• الحلقة الثالثة عشرة
  • 2016-05-21

أعرابي صدق الله

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أيها الإخوة الكرام أيتها الأخوات الفاضلات: موقفنا اليوم من غزوة خيبر وعنوانه أعرابيٌ صدق الله.

{ قال شداد بن الهاد: ( جاء رجل من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، فقال : أهاجر معك. فأوصى به بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقسمه، وقسم للأعرابي، فأعطى أصحابه ما قسمه له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا رسول الله ؟ قال : قسم قسمته لك. قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمى هاهنا-وأشار إلى حلقه - بسهم ، فأموت فأدخل الجنة. فقال: إن تصدق الله يصدقك. ثم نهض إلى قتال العدو، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقتول، فقال: أهو هو ؟ قالوا: نعم. قال: صدق الله فصدقه. فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته ثم قدمه فصلى عليه، وكان من دعائه له: اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك قتل شهيدا وأنا عليه شهيد) }

(رواه الإمام النسائي)

(جاء رجل من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتَّبعه، ثم قال: أُهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلمَّا كانت غزوة خيبر غَنِمَ النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقسم الغنائم وقسم له نصيبه، فأعطى أصحابه ما قسم له ليوصلوه إليه، فلمّا جاء هذا الأعرابي دفعوا إليه حصته من الغنائم، فقال: ماهذا؟ قالوا: قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذه وجاء به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ما على هذا اتّبعتك، ولكنّي اتّبعتك على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم، فأموت فأدخل الجنة. (أنا لم أتبعك من أجل الغنائم) فقال صلى الله عليه وسلم: إن تصدق الله يصدقك، ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتِيَ به النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل قد أصابه سهمٌ في حَلْقِه حيث أشار بيده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه، فكفّنه النبي عليه الصلاة والسلام في جبّته ثم قدّمه فصلّى عليه، وكان من دعائه له: اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، قتل شهيداً وأنا عليه شهيد).

أهداف المسلمين تسمو فوق المال والغنائم
هذا هو الموقف، وأما العبرة: فلم يكن هم المسلمين والصحابة الكرام جمع المال أو الغنائم، بل لقد سمت أهدافهم فوق ذلك وعلت، وهذا يتضح جليّاً لنا من مقولة الأعرابي حينما قُدِّمَ له نصيبه من الغنائم، قال: ما على هذا اتّبعتك، لم يكن هدفي جمع الغنائم أو إحراز المال.
هذه الحياة طريقٌ إلى الجنة
ونحن ينبغي علينا أن نتعلم أن الطريق إلى الجنة ليست طريقاً محفوفةً بالورود والرياحين، ولا سالكةً بغير عناءٍ ومشقة، إنما هي طريقٌ مَلْأَى بالأشواك والعقبات، ولكن موعود الله عزّ وجل أكبر بكثيرٍ من أشواكها وعقباتها، لذلك ينطلق المؤمن ليعيش في هذه الحياة التي هي طريقٌ إلى الجنة، يعيش مجاهداً حتى يُفْضِيَ إلى موعود الله عزّ وجل، إنه يعيش من منطلق إيمانه بالله وإيمانه بالغيب، فيعتقد جازماً أن وعد الله آت،

وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ
(سورة التوبة: الآية 111)


الصدق مع الله
يقول صلى الله عليه وسلم لهذا الأعرابي إن تصدق الله يصدقك، فالصدق مع الله مرتبةٌ تسمو إليها النفوس وتشرئب إليها الأعناق فإذا صَدَقْتَ الله صَدَقَكَ الله وكان معك ونصرك وأيّدك وحماك.
إنسانٌ قد تفوته صلاة الفجر يقول لك: لا أستطيع القيام إليها، نقول له: هل صَدَقْتَ الله؟ لو صَدَقْتَهُ لصَدَقَك.
إنسانٌ يريد أن يعمل عملاً صالحاً يقول لك: لا تتوفر لي مقومات هذا العمل، نقول له: هل صَدَقْتَ الله؟ لو صَدَقْتَهُ لصَدَقَك.
معلمٌ يريد أن ينشّئ طلابه على الطاعة، طاعة الله ورسوله، ثم يقول لك: المجتمع أقوى مني، نقول له: هل صدقت الله؟ لو صَدَقْتَهُ لصَدَقَك.
أبٌ يريد أن يبني أسرةً مسلمة، وأمٌ تريد أن تربي جيلاً مؤمناً، ثم يقولان لك: الإعلام الفاسد أشد تأثيراً منّا، نقول لهما: هل صدقتما الله؟ لو صدقتما الله لصدقكما.
نية المؤمن خيرٌ من عمله
إن الصدق مع الله يصنع ما قد نتوهمه مستحيلاً ويذلل الصعاب، والإنسان قد لا يملك أن يقوم بعمل ما، لكنه لا ينبغي أن يعجز عن أن ينوي، أفيعجز الإنسان عن أن ينوي عملاً صالحاً صادقاً من قلبه ثم يتحرّى ويسعى لعل الله ييسر له الخير، لا أظن أن واحداً منا يعجز عن ذلك، بل ليس هناك إنسانٌ أبخل من إنسانٍ لا يريد أن ينوي الخير، لذلك نية المؤمن خيرٌ من عمله، وهذه النية ينبغي أن تكون صادقةً من أعماق القلوب يرافقها السعي بكل ممكن لتحقيقها وعندها يتولّى الله عز وجل تيسير الأمور وإبلاغ الغايات.
إلى لقاءٍ آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.