• الحلقة الثامنة
  • 2016-05-09

عمر و الأعرابي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ، الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


قصة عمر و الأعرابي :
موقف اليوم هو مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أتاه أعرابيٌ قد قرض الجوع بطنه، وبه من الفقر ما به، فوقف عنده وقال:
يا عمر الخير جزيت الجنة اكسُ بناتي وأمهنه وكن لنا في ذا الزمان جنة أقسم بالله لتفعلنــــه ***
{ الأعرابي }
فيقول عمر رضي الله عنه:
وإن لم أفعل يكون ماذا؟
{ سيدنا عمر }
فيقول الرجل :
إذاً أبا حفص لأمضينه ، لتسألنه ، بينهنه.
{ الأعرابي }
فيقول الرجل:
وإذا مضيت يكون ماذا؟
{ سيدنا عمر }
قال:
والله عنهن لتسألن يــوم تكون الأعطيات منة وموقف المسؤول بينهن إما إلى نار وإما جنة ***
{ الأعرابي }
فلم يملك عمر رضي الله عنه إلا أن ذرفت دموعه على لحيته فدخل فلم يجد شيئاً في بيته، فما كان منه إلا أن خلع رداءه وقال للرجل: خذ هذا ليومٍ تكون الأعطيات منة وموقف المسؤول بينهن إما إلى نارٍ وإما جنة. هكذا تكون مراقبة الله، وهكذا تكون تقوى الله تعالى.
إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً فلا تَقُلْ خَلَوْتُ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيـــــبُ ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغــفِـلُ سـاعـــــــــــة وَلا أنَ مَــا تخفَيه عنـه يغيب ***
{ أبو العتاهية - العصر العباسي }
إن الإحسان كما في الحديث الشريف:

{ مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ }

(صحيح مسلم)

ما هو الاحسان؟
وأما المرتبة الثانية فأن تعتقد جازماً أنه يراك، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فالإنسان بين أن يرى الله رقيباً على أعماله، مطلعاً عليها، عالماً بنواياه، أو أن يعلم أن الله يراه وسيحاسبه، هل نستشعر قول الله تعالى وهو يقسم بأشد أنواع القسم:

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(سورة الحجر: الآية 92-93)

هل يقشعر جلدنا حين نقرأ قوله تعالى:

وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ
(سورة الصافات: الآية 24)

هل نفهم قوله تعالى:

ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
(سورة التكاثر: الآية 8)

إن الإيمان باليوم الآخر يجعلني ويجعلك نتحمل مسؤولياتنا كاملةً، فهناك حسابٌ عن كل تقصير، وهناك سؤال فلْيُعِدَّ الواحد منا جواباً لله تعالى عن كل سؤال سيسأله.

العاقل من يفكر قبل أن يتكلم :
أرأيتم كيف حاسب عمر رضي الله عنه نفسه؟ العاقل هو الذي يفكر قبل أن يتكلم، وكثيرٌ من الناس يتكلمون قبل أن يفكروا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ وقد سأله:

{ وإِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟ قال: ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِعلَى وجوهِهِم، أوعلَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم }

(أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح)

{ مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ }

(رواه مسلم)

{ يا معاذُ ثَكِلَتْكَ أمُّك، وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرِهم في جهنَّم إلا ما نطَقتْ به ألسنتُهم، فمن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ فلْيقُلْ خيرًا، أو يسكتْ عن شرٍّ، قولوا خيرًا تَغنَموا، واسكتُوا عن شرٍّ تَسلَموا }

(أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح)


العاقل من يعدّ ليوم الحساب عدته :
هذا الموقف، موقف عمر رضي الله عنه مع هذا الأعرابي، الذي طلب ما يكسو به بنياته وأمهن.
والله عنهن لتسألن يـــوم تكون الأعطيات منة وموقف المسؤول بينهن إما إلى نار وإما جنة ***
{ اعرابي }
يوم القيامة يوم الحساب
فلنعد العدة لذلك اليوم الذي سنقف به جميعاً بين يدي الله تعالى ليحاسبنا عن كل صغيرةٍ وكبيرة:

مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا
(سورة الكهف: الآية 49)

أيها الأخوة الكرام؛ يقول عمر رضي الله عنه: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَعمالكم قَبْلَ أَنْ تُوزَن عَلَيْكُمْ. إلى لقاءٍ آخر.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته