لا يجتمع الشقاء مع ستة امور

  • محاضرة في الأردن
  • 2023-05-29
  • عمان
  • الأردن

لا يجتمع الشقاء مع ستة امور

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

حركة الإنسان لسلامته وسعادته:
الشقاء ضد السعادة
أيها الإخوة الأحباب، لا يجتمع الشقاء مع ستة أمور في كتاب الله تعالى، الشقاء ضد السعادة، وكل إنسان حريص على سعادته، بل إنه ما من مخلوق في الأرض إلا ويحركه شيئان؛ سلامته وسعادته، إذا حاول عبور الشارع وجاءت سيارة مسرعة يرجع فوراً، ما الذي حركه؟ الحفاظ على سلامته، يحرص على سلامته، وإذا دُعي إلى مكان فيه جلسة جميلة ونزهة يفرّغ نفسه من أجل سعادته، فالإنسان عندما يتحرك كل البشر المسلمون وغير المسلمين يتحركون بناء على تحقيق السلامة أو السعادة، هكذا فطرهم الله، لكن ما كل إنسان يصل إلى سلامته وسعادته؛ فهناك إنسان يتحرك لتحقيق المال، يظن أنه إن جمع أكبر رقم ممكن يحقق سعادته فيتحرك، هل وصل أم لم يصل هذا شيء آخر، لكن تحرك من أجل سعادته، هناك إنسان يظن سعادته في الشهوة المحرمة من النساء لا يهمه بالحلال أم بالحرام، فهو يظن أن السعادة هنا، هناك مؤمن يرى أن السعادة وفق منهج الله تعالى في المساجد، يقول لك سعادتي في صلاة الفجر في المسجد، فالناس يتحركون لسلامتهم وسعادتهم، والشقاء ضد السعادة، وما من إنسان يحب أن يكون شقياً.

تعريف الشقاء:
والشقاء في اللغة هو العُسر والتعب، وهو الشدة والمحنة، وهو الضلال، يأتي الشقاء في اللغة للعسر والتعب، ويأتي للشدة والمحنة، ويأتي للضلال، فمن ضل الطريق فقد شقي، والله تعالى يقول في كتابه:

يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ(105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)
(سورة هود)

يوم القيامة، الشقاء والسعادة بعد العرض على الله، ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ﴾ ثم قال: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ﴾ فتقسيم القرآن للشقاء والسعادة منطلق مما يكون في الجنة أو في النار، بعد الموت وليس قبل الموت.

لا يجتمع الشقاء مع ستة أمور:
الأمر الأول: بر الوالدين عموماً، والأم خصوصاً:
الآيات الكريمة التي تحدثت عن الشقاء، والتي لا يجتمع فيها الشقاء مع هذه الأمور؛ أول أمر هو بر الوالدين، أو بر الأم على وجه التحديد، وبر الوالدين على وجه العموم طبعاً، قال تعالى على لسان عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:

وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)
(سورة مريم)

الوالدان سبب وجودنا في الحياة
قال بعض السلف: لا تجد أحداً عاقاً لوالديه إلا وجدته جباراً شقياً، العقوق شقاء، البر سعادة، فلا يجتمع البر مع الشقاء، ومن أعظم نعم الله تعالى على البار أن البر يُعجَّل ثوابه في الدنيا قبل الآخرة، فحتى المنحرف البعيد عن منهج الله، الذي ربما لا يستحق الجنة يُكافأ في الدنيا على بره، بسَعة في المال، أو بأولاد يبرّونه عند كبره، أو غير ذلك، فجعل الله ثواب البر في الدنيا والآخرة، فليس هناك شقاء مع البر، وليس هناك سعادة مع العقوق، ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾ أي جعلني الله تعالى براً بوالدتي ولم يجعلني جباراً؛ أي متكبراً على الناس، شقياً؛ أي عاصياً لربه، أو شقياً أي عاصياً لوالديه فشقي بعصيانه لوالديه؛ لأن الإنسان الذي لا يبَرّ والديه أو لا يبرّ والدته في الحقيقة هو أبعد ما يكون عن السعادة، لأن الوالدين سبب وجودنا في الحياة، فإذا لم يكن في الإنسان خير لوالديه فليس له خير لغيرهما، فجعل الله تعالى هذا المقياس: البر مع السعادة والعقوق مع الشقاء، بل إن رحمة الله تعالى بالإنسان عظيمة جداً، وإنه ما أنزل من رحماته في الدنيا إلا رحمة واحدة وترك عنده 99 إلى يوم القيامة، فالناس جميعاً، بل الكائنات كلها تتراحم بهذه الرحمة، حتى إن الدابة ترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه من رحمة من مئة من رحمات الله تعالى.
ويُروى وهذه الروايات الواردة عن الأنبياء ليست لها أسانيد، لكن يُؤخذ منها ما يفيد في عِظة أو ذكرى، يروى أن سيدنا موسى عليه السلام وجد امرأة تخبز عجينها في الفرن، وأمامها ابنها، فكلما وضعت رغيفاً في الفرن التفتت إلى ابنها فأمسكته، فشمته، وقبلته، وعانقته ووضعته، ثم الرغيف وهكذا، فخاطب موسى ربه وهو الكريم، قال يارب ما هذه الرحمة؟ يعني هذه الأم رحمتها عجيبة، فقال هذه رحمة مني أودعتها في قلبها، وإن شئت نزعتها، قال: فلما نزع الرحمة من قلبها بكى فألقته في الفرن مع الخبز، طبعاً القصة للعبرة والعظة، فرحمة الأم بوليدها هي رحمة من الله، قال تعالى:

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39)
(سورة طه)

الأم والأب يخافان على أولادهما
فعندما تحب ولدك وتعانقه فهذه رحمة الله أودعها في قلبك، فلما أراد الله تعالى أن يبين لنا عظيم رحمته جعل لنا أماً وأباً، الأم والأب يخافان على أولادهما، ويرجوان لهم الخير أكثر ما يرجوانه لأنفسهما، لا يوجد إنسان يقبل أن يفوقه غيره؛ تاجر يحب أن يكون الأول، صناعي يحب أن يكون الأول، فإذا علم أن جاراً منافساً قد تفوق عليه يزعجه ذلك، فطرة، إلا الأب والأم عندما يجدان ابنهما قد تفوق عليهما يدخل إلى قلبيهما من السرور ما لا يُعقل ولا يُعرف.
فربنا جل جلاله جعل هذه الرحمة في قلوب الوالدين، فلما الإنسان يعكس هذه الرحمة أو يتجاوب مع هذه الرحمة بالبر تكون السعادة.
الرحمة منهما والبر منك، لذلك لا تجد في القرآن أمراً واضحاً، أو كثرة أوامر أن يعطف الآباء على الأبناء؛ لأن هذه فطرة أُودعت بهم، ولا ينصرف عنها إلا منزوع الفطرة، مريض، شقي، لكنه دفع الأولاد إلى بر الوالدين:

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
(سورة الإسراء)

قالوا: رفع الله تعالى قدر البر فجعله معطوفاً على عبادته جل جلاله، مع أن بينهما فرقاً؛ وهو أن العبادة لا تكون إلا لله تعالى.

وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)

لكن رفع المستوى فقال: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ وهذه الباء أيها الكرام بالمناسبة، هذه الباء يسميها علماء العربية باء الإلصاق، كيف باء الإلصاق؟ لما قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
(سورة المائدة)

هذه الباء اختلف الفقهاء فيها، نسمع خلاف الفقهاء فنقول البعض، طبعاً اتفقوا على أن مسح الرأس كاملاً هو السنة، يعني من مقدم الرأس إلى آخره، وهذا الذي يجب أن نفعله التزاماً بسنة رسول الله، لكن اختلفوا بالقدر الواجب الذي إن نقص عنه لا يصح الوضوء.

أقوال الفقهاء في معنى وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ
فالحنفية قالوا هذه الباء للإلصاق، فقالوا ربع الرأس هو المفروض؛ لأنهم لما ألصقوا اليد بالرأس أخذت الربع تقريباً،
الشافعية قالوا هذه الباء للتبعيض، أي ببعض رؤوسكم والبعض ثلاثة فإن أصاب ثلاث شعرات فقد صح الوضوء، ولكن السنة مسح الرأس بالكامل.
والحنابلة قالوا أن هذه الباء زائدة، وامسحوا رؤوسكم، فنتج أن مسح الرأس كاملاً واجب عند الحنابلة، فلو مسح بعض رأسه ما صح وضوءه.
فانظروا إلى اللغة العربية كيف تؤثر في الصنعة الفقهية، طبعاً لا تستقلّ اللغة وحدها بفهم النص، استدلوا بأحاديث ليس هنا المجال لذكرها، ولكن أنا أتكلم عن شيء محدد وهو باء الإلصاق، فهذه الباء ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ قالوا هذه للإلصاق، كيف؟ قال والله أنا بار لوالدي، وضعت لهما خادمة في البيت وسائقاً على الباب، وأنا أزورهما مرة في الأسبوع، والخادمة بخدمتهما في البيت، والسائق يلبي لهما كل طلباتهما، ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ الآية الثانية: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا﴾ فالإلصاق يعني أنه ينبغي أن تباشر خدمة والديك في أعم الأحوال إن لم يكن هناك عذر بنفسك؛ لأنهما لا يريدان السائق ولا الخادمة، يريدانك أنت وأولادك، يريدان أحفادهما، هذا معنى لغوي دقيق.
﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ فلا يجتمع الشقاء مع البر.

الأمر الثاني: لا يجتمع الشقاء مع الدعاء:
ثم لا يجتمع الشقاء مع الدعاء، قال تعالى على لسان زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:

قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)
(سورة مريم)

لا يشقى إنسان مع الدعاء
أي خائباً، لا يخيب إنسان مع الدعاء، لا يشقى إنسان مع الدعاء، لماذا؟ لأنك ضعيف، ولأنني ضعيف، والضعيف يحتاج إلى قوي يتصل به، والله تعالى فتح لنا باب الدعاء، فقالوا: إذا أردت أن يكلمك الله فاقرأ القرآن، تفتح القرآن يكلمك الله: "يا أيها الناس"، "يا أيها الذين آمنوا" وإذا أردت أن تكلم الله فادعه، نحن نقول موسى كليم الله، ونحن نغبطه على هذه النعمة العظيمة بأنه كلم الله؛ لكن الله تعالى فتح لكل منا أن يكلمه، لكن بطريقة الدعاء، فأنت عندما تكلم الله، أو عندما تدعو تستشعر أنك تخاطبه وتناجيه وتكلمه، فتقول: يارب ارزقني، يارب هب لي السكينة، يارب وفق أولادي للخير، يارب ارزقني رزقاً حسناً....إلخ. فالدعاء ليس فيه خيبة، وليس فيه شقاء، وقد يقول قائل إذا ما تمت الإجابة هذا شقاء، لا، الإجابة مضمونة، لكن الطريقة والوقت غير معلومَين، فلا يوجد إنسان يدعو ويشقى بدعائه، حتى العاصي، بعض العلماء يقولون: هناك ما يحجب الإجابة كقوله صلى الله عليه وسلم:

{ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟! }

(صحيح مسلم)

لاشك أن هناك من الأمور ما يمنع الإجابة عن العبد إذا كان ظالماً للناس، آكلاً للمال الحرام، ثم يدعو الله تعالى، فكيف يتوجه إلى الله وهو بهذه المعاصي، لكن قد يكون الإنسان عاصياً لله ببعض المعاصي والصغائر من غير حقوق العباد، ويدعو الله فتتأخر الإجابة، فيظن أنه لم يُجب إلى دعائه، والحقيقة أن الله تعالى يجيبه لكن كما في قوله صلى الله عليه وسلم:

{ ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل. قالوا: يا رسول الله وكيف يستعجل؟ قال: يقول: دعوت ربي فما استجاب لي. }

(صحيح الترمذي)

كل الأدعية مجابة:
(فإما أن يعجل له في الدنيا) هذا الذي يحبه أكثر الناس؛ يارب أريد مالاً يأتي المال.
(وإمَا أنْ يُدَّخَرَ لهُ في الآخِرَةِ) لأنه:

وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا(11)
(سورة الإسراء)

فيدعو ويظن أن ما يدعوه فيه الخير له، وما يدعوه شر فيؤخره الله له ويدخره في الآخرة
(وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا) هذا إنسان عنده معاصٍ كثيرة فما أجيب لا في الدنيا ولا في الآخرة، لكن أجيب بمغفرة الذنوب، ففي الحالات الثلاث ليس هناك شقاء مع الدعاء.
• قال (ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل قالوا: يا رسول الله وكيف يستعجل؟ قال: يقول: دعوت ربي فما استجاب لي). فمما يحجب الدعاء أن يقول الإنسان: يارب دعوتك فلم تستجب لي، لا، الإجابة مضمونة، قال:

قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)
(سورة يونس)

موسى وهارون، متى أجيبت الدعوة؟ بعد أربعين سنة، يعني في علم الله أُجيبت، أنت تدعو وفق ما تراه يصلحك، والله يجيبك وفق ما يصلحك حقيقة لا وفق ما تتمناه أنت.
فلذلك مع الدعاء ليس هناك شقاء، إنسان يدعو الله ويشقى بدعائه معاذ الله! ﴿وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ لا يخيب الله تعالى عبداً دعاه، لكن قد لا يجد ذلك في الدنيا، لكن يوم القيامة عندما يكشف كل شيء يحمد الله ألف مرة ومرة أنه أخّر له الإجابة، أو حجبها عنه حيناً، أو بدّلها له بشيء آخر كان يظنه شراً وهو له خير. ﴿وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾.

الأمر الثالث: القرآن الكريم:
وأما الآية الثالثة أو الشيء الثالث الذي لا يجتمع معه الشقاء فهو القرآن الكريم، فالذي يقرأ القرآن، يتلوه، يتدبره، يعمل به لا يشقى به، قال تعالى:

طه(1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ (2)
(سورة طه)

ليس هناك شقاء مع القرآن
ليس هناك شقاء مع القرآن، يروى في بعض أسباب نزول هذه الآية؛ أن بعض المشركين قالوا لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ويلتزم أمره ويترك نهيه، قالوا قد أشقاه الله بالقرآن، فنحن في سعادة، ليس لدينا محظورات ولا مأمورات، ونفعل ما نشاء، فظنوا أن السعادة هي ذلك التفلت من المنهج:

أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
( سورة الفرقان)

فأنزل الله تعالى عليهم ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ القرآن سعادة، القرآن أنس بالله، القرآن خطاب الله لنا، فلا يوجد شقاء مع كتاب الله، تقرؤه فتسعد به، إذا كان بكل حرف عشر حسنات؛ ألِف حرف، ولام حرف، وميم حرف، فهل هناك شقاء مع هذا التعداد الهائل من الحسنات! مستحيل فقال: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ ولذلك قالوا: "التكليف لا يشق على المكلَّفين" ليس هناك مشقة في التكليف:

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (258)
(سورة البقرة)

ما أمرنا الله تعالى به ضمن الوِسع، وما نهانا عنه ضمن الوِسع، لكن بعض الناس مثل هؤلاء المشركين لما يظن أن السعادة في التفلت من منهج الله لِمَا يجده من لذّةٍ في بعض المعاصي والآثام، ولا يجد الإنسان سعادة في البعد عن الله؛ لأن الله تعالى قال:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ(124)
(سورة طه)

إذا كنا نصدق الله، ونحن نصدق الله ومؤمنون به، فلا يمكن أن نقبل أن إنساناً منحرفاً بعيداً عن الله تعالى يحيا سعادة حقيقية، لذلك إبراهيم بن الأدهم هذا العالم الذي كان ملكاً من الملوك، ثم ترك الملك واستقام على أمر الله وطبق أمره، وهو مدفون في سورية في جبلة، هذا الرجل قال: لو يعلم الملوك ما نحن عليه من السعادة لقاتلونا عليها بالسيوف؛ لأنه وجد السعادة الحقيقية في القرب من الله والأنس بالله.

الفرق بين اللذة والسعادة:
فإذاً ما يجده بعض الناس هي لذات، واللذات دائماً تحتاج إلى مؤثرات خارجية، أما السعادة فلا علاقة لها بالمؤثرات الخارجية، فصاحب اللذة يحتاج دائماً إلى شيء من الخارج يدخل إليه اللذة، فيقول لك: المال، فإذا وجد المال وجد اللذة فإذا افتقر غابت عنه اللذة، أو يقول اللذة في النساء فإذا كبر عمره ذهبت اللذائذ، أو يقول اللذة في الشهرة والمنصب، فإذا عُزل من منصبه ووُضع في بيته يقول لك فقدت كل لذة بعد ذلك؛ لأنه يحتاج إلى مؤثر خارجي، لكن صاحب السعادة سعادته معه.
وجدها النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، قال:

إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
(سورة التوبة)

ووجدها يونس في بطن الحوت إذ قال:

وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87)
(سورة الأنبياء)

وجدها إبراهيم وهو يُحرق في النار، إذ قال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
السعادة تنبع من الداخل
فالسعادة تنبع من الداخل، فهي معك أينما ذهبت، وهذا معنى جميل يقوله اين تيمية رحمه الله لما سُجن قال: ما يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري أي السعادة في داخلي، إن أبعدوني فبعدي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فالسعادة في الرضا، السعادة في التسليم لأمر الله، السعادة في أنك مع الله:

قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
( سورة التوبة )

فلذلك ما يجده بعض أهل اللذائذ من تلك اللذات، ويسمونها سعادة هذه ليست المعنية بحديثنا، فقال: ﴿مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ﴾ فالسعادة في القرآن والشقاء في البعد عن المنهج.

الأمر الرابع: اتباع الهدى:
وأما الرابعة فهي اتباع الهدى، فلا يجتمع الشقاء مع اتباع الهدى:

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ(123)
(سورة طه)

أي لا يضل في الدنيا والضلال شقاء ولا يشقى في الآخرة، وفي آية ثانية:

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
(سورة البقرة)

فهناك من يتبع الهدى فيسعد، وهناك من يتبع الهوى فيشقى، والإنسان إما متبع للهدى أو للهوى ولا ثالث للأمرين، قال تعالى:

فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
(سورة القصص)

فإذا إنسان لم يستجب لمنهج الله تعالى فهو متبع لهوى نفسه حصراً، أكيد فلا خيار ثالث، وهنا معنى لطيف قد يناسب أن يذكره هنا ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾ ماذا نفعل؟ نراجع المنهج؟ معناها الأوامر صعبة قليلة، لنسهلها قليلاً، لا، ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾ نتركهم ونوقف الدعوة إلى الله لأن الناس لا تستجيب؟ لا، ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ هؤلاء فقط الذين ما استجابوا عندهم هوى نفس، لا تنزل بالمنهج إليهم، تقول تجديد في الدين، ونريد أن نخفف بعض الأوامر، ونترك بعضها، هذا لا يصح، فالمنهج من الله تعالى، فإذا ما استجابوا فهم أتباع الهوى، فالأمر أمر، والنهي نهي، هذا طبعاً الحديث عن الأمور الثابتة، الخلافيات شيء آخر ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾ ﴿فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فمن يتبع هدى الله لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، لا يحزن على ما فات ولا يخشى مما هو آت، وهذه هي السعادة، إذا إنسان الآن يعيش هذه اللحظة، الماضي غير نادم عليه، والمستقبل غير خائف منه لأنه صائر إلى الله، والطريق صحيح ليس هناك ضلال، ومطمئن للآخرة ليس هناك شقاء، فماذا بقي من السعادة؟

الأمر الخامس: خشية الله تعالى:
وأما الخامسة فهي خشية الله، قال تعالى:

سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ (10) وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى (11) ٱلَّذِي يَصۡلَى ٱلنَّارَ ٱلۡكُبۡرَىٰ(12)
(سورة الأعلى)

الخوف من الله فيه سعادة
فالأشقى هنا الأشدّ شقاءً أو الشقيّ، ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ * وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلۡأَشۡقَى﴾ فمع الخشية ليس هناك شقاء، الذي يخاف الله تعالى لا يشقى، على فكرة أي خوف فيه شقاء إلا الخوف من الله ففيه سعادة، يعني إذا إنسان جالس في بيته وخائف من إنسان عليه مطالبة، وممكن تقضى بأي لحظة هذا شقاء، لكن إذا كان خائف من الله في جوف الليل ويصلي له ركعتين فهذا سعادة، فكل الدموع التي تُذرف خوفاً من الناس شقاء، إلا الدموع التي تُذرَف خوفاً من الله فهي علوّ ورفعة عند الله.
انظر إلى الحجيج في بيت الله الحرام، ملايين، كثير منهم يبكي، إذا شخص نظر إليهم وهو لا يعلم حالهم يقول مساكين خائفين يبكون، لديهم حزن وهم في أسعد لحظات حياتهم في تلك اللحظة، لأن الخشية من الله عز وجل سعادة، أما الخوف والخشية من الناس شقاء:

ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ (173) فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ (174)إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (175)
(سورة آل عمران)

فالخوف من الله سعادة، والخوف من الناس شقاء.

الأمر السادس: تقوى الله تعالى:
وأما السادسة والأخيرة والتي لا يجتمع شقاء معها فهي تقوى الله تعالى، قال تعالى:

فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ (14) لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى (15) ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (16) وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى (17)
(سورة الليل)

الأتقى هنا في بعض أسباب النزول مما صحّ أنه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الأتقى، لكن طبعاً العبرة بعموم اللفظ، لا لخصوص السبب، فكل إنسان هو تقي فهو في مأمن من الشقاء، وكل بعيد عن التقوى فهو شقي، فإما تقي أو شقي، وإن الله تعالى يحب العبد التقي الغني الخفيّ الحفيّ.

{ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ، الغَنِيَّ، الخَفِيَّ. }

(صحيح مسلم)

الغني ينفق ماله في طاعة الله
الغني ليس الغني الذي معه مال؛ لأنه لو كان يحب الغني لأحب قارون، طبعاً ربنا يحب الغني الذي ينفق ماله في طاعة الله، يحب سيدنا عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، لكن ليس كل غني يحبه الله، فالغنى غنى النفس، الغني بنفسه، بقناعته، برضاه عن الله.
التقي معروف.
والخفيّ برواية، والحفي برواية أخرى، الحفي الوَصول لرحمه، يحتفي برحمه يحبه الله، حفيّ، والخفي الذي يعبد الله تعالى دون أن يظهر ذلك للناس، فينفق نفقته فيخفيها فلا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، فهذا خفي، وهناك حفي وتقي وغني.
فربنا جل جلاله جعل الإنسان بين تقي وشقي:

وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى (17) ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ (18)
(سورة الليل)

فمن يتقِ الله تعالى ينجُ من الشقاء ﴿فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ * لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى * ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى﴾ فالتقى لا يجتمع مع الشقاء.
فهذه آيات ستٌّ تتحدث أو ورد فيها لفظ الشقاء، فإذا كان الإنسان باراً بوالديه يدعو الله تعالى، يقرأ القرآن ويتدبره، يتبع هدى الله، يخشى الله، يتقي الله، فهو في معزل عن الشقاء، قال تعالى:

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
( سورة النحل)

الحياة حياة الإيمان
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ وهذه سنن، وبالعرف الحديث قوانين، "من... فله"، قانون ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ حياة الإيمان، أما المعرض عن الله ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾ ما قال فإن له حياة لأنه في الأصل غير حي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
( سورة الأنفال)

فالحياة حياة الإيمان، أما الشقي المنحرف العاصي ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ يعني يأكل ويشرب وينام، يعيش لكن لا يحيا، وهذه المعيشة رغم ما فيها من الملذات هي ضنك.
ولما سئل بعض الصالحين ما هي المعيشة الضنك؟ قال: انقباض القلب، فإذا كان في اللذائذ وبين أصحابه عنده الملذات ينسى، فإذا عاد واختلى بنفسه عاد إليه انقباض الصدر؛ لأن المعصية لا يمكن أن تورث إلا ضيقاً في القلب، وأما الطاعة فلها نور في الوجه، وسعة في الرزق، وانشراح في الصدر.
والحمد لله رب العالمين.