• الحلقة الخامسة
  • 2016-05-02

في بيت النبي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.


النبي الكريم مثال للزوج الحليم الحكيم :
أيها الإخوة الكرام أيتها الأخوات الفاضلات؛ موقفنا اليوم مروي في الأحاديث الصحيحة:

{ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ }

[ رواه البخاري]

كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ- طبق طعام- فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ- غارت رضي الله عنها من إرسال أم المؤمنين لها هذه الصحفة فضربتها فسقطت فانكسرت- فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ : غَارَتْ أُمُّكُمْ، غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ- أي الطبق الجيد- إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ، هذا هو الموقف، وإليكم العبرة.
لا يخلو بيتٌ من المشكلات الزوجية
لا صراخ، ولا تهديد، ولا وعيد، سبحان من أدب نبيه فأحسن تأديبه، من ظن أنه قد يخلو بيتٌ من المشكلات الزوجية فقد طلب محالاً، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر وأفضلهم وأتقاهم ونساؤه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين، ولم يكن لربه سبحانه أن يزوجه إلا من ذوات الفضل والخلق، ومع ذلك لم يخلُ بيته من تلك المشكلات المعتادة في البيوت، فبيوت غيره من الناس أحرى أن يكون بها مشكلاتٌ، بل إن بيته صلى الله عليه وسلم لم يكن يخلو مما يكون بين الزوجات من النزاع والشقاق، ومع هذا كان مثالاً للزوج الحليم الحكيم.

حديث يبين احتجاج أزواج النبي على تعامله مع عائشة ومواجهته للمشكلة بلين و لطف:
وفي الحديث الشريف:

{ أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ حِزْبَيْنِ- فريقين- فَحِزْبٌ فِيهِ: عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَصَفِيَّةُ، وَسَوْدَةُ، وَالْحِزْبُ الْآخَرُ: أُمُّ سَلَمَةَ ، وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم }

[رواه البخاري]

ثم ذكر الراوي أن حزب أم سلمة أرسلن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبلغنه احتجاجهن على تعامله مع عائشة:

{ فأرْسَلَ أَزْوَاجُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ زَيْنَبَ بنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهي الَّتي كَانَتْ تُسَامِينِي منهنَّ في المَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا في الدِّينِ مِن زَيْنَبَ. وَأَتْقَى لِلَّهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا في العَمَلِ الذي تَصَدَّقُ به، وَتَقَرَّبُ به إلى اللهِ تَعَالَى، ما عَدَا سَوْرَةً مِن حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ منها الفَيْئَةَ، قالَتْ: فَاسْتَأْذَنَتْ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَرَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مع عَائِشَةَ في مِرْطِهَا، علَى الحَالَةِ الَّتي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهو بهَا، فأذِنَ لَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ العَدْلَ في ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، قالَتْ: ثُمَّ وَقَعَتْ بي، فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ، وَأَنَا أَرْقُبُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ، هلْ يَأْذَنُ لي فِيهَا، قالَتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حتَّى عَرَفْتُ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ، قالَتْ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ: فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: وَتَبَسَّمَ إنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ. وفي روايةٍ : بهذا الإسْنَادِ، مِثْلَهُ في المَعْنَى، غيرَ أنَّهُ قالَ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بهَا لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتُهَا غَلَبَةً }

[رواه مسلم]

فأرْسَلَ أَزْوَاجُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ زَيْنَبَ بنْتَ جَحْشٍ، فأتته فأغلظت وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت أبي قحافة- سيدنا أبي بكر رضي الله عنه- فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى عائشة هل تتكلم؟ قال: فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها، قالت: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة فقال: إنها بنت أبي بكر. بهذه البساطة، بهذا الرفق، وبهذا اللين واجه المشكلة صلى الله عليه وسلم:

{ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ :‏‏ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ }

[أبو داود والنسائي وابن ماجه]

واحدةٌ بواحدة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يسابق زوجته ثم يمازحها ويقول لها: هذه بتلك، تلك هي أخلاق النبوة صلى الله وسلم وبارك على محمدٍ عليه الصلاة والسلام.

محبة عائشة للنبي الكريم باقية في قلبها لا تتغير :
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانظروا معي إلى هذا اللين وهذا الرفق يقول لها:

{ إنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وإذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قالَتْ فَقُلتُ: وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذلكَ؟ قالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فإنَّكِ تَقُولِينَ: لا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ وإذَا كُنْتِ غَضْبَى، قُلْتِ: لَا، وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ قالَتْ قُلتُ: أَجَلْ، وَاللَّهِ يا رَسُولَ اللهِ، ما أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ }

[رواه مسلم]

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
(وَاللَّهِ يا رَسُولَ اللهِ ما أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ) أي أن المحبة في القلب باقية، ولكنه تعبير عن الغضب بهجران الاسم فقط، هذه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، قد بيّناها من خلال هذا الموقف، أو تلك المواقف العظيمة، التي تبين أدب محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه جل جلاله:

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
[ سورة القلم: 4 ]

أيها الأخوة؛ إلى لقاءٍ آخر نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته