دار الأرقم الرسالة والرؤية
دار الأرقم الرسالة والرؤية
السلام عليكم. |
ربما اشترى أحدنا بيتاً في مكانٍ مميز، بجوار معلمٍ تاريخي مشهور، أو قريباً من مركز تسوُّق مهم. |
ربما كانت لداره إطلالةٌ مميزة على حديقةٍ فائقة الجمال، أو على بحرٍ رائق، أو جبلٍ أخضر. |
موقع دار الأرقم في صحراء مكة:
في صحراء مكة دارٌ صغيرة بجوار الصفا، وتُطل على الكعبة المُشرَّفة، لا تقل لي إنها مُصادفة! |
ليس في مُلك الله مصادفات، كل شيء عند الله بمقدار. |
هذه الدار بجوارها المميز، وإطلالتها الرائعة، لم يكن فيها أجهزة تكييف، لم يكن فيها أثاثٌ فاخر ولا أجهزة اتصالات. |
جوار الصفا يعني صفاء الروح، والصفا جبلٌ صغير بمكة، يُذكِّرنا بهاجَر سيدة اليقين، التي قالت يوماً لإبراهيم عليه السلام، حين تركها وابنها بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْع، ليس معهما إلا سِقاء فيه ماء وجراب فيه تمر، قالت له: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يُضيِّعنا. |
والله تعالى لن يُضيِّع نبيِّه محمداً ولا دينه. |
الصفا يُذكِّر أهل الدار بأهمية السعي للوصول إلى النتيجة، فالماء لم ينبع لهاجَر إلا بعد سعيٍ حثيث وتعب. |
وأمّا الكعبة فهي المقصد، من كان يظن أن يدخل المسلمون المُستضعفون مكة، ويحرروها من رجس الأوثان؟ |
إن شئت فقُل: الصفا هي الرسالة وحرَم الله هو الرؤية، ألا يضعون اليوم لكل مؤسسة رسالة ورؤية؟ |
فقُل إذاً رسالتنا السعي والثقة بالله الذي لا يضيع عباده، ورؤيتنا الوصول إلى تحرير العباد ونقلهم من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده، وقد تحققت الرسالة وتحققت الرؤية، بعد ثلاث وعشرين سنة فقط، الدار التي نتحدث عنها هنا هي دار الأرقم. |
دار الأرقم مدرسة مُعلِّمها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
دار الأرقم مدرسة، أو قُل جامعة مُعلِّمها محمد صلى الله عليه وسلم، تُدرِّس أعظم علم في الدنيا، وهو علم التوحيد، ورسالتها التربوية تزكية النفس، وملؤها بمكارم الأقوال والأفعال، والمادة العملية فيها هي العبادة. |
لم يكن في تلك المدرسة أحكامٌ شرعية تفصيلية، لم يكن في دار الأرقم مدارس عقدية، العقيدة الوحيدة هي التوحيد، ولم يكن في دار الأرقم مدارس فقهية، الفقه الوحيد هو حسن الصلة بالله وحسن التعامل مع خلقه. |
فمَن تخرَّج في دار الأرقم بعد ذاك؟ |
الخلفاء تخرَّجوا في دار الأرقم، أبو بكر، عثمان، علي، عمر رضي الله عنهم جميعاً، الشهداء، بل سادة الشهداء تخرَّجوا في دار الأرقم، جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، المُموّلون للدعوة تخرَّجوا في دار الأرقم، عبد الرحمن بن عوف مثلاً، الصابرون تخرَّجوا في دار الأرقم، بلال الحبشي، عمار بن ياسر، خباب بن الأرت، أمين الأمة أبو عبيدة بن الجرَّاح تخرَّج في دار الأرقم، المُبشرون بالجنَّة تخرَّجوا في دار الأرقم، الدعاة إلى الله، وإلى الحق، المُصلحون، السفراء، تخرَّجوا في دار الأرقم، أمثال مصعب بن عُمير، هؤلاء جميعاً كانوا خريجي هذه المدرسة. |
استمر الاجتماع في دار الأرقم على الأقل ست سنوات، حتى إسلام عمر رضي الله عنه. |
فعَنْ عُثمانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن الأَرْقَمِ، عَنْ جَدِّهِ الأَرْقَمِ رضي الله عنه، وَكَانَ بَدْرِيًّا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آوَى فِي دَارِهِ عِنْدَ الصَّفَا، حَتَّى تَكَامَلُوا أَرْبَعِينَ رجلاً مُسْلِمِينَ، وَكَانَ آخِرُهُمِ إِسْلاماً عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَلَمَّا كَانُوا أَرْبَعِينَ خَرَجُوا إِلَى الْمُشْرِكِين. |
لماذا وقع الاختيار على دار الأرقم لتكون مكاناً لاجتماع المسلمين الجدد؟
أولًا: لأنَّ الأرقم لم يكن معروفاً بإسلامه، فلا يلفت الاجتماع في داره النظر. |
ثانياً: لأنَّ الأرقم من بني مخزوم، وبين بني مخزوم وقريش عداوةٌ قديمة. |
ثالثاً: لأنَّ الأرقم كان فتىً صغيراً، فقد أسلم وعمره ست عشرة سنة، فلا يخطر على بال أن يكون الاجتماع في داره. |
وكانت تلك الدار مدرسة بحق، جمعت خير مُعلِّمٍ في الدنيا مع خير تلاميذ، ودرَّستهم خير منهاج وخرَّجت للأمة خير القادة والشهداء. |