أركان النجاة الأربعة
أركان النجاة الأربعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.
القسم بالله فقط لأن القسم بغير الله لا يجوز شرعاً :
أخواننا الكرام؛ سورةٌ في كتاب الله قال عنها الإمام الشافعي رحمه الله: "لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لكفتهم"، سورة واحدة، سطران في كتاب الله، قال: " لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لكفتهم"، ما هي هذه السورة؟ سورة العصر، قال تعالى: |
وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(سورة العصر: الآية 1-2-3)
لا يجوز أن نقسم إلا بالله
|
{ مَن كانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ أوْ لِيَصْمُتْ }
(صحيح البخاري)
وفي حديثٍ أخرى: |
{ من حلف بغير الله فقد أشرك }
(رواه أبو داود والترمذي)
لأن الحلف بغير الله هو تعظيم لغير الله، فكأنه أشرك الشيء الذي يحلف به مع الله، أشركه مع الله فعظمه فحلف به، فأنا وأنت لا يجوز أن نقسم إن أقسمنا إلا بالله. |
الله تعالى يقسم ببعض مخلوقاته للفت نظرنا إلى عظيم هذا الشيء :
لكن الله تعالى له أن يقسم جلّ جلاله بما شاء، فيقسم أحياناً ببعض مخلوقاته يقول: |
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ(سورة الليل: الآية 1)
هذا قسم. |
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا(سورة الشمس: الآية 1)
لماذا يقسم الله بشيء من مخلوقاته
|
الإنسان بضعة أيام ومضي الزمن يستهلكه :
الزمن هو البعد الرابع للأشياء
|
دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُ إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَوان ***{ أحمد شوقي }
هذا واقع، فنحن أقسم الله لنا بالزمن لأننا زمن، الآن ما جواب القسم؟ (وَالْعَصْرِ) قسم، الجواب: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) دائماً أخواننا الكرام عندما تأتي بقسم وجواب قسم في القرآن الكريم ابحث عن السر بين المقسم به وجواب القسم، هذا موضوع مهم جداً بعلوم القرآن، ربنا عز وجل كلامه مبين واضح، لكن يحتاج إلى تأمل، فدائماً هناك سر بين المقسم به وجواب القسم، مثلاً ربنا عز وجل قال: |
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا * إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ(سورة العاديات: الآية 1-2-3-4-5-6)
الإنسان في القرآن
|
الوقت أثمن من المال :
الآن: يوجد لدينا المال، ويوجد لدينا الوقت، الإنسان المال غال عليه، المال شقيق الروح، كلنا نحب المال: |
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ(سورة العاديات: الآية 8)
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) قال: الخير هنا هو المال، والإنسان يفرح بما زيّن الله له في الدنيا، سيدنا عمر بن الخطاب لما قرأ قوله تعالى: |
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(سورة آل عمران: الآية 14)
الوقت أثمن من المال
|
الإنسان خاسر إلا إن حقق أربع صفات :
أركان النجاة
|
الإيمان تصديقٌ وإقبال و الكفر تكذيبٌ وإعراض :
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)؛ الإيمان هو شيئان: تصديقٌ وإقبال، الكفر: تكذيبٌ وإعراض، ما معنى كفر؟ غطاء، نحن عندنا بالشام يقولون: كفر بطنا، كفر كذا، ماذا يعني كفر؟ من شدة انتشار الأشجار تغطت الأرض، فسموها كفر بطنا، شدة الغطاء النباتي، وبالإنجليزية (Cover) كفر نفسها، فالكفر هو الغطاء، شيء يغطي، فالكافر: |
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا(سورة الكهف: الآية 101)
الإيمان تصديق وإقبال على الله
|
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا(سورة الأنفال: الآية 2)
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: |
{ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ "- الثوب يبلى والإيمان يخلق- فَاسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ }
(صححه الألباني في صحيح الجامع)
وكان الصحابة يقولون: تعال بنا نؤمن بربنا ساعة، فهذا المجلس الكريم الطيب هو مجلس إيمان، يزيد في الإيمان، كلنا أنا وأنتم نزداد إيماناً بالمجالس الطيبة، وإذا أعرضنا فترة طويلة سافرنا لمكان، وانشغلنا، وانغمسنا بالحياة، يقول: والله قلبي جفّ أصلي وأصوم وكذا ولكني أشعر بضعف الإيمان، فالإيمان يقوى ويضعف، مهمة الإنسان دائماً أن يرعى إيمانه، أن يزيد في إيمانه، فالإيمان هو التصديق مع الإقبال على الله عز وجل، الإقبال مبني على هذه المجالس، مبني على قيام الليل، مبني على التفكر بخلق السماوات والأرض، مبني على صدقة تدفعها لا تعلم يمينك ما أنفقت شمالك، هذا كله يساعد بالإيمان، الإيمان مبني على الصحبة الصالحة، تشعر بإقبال أكثر على الله، كلما أكثرت من البر وأعمال الخير، سواءً العبادات التي نفعها لك، أو المعاملات التي نفعها متعد إلى الآخرين، فأنت بذلك تصعّد بإيمانك، تُصَعِّد الإيمان نحو الأعلى، فالإيمان هو علم، طلب علم، هو في الأساس الإيمان طلب علم، كلما علمت أكثر تصرفت بناءً على هذه المعلومات بشكل أكثر، فهذا الجانب الأول، دعونا نقول: هو الجانب العقدي أو الفكري أو الأيديولوجي، أو يسمونها بالأنظمة الداخلية المنطلقات النظرية، أي الجانب الفكري، هذا إيمان، لكن لأنّ الإسلام في الأصل لا يقبل إيماناً بلا حركة أو لا يجدي إيمانٌ بلا حركة، لا يجدي، لابد من أن يتبعه حركة، لذلك ربنا عز وجل قال: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) فوراً، وبكل الآيات (آمَنُوا وَعَمِلُوا) فالإيمان اعتقادٌ بالجنان – بالقلب- اعتقاد، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالأركان، فهناك عمل، فلما قال: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) انتقل فوراً إلى (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). |
ارتباط العمل الصالح بالإيمان لأن الإيمان هو الأساس :
ما هو العمل الصالح؟
|
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا(سورة الزمر: الآية 73)
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا(سورة الزمر: الآية 71)
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا)، (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) المشهد واضح، فالإنسان مهمته إذا أراد أن يعمل عملاً أن يقول: يا ترى هل أستطيع بهذا العمل أن أمر أم لن أستطيع المرور؟ فقط هذه هي المعادلة، إذا مرّ معك أحضره، إذا لم يمر فهو غير ضروري، لأنك ستدفع أكثر من سعره، سيكلفك أكثر من سعره وسيصادر. |
الإيمان أول أركان النجاة
|
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا(سورة طه: الآية 142)
معيشة الضنك هي البعد عن الله
|
فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ(سورة القصص: الآية 79-80)
فأنت ترى بذور الهلاك في كل عمل سيئ، وترى بذور الصلاح في كل عمل صالح، فتتجه إلى الحق وتبتعد عن الباطل، هذه (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا). |
الإسلام حركي و ليس سكونياً :
الغيمان يدفعنا للعمل الصالح
|
{ بعثَتْ بنو سعدِ بنِ بكرٍ ضِمامَ بنَ ثَعْلبةَ وافدًا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقدِمَ عليه، وأناخَ بعيرَه على بابِ المسجِدِ، ثم عقَلَه، ثم دخَل المسجِدَ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جالسٌ في أصحابِه، وكان ضِمامٌ رجُلًا جَلْدًا، أشعَرَ، ذا غَديرَتَينِ، فأقبَلَ حتى وقَف على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أصحابِه، فقال: أيُّكم ابنُ عبدِ المُطَّلِبِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبِ، قال: محمدٌ؟ قال: نعَمْ، فقال: ابنَ عبدِ المُطَّلِبِ، إنِّي سائلُكَ ومُغلِّظٌ في المسألةِ، فلا تجِدَنَّ في نفسِكَ، قال: لا أجِدُ في نفسي، فسَلْ عمَّا بدا لكَ، قال: أنشُدُكَ اللهَ إلهَكَ، وإلهَ مَن كان قبلَكَ، وإلهَ مَن هو كائنٌ بعدَكَ، آللهُ بعثَكَ إلينا رسولًا؟ فقال: اللَّهُمَّ نعَمْ، قال: فأنشُدُكَ اللهَ إلهَكَ، وإلهَ مَن كان قبلَكَ، وإلهَ مَن هو كائنٌ بعدَكَ، آللهُ أمرَكَ أنْ تأمُرَنا أنْ نعبُدَه وحدَه، لا نشركُ به شيئًا، وأنْ نخلَعَ هذه الأندادَ التي كانت آباؤُنا يعبُدونَ معه؟ قال: اللَّهُمَّ نعَمْ، قال: فأنشُدُكَ اللهَ إلهَكَ، وإلهَ مَن كان قبلَكَ، وإلهَ مَن هو كائنٌ بعدَكَ، آللهُ أمَرَكَ أنْ نُصلِّيَ هذه الصلواتِ الخمسَ؟ قال: اللَّهُمَّ نعَمْ، قال: ثم جعَل يذكُرُ فرائضَ الإسلامِ فريضةً فريضةً: الزَّكاةَ، والصِّيامَ، والحَجَّ، وشرائعَ الإسلامِ كلَّها، يُناشِدُه عندَ كلِّ فريضةٍ كما يُناشِدُه في التي قبلَها، حتى إذا فرَغ قال: فإنِّي أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وسأؤدِّي هذه الفرائضَ، وأجتنِبُ ما نَهَيْتَني عنه، ثم لا أزيدُ، ولا أنقُصُ، قال: ثم انصَرفَ راجعًا إلى بعيرِه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَ ولَّى: إنْ يصدُقْ ذو العَقيصَتَينِ يدخُلِ الجنَّةَ، قال: فأتى إلى بعيرِه، فأطلَقَ عِقالَه، ثم خرَجَ حتى قدِمَ على قومِه، فاجتَمَعوا إليه، فكان أولَ ما تكلَّمَ به أنْ قال: بِئسَتِ اللاتُ والعُزَّى، قالوا: مَهْ يا ضِمامُ، اتَّقِ البَرَصَ والجُذامَ، اتَّقِ الجنونَ، قال: وَيْلَكم، إنَّهما واللهِ لا يَضُرَّانِ، ولا يَنْفعانِ، إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد بعَثَ رسولًا، وأنزَلَ عليه كتابًا استَنْقَذَكم به مما كنتُم فيه، وإنِّي أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، إنِّي قد جِئتُكُم من عندِه بما أمَرَكم به، ونَهاكم عنه، قال: فواللهِ ما أمسَى من ذلك اليومِ وفي حاضِرِه رجُلٌ ولا امرأةٌ إلَّا مسلمًا. قال: يقولُ ابنُ عبَّاسٍ: فما سَمِعْنا بوافدِ قومٍ كان أفضَلَ من ضِمامِ بنِ ثَعْلبةَ }
(تخريج المسند)
فالعمل مرافق للإيمان، الإيمان يعبر عنه بالعمل فوراً، إيمان سكوني، إيمان يجلس الإنسان دون أن يتحرك، لا يوجد، لابد أن تتحرك، تدفع، تعطي، الحركة، العمل له اتجاهان: اتجاه عمودي واتجاه أفقي، الاتجاه العمودي هو الحركة نحو الخالق، والأفقي هو الحركة نحو المخلوق، ونوِّع بينهما، الحركة نحو الخالق، والحركة نحو المخلوق. |
الحركة نوعان؛ حركة نحو الخالق و حركة نحو المخلوق :
الحركة نوعان
|
إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩(سورة ص: الآية 22-23-24)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(سورة ص: الآية 26)
سليمان بالعكس تماماً: |
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ(سورة ص: الآية 32)
إقامة الصلاة هي الحركة نحو الخالق
|
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(سورة الكوثر: الآية 2)
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) من أجل أن تطعم المخلوقات (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) عامودية (وَانْحَرْ) أفقية، فنحن عندنا حركتان في الحياة ينبغي أن يكونا متوازنتين، أي لا تطغى واحدة عن الأخرى، لا نستغرق بالعبادة وننسى معاونة الناس، معاونة الناس بأي شيء، بكلمة طيبة، بصدقة، بشيء، وينبغي أيضاً ألا نغفل عن الحركة نحو الخالق، بأنه أنا دائماً أساعد الناس، لا، أنت بحاجة جرعة لروحك، تحتاج قيام الليل، تحتاج صلاة الضحى، تحتاج أحياناً صيام نفل، تنمي إيمانك، فالحركتان متوازيتان، فهنا نقول: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) العمل الصالح حركتان، حركة نحو الخالق، وحركة نحو المخلوق. |
التواصي بالحق :
التواصي بالحق
|
فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ(سورة التوبة: الآية 122)
أنت داعيةً بأخلاقك وسلوكك
|
قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي(سورة يوسف: الآية 108)
فكلنا متّبعون لرسول الله، فبالنتيجة كلنا ندعو إلى الله، لكن كل إنسان في المكان الذي أقامه الله فيه، فمنا من يدعو بكلامه وبخطبه، ومنا من يدعو بسلوكه، ومنا من يدعو بنصيحته، ومنا من يدعو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعمله، بمتجره، بأي مكان، (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ). |
التواصي بالصبر :
الآن الرابعة، ركن النجاة الأخير هو الصبر (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). |
أخواننا الكرام؛ الصبر نحتاجه في الأركان الثلاث الأولى، أي الإيمان يلزمه صبر، مجلس الإيمان يلزمه صبر، مجلس العلم يحتاج إلى الصبر: |
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا(سورة طه: الآية 132)
الصبر يشمل كل شيء
|
{ عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَه }
(صحيح مسلم)
كان عمر رضي الله عنه يقول: "وجدنا ألذ عيشنا في الصبر"، أي يوم كنا صابرين، أيام الإسلام الأولى سيدنا أبو هريرة لا يجد ما يأكل، يمر أبو بكر فيسأله، قال: ما سألته إلا ليشبعني، لعل معه شيئاً، ثم يمر عمر فسألته عن آيةٍ في كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رآني فتبسم فعرف ما في وجهي، فقال: قم بنا، فأخذه وذهبوا لعند أبي أيوب الأنصاري، فلما كانوا في الصبر قال: وجدنا ألذ عيشنا في الصبر، ثم فتحت الدنيا، لكنه كان يجد عيشه ولذة عيشه في الصبر لأنه يشعر بقيمة الرضا عن الله عز وجل: |
رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ(سورة التوبة: الآية 100)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّه كان يقول: |
{ والله الذي لا إله إلا هو إِنْ كُنْتُ لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإِنْ كنت لأَشُدَّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدتُ يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية مِنْ كتاب الله ما سألته إلاّ ليشبعني فمرَّ ولم يفعل، ثم مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليشبعني فمرَّ ولم يفعل، ثم مرّ أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فتبسَّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي ثم قال: (أبا هر) قلتُ: لبيك يا رسولَ اللهِ. قال: (الحق) ومضى فتبعته فدخل فاستأذن فأَذن لي فدخل فوجد لبناً في قدح فقال: (مِنْ أين هذا اللبن؟) قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: (أبا هر) قلت: لبيك يا رسولَ اللهِ، قال: (الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي)، قال: وأَهل الصُّفَّةِ أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مالٍ ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأَشركهم فيها، فساءني ذلك فقلتُ: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أَحقُّ أَنْ أُصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني فكنتُ أَنا أعطيهم، وما عسى أَنْ يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتُهم فدعوتُهم، فأَقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال: (أبا هر) قلتُ: لبَّيك يا رسولَ اللهِ، قال: (خذ فأعطهم) قال: فأخذتُ القدح فجعلتُ أُعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد عليّ القدح، فأُعطي الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرُدُّ عليّ القدح، حتى انتهيتُ إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد روى القوم كلُّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إِليّ فتبسَّم فقال: (يا أبا هر) قلت: لبيك يا رسولَ اللهِ قال: (بقيتُ أَنا وأَنت) قلت: صدقْتَ يا رسولَ اللهِ، قال: (اقعد فاشرب) فقعدتُ فشربْتُ، فما زال يقول اشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مسلكاً، قال: (فأرني) فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة }
(رواه البخاري)
الرضا عن الله
|
{ يؤتَى يومَ القيامةِ بأنعَمِ أَهْلِ الدُّنيا منَ الكفَّارِ، فيُقالُ: اغمِسوهُ في النَّارِ غَمسةً، فيُغمَسُ فيها، ثمَّ يقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ نعيمٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا، ما أصابَني نعيمٌ قطُّ، ويؤتَى بأشدِّ المؤمنينَ ضرًّا، وبلاءً، فيقالُ: اغمِسوهُ غمسةً في الجنَّةِ، فيُغمَسُ فيها غمسةً، فيقالُ لَهُ: أي فلانُ هل أصابَكَ ضرٌّ قطُّ، أو بلاءٌ، فيقولُ: ما أصابَني قطُّ ضرٌّ، ولا بلاءٌ }
(صحيح ابن ماجة)
فالنتيجة تتحقق بالأمرين، لكن الإنسان من أدبه مع الله عز وجل لا يطلب إلا العافية، اللهم نسألك تمام العافية، لكن عافيتك أوسع لنا، لكن نوطن أنفسنا أن الحياة امتحان، فلو جاء فنحن صابرون إن شاء الله، لكن نسأل الله عز وجل العافية (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) الصبر يكون على طاعة الله، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) يكون عن معصية الله، شهوة أمامك وتصبر عنها، ويكون على قضاء الله وقدره عندما يأتي القضاء والقدر. |
إذاً أركان النجاة أربعة: إيمانٌ أو علمٌ، وعملٌ، ودعوةٌ، وصبرٌ |
صبرٌ على طلب العلم، وعلى العمل بما علم، وعلى الدعوة إلى العلم، الصبر يشمل كل شيء. |
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(سورة العصر: الآية 3)
هذه سورة العصر قليلة الكلمات عظيمة المعاني، قال عنها الإمام الشافعي: "لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لكفتهم" |