• الحلقة الخامسة والعشرون
  • 2016-06-18

سهل بن عبد الله

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أيها الإخوة الكرام أيتها الأخوات الفاضلات:

موقف اليوم يرويه لنا سهل بن عبد الله
يقول: كنت ابن ثلاث سنين وأنا أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، فقال لي خالي يوماً: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ قلت: كيف أذكره؟ قال: قل بقلبك ثلاث مرات من غير أن تحرك لسانك، الله معي، الله ناظرٌ إلي، الله شاهدي، فقلت ذلك ليالٍ ثم أعلمته، فقال: قلها في كل ليلة إحدى عشرة مرة، فقلت ذلك فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة، قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودُم عليه إلى أن تدخل القبر، فلم أزل على ذلك سنين فوجدت له حلاوةً في سري، ثم قال لي خالي: يا سهل من كان الله معه وهو ناظرٌ إليه وشاهدٌ عليه هل يعصيه؟، إيّاك والمعصية.

أثر مراقبة الله عز وجل في بناء الإيمان الصحيح
هذا هو الموقف. وأما العبرة: فنستنبطها من مقولة محمد بن سوار وهو يعلِّم سهل بن عبد الله، (الله معي، الله ناظرٌ إلي، الله شاهدي)، هي أثر مراقبة الله عز وجل والشعور بمعيته في بناء الإيمان الصحيح، قال تعالى:

وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا
(سورة الأحزاب: الآية 52)

المراقبة ركيزةٌ أساسيةٌ في التربية
المراقبة ركيزةٌ أساسيةٌ في التربية، ذلك لأن المربي قد يربي من تحت يده على مراعاة أوامر الله والانتهاء عن نهيه، فيقول له : افعل هذا ولا تفعل هذا، فيتعلمها هذا الطالب مادام المربي ينظر إليه، ويعمل بها مادام المربي ينظر إليه، فإذا ما ابتعد المعلم لم يجد هذا الطالب ما يدفعه لامتثال الكلام الذي تعلَّمه، إلا إذا غرس المربي في نفس المتربي مراقبة الله عز وجل، فإنها حينئذ تكون حارساً له يحرسه إذا خلا بنفسه فلا ينتهك حُرمات الله ولا يهمل ولا يقصر، حتى لو أخطأ فإنه سرعان ما يتذكر اطلاع الحق عليه فيُبادر إلى التوبة النصوح، وبذلك يضمن المربي استمرار الطالب على ما تربى عليه من أخلاقٍ فاضلةٍ ونحوها، حتى لو ابتعد عن نظره.

مثال يوضح أهمية المراقبة في التربية
زرع مراقبة الله في الاولاد
وأضرب هنا مثالاً: لعله يتضح المقصود، الوالد عندما يربي ابنه على أداء الصلاة في المسجد وأن يؤديها بإتقان قد يفعل الابن هذا الشيء ما دام والده ينظر إليه أو ما دامت والدته تنظر إليه، لكن هذا الابن عندما يذهب لزيارة أقاربه مثلاً ويبتعد عن نظر والده تجده لا يصلي أو يصلي دون إتقان، لماذا؟ لأن الأب عوده من حيث لا يشعر على مراقبته هو لا على مراقبة الله تعالى، ولو أنه زرع فيه مراقبة الله لعلم هذا الولد أن الله مطلعٌ عليه .
لذا نجد لقمان عليه السلام عندما وعظ ابنه حرص على مراقبة الله أولاً، قال :

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
(سورة لقمان: الآية 16)

ثم أمره بإقامة الصلاة وغيرها من الفضائل.
إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً فلا تَقُلْ خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيـــبُ ولاَ تحْـسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ سـاعـــــــــــــةً وَلا أنَّ مَا تخفيه عَنـه يغيــبُ
{ أبو العتاهية }
إلى أن نلتقي في موقفٍ جديد وعبرةٍ جديدة نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.