كيد إخوة يوسف عليه

  • الحلقة الرابعة
  • 2021-02-21

كيد إخوة يوسف عليه


مقدمة:
الدكتور مراد نواف الرفاعي:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين، الْحَمْدُ لِلَّهِ على دقائق آلَائِهِ:

وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)
(سورة النحل)

وأصلِّي وأسلِّم على نبينا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
مشاهديَّ الكرام أسعد الله مساءكم في هذا اليوم وفي هذه الليلة الطيبة المباركة في حلقةٍ جديدة من برنامجكم رِحْلَة الصِّدِّيْق.
مازلنا في بدايتها وفي محطاتها الأولى واليوم سنعيش مع سيدنا يوسف وتحديداً مع كيد إخوة يوسف عليه السلام، والكيد في اللغة كما يقول العلماء: هو الخُبث والمكر، والكيد هو الاحتيال والاجتهاد بمعنى أن الكيد هو إخفاء ما يُضمر الإنسان للآخر من فعلٍ وينصرف الكيد أساساً إلى فعل الشر، وفي سورة يوسف ثلاث محطاتٍ تتكلم عن الكيد:
الكيد الأول: هو كيد إخوة يوسف لأخيهم يوسف وهو كيدُ شر.
الكيد الثاني: هو كيد امرأة العزيز لسيدنا يوسف عليه السلام وهو أيضاً كيدُ شر.
الكيد الثالث: هو كيدُ يوسف لإخوته وهو كيدُ خير، الكيد الثالث هو كيدُ خير.
اليوم سنقف على الكيد الأول: كيد إخوة يوسف عليه السلام لأخيهم يوسف عليه السلام وهو كيدُ شر، ويُسعدني اليوم أن أستضيف أخي الحبيب والصديق العزيز الدكتور بلال نور الدين أهلاً وسهلاً بك.

الدكتور بلال نور الدين:
حياكم الله دكتور مراد، شكراً لكم.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
حياكم الله وأهلاً وسهلاً بك من جديد، دكتور بلال اليوم سنعيش وسنتناول آياتٍ ونقف معها ونستنطق هذه الآيات ونحن كما تكلَّمنا سابقاً أن سورة يوسف عليه السلام مليئةٌ بالقضايا، اليوم سنعيش مع القضايا الاجتماعية ومع أسرة سيدنا يعقوب عليه السلام وموقفه من كيد إخوة يوسف ليوسف عليه السلام.
سورة يوسف سورةٌ رائعةٌ وجميلة، وقصة لطائف، اليوم سنقف وسنستنطِق هذه الكلمات الرائعة. أخي الدكتور بلال في الحلقة الماضية تكلمنا كيف أن سيدنا يعقوب نبَّه ابنه يوسف ألا يتكلم قال:

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖإِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)
(سورة يوسف)

العلماء هنا يشيرون إلى أنه في (فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا) انفصل الكيد عن الضمير لأن يعقوب عليه السلام لم يتوقع أنهم سيقوموا بهذا الفعل بأن يفكروا في موضوع القتل، استبعده، تختلف عن (فَكِيدُونِي) عند سيدنا شعيب:

مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55)
(سورة هود)

يعني اعملوا ما شئتم، يقينه موجودٌ في هذا، دكتور بلال ما هو الدافع الذي دفع إخوة يوسف أن يفعلوا به هذا الفعل مع أنهم تربَّوا في بيت النبوة في بيت يعقوب عليه السلام، فيها دلالاتٌ كثيرةٌ فماذا تقول دكتور بلال في هذا؟

مفهوم الكيد:
الدكتور بلال نور الدين:
الكيد هو إرادة الضرِّ بالآخرين خفيةً
جزاكم الله خيراً، كما تفضلتم الكيد هو في الأعمِّ الأغلب هو إرادة الضرِّ بالآخرين خفيةً، وليس في الظاهر، يُضمر له شيئاً، إلا أنه بالمناسبة عندما يكون الكيد من الله تعالى فيكون له معنى آخر وهو التدبير بالحق لمجازاة الخلق، وهذا من باب المشاكلة في اللغة العربية:

إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)
(سورة الطارق)

فالله تعالى يكيد بمعنى أنه يُجازيهم على كيدهم.

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)
(سورة الأنفال)

إخوة يوسف الآن يكيدون ليوسف، لو نظرنا في الآيات ما أسباب هذا الكيد؟ ما الدوافع لهذا الكيد؟ لا شك أن السبب الظاهر الذي لا يستطيع أحدٌ تجاهله هو أنهم كانوا يُحسُّون بالتمايز بينهم وبين يوسف وأخيه بنيامين كان هذا إحساساً واضحاً:

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8)
(سورة يوسف)

العُصبة كما تعلمون من العِصابة التي يُشَدُّ بها ويُعصب بها، فنحن ندفع ونمنع وننفع، نؤدي له أشياءَ كثيرةً ونمنع عنه الضُّر، أما يوسف وبنيامين فلا يملكان من أمرهما شيئاً، لا يستطيعان لا دفع ضرٍّ ولا جلب منفعة، فرأوا في تفضيل والدهم يوسف وبنيامين عليهم وهم الأقوياء والأشداء الذين ينفعون ويمنعون ويدفعون وهم العُصبة رأوا في ذلك إساءةً لهم فثارَ الحسد في قلوبهم تجاه أخويهما، فهذا هو السبب الرئيسي وهو شعورهم بالتمييز.

التمييز بين يوسف وإخوته:
الآن لو سألنا هنا هل كان يعقوب فعلاً يُميِّزُ يوسف؟ نعم، هذا واضحٌ من سياق السورة.
لكن هنا يحضُرُني قول المرأة الحكيمة التي سُئلت: من أحبُّ أولادكِ إليكِ؟ قالت لهم: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والغائب حتى يرجع، وجميعهم حتى أموت، فمن الطبيعي أن يتجه الأب إلى الصغير حتى يكبر، فأحياناً يكون الحب الفطري يشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم:

{ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ }

(رواه الترمذي)

العدل مطلوب بين الأولاد
نعم الآباء مطلوبٌ منهم العدل بين الأولاد، والعدل شيء والمساواة شيءٌ آخر وسنُميز بينهما، لكن من دافعٍ فطريٍّ من الطبيعي جداً أن يحظى الصغير برعايةٍ لا يحظى بها الكبير، وأن يحظى المريض برعايةٍ لا يحظى بها الصحيح.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني دكتورنا العزيز دكتور بلال هم شعروا أنهم الآن وقع عليهم ظلمٌ أن يعقوب عليه السلام يميل إلى يوسف.
نريد أن نوضح أيضاً أمراً مهماً جداً أن ميول يعقوب عليه السلام ليوسف عليه السلام؛ يوسف يتيم الآن، يتيم الأم، ونذكر أن اللطيم هو الذي تكون أمه ميتةٌ يسمى اللطيم، وعجين الذي تموت أمه وأبوه يسمى عجيناً في اللغة، واليتيم هو يتيم الأب، ولكن درج لفظة اليتيم على من يموت أبوه أو أمه، فبدايةً يعني ليس لهم حقٌّ في هذا أول شيء هذا ميولٌ قلبيٌّ ليس كما أشرت له يدٌ فيه سيدنا يعقوب، الأمر الثاني هو هم صغارٌ فبنيامين كان في عمر الثلاث سنوات أو السنتين وسيدنا يوسف ستة إلى سبع سنوات فقط، يعني هم صغارٌ فسيدنا يعقوب عليه السلام الآن يعطي حنان الأب والأم، وأيضاً أمرٌ ثانٍ هو أكَّد على سيدنا يوسف ألا يتكلم، وتدور رواياتٌ إسرائيليةٌ أن سيدنا يوسف عليه السلام لم يتكلم لإخوته ولكن تكلم لخالته، فالخالة الآن نقلت الكلام لأولادها فدخلت الغيرة حتى أنها تكلمت بالرؤيا التي رآها سيدنا يوسف عليه السلام فشعروا أن يوسف الآن سيكون له شأنٌ فدخلوا في هذا المدخل القوي جداً، ولكن هذا الحب والميول هذا لا شأن له حتى لو كان في بيت النبوة سننبِّه نحن في نهاية الحلقة على هذه المسائل، لكن في بيت النبوة حصل ما حصل هذا يدعونا إلى الحرص أكثر وللانتباه، وهذا من الدروس واللطائف.

الدكتور بلال نور الدين:
من أسباب الكيد أيضاً هم ذكروها وهذه ليس لهم فيها حقٌّ أبداً قال:

اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
(سورة يوسف)

كيف تريد أن يُصبح وجه الأب لك وحدك وتنسى هذا الصغير اليتيم كما تفضلت فهُم من أسباب كيدهم أنهم يريدون أن يصبح والدهم لهم، الاستئثار بالحب والاستئثار بالقوة والاعتزاز بالأب وإلى غير ذلك، يأخذون حصة غيرهم.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
دكتور أيضاً هم في تناقضٍ واضحٍ يقولون لك: (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ)، العُصبة هم فوق العشرة، الآن أنتم (عُصْبَةٌ) لماذا أنتم بحاجةٍ إلى الأب الآن؟! أنتم (عُصْبَةٌ) وأقوياءٌ! فهناك تناقضٌ أيضاً في كلامهم وفعلهم ولكن:

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
(سورة يوسف)


الدكتور بلال نور الدين:
والشيطان أيضاً من الدوافع، لا نستطيع أن ننكر دور الشيطان، لأن يعقوب عليه السلام قال:

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)
(سورة يوسف)

عداوته ظاهرةٌ سيدخل الشيطان من هذا الباب، فالشيطان أيضاً سببٌ لا نستطيع تجاهله.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
نحن نريد أن نوضح أيضاً أن سيدنا يوسف وبنيامين هم أشقاء، أبناء يعقوب من أمٍّ مختلفة.

بداية كيد إخوة يوسف بالتخطيط:
لو انتقلنا دكتورنا العزيز إلى الكيد، المؤامرة العجيبة التي حصلت ليوسف عليه السلام يعني أنت عندما تعيش مع قصة سيدنا يوسف مع سورة يوسف ترى الآلام موجودة، ولكن عندما تنتهي السورة نفرح بما حصل مع سيدنا يوسف عليه السلام، الآن نلاحظ أن الكيد هو عبارةٌ عن مؤامرةٍ مكتملة الأركان: تخطيط، تنفيذ، اتهام، دليل، يعني جاءته بجميع مقومات الجريمة إن صح التعبير، دكتورنا لو تأذن لنا أن نقف على هذه الأركان والمراحل نعيش معها ونُوضحها للسادة المشاهدين حتى نأخذ العِبر منها.

الدكتور بلال نور الدين:
نبدأ بالتخطيط كما تفضلتم هي مؤامرة؛ التخطيط في الكيد ليوسف بدأ عندما بدؤوا بمراودة أبيهم عنه وهم يعلمون قربه منه ومحبته له وبيّنا أسباب تلك المحبة الفطرية واليُتم وغير ذلك.. فبدؤوا بمراودته عنه لعلَّه يأذن به، هنا التخطيط، فهم بدؤوا الآن بين بعضهم وكان لديهم احتمالان للقيام بالأمر، يخططون لأمرين:

اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
(سورة يوسف)

من مداخل الشيطان على الإنسان
هما أمران أحْلاهُـمـا مُرُّ، فالطرح أرضاً غالباً ما يفضي إلى الموت، لأن (اطْرَحُوهُ أَرْضًا) أرضٌ غير معروفة، نكرة، ففي تلك البلاد قد يذهب به الأمر إلى الهلاك، أو قد تأكله الوحوش أو الذئب، فالخياران المطروحان كانا خيار قتل (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) وانظروا الآن هنا كيف يتدخل الشيطان (وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) الشيطان دائماً عندما يريد أن يُغري بالمعصية مهما كانت كبيرةً يقتل أخاه ويقول له بعد ذلك تُصلِحُ حالك، هذا مدخلٌ عظيمٌ من مداخل الشيطان، اليوم يقول الشيطان لأحدنا نسأل الله السلامة أن يَقينا الشياطين: افعل هذا الأمر فقط وبعدها تتوب، تجاوز مرحلة الشباب والمراهقة والجامعة وما فيها من مباهجٍ ثم تتوب، وما أدراك أنك تعيش لتتوب!

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)
(سورة النساء)

ليس من آداب التوبة أن يعزِم الإنسان على الذنب ويقول: سأتوب بعده، فهذه أيضاً من مداخل الشيطان قال: (وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) فالآن لديهما خياران.

طرح خيار الجُب عند إخوة يوسف:
الآن أثبت القرآن خياراً ثالثاً، هو ليس خياراً صحيحاً لكنه أخفُّ الضررين كما يقال يعني هذا أخوهم ربما أكبرهم كما جاء في بعض الروايات:

قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)
(سورة يوسف)

فتح باباً للنجاة، موقف الأخ الكبير هنا ليس موقفاً شرعياً، الموقف الشرعي أن ينهاهم عن المنكر وأن يقول لهم: كُفوا أيديكم عن أخيكم لا تقتلوه ولا تطرحوه ولا تلقوه في الجب، دعوه بين أبيه وخالته وفي بيته.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
هذا فيه ملمحٌ دكتورنا العزيز؛ يعني الآن هم (عُصْبَةٌ) عشرة، والعشرة مُجمعون، يعني خروج أحدهم بهذا الطريق أي دخلت في نفسه الرحمة قليلاً، لو كنا في هذا المَجمع وننظر إليه في نفس الوقت لقلنا: لو شذ شخصٌ واحدٌ يمكن أن يقتلوه معه، يمكن أن ننظر هذه النظرة، لكن هو قدم شيئاً أخفَّ من القتل يعني كان له فضلٌ بسيطٌ في هذا الموقف.

الدكتور بلال نور الدين:
لذلك كنت أريد أن أتابع جزاك الله خيراً؛ رغم أن هذا الموقف ليس هو الموقف الكامل لكن الله تعالى أثبته قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، رغم أنه ليس الموقف الكامل، لكن يكفيه أن الله أثبت أن رأيه كان رأياً مُخففاً لأنه اختار الشيء الأخف، وهذا يُعلمنا دائماً أن نأخذ بالآراء الصحيحة أو الأقرب إلى الصحة أو الأقرب إلى النجاة، فالقرآن الكريم هنا يُثبت له هذا الرأي وأصبح خيرَ إخوته لأنه اختار الضرر الأخف، وكما قلت ربما لم يجد من المناسب أن يخرج أو لم يجد قوةً في نفسه ليخرج عن إجماعهم فلربما أوقعوا به ما سيُوقعون بأخيهم.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وهذا يدل على أنه بدأ الأمر بشرٍّ كبيرٍ ثم بدأ هذا الشر ينقص إلى خير، هذا يدلُّ على أن هناك خيراً فيه، فطرةٌ سليمة، الخير الذي بداخله تحرك حتى نزَّل الموقف من قتلٍ يعني أخف إلى الجب.

الدكتور بلال نور الدين:
الجُب في اللغة
أصبح احتمال النجاة كبيراً جداً لأنه قال: (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) إذاً سيُلقيه في جب، والجُب في اللغة كما قرأت هو ذو فتحةٍ واسعةٍ وأقرب إلى الأرض يعني يمكن أن يكون احتمال النجاة فيه كبيراً جداً فأثبت له هذا الموقف، فالآن التخطيط رغم أن القرآن أغلق المشهد ولم يُبين لنا ما الخيار الذي تمَّ الأمر عليه وهذا من جماليات القصة القرآنية وهو ما يسمى بالفجوة أو بترك المساحة قليلاً للقارئ، لو قرأنا (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ) سيَغيب في الجُب (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) هذا يدلُّ على ما تفضلتم به، هناك فطرةٌ سليمةٌ وهناك خوفٌ منهم، هنا لم يذكر القرآن ما الذي استقرَّ به الرأي، سيأتي بعد حينٍ أنهم أجمعوا أمرهم على جعله (فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ) انتقل القرآن فوراً إلى بيت يعقوب:

قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)
(سورة يوسف)


الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني كنا في صورةٍ معينةٍ بين الإخوة الآن انتقلنا إلى صورةٍ جديدةٍ داخل البيت.

الدكتور بلال نور الدين:
هذا من جماليات القصة وبلاغتها نقلَك من مشهدٍ إلى مشهدٍ آخر، بقي ذهنك معلقاً، لو أن إنساناً يقرأ السورة لأول مرَّةٍ يا ترى هل سيقتلوه؟ هل وافقوا على اقتراح الأخ؟ انتقلنا إلى البيت، فهنا مازلنا في مرحلة التخطيط، الآن انتقلوا إلى مرحلة التنفيذ، تنفيذ الجريمة كما تفضلتم، هناك تخطيطٌ وهناك تنفيذ.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
طبعاً هذا دكتورنا نُدرِّسُه في علم الإدارة لكن لا نأخذ قصة سيدنا يوسف أنموذجاً، نأخذ قصة سيدنا عمر رضي الله عنه أنموذجاً القائد الناجح فالقائد الناجح يجب أن يخطط، التاءات: التخطيط، التدريب، دائماً هذا نأخذه في علم القيادة، الآن المشهد الجديد مشهد بيت يعقوب.

البدء بإقناع سيدنا يعقوب بترك سيدنا يوسف:
الدكتور بلال نور الدين:
بدأ التنفيذ الآن، التنفيذ بدأ بالمراودة عندهم الآن مشكلةٌ مهمةٌ جداً وهي إقناع الأب بترك الابن معهم ولو لبعض يومٍ من أجل يُوقعوا به ويُنفذوا الجريمة التي اتفقوا عليها، فهنا قالوا:

قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)
(سورة يوسف)

دائماً يحاول المجرم أو من يريد إيقاع الشر أن يظهر بمظهر الناصِح الأمين وهذا ما يفعله الشيطان ويُسول به:

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
(سورة إبراهيم)

فالشيطان يُسوِّل ويظهر بمظهر الناصح، مع آدم عليه السلام:

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
(سورة الأعراف)


الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني أصبح يقنعهم بأنه ناصحٌ وهو ليس بناصح.

الدكتور بلال نور الدين:
فتُعلمنا هنا القصة القرآنية أن الذي يظهر بمظهر الودود ومظهر الناصح ليس بالضرورة أن يكون ناصحاً (وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) يدَّعون أنهم سينصحون له في هذا الأمر.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وهذه أيضاً فيها دلالاتٌ دكتور (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ) وكأنهم في عدّة مرَّاتٍ طلبوا أن يخرج يوسف معهم ولم يقبل سيدنا يعقوب، يعني هناك سوابقُ سابقة بأنهم طلبوا عدّة مرَّاتٍ فلم يقبل (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا) لماذا إلى الآن (لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ)؟.

الدكتور بلال نور الدين:
وهذا جزاك الله خيراً أيضاً من مفهوم المُراودة يعني أيضاً في نهاية القصة:

قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)
(سورة يوسف)

أيضاً المراودة تقتضي أنه تكرر الأمر.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
نعم المراودة هي مأخوذة دكتورنا من مِروَد والمِروَد هو الذي يستخدم إلى العين الذي يوضع فيه الكحل، وأيضاً يستخدم المِروَد في صُنع الذهب في العمل في الذهب يُحرِّكه عدّة مرَّات، فهذا يدلُّ على أنه عدّة مرَّاتٍ يأخذ ويُعطي مع سيدنا يعقوب حتى يأخذوا يوسف ويُنفذوا الجُرم الذي اتفقوا عليه.

الدكتور بلال نور الدين:
هذا ما فعلته امرأة العزيز:

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
(سورة يوسف)

كما سيأتي معنا، لكن سبحان الله القصة تأخذ ببعضها.
فهنا كما تفضلتم إذاً هم كرروا الطلب مراراً:

أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)
(سورة يوسف)

الأب يُحب أن يشاهد من ابنه اللعب والسرور
الرَتع يعني اللعب، وفي قراءةٍ صحيحةٍ أيضاً (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا) (نَرْتَعِ) من الرعي، (نَرْتَعِ) كلنا من الرعي، وهذه من لطائف القراءات، (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ) وكلمة (مَعَنَا) أيضاً تُفيد إشعار الأبِ بالأمان (مَعَنَا) وهُم (عُصْبَةٌ) عشرة رجالٍ أشداء فلما يقولون: (مَعَنَا) فهو في معيَّة الحفظ ينبغي أن يكون كذلك، هذا ما ينبغي أن يكون الأمر عليه (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) يُغرُونه الآن، لأن الأب يُحب أن يشاهد من ابنه اللعب والسرور.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
لأن اللعب هو ترويحٌ عن النفس بما هو مباح والرَتع هنا وهنا يتلفّت ويأكل الفواكه وغيرها، هذا أسلوب إقناعٍ بأننا نريد أن نُسعِد يوسف ونُدخِل السرور والفرح إلى قلب يوسف، طريقةٌ للمراوغة.

تأكيد إخوة يوسف لطلبهم بكلِّ المؤكدات:
الدكتور بلال نور الدين:
الآن يؤكِّدون وانظر إلى اللفظ القرآني قال: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) يعني أكَّدوا الجملة بِعِدَّةِ مُؤكِّدات:
فأولاً: الجملة الاسمية في اللغة العربية جملةٌ مؤكدةٌ أولاً: لأنها اسمية، ثانياً: جاؤوا بـ(إِنَّ) قبلها، و(إِنَّ) تُفيد التوكيد، ثم جاؤوا باللام المُزحلقة في خبر إِنَّ والتي تفيد التوكيد أيضاً، فأكدوا بجملة مُؤكِّداتٍ بأنهم سيقومون على حفظه، لنقُل: "يكاد المريب أن يقول خذوني"، يعني هو أخوك وهو ينبغي أن تكون له حافظاً فعندما تؤكد الأمر بكلِّ مؤكدٍ ممكن فهذا يدل على شيئين:
أولاً: معرفتهم أن أباهم يُحبه إلى الدرجة التي لا يستطيع أن يتخلى عنه لساعاتٍ من الزمن.
ثانياً: لأن المُجرم أو الذي يريد أن يفعل شيئاً يُقسِم على أنه لا يريد فعله، فكأنه بذلك يُشير بأصابع الاتهام إليه، لكن كان قدر الله أنه سيُرسل لأن:

وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38)
(سورة الأحزاب)

وهنا أشير إلى موضوعٍ لا أدري إن كنت تشاركني الرأي به، يعقوب عليه السلام متعلقٌ بيوسف ويعقوب نبيٌّ ويوسف نبيٌّ، ومن قبلهم جده ليعقوب إبراهيم عليه السلام كان مُتعلقاً بإسماعيل وأُمِرَ أن يذبحه، واليوم كأن أقدار الله تجري إلى أن سُنَّة الله أن هذا الابن سيغيب عن والده، لأن قلوب الأنبياء لا ينبغي أن تَخلُصَ إلا لله تعالى.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:

{ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: (أشَدُّ النّاسِ بَلاءً الأَنْبِياءُ ثمَّ الأَمْثَلُ فالأَمْثَلُ يُبْتَلى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ فإِنْ كانَ فِي دِينِهِ صُلْباً اشْتَدَّ بَلاؤُهُ وإنْ كانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ على قَدْرِ دِينِهِ فَما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي على الأَرْضِ وَمَا عليهِ خَطِيئَةٌ" }

(الترمذي)

وقع في البلاء سيدنا يعقوب، والله قادرٌ على أن يُلهِم يعقوباً أن يدعو الله عزَّ وجلَّ فيجمعه بيوسف، لكن أقدار الله أرادت أن تسير حتى يصل إلى مُراده وإلى الرؤيا التي رآها، وأدرك يعقوب أن يوسف عليه السلام سيكون نبياً، إلهامٌ جاءه.

الدكتور بلال نور الدين:
وحتى يوسف عليه السلام لما أصبح في مصر وأصبح في هذه المكانة قادرٌ على أن يأتي بوالده.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
قادر على أن يأتي بوالده، يبعث وزيراً يبعث عسكراً فيأتوا بوالده لكن لم يُؤمَر ولم يُؤذَن له بهذا الأمر.

الدكتور بلال نور الدين:
استسلما لأمر الله، استسلما وعاشا المِحنة بكل تفاصيلها كما أمر الله و(أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ).

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وهذه تربيةٌ أيضاً للأنبياء من الله عزَّ وجلَّ.

الدكتور بلال نور الدين:
نعم وعن طريقهم تربيةٌ لنا بأنه إذا أصابنا شيءٌ مما أصابهم نحتسب ذلك.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
هم القدوة لنا فننظر إلى حالِهم ونرتاح عندما نقرأ ونرى في كتاب ربنا هذه النماذج من الأنبياء ومن الصالحين.

الدكتور بلال نور الدين:
المعاني الطيبة سبحان لله يجرُّ بعضها بعضاً، الآن والدهم:

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)
(سورة يوسف)


الفرح والحزن في الإسلام:
ما ورد الحزن في القرآن الكريم إلا منهيَّاً عنه
(قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ) أيضاً أكد بمؤكداتٍ بأنه يُحب يوسف كثيراً، ويُصيبني الحزن، يُصيبني شيئان: الحزن والخوف، (لَيَحْزُنُنِي)، (وَأَخَافُ) والحزن في القرآن الكريم ما ورد إلا منهيَّاً عنه (لَا تَحْزَنْ) لأن الحزن إذا دخل إلى القلب يصيبه بالهم والغم، يمنع الإنسان من الراحة مع أهله مع أولاده حتى في علاقته مع ربه، طبعاً هذا ليس للأنبياء لكن بشكلٍ عامٍ نحن إذا حزنَّا فالحزن يُعيق الإنسان عن معالي الأمور، فلذلك لم يرد في القرآن مأموراً به بخلاف الفرح الذي ورد مأموراً به ومنهياً عنه:

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
(سورة القصص)

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)
(سورة يونس)

أما الحزن:

لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا (40)
(سورة التوبة)

فورد الحزن منهياً عنه لئلا يُميت القلب، فقال:(إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ).

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
دكتورنا العزيز، هذا الجانب أوجَدَ شيئاً جديد أيضاً عند إخوة يوسف عليه السلام أنه الآن والدنا متعلقٌ به(إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ) يعني لا أريده أن يبتعد عن عيني لأنه قريبٌ إلى قلبي، هذا أيضاً أكد جانباً جديداً من الغيرة وأشعلها من جديدٍ من إخوة يوسف إلى يوسف.

بين الخشية والخوف:
الدكتور بلال نور الدين:
وكأنهم يقولون في داخلهم ألا يستطيع أن يستغنيَ عنه لساعات؟ زادت الغيرةً عندهم (لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ) حزنٌ وخوف، والخوف غالباً ما يكون من الشيء المجهول في المستقبل، لذلك ربنا عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم قال:

أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
(سورة يونس)

يعني لا يخافون مما هو آتٍ ولا يحزنون على شيءٍ مضى، فجَمَعَ لهم الخيرين فهنا قال: (لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ)، (وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ).

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وأيضاً لطيفة الخوف، والخوف كما أشرت الخوف هو من المجهول، والخشية من المعلوم:

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
(سورة فاطر)

علِمُوا من الله عزَّ وجلَّ فدخلت الخشية في قلبهم، أما الخوف هو من مجهول، فخاف من مجهولٍ على سيدنا يوسف عليه السلام.

الدكتور بلال نور الدين:
جميل، تفرقةٌ بين الخشية والخوف.

إيحاء سيدنا يعقوب لأبنائه بالذئب:
قال: (وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) هنا أعطاهم وفتح لهم الباب، يُعلِّمنا القرآن الكريم ذلك، هو أعطاهم الاتهام، وأعطاهم الدليل.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
حتى أنه في بعض الروايات دكتورنا العزيز تقول: أنهم ما كانوا يعرفون ما هو الذئب، فدلَّهم وكأنه قال لهم هناك ذئبٌ ودلَّهم على الطريق سيدنا يعقوب عليه السلام، وهي أقدار الله عزَّ وجلَّ.

الدكتور بلال نور الدين:
(وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) أيضاً هنا انظر الآيات سبحان الله كما تفضلت في البداية كل حرفٍ معنى، قال: (وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) هو لا يتهِمُهم حتى تلك اللحظة، في البداية قال:

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)
(سورة يوسف)

نَسَبَ للشيطان، لم يقل له: يريدون بك سوءاً، الآن أيضاً يقول: (وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ).

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني منشغلون في أعمالكم في رعيكم في مسابقاتكم إلخ..

الدكتور بلال نور الدين:
ما واجههم أنني أخاف عليه منكم لكي لا يثير الأحقاد بينهم، لكن قضية الحب كما تفضلنا أنّ الحب الفطري له الحق فيه مع يتيمٍ صغيرٍ يرعاه لكن نتعلم دروساً من ذلك إن شاء أيضاً.
قال: (وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ)، هنا:

قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ (14)
(سورة يوسف)

عادوا إلى اعتزازهم بعُصبتهم وبقوتهم وبأنهم يشدُّ بعضهم بعضاً ويُعاون بعضهم بعضاً ويُؤازر بعضهم بعضاً (إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) خسارةٌ حقيقيةٌ أن نترك أخانا للذئب، سيتضح بعد قليلٍ أن كلَّ شيءٍ تكلموا به فعلوا خِلافه، يعني كل هذه الأَيمَان التي حَلَفوها وكل هذه التوكيدات التي وكَّدوها لم يفعلوا منها شيئاً جاؤوا بالعكس تماماً، قالوا:

قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
(سورة يوسف)


الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني هم خالفوا العهد أو خالفوا الاتفاق الذي كان بينهم وبين والدهم.

الدكتور بلال نور الدين:
حتى في كذِبهم خالفوا الاتفاق، فأنت قلت: (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) فأنت ذهبت لتلعب وتستبِق والمسابقة تكون في النُّبل وفي السِّهام وفي الركض والجري، كله سباق، خالفوا في كذِبهم عهدهم الذي عاهدوا به والدهم.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
نحن الآن ما زلنا في التخطيط ودخلنا إلى مراحل التنفيذ لإقناع يعقوب عليه السلام بما سيفعلونه، يحاولون الآن إقناع سيدنا يعقوب عليه السلام، الآن ننتقل إلى مرحلة التنفيذ، الجرم الآن، يعني بداية التنفيذ الآن.

اتفاق إخوة يوسف أن يلقوه في الجُب:
الدكتور بلال نور الدين:

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)
(سورة يوسف)

(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ) هنا أجابنا القرآن عن السؤال الذي بقي في أذهاننا قبل آيات، ما الذي أجمعوا عليه الطَّرح في الأرض أم القتل أم في (غَيَابَتِ الْجُبِّ)؟ إذا اتضح أنهم أجمعوا أمرهم وأخذوا برأي هذا الأخ الأكبر الذي أشار لهم إلى (غَيَابَتِ الْجُبِّ).
(وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ) هنا القرآن الكريم يذكر شيئاً من الغيب، قال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ) كما تفضلت هو كان عمره ربما ست أو سبع سنوات، طفلٌ صغيرٌ والله تعالى هنا يُوحي إليه، وهو نبي، إن قلنا هو وحي الرسالة فهو نبيٌّ ولو كان قبل البلوغ وهو من إرهاصات النبوة، من الإلهام.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وهو من الإلهام الذي وصله عندما نزل في البئر ليُخفِّف عليه أيضاً.

الدكتور بلال نور الدين:
(وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) الآن (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) وقت الإيحاء.
في لحظات العُسر يكون اليُسر
(وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) عندما سيُنبئهم بأمرهم عندما يأتون إليه في نهاية القصة إلى قصره (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) بأنه هو يوسف، كلا المعنيين محتملان (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) فهنا كيف يتجلَّى الله على عبده وهو طفلٌ صغيرٌ جداً كيف في لحظات المِحنة تكون المِنحة الإلهية، وكيف في لحظات الشِّدة تكون الشَّدة إلى الله، وكيف في لحظات العُسر يكون معها اليُسر، قال تعالى:

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)
(سورة الشرح)

ولم يقل: بعد العسر، في هذه الآية تحديداً قال: (مَعَ) لأن بذور اليُسر كامنةٌ في العُسر نفسه.

رعاية الله عزّ وجلَّ لأنبيائه:
الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وهذا أول ابتلاءٍ عاشه سيدنا يوسف عليه السلام منذ الصِّغر، حتى أشار الدكتور إلى إشارةٍ أنه في بداية البئر وضع يديه على بوابة البئر وهم يضربونه على أصابعه حتى يقع وهو يصيح لإخوته يا إخوتي يا إخوتي حتى أرسلوه وأوقعوه في الجُب أو في البئر، قال: وإذا جبريل يرفع يديه ويسقط يوسف عليه السلام على يديه ويُوحي إليه الوحي والإلهام الرباني الذي جاءه للتخفيف عليه كما أشرت وليُدخل في قلبه الراحة ويُبشره بما سيحصل معه مستقبلاً.

الدكتور بلال نور الدين:
اليقين والثقة بموعود الله
وهذا يُذكرنا أيضاً بموسى عليه السلام، هذه رعاية الله لأنبيائه، لما أُلقيَ في التابوت وفي اليم كيف كانت يد الله ترعاه حتى وصل إلى قصر فرعون ورُبّي في قصره، وهنا يوسف أيضاً يد الله ترعاه من أجل أن تنقُلَه إلى قصر العزيز، من المتشابهات، ولك هنا أن تتصوَّر حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وهم يقرؤون هذه الآيات ويُعانون ما يُعانون في سبيل الرسالة وفي سبيل إيصال الحق، ويجدون رعاية الله لأوليائه ولأصفيائه ولرسله ولأنبيائه من اللحظات الأولى كيف يمتلِئ القلب بالحب لله تعالى وباليقين والثقة بموعود الله، ونحن اليوم ما أحوَجَنا إلى هذه الدروس لأننا اليوم نُعاني ما نُعاني، أمتنا اليوم تُعاني وقد كَبَا بها الجواد وتكاثرت عليها الأحداث، وآلامٌ كثيرة نسأل الله السلامة.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
لأننا نعاني من الفتن والصعوبات ومن آلام كثيرة ومنها هذا المرض والوباء الذي جاء إلينا.
دكتورنا العزيز كما أشرنا سابقاً أن هذه السورة نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو في طريق عودته من الطائف وفي عام الحُزن، وفي عام دخل فيه في الشِّعِب وهي سورةٌ تقول له: هذا نموذجٌ أمامك يوسف فعنايتنا ستبقى معك يا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يبقى مع الله عزَّ وجلَّ يُنقذه الله من كلِّ الشدائد كما أشرت، نعم سيدي.

الدكتور بلال نور الدين:
فهنا نبَّأه الله (بِأَمْرِهِمْ) وبما فعلوه به (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) كما تفضلتم، الآن تم التنفيذ، تم تنفيذ الخطة كما رُسمت وكما أجمعوا عليها.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني نريد أن نقول أنهم نجحوا في التخطيط ونجحوا في إقناع والدهم والآن انتقلوا إلى مرحلة التنفيذ.

تنفيذ إخوة يوسف لجريمتهم:
الدكتور بلال نور الدين:
الآن بعد تنفيذ الجريمة أيضاً يمكن أن نُسمي هذه المرحلة تخطيط ما بعد التنفيذ، فهنا الآن:

وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)
(سورة يوسف)

العشاء أستَرُ للمجرم، الظلام أستَر، لأن الكاذب قسماتُ وجهه تفضحه، جاء الليل بسِتره، فلذلك (جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً)، والكاذب لا تفضحه فقط قَسمات وجهه بل يفضحه لَحْنُ قوله قال تعالى:

وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)
(سورة محمد)

فطريقة كلامه تُدرك من خلالها كذبه.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
ولَيْسَتِ النَّائِحَةُ الثَّكْلَى مِثْلَ النَّائِحَةِ الْمُسْتَأَجَرَةِ، يعني سيظهر عليهم لو كانوا في النهار سيظهر على ملامح وجههم وعلى نظراتهم.

الدكتور بلال نور الدين:
الله عزَّ وجلَّ يفضح الكاذب
(جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً) ليتستَّروا بظلام الليل لعلَّهم يُخفون هذه الكذبة، أحياناً بعض الكاذبين لا يُحسِنُ الكذب، لم يتمرَّس به، فلمجرَّد أن يتكلم بشيءٍ بخلاف الواقع تقول له: أنت تكذب، أنت لا تعرف الكذب لكن نسأل الله السلامة إذا تمرَّس الإنسان يصبح من الصعب كشفه لكن ليس من المستحيل، لأن الكاذب أبى الله عزَّ وجلَّ إلا أن يفضحه.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
والكذب أحبالُه قصيرة كما قالوا في الأمثال الشعبية.

الدكتور بلال نور الدين:
وأهل القضاء يقولون: ليس هناك جريمةٌ كاملةٌ، لا بد أن يترك المجرم أثراً، فهؤلاء بدؤوا الآن بالبكاء وكما تفضلت بكاؤهم بكاءٌ مُصْطنَع كالنَّائِحَةِ الْمُسْتَأَجَرَةِ، لا كالنَّائِحَة الثَّكْلَى التي فقدت ابنها نسأل الله السلامة.

الحديث الذي دار بين إخوة يوسف وسيدنا يعقوب بعد الجريمة:

وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
(سورة يوسف)

خطابُهم (يَا أَبَانَا) استعطافٌ بعد فعلتهم النكراء، وهم أرادوا أن يَخْلو لهم وَجْهُ أبيهم لكن يأبى الله تعالى أن يُتِمَّ لمجرمٍ جريمته، فأصبح أشدَّ تعلُّقاً بابنه من قبل فقدانه، فأصبحوا نادمين على فعلتهم لأنه لم يُحصِّلوا ما أرادوه، يعني ما استطاعوا أن يَخْلُو لهم وَجْهُ أبيهم.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
ويكونوا قريبين من والدهم، ولم يستطيعوا أن يصلوا إلى مرحلة التوبة التي قالوا عنها:

اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
(سورة يوسف)

الإنسان إذا أراد التوبة؛ من الحكمة أن الموت أُخفِيَ على الإنسان حتى لا يبقى يتسوَّف ويقول: سأفعل كذا ثم أتوب قبل أن يُدركني الموت، فالآن هم خططوا إلى أن يتوبوا فلم تتيسَّر أمورهم في هذا الأمر.

الدكتور بلال نور الدين:
لا التوبة تيسَّرت ولا نالوا مُرادهم من وجه أبيهم، وهذا جميلٌ جداً، قضية التوبة، لما قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)
(سورة آل عمران)

قال العلماء: أنت لا تعرف متى تموت إذاً ابقَ على الإسلام والتوبة في كلِّ وقتٍ فإذا جاء الموت كنت جاهزاً للقاء الله.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يا مؤمن حافِظ على إيمانك حتى تلقى الله.

الدكتور بلال نور الدين:
فهنا دكتور مراد بارك الله بكم؛ كما ذكرنا قبل قليل لم يُوفوا بعهودهم كلها فهُم بدلاً من أن يرعوا أخاهم ويحفظوه وينصحوا له ويجعلوا له الوقت للعب واللهو يقولون: (ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) ذهبنا إلى المسابقة (وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا) تركوه حارساً لأمتعتهم في غيابِهم وتركوه دون أن يعتنوا به.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
مخالفةٌ واضحة، أنتم أخذتم أخاكم حتى يلعب معكم وتركتوه عند متاعكم! هذا مخالفةٌ للعقد الذي جاء بينهم وبين والدهم، مخالفةٌ واضحة.

اتهام الذئب بأكل سيدنا يوسف:
الدكتور بلال نور الدين:
(وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) الآن جئنا إلى مرحلة الاتهام وهو دلَّهم على المُتهم في الأمر وهو الذئب، (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا) (بِمُؤْمِنٍ) أي مصدِّق، (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا) من التصديق، لن تكون مُصدقاً لنا، يعلمون كذبهم، (وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ).

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني وكأنه يقول كما أشرت: "يكاد المُريب أن يقول خذوني".

الدكتور بلال نور الدين:
(وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) بقي عندنا الدليل، يحتاجون إلى دليلٍ لهذا الاتهام تقولون: أكله الذئب أين الدليل؟ الآن الدليل أيضاً مضحك، الدليل مضحك:

وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18)
(سورة يوسف)

(وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) قيل في بعض الروايات: ذبحوا ماعزاً ولطَّخوا القميص بالدم، وقيل: إن أباهم قال لهم: أكل الذئب ابني وترك قميصه!

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني هذه الرحمة جاءت على هذا الذئب أن يأكله دون أن يُمزق القميص.

الدكتور بلال نور الدين:
فهُم لا أحسنوا الاتهام ولا أحسنوا الدليل.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
حتى قال: ما هذه الرحمة بالذئب يعني يعقوب عليه السلام يستغرب ويستنكر هذا الأمر ما الذي تتكلمون به؟ الذئب يأكل ابني دون أن يمزق قميصه، ما هذه الرحمة التي في الذئب؟ حتى أحدهم قال: من الروايات عندما رأى أن هذا الأمر غير مُقنعٍ فقال: قولوا أنهم سرقوه وقتلوه، يعني سُرِقَ وقُتل، فسمعه سيدنا يوسف قال: السارق يريد مالاً، يأخذ الأموال، الأولى أن يأخذ القميص ولا يأخذ الدم، يعني السارق يريد مالاً لا يريد القتل، فهذا من الإشارات أيضاً في (وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ).

نسب الكذب إلى القميص دلالةٌ على شدَّة كذبهم:
الدكتور بلال نور الدين:
الدم لا يكذِب، الدم ليس كاذباً ولكن هم الكاذبون لكن نَسَبَ الكذب إلى الدم، هذا مجازٌ ولم يقل: بدمٍ كاذب وإنما جاء بالمصدر (بِدَمٍ كَذِبٍ) للدلالة على شدَّة كذبهم.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
جميل، هذه فيها لفتةٌ دكتورنا العزيز؛ في سورة الذاريات عندما دخل ضيوف إبراهيم عليه السلام قال:

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
(سورة الذاريات)

قال: (ضَيْفِ) ولم يقل ضيوف، فيقول العلماء: أنه يأتي بالمصدر ليدلَّ على الجمع ليُعطي للمعنى أكثر بلاغة، قال: (وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) لم يقل: كاذب كما أشرت أي أن كلَّ الكذب اجتمع في هذا القميص.

الدكتور بلال نور الدين:
جميل جداً، لم يقل بدمٍ كاذب وإنما قال: (بِدَمٍ كَذِبٍ) ونسب الكذب أصلاً إلى الدم للدلالة على شدَّة كذبهم وأنهم أحاطوا بالكذب من كلِّ جوانبه.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وكأن كلَّ الكذب اجتمع في هذا القميص.

الدكتور بلال نور الدين:
(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) يعقوب نبيٌّ ويُوحى إليه بأمر الله تعالى ولكن أيضاً مع نبوته أو قبل نبوته الأمر واضحٌ وجليٌّ للعيان بأن هذه الجريمة غير مكتملة الأركان ولا يمكن أن يقتنع بها طفلٌ صغيرٌ، قال تعالى: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا).

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني استرخَت هذه النفس حتى خططت وخرجتم بهذا السيناريو الكاذب.

محاسبة النفس وعدم الاستجابة للشيطان:
الدكتور بلال نور الدين:
ينبغي أن تتهِمَ نفسك
أخذت وقتها، وهنا تربية يعقوب عليه السلام، هو لما ذَكَر في البداية قال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) وقال لهم: (وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) لكن لما أوقعوا جريمتهم واجههم بها لم يقل لهم: بل سوَّل لكم الشيطان أمراً، هذا يشبه اليوم حال إنسانٍ يقع في المعاصي والآثام ويُداوم عليها ثم تقول له: لماذا يا أخي تفعل هذه المعصية؟ فيقول لك مثلاً: الشيطان، لَعَن الله الشيطان، نعم الشيطان ولَعَن الله الشيطان ولكن ينبغي أن تتهِمَ نفسك لأن هذا الأمر أنت تستجيب للشيطان به، فلا تُلقي المسؤولية تبرُّؤاً وتهرُّباً من المسؤولية فتقول: الشيطان ينهاني عن الصلاة.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
حتى تُبعِدَ عن نفسك اللوم.

الدكتور بلال نور الدين:
نفسك تُسوِّلُ لك المعصية اتهم نفسك لا تقل الشيطان، الشيطان ليس بريئاً لكن أنت ليس من حقك في كلِّ ما تفعله أن تقول: الشيطان، فهنا يعقوب عليه السلام لما أوقعوا جريمتهم لم يقل لهم: بل سوَّل لكم الشيطان أمراً، قال: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) وضعهم أمام مسؤولياتهم أنتم الفاعلون وأنتم المُحاسَبون وتوجَّه إلى الله تعالى فوراً لأن الإنسان في المِحن ينبغي أن يزيد من صلته بالله تعالى، الإنسان هلوعٌ جزوعٌ، منوعٌ، قال تعالى:

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)
(سورة المعارج)


صبر سيدنا يعقوب بعد الحادثة:
الصبر الجميل هو صبرٌ دون جزع
فيعقوب عليه السلام فوراً لما وجد نفسه في مِحنةٍ وضعهم أمام مسؤولياتهم ثم توجَّه إلى خالقه قال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ) والصبر الجميل هو صبرٌ دون جزع.
كما حصل مع هذه المرأة التي قَالَتْ: (إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي)، ثم جاءت إلى النبي بعد أن عرفته وقالت: أصبر، فَقَالَ: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى).

{ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: «اتَّقِي اللهَ، وَاصْبِرِي» قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، -وَلَمْ تَعْرِفْهُ-، فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» }

(رواه البخاري)

فيعقوب الآن يتلقى خبر فقدان حبيب قلبه والنبي يوسف الذي له هذا المستقبل وهو أدرى بما سيكون له من شأنٍ والله أعلم كم سيغيب عنه وخبرٌ مفجعٌ أكثر بهؤلاء الأولاد الذين عقُّوا أباهم بأخيهم، عقوقٌ شديدٌ جداً، ومع كل هذه المصائب يقول فوراً: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ) أستعين بالله على هذا الوصف الكاذب الذي تصفون به ما جرى، وهو ليس كذلك.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
دكتورنا؛ جماليةٌ عالية، دليل، مناقشةٌ للدليل، عاش معهم سيدنا يعقوب وبدأ بتربيةٍ حقيقيةٍ أيضاً ولا نلوم سيدنا يعقوب على شيءٍ من هذا.

الدروس المستفادة من ما حدث:
لكن الآن ننتقل فيما تبقى معنا من دقائقٍ إلى الدروس المُستفادة من هذه المحطة، أو المحطات، الدروس المُستفادة في بيت النبوة، حصل ما حصل ماذا ننصح الآباء الآن في تربية أبنائهم؟ ماذا تقول يا دكتور؟

1- كتمان الأسرار:
الدكتور بلال نور الدين:
حياكم الله؛ هذا أهم ما في الباب أولاً: كتمان الأسرار، ليس كلُّ شيءٍ يحدث ينبغي أن يُبلَّغَ به الجميع، هذه قاعدة، يقول بعضهم:

وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
(سورة الضحى)

لا تُحدِّث بالنعم الخاصة
من أجمل ما سمعت من معاني هذه الآية الكريمة قال: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) النعم العامة المألوفة وليست النعم الخاصة، ليس من الحكمة أن تكتب كلَّ يومٍ على الفيسبوك أسفارك وأين ذهبت وأين أكلت والمطاعم التي تزورها، أنت غنيٌّ قد فتح الله عليك باباً من أبواب الخير، وهؤلاء الفقراء ما شأنهم يتابعون أمورك الخاصة، حدِّثهُم بنعمة الماء والهواء والزوجة والولد ونعمة المأوى والسكن، النعم العامة التي يشترك بها الناس ولا تُحدِّثهم بالنعم الخاصة.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني اقضوا حوائجكم بالسر والكتمان.

الدكتور بلال نور الدين:

{ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ» }

(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ)

وهذا بعض أهل العلم صححه حديثاً، فيه ضعفٌ عند كثير من أهل العلم لكن بعض أهل العلم جعلوه من الصحيح (اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِكُمْ بِالْكِتْمَانِ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ) فمن الحكمة (لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ) يعقوب عليه السلام اتخذ ما استطاعه لكن قَدَر الله واقع.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
مع أن يوسف التزم بما قال له والده ولم يُخبر أحداً، لكن من حبه لخالته فقصَّ عليها وكأنها أمه، لكن هي الغيرة أيضاً والحسد الذي دخل بين الأبناء هو الأساس في هذا الأمر.

الدكتور بلال نور الدين:
لذلك يكتُم الإنسان، كما قالوا :
(اكتم عن الناس ذهابك، وذهبك، ومذهبك)
{ الإمام ابن الجوزي }
نشر الأشياء الصالحة عبر وسائل التواصل
إلا للأحباب، الأصحاب، الأقرباء، أما كلُّ شيءٍ يُعلم، واليوم دكتور مراد أنت تعلم مشكلة الفيسبوك والتواصل كلُّ واحدٍ منا أصبح إعلامياً، جميل أن تنشر الأشياء الطيبة والصالحة والخيرة لكن ليس مناسباً بعد شهرين سيأتي رمضان أن تُنشر موائد الإفطار في البيوت وفيها ما لذَّ وطاب وقد يكون هناك فقراءٌ لا يجدون ما يأكلون، فينبغي الانتباه إلى ذلك، فالحكمة الأولى هي كتم السر.

2- العدل بين الأبناء:
الأمر الثاني: أن نوجه الآباء إلى ضرورة العدل بين الأبناء.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
وهذا يؤكد حديث النبي صلى الله عليه وسلم (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

{ النُّعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما أنَّه قال: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، أي: هِبَةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ، وهي أمُّ النُّعمان: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فقَالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ» قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ }

(رواه البخاري)


الدكتور بلال نور الدين:
في الحديث النبوي:

{ أنَّ النعمانَ بنَ بَشيرٍ جاء أبوهُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال له: إني نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا، فقال له: أَكُلَّ ولدِكَ له نِحْلةٌ مثلُ هذا؟ قال: لا، قال: فاردُدْهُ [ وفي روايةٍ ] أَلِكُلِّ ولدِكَ نِحْلَةٌ مثلُ هذا؟ قال: لا، قال: أَتُحِبُّ أن يكونَ الكلُّ في البِرِّ سواءٌ؟ قال: نعم، قال: فَسَوِّ بينَهم في العَطِيَّةِ، وفي روايةٍ: قال: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، وفي روايةٍ: إِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ }

(سنن النسائي)

لا أشهد على شيءٍ فيه ظلم.

التمييز بين العدل والمساواة
العدل شيء والمساواة شيءٌ آخر
وهنا أريد أن أميِّز بين العدل والمساواة، هذا مهمٌّ جداً العدل والمساواة، المطلوب العدل وليس المساواة أحياناً قد يكون لك ابنٌ في الجامعة وابنٌ في الأول الابتدائي، فليس من العدل بينهما أن تُعطي الابن في الجامعة عشرة دنانير وتُعطي مثلها للصف الأول، لا.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
عندنا هناك أناسٌ قد يعينه والده على الدراسة، يُدرِّسُه، والآخر لم يدرس فيريد الآن أن يُزوِّجه فأعطى هذا قسماً من المال فيعطي هذا أيضاً قسماً من المال، وحتى بين الولد والبنت في وجوده في البيت يعدل بينهما.

الدكتور بلال نور الدين:
نعم، يعدل بينهما ولو في القُبل، أحياناً الإنسان عنده ولدان بعمرين متقاربين ست سنوات، سبع سنوات، أو ستة أو ثمانية، فيجد أحدهما ألمعياً جميل الصورة ذكياً، له حركاتٌ محببةٌ فيميل إليه كثيراً فيضعه في حضنه ويُقبِّله ويُقبِّله ويترك الآخر ولا ينتبه وهذا سوءٌ في التربية ينبغي أن تعدل بين الأولاد ولو في القُبل فحضَنت هذا فاحضُن هذا.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
يعني دكتورنا العزيز؛ هو فن التربية وفن التعامل مع الأبناء وهذا يحتاج أيضاً إلى اطلاعٍ من الوالدين والله التربية مُعاناةٌ وليست أمراً سهلاً، يجب أن تطّلع وتقرأ وتُثقِّف نفسك في هذه المسألة حتى تُبرئ الذمة مع الله عزَّ وجلَّ:

{ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ- وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ }

(أخرج البخاري)

حتى في العدل بين الأبناء أنت مسؤولٌ عن هذا الشيء.

الدكتور بلال نور الدين:
أولادك هم استمرارك
ومسؤوليةٌ مصيرية، يعني قضية الأبناء هم استمرارك، تَسعَدُ بسعادتهم وتشقَى بشقائهم، نسأل الله السلامة، فأنت عندما تعتني بهم فأنت تعتني بذاتك، العناية بالأولاد عنايةٌ بالنفس، ما منَّا إنسان إلا ويُحب أن يكون متميزاً إلا أنه يفرح لتميُّزِ شخصٍ عليه وهو ابنه إن رآه متميزاً وأفضل منه يفرح لتميُّزه عليه هذا من رحمة الأب، الله تعالى أقسم في قرآنه قال:

وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
(سورة البلد)

فإذاً العدل أن تعطي كل ذي حقٍّ حقه كما تفضلت، كل ذي حقٍّ حقه، ليس دائماً هو المساواة قد يكون المساواة لكن ليس دائماً.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
ونحاول ألا نُظهر محبة ولدٍ على الآخر، حتى في شيءٍ بسيطٍ جداً وهي القبلة فنُقسِّمها بين هذا وهذا.

الدكتور بلال نور الدين:
أخفِ مشاعرك، دعها في داخلك واعدل بينهم في كلِّ شيءٍ حتى في إظهار المودة.

الدكتور مراد نواف الرفاعي:
دكتورنا العزيز استمتعنا معك.

الدكتور بلال نور الدين:
أنا أكثر متعةً والله.

علَّمني يوسف:
الدكتور مراد نواف الرفاعي:
الله يكرمك إن شاء الله، وقصة سيدنا يوسف مليئةٌ أخذنا بعض اللطائف لكن نُنهي في هذه الدقائق في فقرة علَّمني يوسف:
1- شُكرًا يوسف فقد علَّمني أن بعض الناس يكرهوننا لمزايانا وليس لعيوبنا، فقد كرِهوك لأنك جميلٌ وطيّبٌ ولا تُشبههم، والناس لا يريدون من يُذكِّرُهم بنقصهم.
2- تعلمتُ أن الطعنة تأتي أحياناً من حيث لا نحتسب، وأنكَ حين سلِمتَ من الذئب لم تسلَم من إخوتك.
3- وتعلمتُ أن لا أقصُصَ على الجميع كلَّ خيرٍ وهبني الله إياه لأن البعض عيونهم ضيقة، وقلوبهم أضيق، ينظرون إلى ما في أيدي الآخرين أكثر مما ينظرون إلى ما في أيديهم.
4- وتعلمتُ أن المجرمين يلبَسون أحياناً ثياب الناصحين، فقد قال إبليسُ لأبيكَ آدم (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ) وقال إخوتك لأبيكَ يعقوب (إِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ)، (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
5- وتعلمتُ أن بعض الشرِّ أهوَن من بعض، وأن الناس كما يتفاوتون في صلاحهم يتفاوتون في شرِّهم، وقد أنجاك أقلُّ إخوتك شراً إذ قال: (لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ).
6- وتعلمتُ أن لا أبوح بمخاوفي كي لا يُحاربني الناس بها، فقد قال أباك (أَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) وقال له إخوتك: إنّ الذئب قد أكلك.
7- وتعلمتُ أنه لا يوجد جريمةٌ كاملة، وأن المجرم تُوقِع به تفاصيلُ صغيرةٌ فاته إن ينتبه لها، فقد نسِيَ إخوتك أن يُمزِّقوا قميصك، فأيُّ ذئبٍ هذا الذي يفترس صبياً ويبقى قميصه سالماً!
نلقاكم بإذن الله الأسبوع القادم في محطةٍ جديدةٍ من رِحْلَة الصِّدِّيْق، والسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَعالَى وَبَرَكاتُهُ.