قاعدة جليلة من فوائد ابن القيم

  • محاضرة في الأردن
  • 2023-05-22
  • عمان
  • الأردن

قاعدة جليلة من فوائد ابن القيم

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين.


شرح فائدة: قاعدة جليلة:
أحبابنا الكرام، عالم كبير من علماء الإسلام تعرفونه: ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى له كتاب لطيف سماه الفوائد، وفي مفتتحه فائدة سماها: "قاعدة جليلة" بدأ بها كتابه الفوائد، يقول ابن القيم رحمه الله:
"إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به، سبحانه منه إليك فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(37)
(سورة ق)

القرآن بركة
"إذا أردت الانتفاع بالقرآن": كل مسلم يقرأ كتاب الله، ولكن ما الشعور الذي نقرأ به القرآن؟ هناك من يقرؤه بشعور التبرُّك، والتبرك أمر جيد بكتاب الله، والقرآن بركة، وهناك من يقرؤه بشعور العزاء للموتى، إذا سمع كتاب الله يُتلى يقول لك: خير من المتوفي؟ لأنه تعلم أن القرآن يتلى في الجنائز، وهناك من يتلوه بشعور تعلم اللغة العربية، فيقول لك القرآن كتاب العربية الأول وقد يكون بعيداً حتى عن الصلاة، ولكنه يتعلم منه اللغة العربية، ولا شك أن القرآن فيه لغة، فكل إنسان يقرؤه بشعور، لكن أصل قراءة القرآن أن يُقرأ بشعور الانتفاع، نريد أن ننتفع من كتاب الله تعالى، أن نقرأ فننتفع؛ لأن الله تعالى عندما أنزل القرآن على نبيه قال: هدى ورحمة، فالقرآن هدى، أُنزل هدى، ولنحقق الهداية من كتابه لابد أن ننتفع منه، فإذا لم ننتفع بكتاب الله تعالى ما حققنا الغاية من القراءة، فابن القيم رحمه الله يتحدث عن شروط الانتفاع بكتاب الله تعالى، فيقول:
"إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه" القلب يتشتت أحياناً فيكون متعلق بأكثر من أمر؛ ويفتح القرآن ويقرأ، والقلب مشتت متعلق بالدنيا، متعلق بالتجارة، متعلق بحال الأولاد، متعلق بأشياء متفرقة فلا يجمع قلبه على القرآن فقال:
"فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه" إما أنك تتلوه، أو أنك تسمعه، فاجمع قلبك على القرآن.
وألقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به، سبحانه منه إليك فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: هذا الكلام العميق لابن القيم والذي يحتاج لقراءة لأكثر من مرة هو يفسر به قوله تعالى ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ ثم بدأ يفصل هذا الكلام، فقال:
وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفاً على مؤثر مقتضٍ، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد.

الأمور التي يجب مراعاتها لنتأثر بالقرآن:
كيف؟ أربعة أمور:
1. مؤثر.
2. ومحل قابل للتأثير.
3. وشرط ليحقق المؤثر الأثر.
4. وانتفاء المانع.
القرآن الكريم فيه ذكرى
مثال من حياتنا: التيار الكهربائي مؤثر، المصباح محل قابل للتأثير، الشرط أن تضغط على الزر، انتفاء المانع ألا يكون هناك عطل كهربائي، فإذا توفر المؤثر (الكهرباء) والمصباح موجود وصالح قابل لقبول الأثر، وحققت الشرط ضغطت على المفتاح ولا يوجد أي عطل، انتفعت بالمصباح، هم أربع أمور معاً.
فقال ابن القيم فقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ﴾ هذا هو المؤثر، القرآن فيه ذكرى فالقرآن موجود وهو المؤثر الذي ينبغي أن يؤثر فينا.
وقوله: ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ فهذا هو المحل القابل، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله تعالى، كما قال تعالى:

وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
(سورة يس)

أي حي القلب.
وقوله: ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾ أي وجّه سمعه وأصغى حاسة السمع لما يُقال له، وهذا هو شرط التأثير.
﴿وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ أي شاهد القلب حاضر غير غائب ليس بغافل ولا ساهٍ، وهو المانع من حصول التاثير، وهو سهوُّ القلب وغيبته عن تعقّل ما يقال له.
فهذه الآية تضمنت الأمور الأربعة:
1. ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ﴾ المؤثر.
2. ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ المحل القابل للتأثير
3. ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾ الشرط؛ أن تسمع.
4. ﴿وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ يجب أن يكون القلب لا ساهٍ ولاغافل، إذا كان القلب موجوداً، لكنه ساهٍ وغافل عن الله لم تنتف الموانع، فلا يحصل التأثير، تماماً مثل مثال المصباح؛ هناك أثر مؤثر، ومحل للتأثير، وشرط مع انتفاء الموانع انتفع الإنسان بكتاب الله تعالى.
القلب أحبابنا الكرام، هو الذي ينتفع بكتاب الله قلب الإنسان؛ سواء كان القلب الذي هو تلك المضخة، أو كان القلب بمعنى داخل الإنسان، فالله تعالى قال:

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(46)
(سورة الحج)

وهناك قلوب لا يعقلون بها، فالقلب إما أن يعقل؛ أي أن يفهم مراد الله تعالى، أو لا يفهم، فإذا كان حاضراً حياً فهم خطاب الله تعالى، وإذا كان غافلاً ساهياً عن الله وُجد المانع فلم يحصل التاثير، البث الإذاعي موجود في الهواء، الآن في الهواء يوجد إذاعات فينقلون المحاضرات عبر الأثير، فالبث موجود، لكن إذا الإنسان لديه طريقة لاستقبال البث، وحقق الشرط عنده شبكة، ولا يوجد أي عطل يستقبل وينتفع، أما إذا كان البث موجوداً، والقلب غير موجود لم يعد هناك أثر، لذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.

الإنسان إما أن يعقل المعلومة بنفسه، أو يستمع لمن يعقلها:
لماذا قال تعالى ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾ ولم يقل لمن كان له قلب وألقى السمع معاً، لماذا أو؟ لأن الإنسان أحبابنا الكرام، إما أن يعقل المعلومة بنفسه، أو يستمع لمن يعقلها، الإنسان إما أن يصل إلى المعلومة بنفسه، أو يوصله إليها من علمها.
مثال: ممكن أن أبني جداراً أو بناء دون أن أضع فواصل تمدد، ثم ألاحظ الشقوق بالجدار فاسأل فيقال لي: أنت لم تضع فواصل تمدد، والمعادن تتمدد بالحرارة، فتمدد المعدن فتفجّر الإسمنت، فعقلت المعلومة بقلبي وفهمتها، هذه حالة،
والحالة الثانية أن يأتي شخص دون أن أقوم أنا بالتجربة ويقولها لي، يقول: إذا بنيت جداراً دون أن تضع فواصل للتمدد يتدمر الجدار؛ لأن المعادن تتمدد بالحرارة، فأنا إما أن أعقل المعلومة بنفسي وأصل لها، أو يقولها لي إنسان وصل لها. فربنا عز وجل جعل خياراً بين أمرين؛ بين أن يقوم الشخص بنفسه بتدبر الآيات، وبين شخص يستمع لتجربة شخص خاض هذه التجربة فوصل إلى معنى الآية، فقال له: والله بالأمس تأملت في معنى الآية الآتية وتوصلت إلى كذا وكذا، فأعطى سمعه فوصل.

العلم التجريبي أو السماعي:
العلم التجريبي تقوم به بنفسك فتصل إلى الأمر
فأنت بين خيارين؛ إما أن يكون القلب حاضراً بحيث يعقل القرآن فوراً، أو أن تستمع إلى قلب آخر عقل هو، لذلك هذه مصادر المعرفة إما العلم التجريبي أو السماعي، التجريبي تقوم به بنفسك فتصل إلى الأمر، تقوم بتجربة، الطلاب في مادة الفيزياء والكيمياء ينزلون إلى المخبر، لماذا؟ ليروا بأعينهم حتى لا ينسوا المعلومة، لأن الإنسان عندما يعقل المعلومة بنفسه يكون أقوى على فهمها، وإدراكها، والدفاع عنها، وتبنيها، الإنسان عندما يتعلم هو المعلومة ويصل لها يكون أقدر على الدفاع عنها وتبنيها وتذكرها، إذا وصلته من طرف آخر جيد لكن لا تكون بقوة أن يكون له قلب، لكن جيد، أنه يلقي السمع ويتعلم من الآخرين، فالفكرة كلما كان الوصول لها أصعب كان القدرة على الحفاظ عليها وتنبنيها والدفاع عنها أكبر، لذلك أنا ليس نقداً لوسائل التواصل الحديثة والهواتف، فأنا الآن أنقل هذا اللقاء على الهاتف، ونستفيد من هذه الوسائل؛ لكن سابقاً عندما كنت أنا شخصياً بالشريعة عندما أحتاج لمعرفة إن كان الحديث صحيحاً أو ضعيفاً يكلفني هذا الأمر نصف ساعة في المكتبة، وأنا أُنزِل كتاباً وأرجعه سنن أبي داوود، سنن ابن ماجه، وأبحث إن كان الحديث في الصفحة كذا أو بالصفحة كذا وبالجزء كذا وبالباب كذا، فأبحث عنه كثيراً، فالأحاديث التي وصلت إليها في الكتب لا يمكن أن أنساها في عمري حتى اليوم، أما اليوم إذا شككت بحديث أستشير غوغل الذي يعطيني المعلومة في ثوانٍ، لكن أنا غير قادر على المحافظة عليها وتبنيها كالمعلومات السابقة، لذلك كانوا يقولون:
ومن دخل البلاد بغير حرب يهون عليه تسليم البلاد
{ البارودي }
الناس متفاوتون فيما بينهم
فأنا قست عليها: ومن وصل إلى المعلومة بغير جهد يهون علينا نسيان المعلومة، فـ ﴿لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ وصلت للمعلومة بنفسك، فأنت تدبرت، وأنت عشت الآية وقرأتها عند صلاة الفجر، وفهمت المعنى منها وعقلتها والتزمت بها، وصرت تدعو إليها، لكن هذا لا يستطيعه كل الناس، فالناس قدرات ومتفاوتون فيما بينهم، ليس كل الناس قادرين على نفس القوة للوصول إلى المعلومة، فربنا عز وجل قال:
﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾ يعني أعطى السمع، أنا ما معي وقت، أنا غير قادر، أنا ما تعلمت لغة عربية كثيراً حتى أفهم كما يفهم فلان الآيات، حسناً تستطيع أن تعطي السمع ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ﴾ لكن قال:
﴿وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ إذا ألقى السمع وهو ليس شهيداً، يعني القلب ساهٍ وغافل ولاهٍ عن الله عز وجل فالمعلومة كما كان يقول المدرس في المدرسة: تدخل بالأذن اليمين وتخرج من اليسار، يعني لا يعقلها جيداً، لكن لما يلقي السمع وقلبه شهيد حاضر غير غافل، غير ساهٍ، يعقلها بشكل أفضل بكثير، فهذه الآية:
﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ هي شرط الانتفاع بكتاب الله تعالى؛ أن يوجد الأثر المؤثر، وأن يوجد المحل وهو القلب، وأن يكون هناك استماع مع حضور القلب، فتنتفي الموانع وتتحقق الشروط، فإذا تحققت كل هذه الأمور معاً أخذنا النتيجة، فيقول رحمه الله: فإذا حصل المؤثر وهو القرآن، والمحل القابل وهو القلب الحي، ووجد الشرط وهو الإصغاء، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر بكتاب الله تعالى.
كلام ابن القيم قيّم جداً وإن كان صعباً، ولكن فهمه يعطيك حلاوة، سعادة؛ لأن هذا ابن القيم -فيما نحسب ولا نزكي على الله- هو ممن كان له قلب، هو يفسر الآية وقد عاش التجربة، فيفسرها بهذه الدقة وتلك السلاسة لأنه عاش تجربة ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.

الانتفاع بالقرآن الكريم:
لذلك أحبابنا الكرام، الآن نتابع في قضية الانتفاع، ما هو الانتفاع بالقرآن الكريم؟ أن تنقلب المعلومة بعد عقلها إلى سلوك، الانتفاع أن تنقلب المعلومة بعد عقلها إلى سلوك، عقل المعلومة هو التدبر:

كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
(سورة ص)

عملية فهم المعلومة هي تدبر كتاب الله تعالى،
التدبر: هو النظر في دبر الشيء، أي في عاقبته، في مآله، فلما ربنا عز وجل يحدثنا عن عاقبة الربا ومن يرابي:

فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)
(سورة البقرة)

فإذا تدبر الإنسان القرآن تدبراً صحيحاً أقلع عن الربا؛ لأن الربا دُبُره، مآله، عاقبته إلى قِلٍّ وإن رآها كثرة.
التدبر أن تسأل نفسك عند كل آية تتلوها
عندما يحدثنا الله تعالى عن حرمة الزنا نتدبر، فننتهي عما نهى الله تعالى عنه وزجر، فتكون عاقبتنا خيراً، هذا هو التدبر، لذلك قالوا: التدبر أن تسأل نفسك عند كلام الله تعالى، أو عند كل آية تتلوها في كتاب الله تعالى: أين أنا من هذه الآية؟ أين موقعي؟ القرآن يحدّث عن مجموعة من الناس يفعلون كذا وكذا وكذا، هل أنا من هؤلاء؟ فإذا كان ذماً لأنتهِ، وإذا كان مدحاً لأثابر:

قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (1) ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ (2) وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ (3) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ (4)
(سورة المؤمنون)

إلى آخر الآيات، وفي المقابل يحدثنا الله تعالى عن المنافقين:

وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)
(سورة البقرة)

يحدثنا عن المؤمنين بالقرآن الكريم:

أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ(5)
(سورة البقرة)

فالقرآن الكريم يحدثنا عن أقوام، عن نماذج بشرية؛ عن الخاسرين، عن المتقين، عن المحسنين، عن الصادقين، عن المكذبين، كل القرآن فيه نماذج، قال تعالى:

لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
(سورة الأنبياء)

المعنى الأول بقوله تعالى: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾؛ المتبادر المعروف يعني فيه علوّ شانكم، فمن العرب لولا القرآن الكريم؟ القرآن الكريم حفظ العرب والعروبة، ففيه ذكرهم، ما الذي أعلى ذكرنا؟ القرآن الكريم، لولا القرآن لم نكن شيئاً مذكوراً، فأمتنا ارتفعت وعلا ذكرها بالقرآن، هذه معنى فيه ذكركم.
والمعنى الثاني ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾؛ أنك أيها المسلم مذكور في القرآن، يعني أنا موجود في القرآن؟ نعم موجود، ولكن لست موجوداً باسمك، وإنما بالنموذج الذي ينطبق عليك، لا يوجد إنسان إلا موجود في كتاب الله تعالى، إذا قرأ كتاب الله يجد ذكره، يجده يتحدث عن شيء كان يفعله، كقوله تعالى:

كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ (17) وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ (18) وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ (19)
(سورة الذاريات)


القرآن يخاطب كل النماذج البشرية:
هذا نموذج بشري موجود، وهناك نموذج:

إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ(35)
(سورة الصافات)

وهناك نموذج

وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(45)
(سورة الزمر)

تحكي له عن ربنا عز وجل، وتفسر الأحداث وفق قوانين الله عز وجل يقول لك: دعنا من الغيب، ودعنا من كلامك، ودعنا نتكلم بالعلم، اليوم تطور الأمر، وهذا الكلام الذي تقوله لم يعد موجوداً، تتكلم عن المعطيات البشرية يستبشر، يقول لك: هذا هو الكلام، اليوم العلم تقدم، فإذا هم يستبشرون نموذج.
فالقرآن فيه ذكرنا، نلتمس فيه ذكرنا، وفي القرآن:

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102)
(سورة التوبة)

القرآن الكريم فيه نماذج بشرية
فالقرآن فيه نماذج بشرية، فنحن إذا قرأنا القرآن الكريم نعقله بقلب حيّ، بمعنى أننا نتدبره، ونتدبره بمعنى أننا ننظر في العاقبة عن طريق سؤال بسيط: أين أنا من هذه الآية؟ ونتلقى كلام الله تعالى على أنه خطاب الله تعالى لنا:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
(سورة التحريم)

أنا الذين آمنوا، أي يحدثني الله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
(سورة الحجرات)

أنا المطلوب مني ألا أسخر.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(8)
(سورة التحريم)

قراءة القرآن بشعور التلقي للتنفيذ
أنا المطلوب مني أن أتوب، يخاطبني الله تعالى، فأتلقى القرآن بشعور التلقي للتنفيذ، بمعنى أنني أريد أن أسمع ماذا يريد الله تعالى مني فأبادر إلى التنفيذ، تماماً -ولله المثل الأعلى- كما لو أن لك أباً محسناً بالغ في إحسانه لأبنائه حتى أصبح أبناؤه يعشقونه، ويبادرون إلى خدمته؛ لشدة ما أحسن لهم، وكل الآباء عندهم إحسان، ولكن تصور أباً بقمة الإحسان، بذل حياته من أجل أولاده، فإذا همس همسة تصغي الآذان فوراً لما يريد، فما إن يستتم كلامه بطلب كأس ماء حتى يتسابق الأولاد فوراً إلى براد الماء لإحضار الكأس له، وكل ولد يتفنن في معرفته بما يريد والده من الكأس، فيعيره بين الحرارة والبرودة كما يحبه الأب تماماً، هذا امتثال نابع من محبة، من إلقاء السمع، من حضور القلب، إذا انطلق المؤثر من الأب يجد فوراً محلاً قابلاً للتأثير، فربنا جل جلاله خلقنا وأمدنا وربانا وعلمنا، ومرجعنا إليه، ونحن له ومنه وإليه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول:

{ أَنا بِكَ وإليكَ. }

(صحيح ابن حبان)

فلا تقوم حياتي إلا بك، والمرجع إليك وحدك، فإذا كان الأمر كذلك فينبغي إذا قرأ الإنسان القرآن أن يكون بهذا الشعور وأعظم من شعور التعامل مع والده، بمعنى أنه يسمع كلام الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278)
(سورة البقرة)

آمنا وصدقنا يارب، النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ على أصحابه سورة الرحمن، وفيها تكررت الآية الكريمة بين كل آيتين أو ثلاثة:

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
(سورة الرحمن)

ذكر لهم الجن لما سمعوها، فكانوا يقولون: لا وربنا ولا بشيء من آياتك نكذب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد كان الجن أحسن سماعاً من الإنس. لتلقيهم للقرآن فوراً ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ ولا بشيء من آياتك ربنا نكذب:

{ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا ، فَقَالَ : ( لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الجِنِّ لَيْلَةَ الجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ ، فَلَكَ الحَمْدُ. }

(المستدرك على الصحيحين)


معنى القرآن كريم:
لا نكذب، يعني القرآن حي، فيه تفاعل، لذلك:

إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)
(سورة الواقعة)

الكرم صفة عظيمة جداً
ما معنى القرآن كريم؟ الكريم من البشر والكرم صفة عظيمة جداً تختصر أحياناً بأنه يعطي المال، يعني تطلب منه يعطيك، أو من غير أن تطلب منه يعطيك، تدخل إلى بيته فيكرمك، تقول إنسان كريم ما شاء الله، يحب العطاء، الكرم من أعمق الصفات، فالكرم تجتمع معه مئات الصفات الحسنة، وبالمقابل اللؤم يجتمع تحته مئات الصفات السيئة، فالكريم كريم النفس، الكريم عنده رحمة، الكريم يعطي علمه، الكريم إذا جرى موقف أمامه غير مناسب يغض الطرف عنه وكأنه لم يره، الكريم لا يعاتب، الكريم لا يُلجئك ويحمّر وجهك ويلجئك إلى أن تعتذر له، يبادر مباشرة لخصم الموضوع من غير أن يلجئك إلى أن تقف موقف اعتذار لأنه كريم، فالكرم صفة عامة، القرآن كريم؛ لأنك كلما زدته تدبراً زادك عطاء، القرآن الكريم تزيده تدبراً فيزيدك عطاء، تقول والله أول مرة أقرأ الآية فأشعر هذا الشعور، منذ أربعين سنة أقرأ كل شهر ختمة وأمر على هذه الآية فأفهم منها هذا المعنى، وفجأة هذه المرة قرأتها وشعرت بشعور عجيب، فالقرآن كريم، فالقرآن نتدبره فيعطينا، نزيده تدبراً فيزيدنا عطاء، نزيده قراءة بخشوع فيزيدنا عطاء في القلب، غير الفهم، الفهم كأنه لبى حاجة عندك، أنك فهمت الآية، لكن القلب يزيدك حباً وشوقاً وسكينة، كلما زدته تدبراً زادك سكينة وعطاء.

القلب سواء كان مقبلاً أو مدبراً فهو في طاعة:
فأحبابنا الكرام، هذه الآية ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ القلب سمي قلباً لتقلبه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:

{ إنَّ القُلوبَ بين أُصبُعينِ من أصابِعِ الرحمنِ يُقلِّبُها كيف يشاءُ. }

(الترمذي)

فالقلب يتقلب، أحياناً يكون القلب في إقبال، أحياناً يكون في إدبار، لكن لا ينبغي أن يكون الإقبال طاعة، والإدبار معصية، وإنما الإقبال نوافل، والإدبار فرائض، وقد قال سيدنا عمر رضي الله عنه:
إن للنفس إقبالاً وإدبار فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاحملوها على الفرائض.
القلوب تتقلب
فالقلب سواء كان مقبلاً أو مدبراً فهو في طاعة، لكن بين أن يكون الطاعة مع نوافل وقيام ليل وضحى، وبين أن يكون مكتفياً بالفرائض، لكن في الحالتين ليس هناك إدبار بمعنى المعصية عند المؤمن.
فالقلوب تتقلب، وربنا جل جلاله في القرآن الكريم وصف القلوب بالسلامة، ووصفها بالمرض، فقال:

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
(سورة البقرة)

فالنفاق مرض في القلب، والشك مرض:

أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(50)
(سورة النور)

فهناك قلب مرتاب، ما عنده إيمان يقيني، عنده ريبة وشك، وهناك قلب سليم:

يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
(سورة الشعراء)

المؤمن خطاء تواب
فالقلب السليم كما قلت سابقاً سلم من شهوة لا ترضي الله، وهذا أيضاً الكلام لابن القيم رحمه الله، قال: "القلب السليم هو القلب الذي سلم من كل شهوة لا ترضي الله" انظر إلى دقة العبارة عند ابن القيم، ما قال سلم من معصية، المؤمن خطاء تواب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ مثلُ المؤمنِ مثلُ السنبلةِ، تميلُ أحيانًا، وتقومُ أحيانًا. }

(الألباني)

يعني الوقوع بالخطأ ممكن، لكن الاستمرار على الخطأ، أو عِظَم الخطأ غير ممكن للمؤمن، فالمؤمن لا يرتكب كبيرة، ولا يصر على الصغيرة، هذه ميزة المؤمن، تقوم حيناً وتميل حيناً.
فقال: سلم من شهوة لا ترضي الله؛ يعني القلب ليس لديه تعلق بالشهوة، قد تزِلّ قدمه في لحظة فيعود إلى الله، لكن ليس لديه شهوة مستحكمة في قلبه، يقول لك: بموضوع المال لا أقدر، عندما أرى المال لا أعرف أحداً، أنا ضعيف مع المال، الآخر يقول: أنا مع النساء ضعيف، مع المال قوي، فليس هناك شهوة تأسره، ينقاد لها، لا، قد يخطئ فيعود، لكن لا تتملكه الشهوة، فقال: "سلم من شهوة لا ترضي الله، وسلم من قبول خبر يتناقض مع وحي الله، وسلم من تحكيم غير شرع الله".
القلب السليم لا يعبد غير الله
فالقلب عندما يتعلق بالقوانين الوضعية، ويتعلق بالقانون، وبالأعراف، وبالتقاليد، ولا يتعلق بشرع الله تعالى فيحتكم إلى القوانين، ولا يحتكم إلى الشرع هذا القلب فيه مرض، "وسلم من عبادة غير الله" أربعة أمور، فالقلب السليم ليس فيه شهوة تحكمه لا يقوى عليها، وليس فيه قبول بحكم غير حكم الله تعالى، وليس فيه عبادة لغير الله تعالى. لا يعبد غير الله القلب السليم.
فإذا وُجد هذا القلب السليم فهو القلب الحي، وإذا وُجد القلب الحي تأثر بالقرآن فانتفع به، أما القلب الساهي، اللاهي، الغافل عن الله تعالى فقد يقرأ ولا ينتفع، لذلك في معظم الآيات التي تتحدث عن الانتفاع بالقرآن الكريم قال تعالى:

وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ(154)
(سورة الأعراف)

التوراة، متى انتفعوا بالقرآن، هناك خوف من الله، القلب وجِل، القرآن الكريم

طه (1) مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ (2) إِلَّا تَذۡكِرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰ (3)
(سورة طه)

وعشرات الآيات تربط بين الخشية من الله والخوف من الله والانتفاع بالقرآن الكريم، فالمنتفع بالقرآن الكريم قلبه حيٌّ متعلق بالله، يخاف الله، فالقلب حاضر، والقرآن موجود، فحدود الانتفاع مؤكد عند انتفاء الموانع وتحقق الشروط.
أحياناً تكون حاضراً، المحل القابل للتأثير حاضر، لكن الأثر غير موجود، أي البث غير موجود، تقول ربطت الإشارة ولكن المحاضرة لم تُبَث، البث معطل، ربنا جل جلاله البث موجود 24 ساعة من 24، سبعة أيام في الأسبوع، وثلاثين يوماً في الشهر و365 يوماً في السنة، لا يتوقف البث، ليس هناك لحظة لا يوجد فيها بث، ربنا عز وجل دائماً هناك نفحات، سكينة، قرب، بأي وقت تناجيه ربنا عز وجل موجود، فالمؤثر موجود دائماً، والمحل موجود، بقي أن تتحقق من الشروط، وأن تبتعد عن الموانع، فالانتفاع موجود.
والحمد لله رب العالمين