تفسير الرؤى الثلاث في سورة يوسف

  • الحلقة الثالثة
  • 2021-02-14

تفسير الرؤى الثلاث في سورة يوسف


مقدمة وترحيب:
المقدم الدكتور مراد نواف الرفاعي:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أحمدك يا ربي حَمْدَ الشّاكِرينَ، الحمد لله الذي ارتفعت عن مطارح الفكر جلالته، وجلَّت عن مطامح الهمم عزته، وتعالت عن مُشابهة الأنام صفته، وعجزت مدارك الأفهام قدرته، وفاقت مبالغ الأوهام عَظَمته، الفرد الصمد الذي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) خَلقَ الخَلْقَ وأحْصاهم عدد، الحمد لله الذي جعل أهل الجنة في حدائقها وجعل أهل النار في سُرادقها، وتنزَّه الله أن يكون له في تنعيم هؤلاء فائدة ولا من تعذيب هؤلاء عائدة، جَلَّت الأحدية وتقدَّسَت الصَّمدية، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الغُرِّ الميامين، يارب صَلِّ عَلَى اَلْنَّبِيِّ المُصْطَفَى ما قال ذو كرمٍ لضيفٍ مرحبا.
حيى الله إخواني المشاهدين وأسعد الله مساءكم في هذه الليلة الطيبة المباركة وفي برنامجكم رِحْلَة الصِّدِّيْق، الصِّدِّيْق يوسف عليه السلام، تتناول قصة يوسف عليه السلام في مفهومها أحداثاً كبرى ارتبطت ببعض الرؤى المناميَّة التي شكلت حضوراً مهماً في هذه السورة من خلال ثلاثِ رؤى، الأولى هي رؤيا الخصوص، رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام في نفسه وما سيخصُّه الله عزَّ وجلَّ من ملكٍ وحكمةٍ، قال تعالى:

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)
(سورة يوسف)

هذه الرؤيا الخاصة بسيدنا يوسف عليه السلام، أما الرؤيا الثانية هي ما نقله القرآن الكريم عن سجينين عرضا رؤاهم على سيدنا يوسف الصديق الذي أحبَّهم وأحبُّوه، الصِّدِّيْق يوسف الذي كان يزورهم ويخفِّف عليهم إذا كان عندهم عزاءٌ ويخفف عليهم إذا مرضوا، نعم سيدنا يوسف جاؤوا إليه، جاؤوا إلى ذلك الصِّدِّيْق، إلى العزيز ليقولوا له:

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
(سورة يوسف)

وبعد أن دعا الله عزَّ وجلَّ يوسف عليه السلام أفتى لهم بالتأويل:

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
(سورة يوسف)

أما الرؤيا الثالثة: فهي رؤيا الملك، رؤيا النجاة إن صحَّ التعبير، نعم هي رؤيا النجاة التي كانت سبباً لاستحضار سيدنا يوسف عليه السلام للتعبير، ليُعبِّر رؤيا الملك وأن يتبوأ المنزلة التي آلت به إلى ملِك مصر واجتماعه بأهله:

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
(سورة يوسف)

نعم هي ثلاثة رؤى عاشها سيدنا يوسف عليه السلام، هذا محور لقائنا لهذا اليوم نتكلم عن دلالات الرؤيا، عن علم الرؤيا، عن اللطائف الجميلة حول رموز الرؤى، نسعد اليوم باستضافة خبيرٍ وعالمٍ من العلماء في هذا المجال الدكتور عبد الرازق سدر، أهلاً وسهلاً بكم دكتور.

الدكتور عبد الرازق سدر:
حياكم الله يا مرحباً، حفظكم الله.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
اعتدنا على رؤيتك في القنوات الفضائية المتعددة وأنت تحلِّق وتُبدع في تفسير الرؤى، أهلاً وسهلاً بكم.

الدكتور عبد الرازق سدر:
حياكم الله وحفظكم يا رب العالمين.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وصديقي العزيز وضيفي الدائم الدكتور بلال نور الدين أهلاً وسهلاً بك.

الدكتور بلال نور الدين:
حياكم الله يا سيدي، أكرمكم الله.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
حياكم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، الدكتور عبد الرازق أهلاً وسهلاً بك من جديد وحياكم الله، اعتدنا في رِحْلَة الصِّدِّيْق أن نختار أصحاب اختصاصاتٍ في كلِّ حلقة من حلقاتنا، فاليوم نسعَدُ بك مع أخينا الدكتور بلال، دكتور لو تقدِّم لنا تمهيداً بدايةً عن علم الرؤيا ودلالاتها في ثقافتنا الإسلامية وأيضاً في الثقافات الأخرى، يعني كما تعلَم ذهبت النبوَّة وبقيت المبشِّرات، كانت الرؤيا فيهم وحياً هل تُعطينا دلالاتٍ لهذه الرؤى؟

الدكتور عبد الرازق سدر:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وأفضلُ الصَّلاة وأتمُّ التسليم عَلَى اَلْنَّبِيِّ المَبْعوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ نبينا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ومن سار على هديه ودربه واكتفى بنور هديه وسنته إلى يوم الدين، اللَّهُمَّ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ:

قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)
(سورة طه)


تمهيد عن علم الرؤى:
أولاً قاعدةٌ دائماً نقولها: مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ، وهذا شرفٌ لي حقيقةً أن أكون بينكم، بين عالِمين من علماء المملكة الأردنية حقيقةً الله يحفظكم ويرضى عنكم، وحقيقةً أنا أحب دائماً أن أسير في طريق أي أمرٍ متعلِّقٍ بسورة يوسف عليه السلام بصدقٍ وأمانة.
أولاً: علم الرؤى، حقيقةً لم تخلُ ديانةٌ من الديانات اليهودية أو النصرانية أو الإسلامية إلا وفيها هذا العلم، وأكثر اعتمادها على قوةٍ تسمى قوة النفس، لكن حقيقةً الدين الإسلامي وضع قواعداً وشروطاً متعلقةً سواء كان بالرؤيا أو سواء كان بالرائي أو سواء تعلقت بالمؤوِّل، لذلك نحن نُفرِّق، القرآن الكريم كان دقيقاً في إعطاء لفظِ التأويل:

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
(سورة يوسف)

ولذلك ستجد؛ قال:

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
(سورة يوسف)

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)
(سورة يوسف)

وهنا حقيقةً المفتاح الذي قد جعله الله سبحانه سلطةً وقوةً ليوسف عليه السلام لتكون النجاة، وهذه الرؤيا حقيقةً كانت تعبيرها ليس للملِك بل؛ وهذه القاعدة وضعها العلماء قالوا: قد تكون أيضاً للمؤوِّل، فجمَعَ الله في هذه الرؤيا بين يوسف عليه السلام وخروجه من السجن وكذلك ما كان تعلق بالشعب.

الرؤيا عند أهل السنة والجماعة:
أجمل ما قيل في علم الرؤى
أولاً: الرؤيا عند أهل السُنَّةِ والجماعة قالوا: خلقٌ يخلقه الله في قلب الرائي، فإن دخل الشيطان وهو القسم الثالث؛ قد يكون الحُلم من فعل الشيطان، مكانه القلب، أجمل ما قيل حقيقةً في علم المنامات ما عبَّر عنه بعض الْمُؤَوِّلِينَ، قال: أن الروح تصعد حتى تصل إلى اللوحِ المحفوظ فتأخذ جؤزاً وتقتبس جزءاً مما كُتِبَ لها ثم تعود، من أجل ذلك عندما تنظر في بعض الأحيان علم الرؤى أخذ ثلاث أو أربع مفاهيم، إما أن تكون لها تعلُّقات نفسية أو تعلُّقات فلسفية أو تعلُّقات دينية بضوابط معينة وهذا الذي نسير عليه حقيقةً، العلماء لما نظروا إلى العوالم قسموها على ثلاثة أقسام قالوا: علم الحس والمشاهدة، ثم بعدها تنتقل إلى عالمٍ يُسمى عالم المثال.
أضرب لك مثالاً سيدي، لما يأتي إنسانٌ ويقول لك: رأيت تاجاً أو كما قال يوسف عليه السلام: (رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) لم يأخذها على حقيقتها بل جرَّدها من مفهومها الحسي، الواقع، المُحيَّز، إلى مفهوم أو دلالة ثانية، ثم بعدها تنتقل إلى عالمٍ آخر هو عالم يُسمى عند الفلاسفة عالم العقل هذا المجرد كاملاً، الأقسام ثلاثة: كما هو معروفٌ ومعلومٌ، علم حديث النفس: هو عادةً ما يحدث في هذه الأيام أن الإنسان من طبيعته إذا نام وعقله أو نفسه دائمة التفكير في مسألةٍ وقَعَ فيها فيراها، وهذا ضربوا له مثالاً حقيقةً هو كإنسانٍ نام عطشاناً فوجد نفسه أنه في بحرٍ يشرب الآن هو يُؤولها بقول الله سبحانه:

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
(سورة الأنبياء)

لكن حقيقةً لو جئت إلى المفهوم الصحيح أنت كنت نائماً وأنت عطشانٌ فرأيت نفسك أنك في البحر، والثانية هي الرؤيا الصادقة التي يراها المُؤمن أو تُرى له، والثالثة هو تدخلٌ شيطانيٌّ، طبعاً من الجميل حقيقةً أن علماء الإسلام من الصحابة والتابعين وغيرهم تميزوا بشيءٍ من الفراسة أي الاستنباط السريع، ولذلك تجد في بعض الأحيان أن بعض العلماء يقول لك: بابٌ في القياس، تقيس شيئاً على شيء، بابٌ في طريقة معرفة المؤوِّل من أول حرفٍ يتكلَّم به الرائي، يعني مثلاً إنسانٌ جاءك يقول: رأيت أسداً، يقول المؤول: توقف، أما الألف فكذا وكذا وكذا..
وكذلك قصة جميلة جداً يا دكتور مراد، عالمٌ يدعى خليد الأصفهاني، يقول أن أحد الأمراء قام من نومه منزعج رأى رؤيا فنسيها، وهذا وضعوا له كتاباً سموه كيف يستنبط المؤول ما نسيَ الرائي في منامه، فقال: جمع كلَّ المفسرين وقال لهم: أريد منكم أن تعرفوا ماذا رأيت؟ قالوا: يا أمير المؤمنين والله ما نحن بسحرةٍ ولا كهنةٍ، فقال: معكم يومٌ كامل، فلما سمع هذا الأصفهاني وهو مترجم الكتب السريانية، فقال: يا أمير المؤمنين أسألك سؤالاً واحداً، فسأله هذا السؤال فاستفزه، فوضع أمير المؤمنين يده على رأسه ثم أنزلها على عينيه وعلى وجهه حتى ضرب على فخذه، فقال: يا أمير المؤمنين الآن علمت ما هي رؤياك، قال: قل، قال: كنت على سطحِ جبلٍ عالٍ ما بينك وبين الجبل هذا إلا السماء، ثم نزلت وادياً حتى وصلت عيناً كانت مالحةً، ثم بعدها خُضت مع قومٍ حولك فقمت مفزوعاً، قال: لله أبوك ساحراً، قال: معاذ الله، لسنا أهلاً للسحر وليس السحر لنا أصلاً، قال: فكيف عرفت؟ انظروا للذي نريد أن نصل إليه وهو مفهوم الحركة التي قام بها أمير المؤمنين، الحركات نحن نسميها الآن علم تعبير الوجه وهو علم الفراسة حقيقةً قديماً، قال: لما وضعت يدك على رأسك كنت في أعلى الجبل فما بينك وبينه إلا السماء، فلما نزلت وضعت يدك على ناصية رأسك إنما نزلت على حجرٍ أملسٍ حتى وصلت إلى عينين مالحتين ثم بعدها خُضت معركةً مع المقربين وستخوضها، لأن الفخذ دلالةٌ على الأقارب، قال: صدقت وهذا ما رأيت، وهذا حقيقةً من جماليات علم الفَراسة ويسمى علم قوة النفس.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
جميل، جميل، دكتور؛ الآن في الكتب عندنا بابٌ من الأبواب باب الرؤى يعني هذا بابٌ يُدرَّس والرؤى هي علمٌ وهذا العلم لا يُمنح لأي إنسان، نحن عندما نتكلم عن التفسير نقول لفظة التفسير مأخوذةٌ من الفِسر، والفِسر هو البول الذي يتفحصه الطبيب لإيجاد علَّة المريض، نقول: أسفرت المرأة عن وجهها أي كشفت وبانت، نقول المُسفرة أي المكنسة التي تكنس الأرض، نقول التفسير الكشف والبيان والإيضاح، فلهذا من يتخصص في عِلم الرؤى يجب أن يكون عالماً بالكتاب وبالسُّنة، عالماً بكلام العرب عالماً بألفاظ اللغة العربية هذا مهمٌّ جداً للمُفسر، ننتقل إليك دكتورنا العزيز دكتور بلال تكلم الدكتور عن أقسام ما يراه النائم في نومه، ما موقف المُؤمن من كُلٍّ منها إذا سمحت؟

موقف المؤمن من الرؤى:
الدكتور بلال نور الدين:
جزاك الله خيراً سؤالٌ مهمٌّ جداً، هو كما تفضل الدكتور؛ الرُّؤْيَا ثَلاثَة كما في صحيح مسلم:

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا ثَلاثَةٌ: فَالرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ ... }

(صحيح مسلم)

(وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ) يعني من أجل أن يدخل الحزن إلى قلب الإنسان.
الرؤيا الصالحة يُحدِّث بها من يُحب
ما موقف المؤمن؟ الرؤيا الصالحة يُحدِّث بها من يُحب، يرويها لأحبابه لأصحابه ممن يرجو له الخير، يقصُّ الرؤيا على أبيه، على أمه، على إخوته ممن يعلم أنهم يُحبونه، يفرح بها، يستبشر بها خيراً، هي بشرى من الله فيستبشر بها خيراً، وهذه الرؤيا الصالحة حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

{ كشَف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السِّتارةَ في مرضِه الَّذي مات فيه والنَّاسُ صفوفٌ خَلْفَ أبي بكرٍ فقال : ( إنَّه لَمْ يَبْقَ مِن مُبشِّراتِ النُّبوَّةِ إلَّا الرُّؤيا الصَّالحةُ يراها المؤمنُ أو تُرَى له ألَا وإنِّي نُهِيتُ أنْ أقرَأَ راكعًا أو ساجدًا أمَّا الرُّكوعُ فعَظِّموا فيه الرَّبَّ وأمَّا السُّجودُ فاجتهِدوا في الدُّعاءِ فقَمِنٌ أنْ يُستجابَ لكم }

(صحيح ابن حبان)

هذه من الْمُبَشِّرَات.
أما الحُلم الذي يكون من الشيطان فهو للتَحْزِين، ما ردُّ المؤمن على ذلك؟ هل يحزن؟ الحزن لم يرد في القرآن إلا منهياً عنه: (لَا تَحْزَنَ)، أما الفرح ورَدَ مأموراً به:

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)
(سورة يونس)

الحزن يُدخل الهم إلى القلب
أما الحزن فيدخل الهم إلى القلب مما يمنع الإنسان من النشاط، فلا ينبغي أن يستجيب لهوى الشيطان فيحزن لما رآه، فموقفه من هذا الحُلم مما رآه في نومه ألا يُحدِّث به أحداً بل يكتمه، هذه وصايا النبي صلى الله عليه وسلم، أولاً: لا يُحدِّث أحداً، ثانياً: يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وفي رواية: فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، ويتفلُ عن يساره ثلاث مرات، هذا توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لمن رأى شيئاً يكرهه في منامه، وفي صحيح مسلم؛ يروي أحد الصحابة الكرام:

{ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ الْبَارِحَةَ كَأَنَّ عُنُقِي ضُرِبَتْ، فَسَقَطَ رَأْسِي، فاتَّبَعْتُهُ، فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَعَدْتُهُ مَكَانَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا لَعِبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ، فَلا يُحَدِّثَنَّ بِهِ النَّاسَ }

(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ)

توجيهٌ واضحٌ جداً، الشيطان يلعب بك فلا تستجِب لألعابه ولا تُحدِّث الناس.
النوع الثالث: حديث النفس، أَضْغَاث الأَحْلَام، ووردت في سورة يوسف:

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)
(سورة يوسف)

طبعاً هم قالوها لأنهم لم يعرفوا التعبير، هي ليست (أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ) هم ظنوها كذلك أما معنى كلمة ( أضغاث ) فنستنبطها من قوله تعالى:

وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
(سورة ص)

الضِّغْث أخْلاط، كما تفضل الدكتور، وفي تجربةٍ شخصيةٍ لي عندما يكون عندي امتحاناتٌ دائماً كنت أحل مسائل رياضيات، وأُعرب الإعراب، وكل شيءٍ درسته ونمت عليه فإنني أقضي ليلي به، فهذا من حديث النفس الذي يُحدِّث به الإنسان نفسه فيرى في نومه ما نام عليه، لذلك في حديثٍ شريفٍ إشارةٌ جميلة جداً، لمَّا أمر الرسول أن يقرأ الآيتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورةِ البقَرةِ فقال له:

{ عن أَبي مسعودٍ البدْرِيِّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: منْ قَرَأَ بالآيتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورةِ البقَرةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ }

(متفقٌ عَلَيْهِ)

اجْعَلهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ، لأنه ينام على ترسيخ هذه العقيدة، عقيدة الإيمان، فإذا رأى شيئاً يرى في الأعمِّ الأغلب رؤيا من الله عزَّ وجلَّ حتى يكون حديث النفس في هذه القضية في قضية الإيمان:

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
(سورة البقرة)

فباختصارٍ شديدٍ الرؤيا الصالحة يُحدِّث بها من يحب، والحُلم من الشيطان لا يستجيب له يستعيذ فيقوم فيصلي ويتفلُ عن يساره، وحديث النفس لا يلتَفِتُ له فهو شيءٌ طبيعي.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
هذا يدفعنا دكتورنا العزيز بأن نأخذ بسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم على وضوءٍ وأن يقرأ آيات السجدة والمُلك وأيضاً ينفِث على جسمه، هذا كله له معانٍ، اليوم دكتورنا زادت هذه المسألة نحن نعلم في نهاية عهد سيدنا عمر رضي لله عنه خرج محمد بن سيرين، الذي الآن لا نذكر شيئاً من المنامات إلا نقول: محمد بن سيرين، وكانوا على مدار التاريخ الإسلامي يختلف عما هو اليوم وهذا الذي دعانا اليوم إلى أهل الاختصاص، عندما نتكلم عن الدكتور محمد عبد الرازق نتكلم عن دكتوراه في العقيدة، هو أصلاً شيخٌ ودارسٌ في علوم الشريعة وإلخ.. والرؤى أيضاً هذا العلم يحتاج إلى إلهامٍ وتوفيقٍ من الله عزَّ وجلَّ، دكتورنا الدكتور عبد الرازق؛ الرؤيا محورٌ أساسيٌّ ومركزيٌّ في قصة سيدنا يوسف عليه السلام وهذا يدفعنا إلى التساؤل هل من الممكن أن تكون الرؤيا من الأمور المهمة والمقدسة عند بني إسرائيل؟ فنحن أمام اهتمامٍ بتأويل الرؤى كما ورد، رؤيا السجينين والرؤيا الأساسية مع سيدنا يوسف ورؤيا الملك، في عهد سيدنا عيسى معروفٌ كان الطب وغيره وإحياء الموتى وإلخ.. ماذا تقول في هذا الشأن؟

أهمية الرؤى عند بني إسرائيل:
الدكتور عبد الرازق سدر:
تفسير الرؤى في العهد القديم
سيدي أولاً: العهد القديم أسفاره مليئةٌ بهذه الأمور، ومن العجيب أنك تجد في بعض الأحيان خاصةً عند اليهود أنهم يُحددون إذا رأيت أمراً معيناً وخِفت منه مباشرةً قم من نومك واعكس هذا الكلام، يصفون مفهوم العكس وهي صفةٌ موجودةٌ عند بعض المؤولين وهي قاعدةٌ في علم التأويل، اعكس، ولذلك أنا أضرب مثالاً: كمن رأى دلواً، ألقى دلواً في بئر، قال: مباشرةً اعكس كلمة دلو فيأتيك ولد، وهذه قاعدةٌ معروفةٌ حقيقةً، وأنا كما ذكرت قواعد علم التأويل حقيقةً مضطربة لأنها تتعلق بالنفس ولا تتعلق حقيقةً بأمورٍ متعلقةٍ بأي إنسان، هي حياة روح، يوسف عليه السلام قصته ابتدأت برؤيا وانتهت بقوله:

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
(سورة يوسف)

لكن من العجيب دكتور أنك تجِد لو سِرت يعني:

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
(سورة يوسف)

هذه الكلمات حقيقةً عملت معانٍ داخليةٍ لكلِّ الأمر الذي مرَّ فيه يوسف عليه السلام حتى وصل إلى قوله سبحانه: (هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ) تعال الآن ارجع مرَّة أخرى ستجد أن الزمن عكسي لما أوَّل مفهوم رؤيا الملِك بدت الآن أمورٌ عكسيةٌ وهذا مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى:

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)
(سورة يوسف)

الآن تعال لرؤيا الملك أصبح عزيز مصر، بدأ يرجع قليلاً، ارجع إلى الزمن ستجد بأنه بدأ يجد إخوانه إلخ، حتى وصل إلى لقاء أبيه، وهذا قول الله سبحانه: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) حقيقةً الديانة اليهودية مليئةٌ بهذا، بل إن بعضهم كان يعتبر أن المؤوِّل له سلطةٌ كبيرةٌ جداً، يهاب، يخاف حقيقةً، وأنت تعلم بعضهم ضرب مثلاً رؤيا فرعون لما رأى أن ناراً تدخل إلى قصره ويحترق، الآن جاؤوا وقالوا له: هناك مشكلةٌ حصلت، فأمر أن يُقتل لأنه فهم، لذلك لماذا تجد في بعض الأحيان قد يقع في نفس الرائي وهذا ما جاء إليه بعض العلماء، أنه قد يقع في نفس الرائي في بعض الأحيان أمورٌ معينةٌ يقول لك: ما الذي وقع في نفسك؟ تقول له: وقع في نفسي كذا وكذا وكذا.. لذلك في آخر سورة يوسف:

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)
(سورة يوسف)

هو طلب منهم التأويل ولم يطلب منهم التفسير، هنا تجد أن القرآن كان دقيقاً، هناك فرقٌ بين التعبير والتفسير والتأويل، التفسير بدايةً إعطاء أمورٍ ظاهرية، التعبير بداية دخول، التأويل إيقاعها على حقيقتها، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى ماذا يقول؟

هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)
(سورة الأعراف)

يعني وقوعه على حق، ولذلك تجد أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام رؤاهم كلها على حق، وهذا حقيقةً مرتبطٌ بين أمرين أو مفهومين الصدق الخارجي الذي يعيشه الإنسان صدق الواقع مع صدق الرؤيا في حديث الترمذي رضي الله عنه ماذا يقول؟

{ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ‏"‏ إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَالرُّؤْيَا ثَلاَثٌ فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَالرُّؤْيَا مِنْ تَحْزِينِ الشَّيْطَانِ، وَالرُّؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ وَلْيَتْفُلْ وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ قَالَ وَأُحِبُّ الْقَيْدَ فِي النَّوْمِ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ }

(رواه الترمذي)

انظر للربط، لذلك تجد في بعض الأحيان الناس تقول لك: رأيت في المنام كذا، وكذا، وكذا، وفي اليوم الثاني حصل كما رأيت، هذا صافي النية، قلبه جميل، فالديانة اليهودية لم تخلُ حقيقةً وبقيت والدليل على ذلك سورة يوسف عليه السلام.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وهذا عندما وقفت على:

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
(سورة يوسف)

مرَّت في الآية مرتين.

الدكتور عبد الرازق سدر:
هذا من الذكاء والفِطنة الذي نبهه إليه يعقوب عليه السلام بقوله:

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)
(سورة يوسف)


الدكتور مراد نواف الرفاعي:
هذا له دلالةٌ أيضاً أن سيدنا يعقوب كان يؤول الرؤى.

الدكتور عبد الرازق سدر:
كلُّ نبيٍّ له تأويل، نعم.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
الأمر الآخر أن (رَأَيْتُ) فيها دلالةٌ وتشير أنه مرَّةً رآهم قبل السجود ومرَّةً رآهم بعد السجود، مرتين رآهم سيدنا يوسف عليه السلام، دكتور بلال يعني وُضعت الرؤيا في الأحاديث التي هي صادقةٌ وصالحةٌ من الله فما دلالة كلٌّ منها؟

دلالة الرؤيا الصالحة:
الدكتور بلال نور الدين:
جزاك الله خيراً، نعم، هو ورد النوع الأول مما يراه النائم في منامه قلنا هو الرُّؤْيَا الصالحة وسُميت في الحديث الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ أيضاً في روايةٍ صحيحةٍ عن عائشة رضي الله عنها وفسَّرتها بقولها:

{ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ }

(صحيح البخاري)

وهذا دليل وقوعها وتأويلها على الوجه الذي جاءت به فهذا صدق الرؤيا.

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
(سورة يوسف)

رؤيا الأنبياء حق
فهنا جاءت (الصَّادِقَة) بأن رؤيا الأنبياء حقٌّ فإذا رأى النبي شيئاً وقع كما رأى، أما نحن البشر فمُتَفَاوِتُون في ذلك منا الصالحون ومنا دون ذلك، نسأل الله أن يجعلنا من الصالحين، لكن الأنبياء رؤاهم حق، ورؤاهم إن رآهم الإنسان في المنام أيضاً حق فإن الشيطان لا يتمثَّل بهم، (أَوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وفي رواية الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فَكانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ)، ووصفت بأنها رُّؤْيَا صَالِحَة أو رؤيا حسنة أيضاً، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم:

{ ومن حديث أبي هريرة، عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ) }

(رواه البخاري)

وقال ابن حجر: إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه الوحي في ثلاثٍ وعشرين سنة، وكان يأتي الرؤيا في كلِّ ستة أشهر، فلذلك جاء اللفظ والله أعلم (مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا) أو نقول: الله أعلم بمُراده منه، فجاءت بمعنى الصَّالحة بمعنى أنها تسرُّ الإنسان وتدخل السرور إلى قلبه فهي حسنةٌ وصالحةٌ.
اللفظ الثالث الذي جاء به وصف الرؤيا قال:

{ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فإذا حَلَمَ فَلْيَتَعَوَّذْ منه، ولْيَبْصُقْ عن شِمالِهِ، فإنَّها لا تَضُرُّهُ) }

(أخرجه البخاري ومسلم)

وكما نعلم جميعاً أنت لو جاءتك هديةٌ فقيمة الهدايا على مقدار مُهديها، فقد يأتيك شيءٌ يسيرٌ من إنسانٍ له مكانةٌ فتحتفظ به وتضعه في صدر البيت لأنه من فلان، فلما يقول: الرؤيا من الله فينسِبها جلَّ جلاله، المصدر هو الخالق جلَّ جلاله، فإذا رأيت شيئاً يسرُّك ويدخل الفرح إلى قلبك فاستحضر في ذهنك أن هذا الذي تراه إنما هو هديةٌ من الخالق جلَّ جلاله، فهذا يدخل السرور أكثر إلى قلبك من الهدية نفسها لأنها من الخالق جلَّ جلاله من العظيم، والعظيم إذا أهدى هديةً كانت هديته عظيمةً والله تعالى يقول:

وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)
(سورة النساء)

قد يقول طفلٌ صغير: معي مبلغٌ عظيمٌ وقد يعني به مئة دينار، وقد يقول تاجرٌ كبيرٌ معي مبلغٌ عظيمٌ ويعني به مليوناً، والله تعالى يقول:(وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)فإذا قال العظيم عن شيءٍ: إنه عظيمٌ فما أعظَمه! فلما نقول: الرؤيا من الله فهذا ليستشعر المؤمن أنه إن رأى ما يسره في منامه أنها هديةٌ من الله جاءت على شكل رؤيا في المنام، وهدايا الله متنوعةٌ ومتعددةٌ تارةً تأتي بولدٍ صالح وتارةً تأتي بزوجة وتارةً تأتي بابتسامةٍ من طفلك بين يديك والله أعلم كيف يُهديك، فمن هداياه تلك الهدية في المنام رؤيا صالحة تراها أو يراها أخٌ فيرويها لك فيقول: رأيتك في المنام وأنت كذا وكذا، وهي أقوى إن رآها غيرك، فهذه صفات الرؤيا كما وردت في الحديث.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
دكتور المكان والزمان له دورٌ في تفسير الرؤى أيضاً، وأيضاً الرائي يُحدد من بعض الإشارات، يعني كما ورد: جاء رجلٌ إلى ابن سيرين وقال له: أني رأيت ناراً قريبة من بيتي، فأوَّلها له: أن احفر؛ فوجد ذهباً، ومرَّة أخرى رأى أيضاً ناراً فحفر وإذا بميتٍ موجود، فلما أبلغوا ابن سيرين بهذا قال: عندما سألتني سألتني في الشتاء والنار هي فاكهة الشتاء، وأما الرؤيا الثانية فكانت في الصيف، فهذا له دلالة، الآن دكتورنا نحن نريد أن نتناول بعض اللطائف الجميلة والرموز في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، نريد أن نبدأ من الشمس والقمر، ونريد الآن أن نفصِّل ونعيش بهذه الجمالية العالية:

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
(سورة يوسف)


الشمس والقمر والكواكب في رؤيا سيدنا يوسف:
الدكتور عبد الرازق سدر:
لا شك أن الأعداد لها سر، واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، وهي من قبيل الاجتهادات حقيقةً، لذلك تجد أن أكثر العلماء عظَّموا رقم سبعة لأن القرآن قد ذكرها سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، سبع أراضين، وإلخ..

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
(سورة الطلاق)

حقيقةً رقم أحد عشر عائدٌ إلى الرائي نفسه يعني كلمة واحد وواحد تجد في بعض الأحيان وخاصةً في يوسف عليه السلام وهذا من فِطنة يعقوب عليه السلام كما قال في الآية:

وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
(سورة يوسف)

علم الأرقام علمٌ اجتهادي
انظر فِطنة مباشرة، كلمة واحدٌ وواحد دل ذلك على أن هناك فراقٌ لكن بعده اجتماع وأن الله سبحانه سيتولَّى أمره، وهذا حقيقةً أُعيد: أن علم الأرقام علمٌ اجتهاديٌّ، تنظر في حالة الرائي ثم بعدها تحكم، يعني ممكن الآن عدد خمس ممكن أحملها على الصلاوات كما أوَّلها بعضهم، ممكن تُحمل على المقربين قالوا: لأن الأصابع قريبةٌ من بعضها البعض، ممكن في بعض الأحيان تُحمل على الصلوات، في بعض الأحيان تُحمل على الأركان، إلخ.. فهذه لها دلالاتٌ كثيرة، الآن أراد الله سبحانه أن يُبيِّن أن العالم واحدٌ، العالم العلوي؛ الكواكب لها ارتباطٌ مع الإنسان بقول الله سبحانه: (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) والعجيب أنك تجد أن الكواكب المرتبطة بالكوكب الشمسي عندنا هي ثمانية، الشمس والقمر كيف أُوِّل؟ أن الشمس يعقوب والقمر مثلاً زوجة أبيه أو العكس، الآن من جماليات أهل التعبير قالوا: هذا عائدٌ إلى حالة الرائي إذا كانت الشمس قويةً جداً قال يُحمَل على الرجل لأن الرجل هو المسؤول عن أهل بيته، لكن تجد في بعض الأحيان أن المرأة بقوتها قد تحرق فتجد أن القمر هادئٌ فيعطيك مفهوماً أو صفةً للرجل، وهذا حقيقةً أنا من ناحيتي أقول والله أعلم أن الشمس كانت متعلقةً بيعقوب عليه السلام لأن القرآن أعطى ولم يأتِ بخالته، لماذا؟ لأن هناك حرقةٌ حصلت:

وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18)
(سورة يوسف)

يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)
(سورة يوسف)

تجد أن هناك عملية اضطراب لكن بعد ذلك سبحان الله لماذا أنا قلت لم يأتِ تحديداً قد يكون هناك عملية تنقُّل، يعني تجد أن الشمس قد أولت بيعقوب عليه السلام ولكن بعدها انتقل مفهومه إلى القمر، القمر فيه هدوءٌ وسكون، قال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)، (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ) أعطاك جماليات، ومن ذكاء وفطنة يعقوب عليه السلام لما سمع (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) أن التذلل والخضوع عادةً تحصل للأنبياء عليهم السلام.

فهم سيدنا يعقوب للرؤيا:
فلذلك يعني انتباه وفِطنة يعقوب عليه السلام قال:

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)
(سورة يوسف)

كلمة الروح في القرآن الكريم
لم يأتِ القرآن بتأويلها أبداً لماذا؟ لأن يعقوب أراد أن يُخفيها فوقع في نفسه أن هناك أموراً افتراقية ستحصُل، لكن بعدها سيكون هناك جمعٌ وبعد ذلك بدأت الحكاية، بدأت هذه القصة، ولذلك قلت مبدأها روحاً ومنتهاها جسداً وروحاً، وهذا ردٌّ على كلِّ من زعَم ويقول لك: ما هذا تفسير الأحلام؟ ماذا يعني منامات؟ فدائماً نقول: لا يخلق الله عبثاً، الروح لها حياة، ولذلك تجد دائماً في القرآن من أوله إلى آخره إذا جاءت كلمة الروح تجد فيها الطمأنينة والسكينة والهدوء:

وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)
(سورة الشورى)

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)
(سورة الشعراء)

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)
(سورة الحجر)

لكن إذا جاء مفهوم النفس تختلف، النفس فيها أفعال:

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)
(سورة آل عمران)

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
(سورة البقرة)

إذاً من قبيل الفعل، (أَحَدَ عَشَرَ) أعطت مفهوماً قد يكون أنه سيذهب عن أبيه لكن يكون هناك سندٌ من الله سبحانه لأنه واحد، قال:

إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
(سورة التوبة)

قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
(سورة الشعراء)

انظر الانفرادية حصلت، كلمة واحدٌ بواحد حصلت انفرادية، وقد يكون لها مفهومٌ جمعيٌّ أن الافتراق الذي يحصل لك يا يعقوب ستلتقي به بعد ذلك، هذه كلمة (أَحَدَ عَشَرَ) الكواكب طبعاً دلَّت وأعطت مفهوماً للإخوان علوي، أنهم ماذا؟ أنهم في بُعدٍ لكن مع ذلك هم حولك، فلذلك:

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)
(سورة يوسف)

انظروا إلى فَهم يعقوب عليه السلام للرؤيا بطريقةٍ عجيبةٍ جداً فهِم أن الكواكب لها دلالةٌ على الإخوان، لأنهم حول الشمس والقمر المجرة كاملةً، أما السجود ففيه كما قلت هو يعني جاءت البشارة وهنا الآن المسألة حقيقةً هل الأطفال يُؤخذ منهم ما رأوه في المنام؟

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني عمر سيدنا يوسف كان من ستة إلى سبع سنوات.

الدكتور عبد الرازق سدر:
يعني تقريباً، فلذلك هل الطفل يُميز بين النافع والضار كما ذكَر أهل الأصول في مسألة التمييز؟ يوسف عليه السلام كان بدلالة أن القرآن أعطاك صيغة رائعة جداً، فلذلك أنا أقول: دائماً إذا رأيت من طفلٍ قد جاءك، وكثيرٌ من الناس يقول لك: يا أخي رأيت نوراً يا والدي رأيت نوراً هو النبي صلى الله عليه وسلم أنا ضد إنسان مباشرةً يرد على ولده يقول له: لا، لا، لا، هذا كله أوهام، لا بالعكس هذه قد تكون مفتاح في بعض الأحيان هدايةً للولد، حقيقةً، فلذلك تجد أن أكثر الأولاد الآن مبنيٌّ على الخيال، الحس الخارجي وبعدها مباشرة يبدأ الحس المشترك يعمل عنده فيرى في منامه، لماذا يقوم مفزوعاً؟ في بعض الأحيان يقوم الطفل مفزوعاً بعمر الخمس أو الست سنوات مباشرة لأنها رأى فيلماً مخيفاً، يتجسد، فوجد هذه التنقلات.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني حتى الطفل لو رأى شيئاً نستثمر هذه الرؤيا لتوجيهه هذا مهمٌّ جداً، نأخذ دلالة سيدنا يوسف عليه السلام قال: (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) السجود كان على الحقيقة، وعلماء التفسير قالوا: هو على الحقيقة أن السجود لا يكون إلا والجبهة على الأرض، هكذا يكون السجود.
دكتورنا الدكتور بلال ننتقل معك لمسألةٍ مهمةٍ جداً وهي المقارنة بين رؤيا يوسف عليه السلام ورؤيا جده إبراهيم عليهم السلام أيضاً:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
(سورة الصافات)

كلمة (رَأَيْتُ) و(أَرَىٰ).

الفرق بين رؤيا سيدنا إبراهيم ورؤية سيدنا يوسف:
الدكتور بلال نور الدين:
كما تفضلتم؛ إبراهيم عليه السلام هو جدُّ يوسف البعيد، فيوسف هو:

{ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "‏ الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ ابْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ ‏"‏‏ }

(رواه البخاري)

وإبراهيم أبو الأنبياء، فإبراهيم عليه السلام رأى رؤيا وقصَّها على ولده، قال:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
(سورة الصافات)

أساس العلاقة بين الأب والابن
بالعكس تماماً، يوسف هو الذي رأى رؤيا وقصَّها على والده، هذه أول مقارنة، هناك الأب يروي ما رآه لابنه، وهنا الابن يروي ما رآه لأبيه، وفي كلتيهما ما يُشير إلى أن العلاقة بين الأب والابن ينبغي أن تكون مبنيةً دائماً على المصارحة والمكاشفة والحب والود، فإذا كان نبيٌّ من أنبياء الله يجلس ليروي لابنه ما رأى في المنام وإذا كان ابنٌ يجلس ليروي لأبيه ما رآه في المنام وهذا من أدق التفاصيل، فمهما يكن الأب مشغولاً كما تفضل قبل قليل الدكتور فاجلس واستمع إلى ابنك حتى إلى خيالاته فقد تأخذ منها شيئاً وتبني عليها تربيةً وتوجيهاً، فلا تقل: ليس معي وقت، إن لم يكن معك وقتٌ لتسمع من ابنك فمعك وقتٌ لماذا؟! الوقت ينبغي أن يكون أكثره لأهل بيتك فاستمِع منه، فكلاهما رأى رؤيا، لكن الفرق بينهما أن إبراهيم لما قال لابنه (إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) وهذا فعلٌ مضارع، والفعل المضارع يفيد الاستمرار والتكرار، إذاً كان إبراهيم ينام فيرى الرؤيا أنه يذبح ابنه ثم يعود إلى نومه فيراها ثم في الليلة الثانية والثالثة والرابعة والله أعلم كم مرَّةً رأى، فقال: (إِنِّي أَرَىٰ) كانت الرؤيا تتكرر لم يقصَّها عليه من المرَّة الأولى هذا قلب الأب، إبراهيم أبٌ يُحب ابنه كما نحبُّ أبناءنا ولو أن الله أمره بذبحه فهو فلذة كبده لكن متى رواها له؟ بعد أن تكرر فأيقن أنها لا بدَّ أن تروى وأن يؤخذ منها موقفٌ لأنها وحيٌ من الله، تكررت، بينما الابن الصغير من اللحظة الأولى رأى الرؤيا قال: (إِنِّي رَأَيْتُ) لم يقل إني أرى، الفعل الماضي وقع، فرأى الرؤيا فقصَّها على أبيه في الصباح، الأب لما كانت الرؤيا من حيث الظاهر مزعجةً أن يذبح ابنه، من حيث المآل كان عاقبتها خيراً وكلُّ ما عند الله خير، لكن من حيث الظاهر مزعجة، لذلك جاءت (إِنِّي أَرَىٰ) تكررت الرؤيا مراراً حتى رواها له.
فمما يُستفاد؛ وهذه لطيفةٌ على الهامش، ينبغي أن تبتعد قدر الإمكان عن مباشرة إنسانٍ بما يكرهه حاول جهدك ألا تباشره بشيءٍ لا يحبه إلا أن اضطررت، فإبراهيم رآها وكتمها مرَّة ومرتين وثلاثة، قال: (إِنِّي أَرَىٰ) الموضوع تكرر (فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ) ولم يقل له: سأنفذ (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) ذوقياتٌ من المستوى العالي، بينما هناك كما قلنا (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) رآها فقصَّها فوراً على أبيه بنفسية الابن الذي يريد أن يروي لأبيه كلَّ ما يراه.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
جميل، دكتورنا يعني (رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) هي الأصل كما أشرنا في هذا، أرى في المنام أؤمر، لكن ننتقل إلى مرحلةٍ ثالثةٍ: السجينين، قال:

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
(سورة يوسف)

(أَرَانِي) فيها بعدٌ نفسي وتداخلٌ للأرواح كما أشار ابن عاشور في هذا، رؤيا السجينين نريد أن نقف على لطائفها دكتور ورموزها.

اللطائف في رؤيا السجينين:
الدكتور عبد الرازق سدر:
العرف والعادة أصلان معتمدان في علم التأويل
طبعاً من الجماليات في هذه الآية حقيقةً أعطى مفهوماً أن العرف والعادة أصلان معتمدان في علم التأويل، ولذلك يوسف عليه السلام لما أوَّل إنما أوَّل على ما كان عادةً معروفةً في مصر، وأيضاً هناك قاعدةٌ في علم التأويل إلى ما يؤول إليه، كمن رأى أنه يأخذ عنباً قال: فيؤول إلى الخمر، وكذلك الزيتون يؤول إلى الزيت، فهذه قاعدةٌ معروفةٌ مفهومةٌ للعلماء وضعوها، قالوا: إلى ما يؤول إليه، فلما نجد أن الخمر قال: (أَعْصِرُ خَمْرًا) هناك دلالة حركة، هناك خدمة، فأولها أنه سيخرج ويكون خادماً للملك.
أما الثاني انظر الآن العكسية (تَأْكُلُ) هو ساكن، واقف، انظر للمفهوم، ولذلك هذه التي نتكلم فيها قوة النفس الحاصلة عند الأنبياء عليهم السلام وكذلك عند الصحابة والتابعين، كما قال الإمام أبو العباس رحمه الله عن ابن عباس، قالوا: كان شديد، عنده قوة نفس عجيبة، كأنه ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيقٍ، من قوة نفسه رضي الله عنه وأرضاه، كأنه ينظر إلى الغيب من سترٍ رقيقٍ، إذاً يوسف عليه السلام لا شكَّ أنه إلهامٌ من الله حاصل، وهذا كلام الإمام ابن القيِّم رحمه الله لما جاء وقال: وعلم المنام قائمٌ على أمرين اثنين: علمٌ وهبي، وعلمٌ كسبي، ليس كثرة الإطلاع قد تُولِّدُ عندك خبرةً في علم التأويل، هناك شيءٌ من الله لا بد أن يكون، ولذلك نسبها إلى ربه بقوله قال: (قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا)، (وَيُعَلِّمُكَ) انظروا الآن القضية تعليم، فلذلك كان العرف والعادة مبنياً، من الجميل أيضاً أن القرآن أراد أن يُعطينا مفهوماً دعونا أن نسميه مدخلاً؛ أن علم التأويل لا توقعه مباشرة اجعله علماً دعوياً، وسيدنا يوسف استثمر هذا، قال:

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)
(سورة يوسف)

بعد ذلك انتقل، ومن الجميل أيضاً أن بدايتها سبحان الله قد تجد في بعض الأحيان شخصاً معيناً تسردها له وذلك كما وضعها أهل العلم قال: أن تسردها على رجلٍ فيه الصلاح، تجد قال: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) نحن لا نعرفك، ولذلك لما جاء بعد ذلك أراد أن يسرُد عليه رؤيا الملِك قال:

يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)
(سورة يوسف)

انظر انتقل من مرحلة الإحسان إلى مرحلة الصدق لأنه رأى ما رأى، ولذلك كان مدخلاً دعوياً، لأنك أنت تتكلم عن حياة روح ٍلا تتكلم عن حياة جسدٍ فقط.

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
(سورة يوسف)

هنا حصل خلافٌ بين العلماء؛ هل إذا أوَّل الإنسان تأويلاً فيقع على ما أوَّل؟ كما قال صلى الله عليه وسلم:

{ الرُّؤيا مُعلَّقةٌ برِجْلِ طائِرٍ، ما لم يُحدِّثْ بها صاحِبُها، فإذا حدَّثَ بها؛ وقَعَتْ، ولا تُحدِّثوا بها إلَّا عالِمًا، أو ناصِحًا، أو لَبيبًا، والرُّؤيا الصَّالِحةُ جُزءٌ مِن أربعين جُزءًا مِنَ النُّبوَّةِ }

(تخريج المسند)

لذلك حصل خلاف بين العلماء، أنا الآن آتي وأروي للشيخ كذا وكذا فيأتي بتأويله، تأويل خير، ويأتي الشيخ مراد يتكلم معي يختلف التأويل، العلماء قالوا طيب أين تقع؟ وهذا حقيقةً من سرِّ هذا العلم، قالوا تأويها: يأتي إنسانٌ يقول لك: لا سمح الله أنا رأيتك في المنام وتأويلها هو أنك ستمرض، هو ليس لها علاقةٌ بالتأويل، ليس التأويل الذي ذكرت لها علاقة بالمنام نهائياً، لكن قالوا: سبحان الله تقع، بعض العلماء قالوا: نعم، إذا أوَّل الإنسان لأي منامٍ أي رؤيا سيقع، لذلك لا تسرُد هذا المنام أو الرؤيا إلا على رجلٍ صالحٍ قلبك يميل له، انظر الآن في بعض الأحيان تقول: والله أنا خائف، إذاً لا تتكلم، اليوم تجدها في الشوارع، والله العظيم أنا أظن والله أعلم بأن تأويلها كذا وكذا وكذا، قد تتكلم فتوافق التأويل، فإذا أوِّلت وقعت مباشرةً، وهذا الذي حصل مع يوسف عليه السلام (قُضِيَ الْأَمْرُ) انظر العبارة تعطيك مفهوماً يقينياً إلهامياً أنه من الله سبحانه (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) فسمَّاها فتوى.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني في بعض الروايات قالت أنهم كانوا يمتحِنون يوسف، يعني لم يروا رؤيا، بعض الأقوال: أنهم جاؤوا ليمتحنوا يوسف فوقعت هذه الرؤيا، دلالتها جميلةٌ جداً يعني (إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) وبعد الأقوال تكلمنا بها، وإلخ.

الدكتور عبد الرازق سدر:
نعم الأولى فيها حركةٌ فأوَّلها بالخروج لأنه لا بد لك إذا رأيت أنك تصب خمراً يعني لا بد أن تكون خادماً لأحد، أما الثاني فيه سكونٌ والموت لا حركة فيه، قال: (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ).

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
جميل جميل، يعني الصِّدِّيق هي لما رأوا أفعاله وأقواله، الصِّدِّيق إذا طبَّق أفعالاً صادقةً وأقوالاً صادقةً فنسمِّيه صدِّيق، دكتور يعني التأويل والتعبير لغةً واصطلاحاً ما الفرق بينهما؟

الفرق بين التأويل والتعبير:
الدكتور بلال نور الدين:
التعبير في الأصل من العبور
الدكتور أجمَلَ، وسأفصِّل قليلاً، التعبير من العبور فأنت تعبُر من طرف النهر إلى طرفه الآخر فتقول: عبرت النهر إلى الطرف الآخر، ومنه العبَّارة يجلس فيها الناس فتنقلهم إلى مكانٍ آخر، ومنه العَبرة؛ عَبرة العين لأنها تنقل ما في الداخل من مشاعر، وحتى العِبارة التي نتكلم بها فإنها تنقل ما في داخلنا فنُعبِّر بها للناس، فتعبير الرؤى كما تفضل الدكتور هو بداية الانتقال، فالملِك قال: (إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)، لكن القرآن استخدم مع يوسف لفظ التأويل، لأن التأويل من آل الشيء يؤولُ مآلاً إذا رجع إلى ما كان، وقال تعالى:

هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)
(سورة الأعراف)

كفائدةٍ نهائيةٍ في التأويل لما يأخذ إنسانٌ مالاً بالربا فيمحَقُ الله ماله إما مادياً أو بالبركة فهذا تأويل قوله تعالى:

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)
(سورة البقرة)

ولما يكون إنسانٌ في طاعة الله فيحيا حياةً طيبةً فهذا كأنه تأويلٌ لقوله تعالى:

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
(سورة النحل)

ولما يُعرِض إنسانٌ عن ذِكر الله فيعيش معيشةً ضنكاً فكأن هذا تأويلٌ لقوله تعالى:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)
(سورة طه)

فالتأويل هو وقوع الشيء، فلذلك جاء التأويل أنهم سألوه التأويل وقال:

قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)
(سورة يوسف)

لأنه يعلم المآل بما أعلمه الله تعالى به فهو يعلم الوقوع، فهو ليس عنده اجتهاد، هي نبوَّة، أما نحن فتأويلنا للمنامات هو تعبيرٌ لأننا نجتهد فيها غالباً ونترك الأمر لله تعالى لأننا لا نأخذ أحكاماً، وإنما نستأنس بما نراه وليس أحكاماً شرعيةً.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
دكتور نستثمر وجودك معنا يعني هذه فرصةٌ اليوم أن نسمع منك الكثير:

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
(سورة يوسف)

الآن فيها لطائفٌ (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ) يعني هذه الألفاظ والسبعة هنا والسبعة هنا، نُخرج منها الدلائل واللطائف دكتور.

تأويل سيدنا يوسف للسبع المسان والسبع العجاف:
الدكتور عبد الرازق سدر:
من الجميل حقيقةً أن اللفظ قد يحتمل عدة معانٍ، يعني كلمة البقرة لها معانٍ قد تدل في بعض الأحيان على الصفة الموجودة بالحرف ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:

{ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَيْتُ بَقَرًا لِي تُذْبَحُ؟ قَالَ: فَأَمَّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ، وَأَمَّا الثَّلْمُ الَّذِي رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ }

(من السيرة النبوية لابن هاشم)

يوم بدر، وذلك من قوة الحركة، قد تؤوَّل في بعض الأحيان بالمرأة لماذا؟ قال:

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
(سورة البقرة)

فلها دلالة، وقد تؤوَّل بالسنوات، كيف يمكن أن نُقيِّد هذه المعاني بمفهومها؟ حقيقةً عائدةٌ إلى العُرف أو الزمن الذي نحن فيه، وهذا عائدٌ أيضاً إلى النفسية التي يراها فيه الإنسان، يوسف عليه السلام إنما أوَّل البقر بالسنين اتباعاً للمنهج الذي كان يسير عليه أهل التأويل عندهم، كلمة سبعة أعطت مفهوماً حقيقةً عند يوسف عليه السلام بعملية الربط؛ دعنا نقول: مفهوم الانتزاعي الذي انتزعه في العصر الذي كان يعيش فيه، كلمة سبعة مع بقرات، الآن أيضاً من الجميل ومن دقة التأويل وذكاء وفِطنة يوسف عليه السلام كلمة (يَأْكُلُهُنَّ) الأكل فيه إفناء، قال: (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ) هي الأصل عكس، ولذلك كان هذا من ذكاء يوسف عليه السلام الآن بدأ ينظر في مصر فوجد فيها قال: ستمر عليكم سبع سنوات فيها الخير وبعد ذلك يأتي سبعٌ شداد يأكلن ما قدمتم لهن، انظر الأكل، إنهاء، سبعة كلمةٌ فيها تعظيم، وفي هذه أنا أقول دائماً: أن الرؤيا في بعض الأحيان قد لا تختص بذاتية الإنسان، يعني رؤيا الملك لم يراها لنفسه رآها للشعب، ولكن الله سبحانه أراد كما ذكر ابن القيم رحمه الله قال: إنَّ الله قد ساق رؤيا الملك لتكون مخرجاً ليوسف عليه السلام من السجن، ولذلك تجد بأن الرؤيا حقيقةً لم تكن للملك ذاتها ولكن مَخرج يوسف عليه السلام، وهذا من جماليات حقيقةً وأجمل من تكلم في علم البيان الإمام الزمخشري رحمه الله؛ عندما يتكلم في اللغة فإنه بحر، وهذا حقيقةً مفهومٌ استنباطيٌّ حصل تأكيداً وتوكيداً على نبوة يوسف عليه السلام، لكن انظر ليؤكد نبوته قال:

ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)
(سورة يوسف)

هذه لم ترد في الرؤيا، سبعة سبعة والثامن من أين جاء؟! ولذلك بعض العلماء توصل لمفهوم رائع قال: ومن جماليات المؤوَّل أنه إن ختم الرؤيا يجعل في آخرها خيراً ليستأنس بها الرائي، يعني إنسان قال لك: كذا وكذا إلخ.. قل: والله تبارك وتعالى أعلم أن يجعل لك كذا وكذا وكذا.. وبعضهم قال: هذا استدلالٌ وتصديقٌ على نبوته لأنه بعد الشدة يأتي الفرج، وهذا مفهوم رائع (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ).

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
هنا أشار إلى العام والسنة.

الدكتور عبد الرازق سدر:
نعم، فرَّق بين العام والسنة وهذا من الدقائق حقيقةً، نحن دائماً نقول بأن الأنبياء ملكوا قوةً هي قوة النفس، أنت تفضلت دكتورنا ابن سيرين رحمه الله كان عنده قوةٌ عجيبةٌ بالنفس، وأيضاً الشهاب العابر صاحب البدر المنير حنبلياً كان؛ كان رجلاً عجيباً، يعني ابن سيرين رحمه الله لما يأتي له إنسان قال له: يا إمام رأيت أنِّي ألبَس خاتماً وأختِم على أفواه الناس وعلى فروجهم، قال: لعلك مؤذِّن، قال: نعم، قال: إنك تؤذِّن قبل الوقت في رمضان فيُمسك الناس عن الشراب والطعام، انظروا للدقة، وهذا حقيقة إنما أقول: هي مَلَكة.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
مَلَكة وإلهامٌ من الله عزَّ وجلَّ، وحال الشخص أيضاً مهم جداً، يعني كما أشار؛ حتى ابن سيرين لما جاءه رجل قال: كنت أؤذِّن، قال: ستذهب إلى الحج، وأما الثاني قال: كنت أؤذن، قال: ستُمسك في سرقة، يعني الأول قالوا: كان صالحاً والثاني كان غيرَ صالح.
وقتنا يا دكتور بلال انتهى واستمتعنا اليوم معكم، دكتور عبد الرازق سدر شكراً لك على هذه الإضاءات واللطائف الجميلة.

علَّمني يوسف:
وصلنا إلى فقرة علَّمني يوسف:
تعلَّمت من سيدنا يوسف عليه السلام، أن الأحلام تتحول إلى حقائق إذا صاحبها الصبر والعمل والإصرار واليقين، فطريق الأحلام الكبيرة ليس مفروشاً بالورد ولا بد من جروح الأشواك وفي النهاية حتماً سيكون لك ما تريد.
الصبر، بعد الصبر سيأتي الفرج، نلقاكم بإذن الله الأسبوع القادم في برنامجكم رحلة الصِّدِّيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.