الجزاء من جنس العمل

  • محاضرة في الأردن
  • 2023-05-08
  • عمان
  • الأردن

الجزاء من جنس العمل

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

أصول القاعدة الشرعية (الجزاء من جنس العمل):
أيها الإخوة الكرام؛ هناك قاعدة نسمعها كثيراً، يقولون: (الجزاء من جنس العمل)، وهذه القاعدة في الحقيقة قاعدة شرعية ليست موجودة بهذا النص، لكن مستخلصة من عموم النصوص الشرعية (الجزاء من جنس العمل)، من هذه النصوص قوله تعالى:

هَلْ جَزَآءُ ٱلْإِحْسَٰنِ إِلَّا ٱلْإِحْسَٰنُ(60)
(سورة الرحمن)

فمن أحسن يُحسن إليه، و (هَلْ جَزَآءُ ٱلْإِحْسَٰنِ إِلَّا ٱلْإِحْسَٰنُ) هذه قاعدة في تعامل الله تعالى مع خلقه، فقد قضى أن المحسن يُجازى بالإحسان، قال تعالى:

وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ َلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ(77)
(سورة القصص)

مجاوزة المحسن بإحسانه
وهي أيضاً توجيه للناس أن يجازوا المحسن بإحسانه، الأب في بيته يجب أن يُجازي الابن المحسن بإحسانه حتى يشجع الباقين على الإحسان، والمدير في شركته إذا موظف متفانٍ في العمل يأتي قبل بداية الدوام ويخرج بعد نهايته من أجل أن ينهي كل ما بيده من أعمال، يجب أن ينظر مدير الشركة إلى هذا الأمر بعين الإحسان ويحسن له حتى يكافئه، وحتى يشجع الباقين على أن ينهجون نهجه، والمعلم في صفه، والزوج مع زوجته، والزوجة مع زوجها إلى أعلى المستويات؛ قاعدة عامة (هَلْ جَزَآءُ ٱلْإِحْسَٰنِ إِلَّا ٱلْإِحْسَٰنُ)، و هذا الاستفهام استفهام تقريري، الاستفهام في اللغة العربية إما أن يكون حقيقياً كأن أسأل إنساناً: هل جئت أمس إلى الجلسة؟ هذا استفهام حقيقي فيقول: نعم أو لا؛ أحتاج جواباً، هناك استفهام إنكاري كأن أقول لطالب من الطلاب قد تعبت عليه كثيراً ثم جاء بعلامات متدنية، فأقول له: ما هذه النتيجة؟ لا أريد منه جواباً فالنتيجة أمامي وأنا أعرفها، لكن أريد أن أستنكر عليه هذه النتيجة بعد هذا الجهد مني، وهناك استفهام تقريري كأن أريد أن أقرر حقيقة فآتي بها على طريقة الاستفهام لأن الاستفهام إنشاء، والإنشاء يثبت في النفس أكثر من الحقيقة المباشرة فبدلاً من أن يقول الله تعالى: يجب أن يكون جزاء الإحسان إحساناً، قال: (هَلْ جَزَآءُ ٱلْإِحْسَٰنِ إِلَّا ٱلْإِحْسَٰنُ)، أي لا ينبغي أن يكون جزاء الإحسان إلا إحساناً، فمن يُحسن ينبغي أن يُحسَن إليه، فهذا توجيه رباني لكل الناس أن يجازوا بالإحسان إحساناً، وهو -جلَّ جلاله- وهو الغني عن عباده ألزم نفسه -إن صح التعبير- والله لا يلزمه شيء و لا يسأل عما يفعل لكن إلزاماً ذاتياً، فأراد أن يلزم نفسه بالإحسان إلى من أحسن -جلَّ جلاله- (هَلْ جَزَآءُ ٱلْإِحْسَٰنِ إِلَّا ٱلْإِحْسَٰنُ)، وفي المقابل:

وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٍۢ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ(40)
(سورة الشورى)

لكن دائماً في المجازاة بالسيئة يُفتح باب العفو (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ) لكن في الأصل كقاعدة (وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٍۢ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)، حتى القصاص هو من هذه القاعدة (الجزاء من جنس العمل).

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلْأَنفَ بِٱلْأَنفِ وَٱلْأُذُنَ بِٱلْأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚفَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُۥ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ (45)
(سورة المائدة)

فما معنى القصاص في الأصل؟ من قصَّ الأثر أي تتبعه، فنتتبع أثر الجاني حتى نُوقع به ما أوقعه بغيره، نتتبع أثره، نقصّ أثره.

وَقَالَتْ لِأُخْتِهِۦ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِۦ عَن جُنُبٍۢ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)
(سورة القصص)

أي تتبعي أثره، والقصة سميت قصة لأننا نتتبع آثار أشخاصها، كل واحد نريد أن نعرف أين وصل به الحال فنقص القصة؛ فلذلك سميت قصة، ونتتبع العبر المستفادة منها فهي قصة..

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِۦ لَمِنَ ٱلْغَٰفِلِينَ(3)
(سورة يوسف)

فـ (وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٍۢ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِ) وأيضاً مما يؤكد هذه القاعدة أو مما استنبطت به القاعدة من نصوص الشرع العامة قوله تعالى:

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(26)
(سورة يونس)

فالجنة سميت حُسناً، والله تعالى يجازي المحسن بالحسنى، و (وزيادة): هذا فيها أن الإحسان ينبغي أن يقابل بمزيد إحسان، والزيادة هنا كما قال كثير من المفسرين، وكما ورد في بعض الآثار هي: النظر إلى وجه الكريم -جلَّ جلاله- فهذه هي زيادة في الجنة، ويقول- صلى الله عليه وسلم-:

{ إنَّ الخَيْرَ لا يَأْتي إلَّا بالخَيْرِ.... }

(صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري )


من أعظم الأحاديث في قواعد الشرع العامة وقواعد الحياة العامة:
الخير ينبغي أن يُقابل بخير
هذا من أعظم الأحاديث في قواعد الشرع العامة وقواعد الحياة العامة: (الخَيْرَ لا يَأْتي إلَّا بالخَيْرِ)، فإذا وجدت مثلاً من زوجتك خيراً لا ينبغي أن يُقابل هذا الخير إلا بخير منك، مثلاً في شهر رمضان كانت النساء فارسات المطبخ؛ تحضير الطعام وقبل...، الأولاد والرجال رغم تعبهم أثناء النهار ربما الرجال، لكن قبل الغروب عند ساعات الغروب يرتاح، هي يجب أن تُعدَّ الطعام حتى اللحظة الأخيرة، هذا خير بذلته فينبغي أن يُقابل بخير، بدءاً بكلمة شكر أو بهدية على العيد أو بأي شيء يدخل الخير إلى قلبها فـ ( الخَيْرَ لا يَأْتي إلَّا بالخَيْرِ)، و أيضاً هذه القاعدة: (الخير لا يأتي إلا بخير)، وهذه القاعدة أيضاً لها مدلول آخر،(الخَيْرَ لا يَأْتي إلَّا بالخَيْرِ) هذا الحديث له مدلول آخر وهو: أن الإنسان بطبعه حركي ديناميكي، فالخير أو صاحب الخير يدفعه إلى مزيد من الخير، والشر يأتي بشر، لذلك هناك قاعدة مترجمة يقول:( العنف لايلد إلا العنف) أي لو أن الأب في البيت يصرخ دائماً على زوجته يعنفها، يقسو عليها بالكلام، الآن الزوجة بحكم المجتمع والعادات والتقاليد لا ينبغي أن ترفع صوتها في وجه زوجها، طبعاً هذا أمر حسن ومطلوب، لكن هذا لا يعني أن يكون الزوج دائماً غضوباً يرفع صوته، فهي الآن تحتاج أن تفرّغ العنف فتبدأ بتقريع الأطفال الأولاد الصغار، كلما أخطأوا تقابلهم بعنف شديد، الآن الطفل أيضاً بحكم بر الوالدين والعادات والمجتمع لا يستطيع أن يواجه أمه، فيخرج إلى الشارع فيعنف زميله في المدرسة، زميله أضعف منه فإذا وجد قطة في الطريق يعنفها يضربها برجله، فالعنف لا يلد إلا العنف، فأيضاً الخير لا يأتي إلا بخير.

{ إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ. }

(صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين)

فأيضاً إذا كان الإنسان نهج منهج الخير فالخير يأتي بخير بعده، والخير بعده يأتي بخير آخر وهكذا، فالخير يأتي بالخير، والشر يأتي بالشر، وهذا أيضاً من قاعدة (الجزاء من جنس العمل)، ويقول صلى الله عليه وسلم:

{ صَنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، والصَّدَقةُ خَفِيًّا تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ، وصِلةُ الرَّحِمِ زيادةٌ في العُمُرِ، وكلُّ معروفٍ صدَقةٌ، وأهلُ المعروفِ في الدُّنيا هُمْ أهلُ المعروفِ في الآخِرةِ، وأهلُ المُنكَرِ في الدُّنيا هُمْ أهلُ المُنكَرِ في الآخِرةِ. }

(أخرجه الطبراني عن أم سلمة أم المؤمنين )

الجزاء يوم القيامة يكون وفاقاً للعمل
بمعنى أن الجزاء من جنس العمل فمن كان في الدنيا من أهل المعروف كان في الآخرة من أهل الخير والمعروف، ومن كان في الدنيا من أهل المنكر فهو في الآخرة من أهل المنكر، طبعاً في الدنيا كانت التكليف والاختيار فيمكن أن يكون من أهل المعروف أو من أهل المنكر لكن في الآخرة سيجازى اضطراراً؛ أي ليس له الخيار، الطالب له أن يدرس أو ألّا يدرس لكن إذا صدر القرار برسوبه ليس له أن يقبله أو يرفضه، صدر القرار انتهى؛ جزاء من جنس العمل، وقال تعالى في سورة النبأ:

جَزَآءً وِفَاقًا (26)
(سورة النبأ)

أي الجزاء يوم القيامة سيكون وفاقاً للعمل، فمن جاء بخير جُوزي بالخير، ومن جاء بشر جوزي بشر وقال تعالى:

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُۥ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍۢ شَرًّا يَرَهُۥ(8)
(سورة الزلزلة)


تطبيقات القاعدة الشرعية (الجزاء من جنس العمل) في السُّنة:
فالجزاء من جنس العمل، هذه كلها تؤصل أو هي الأصول لهذه القاعدة التي استنبطها العلماء
ونسمع بها كثيراً (الجزاء من جنس العمل) أما التطبيقات فهي كثيرة جداً في السُّنة، وهي مدار بحثنا، الآن تطبيقات في السُّنة كثيرة جداً.

تطبيقات القاعدة الشرعية (الجزاء من جنس العمل) في السُّنة: (تطبيقات الشر):
نبدأ بالتطبيقات الشر حتى نختم بالخير، الشر؛ يقول صلى الله عليه وسلم:

{ يا مَعْشَرَ مَن آمن بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمينَ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه }

(في صحيح الجامع عن أبي برزة الأسلمي والبراء بن عازب )

الجزاء من جنس العمل، إذا شخص جعل ديدنه أن يتتبع عورات الناس سواء عوراتهم الخَلقية أو الخُلقية أو النساء أو أي عورة، العورة: هي ما يسوء الإنسان، لا يريد أن يذكره فيسمى عورة؛ ولذلك سميت العورة عورة لأنه يسوء الإنسان أن تظهر عورته سواء السوأتان، أو العورة الشرعية وهي من السرة إلى الركبة، فيسوؤه أن تظهر عورته، وسميت العورة عورة وسميت سوءة أيضاً، والسوأتان هم القبل والدبر -أجلكم الله- فالإنسان يسوؤه أن ينظر الناس إلى عورته هذه العورة المادية، والله تعالى ضرب مثلاً في بداية الخليقة لآدم وحواء.

فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٍۢ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)
(سورة الأعراف )

الإنسان في الأصل مجبور على الستر
لأن الإنسان في الأصل مجبور على الستر، والتعري هو منهج الشيطان، فالشيطان هو الذي أراد أن يبدي لهما عوراتهما و سوآتهما، لكن لما أراد الله -عزَّ وجلَّ- أن يسكنهما الجنة حجب عنهما رؤية السوءات والعورات، فلما ذاقا من الشجرة انتقلا من طهر السماء إلى وحل الأرض فظهرت العورات، والعورات المعنوية أكثر من المادية، الإنسان يسوؤه أن يرى الناس عورته وهذا خلق إسلامي عظيم -العورة المادية-، لكن أيضاً يسوؤه أن يرى الناس عورته المعنوية في بيته، له أسلوب في التعامل في بيته فلا يحب أحداً أن يتجسس عليه، زوجته، بناته هؤلاء من عورة الإنسان مما يسوؤه أن ينظر الناس إليهم، وقع في معصية مغلوباً على أمره، لا يحب أن ينظر الناس إليه، فتتبع عورته حتى ينظر إليه، اليوم يوجد وسائل جديدة لتتبع العورات عبر وسائل التواصل، عبر كسر كلمة السر فيدخل إلى حسابه وينظر إلى الصور التي وضعها، أو يأخذ جواله وقد خرج فينظر في الصور التي عنده؛ صور أهله أحياناً، أحياناً صوره هو لكن صوره بجلسات، بشيء لا يحب أن يظهره للناس جعله في هاتفه الخاص، فهذا أيضاً من تتبع العورة، فالجزاء من جنس العمل، فإذا إنسان جعل ديدنه أن يتتبع عورات الناس فإن الله تعالى يتتبع عورته ويفضحه، الله تعالى في الأصل ستير-جلَّ جلاله- من أسمائه الستير فهو يستر، لكن إذا إنسان انتهج نهج تتبع العورات فإن الله -عزَّ وجلَّ- لا يستره بل يفضحه هذا الجزاء من جنس العمل، وقال صلى الله عليه وسلم:

{ مَن ضارَّ أضرَّ اللهُ بهِ ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ علَيهِ }

(أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد واللفظ لهم، والترمذي باختلاف يسير عن أبي صرمة مالك بن قيس المازني )

أي من ألحق الضرر بمسلم ألحق الله الضرر به، صور الإضرار بالناس اليوم كثيرة جداً، الإضرار في التجارة، في الغش، في التعاملات في أي شيء، من مكر بمسلم مكر الله به.
أحبابنا الكرام؛ هذه النصوص تُخيف حقيقة، مصدر الخوف فيها كأن الله تعالى يقول لك: إذا أردت أن تمكر بعبادي، أو أن تضرّ بهم، أو أن تسترهم وهؤلاء خلقي وأنا أحبهم وهم عبادي، فإذا أردت أن تتجرأ عليهم فاعلم أنني خصيمك، النصوص مخيفة خصمك الله إذا أردت الإضرار بالناس، أعظم من هذا لا يوجد، يحضرني هنا لما السيدة عائشة والسيدة أم سلمة حصل شيء؛ تظاهرا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في في الصحيح فنزل قوله تعالى:

إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ (4)
(سورة التحريم)

يعني صغت قلوبكما للحق واستجبتم قال: (وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ) أي تحيكون مؤامرة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ هي مؤامرة بيتية بسيطة بين زوجتين ليس أكثر، قال: (فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ) أي اليوم بالعرف الحديث إذا كان هناك جندي غر أو جنديان غران؛ خدمة إلزامية بالجيش تمردوا ولم يداوموا، يستنفر قيادة الجيش ويستنفر معه القوات الأمن العام والمخابرات ووزارة الدفاع؟! جنديان عقوبة؛ لا، معنى الآية: إذا أردت أن تأخذ موقفاً معادياً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلم من هو خصمك، انتبه المعركة أنت تخوضها مع (فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ) قوات سند ودعم، ظهير تظاهر، فعندما نقرأ هذه النصوص (مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه) (مَن ضارَّ أضرَّ اللهُ بهِ) (ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ علَيهِ) أي يصعّبها على الناس، هو موظف مهم وجاءه رجل معه معاملة، والمعاملة هو يستطيع القيام بها بتوقيع: اذهب وأحضر كذا، حسناً، (اذهب وأحضر كذا) كلفته ساعة ومواصلات وأنت تعلم أن هذه الورقة ممكن بدونها، القانون يسمح لك، لكن شاق عليه، قال: (ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ علَيهِ) .

{ ما مِنِ امْرئٍ مُسلِمٍ يَخْذُلُ امرأً مُسلِمًا في موضِعٍ تُنتَهكُ فيه حُرمتُهُ، ويُنتقَصُ فيه مِن عِرضِهِ، إلَّا خذَلَهُ اللهُ في موطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَهُ، وما مِن امرئٍ مُسلِمٍ يَنصُرُ مُسلِمًا في موضِعٍ يُنتَقصُ فيه مِن عِرضِهِ، ويُنتهَكُ فيه مِن حُرمتِهِ، إلَّا نصَرَهُ اللهُ في موطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَهُ. }

(أخرجه أبو داود بسند ضعيف عن أبي طلحة وجابر بن عبد الله)

يوم القيامة كلنا إلى نصرة الله عزَّ وجلَّ
لك أخ في الإيمان ووجدته في موقف يحتاج نصرتك، قال لك: قف معي، تعرف أنت أنني صاحب حق، وهذا الشريك هو الذي أخذ المال، قف معي، اشهد معي، قلت له: أنا لا أريد أن أتدخل، أنا لا أريد أدخل لا أزعلك ولا أزعله، وأنت هنا تعرف أن الحق معه 100% وهو مظلوم، ليست قضية ضائعة بين شخصين، لا أنت تعلم أنه ظُلم لكن ما أحببت أن تتدخل، أنا لا أريد وجع الرأس، قال: (خذَلَهُ اللهُ في موطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَهُ)، يوم القيامة كلنا بحاجة -وفي الدنيا وفي الآخرة -إلى نصرة الله -عزَّ وجلَّ-:

فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَآ أَبْوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٍۢ مُّنْهَمِرٍۢ(11)
(سورة القمر)

فيخذله الله إذا خذل مؤمناً في موطن، أحياناً النصرة أحبابنا الكرام يكون بكلمة، لا يحتاج منك غير كلمة، تكون أنت غير قادر على تقديم شيء له، لكنك قادر على كلمة تنصره فيها، فيسكت عنها إرضاء لقوي أو إرضاء لغني فهذا يخذله الله في موطن يحب نصرته فيه، قال:

{ مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ. }

(صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله)

(مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به) لها معنيان؛ المعنى الأول: هو إرادة السمعة، إرادة الشهرة والسمعة؛ أن يقال: فلان منفق، فلان قارئ للقرآن، فلان مجاهد، فلان جريء، فيسمّع أي يبتغي بعمله السمعة، ومثلها ومن يرائي لكن قالوا: السمعة مرتبطة بحاسة السمع والمراءة والرياء مرتبطة بحاسة النظر لكن المآل واحد، أي شخص يريد سمعةً، وشخص يرائي يريد أن يراه الناس، فالمآل واحد وهو ضعف الإخلاص أو عدم الإخلاص لوجه الله تعالى، فإذا كان يريد السمعة سمّع الله به، أنت تريد أن تصل للناس يوصلك الله إلى الناس، الجزاء من جنس العمل، يقول تعالى: اذهبوا إلى من كنتم تراؤون فاطلبوا أجوركم، أي هو: لماذا عملت؟ حتى يسمع الناس بي، وسمّعنا الناس بك وصار الناس يقولون: فلان منفق كبير وانتهى، (ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ به) أنت أردت بهذا العمل أن يراك الناس، وأنا قد سمحت للناس أن يروك و رأوك واعتزوا بك وتكلموا عنك، وهناك معنى آخر لـ (مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به) يسمّع بمعنى الفضيحة أي يتتبع عورات الناس؛ يسمّع الناس بعورات الناس، أي يجاهر (فضائحي)، يسمّع (فضائحي)، يرى شيئاً يسمّع الناس كلهم به، فسمّع الله به: فضحه الله في عقر داره ، فـ(مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ به) هذا في أمور الشر.

تطبيقات القاعدة الشرعية (الجزاء من جنس العمل) في السُّنة: (تطبيقات الخير):
وأما في أمور الخير فقال صلى الله عليه وسلم:

{ مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ }

(صحيح مسلم عن أبي هريرة )

وجدته في موقف محرج ما تكلمت لأحد أبداً سترت عليه، جاءك طالباً حاجة لبّيتها أو لم تلبّها سترت، ما قلت: فلان افتقر، فلان عنده مشكلة أبداً، سمعت شيئاً عن أهل بيته سترت (وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ).
المُيسِّر على المعسر ييسر الله عليه
(وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) تاجر ولك معه مال، وجاء قال لك -هو ملتزم وليس مماطلاً لكن وقع بمأزق- قال لك: أنظرني شهراً، شهرين، يسرت على معسر الله ييسر عليك في الدنيا وفي الآخرة (مَن نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ) هنا الذي ينفّس هو الله، والكربة ليست من كرب الدنيا؛ من كرب يوم القيامة، وما أعظم الكرب بيوم القيامة! انتظار الحساب كربة من كرب يوم القيامة، تدنو الشمس من رؤوس الخلائق كربة، العرق يغط الناس كربة من كرب يوم القيامة، مجاوزة الصراط كربة، القنطرة كربة، كرب يوم القيامة، فينفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.

{ مَن أقالَ مُسلِمًا بيعتَه؛ أقالَه اللهُ عَثرتَه يومَ القِيامةِ. }

(أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وعبد الله بن أحمد باختلاف يسير عن أبي هريرة )

أقال نادماً: بيع، إجارة، أو أي شيء، حتى بالكلام ندم، قال لك: أنا حكيت هذه الكلمة نادم عليها، لا تحكيها لأحد، انتهى انسها؛ أقلتها، استأجر بيتاً دخل عليه مازال أول يوم؛ أنا هنا في هذا البلد حصلت معي الحالتان، والله الحالتان حتى ترى معادن الناس، الرجل الأول خدمة لشخص قادم من بلده والأوضاع كانت صعبة وحرب، استأجرت له بيتاً والدفع ستة شهور، وتم تسليم الدفعة ثم الرجل ما استطاع أن يأتي، فذهبت للرجل وقلت له: والله الرجل لم يستطع أن يأتي، ما تحبه نحن جاهزون، قال: ماذا أحب؟! أحب أن أرجع لك المبلغ الذي أخذته منك، الرجل ما سكن في البيت، ثم أيضاً قريبة من القريبات أيضاً استأجرت لها بيتاً، الحالتان حصلتا ودفعنا ستة أشهر وما سكنت يوماً، وبعد ساعتين رجعنا له أنهم لن يستطيعوا أن يسكنوا في البيت، قال: أنا انتهيت، يسكنون أو لا يسكنون، ثم مررت بالبيت بعد أشهر وجدت البيت مضاء، يبدو أنه أجّره مرة ثانية، لم يكتفِ أجّره، فالناس معادن، فالقصد أن الإجارة فيها إقالة، وبالبيع فيه إقالة، الذي اشترى البيع عقد لازم ما دام استلم المبيع انتهى، ولو لم يقله الإنسان لا أقول إنه آثم؛ لأنه يقول لك: أخي البيع وشراء وما فيه عيب ولا يوجد شرط، لكن أقاله أقال عثرته أي أعفاه من هذه العثرة، قال له: أنا هذه البيعة تعثرت فيها غير قادر على السداد، أو وجدت البضاعة غير مناسبة، أعفاه من الالتزام، هو ملزم، ولو لم يقله والبيع لازم، هنا لا أقول أنه آثم، لكن إذا أراد الفضل (مَن أقالَ مُسلِمًا بيعتَه؛ أقالَه اللهُ عَثرتَه يومَ القِيامةِ) العثرات يوم القيامة كثيرة.

مداخلة:
هنا إذا أجره ولم يرجع الإيجار.

الدكتور بلال نور الدين:
هذا آثم. طبعاً إذا أجرت هذا البيت له في هذه الفترة فإذا ما أقلت عشرته قل له: البيت لك وهي المفتاح معك، وأنا لن أؤجره حتى تنتهي مدة الإيجار، (مَن أقالَ مُسلِمًا بيعتَه؛ أقالَه اللهُ عَثرتَه يومَ القِيامةِ) أنفق ينفق الله عليك، نحكي عن الجزاء من جنس العمل، أنفق ينفق الله عليك، إذا الإنسان أبوه أنفق عليه.

{ ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ. }

(صحيح مسلم عن أبي هريرة )

الجزاء من جنس العمل، هو خفض من نفسه هو ليس وضيعاً، التواضع لا يعني أن الإنسان وضيع، هو تصنّع الوضاعة، طبعاً ليست الوضاعة بالمعنى الاصطلاحي، لا، يعني وضع من نفسه، وضع هو مكانته هنا، لكن هو يضع من نفسه دائماً يرفعه الله، هو ينزل والله يرفع.

{ الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ. ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ، الرَّحمُ شُجْنةٌ منَ الرَّحمنِ فمن وصلَها وصلَهُ اللَّهُ ومن قطعَها قطعَهُ اللَّهُ }

(أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد عن عبدا لله بن عمرو)

{ من تركَ شيئًا للهِ، عوَّضهُ اللهُ خيرًا منه }

(المحدث: الألباني، إسناده صحيح )

إنك لن تدع شيئاً لله إلا عوضك الله ما هو خير لك منه في دينك ودنياك وأخراك، في هذا الأعرابي الذي جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسلم معه فأعطوه بعض الغنائم، فقال:

{ ما علَى هذا اتَّبعتُكَ، ولَكِنِّي اتَّبعتُكَ على أن أرمى إلى ههُنا، وأشارَ إلى حَلقِهِ بسَهْمٍ، فأموتَ فأدخلَ الجنَّةَ فقالَ: إن تَصدقِ اللَّهَ يَصدقكَ، فلبِثوا قليلًا ثمَّ نَهَضوا في قتالِ العدوِّ، فأتيَ بِهِ النَّبيُّ يحملُ قَد أصابَهُ سَهْمٌ حيثُ أشارَ، فقالَ النَّبيُّ: أَهوَ هوَ؟ قالوا: نعَم، قالَ: صدقَ اللَّهَ فصدقَهُ }

(أخرجه النسائي والطبراني باختلاف يسير عن شداد بن الهاد)

اصدق الله يصدقك
أنا جئت للجهاد ما جئت للمال، فقامت المعركة فذهب فجيء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -فقال لهم: (أَهوَ هوَ؟) هذا هو الرجل الذي قال، (قالوا: نعَم، قالَ: صدقَ اللَّهَ فصدقَهُ) ، هو كانت نيته صادقة جداً في الحق، يريد فعلاً الشهادة في سبيل الله، فجزاه الله من جنس العمل أعطاه الشهادة، وهذا ليس خاصاً بإنسان، في كل شيء اصدق الله يصدقك، أي أنت كن مع الله صادقاً في نيتك، تريد الاستيقاظ لصلاة الفجر اصدق الله يصدقك ويوقظك، تريد أن تقوم الليل أصدق الله فقط، كن صادقاً في نية القيام، ربنا -عزَّ وجلَّ- يصدقك، تريد أن تصل إلى الفقير أصدق الله يصدقك، يوصلك إلى الفقراء ويدفع مالك حيث تريد، فالصدق مع الله نتيجته صدق الله معك، وقال تعالى:

فَٱذْكُرُونِىٓ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِى وَلَا تَكْفُرُونِ (152)
(سورة البقرة)

الجزاء من جنس العمل، ذكرك لله تعالى: سبحان الله، الحمد لله، الصلاة، قراءة القرآن، التفكر في خلق السماوات والأرض، فإذا ذكرك الله تعالى وهبك السكينة والأمن والطمأنينة والتوفيق والحفظ والهداية والجنة، يذكرك وفي المقابل:

وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(19)
(سورة الحشر)

ويقول تعالى كما في الحديث القدسي:

{ يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. }

(أخرجه البخاري، ومسلم باختلاف يسير عن أبي هريرة)

هو ربنا -عزَّ وجلَّ- منزه عن الجسم، وعن الأبعاض، وعن كل شيء -جلَّ جلاله- لكن انظر إلى هذا التعبير العجيب (فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي) أنت إذا كان شخص مهم جداً وقال لك: جئت على خاطري البارحة، ما تنام الليل من الفرحة: يتذكرني، بالله، وإذا كان المؤمنون ورجل صالح مثلاً شيخ من الشيوخ قال لهم: والله البارحة تذكرتكم بعد الصلاة ودعيت لكم، قلت: الحمد لله الذي جعلني في قلوب الصالحين، والله نعمة كبيرة إنك تتذكرني؛ هذا مخلوق، قال: (ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي).
قال: (وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ) يعني نحن قاعدون بالمجلس وأنت قلت: يا جماعة اذكروا الله تعالى، أحضرت آية من آيات الله في عظمة الله -عزَّ وجلَّ- تحدثت عن الله مع أولادك، الملأ الذين حولك، الله يذكرك مع ملائكته: فلان ذكرني.

{ المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ. }

(أخرجه أبو داود واللفظ له، والبخاري، ومسلم باختلاف يسير عن عبد الله بن عمر )

(وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ)، وختاماً:

الخاتمة:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍۢ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
(سورة المجادلة)

فحتى التفسح هذا أخف شيء، كنت في مجلس، في المسجد، في مكان وضاق المكان: يا جماعة افسح لأخيك، ففسحت فالله يفسح لك عنده في الجِنان، (إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ)، النشوز هو ترفُّع، الارتفاع، الأرض الناشز هي المرتفعة عن الأرض، ومنه المرأة الناشز التي تترفع عن طاعة زوجها، (وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ) أي قوموا من مكانكم إما للخروج أو لمكان آخر (فَٱنشُزُواْ)، النشوز هو الارتفاع، أرض ناشز مرتفعة، امرأة ناشز:

ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ ۚفَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
(سورة النساء)

الرجل في البيت هو ربان السفينة
فإذا نشزت المرأة بمعنى أنها ترفعت عن طاعة زوجها؛ خرجت عن السيطرة، أي" أنا ليس لك علي طاعة، أنا مثلي مثلك" واليوم هناك النسويات دائماً كأنهم لم يسمعوا بهذه الآيات، المرأة مطلوب منها أن تكون ضمن مؤسسة فيها قائد، وينبغي أن تكون مطيعة له في معروف، فيما تعارف عليه الناس، وهو ينبغي ألا يأمر إلا بمعروف، مثل تماماً الطائرة، الطائرة لها ربان هو قائد الطائرة ولها مساعد، المساعد تحت درجة لكن يطلب منه القيام بالمهمة عند وجود أي مشكلة عند القائد، فالرجل في البيت هو ربان السفينة أو الطائرة، وللمرأة قال:

وَٱلْمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٍۢ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِىٓ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۚوَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوٓاْ إِصْلَٰحًا ۚوَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
(سورة البقرة)

وليس عشر درجات، درجة هي درجة القيادة لأنه لا بد في كل بيت من قائد، وهي في حال لسبب أو لآخر ترك البيت أو سافر أو توفي فهي جاهزة للقيادة، فهي الدرجة رقم اثنان لكن لا بد من قائد في البيت وإلا لا تسير مركبة، لا يوجد مؤسسة في العالم فيها مديران، يوجد مدير ويوجد مساعد فقط، لكن يوجد مدير آخر شيء، فاليوم من عجائب الأمور ولأنه دخلنا على النشوز فتذكرنا هذا الأمر، من عجائب الأمور أن يطلب من المرأة أن تطيع مديرها في العمل حتى لا يفصلها من العمل، ويُطلب منها أحياناً أن تتزين أكثر وأكثر حتى يهتم بها مدير العمل، ويُطلب منها أن تتعطر، ويطلب منها أن تعامل الزبائن بأحسن معاملة، وأن تتحمل كل ظروف العمل الشاقة ثم يطلب منها ألا تقوم في بيتها بما أوجبه الله عليها وألا تطيع زوجها وأن تتمرد؛ لأنه هنا لا يوجد فصل من العمل أما هناك يوجد فصل من العمل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

مداخلة:
بارك الله فيكم.

الدكتور بلال نور الدين:
وبكم يا سيدي.