• الحلقة الخامسة عشرة
  • 2016-05-25

ثلاثة في الغار

الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


ثلاثة في الغار :
موقفنا اليوم حديثٌ شريف، يقول صلى الله عليه وسلم :

{ انطَلَق ثلاثةُ رهْطٍ ممن كان قبلَكم ؛ حتى أووا المبيتَ إلى غارٍ، فدخلوه، فانْحدَرتْ عليهم صخرةٌ من الجبلِ، فسدَّتْ عليهم الغارَ، فقالوا: إنَّه لا يُنجيكم من هذا الصخرةِ إلا أن تدعوا اللهَ بصالحِ أعمالِكم، قال رجلٌ منهم: اللهمَّ كان لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكنتُ لا أغْبِقُ قبلَهما أهلًا ولا مالًا، فنأى بي في طلبِ شيءٍ يومًا فلم أُرِحْ عليهما حتى ناما، فحلبتُ لهما غبوقَهُما فوجدتُهما نائمينِ، فكَرِهتُ أن أغْبِقَ قبلَهما أهلًا أو مالًا، فلبِثْتُ والقدحُ على يدَيَّ أنتظرُ اسْتيقاظَهما حتى برَق الفجرُ، فاستيقظا، فشرِبا غبوقَهُما، اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهِك، ففرِّجْ عنَّا ما نحن فيه من هذه الصخرةِ ؟ فانفرجتْ شيئًا لا يستطيعونَ الخروجَ، وقال الآخرُ: اللهمَّ كانتْ لي ابنةُ عمٍّ، كانتْ أحبَّ الناسِ إليَّ، فأردتُها على نفسِها، فامْتَنعتْ منِّي، حتى ألَمَّتْ بها سنةٌ من السنينِ فجاءتني، فأعطيتُها عشرينَ ومائةَ دينارٍ؛ على أن تُخَلِّي بيني وبين نفسِها، ففعلتْ حتى إذا قدَرْتُ عليها قالتْ: لا أُحِلُّ لك أن تفضَّ الخاتمَ إلا بحقِّه، فتحرَّجتُ من الوقوعِ عليها، فانصرفتُ عنها، وهي أحبُّ الناسِ إليَّ، وتركتُ الذهبَ الذي أعطيتُها، اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهكَ، فأَفْرجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ غيرَ أنَّهم لا يستطعيونَ الخروجَ منها، وقال الثالثُ: اللهم اسْتأجرتُ أجراءَ، فأعطيتُهم أجرَهم، غيرَ رجلٍ واحدٍ ترك الذي له وذهب، فَثَمَّرْتُ أجرَه حتى كثُرتْ منه الأموالُ، فجاءني بعد حينٍ فقال: يا عبدَ اللهِ أدِّني أجري، فقلتُ له: كل ما ترى من أجرِك من الإبلِ والبقرِ والغنمِ والرقيقِ، فقال: يا عبدَ اللهِ لا تستهزئُ بي، فقلتُ : إني لا أستهزئُ بك، فأخذَه كلَّه فاستاقَه فلم يتركْ منه شيئًا، اللهمَّ فإن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهِك فأفْرِجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرَجتِ الصخرةُ، فخرجوا يمشونَ }

( أخرجه البخاري ومسلم)

انطلق ثلاثة رجال ممن كان قبلَكم؛ حتى أووا المبيتَ إلى غارٍ، فدخلوه، فانْحدَرتْ صخرةٌ من الجبلِ، فسدَّتْ عليهم الغارَ، فقالوا : إنَّه لا يُنجيكم من هذا الصخرةِ إلا أن تدعو اللهَ بصالحِ أعمالِكم، فقال رجلٌ منهم: اللهمَّ كان لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكنتُ لا أغْبِقُ قبلَهما أهلاً ولا مالاً- الغبوق عند العرب هو اللبن الذي يشرب في المساء، ومعنى قول الرجل: أنه كان لا يقدم على أبيه وأمه أحداً من الناس، لا يُشرب أحداً من الحليب حتى يرتوي أبواه، بِراً بهما- قال: فنأى بي في طلبِ شيءٍ يوماً- تأخر في العودة إلى البيت- فلم أُرِحْ عليهما حتى ناما، فحلبتُ لهما غبوقَهُما فوجدتُهما نائمينِ، وكَرِهتُ أن يشرب أحدٌ قبلَهما، فلبِثْتُ والقدحُ في يدي أنتظرُ اسْتيقاظَهما حتى برَق الفجرُ، فاستيقظا فشرِبا، اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهِك ففرِّجْ عنَّا ما نحن فيه من هذه الصخرةِ ؟ قال: فانفرجتْ شيئًا لكن لا يستطيعونَ الخروجَ، يقول: صلى الله عليه وسلم، وقال الآخرُ: اللهمَّ كانتْ لي ابنةُ عمٍّ، كانتْ أحبَّ الناسِ إليَّ، فأردتُها عن نفسِها، فامْتَنعتْ منِّي، حتى ألَمَّتْ بها سنةٌ من السنينِ- أي جاءها فقرٌ شديد- فجاءتني، فأعطيتُها عشرينَ ومائةَ دينارٍ، على أن تُخَلِّي بيني وبين نفسِها، ففعلتْ، حتى إذا قدَرْتُ عليها قالتْ: لا أُحِلُّ لك ذلك إلا بحقِّه، فتحرَّجتُ من الوقوعِ عليها، فانصرفتُ عنها، وهي أحبُّ الناسِ إليَّ، وتركتُ الذهبَ الذي أعطيتُها، اللهمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهكَ فأَفْرجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ غيرَ أنَّهم لا يستطعيونَ الخروجَ، فقال: صلى الله عليه وسلم، قال الثالثُ: اللهم اسْتأجرتُ أُجراءَ، فأعطيتُهم أجرَهم، غيرَ رجلٍ واحدٍ ترك الذي له وذهب، فَثَمَّرْتُ أجرَه حتى كثّرت منه الأموالُ، فجاءني بعد حينٍ فقال: يا عبدَ اللهِ أدِّي إليّ أجري، فقلتُ له: كل ما ترى من أجرِك من الإبلِ والبقرِ والغنمِ، فقال: يا عبدَ اللهِ لا تستهزئُ بي، فقلتُ: إني لا أستهزئُ بك، هذا مالك قد ثمرته لك، فأخذَه كلَّه فلم يتركْ منه شيئًا، اللهمَّ إن فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجْهِك فأفْرِجْ عنَّا ما نحن فيه، قال صلى الله عليه وسلم: فانفرَجتِ الصخرةُ، فخرجوا يمشونَ، هذا هو الموقف.

الأعمال الصالحة وقت الرخاء تنجي الإنسان وقت الشدة :
الأعمال الصالحة تنجي الإنسان
أما العبرة فهذه الأعمال الصالحة التي يفعلها الإنسان ابتغاء وجه الله وقت الرخاء هي التي تنجيه ويستفيد منها وقت الشدة، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك }

(رواه الترمذي)

تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، فالتقرب إلى الله عز وجل لا يحتاج منك إلا أن تخدم عباده، وأن تُحسن إليهم، وأن ترحمهم، وأن تخفف عنهم، الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.

التقوى و الأعمال الصالحة صلة الوصل بين الله و عباده :
النسب هو التقوى والعمل الصالح
هؤلاء الثلاثة الذين وقعوا في هذه الورطة، ماذا قالوا؟ إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، معنى ذلك أن لهم رصيداً من الأعمال الصالحة وقت الرخاء، أما الذي ليس له رصيدٌ من العمل الصالح فبم يدعو الله؟ وكيف يتوسل إلى الله؟ أيقول لله: أنا فلان ابن فلان من آل فلان من الأسرة العريقة أم يقول له: أبي كان أميراً أو تاجراً؟ ليس بين الله وخلقه نسب بل النسب هو التقوى والعمل الصالح:

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
(سورة الحجرات: الآية 13)

أيها الأخوة؛ أيتها الأخوات؛ أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته