ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ

  • الحلقة السادسة عشرة
  • 2016-05-28

ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ

الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


قصة ثمامة بن أثال مع النبي صلى الله عليه وسلم :

{ بَعَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ برَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ له ثُمَامَةُ بنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بسَارِيَةٍ مِن سَوَارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي خَيْرٌ يا مُحَمَّدُ، إنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، وإنْ كُنْتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَلْ منه ما شِئْتَ، فَتُرِكَ حتَّى كانَ الغَدُ، ثُمَّ قَالَ له: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: ما قُلتُ لَكَ: إنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ علَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حتَّى كانَ بَعْدَ الغَدِ، فَقَالَ: ما عِنْدَكَ يا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِندِي ما قُلتُ لَكَ، فَقَالَ: أطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إلى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ المَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، يا مُحَمَّدُ، واللَّهِ ما كانَ علَى الأرْضِ وجْهٌ أبْغَضَ إلَيَّ مِن وجْهِكَ، فقَدْ أصْبَحَ وجْهُكَ أحَبَّ الوُجُوهِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن دِينٍ أبْغَضَ إلَيَّ مِن دِينِكَ، فأصْبَحَ دِينُكَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيَّ، واللَّهِ ما كانَ مِن بَلَدٍ أبْغَضُ إلَيَّ مِن بَلَدِكَ، فأصْبَحَ بَلَدُكَ أحَبَّ البِلَادِ إلَيَّ، وإنَّ خَيْلَكَ أخَذَتْنِي وأَنَا أُرِيدُ العُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ له قَائِلٌ: صَبَوْتَ، قَالَ: لَا، ولَكِنْ أسْلَمْتُ مع مُحَمَّدٍ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا واللَّهِ، لا يَأْتِيكُمْ مِنَ اليَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ، حتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ }

(رواه البخاري)

اعطاء تصور صحيح عن المسلمين
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَلَ نجد، بقيادة محمد بن سلمة فجاءت هذه السرية برجلٍ من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، وهو سيد أهل اليمامة، فربطوه بساريةٍ من سواري المسجد وهم لا يعرفونه، أَسَرَتْهُ تلك السرية وهو في طريقه إلى العمرة، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد رآه فعرفه فقال لأصحابه: ألا تعرفون من هذا؟ إنه ثمامة سيد أهل اليمامة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحسنوا إليه، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعطى منه ما شئت، فتركه صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد ثم قال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعطى منه ما شئت، فتركه صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد، ثم قال: ما عندك يا ثمامة؟ فأعاد عليه ما قاله، فقال صلى الله عليه وسلم: أطلقوه، فانطلق ثمامة إلى نخلٍ قريبٍ من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم أردف يقول: يا محمد والله ما كان على وجه الأرض أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان من دينٍ أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان من بلدٍ أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا تأمرني؟ فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بخيري الدنيا والآخرة، بشره بالجنة والمغفرة وأمره أن يعتمر، لكن العمرة الآن ستكون على دين التوحيد، ثمامة تعلم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الكثير قبل أن يعود إليه لينطق بشهادة التوحيد، لو أن ثمامة خرج من المسجد وليس عنده تصورٌ صحيح عن الإسلام والمسلمين لما عاد إلى المسجد مسلماً، واليوم حين يدخل إنسانٌ غير ملتزمٍ إلى المسجد ينبغي أن يأخذ تصوراً صحيحاً عن المسلمين ليعود إليه مرةً ثانيةً وثالثة، ولا ينبغي أن نقف له على الباب لنحاسبه عن كل صغيرة وكبيرة، فنكون سَدَّاً بينه وبين بيت الله عز وجل.

الرفق والإحسان يحولان البغض في القلوب إلى محبة صادقة :
الرفق بالناس يحول البغض إلى حب
بيوت الله عز وجل ينبغي أن تبقى مُشَرَّعَةَ الأبواب، أن يدخلها كلُّ تائب، وكل منيبٍ إلى الله عز وجل، وكل راغبٍ بالعلم والحق، محمدٌ صلى الله عليه وسلم قَبِلَ ثمامة على شِركه في المسجد ليُريه أخلاق الإسلام، وليريه محبة الصحابة لبعضهم، وليريه الصحابة الكرام وهم وقوفٌ بين يدي الله عز وجل، هؤلاء الذين رآهم فرساناً في أرض المعركة هم رهبانٌ في الليل في المساجد يبتهلون، ويدعون، ويناجون ربهم، الرفق بالناس يحول البغض إلى حب، محمد صلى الله عليه وسلم كان ماهراً بصناعة الأصدقاء، وكثيرٌ من الناس اليوم ماهرون بصناعة الأعداء، حين تحسن إلى الناس، وتتألف قلوبهم، وتتحبب إليهم تكون ماهراً بصناعة الأصدقاء، أما حين يقسُو عليهم الإنسان فإنه ماهرٌ بصناعة الأعداء، وشتّان بين من يصنع الأصدقاء ومن يصنع الأعداء.
تدبّروا أيها الأخوة كيف حوّل الرفق والإحسان البغض المتأصل في قلب ثمامة إلى حبٍّ فيّاض، خرج إلى مكة ليعتمر فأبى الله عز وجل إلّا أن يلبي تلبية الموحدين، فسبحان من بيده القلوب يحولها كيف يشاء، لا بدّ أن نعي هذا الدرس: العنف يهدم ولا يبني، الشدة تفسد ولا تصلح، الرفق والإحسان هما اللذان يحولان البغض في القلوب إلى محبة صادقة.
إلى لقاءٍ آخر.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته