محبة رسول الله
محبة رسول الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لِما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد.
من فاته منك وصل حظه الندم ومن تكن همه تسمو به الهمم وناظر في سوى معناك حق له يقتص من جفنه بالدمع وهو دم في كل جارحة عين أراك بها مني وفي كل عضو بالثناء فم فإن تكلمت لم أنطق بغيركم وإن كتمت فشغلي عنكم بكم أخذتم الروح مني في ملاطفة فلست أعرف غيراً مذ عرفتكم نسيت كل طريق كنت أعرفها إلا طريقاً تؤديني لربعكم.{ علي وفا }
وبعد فيا أيها الإخوة الأحباب: قال شيخنا: إذا تعددت الكلمات تنوعت، وأنا أقول: إذا صدرت الكلمات من علماء أجلاء كأستاذنا الدكتور: زغلول النجار، وشيخنا الدكتور: محمد راتب النابلسي حفظهما الله ففيها الكفاية، ولكنني لن أفوت شرف الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه لشرف لمثلي أن يتاح له أن يتكلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. |
أيها الإخوة الأحباب: النبي -صلى الله عليه وسلم- حي في قلوبنا، إذا نظرنا في محبة أصحابه الكرام -رضوان ربي عليهم- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا العجب العجاب. |
مواقف تبين مدى محبة الصحابة الكرام لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
أولاً: خبيب بن عدي:
هذا خبيب بن عدي رضي الله عنه وقد أعدت له قريش خشبة الصلب في التنعيم في ظاهر مكة، ووضعته عليها لتقتله، ثم يحاولون العبث بمبادئه وثوابته فيقول قائلهم: "يا خبيب أتحب أن محمداً مكانك وأنت ناجٍ"؟ لعلهم ينتزعون منه كلمة يضعف فيها ولو كلمة، ولكنه يقول: "والله ما أحب أن أكون وادعاً في أهلي وولدي وعندي عافية الدنيا ونعيمها وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- يوخز بشوكة" فيقول أبو سفيان -وقد كان مشركاً يومها-: "ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً". |
ثانياً: السميراء بنت قيس:
وهذه السميراء بنت قيس عقب معركة أحد تبحث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد بلغها أنه قد قتل، تبحث عنه فيُنعَى إليها أبناؤها، والأم أشد ما تكون تعلقاً بأبنائها، فتنسى وتذهل عن أبنائها وتقول: "ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"؟ حتى أوصلوها إليه، ولما كحلت عينيها بمرآه قالت: "يارسول الله كل مصيبة بعدك جلل_ أي هينة_ وما أبالي ما أصابني". |
ثالثاً: سعد بن الربيع:
همُّ سعد بن الربيع وهو يودع الحياة
|
رابعاً: سواد بن غزية:
وهذا سواد بن غزية يتقدم الصف والنبي -صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوف أصحابه، يتقدم الصف قليلاً، وفي يد النبي -صلى الله عليه وسلم- قدح (عصا) فيطعنه ببطنه استوِ يا سواد، فيقول له: "أوجعتني يارسول الله"، أوجعتني "أقدني" أعطني القود "فإن الله قد بعثك بالحق وبالعدل" فيقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "استقد يا سواد" ويرفع عن بطنه صلى الله عليه وسلم، فينكب سواد على بطن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبلها، يقول: "ما حملك على ما فعلت يا سواد؟" يقول: "إنه قد حضر ما ترى (الغزوة) فأردت أن يكون آخر العهد بالدنيا أن يمس جلدي جلدك"، فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بخير. |
{ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مُستَنْتِلٌ من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: (استوِ يا سواد) فقال: (يا رسول الله! أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني) فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: (استقد) قال: (فاعتنقه، فقبَّل بطنه، فقال: (ما حملك على هذا يا سواد)؟ قال: (يا رسول الله! حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له: (استو يا سواد) }
ابن هشام
خامساً: ربيعة بن كعب الأسلمي:
نتيجة تذوق طعم حب رسول الله
|
وقد قيل لأحد الصالحين: صف لنا ما يشوقنا إلى الجنة، قال: فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. |
قال: "أسألك مرافقتك في الجنة"، قال: "أو غير ذلك"؟ اختر حاجة ثانية أسهل منها، "أوغير ذلك"؟ قال: "هو ذاك يارسول الله لا أريد غيره"، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود". |
الأمر يحتاج إلى جهد، أكثر من الصلاة. |
{ كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ. قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ قُلتُ: هو ذَاكَ. قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ. }
(صحيح مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي)
أشد الناس حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
ولعلكم إذ سمعتم كل هذه القصص قد غبطتم صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد غرتم منهم غيرة محمودة، فقد صحبوا أشرف الخلق، ومس جسدهم جسد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني لن أترككم في غيرتكم الشديدة قبل أن أقول: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: |
إن من أشد أمتي حباً لي- صحابته؟ لا- إن من أشد أمتي حباً بي قوم من أمتي يأتون بعدي آمنوا بي ولم يروني، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله_ لو يقدم أهله وماله لعله يرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. |
{ مِنْ أشَدِّ أُمَّتي لي حُبًّا، ناسٌ يَكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لو رَآنِي بأَهْلِهِ ومالِهِ. }
(صحيح مسلم عن أبي هريرة)
الجهد في اتباع رسول الله
|
ولكن هذا يحتاج منا إلى جهد في اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي السير على نهجه حتى نلقى الله تعالى، فتتمة الحديث: "ألا لَيُذادَنَّ رِجالٌ من أمتي عن الحَوْضِ، أقول: هلموا فيذادون، فيقال: ما تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً" |
{ ودِدْتُ أنَّا قدْ رَأَيْنا إخْوانَنا قالوا: أوَلَسْنا إخْوانَكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أنتُمْ أصْحابِي وإخْوانُنا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ فقالوا: كيفَ تَعْرِفُ مَن لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِن أُمَّتِكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، فقالَ: أرَأَيْتَ لو أنَّ رَجُلًا له خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ ألا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: فإنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأنا فَرَطُهُمْ علَى الحَوْضِ. ألا لَيُذادَنَّ رِجالٌ عن حَوْضِي كما يُذادُ البَعِيرُ الضَّالُّ أُنادِيهِمْ ألا هَلُمَّ فيُقالُ: إنَّهُمْ قدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فأقُولُ سُحْقًا سُحْقًا. }
(صحيح مسلم عن أبي هريرة)
فنسأل الله ألا نكون ممَن يبدل بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نحن على نهجه ماضون، وعلى سنته متفقون، وعلى أن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصدر من مصادر التشريع موقنون، وما نبدل ولا نغير، نعم قد تزل أقدامنا، ولكن حسبنا أن لنا رباً كريماً يتوب ويغفر ويرحم ولكن معاذ الله أن نبدل أو أن نغير في دين الله، أو أن نتبع كل من ينعق على وسائل الإعلام والتواصل يعبث بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل نشهد أنه قد أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق الجهاد، وهدى العباد إلى سبيل الرشاد، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته. |