سيدنا يوسف وامرأة العزيز

  • الحلقة السادسة
  • 2021-03-14

سيدنا يوسف وامرأة العزيز


مقدمة:
الدكتور مراد:
مشاهدينا الكرام أسعد الله مساءكم في هذه الليلة وفي برنامجكم: "رحلة الصديق"، مازلنا مع الصديق يوسف عليه السلام، بعد خروج يوسف عليه السلام من المحنة الأولى، والابتلاء الأول، ألا وهو البئر الجب عندما كان فيه، وانتقل إلى ابتلاءٍ جديد في القصر وهو مراودة امرأة العزيز، هذه الخيانة الزوجية التي ارتكبتها امرأة العزيز هو الابتلاء الثاني الذي عاشه سيدنا يوسف عليه السلام، وهو ابتلاءٌ، ابتلاء كبير جداً وعظيم وصعب، لكن يوسف عليه السلام نجح في الخروج من هذا الابتلاء، وبعدها بدأ التمكين لسيدنا يوسف عليه السلام، نسلط الضوء على هذه القصة، وعلى هذه المعاني العظيمة ليأخذ منها الشباب العبرة والعظة.
سيكون معنا هذا الليلة من تركيا شيخنا الحبيب ؛ المفسر الدكتور فرحان عزيز أهلاً وسهلاً بك شيخنا، حياكم الله سيدي.

الدكتور فرحان:
يا مرحباً بالشيخ.

الدكتور مراد:
حياكم الله، وأهلاً وسهلاً بك يا سيدي.

الدكتور فرحان:
يا مرحباً دكتور.

الدكتور مراد:
حياكم الله؛ سنعود إليك سماحة الشيخ فرحان بعد الفاصل بإذنه تعالى، فاصل ثم نعود إليكم.

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ
[ سورة يوسف ]

صدق الله العظيم.
حياكم الله فضيلة الشيخ فرحان ؛ أهلاً وسهلاً بك من جديد.

الدكتور فرحان:
يا مرحباً.

الدكتور مراد:
حياكم الله شيخنا الكريم؛ وأنت المفسر الذي تستنطق الآيات وتخرج منها المعاني الطيبة، ونحن عندما نتكلم عن سيدنا يوسف، ونتكلم عن أحسن القصص، حتى نأخذ العبرة والعظة من هذه الآيات، وكما تعلم شيخنا ذكر ابن مسعود قال: أفرس الناس ثلاثة؛ وذكر منهم عزيز مصر، عندما قال:

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)
[ سورة يوسف ]

سماحة الشيخ؛ سيدنا يوسف عليه السلام (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)وعلى الروايات المتعددة أن الأشد كان بين الثامنة عشرة إلى الثلاثين عاماً، كما ذكر ابن عباس هذا، هذه المرحلة التي وصل إليها سيدنا يوسف من الشباب، ومن القوة، ومن الجمال، هنا بدأت حالة، حالة إن صح التعبير الخيانة الزوجية من امرأة العزيز، نريد أن نتكلم عن هذه المحطة (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ) المراودة كانت في بيت العزيز، ماذا تقول فضيلة الشيخ فرحان؟

التجاء يوسف عليه السلام إلى ربه:
الدكتور فرحان:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي ارتفعت عن مطارح الفكر جلالته، وجلت عن مطامح الهمم عزته، وتعالت عن مشابهة الأنام صفته، وأعجزت مدارك الأفهام قدرته، وفاقت مبالغ الأوهام عظمته.

اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
[ سورة الإخلاص ]

خلق الخلق وأحصاهم عدداً، الحمد لله الذي جعل أهل الجنة في حدائقها، وجعل أهل النار في سُرادقها، وتنزه الله أن يكون له في تنعيم هؤلاء فائدة، ولا من تعذيب هؤلاء عائدة، جلت الأحدية، وتقدست الصمدية، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الغر الميامين رضوان الله تعالى علينا وعليهم أجمعين، ثم بعد.
سورة يوسف سورة اجتماعية بامتياز
لا شك أن هذه الآيات الكريمات في سورة يوسف من الآيات العظيمة، وهي سورة اجتماعية، وقد كتب العلماء، واستنبط منها المفسرون، إشارات كثيرة تربوية وعائلية تعالج مشاكل اجتماعية كثيرة، مشاكل أسرية، قضايا الغيرة بين الأولاد، قضية أب متزوج من اثنتين، لديه أولاد من كلا الزوجتين، مشاكل الحسد بين الأخوة، ما يجري من أمور الحياة.
لما انتقل سيدنا يوسف إلى مصر، وما جرى في بيت العزيز، امرأة مترفة لديها كل شيء، سيدة في قصرها، مطاعة بين قومها، لكنها فاقدة لقضية الزواج الحقيقي، أو الزوج الحقيقي، وهذا أيضاً دعوة إلى الرجال في قضية يجب الإشارة إليها وهي من قال إن الزوج كان طوال الوقت مشغولاً في الوزارة، ومشغولاً في العمل، ومشغولاً بكذا، فقد ترك الزوجة، ومنهم من قال إن هذا ينصب على كل إنسان ينشغل عن أهل بيته، إن لأهلك عليك حقاً، فكرة الانشغال في جمع المال في الدنيا، في الأمور كثيرة، فحقيقة السورة بامتياز اجتماعية، وأنا أخرجت منها أكثر من 115 إشارة اجتماعية، أخرجت من هذه الآيات أكثر من 115 إشارة اجتماعية في قضايا التربية الأسرية، لكن الآية التي ابتدأنا بالكلام بها في قول الله تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ) ذكر العلماء ومنهم ابن الجوزي والإمام القرطبي، ومن قبل الإمام الرازي، وجمع كبير من المفسرين، قالوا: على أن سيدنا يوسف كان في غربة، وكان شاباً، وكان جميلاً، والمرأة كانت جميلة، والمرأة كانت ذات منصب، كما قال النبي:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابّ نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه مُعَلَّق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعودَ إليه، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه، ورجل دَعَتْهُ امرأة ذاتُ مَنْصِب وجمال، فقال: إني أخافُ الله، ورجل تَصدَّق بصدقة فأخْفاها حتى لا تعلم شمالُهُ ما تُنْفِقُ يمينه، ورجل ذَكَرَ الله خالياً ففاضت عيناه }

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك]

ليس الجمال فقط بالمنصب والجمال (قال: إني أخافُ الله) رب العالمين (سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ) كثير من الظروف التي كانت محيطة بسيدنا يوسف عليه السلام كانت دافعة له، حاشاه سيدنا يوسف، لكن أنا أقصد لو كان أحد بدلاً عنه كانت هذه الظروف دافعاً للوقوع في هذا الأمر، لكن الله سبحانه وتعالى كان عوضه، وكان التجاؤه إلى الله سبحانه وتعالى المنقذ له.
قضية الأسرة وما فيها حقيقةً تحتاج إلى أكثر من حلقات، وأنا حسب ما أعلم اليوم الوقت قصير لمتابعة هذا الأمر، لكن لو أردنا الوقوف على كلمة: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا) كلمة راودَ؛ يجب دائماً كما تعرف دكتور مراد أن دقة اللفظة القرآنية تعرف من خلال الرجوع إلى أصلها، وجذرها، والتعامل معها، واللازم الذي فيها، حتى نعرف الإحاطة الكاملة لهذه اللفظة.
يقول الإمام البقاعي في لفظ الدرر: كلمة راودَ من رادَ يرودُ، وتقاليبها السبع كما يذكر ذلك البقاعي، ويقول: التقاليب السبع كلها بين الواو والياء، أي راودَ، ريدَ، أريد، يريد، رودَ، ورود، قال: كلها تدل على الحركة والرجوع والاضطراب، هذه اللفظة كلها تدل على هذا المعنى الذي تمتاز به لفظة راودَ وهي على وزن المفاعلة ولكن ليس فيها مفاعلة، أي (وَرَاوَدَتْهُ) راودَ فاعل، لكنها من جهة واحدة وليست من جهتين، وهذه من الألفاظ الدقيقة التي يجب أن ننتبه إليها، لعل بعض الجهلة يقول: صريح القرآن يقول: (وَرَاوَدَتْهُ) وهي على وزن مفاعلة، فتدل على مشاركة يوسف عليه السلام، أقول: لا، عندما نقول: شافاه الله، المشافي هو الله فقط، وليس المشافي العبد لله، معاذ الله، وهناك الكثير في الألفاظ هكذا، إذاً وقفوا على لفظة راود وقفة دقيقة جداً، قالوا: راودَ تدل على أن امرأة العزيز لم تكن هذه أول مرة تحاول مع يوسف عليه السلام، من أين أتوا بهذه الإشارة؟ قالوا: لأن لفظة راودَ مأخوذة من المرود، والمرودُ؛ هو آلةٌ دقيقة يبرد بها الصائغ الذهب، أي الأماكن الدقيقة، مبرد صغير يدخله بين ثنايا الذهب، بين مشبكات الذهب ويبرد الآلات، النتوءات الدقيقة الموجودة في الذهب، وهذا العمل يحتاج من الصائغ إلى دقة، ومهارة، وتكرار في العمل، ولطف، إذاً (رَاوَدَتْهُ) تدل على أن هذه ليست أول مرة، إنما هي حاولت مع يوسف كثيراً ولكنها كانت بحيل، وكانت بمكر، وكانت بخداع ، ولكنها لم تكن تحظى بيوسف عليه السلام.

الدكتور مراد:
أي هذه المرة فقط هي التي سلط القرآن الكريم عليها هذه الحادثة؟

الدكتور فرحان:
نعم، لكن كلمة (رَاوَدَتْهُ) تدل على مرات سابقة.

الدكتور مراد:
لو سألنا سؤالاً: لِمَ سيدنا يوسف لم يذهب إلى العزيز ويخبره عن زوجته من قبل إذا أخذنا في هذا المعنى؟

حسن ظن سيدنا يوسف بامرأة العزيز:
الدكتور فرحان:
أولاً ربما يوسف عليه السلام لحسن ظنه ما ظن أن الأمر هكذا، وظن ربما إذا كانت لمسته أو أمسكته أنها سيدته، وأنها كالأم التي ربته، ومن أخذ بهذا الأمر فمأخذه هذا يدل على طيب نفسه، لأن الأمر يقاس على نفس الإنسان، فسيدنا يوسف ما وقع في نفسه أنها تفعل هذا، ولذلك هناك من ذهب إلى قراءة وإن كانت هي ليست حتى شاذة، لكن وجه المعنى قال: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) هم من الهم، أي حزن لما علم أنها أرادت ذلك.

الدكتور مراد:
هي وردت فيها أربع قراءات فضيلة الشيخ فرحان.

الدكتور فرحان:
هي بها قراءات كثيرة، لكن أنا أتكلم على توجيه المعنى، وليس للقراءة، أن سيدنا يوسف حزن، على من ذهب إلى هذا المذهب يقول إنه (هَمَّ) أي أصابه الهم، كيف أن امرأة ينظر إليها بمنظار الأم تفعل معه هذا الفعل؟ وإن كانت هي مازالت شابة، لكنه ما كان ينظر إليها.

الدكتور مراد:
الله عزَّ وجل عصم سيدنا يوسف عليه السلام من هذه الفحشاء ومن مكر النساء، وهو التقي النقي الذي وصفه حتى النبي صلى الله عليه وسلم: (سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه) الآن هذه الخيانة الزوجية التي عاشتها امرأة العزيز، هنا أريد التوجيه، توجيه ونظرة إلى الشباب، شيخ فرحان الآن دكتورنا العزيز نرى المواقع الإباحية اليوم وندعو في بلدنا، وفي بلاد المسلمين بحجب هذه المواقع التي دخلت كل البيوت، وهذه سبيل إلى طريق الشيطان، هنا أريد أن ألصق هذه الآية بواقعنا الذي نعيشه فضيلة الشيخ فرحان.

الإسلام دين عظيم:
الدكتور فرحان:
لاحظ الإسلام حقيقةً دين عظيم، أعطى مجالاً للمرأة، وأعطى مجالاً للرجل، النبي عليه الصلاة والسلام قال:

{ عن ثوبان رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: أَيُّما امْرأةٍ اختَلَعَتْ من زَوجها من غَيْرِ بَأسٍ لَمْ تَرِح رَائحَةَ الجنة }

[ أخرجه أبو داود والترمذي ]

للمرأة حق طلب الطلاق من زوجها
لماذا؟ حتى تستقر البيوت، وتلتزم البيوت، ولكن ماذا أعطى الضابط؟ أنه (من غَيْرِ بَأسٍ) ألا يكون على المرأة بأس، ومن البأس الذي يقع على المرأة، إذا أخذنا هذا الجانب، هو جانب المعاشرة الزوجية، أيضاً يقع بأس كبير جداً على المرأة، وأجاز الحكيم للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها، وإن لم يطلقها خالعته، إذا كان مقصراً معها، ولم يرعو إلى طلبها في إعطائها حقها في الحياة، فلها حق أن تطلب الطلاق وتتزوج، لذلك لاحظوا حتى القرآن الكريم في مسألة الطلاق ماذا قال، قال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49)
[ سورة الأحزاب ]

كلمة السراح، ما معنى السراح؟ قالوا: السراح مأخوذ من نفس السرح، نفس السرح أي أنه ترك الناقة، النوق تحب هذا النبات، نباتٌ طيبٌ ولين، فاترك هذه المرأة كما تترك الناقة حتى تختار النبتة التي تريد أكلها، حتى السراح جعله (سَرَاحاً جَمِيلاً) أي ليس بغصبٍ ولا بإكراه، ولذلك علماء الحنفية جعلوا المرأة الثيب ممكن أن تتزوج، لماذا؟ لأن القرآن يقول: (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) فجعل السراح للمرأة، كأنها هي التي ستختار مرةً ثانية إن أخفقت في الاختيار الأول، لذلك لا عذر لأحد، لا عذر لامرأة تقع في هذا الموضوع، لا عذر لأحد.

الدكتور مراد:
لا عذر لأحد أن يقع في هذا مهما كان الأمر.

الدكتور فرحان:
لا عذر لأحد سواء من الرجال أو النساء، الرجال أمامهم أن الله سبحانه وتعالى شرع لك الحلال فلِمَ تذهب إلى الحرام؟ والمرأة إن كان الرجل مقصراً معك، وقد ضيق على المرأة فجعل الشارع الحكيم مجالاً واسعاً أن تختار حياتها مرة ثانية، عسى الله أن يكتب لها الخير، ويكتب لها سعادة جديدة، فلذلك لا عذر لأحد لا لرجل أو لامرأة بأن يتحجج بكل ما يجري الآن من الأمور في الشريعة والحمد لله هي تتسع إلى آخر الزمان، فيها من الحلول ما يتسع إلى آخر الزمان.

الدكتور مراد:
جميل ! نحن قلنا: إن امرأة العزيز ارتكبت هذا المحظور الذي لا مسوغ لها فيه، وهو أن الزوج مقصر تجاهها، هذه دعوة كما أشرت فضيلة الشيخ فرحان.

{ عن يونس بن يزيد الأيلي رحمه الله: قال: كتب رُزيق بن حكيم إلى ابن شهاب وأنا معه يومئذ بوادي القُرى: هل ترى أن أُجمَعَ؟ ورُزَيْق عامل على أرض يعْمَلُها، وفيها جماعة من السَّودان وغيرهم يعملون فيها، وزُريق يومئذ على أيلةَ، فكتبَ ابنُ شهاب، وأنا أسمعُ يأمُرُه أن يجمَع، يخبره أن سالما حدَّثه أن عبد الله بنَ عمرَ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ' كلُّكم راع، وكلُّكم مسؤول عن رعِيَّته: الإمامُ راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته، والمرأةُ راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رَعيَّتها، والخادمُ راع في مال سيِّدِهِ ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ، قال: وحسبتُ أن قد قال: والرَّجُلُ راع في مال أبيه، ومسؤؤل عن رعيته، فكلُّكم راع، وكلُّكم مسوُؤل عن رعيته }

[ أخرجه البخاري ]

إطلاق البصر يفتح باب الحرام
هذا مهم يدخل في الرعاية التي أمرنا الله عزَّ وجل في اتباعها وهي حق الفراش، وأيضاً المطلوب هو غض البصر أيضاً، من جهة الرجل ومن جهة المرأة، لأن الحلال أمامك والحرام ها هو بابه، ويفتح النظر إلى المحرمات هذا الباب.
دكتور فرحان؛ لو انتقلنا بسرعة لأن الوقت يداهمنا، لو أخذنا ووضحنا للسادة المشاهدين معنى (هَيْتَ لَكَ) ما الذي قصده يوسف عليه السلام؟ أو قول الله: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) هل قصد عزيز مصر أم العزيز جلّ جلاله؟ ونحن نعلم أن هناك أربع قراءات بفتح الهاء والتاء، بكسر الهاء وضم التاء، بفتح الهاء وكسر التاء، قراءات متعددة، ماذا توجه وماذا تقول؟

موقف سيدنا يوسف من امرأة العزيز عندما راودته عن نفسها:
الدكتور فرحان:
أولاً هي تسع قراءات، وهناك قراءة عاشرة أيضاً، عشر قراءات تقريباً.

الدكتور مراد:
جميل، هذا الموقف عند الطبري.

الدكتور فرحان:
هي هِيتَ لك، و (هَيْتَ لَكَ) وهئتُ لك، وهيئِتُ لك، وهكذا بالهمز والفتح والكسر والضم، ففيها عشر قراءات.

الدكتور مراد:
جميل، نريد أن نسلط على موقف سيدنا يوسف عليه السلام بالتحديد؟

الدكتور فرحان:
نعم؛ تحديداً موقف يوسف عليه السلام، إما أن يكون المعنى هئتُ لك ، أو تهيأت لك، أو أقبل، أو أسرع، أو تعال، أو كذا، على ما قال أهل التفسير في هذه الأقوال في (هَيْتَ لَكَ) وقال الإمام: هذه لفظة ليست عربية إنما هي لفظة عبرية، هيت لك كما قالوا تعال أو أقبل، وقيل كما ذكر النسائي وأبو عبيدة على أنه يعني (هَيْتَ لَكَ) على من قال إنه كانت لغة حوران ثم استعملها أهل نجد واستعملها العرب من قبل.
المهم بالنسبة لسيدنا يوسف، الموقف حقيقةً يعني هذه الآية شيخ مراد تحتاج إلى حلقة كاملة، أنت تريد كل المصحف في عشر دقائق، هذا ليس ممكناً، لكن ما عليك، سآتي معك كما تريد، السؤال هنا (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ) ربما يمكن أن نسأل سؤالاً مهماً جداً في هذه الحلقة، نقول أو بعض الشباب يقول: لماذا قال يوسف (مَعَاذَ اللَّهِ) واستجاب الله له وأنا أقول لك: (مَعَاذَ اللَّهِ) والله ما استجاب لي؟ إذاً أين المسألة؟ أين الفارق؟

الدكتور مراد:
قياس جميل.

الدكتور فرحان:
كثير من الشباب يقول لك: أنا قلت: (مَعَاذَ اللَّهِ) والله ما استجاب لي مثلاً وسيدنا يوسف (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ) والله استجاب له، ما الفارق؟ نقول هنا الآتي: الله سبحانه وتعالى مطلع على القلوب، ليست القضية قضية لسان، لذلك إذا عرضت على الشاب مسألة في المعصية وقال قلبه (مَعَاذَ اللَّهِ) وليس لسانه، فإنه كما قال تعالى، الله سبحانه وتعالى قال: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) فيصرف الله سبحانه وتعالى السوء والفحشاء عن كل من قال: (مَعَاذَ اللَّهِ) بقلبه، وليس فقط (مَعَاذَ اللَّهِ) بلسانه، هذه المسألة الأولى.

الدكتور مراد:
الإخلاص، والصدق، والنية.

الدكتور فرحان:
لأن الله مطلع على قضية (مَعَاذَ اللَّهِ) ويقول: العوذ من القلب، والدليل على هذا لاحظ أنه في قول الله تعالى:

أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً (83)
[ سورة مريم ]

الفرق بين السوء والفحشاء
البعض يقول: يا رب، أنت تقول: أنت أرسلت (الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ) فلماذا تحاسب الكافرين؟ نقول: لا، لأن كلمة أرسل تأتي بمعنيين، تأتي بمعنى الذي يقارب البعث، من بعث وأرسل، وتأتي بمعنى ترك وخلّى، نقول: فلان أرسل ناقته إذا خلّى زمامها، إذاً معنى هذا أن الكافر لم يقل: (مَعَاذَ اللَّهِ) فخلى الله بينه وبين الشياطين، والمؤمن قال (مَعَاذَ اللَّهِ) فأمسك الله وصرف الشياطين عنه، كذلك قال: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) والسوء من عمل اليد، والفحشاء من عمل الجوارح، وهناك كلام كثير عن الفرق بين السوء والفحشاء، الوقت ضيق حقيقةً، لا يتسع للتوسع في هذا.
أما قول سيدنا يوسف: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) إنه وإن قال كثير من المفسرين على أنها تعود على الزوج، ولكن حقيقةً بعض المفسرين قالوا: لا يليق بنبي من أنبياء الله أن يقول لغير الله إنه ربي، حتى لو كان ربي بمعنى سيدي، لا يليق أن يقول نبي كلمة ربي لغير الله، ثانياً: كلمة (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ) الضمير يعود لأقرب مذكور، فتعود إلى الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: تذكر سيدنا يوسف كرم الله له بقضية أنّا (مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) فتذكر يوسف كرم الله له، أكثر من تذكر يوسف لكرم العزيز، عزيز مصر له، فلا شك أن يكون تذكره لكرم الله أعظم بكثير، هذه مسألة.
المسألة الأخرى الآية التي بعدها أنه ماذا قال؟ قال: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا)، (أَلْفَيَا) بالمثنى ثم قال: (سَيِّدَهَا) إذاً لكم يكن سيداً ليوسف، لأنه لم يكن حقيقةً، إذاً يعود إلى العزيز، إنما يوسف عليه السلام (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) واضح؟ ثم القرآن بيّن تتمة القصة، وأنه (أَلْفَيَا) كلاهما (أَلْفَيَا) لكن قال: (سَيِّدَهَا) منهم من قال: سيدها وزوجها، ومنهم من قال سيدها، لأن زوجها لم يكن سيداً على يوسف حقيقةً، لأنه كان حراً، لم يكن رقيقاً على الحقيقة، والذي قال: (سَيِّدَهَا) لم يقل: سيدهما، ولو أراد يوسف أن الرب هنا يعني العزيز لقال: وألفيا سيدهما، لأنه قبل قليل قال: (إِنَّهُ رَبِّي) لو كان الأمر هكذا، هذا يدل على أن المراد هو الله سبحانه وتعالى.

الدكتور فرحان:
إشارة لطيفة؛ سماحة الشيخ فرحان، أنا جداً شاكر لك، وجزاك الله عنا كل خير على هذه الكلمات، وهذه اللطائف الدقيقة، برعاية الله، نلقاكم بإذن الله عز وجل في الأردن، بإذن الله عز وجل في هذا الأستوديو، جزاك الله عنا كل خير، وشكراً لك دكتور، حياكم الله، وأكرمكم.
أخواني أخواتي؛ حمى الله عزَّ وجل سيدنا يوسف من مكر امرأة العزيز، وعناية الله عزَّ وجل تحف كل إنسان ملتزم، كل إنسان طائع، تقي، مخلص لله عزَّ وجل، سنعود إليكم بعد هذا الفاصل مع ضيفي الثاني الدكتور بلال نور الدين، نلقاكم بعد الفاصل.

ترحيب بالدكتور بلال نور الدين:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، نرحب أجمل الترحيب بدكتورنا بلال نور الدين، معنا عبر السكايب الدكتور بلال، بعد قليل سيدخل الدكتور بلال معنا عبر السكايب في حلقتنا، وفي برنامجنا هذا اليوم: "رحلة الصديق"، ونحن نتكلم عن يوسف وامرأة العزيز.
الابتلاء يدفع الإنسان إلى الله عزَّ وجل
يوسف عليه السلام الذي ابتلي ابتلاءً ثانياً ألا وهو ابتلاء القصر، عندما خرج من الجب فكان في الابتلاء الأول، ثم انتقل إلا ابتلاءٍ ثان وهو في القصر، وهذا حال الصالحين، دائماً الأنبياء هم أشد ابتلاءً من بعدهم الصالحين، والأتقياء، والأنقياء، هم الذين يقعون في الابتلاء، حتى بعض الصالحين كان إذا لم يقع عليه ابتلاء كان يقول: يا رب ما هذا الذي حصل معي أنني لم أقع في ابتلاء؟ فالابتلاء يدفع الإنسان ليعود إلى الله عزَّ وجل، وهناك امتحانات كثيرة عاشها سيدنا يوسف حتى وصل إلى التمكين المطلوب، واليوم عندما نتحدث عن سيدنا يوسف، وعن ابتلائه، نتحدث حتى نقول لشبابنا، ولبناتنا، ولأبنائنا مهما اشتدت الأمور، ومهما زاد الابتلاء، لابد أن يأتي الفرج، سيدنا يوسف عاش حياة طويلة في السجن بعد هذا الابتلاء، وعاش مع ابتلائه الأول، وابتلائه الثاني، ثم جاء التمكين له.
نرحب بأخينا العزيز الدكتور بلال نور الدين ؛ أهلاً وسهلاً بك دكتورنا.

الدكتور بلال:
حياكم الله دكتور مراد.

الدكتور مراد:
حياك الله دكتورنا، وضيفي الدائم في برنامج:"رحلة الصديق"، ونحن نتكلم اليوم عن يوسف عليه السلام وامرأة العزيز.
دكتورنا العزيز الدكتور بلال ؛ يوسف عليه السلام خاض ثلاثة امتحانات في العسر، الجب، القصر، ثم السجن، فأي الامتحانات كان الأشد والأصعب بين هذه الثلاثة ونحن نعلم أن علة وجودنا في هذه الدنيا هي الابتلاء؟

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
[ سورة الملك ]

ماذا تقول؟ وما هو الابتلاء الأشد الذي مرّ فيه سيدنا يوسف عليه السلام؟

أصعب امتحان خاضه سيدنا يوسف:
الدكتور بلال:
حياكم الله دكتور مراد ؛ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
صبر الاختيار أعظم وأرقى عند الله
سيدي ؛ أنا أعتقد - والعلم عند الله - أن أصعب امتحانٍ خاضه يوسف هو الذي نتحدث عنه اليوم لماذا؟ لأن هناك امتحان اختيار، أو صبر في الاختيار، وهناك صبر اضطرار، لما كان في الجب صبر، وفي السجن سيأتي معنا أنه صبر على محنة السجن، هذا صبر اضطرار، ليس فيه اختيار، جعله الله في هذا المكان فصبر على ذلك وأخذ أجره، لكن عندما كان في القصر، كان بإمكانه ألا يصبر عن الشهوة، وأن يجيب امرأة العزيز إلى طلبها والعياذ بالله، حاشاه أن يفعل، لكن لما صبر صبر اختيار، صبر الاختيار أعظم وأرقى عند الله.
لذلك أنا أعتقد أنه عندما يكون أمام الإنسان خياران، فإما أن يختار هذا أو ذاك، فهنا يكون الرقي عند الله أعظم، كما أسلفت نحن مخلوقون في الدنيا للابتلاء والامتحان، ويوسف عليه السلام يوم كان في هذا المكان، في القصر، كما تفضل الدكتور فرحان، كان لديه كل ما يكون للشاب ليفعل الفاحشة والعياذ بالله، لأنه في بيتها، ولأنها (غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) ولأنه خادمٌ في قصرها، وهي جميلة، وهو جميل الصورة، أسبابٌ كثيرة كانت تدعو يوسف حاشاه أن يفعل المنكر، ولكنه صبر صبر اختيارٍ عن الشهوة (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) فأعتقد أن أصعب امتحان خاضه يوسف هذا الامتحان، رغم أن البعض قد يتبادر إلى ذهنه أن السجن أشد، لكن يوسف عبر عن ذلك فقال:

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)
[ سورة يوسف]


الدكتور مراد:
جميل، دكتور أركان الجريمة اكتملت في فعل امرأة العزيز عندما بدأت (غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) أي أغلقت (غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) فهي في دلالة أنها استطاعت أن تمكن هذا الجرم وهو الخيانة الزوجية التي قامت بها، أو همت بها، فسيدنا يوسف عليه السلام استطاع أن يخرج، وينجح في هذا الامتحان، وكلما كان الامتحان أشد كان الأجر أعظم وأقرب إلى الله عزَّ وجل من الخروج من هذه المحنة.
دكتورنا العزيز؛ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) هل همَّ يوسف بامرأة العزيز؟ وما هو البرهان الذي رآه؟ نريد أن نبين هذا الأمر، وخاصة أننا نتكلم عن شاب في عمرٍ الفتوة، الفتوة فيه، والجمال موجود، وتهيأت جميع الأسباب لارتكاب هذه الفاحشة ماذا تقول؟

مآلات اللذة الطارئة سخط من الله وغضب شديد:
الدكتور بلال:
جزاك الله خيراً دكتور؛ حقيقةً أنا أجد الأمر يسيراً جداً في فهم الآية، رغم أن بعض المفكرين خاضوا فيه، ووضعوا عدة معان، لكن الأوضح (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) نقطة انتهى (هَمَّتْ بِهِ) تريد إيقاعه في شباك المعصية، هنا نقف، الآن (وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) يوسف عليه السلام (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) لهمَّ بها، لكنه (رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) فلم يهمَّ بها، كما تقول العرب: لولا الطبيب لساءت حالة المريض، لكن وجد الطبيب فما ساءت حالة المريض، نحن نقول: لولا الله لساءت حالة المريض، لكن الشافي جل جلاله منع أن تسوء حالة المريض، لأن لولا حرف امتناع لوجود، وجد شيء فامتنع شيء، فلما وجد برهانٌ من الله تعالى امتنع على يوسف أن يهمَّ بها، أيضاً البرهان ما هو؟ تفتح كتب التفسير وفيها أحياناً بعض الإسرائيليات، من المذكور مثلاً أنه رأى صورة أبيه يعقوب في السقف، لكن ليس لهذا دليل.

الدكتور مراد:
وهي من الإسرائيليات.

الدكتور بلال:
من الإسرائيليات.
الأمر واضح، البرهان في اللغة هو أول النور، وهو الحجة، والدليل القاطع، فيوسف عليه السلام ما هو برهان ربه؟ الذي ذكره الله تعالى قبل قليل:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)
[ سورة القصص ]

البرهان في اللغة هو أول النور
هذا برهان ربه، العلم بالمآلات، يوسف ما نظر إلى لذة طارئة، هذا نقوله للشباب، سورة يوسف سورة الشباب التي نوجه بها شبابنا اليوم، وقد انتشرت مواقع السوء والفحشاء نسأل الله السلامة، التي ندعو إلى إغلاقها وحجبها، لكن أيضاً الشاب إن لم نحصنه داخلياً ويحصن نفسه بالحكمة والعلم، ما هو العلم الذي هو برهان الله؟ هو العلم بالمآلات، يوسف عليه السلام لما رأى هذه اللذة الطارئة ما رآها أنها تقتضي شهوة عابرة، وإنما رأى مآلاتها وهي في الدنيا سخطٌ من الله، وغضب من الله، ودمار للعائلة، ودمار للأسرة، ودمار لمستقبله، ولمكانته، ولما مكنه الله تعالى في الأرض وهو في هذا القصر، ثم رأى المآلات الأعظم يوم القيامة، يوم نقف بين يدي الله فيسألنا عما فعلنا؟ وعما اقترفته يدانا؟ هذا هو العلم، أن تعلم المآل.

الدكتور مراد:
وفيها دكتور ظلم للنفس، لهذه النفس التي هي أمانة بين جنبيك، الله عز وجل سيسألك عن هذا الأمر، أنت ظلمت هذه النفس التي هي أمانة بين جنبيك، وأيضاً ظلمت هذه المرأة التي زنيت بها، وهذا كله ستحاسب عليه عند الله عز وجل، فالإنسان يرى، وحتى نحن دعوتنا كما أشرت لشبابنا اليوم، أن يحصنوا أنفسهم بهذا القرآن العظيم، يحصنوا أنفسهم بالذكر، يحصنوا أنفسهم بالصلاة، يصوم هذا الشاب حتى لو كثرت هذه الفتن، يصوم هذا الشاب حتى يبتعد عن الحرام، وهذه الشهوة يستطيع أن يسيطر عليها بدعوة، وبتوجه إلى الله عز وجل، نعرف كثيراً من الشباب كانوا وهو يطوف حول الكعبة يقول: اللهم قنِ فتنة النساء، غض البصر هو الباب الأول في أن يفتح هذا الزنا وهذا الوصول إلى الحرام، فغض البصر فيه لذة عظيمة تدخل إلى القلب، والذي يحافظ على نفسه الله عز وجل يحميه.
دكتورنا العزيز؛ اتفقنا على أن الهم كان، يعني هي حاولت أن تقدم على سيدنا يوسف، لكن سيدنا يوسف ابتعد عن هذا الأمر، حماه الله، عناية الله رعته، واتفقنا على أن البرهان كما أشرت إليه من العلم والتمكين من الله عز وجل.
ننتقل إلى مسألةٍ أخرى فضيلة الدكتور بلال بما تبقى لدينا من وقت (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) اتهمته وهي المتهمة، أي برأت عرضها، ونزهت ساحتها، وهي المتهمة، انقلبت على سيدنا يوسف، لو أكملنا الآية إلى آخرها: (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، هي هاجمت ونقلت مشهداً عجيباً جداً، دكتورنا؛ أنا أريد منك ما أثر النية في الفعل؟ ماذا ستقول عن أثر النية في الفعل؟

أثر النية في الفعل:
الدكتور بلال:
سيدي ؛ جزاك الله خيراً على هذا السؤال، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إِلى الله ورسوله فهجرته إِلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته إِلى دنيا يُصِيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إِلى ما هاجر إِليه }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ]

إِنما الأعمال بالنيات
اليوم يوجد شيء اسمه: كاميرا خفية، وضعنا كاميرا خفية في داخل شجرة ووضعنا تحت الشجرة مئة دينار، جاء الشخص وأخذ هذه المئة ووضعها في جيبه، ثم وضعنا مئةً أخرى فجاء شخصٌ آخر وأخذها ووضعها في جيبه، وعرضنا الفيلم أمام شخصٍ، الفعلان متشابهان مئة بالمئة، هل تعلم أن الأول عندما وضعها في جيبه كان ينوي البحث عن صاحبها وأن الثاني عندما وضعها في جيبه كان يريد أن يحتفظ بها لنفسه؟! لا أحد يعلم.
فلذلك إنما قصر وحصر (إِنما الأعمال بالنيات)،
(وَاسْتَبَقَا الْبَابَ) كلاهما يجري، لو نظر إنسان إلى يوسف وهو يجري، وامرأة العزيز تجري، هي تجري من أجل أن تقع في المعصية، وهو يجري هرباً من المعصية، اتحدا بالفعل واختلفا في النية، لذلك:

{ عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نية المؤمن خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيته، وكل يعمل على نيته، فإذا عمل المؤمن عملاً ثار في قلبه نور }

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ]

لذلك نقول لشبابنا اليوم الذين يتابعوننا، نقول لهم: أنت أيها الشاب الكريم حاول دائماً، أو كن دائماً في حركتك في هروبٍ من المعصية إلى الطاعة، لا تكن في هروبٍ من الطاعة إلى المعصية، إياك أن تفعل ذلك، انظر إلى يوسف عليه السلام عندما هرب في هذه اللحظات، ووصل إلى الباب، وأرسل الله تعالى في الوقت نفسه سيدها ليحميه وليصرف (عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ)، (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ) اتهمته، وكانت باتهامها له عبرة لكل إنسان يُتهم ظلماً إلى يوم القيامة، الأنبياء قدوةٌ للبشر إلى يوم القيامة، لكن ماذا كان موقفه؟ كان يهرب من المعصية، بينما هي ماذا كان موقفها؟ انظر إلى خاتمة كل منهما، أيها الشاب، أخي الحبيب الذي تتابعنا، انظر إلى خاتمة كل منهما، كيف كانت خاتمتها؟ وكيف كانت خاتمته؟ العبرة فيمن يضحك آخراً، لا فيمن يضحك أولاً، فينبغي أن نوطن أنفسنا على الهروب من المعصية، أن تكون نيتنا دائماً، وأن نعقد العزم والله يعيننا، نحن نملك النية أخي الحبيب الدكتور مراد ؛ نملك النية، وقد لا نستطيع الفعل دائماً، ولكن عندما نملك النية يعيننا الله تعالى على الفعل.

الدكتور مراد:
جميل دكتورنا.

{ عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه فقال: يا فتى ألا أهب لك؟ ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟ احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنه قد جف القلم بما هو كائن، واعلم أن الخلائق لو أرادوك بشيء لم يكتب عليك لم يقدروا عليك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً }

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ]

إذا حفظت الله عزَّ وجل الله يحفظك.
دكتورنا؛ شاهد على قصة في إربد نقلها لي أحد الأحباب والأخوة، قصة حقيقية: أن شاباً في عمر الزهور كان في سن السادسة عشرة أو الخامسة عشرة، دخلت عليه امرأة عندما علمت أن الأهل خرجوا من البيت، فحاولت بنفس قصة سيدنا يوسف عليه السلام - قصة حقيقية في واقعنا - فهذا الشاب بدأ يصرخ وامتنع، وحماه الله عزَّ وجل، وحافظ على نفسه، وبعد ذلك أكرمه الله عزَّ وجل بحفظ القرآن الكريم.
وقصة أنا سمعتها في شامنا الحبيبة دمشق، أسأل الله أن تعود منارتها كما كانت من قبل بإذنه تعالى، وأن تعودوا يا دكتور بلال دائماً إلى هذه البلاد ونزوركم هناك في الشام بإذنه تعالى.

الدكتور بلال:
آمين يا رب.

الدكتور مراد:
في الشام قالوا لي إن شاباً أيضاً وقع في نفس القصة، فدخل إلى الحمام عندما ضايقته هذه المرأة وغلقت عليه الأبواب، وأرادت منه فعل الفاحشة، دخل إلى الحمام وبدأ يأخذ من غائطه - أجلكم الله - ويضع على نفسه حتى عندما رأته هربت منه، فعندما مات هذا الرجل قالوا: خرج المسك من هذا القبر، الله يحفظك ويرعاك إذا حفظت الله عزَّ وجل.
دكتورنا؛ آخر شيء بلقائنا معك هذا اليوم (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) أنتقل إلى مشهدٍ أخير، وهو مشهد خروج يوسف، وبراءة يوسف كانت واضحة وبينة (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) والبراءة واضحة بينة، أنتقل إلى قول الله عز وجل: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) هل هذا هو قول العزيز أم الشاهد أم قول الله عز وجل؟

الابتعاد عن اتهام المرأة بأن كيدها عظيم:
الدكتور بلال:
أخ مراد كثير من النساء يتابعن برنامجنا الآن، تسأل النساء دائماً عن الشيء الذي خلقه الله واستعظمه؟ إنه كيد النساء، والنساء يثرن علينا بقولهم:

الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (76)
[ سورة النساء]

وكيد النساء عظيم، الحقيقة ليس الأمر بهذه الصورة، الأخوات على العين والرأس، الرجل يكيد والمرأة تكيد، وقد يكون في واقع الحال أن المرأة تكيد أكثر لشعورها أحياناً بالضعف لكن الذي قال ذلك هو عزيز مصر، أو هو الشاهد، كما ذكر المفسرون، وذكره الله في كتابه قرآناً يتلى لكنها واقعة عين، أي (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) هذه المسألة لا ينبغي اليوم أن نقولها دائماً للنساء، لا، هناك الكثير من النساء الصالحات، وواحدة منهن ربما تعدل ألف رجل بصلاحها.

الدكتور مراد:
وقدمت المرأة بصمات كثيرة على مدار التاريخ.

الدكتور بلال:
المرأة مربية الأجيال
نعم، المرأة مربية الأجيال، صانعة الأبطال، فلا ينبغي أن نقول لها ذلك، هذه واقعة عين، يتحدث القرآن عن عزيز مصر، أو الشاهد، الواضح هنا أن الشاهد عندما تبين له الأمر قال: إنه من كيدكن، أو عزيز مصر توجه إليها وقال: إنه من كيدكن (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) وأشار إلى كيد النسوة اللواتي حولها، لأنه سيتضح بعد قليل أن المراودة ربما لم تكن فقط منها، هنَّ أصبحنَّ يراودنه أيضاً، صويحبات امرأة العزيز، فقال: (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) فهو من قول عزيز مصر، أو الشاهد في بعض الأقوال، وأثبته الله في قرآنه، لكن لا ينبغي أن نجعله على أنه عام لكل النساء، وأن كيد النساء عظيمٌ دائماً، لا ليس الأمر على هذه الصورة.

الدكتور مراد:
دكتور بلال؛ هناك الكثير من الأسئلة في هذه القصة بالذات، غيرة العزيز عندما رأى هذا المشهد، وهذا الواقع أمامه من خيانة، هي خيانة واضحة، ردة الفعل، مع أن بعض علماء النفس أشار أنه ضبط نفسه، وفيه إدارة، وفيه قيادة واضحة، ماذا تقول في هذا الجانب وفي غيرة العزيز عندما رأى هذا المشهد بأم عينه وتبين له الأمر، وأقر أنّ يوسف ليس عليه شيء وطلب منه ألا يخرج هذا الكلام، أي استر علينا كما يقولون، ماذا تقول في هذا المشهد؟

ذمّ الترف في القرآن الكريم:
الدكتور بلال:
الترف في القرآن مذموم دائماً
هذه يسمونها لفلفة الموضوع، للأسف هكذا تدار الأمور في حياة الترف بعيداً عن الله عز وجل، عندما يكون هناك ترف، والترف في القرآن مذموم دائماً، عندما يكون هناك ترف تنخفض القيم، والمبادئ، والغيرة التي ذكرتها إلى أدنى مستوياتها، ويعلو صوت البقاء في الترف، والانغماس في ملذات الحياة، يغطى هذا من أجل هذا، فغطى على الجريمة كلها، أي الموقف لا أحد يتخيله، لا طلقها، ولا ضربها، ولا أنبها، قال (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) فهكذا حُلت المسألة فقط، حياة الترف فيها حالة من البعد عن الله عز وجل، والانجرار وراء الملذات، فيصبح الإنسان بعيداً.
واليوم أخي الدكتور مراد الأمر بسيط، اليوم تجد بعض ذلك والعياذ بالله، أي اليوم أين ذهبت غيرة الرجال عندنا؟ نسأل الله السلامة، عرض قبل يومين على وسائل التواصل أن المخرج هو زوج الفتاة التي تصور المشهد في الفيلم، وهي تُقبّل الممثل وهو خلف الكاميرا.

خاتمة وتوديع:
الدكتور مراد:
دكتورنا العزيز؛ انتهى وقتنا، هذه الغيرة، أسأل الله الرحمة والعافية، بل نطلب من الله أن يحفظ المسلمين جميعاً.
دكتورنا العزيز دكتور بلال نور الدين؛ شكراً لك على هذا اللقاء.
والحمد لله رب العالمين