وصية لقمان لابنه

  • محاضرة في السعودية
  • 2017-10-28
  • جدة
  • السعودية

وصية لقمان لابنه


تعريف بالعقيقة :
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
مَـن فاتهُ مِنـك وَصلٌ حظـهُ النّــــدم ومَـن تـَكـُن هَـمّـه تـسمـو بـه الهِـِـمَـــمُ وناظـرٍ في سـوى مَعـناك حُـقّ لــه يُــقـتـصّ مِـن جَــفنه بالدمـع وهـو دمُ في كـُـل جارحة عـيـنٌ أراك بـهـــــــا مِـنـّى وفـى كـُـل عـضـو للثـنـاء فـَــــمُ فـإن تكلـمـت لـم أنـطِـق بغيركـــــــم وإن ســـكتُّ فـشغـلـي عنـكـمُ بكــــــــــــمُ أخذتـُـم الروح مـني في مُـلاطــفــة فـَـلستُ أعـرف غـَــيراً مُـذ عَـرفتكــــــمُ تركـتُ كـل طريـقٍ في محبتـكـــــــم إلا طـريـقـــاً تــُودي بي لِـرَبــعِـكــــــُــــمُ ***
{ علي بن وفا رضي الله عنه }
ما هي العقيقة؟
وبعد فيا أيها الأخوة الكرام؛ نحن في مناسبة عقيقة، والعقيقة هي شعر المولود الذي يُزال عنه في اليوم السابع، ويُتصدّق بوزنه، ثم سميت الذبيحة التي تذبح في اليوم السابع عقيقةً، وعن بعض الصحابة أنها تذبح في الرابع عشر، أو في الواحد والعشرين أيضاً، سميت عقيقة لأنها ترافق إماطة الأذى عن رأس المولود، حلق الشعر، وهي سنةٌ مؤكدة عند جمهور الفقهاء، وقال بعضهم بوجوبها للمستطيع القادر عليها.

وصية لقمان لابنه في القرآن الكريم :
1 ـ التوحيد و عدم الإشراك بالله :
إخواننا أحببت في هذا اللقاء الطيب وكلكم عندكم أولاد أو سيكون عندكم أولاد إن شاء الله، أن أتحدث عن وصيةٍ في القرآن الكريم عظيمة النفع، يقول تعالى جلّ من قائل:

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
[ سورة لقمان:13 ]

الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه
لقمان حكيمٌ يوصي ابنه، قال: (يَا بُنَيَّ) يتحبب له، يتودد له، فإذا أردت أن تنصح فابدأ بالتحبب والتودد، ونادِ ابنك بأحبِّ الأسماء إليه، (يَا بُنَيَّ) بُنَيَّ: تصغير تَوَدُّدْ، (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) بدأ لقمان مع ابنه بأهم شيء وهو العقيدة، التصور الصحيح، وأهم ما في العقيدة التوحيد، فقال:( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ما الظلم؟ الظلم لغة أن تضع الشيء في غير موضعه، فما أعظمَ الظلم عندما يضع الإنسان حاجاته ببابٍ غير باب الله جل جلاله! وما أعظم الظلم عندما يحجب الإنسان نفسه عن ربه! وما أعظم الظلم عندما يُسخِّر هذه النفس التي خلقها الله عز وجل لرضا غير الله عز وجل! هذا أعظم نوعٍ من أنواع الظلم، (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) أعظم ظلمٍ يمكن أن يظلمه الإنسان لنفسه ولغيره أن يقع في الشرك، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، والتوحيد ليس كلمة تقال، بل إن التوحيد علم، قال تعالى:

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
[ سورة محمد: 19 ]

لم يقل له فقل:لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ، بل قال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ)، التوحيد علم، أن تدرك يقيناً أنه لا يعطيك إلا الله، ولا يمنعك إلا الله، ولا يخفضك إلا الله، ولا يرفعك إلا الله، ولا يُعزُّ إلا الله، ولا يُذلُّ إلا الله، الله وحده فقط:

قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
[ سورة الأنعام: 91]

التوحيد علم
الإنسان أحياناً يشرك من غير أن يشعر، الشرك الجلي انتهى في العالم الإسلامي إلى غير رجعة إن شاء الله يقول صلى الله عليه وسلم:

إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلكن قَدْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِمُحَقِّرَاتٍ
[مسند البزار بسند حسن]

إنسان يتوجه إلى حجر في العالم الإسلامي على الأعم الأغلب غير موجود، إلى القمر، إلى الشمس، غير موجود، لكن شهوةٌ في القلب وأعمالٌ لغير الله، هذا الشرك الخفي، وهو أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، أول نصيحة يتوجه بها لقمان لابنه (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) هذه النصيحة الأولى.

الأمور كلها بيد الله عز وجل :
إخواننا مع التوحيد ينفع قليل العمل و كثيره، ومن غير توحيد لا ينفع لا قليل العمل ولا كثيره:

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
[سورة النساء: 48]

هل ضاقت رحمة الله أن يغفر للمشرك؟ حاشاه ربي أن تضيق رحمته، إذاً لماذا لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ؟ سأضرب مثلاً من بلدي، لو أن إنساناً خرج من دمشق باتجاه حلب، ركب مقصورة القطار، تفاجأ أنه أخطأ، هو حجز في الدرجة الأولى، لكنه جلس في الدرجة الثانية دون أن يعلم، هذا خطأ؛ لكنه خطأ مغفور، لماذا؟ لأن القافلة تسير باتجاه حلب، أي إن الطريق صحيح، ثم اكتشف أنه أخطأ خطأ ثانياً؛ كان يجب في الحجز أن يختار مقصورةً فيها طعام، هناك مقصورات فيها طعام وهو جائع، هذا خطأ ثان يتحمله، لكن اتجاه القطار إلى حلب، الأمور بخير، ثم اكتشف أنه أخطأ خطأ ثالثاً؛ جلس في مقصورة مع مجموعة شباب يلهون ويعبثون ويصرخون فما ارتاح له بال، كان يمكن أن ينام في الطريق، هذا خطأ ثالث لكنه مغفور، لأن القطار يسير باتجاه حلب، أما لو أنه أخطأ وركب الحافلة المتجهة إلى درعا جنوباً، فهذا خطأ لا يغفر، لأنه اتجه بعكس الاتجاه الصحيح.

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
[سورة النساء: 48]

أنت يمكن أن تذنب ذنوباً يغفرها الله، لكن أن تتجه لغير الله فالطريق غير سالكة أصلاً، أنت اخترت الطريق المعاكس تماماً.

إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
[ سورة لقمان:13 ]

الأمر بيد الله
هذه الوصية الأولى، وصية التوحيد، إذا أردت أن تبدأ مع ابنك في البناء، فابدأ بالتوحيد، ستسألني: كيف؟ سأعطيك مثالاً رواه لي مرّة صديق عزيز، قال لي: ابنتي في البيت قالت لي: بابا اشترِ لي ثوباً من أجل العيد، قال لها الأب: أنا لا أملك مالاً، اسألي الله عز وجل أن يرزقني مالاً لآتيك بما تريدين، الأمر بيده وحده، قال لي: استيقظت على الفجر فوجدت ابنتي الصغيرة تصلي وتدعو الله: يا رب ارزقني فستاناً جميلاً، الطلب من الله، قال لي: والله في الصباح رزقني الله، وهذا واقع، وهو لا يكذب عليها، الرزق بيده وحده، فقال: اشتريت لها فستاناً برزق الله عز وجل، وعلمها درساً، ليس المثال للحصر، ولكن في كل شيء يمكن أن توجه ابنك إلى أنه لا يوجد إلا الله، الأب عندما يتابع الأخبار مساءً على إحدى الشاشات ويقول: الأمور بيد أمريكا، ولا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً، وأمريكا الذي تريده يحصل، أين الله عز وجل؟! فهذا الطفل نشأ على أن أمريكا المتحكمة بالعالم وليس ربنا عز وجل، أمريكا لن تفلت من قبضة الله:

وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
[ سورة الأعراف: 183]

الأمور بيد الله عز وجل، الأمور ليست بيد أمريكا ولا غيرها، مهما بدا للناس ضعاف النظر أن الأمور بيد غير الله، لكن الحقيقة أن الأمور بيد الله عز وجل وحده، لذلك إخواننا (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) هذه الوصية الأولى.

بر الوالدين :
ثم يقول تعالى:

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
[ سورة لقمان:14-15 ]

التوجيه ببر الوالدين
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ) ضعف (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) فطامه (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) يوجهه إلى بر الوالدين (إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) رجعنا للتوحيد، من أعظم شخصين في الحياة لهما حقٌ عليك بعد الله؟ والداك، وإذا أمراك بما يخالف شرع الله (فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) أعاده إلى المربع الأول مربع التوحيد، وإن كانا والديك، لكن لا ينبغي أن تكون طاعة الوالدين مقدمةً على أمر الله فما بالك بغيرهما؟!

2 ـ مراقبة الله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى :
ثم يقول له:

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
[ سورة لقمان:16 ]

الآن دخل معه بالتفاصيل؛ الآية الأولى: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) عموميات، أما الآن فالتفاصيل.
الله عز وجل يراك حيث كنت
يعلّمه مفهوم المراقبة، أن الله عز وجل يراك حيث كنت، يقول سهل التستري: كنت أنظر إلى خالي محمد بن سوار، وأنا ابن ثلاث سنوات وهو يصلي فتعجبني صلاته، فقال لي يوماً: ألا أعلمك شيئاً؟ قلت: نعم، قال: إذا أويت إلى فراشك فقل ثلاث مرات: الله شاهدي، الله ناظرٌ إليَّ، الله مطلعٌ عليّ، تربية بالتلقين؛ ولد صغير، الله شاهدي، الله ناظرٌ إليّ، الله مطلعٌ عليّ، قال: فداومت عليها، ثم لما بلغت سبع سنوات قال: يا بني اجعلها سبع مرات كل يوم، الله شاهدي، الله ناظرٌ إليّ، الله مطلعٌ عليّ، قال: فوجدت حلاوتها في قلبي، ثم قال لي خالي- عندما وجد منه نبوغاً قال له-: من كان الله شاهده وناظراً إليه ومطلعاً عليه، أيعصيه؟ قلت: لا، قال: إياك والمعصية، هذا مفهوم المراقبة.
أخواننا الكرام؛ هناك صحابي جليل اسمه عمير بن سعد، عمير بن سعد عندما صار كبيراً، صار والياً على حمص السورية، فهذا الشاب الصغير كان عمره عشر سنوات، له قصة جميلة جداً، توفي والده وهو صغير فأصبح يتيماً منذ نعومة أظفاره، فلما بلغ عشر سنوات تزوجت أمه من ثريٍّ من أثرياء المدينة يسمى الجُلَّاس بن سُوَيْد، هذا الرجل أحب عميراً حب الأب لابنه، وأغدق عليه من عطائه ما أغدقه، كما أحب عميرٌ الجُلَّاس حبّ الابن لأبيه، فكان يبره ويحبه ويطيعه، وسارت الأمور على هذا النحو على ما يرضي الله ورسوله، إلى أن حصلت مفاجأة، النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخرج إلى غزوة تبوك، وغزوة تبوك كانت في جو حار، والطريق صعب وطويل، وكان المنافقون يثبِّطون في المدينة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يخرج إلى غزوة وَرَّى بغيرها، أي لا يقول أين يذهب، فالحرب خدعة، لا ينبغي أن يفصح الإنسان عن وجهته، إلا في هذه الغزوة أوضح للناس وجهته حتى يتأهبوا، لأن الطريق طويلة، والجو حار، فلابد من استعدادات، فأوضح للناس وجهته، عمير يتجول في أزقة المدينة يرى عجباً عجاباً، يرى رجلاً يمسك فراشه، يبيعه ويتصدق بثمنه لتجهيز الغزوة، امرأة تأتي بحُليّها تُلقيها بين يدي رسول الله، وتقول: خذها وأنفقها في سبيل الله، أشخاص يأتون بمالهم جميعاً، ماذا أبقيت؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله.

{ عن عمرَ بنَ الخطَّابِ قال: أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يومًا أن نتصدَّقَ، فوافقَ ذلِكَ مالًا عندي، فقلتُ: اليومَ أسبِقُ أبا بَكْرٍ إن سبقتُهُ يومًا، فَجِئْتُ بنصفِ مالي، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ما أبقيتَ لأَهْلِكَ؟ قلتُ: مثلَهُ، قالَ: وأتى أبو بَكْرٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ بِكُلِّ ما عندَهُ، فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ ؟ قالَ: أبقَيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ، قلتُ: لا أسابقُكَ إلى شيءٍ أبدًا }

[سنن أبي داود بسند صحيح]

هذا يتصدق، هذا يعطي، لكن تفاجأ بشيء أن عمه الجُلَّاس لا يفعل شيئاً، ولا يتصدق بدرهم، وعمه ثري من الأوس، الموقف غريب، عمير طفل صغير، عمره عشر سنوات، انظروا إلى التربية على التوحيد والمراقبة، ماذا يفعل؟ فقال: لعلي أشجع عمي لعله نسي، فجلس في البيت وصار يقول: والله رأيت اليوم كذا وكذا، هذا يبيع فراشه، وتلك امرأةٌ تقدم حُليَّها، فالجُلَّاس بن سُوَيْد بكل برودة دم كما يقال التفت إليه وقال: والله إن كان محمدٌ صادقاً فيما يقول فنحن شَرٌّ من الحُمُر! أي من الحمير، الله أكبر، إنها كلمة الكفر، كفر بواح، إن كان محمدٌ صادقاً فيما يقول فنحن شَرٌّ من الحُمُر، الآن عمير كأن الصاعقة نزلت عليه، ابن عشر سنوات احمرّ وجهه، ماذا يفعل؟ أصبح يراود نفسه، إن أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم خُنت عمي الذي رباني وأغدق عليّ، وإن سكت عنه خنت الله ورسوله، تأخذه فكرة وترجعه فكرة إلى أن وقف وقال: يا عم والله ما على ظهر الأرض بعد محمدٍ أحدٌ أحب إليَّ منك، ولكنك قلت كلمةً هي الكفر، فإن سكت عنك خنت الله ورسوله، وإن أخبرت عنك أخاف أن أعقك، ولكني عزمت أمري وسأخبر رسول الله فافعل ما بدا لك، وتدبّر أمرك، عشر سنوات! ذهب إلى رسول الله وهو مع أصحابه، دخل عليه قال: يا رسول الله، عمي الجُلَّاس قال: إن كان محمدٌ صادقاً فيما يقول فنحن شرٌّ من الحمر، استدعاه رسول الله، ائتوني به، جاء الجُلَّاس والصحابة جلوس، قال: يا جُلَّاس ما هذا الذي بلغني عنك؟ أأنت قلت كذا وكذا؟ قال: يا رسول الله والله ما قلت شيئاً من ذاك، غلامٌ يكذب، ما قلت شيئاً، الصحابة أصبحوا قسمين، قسم يقول: والله ما عرفناه إلا فتى صادقاً في المساجد، وليس من المعقول أن يكذب، وقسم آخر يقول: فتى عاق، أبى إلا أن يقطع اليد التي امتدت له بالخير، الآن النبي صلى الله عليه وسلم- هنا المفاجأة- لا يوجد عنده جواب، لمن يحكم؟ هل قالها أم لم يقلها؟ غشيته السكينة إذاً الوحي، الله أكبر، الوحي يتنزّل من أجل عمير، عشر سنوات، جبريل من فوق سبع سماوات، وحي يتلى إلى يوم القيامة من أجل عمير، ما هو الوحي؟ سورة التوبة:

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ
[ سورة التوبة: 74]

هنا الجُلَّاس عندما تلا النبي صلى الله عليه وسلم الآيات وقف مصدوماً، عمير استبشر، الوحي نزل من أجله، قال الجُلَّاس: بل أتوب يا رسول الله، بل أتوب، وأسأل الله أن يغفر لي، الآن يمسك النبي صلى الله عليه وسلم أذن عمير برفق ويقول له: وفّت أذناك ما سمعت يا عمير، وصدّقك ربُّك، قال: أما الجُلَّاس فزاد من بره وعطائه لعمير وكان يقول: هذا الذي نجاني الله به من النار.
التربية بالمراقبة شيء عظيم جداً
هذا طفل تربى في أي بيت! على المراقبة، هذا الرجل نفسه عمير أصبح والي حمص، عيّنه الفاروق والياً على حمص، سنة كاملة ما أتته أخباره، خشي أن يكون هناك شيء، بعث إليه فوجده في أسوأ حال، قال: ائتوني به، جاء عمير بن سعد إلى الفاروق، قال: كيف جئت؟ قال: ماشياً، قال: ما عندك دابة؟ قال: والله ما أعطوني وما طلبت، قال: وكيف جئت؟ قال: جئت أحمل الدنيا معي، قال: الدنيا! قال: نعم، جرابٌ فيه زادي وقصعةٌ فيها وضوئي، هذه الدنيا قال: الحمد لله الذي لم يخيّب ظني بك، أعطاه دنانيراً، ففرقها ووزعها، قال: ماذا صنعت بها؟ قال: وما شأنك بها وقد خرجت لي بها؟ وزعها على الفقراء ولم يأخذ شيئاً، هذا عمير نفسه أصلح الله به مدينة حمص.
أخواننا الكرام؛ التربية بالمراقبة شيء عظيم جداً، أن الله يراك، ربِّ الطفل على ذلك، كنا صغاراً، جميعنا في المدرسة حكوا لنا قصة فيها مغزى وعبرة، قصة بائعة الحليب:
قالت بنية قومي فامزقي اللبـــــــــنا فالماء سوف يزيد الوزن والثمنا قالت لها البنت يا أماه معــــــــــــذرةً فقد نهى عمر أن نخلط اللبــــــــنا قالـت الأم أنى يـرى عمر صنيعـنا؟ إنما الفاروق ليــــــــــس هنــــــــــــــــا قـالـت البنـت: لا تفعـلــــــــــــــــي أبـداً فالله يعـلـم مـنـا الـسر والعلـــــــــــنا إن لم يكن عمر الفاروق يبصرنــا فإن رب أبي حفصٍ هنا معنـــــــــا ***
{ بائعة اللبن - جدة عمر بن عبد العزيز }
أين الله؟! هذه الفتاة سمعها عمر بن الخطاب وكان يَعِسُّ في المدينة يتفقد الرعية ليلاً، فلما سمع قولها في الصباح أتى بأولاده وأقسم ليزوجنها لأحدهم، هذه البنت التي قالت: إن لم يكن عمر يرانا فإن رب عمر يرانا، زوجها لابنه عاصم، من كان من نسلهما؟ عمر بن عبد العزيز، الذي أعاد للخلافة راشديتها، عمر أدرك أن مثل هذه الفتاة التي تقول: إن لم يكن عمر يرانا فإن رب عمر يرانا ستربي شخصاً مختلفاً تماماً، فجعلها زوجاً لابنه.
أخواننا الكرام؛ ماذا قال لقمان؟

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
[ سورة لقمان:16 ]

أدخله بالأسماء الحسنى، تربية بالأسماء الحسنى، اللطيف، الخبير، الرزاق.
التربية بأسماء الله الحسنى
أخواننا الكرام؛ هناك أعراض وهناك أمراض، إذا ذهب شخص ما إلى الطبيب وقال له: رأسي تؤلمني، معي وجع بالرأس، إذا قال له: خذ مسكناً للألم (بانادول) هل يعدّ طبيباً؟ هذا لا يعرف من الطب شيئاً، لأن هذا عَرَض، ألم الرأس ليس مرضاً، إنه عَرَض، ابحث عن المرض، اليوم إذا رأيت الناس يغش بعضهم بعضاً، يأكل بعضهم بعضاً، يظلم بعضهم بعضاً، هذا عَرَض، المرض هو عدم المعرفة بالله، البعد عن الله عز وجل، أي من يعرف أن الله رزاق لا يغش المسلمين، لأن الرزق ليس بيد الناس، الرزق بيد الله، والذي يعلم بأن الله عز وجل قوي لا يظلم أحداً، والذي يعلم أن الله جل جلاله منتقم لا يمكن أن يفكر أن يدهس نملةً بغير حق، فالإيمان بالأسماء الحسنى قال له: (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) خبير فوق العليم، يعلم بواطن الأمور، العلم شيء والخبرة شيء، أي موضوع التربية بالأسماء الحسنى أيضاً له باب طويل، لكن الآن أنا أستعرض الآيات سريعاً (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ):

يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
[ سورة لقمان:17 ]


3 ـ إقامة الصلاة :
(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) الآن دخل معه بالأوامر التشريعية التكليفية بعد التوحيد، لأنه من غير توحيد حتى الصلاة لا تنفع، سامحوني بهذا الكلام، من غير توحيد حتى الصلاة لا تنفع

{ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي، فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ }

[سنن ابن ماجة بسند حسن]

أمام الناس يصلي بشكل جيد، يذهب الناس يغيّر، التوحيد أساس، بعد التوحيد قال: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ).
معنى أقم الصلاة
أخواننا الكرام؛ صلِّ شيء وأقم الصلاة شيء آخر، التعريف الفقهي للصلاة: أفعالٌ وأقوالٌ مفتتحة بالتكبير مختتمةٌ بالتسليم، انتهى، لكن أقم الصلاة، دعونا نعود إلى لغة العرب، العرب كانوا يقولوا: أقام القوم سوقهم، ما معنى أقام القوم سوقهم؟ هل معناها وضعوا البضاعة؟ لا، صنعوا خيمة كبيرة ووزعوا البضائع؟ لا، أقام القوم سوقهم أي لم يعطّلوها من البيع والشراء إذا كان هناك سوق لا يوجد فيه بيع وشراء لم تقم السوق، فإذا لم تنه الصلاة عن الفحشاء والمنكر فإنها لم تقم:

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءَ الْمُنكَرِ
[سورة العنكبوت: 45 ]

صلاة وفحشاء بالقول ومنكر بالفعل أي أنّ الصلاة لم تقم على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، سقط الوجوب وإن لم يحصل المطلوب، أما أقم الصلاة أي أدّ الصلاة كما أمر الله أن تؤدّى، في الحركات، وفي الأفعال، وفي الأقوال، ثم في مقاصد الصلاة الكبرى، وهي أن تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر، الفُحش في الأقوال، والمنكر في الأفعال.
المصلي ليس عنده قولٌ فاحش، والمنكر في الأفعال، لا يفعل أفعالاً منكرة لا يرضاها الله.

4 ـ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:
إذا رأيت معروفاً فشجع عليه
(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ) هذه الفريضة المعطلة، أَقِمِ الصَّلَاةَ، تصلحك الصلاة، ويصلح بها من حولك، لكن هناك فريضة اسمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا رأيت معروفاً فشجع عليه، إذا رأيت منكراً فانهَ عنه، على الأقل ضمن دائرة البيت، ضمن دائرة العمل، ثم وسِّع الدائرة ما استطعت.

5 ـ الصبر :
ثم قال: (وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ) لماذا؟ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يصيبك شيءٌ منه، أي لا تقل: لن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر لأنه صعب، سيؤذونني، سيحاسبونني، (وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

6 ـ الأخلاق العالية والذوقيات والأدبيات المتفردة في الإسلام :

وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
[ سورة لقمان:18 ]

(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا) الآن الذوقيات، تواضع، أخلاق عالية (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ):

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ
[ سورة لقمان:19 ]

(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)هذه الذوقيات.
أولاً: التوحيد، ثانياً: مراقبة الله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، ثالثاً: إقامة الصلاة، رابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خامساً: الصبر، سادساً: الأخلاق العالية والذوقيات والأدبيات في الإسلام، هذا منهج لقمان الحكيم لابنه.

التربية عملية تكاملية وتراكمية و تفاعلية :
الإسلام يرعى المولود منذ كونه فكرةً
أخواننا الكرام؛ عودٌ على بدء، نحن في مناسبة ولادة، أي مولود جديد، هذا المولود الإسلام يرعاه منذ أن يكون فكرةً، عندما يأمر الإسلام الأب أن يحسن اختيار الأم، والزوجة أن تحسن اختيار الزوج، هذا في الأصل رعاية لمن؟ للمولود القادم، ثم يأمر عندما يأتي بحسن اختيار اسمه، ثم يأمر في اليوم السابع بسنن معينة، ثم يأمر بتربيته على الأخلاق الفاضلة، وعلى الدين القويم، الإسلام يرعى الطفل منذ أن يكون فكرةً، وحتى يشب ويصبح شاباً.
يجب أن يتعود اطفالنا على المسجد
التربية أخواننا الكرام؛ عملية تكاملية، تراكمية، تفاعلية، سأبدأ بالتكاملية، يقولون: إن التربية يلزمها أربعة ميمات، الميم الأولى: ميم المنزل، هذه أهم ميم، إذا كان المنزل منضبطاً بشرع الله، ولا يوجد شيء لا يرضي الله، فالطفل ينشأ على طاعة الله، لم يسمع من أبيه كلمةً نابية، لم ير من أمه شيئاً لا يرضي الله عز وجل، لا يوجد في البيت غناء يصدح ليلاً ونهاراً، هذه ميم المنزل، الميم الثانية: ميم المدرسة، اختر لابنك مدرسةً فيها توجيه ديني، لا تقل: أريد أن أضعه في المدرسة الأمريكية لأن فيها تعليم لغات درجة أولى، تعليم لغات، لا يوجد تعليم قرآن، ما الفائدة إذا تعلم لغة ولم يتعلم القرآن؟ يقول لك: اللغة أساس لأن الدنيا اليوم بلا لغة إنكليزية كأنه لا يعيش، وبلا لغة عربية ماذا يكون؟ يكون ذاهباً بدون قرآن، مصيره إلى جهنم والعياذ بالله، فأنت لغة إنجليزية أم عربية لا يوجد مانع، هذا لا يعني أن أنكر اللغة الانكليزية، اللغة الإنكليزية مهمة جداً، ولكن في المرتبة الثانية وليس في المرتبة الأولى، فميم المنزل، ميم المدرسة، ميم المسجد، اسحبه معك إلى المسجد، الميم الرابعة: ميم المجتمع، المجتمع من الصعب أن تملكه كله، ولكن على قدر ما تستطيع أن تجعل المجتمع المحيط بابنك مجتمعاً مؤمناً، أي ذهب لبيت خالته، لبيت عمته، يجب أن يكون الذين يزورهم وأصحابه من نفس النمط نفسِه الذي أنت ربيته عليه، فهي أربعة ميمات: منزل، مدرسة، مسجد، مجتمع، هذه التربية عملية تكاملية، تكامل حتى تنجح، أما تراكمية، فما معنى تراكمية؟ يقول لك: والله أريد أن أحجب ابنتي، أصبح عمرها ثلاثة عشر عاماً، أربعة عشر عاماً، أريد أن أحجبها ولكنها لا تريد، متى قلت لها: تحجبي؟ بالأمس طبعاً لن تسمع، الإعلام أقوى منك، وأصدقاؤها في المدرسة أقوى منك، تريد أن تبدأ وتقول لها تحجبي، وتحببها بالحجاب عندما تكون في السنة الخامسة أو السادسة من عمرها، حتى تصل للثالثة عشرة هي تقول لك: أريد أن أتحجب بابا، أو يقول لك: الولد لا يصلي، متى أمرته أول مرة بالصلاة؟ والله عندما أصبح عمره خمسة عشر أو ستة عشر عاماً:

{ مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ، وفَرِّقُوا بينهم في المضاجعِ }

[أبو داود]

(مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ) أي ثلاث سنوات وأنت تقول له: صلِّ، ومرة يصلي، ومرة لا يصلي، ثلاث سنوات كم فرض يوجد فيهم؟ ألف يوم تقريباً اضربهم بخمسة، خمسة آلاف فرض، خمسة آلاف مرة وأنت في صراع معه، ثم بالعاشرة يأتي الضرب، هناك بعض التربويين يقول لك: لا يوجد ضرب ولا يجوز وكذا، أي ليس ضرباً مبرِّحاً هو ضرب تأديبي، ولكن أنا واثق إذا كان من السابعة للعاشرة هناك أمر بالصلاة فلا يحتاج للضرب، لأنه تعلم وتعوّد، فهي ثلاث سنوات محاولات حتى تصل للصلاة، التربية ليست يوماً وليلة، وليست لحظة، هي تراكم، يجب أن تمرّن نفسك، الزمن صعب هذا صحيح، كل شيء حولي يدعو للفساد، هذا صحيح، لكن بالنهاية هذا ابنك، هذا مصيرك، هذا قائدك إلى الجنة إن شاء الله، فلابد من بذل جهود.
يجب أن يكون هناك حوار بينك وبين ابنك
أخواننا الكرام؛ تربية تكاملية، تراكمية، تفاعلية، تفاعلية: أي لابد من أن يكون هناك حوار بينك وبين ابنك دائماً، بالتربية لا يوجد إرسال من طرف واحد، حتى المعلم بالصف الذي يلقي خطاباً ويخرج، هذا معلم فاشل، عندنا في التربية معروف هذا يأخذ صفراً على الدرس الذي يتكلم ويخرج، يجب أن تسمع منه وتعطيه، بابا ما مشكلتك؟ بابا ماذا سمعت اليوم؟ ماذا حفظت؟ ماذا قالوا لك؟ من هم أصدقاؤك؟ أين ذهبت؟ أين جئت؟ ماذا فعلت؟ كيف الحال؟ كيف أمورك؟ البنت أمها تصاحبها، تسألها، تأخذ منها، تعطيها، أما من طرف واحد فخطابات؛ الابن يسأم ويمل.

{ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَخَوَّلُنا بالمَوْعِظَةِ في الأيَّامِ، كَراهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنا }

[صحيح البخاري]

أي ليس دائماً خطاب هناك حوار، فالتربية تكاملية تفاعلية تراكمية، بذلك تنجح التربية، أما بغير ذلك فتنتج تربية عرجاء لا تستقيم على حال.

ثناء على شباب صغار من حفظة القرآن الكريم :
أخواننا الكرام؛ أنا كنت وعدت شابين من الشباب الموجودين هنا أولهم اسمه محمد المعتز بالله الشمعة، هذا القارئ الشيخ الصغير يقرأ القرآن الكريم بشكل جيد، القاعدة النورانية، وحفظ جزء عمَّ ما شاء الله، وكل هذا بمعية الشيخ داود جزاه الله خيراً.

الشيخ داود:
أنا آخذ غالباً الثناء لكن جزاه الله خيراً الشيخ حمزة هو أستاذهم، وهو الذي يباشر عملية التعليم، وأنا أشجعه من بعيد جزاه الله خيراً، فأسأل الله أن يكتب له الأجر، وأن يكتب الأجر للجميع.

الدكتور بلال:
حياك الله شيخ حمزة، أنا مشكلتي أني كنت مديراً، فأنا أعرف المدير لا أعرف الأساتذة، تفضل معتز، تعال إلى هنا من أجل التصوير، نستمع الآن إلى قراءة طيبة من القارئ الشيخ محمد المعتز بالله الشمعة فليتفضل مشكوراً:

عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا
[سورة النبأ : 1-15]

جزاك الله خيراً.
الآن أخوه الصغير لأنه قال لي قبل اللقاء أريد أن أقرأ القرآن، المعتصم بالله تفضل يا معتصم، الآن مع القارئ الشيخ المعتصم بالله الشمعة فليتفضل مشكوراً:

وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ
[سورة الهمزة: 1-9]