عالَم الغيب وعالَم الشهادة
عالَم الغيب وعالَم الشهادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
اللهم علّمنا ما ينفعنا، وأنفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علماً، وعملاً متقبلاً يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، وبعد: |
النعم العظيمة التي منّ بها الله تعالى على عباده (العينان مثالاً):
أيها الإخوة الأحباب؛ خلق الله تعالى الإنسان وأعطاه من المؤهلات الجسمية والنفسية ما أعطاه، ومن النعم العظيمة التي امتن الله تعالى بها على عباده وخاطبهم معاتباً من قصّر في عبادته رغم كل هذه النعم قوله تعالى: |
أَلَمْ نَجْعَل لَّهُۥ عَيْنَيْنِ (8)(سورة البلد)
العينان نعمة من نعم الله
|
العالَمان اللذان خلقهما الله تعالى (عالم الغيب، وعالم الشهادة) وترابطهما:
لا بد أن تتكامل النظرة دائماً
|
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُۥٓ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ(47)(سورة يس)
لا، أبداً، لكنه يخف ألمه أو تخف نظرته المتشائمة، يدرك الحقيقة كاملة فترتاح نفسه، إذاً عالم الشهادة وعالم الغيب، هذا عبر عنه القرآن الكريم فقال تعالى: |
ارتباط الدنيا بالآخرة ارتباط وثيق:
يَعْلَمُونَ ظَٰهِرًا مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلْءَاخِرَةِ هُمْ غَٰفِلُونَ (7)(سورة الروم)
الدنيا ظاهر وباطن
|
أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ(20)(سورة لقمان)
فكم من نعم باطنة لم يدركها الإنسان ثم بدا له أنها نعمة وهو كان يظنها نقمة، كم من مرض قرّبه إلى الله، كم من مرض دفعه إلى التوبة، كم من لحظة ضعف دفعته للالتجاء إلى باب الله وقد كان ناسياً غافلاً، كم من نقص مال صرف عنه سوءاً أشد كان سيأتيه لو كان المال معه ثم يدرك بعد ذلك، إذاً حتى الدنيا هم لا يعلمونها على حقيقتها هم (يَعْلَمُونَ ظَٰهِرًا مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا) ينظرون مال كثير، يقول لك: ربنا -عزَّ وجلَّ- يحبه أعطاه المال، قارون هل كان ربه يحبه عندما أعطاه المال؟ لكن في الوقت نفسه أعطى المال لعثمان وكان يحبه، إذاً كما قال -صلى الله عليه وسلم-: |
{ إنَّ اللهَ قَسَمَ بَينكُم أخَلاقَكُم كَما قَسَمَ بينكُم أرزاقَكَم، وإِنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يُعطِي الدنيا مَن يُحِبُّ ومَن لا يُحِبُّ، ولا يُعطِي الدِّينَ إلا مَنْ أحَبَّ، فمَنْ أعطاهُ الدِّينَ فقدْ أحَبَّهُ... }
(رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود)
المال يُعطى للجميع في الدنيا
|
الإيمان هو أن يؤمن الإنسان بالغيب:
الإيمان هو الغيب
|
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ(سورة القصص)
وقبلها قال: |
فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ (24)(سورة النازعات)
يعني (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى) يسميه أهل الشام (مشلبنة شوي) أي أخف قليلاً، أما الأولى (أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ) كفر بواح يدّعي الربوبية (أَنَا۠ رَبُّكُمُ) ليس فقط توجهوا لي، أنا من أرزقكم وأعطيكم وأهبكم الحياة، هذا مفهوم الربوبية -والعياذ بالله- فهو يدّعي الربوبية، لما أدركه الغرق: |
وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ(90)(سورة يونس)
قال له تعالى: |
ءَآلْـَٰٔنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ(91)(سورة يونس)
انتهى الوقت لأنك انتقلت من عالم الغيب، كان مطلوباً منك أن تؤمن بالله وأنت في الغيب، لكن لما رأيت الحقيقة عند الموت لم يعد يصلح أن تقول: آمنت؛ لأنك رأيت، حسناً ربنا -عزَّ وجلَّ- لماذا لم يرجعه إلى الدنيا مثلاً؟ انظر إلى قوله تعالى: |
وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ(27)(سورة الأنعام)
(وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ) صاروا وجهاً لوجه أمام الحقيقة التي أنكروها، لأن الإنسان في الدنيا لو أنه يدرك أن هناك ناراً كان انتبه لحاله، كان آمن بالله (وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يَٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ)، نريد أن نؤمن بالغيب من جديد، فقال تعالى: |
بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ(28)(سورة الأنعام)
الغيب قريب جداً من الشهادة
|
ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ(46)(سورة البقرة)
هنا الظن بمعنى اليقين، لغةً: الظن بمعنى اليقين، لكن لماذا عدل عن اليقين إلى الظن؟ لأنه ما صار شهادة مازال غيباً، لكن وهو في عالم الشهادة يدرك تماماً أنه سيلاقي ربه، فالإيمان الذي ينفع هو الإيمان الذي يكون في الغيب، قال: (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ) من أعمالهم السيئة، المشهد صار واضحاً جداً، (فَقَالُواْ يَٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ) قال: (وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَٰذِبُونَ) يكذب لأنه رأى الحقيقة أمامه، لذلك المؤمن؛ المؤمن حقيقة هو الذي يؤمن بالغيب. |
أركان الإيمان كلها غيب:
وإذا نظرت إلى أركان الإيمان وجدت أن كلها أو معظمها غيب، الإيمان أن تؤمن بالله: |
لَا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلْأَبْصَٰرَ ۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ (103)(سورة الأنعام)
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ{ لبيد بن ربيعة }
ربنا -جلَّ جلاله- ما تركك، إن الغيب غيب مطلق أي الشهادة فيه صفر، ليست صفراً، هناك كون يشهد بوجود الله لكن هل تراه بعينك؟ لا، إذاً هو غيب (لَا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَٰرُ). |
{ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: ما الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ..... }
(صحيح البخاري عن أبي هريرة )
أن تؤمن بالله وملائكته؛ الملائكة غيب: |
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11)(سورة الرعد)
لكن لا نراهم؛ غيب، وكتبه: القرآن شهادة لكن طريقة نزوله جزء منها غيب كثير، الكتب السماوية السابقة غير موجودة بين أيدينا كما أُنزلت لكن نؤمن بها وهي غيب، ورسله: غيب، من رأى الرسل قلة من الناس لكن نحن نؤمن بالغيب، واليوم الآخر: غيب، والقضاء والقدر: غيب، لا ندرك لماذا أو لا نعرف لماذا حصل هذا، أو ما العبرة منه أو لماذا وقع؟ لكن أن تعلم: أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، ولن تبلغ حقيقة الإيمان حتى تعلم: |
{ … واعلَم أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن ليُخطِئَك وما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ، واعلَم أنَّ النَّصرَ معَ الصَّبرِ، وأنَّ الفرجَ معَ الكربِ، وأنَّ معَ العُسرِ يُسرًا }
(أخرجه الترمذي، وأحمد باختلاف يسير عن عبد الله بن عباس)
فأركان الإيمان كلها غيب، الجانب الغيبي فيها هو المسيطر، فالإيمان في الحقيقة هو غيب، لذلك ربنا -جلَّ جلاله- بسورة البقرة أول صفة قبل إقامة الصلاة وقبل إيتاء الزكاة: |
ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ (3)(سورة البقرة )
لأنه لن تقيم الصلاة حقاً إلا إذا آمنت بالغيب، ولن تنفق مما رزقك الله إلا إذا آمنت بالغيب، أنا ما الذي يدفعني أن يكون في جيبي 100 دينار ثم أدفع دينارين ونصف منها مثلاً للفقراء والمساكين؛ إيمان بالغيب، إيمان بأن الله يعلم ويعوض وأعد للمنفقين أجراً عظيماً. |
الدافع للقيام بالعبادات:
مع الإيمان بالغيب الصلاة متعة
|
{ مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا }
(صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري)
أين الشهادة في الموضوع؟ كله غيب، يحصّل بعض السكينة، يرتاح قليلاً، هذه دفعات على الحساب في الدنيا لكن الأجر والعطاء. |
كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ(185)(سورة آل عمران)
فهو غيب، فالإنسان عندما يؤمن بالغيب حقيقة تستقيم حياته، لا يظلم، لا يطغى في الأرض، لا يبني مجده على أنقاض الناس، يؤدي الفرائض، يجتنب المحرمات، إذا ترك فريضة أو أتى محرماً عاد إلى الله تعالى فوراً، مذنب، تواب، لا يستمر في الذنب، لا يستمر في الخطأ، إذاً هو في الإيمان بالغيب في بوتقة الإيمان بالغيب. |
عالم الغيب وعالم الشهادة عند النصارى واليهود:
فأحبابنا الكرام؛ الأقوام السابقون -لا سيما الرسالتان الرئيسيتان اللتان تحدث عنهما القرآن: النصرانية واليهودية -هؤلاء كانوا بطريقة أو بأخرى أصحاب عالم شهادة، عالم الغيب عندهم آخذ حيزاً بسيطاً، الشهادة آخذة الحيز الأوسع، والدليل: |
يَسْـَٔلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَٰبًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰٓ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوٓاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَءَاتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَٰنًا مُّبِينًا (153)(سورة النساء)
اليهود (أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً)، النصارى: |
قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّٰهِدِينَ(113)(سورة المائدة)
نريد المائدة من السماء أي شهادة، اليهود: |
وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍۢ وَٰحِدٍۢ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلْأَرْضُ مِنۢ بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِى هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِى هُوَ خَيْرٌ ۚ ٱهْبِطُواْ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّۦنَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ(61)(سورة البقرة)
نريد أكلاً وشرباً أخي، هم عالم شهادة أي إيمانهم بالشهادة، لذلك حتى ربنا -جلَّ جلاله- عندما خاطب بني إسرائيل قال: |
يَٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِىَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِىٓ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰىَ فَٱرْهَبُونِ(40)(سورة البقرة)
النعمة شهادة، عندما خاطب المسلمين قال: |
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)(سورة الأحزاب)
البشرية الآن لا تصدق حتى ترى
|
قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةً مِّنكَ ۖ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّٰزِقِينَ(114)(سورة المائدة)
الآن يريدون أن يعبروا عن حاجتهم لهذه المائدة، سيدنا عيسى قال لهم: |
إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ۖ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112)(سورة المائدة)
أي إذا أنتم مؤمنون بالغيب حقيقة اتقوا الله أن تطلبوا هذا الطلب؛ لأن الإيمان بالغيب لا يحتاج شهادة، لا يريد مائدة من السماء، ربنا موجود، المائدة الحقيقية التي تأكلون عليها كل يوم هي الشهادة لوجود الله، الإنسان اليوم يجلس على المائدة الطبيعية التي عليها لبنة وجبنة وخيار وبندورة هذه وحدها تدفعك لأن تكون موقناً بوجود الله -عزَّ وجلَّ- هذه النعم العظيمة وتحمد الله عليها، لا يحتاج الأمر إلى مائدة من السماء فقال: (ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، فكل شيء يدل على وجود الله انتهى الأمر. |
الإنسان يخفي أسبابه الحقيقية دائماً
|
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ ۚ وَلَوْلَآ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)(سورة العنكبوت)
وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ(16)(سورة ص)
نريد أن نشاهد العذاب الآن، عذاب!! نريد أن نشاهده، هذا جحود الإنسان عندما لايكون عنده إيمان بالغيب، يريد أن يرى العذاب الآن، يريد أن يشاهد كل شيء، فسيدنا عيسى يعلمهم: (ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ) |
قَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّىٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابًا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدًا مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ(115)(سورة المائدة)
لكن المصيبة (فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّىٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابًا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدًا مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ) عندما يصبح عالم شهادة لا يوجد إنظار وإمهال، لا يوجد وقت، الوقت ربنا أعطانا مهلة لأنه غيب، لأجل أن تبني إيمانك تتراجع قليلاً، تتقدم قليلاً، آخر شيء تصل للحقيقة الكبرى ثم ربنا -عزَّ وجلَّ-: |
{ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ قِيلَ وَمَا عَسَلُهُ قَالَ يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ }
(رواه الإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن الحمق)
فربنا-عزَّ وجلَّ- يؤدبنا حتى نصل بالغيب لأعظم درجات الإيمان حتى ننعم بجنة عرضها السماوات والأرض، أما إذا تريد المشاهدة بعينك لم يعد هناك إنظار انتهى، أي كفر بعد ذلك أو إعراض أو..... العقوبة فوراً تأتيك، هذا ما توعدهم به (إِنِّى مُنَزِّلُهَا). |
الإيمان بالغيب هو الإيمان:
لا تستقيم الحياة إلا بيوم آخر تُسوّى فيه الحسابات
|
{ اللَّهمَّ اقسِم لَنا من خشيتِكَ ما يَحولُ بينَنا وبينَ معاصيكَ، ومن طاعتِكَ ما تبلِّغُنا بِهِ جنَّتَكَ، ومنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَينا مُصيباتِ الدُّنيا، ومتِّعنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتنا ما أحييتَنا، واجعَلهُ الوارثَ منَّا، واجعَل ثأرَنا على من ظلمَنا، وانصُرنا علَى من عادانا، ولا تجعَل مُصيبتَنا في دينِنا، ولا تجعلِ الدُّنيا أَكْبرَ همِّنا ولا مبلغَ عِلمِنا، ولا تسلِّط علَينا مَن لا يرحَمُنا }
(أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمر)
الذي يظن أنه بنهاية الدنيا ينتهي كل شيء فالدنيا مبلغ علمه، لا يعرف ولا سطر بعد الدنيا، آخر سطر عنده هو الدنيا فتنتهي عنده كل شيء، لذلك الذين يسعون في الأرض فساداً هم من أهل عالم الشهادة، والذين يظلمون ويبغون ويقول لك: الحق نفسك الدنيا خالصة و مارة، وكلنا سنموت الحق حالك ما تستطيع أخذه خذه، هذا من عالم الشهادة هذا الدنيا مبلغ علمه، فما دام لا يوجد بعدها شيء فهو أعقل العقلاء لكن إذا في بعدها جنة ونار فهو أغبى الأغبياء لأن الله -عزَّ وجلَّ- قال: |
وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَٰتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ (20)(سورة الأحقاف)
(أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَٰتِكُمْ) كان لكم حساب آخر لكن أنتم كل شيء استنفذتوه بالدنيا أخذتم ما تريدون في الدنيا، والأسوأ منه الذي لا يأخذ لا في الدنيا ولا في الآخرة -والعياذ بالله- أسوأ حالاً حرُم الدنيا والآخرة. |
الخاتمة:
فالإيمان بالغيب هو محور الاهتمام، وينبغي دائماً أن نربي أنفسنا على الإيمان بالغيب، وأن نربي أولادنا وطلابنا وفي جلساتنا العامة والخاصة على أن الإيمان بالغيب هو أساس ديننا، وأن الدنيا ليست منتهى الآمال ولا محط الرحال، وهذه المعلومات النظرية يعرفها معظم الناس لكن عند التطبيق لا بد أن نذكّر أنفسنا بها؛ لأن الإنسان ينسى، لكن عندما يذكّر نفسه دائماً بالغيب بعالم الغيب، يذكّر نفسه بالآخرة، يذكّر نفسه بالله تعالى، يذكّر نفسه بالقرآن الكريم، برسل الله ،بمحمد -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا شك يكون هذا أدعى استقامته على أمر الله تعالى، والحمد لله رب العالمين. |