رب العالمين.