مع إبراهيم عليه السلام

  • محاضرة في الأردن
  • 2023-06-19
  • عمان
  • الأردن

مع إبراهيم عليه السلام

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات وبعد:
فيا أيها الإخوة الأحباب هذه الأيام المباركة يرتبط الحديث عنها بنبي من أنبياء الله تعالى، وهذا النبي الكريم صلى الله عليه وعلى نبينا هو إبراهيم عليه السلام، والحقيقة أنه ما من نبي نذكره بالتوازي مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونكرر ذلك في كل صلاة من صلواتنا فرضاً أو نفلاً إلا نبي الله تعالى إبراهيم، فنقول في الصلوات الإبراهيمية، نسمي صلواتنا باسمه، نقول: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد".

مكانة سيدنا إبراهيم عليه السلام:
هذا النبي المسلم له مكانة كبيرة في ديننا كأنبياء الله جميعاً، لكن نخصه بالذكر في صلواتنا دوناً عن بقية الأنبياء عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم السلام، ذلك أن هذا النبي الكريم له جولات، وله صراعات مع الباطل وأهل الباطل، وهو حنيف ومسلم، وقد ذكره الله تعالى في كتابه بأوصاف فقال جل من قائل:

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)
(سورة النحل)


صفات سيدنا إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم:
أولاً- كان أمة:
فوصفه بخمس صفات؛ الصفة الأولى أنه كان أمة، هناك إنسان يكون فرداً، يعيش لنفسه، يأكل ويشرب ويتمتع، وهناك إنسان يكون أسرة، وهذا أمر جيد، فيعيش من أجل أسرته، يعرّفهم على الله، يحببهم بدين الله، يبني فيهم العقيدة الصحيحة، السليمة، يهيئ لهم أسباب العيش الكريم فيكون أسرة، وهناك إنسان يكون عائلة، فتتسع همومه إلى عائلته، فيتفقد أرحامه، ويتفقد أبناء عمومته وأبناء أخواله فهو عبارة عن عائلة، هو فرد لكنه عائلة، وهناك إنسان يعيش هم الأمة، فهو أمة بمفرده، والله تعالى يقول:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)
(سورة آل عمران)

فخيرية هذه الأمة مستمدة من أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، فإذا تركت هذه الفريضة السادسة كانت أمة كأية أمة من الأمم:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
(سورة المائدة)

عزة الأمة ومناعتها بطاعتها لله
وعندما تقول أمة الإسلام نحن أحباء الله تعالى، ونحن الأمة المختارة، ونحن أمة آخر الزمان، ونحن أمة الشفاعة، ثم يتركون العمل بكتاب الله تعالى، وبسنة رسوله يأتيهم جواب كهذا الجواب ﴿بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾، فالأمة يكون عزها، وتكون مناعتها، وتكون رفعتها بطاعتها لله، فإبراهيم كان أمة بهذا المعنى، كل إنسان يمكن أن يكون فرداً أو أسرة أو عائلة أو أمة، فلْيَختر لنفسه همه، فليختر الهمّ الذي يحمله.
ومن زاوية أخرى الأمة هو الإمام في الخير، الذي يأتمّ الناس به، فكن أمة بمعنى كن قدوة للناس، إماماً في الخير، لذلك قال عبد الله بن مسعود يوماً: "إن معاذ بن جبل كان أمة قانتاً لله حنيفاً"، فقال أحد الجالسين: غلط أبو عبد الرحمن، إنما قال الله تعالى ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ﴾ فأعادها ابن مسعود وقال: "معاذ بن جبل كان أمة"، فعلمت أنه تعمّد ذلك، فسألته فقال: "كنا نشبه معاذاً بإبراهيم لأن معاذاً كان أمة في الخير"، قدوة في الخير، ولأنه كان مطيعاً لله تعالى.
فالأمة والإمام في الخير، وفي المقابل هناك إمام في الشر، هذا فرعون: يقدم قومه يوم القيامة إماماً:

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)
(سورة هود)

فالإنسان إما أن يكون إماماً في الخير فيقدم أسرته يوم القيامة فيدخلهم الجنة، أو -والعياذ بالله- يكون إماماً بالشر فيقتدي الناس به فيدخل النار هو ومن معه، ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ هذه الصفة الأولى.

ثانياً- كان قانتاً لله:
﴿قَانِتًا لِّلَّهِ﴾ والقانت هو المطيع لله، فإن أردت أن تكون من أتباع إبراهيم عليه السلام فكن مطيعاً لله تعالى، تأتي ما أمرك الله به، وتجتنب ما نهاك الله عنه ﴿قَانِتًا لِّلَّهِ﴾.

ثالثاً- كان حنيفاً:
﴿حَنِيفًا﴾ الحنيف هو المائل، ومنه الرجل الأحنف الذي عنده عرجة في المشي، أو تقوّس في الظهر، فالأحنف هو المائل، وإبراهيم كان حنيفاً بمعنى أنه كان يميل عن الشرك وأهل الشرك إلى أهل الحق والخير، يميل إلى الحق وأهله، وهذه فريضة في الإسلام نفتقدها اليوم، وهي عقيدة الولاء والبراء.

عقيدة البراء والولاء:
كل الناس عندهم ولاء وبراء
كل الناس في الأرض عندهم عقيدة الولاء والبراء، لكنهم يعيبون على الإسلام وأهله أن عندهم هذه العقيدة فيقولون: يا أخي كونوا أهل الحب والخير، القضية ليست في أننا أهل حب وخير، نحن أهل حب وخير، بل نحن أهل السلام، بل نحن أهل حب الخير لكل الناس، لكن القضية متعلقة في ولائنا وبرائنا، فنحن نوالي الدين وأهل الدين وأهل العقيدة، ونتبرأ من أهل الشرك والنفاق والشك والريب، هذه عقيدتنا، كل الناس عندهم ولاء وبراء، أي إنسان اليوم في الأرض يقول لك أنا أحب فلان ولا أحب فلان، أي إنسان اليوم يتنمي إلى حزب يساري، قومي...إلخ يقول لك نحن جماعة الحزب الفلاني، والحزب الآخر ليس جيداً.
اذهب إلى أمريكا والتي هي على رأس العالم المتحضر كما يزعمون إلى آخر دولة في إفريقيا، كلهم يميلون إلى شيء ويدعون شيئاً، هكذا فطر الله الناس، ينتمون إلى جهة، جاء الإسلام ليجمع الناس على العقيدة الصحيحة السليمة، على الله:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
{ نهار بن توسعة }
الإسلام لا يريد منا أن نتجمع على مصادر الطعام والشراب كما تتجمع الأحزاب كلها اليوم، من يحقق اقتصاد أكبر، من يحقق رفاهية أكبر، قطعان الغنم -أجلكم الله- تتجمع على مصادر الكلأ والماء، فإذا كانت العقيدة هي تجمع على مصادر الطعام والشراب:

أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
( سورة الفرقان)

لكن أراد الله تعالى أن نجتمع على ما هو أرقى بكثير من هذه القضية، وهي القضية الدين، انتماء للدين، انتماء للإسلام، انتماء إلى الله:

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (80)
(سورة آل عمران)

نحن نجتمع على الله تعالى
هذه عقيدة الولاء والبراء، حتى النبي لا يملك وليس له ذلك، ﴿مَا كَانَ﴾ يعني ليس من شأنه ولا ينبغي له أن يُعبِّد الناس لذاته، فيقول أنتم جماعة النبي الفلاني، لا نحن جماعة الله، نحن ربانيون، ونحن نحب رسول الله لأنه رسول الله، لأنه يدلنا على الله، لأنه يقربنا من الله، لأنه الواسطة، لأنه الباب إلى الله، لكن نحن نجتمع على الله تعالى، هذه أعظم عقيدة، مادمت سأوالي وسأتبرأ، أوالي من يستحق الولاء، وأتبرأ ممن يستحق التبرّؤ، وعقيدة البراء لا تعني عقيدة الحرب، فتبرئي من الكفار والمنافقين لا يعني بالضرورة أني سأحمل السيف عليهم:

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
(سورة البقرة)

ولكنني أنتمي إلى الإسلام وأهله، ولا تعني أنني سأعاديه أصلاً لأن الله تعالى يقول:

لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
(سورة الممتحنة)

لكنني في النتيجة مسلم، أنتمي لديني، أنتمي لإخوتي المؤمنين، فأواليهم ولو كانوا ضعفاء، وفقراء، وأتبرأ من الكفار والمنافقين ولو كانوا أغنياء وأقوياء، أوالي الإيمان وأهل الإيمان، فإبراهيم عليه السلام كان حنيفاً بهذا المعنى، يتجه إلى الحق وأهل الحق، أما العقيدة المائعة؛ كل الناس إخوة، نعم كل الناس إخوة في أنه أخي في الإنسانية، لكن عندي أخي في الإسلام، هذا له مكانة مختلفة، له معاملة مختلفة، له حقوق مختلفة، وواجبات مختلفة، وذاك له إخوته الإنسانية، لكن في النتيجة لابد أن يتجمع الناس على شيء، نحن نتجمع على الله، فكل مَن يقربنا مِن الله ويدلنا على الله نواليه، وكل من يعادي الله، ويعادي الحق، ويعادي أهل الحق نتبرأ منه، ولا نتجه إليه:

مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ(98)
(سورة البقرة)


رابعاً- كان موحداً:
ونحن نعادي من يعادي الله، ونوالي من يوالي الله، فإبراهيم ﴿كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ إبراهيم كان موحداً، إبراهيم ما كان يقول إن الله ثالث ثلاث، وإبراهيم ما كان يقول يد الله مغلولة، وإبراهيم ما كان يقول إن عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات والسلام إله، إبراهيم كان موحداً ولم يكن من المشركين، فإذا أردت أن تكون على دين إبراهيم فأنت على دين الإسلام حتماً، دين إبراهيم عليه السلام هو دين الإسلام، ودين الإسلام هو دين إبراهيم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء مصدقاً لما بين يديه، والقرآن جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتب، فالذي يتبع الإسلام هو في الحقيقة يتبع دين إبراهيم عليه السلام، بل دين الأنبياء جميعاً، لأن الدين عند الله هو الإسلام.

خامساً- كان شاكراً لأنعم الله:
من أعظم المنن علينا أننا أمة الشكر
وآخر صفاته التي ذكرها القرآن هنا قال: ﴿شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ﴾ فمن أعظم المنن على إبراهيم عليه السلام وعلينا أننا أمة الشكر، نحن أمة الحمد والشكر، نشكر الله على نعمائه ﴿شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ﴾ فيستشعر النعمة، ويمتلئ قلبه حمداً، ويشكر الله على نعمه، وأعظم شكر النعم أن تشكر الله عملاً، قال تعالى:

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
(سورة سبأ)

فشكر العمل أرقى أنواع الشكر، وهو أن تشكر الله بعملك، وهبك عيناً تنظر بها إلى الخير والحق، تغضها عن المحارم، وهبك أذناً تسمع بها كلام الله تعالى، وتسمع بها المباحات، ولا تسمع بها المحرمات، ولا غيبة ولا نميمة، وهبك قدماً تمشي بها إلى المساجد، وإلى مجالس العلم، وإلى النزهات المباحة، وغير ذلك، وهبك يداً تحركها في طاعة الله، لا تبطش بها فتظلم بها عباد الله، هذا شكر العمل، وهبك مالاً تنفقه في المباحات وفي الصالحات ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ ﴾ وإبراهيم كان شاكراً لأنعم الله، فنبي الله إبراهيم عليه السلام كان إماماً في الخير، يحمل هم الأمة، يطيع الله تعالى ورسوله، كان حنيفاً مائلاً عن الشرك وأهله إلى الحق وأهله، كان موحداً وكان شاكراً لأنعم الله تعالى، والله تعالى من أسمائه الشاكر والشكور جل جلاله.

الامتحانان اللَّذين مر بهما سيدنا إبراهيم عليه السلام:
وإبراهيم عليه السلام أيها الكرام، مرّ بامتحانين صعبين جداً، أزعم حسب استقرائي أنهما من أصعب الامتحانات التي مر بها أنبياء الله تعالى.

الامتحان الأول: إسكان ذريته بواد غير ذي زرع:
ما دام الله هو الآمر فهو الحافظ والضامن
الامتحان الأول أنه أُمر أن يسكن ذريته بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، ففعل، إبراهيم عليه السلام كان في أعلى حالات القنوت والطاعة لله تعالى، قانتاً لله، تنفيذه لأمر الله من مستوى عالٍ جداً، القضية ليست قضية تنفيذ أمر الله كصلاة الفجر، القضية ليست قضية غض بصر، القضية أنه عندك زوجة، وعندك طفل رضيع متعلق به تعلقاً شديداً، الدنيا كلها في كفة، وهذا الرضيع في كفة، هو جزء منك، تُؤمَر أن تتخلى عنه هو وأمه، ثم تضعه في مكان ليس في بيت آخر وتتركه، لا، في صحراء لا نبت فيها ولا زرع ولا ماء ولا إنس ولا شيء كما جاء في الحديث، في ظل دوحة كبيرة، ضعهم وارجع، الحقيقة هذا ليس بالأمر السهل أبداً، تصوره صعب، الإنسان إذا كان عنده زوجة وولد يعلم ذلك، لكن إبراهيم فعل ذلك منتصراً لربه، منتصراً لدينه، حتى إنه يوم تركهما وولّى، أفل راجعاً وقف عند الثنية، ولم يلتفت، دمعت عينه، فهو أب تناديه هاجر، يا إبراهيم إلى من تتركنا في هذا المكان الذي لا نبت فيه ولا إنس ولا شيء، إلى من تتركنا؟ فلم يلتفت حتى لا تنازعه نفسه فيعود ويخالف الأمر، قانتاً لله، إلى أن قالت له: آلله أمرك بهذا؟ فأشار نعم، قالت إذاً لا يضيعنا، ما دام الله هو الآمر فهو الحافظ والضامن، إذا الأمر إلهي فقد رضينا اذهب، ثم قال:

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37)
(سورة إبراهيم)

وانظر إلى همّ إبراهيم الأول في هذه اللحظة قال﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ أنت الآن وضعت من ذريتك بمكان في صحراء، أول همٍّ ما هو؟ يارب ابعث لهم ماء، لأنهم إن ظلوا ثلاثة أيام بلا ماء يموتون، هو أعطاهم جراب فيه بضع تمرات، وسقاء فيه ماء، يكفيهم بقية اليوم، هذا فقط، فأول ما يخطر في بال الإنسان أن يدعو الله أن يرزقهم الماء، هو يقول: ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ ثم يقول: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ الناحية الاجتماعية، الناس يحيطون بهم حتى يشعروا بالسكينة، والثالثة ﴿وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ﴾ آخر شيء، ثم يربطها في البداية فيقول: ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ يعني أن يرزقهم من الثمرات ليس من أجل أن يأكلوا، ليس من أجل الفائدة الدنيوية المحدودة، أكلوا وانتهى الأمر، لا، لعلهم ينتقلون من النعمة إلى المنعم فيعودون إلى المنعم بالشكر، إلى إقامة الصلاة من جديد، يعني أول الأمر ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ وآخره ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ أي لعلهم يعودون بالشكر إلى من أقاموا الصلة به، فإبراهيم عليه السلام شخصية فريدة متميزة جداً جداً، كل همه الله، كل همه أن يقيم الناس الصلاة، أن يتوجهوا بصلتهم إلى الله تعالى ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾.

الامتحان الثاني: الأمر بذبح ابنه:
الامتحان الثاني الذي خاضه إبراهيم عليه السلام أصعب من الأول، هنا أسكنهم بواد غير ذي زرع، لكن الامتحان الثاني اذبحه، التخلي الأول تخلي مع احتمال النجاة، التخلي الثاني

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103)
(سورة الصافات)

وضع السكين على رأسه وبدأ بالذبح، ما يملك ذلك أن يفعله إلا نبي من أنبياء الله، لا نستطيع ذلك، لكن هذا النبي كُلِّف بالتخلي عن كل الارتباطات الأرضية، يعني هو مخلَص، لله تعالى، يقول لإسماعيل:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102)
(سورة الصافات)

ليس مرة، إني أرى، تكرر، الفعل المضارع تفيد الاستمرارية، يعني كل يوم يتكرر المنام، يبدو أن هناك شيء، ما قال له: إني أمرت أن أذبحك، صعب، ﴿إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ﴾ يوسف عليه السلام قال لوالده يوماً، ليعقوب:

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
(سورة يوسف)

مرة واحدة، الرؤيا جميلة جداً فقصها مرة واحدة، إبراهيم عليه السلام المرة الأولى ما تكلم، تكررت الثانية الثالثة الرابعة ﴿إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ فإبراهيم عليه السلام ذبح ابنه وإن لم يذبحه، لأنه وابنه أسلما لله تعالى واستسلما لأمر الله ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ يعني وضعه على خشبة الذبح:

وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104 ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
(سورة الصافات)

ومن أجل ذلك ما تزال الأمة إلى اليوم تحتفل بعيد اسمه عيد الأضحى تعبيراً عن التضحية في سبيل الله تعالى، ليست تضحية بالولد، التضحية بالذبيحة، بالمال، بمئتي دينار، بمئة دينار، وتقديمها للفقراء:

لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
(سورة الحج)

التضحية هي ترك شيء مقابل شيء آخر
فما تزال الأمة تحيي سنة إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا، وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالأضحية للتعبير عن التضحية؛ أننا نضحي بشيء في سبيل شيء، قيمة عظيمة جداً أن تضحي، قلت سابقاً وأقولها الآن: ليس هناك تضحية بالمعنى الذي يفهمه الناس، أن إنساناً يضحي، بمعنى أنه يترك شيئاً بلا مقابل، هو يضحي بشيء مقابله قليل مقابل شيء مقابله كثير، هو يضحي بمئة دينار ليس إراقة الدم وانتهى، هو يدفع المئة دينار لأنه يعلم أن الله سيخلفها في الدنيا ألفاً ويوم القيامة إلى أضعاف مضاعفة وينميها له ليجدها كجبل أحد، ففي الحقيقة ليس هناك تضحية بالمعنى الذي نفهمه، ضحى بمعنى أنه ترك نهائياً، لا، هو ترك مقابل شيء آخر، بهذا المعنى.

تشريف سيدنا إبراهيم ببناء البيت لنجاحه في التكليف:
إبراهيم عليه السلام لما كان بهذه المواقف هو نفسه الذي أُمر ببناء البيت:

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127)

فإبراهيم عليه السلام لما بادر إلى تنفيذ أمر الآمر كُلِّف ببناء البيت لله تعالى، يعني هذا التشريف كان بناء على نجاحه في التكليف، فنحن إذا أردنا أن يُمكَّن لنا في الأرض على مستوى الفرد، أو على مستوى أمة لابد من التضحية، فإنسان من غير أن يضحي بشيء في سبيل الله تعالى، يُجعَل إماماً في الدين، ويُمكَّن له ويعطيه الله السكينة، ويعطيه القوة والأمن، لا، لا بد أن يختبرك الله تعالى، إبراهيم ابتلي فنجح فأصبح إماماً، وكل إنسان يُبتلَى فينجح يصبح إماماً في الخير، وإبراهيم عليه السلام كان كذلك.

الأضحية وما يتعلق بها من أحكام:
حكمها:
الأضحية عند جماهير أهل العلم سنة مؤكدة
الأضحية سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وهي ما يُذبح من البقر والإبل والغنم من الأنعام، إبل وبقر وغنم، تقرباً إلى الله تعالى بنية الأضحية، والأضحية عند جماهير أهل العلم سنة مؤكدة، فقال بعضهم ومنهم أبو حنيفة رحمه الله تعالى، ورواية عند المالكية وعند الحنابلة: هي واجب على من كان يملك ثمنها فائضاً عن حاجاته الأصلية؛ لأنهم قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ مَن كان له سَعَة، ولمْ يُضَحِّ، فلا يَقْرَبَنّ مُصَلّانا }

(سنن ابن ماجه)

وقالوا هذا لا يتأتّى على ترك السنة، هذا الوعيد لا يتأتّى على ترك السنة، وإنما يتأتّى على ترك واجب من الواجبات، وقال الجمهور بل هي سنة مؤكدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ إذا دخَل العَشرُ الأوَلُ فأراد أحدُكم أن يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعَرِه ولا من بشَرِه شيئًا }

(صحيح مسلم)

فأما من لم يرد ففي سعة من أمره، وقال إن قوله (فلا يَقْرَبَنّ مُصَلّانا) هي من باب التشديد على أمرها، والتأكيد على القيام بها، وليست للتأكيد على وجوبها، وعلى كلٍّ فالاحتياط في أمر العبادات مطلوب، فمن وجد سعة فليضحِّ سواء كانت سنة مؤكدة أو واجب.

وقتها:
والأضحية وقتها يبدأ من بعد صلاة العيد، لا من بعد دخول وقتها، يعني بعد أن تصلي العيد، لو إنسان أخّر صلاة العيد كما في بعض البلاد يؤخرونها إلى قبل الظهر بقليل، وقتها ممتد، نحن نصليها في أول وقتها، فيبدأ وقتها عند من أخّرها من بعد صلاة العيد، بعد أن يؤدي الصلاة، أو يفرغ من الصلاة في مدينته يبدأ وقتها، وينتهي قبل غروب ثالث أيام التشريق وهو رابع أيام العيد الثالث عشر من ذي الحجة، لقوله صلى الله عليه وسلم:

{ كلِّ أيَّامِ التَّشريقِ ذبحٌ }

(ابن كثير وهو ضعيف)

فهي في يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، يعني أربعة أيام العيد، من فجر اليوم الأول إلى ما قبل غروب اليوم الرابع في العيد.

عمّن تجزئ:
وتجزِئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، وتجزئ الإبل والبقر عن الرجل وأهل بيته كحصة من سبع حصص، فيمكن أن يشترك بها سبعة بيوت الإبل والبقر، أما الضأن فله ولأهل بيته، فيضحي الإنسان عن نفسه وعن أهل بيته، فلو كان هو وزوجته وأولاده كلهم يجزئ عنهم الأضحية، لو كان أخته تعيش معه في البيت وينفق عليها فهي معه، وتجزئ عنها، لو كان والداه حيَّين في بيته:

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
(سورة الإسراء)

في بيته، ليس في مأوى العجزة، إذاً تجزئ عنه وعن أهل بيته ممن يعيلهم وينفق عليهم.

سننها:
الأضحية عن الميت فيها خلاف بين أهل العلم
ويُسنّ أن يُشرِك فيها من يشاء من الأحياء والأموات، فيقول هذه عني وعن أهل بيتي وعن والديّ المتوفيين، أو عن عمتي التي توفاها الله، وأما الأضحية عن الميت بمعنى أن يضحي الإنسان بأضحية خاصة عن المتوفى ففيها خلاف بين أهل العلم، والصحيح جواز ذلك، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، أن يضحي الإنسان عن ميت ولو لم يوصِه، فيقول هذه السنة توفي خالي قبل عيد الأضحى بشهرين وأنا أحب أن أضحي له أضحية خاصة به، غير الأضحية التي يضحي بها لنفسه، فيقول هذه عن خالي فيضحي عنه ويجزئه ذلك إن شاء الله، وقال الشافعية إن أوصى نضحي عنه، وإن لم يوصِ لا نضحي عنه، والراجح جواز الأضحية عن الميت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى وقال:

{ شَهِدْتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ الأَضحى بالمصلَّى، فلمَّا قَضى خطبتَهُ نزلَ من منبرِهِ، وأُتِيَ بِكَبشٍ فذبحَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بيدِهِ، وقالَ: بسمِ اللَّهِ واللَّهُ أَكْبرُ، هذا عنِّي، وعمَّن لَم يضحِّ من أمَّتي }

(صحيح أبي داوود)

شمل بها الأحياء والأموات، فيجوز الأضحية عن الميت.

شروطها:
اختيار الأضحية سليمة من العيوب
ويُشترط في الغنم أن تكون قد بلغت ستة أشهر وطعنت في الشهر السابع، وفي الإبل والبقر خمس سنوات وقد تجاوزتها، ويشترط أن تكون سليمة من العيوب الظاهرة؛ العجفاء، النحيلة جداً، المريضة، الهزيلة من المرض، العرجاء، العوراء، هذه العيوب التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، وأما العيوب البسيطة فالأفضل أن تكون الأضحية خالية من العيوب البسيطة، لكن لو وجدت كأن تكون ذات أذن مقطوعة، أو جرح في الوجه أو كذا، هذه لا حرَج فيها، لكن الافضل أن يتخير الإنسان أضحية سليمة من العيوب ليقدم قربانه إلى الله تعالى.
هذه بعض أحكام الأضحية، ونحن تحدثنا عن نبي الله تعالى إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم.
ويُسنّ لمن أراد أن يضحي ودخل العشر أن يمسك عن شعره وأظافره حتى يضحي، يعني بغروب شمس ثلاثين أو تسع وعشرين ذي القعدة، دخل العشر وأثبتوا أن غداً الأول من ذي الحجة وهو يريد أن يضحي، نوى الأضحية، فيُسنّ له أن يمسك عن شعره وأظفاره، وقال الحنابلة يجب عليه ذلك، وقال غيرهم: يسن ويستحب له، والراجح هو السنية، بمعنى أنه لو لم يمسك فأضحيته صحيحة، لكنه يُثاب على الالتزام بسنة رسول الله، والحكمة من ذلك تعبدية، تعبداً لله تعالى، ولعلها تشبيه بالمُحرِم، لنكون مع بعض كأمة واحدة، هو محرم في حجه، وأنت مُحرم ببعض الإحرام، لكن ليس بكل الإحرام، يعني لا يُسنّ له أن يعتزل زوجته، أو أن يترك العطر مثلاً، أو المخيط والمحيط، ليس كل المحظورات، بعض الناس يقول أحرمت، لا ما أحرمت، هذه سنة خاصة فيها بعض الإحرام وليس كله.
وأحياناً هناك من يوكل غيره بالأضحية فيقول وكلتك بالأضحية، فالذي سيذبح يسأل هل أمسك عن شعري وأظافري؟ لا، الذي سيدفع هو الذي سيمسك، صاحب الأضحية، صاحب المال، هو الذي يسن له الإمساك، وليس أنت، أنت موكل إلا إذا كنت ستضحي عن نفسك، هذا شيء آخر.
ويسن أن تكون الأضحية في بلد الإنسان، لكن إن كان هناك حاجة ماسة في بلد آخر وفقر شديد، وهناك ما يدعو للحاجة فأجاز أهل العلم ذلك، ويسن للإنسان أن يأكل من أضحيته، فإذا ذبحها فليأخذ شيئاً منها، وليأكل منها بعد العودة من صلاة العيد، فيأكل مع أهله منها.
وقد كان فعل الصحابة الكرام ومنهم العباس رضي الله عنهما أنهم يقسمونها أثلاثاً ثلاثة، فيجعلون ثلثاً لبيتهم يكفيهم أسبوع العيد، ويوسعون فيه على عيالهم، والثلث الآخر يطعمون منه أقاربهم، هدية من الأضحية، ولو لم يكونوا فقراء، والثلث الآخر يتصدقون به على الفقراء والمساكين، وهذه من المستحبات، فلو أن إنساناً ذبح أضحيته وأراد أن يأكلها كلها فأضحيته صحيحة، وإن ذبحها وأراد أن يتصدق بها كلها فأضحيته صحيحة، لكن هذا من المستحبات في الأضحية.
والله تعالى أعلم، هذا ما استحضرته عن بعض أحكام الأضحية، وكل عام وأنتم بخير وأنتم الخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.