بين استجابتين ..

  • محاضرة في الأردن
  • 2024-09-09
  • عمان
  • الأردن

بين استجابتين ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا عِلماً وعملاً متقبَّلاً يا رب العالمين، وبعد:

العقيدة هي المنطلق النظري والعبادة هي السلوك العملي:
أيُّها الإخوة الأكارم: الإسلام عقيدةٌ وعبادات، العقيدة هي المنطلقات النظرية، أو الفكرية، وسُمّيَت عقيدةً لأنها تنعقد في قلب الإنسان وفي وجدانه، فلا فكاك لها، والتسمية القرآنية لها الإيمان، الإيمان ما وقرَ في القلب وصدَّقه العمل، فإن شئت فقل هي إيمانيات أو بالمصطلحات الحديثة العقائد، المنطلقات النظرية، المنطلقات الفكرية، ما يعتقده الإنسان، ما يدين به، ما يرجع إليه في فكره، ما يحتكم إليه عند سلوكه، هذا عقيدة، وينتج عن العقيدة العبادة، والعبادة هي السلوك المنبثق عن الفكر، أي السلوك العملي، العقيدة هي المنطلق النظري أو الإيمان، والعبادة هي السلوك العملي، لذلك يتكرر في كتاب الله

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ(29)
(سورة الرعد)

العمل الصالح هو تعبيرٌ عن الأعمال التي تصلح للعرض على الله، أي أن تكون عبادةً، والإيمان هو العقيدة، والبعض يقول عقائد وعبادات ومعاملات، وكلها عبادات، حتى المعاملات هي عبادة لله تعالى، لكن يُميزون بين العبادات الشعائرية التي هي علاقة العبد بربه، فيُسمّونها عبادات، وما يكون من علاقة الإنسان بأخيه الإنسان يُسمّونه المعاملات، أي عندما أتعامل مع الآخرين هذه معاملات، وعندما أتعامل مع الله عزَّ وجل فهذه عبادات.
في الحقيقة في المحصّلة كلاهما عبادة، المعاملات عبادة، عندما يصدق الإنسان في البيع هذه عبادة، عندما يعامل زوجته بإحسانٍ هذه عبادة، بالنتيجة كلها عبادات، لكن تقسيم مدرسي يقولون عقائد وعبادات ومعاملات.

دائماً يربط الإسلام بين العقيدة والسلوك:
دائماً يربط الإسلام بين العقيدة والسلوك، مثال ذلك قوله تعالى:

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1)
(سورة الماعون)

هذه عقيدة

فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)
(سورة الماعون)

هذا هو السلوك.
انظر إلى من يكذِّب بدين الله عزَّ وجل، انظر إلى تعامله، ستجد أنه يدُعّ اليتيم، ينهر اليتيم، يمنعه ماله، يمنعه حقه، فعبَّر بأبشع السلوك لأن اليتيم ضعيفٌ في المجتمع، تركه سنده، أو شاءت حكمة الله تعالى أن يعيش بلا أبٍ أو أمٍ أو كليهما، فالشيء الصحيح أن تعطف عليه، أن تتودَّد له، أن تحاول أن تكون عوضاً له عن ما فقده من الأبوَّة أو الأمومة هذا السلوك المنطقي الصحيح، فإذا به يدعُّه، فجاء باليتيم تعبيراً عن ما دون اليتيم كثير لكن أعظم جرم أن يدعّ اليتيم (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) أي انظر إلى سلوكه ستجده يدعّ اليتيم، فالتكذيب بالدين ليس أمراً فكرياً فقط، سينعكس على السلوك حتماً، اليوم عندما تجد ظلماً، الظلم ناتج عن عدم إيمان باليوم الآخِر، إيمان حقيقي، لو آمن إيماناً حقيقياً لما دهس نملةً بغير وجه حق، عامداً متعمداً، لا يفعلها، ليس أنه لا يظلم إنساناً، بل لا يظلم نملةً، لو آمن الإيمان الحقيقي، فدائماً السلوك السيء نابع عن عقيدةٍ سيئة، والسلوك الحسَن نابع عن عقيدةٍ حسنة، ومثال ذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قوله عليه الصلاة والسلام:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه }

(رواه البخاري ومسلم)

(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) هذه عقيدة، (فليقل خيرًا أو ليصمت) هذا سلوك، (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) سلوك، (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) سلوك، فالعقيدة تنقلب إلى سلوك، هذا هو الواقع، لا يوجد عقيدة سكونية، أن يقول الإنسان أنا أعتقد بشيءٍ لكنني في الواقع لا أتصرف بناءً على هذه العقيدة! مستحيل، لو استطاع ذلك إلى زمنٍ لكن يوماً ما سيُعبِّر عن عقيدته بالسلوك.

الدعاء نوعٌ من العبادات:
على كلٌ من الموضوعات التي أعتبرها وأميل إلى اعتبارها من العقائد هي موضوع الدعاء، الدعاء في الأصل يعتبره الكثيرون جزءاً من السلوك، وهو كذلك لأنه توجهٌ إلى الله عزَّ وجل، دعاء، هو نوعٌ من العبادات، والنبي صلى الله عليه وسلم سمَّاه عبادةً، قال:

{ عن النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدعاء هو العبادة))، ثم قرأ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ {غافر 60} }

(رواه أحمد)

وما قال عن دعائي، فسوَّى بين الدعاء والعبادة.

علاقة الدعاء بالعقيدة:
ما علاقة الدعاء قبل أن يكون بالسلوك ما علاقته بالعقيدة، علاقته بالعقيدة أنَّ الدعاء، طبعاً قبل ذلك لماذا أتكلم هذا الكلام؟ ما الذي جاء بي إلى هذا الموضوع وبهذه الطريقة؟ اليوم كثيرٌ من المسلمين مسخوا مفهوم الدعاء إلى حالةٍ بسيطة جداً، من أنني أمس صلّيت ركعتين ثم رفعت يدي إلى السماء وقلت يا رب أريد كذا، ثم حلَّ الظلام ولم يتحقق ذلك، هو اعتبره تقديم طلب وأخذ إجابة مباشرةً، فإذا تأخرت الإجابة عن الموعد الذي قرره في ذهنه ربما يشك في الدعاء، أو يعرِض عنه، أو يقول لك لن أدعو، لا يوجد نتيجة من الدعاء، يعني مسخوا مفهوم الدعاء وكأنه طلبٌ معروض يُقدِّمه وينتظر الإجابة، فإن لم تأتي الإجابة وكأنه يُقدِّم طلب عند مسؤول، حاشا لله تعالى، فقدَّم فجاء مع الرفض وانتهى، لا يُقدّمه مرةً ثانية، فمسخوا مفهوم الدعاء، لذلك أتحدث هذا الكلام، الدعاء ارتباطه بالعقيدة مهم جداً، أولاً عندما يتوجه إنسانٌ إلى الله تعالى فيقول يا رب، أولاً هو يعرف ربه، ويعظِّمه، وإلا لما التجأ إليه، أنت لا تلتجئ إلى جهةٍ لا تعرفها، ولا إلى جهةٍ لا تعظِّمها، يجب أن تعرفها عظيمةً هذه الجهة فتذهب إليها، نحن عندما نعرف الله تعالى حقيقةً ونعرفه عظيماً، نتوجه إليه ثم نشعر في أعماق نفوسنا بالعزّة والفخر أنَّ الله تعالى سمح لنا أن نكلمه، وأن ندعوه (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي) طلب منك أن تدعوه

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)
(سورة البقرة)

هو يريد أن يسمع صوتك، هذا المعنى بحد ذاته كفيلٌ بأن تسأله، وأن تدعوه، وأن تطلب منه، وأن تناجيه، وأن تكلمه وتحقق ما تريد بنفس الدعاء، قبل أن تتحقق الإجابة أو تتأخر، أو يؤجلها الله أو يحققها بطريقةٍ غير التي تريدها، لمجرد أنك وقفت بين يديه فأنت بالنسبة لك تحقق ما تريد، مثل شخص أدخلوه على الملك وهوما كان يحلم في حياته أن يقابل ملِك البلاد، فلمّا قابله بكى، قال له الملِك ماذا تريد؟ فقال له يكفيني أنني وصلت واستطعت الحديث معك، هذا مع ملِكٍ في البلاد فكيف مع ملِك الملوك، يكفيني أنَّ الله تعالى سمح لي أن أقف بين يديه، أن أناجيه، أن أطلب منه، أن أقول يا رب.
هناك شيءٌ في عِلم النفس اسمه البوح، الذي يبوح يرتاح، إنسانٌ عنده آلامٌ كثيرة يأتي ويكلمك، وهو يعلم يقيناً أنك لا تملك حلَّها، لا تستطيع أن تحل مشكلته، مشكلته كبيرة وتحتاج إلى أموالٍ كثيرة وأنت فقير، يعلم أنك لا تستطيع أن تفعل شيئاً ولكنه يخرج من عندك مرتاحاً، لأنك سمعت له لساعةٍ كاملة، وقلت له أسأل الله أن يُفرِّج عنك، فيخرج مرتاحاً، لأنه باح بما في داخله، يقول لك أنا بحاجة إنسان أتحدث له، فالعبد الضعيف بحاجةٍ ماسةٍ إلى ربٍ عظيم، يبوح له بما في داخله.
أحياناً يكون هناك إنسانٌ يعمل عملاً مجزئاً لغيره، كيف يعني مجزئاً لغيره؟ مثلاً هو رجُلٌ يعمل بالإسمنت والبناء، فيقضي نهاره تحت حرارة الشمس الشديدة، أو تحت البرودة الشديدة والقاسية، معلقاً بين السماء والأرض، وهو يقوم بتركيب الحجر أو يكسو المكان الخارجي، عمله صعبٌ جداً، لكنه مجزئٌ لغيره، لأنه في آخر الشهر سيقبض ألف دينار يعيش بها مع أولاده، فالعمل بحد ذاته مزعج، لكن نتيجته جيدة، فقبِل به من أجل ما يترتب عليه، لكن أحياناً هناك عملٌ مجزئٌ لذاته، كيف مجزئٌ لذاته؟ شخصٌ يحب المطالعة، هو حياته في القراءة، يجد روحه وحياته عندما يقرأ في الكتب، فوظّفوه أميناً للمكتبة العامة، هذا الرجُل يقول لك إن لم يكن هناك راتبٌ في نهاية الشهر أكون مسروراً، لأنني أُحقق ذاتي بهذا العمل، فأنا جالسٌ بين الكتب التي أُحبها، وإذا قرأت طوال النهار فأنا استفدت من عملي، سواءً كان الراتب قليلاً أو كثيراً، هذا يُسمّونه عملٌ مجزئٌ لذاته.
يعني ولله المثل الأعلى، أنا أقول الدعاء هو عملٌ مجزئٌ لذاته، بمجرد أنك وقفت بين يدي الله، بمجرد أنك شعرت بالأُنس بين يديه، بمجرد أنك عرضت حاجتك عليه، بمجرد أنك قلت له يا رب أنا ضعيف قوِّني، لمجرد أنك قلت له يا رب أهلي في غزَّة يسامون سوء العذاب، وأنا لا أقدر أن أفعل شيء، أودعتك إيِّاهم يا رب، لمجرد أنك تقوم بهذا الفعل، فأنت قد قبضت الثمن، قبل أن تأتي الإجابة، هذا ما يغيب عن كثيرٍ من المسلمين اليوم، فيصبح عنده حالةً اسمها الاستعجال، التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من موانع الإجابة، فقال:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه: يُستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَلْ: يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب لي قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجب لي، فَيَسْتَحْسِرُ عند ذلك ويَدَعُ الدعاء }

(متفق عليه)


الدعاء هو عقيدة في نفس المسلم أنه مع الله:
لأنه ما أدرك عظمة الموقف الذي يقفه بين يدي الله، سيدنا موسى عليه السلام لمّا وقف

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12)
(سورة طه)

وبدأ يُكلِّم ربه، وقال له الله:

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي(14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ(15)
(سورة طه)

إلى آخر الآيات، وبدأ ربه يحادثه فيقول له:

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ(17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ(18)
(سورة طه)

هو سأله (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ) الجواب (هِيَ عَصَايَ) انظر إلى لذّة المناجاة التي شعر بها موسى عليه السلام، قال: (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي) ما سأله ماذا تفعل بها، قال: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ) ( وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ) يريد أن يفتح حديث (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ) لعله يسأله جلَّ جلاله وملكوته فيقول له: وما تلك المآرب يا موسى؟ كان في أسعد لحظات حياته وهو يناجي ربه، فإذاً الدعاء هو عقيدة في نفس المسلم أنه مع الله، أنه يستطيع أن يخاطب الله، أن يدعوه، أن يطلب منه، فهو عملٌ مجزئٌ لذاته، ولا يتوقف على نتائجه، النتائج محقَّقة بإذن الله، لكن هو لا يوقفه على النتائج التي يتمناها أو يريدها.
فأول شيءٍ بعقيدة الدعاء، أنَّ من يدعو الله تعالى ويناجيه ويطلب منه، فهو يعرفه، يعرف ربه ويعظِّمه و هذه مرتبة عليَّة، كانوا عندما يصفون بعض العلماء القدماء، يقولون العارف بالله، بغض النظر عن التسمية، لكن هي تسمية عظيمة جداً، أن يصل إنسان وأنا لا أحب تزكية الناس بالعارف بالله، بالعالِم لأن العلوم قياسية، معرفة الله شيءٌ عظيمٌ جداً بينك وبين الله، لكن أن يصل الإنسان إلى مرحلةٍ أن يكون عارفاً بالله، يعرف الله، لا يعرف فلان أو المسؤول الفلاني، يعرف الله، فالمعرفة والتعظيم أساس، أيضاً الدعاء جزءٌ من العقيدة، قبل أن ينطلق إلى أنه عبادة، لأنك عندما تسأل الله تعالى فأنت تعلم أنه يسمعك، وتعلم أنه قريبٌ منك:

قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي ۖ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ(50)
(سورة سبأ)

وتعلم أنه:

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ(61)
(سورة هود)

وتعلم أنه:

لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(2)
(سورة الحديد)

وتعلم أنه:

وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(163)
(سورة البقرة)

وأنه:

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(16)
(سورة لقمان)

ربما لو عددت الأسماء الحسنى كلها الآن لظهرت كلها في دعائك، عندما تطلب منه أن يقصم أعدائك فأنت تعرفه منتقماً جباراً، وعندما تطلب منه أن يشفي ابنك فأنت تعلم أنه الشافي، وبالعموم سميعٌ قريبٌ مجيب على كل شيءٍ قدير، وإلا لما سألته، فإذاً الدعاء جزءٌ من العقيدة، لأنه ينم عن معرفةٍ بالله، تعظيمٌ لله، معرفةً بأسماء الله الحسنى وصفاته العُلا.

الله تعالى عندما وعدك بالإجابة طلب منك أن تستجيب له:
الآن بعض المسلمين اليوم يتكرر على ألسنتهم كما قلنا قبل قليل، أنني دعوته فلم يستجب لي، وهنا السؤال المهم جداً جداً، والخطير جداً، والمُحرِج جداً لكل إنسانٍ منّا، الله تعالى عندما وعدك بالإجابة طلب منك أن تستجيب له، فهل العبد يطالب سيده بالإجابة أم السيد يطالب عبده بالإجابة؟ السيد، العبد يدعو لكن السيد هو من يطالب بالإجابة، لمّا قال لنا تعالى: (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) هل استجبنا له؟ طبعاً الخطاب لعموم المسلمين ولي أولاً، هل استجبنا له؟ قال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(24)
(سورة الأنفال)

استجيبوا لله، طلب أن نُجيبه، هو يدعونا كل يومٍ إلى صلاة الفجر فهل أجبنا؟ هو يدعونا لما يُحيينا لحياة الإيمان، للحياة التي تسمو بنا، للحياة التي تجعلنا في أعلى عليين في الجنَّة، يدعونا للحياة فهل استجبنا له

وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ(41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ(42)
(سورة غافر)

فنحن هل استجبنا لله؟ نحن العبيد وهو جلَّ جلاله السيد، وهو جلَّ جلاله الغني ونحن الفقراء، وهو القوي ونحن الضعفاء، فنحن من يجب أن نسأل أنفسنا دائماً هذا السؤال، هل استجبنا لله؟ بدل أن نسأل هل استجاب الله لنا، انظر إلى المسلمين بعد معركة أُحد وقد أصابهم القرح، الجراح، أُناسٌ مجروحون، مُضمَّضة جروحهم بما تيسَّر لهم، ضمن ما يُسمّى المشافي الميدانية البسيطة جداً، وغزوة أُحد كان فيها قرحٌ عظيم

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(165)
(سورة آل عمران)

سمّاها الله تعالى مصيبة، ما حصل في غزوة أُحد، حتى أُشيع أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قُتِل، وحتى دخلت حلقتا المِغفر في وجنتيه صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو عبيدة رضي الله عنه فخشيَ أن ينزعهما بيديه فيوجِع رسول الله، فنزعهما بأسنانه حتى سقطت ثنيتاه، أي أسنانه، نزع حلقة الحديد بأسنانه، هذا المشهد المؤلم جداً الذي حصل مع المسلمين، بسبب أنَّ الله تعالى يريد أن يؤدبنا إلى يوم القيامة، بأنَّ مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، تؤدي إلى الهزيمة، مخالفة أمر تكتيكي، فما بالكم بمخالفة الدين بأكمله، بالمعاصي والرِبا والزِنا والعياذ بالله.
فبعد هذا القرح الشديد، والألم النفسي والجسدي، والألم النفسي أعظم دائماً، يعني نفسي وجسدي، النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم الآن يجب أن نخرج إلى حمراء الأسد، فنلحق بأبي سفيان ومن معه من المشركين، لأنهم الآن ظنّوا بنا ضعفاً شديداً بعد ما رأوا منّا، فيجب أن نلحق بهم حتى يشعروا بقوتنا فلا يُعيدوا الكرَّة علينا، حكمةٌ عظيمةٌ جداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الآن إذا غادروك وأنت بهذا الضعف، إذا فهموا أنك ضعيف، لكن لمّا تقوم وتلحق بهم، إذاً ما زال هناك قوة، ولولا ذلك لما تجرؤوا على اللحاق بنا، فاستنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فقاموا معه، فقال تعالى:

الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ(172)
(سورة آل عمران)


ينبغي أن يكون السؤال الدائم الذي نسأله لأنفسنا هل استجبنا نحن لله؟
أي استجابوا لله والرسول وهم بهذه الحالة من بعد القرح والجراح، كما هم فيما أحسب ولا أزكِّيهم على الله أهلنا في غزَّة، اليوم فيهم من القرح وفيهم من الجراح ما بهم، وتجد الواحد منهم وهو مقطوع الساق يخرج على رجلٍ واحدة حاله يشبه عمر بن الجموح الذي أقسم ليطأنَّ بعُرجته الجنَّة، فهذا يطأ بساقٍ واحدة إن شاء الله الجنة، ولا نزكِّيه على الله، فينهض رغم الجراح التي به، ينهض ليحارب أعداء الله، وليقدِّم شيئاً لدين الله تعالى.
فالاستجابة لله تعالى أمرٌ مهمٌ جداً، نحن لا ينبغي ولا يحق لنا أن نسأل عن إجابة الله لنا متى تكون، وبأية طريقةٍ تكون، وبأية حالةٍ تكون، وإنما ينبغي أن يكون السؤال الدائم الذي نسأله لأنفسنا هل استجبنا نحن لله؟ فالعبد يقاضي نفسه بما لسيده عليه من حقوق، ولا يقاضي سيده، فإنَّ العبد ليس له على السيد حق، السيد له حقٌ على العبيد اللذين خلقهم ورزقهم وأطعمهم وسقاهم، نحن من نسأل هل استجبنا أم لم نستجب، لكن ربنا جلَّ جلاله لأنه عظيمٌ وحكيمٌ ورحيمٌ بنا، أوجد لنا حقاً عليه، قال:

{ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و سلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ. قَالَ: فَقَالَ: يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقُّ العبادِ عَلَى الله؟ قَالَ قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللّهِ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً» قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: لاَ تُبَشِّرْهُمْ. فَيَتَّكِلُوا }

(أخرجه البخاري ومسلم)

فأنشأ لنا حقاً عليه جلَّ جلاله، أننا إذا عبدناه ألّا يعذبنا يوم القيامة، وأن يدخلنا الجنَّة إن شاء الله، هذا حقٌ أوجبه وأوجده لكن في الأصل العبد ليس له حقوق، العبد يؤدي واجبات، هذا عبد الدنيا، لا يقاضي سيده بشيء، فكيف بنا ونحن عبيدٌ لله تعالى، حياتنا بيده، وموتنا بيده، وغنانا بيده، وفقرنا بيده، وقطر الشريان التاجي بيده، والمثانة التي تجعلنا نعيش بمكانتنا بيده، ولو شاء لأصبحت حياتنا جحيماً لا يطاق، كل ذلك بيده، ثم يقول لك قائلٌ لماذا لا يُجيب؟ هذا سوء أدب مع الله سامحوني، (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) الأسئلة كثيرة والسؤال جزءٌ من الإنسان، والسؤال مفتاح العِلم، لذلك في القرآن أثبت الله الحاجة للسؤال، في بضع آيات:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(217)
(سورة البقرة)

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(176)
(سورة النساء)


أعظم سؤال أن تسأل عن الله وليس عن أمر الله:
فالسؤال جزءٌ من حياة الإنسان، لكن قل لي عمَّا تسأل أقل لك من أنت، إن كنت تسأل عن الدنيا فقط فأنت من أهلها، سامحوني، طبعاً هذا لا يعني أنني لا أسأل على الدنيا أو أنكم لا تسألون، كلنا بحاجةٍ إلى الدنيا، ممكن أن نستيقظ في الصباح ونسأل عن أسعار العملات، نسأل عن أوضاع العمل، وأوضاع التجارة، هذا وضعٌ طبيعي ومطلوب، لكن أقصِد إذا كنت تحصر اهتماماتك كلها في الدنيا، فأنت من أهل الدنيا، وإذا كنت تضيف إلى السؤال على الدنيا سؤالاً عن دينك فأنت من أهل التديُّن، السلام عليكم يا شيخ: هذا حلال أو حرام؟ يجوز لا يجوز، أفعَل لا أفعَل، فيه رِبا أم ليس فيه رِبا، الآن هذا أرقى لأنه يسأل عن دينه، يخاف على دينه، يخاف أن يقع في الحرام، لكن أعظم من السؤالين أن تسأل عن ربِّ الدين، عن الآمر وليس عن الأمر فقط، تسأل عن الله كيف أطلب رضاه؟ كيف يرضى عني؟ كيف يحبني؟ هذا سؤالٌ عن الله وليس عن أمر الله، فهنا قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) هذا تشريف، عبادي، نسب العبادة إلى ذاته العليَّة تشريفاً، أنت عبد الله، هذه حرية، لأنك إن لم تكن عبد الله فأنت عبد المال، وهذه هي العبودية، أو عبد الشهوة أو عبد الطغاة، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) لمّا قال صلى الله عليه وسلم:

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً }

(صحيح البخاري)

قالوا: بلِّغوا هذه تكليف، وعنّي هذا تشريف، ولو آية هذا تخفيف، ففي ثلاث كلماتٍ جعل التكليف والتشريف والتخفيف.
بلِّغوا: تكليفٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مسلمٍ أن يُبلِّغ.
عنّي: تشريف، أنت تقول أنا حامل رسالة من الملِك، تشريف، أمّا أنا حامل رسالة من الله تعالى، من رسوله، سأُبلِّغك حديثاً عن رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم.. هذا تشريفٌ عظيم.
قال ولو آية: تخفيف، لعلَّ إنساناً ما عنده معلوماتٍ كثيرة، ما عنده إمكانية، ما عنده وقت، قال ولو آية لأحبابك في مجلسٍ، اذكر شيئاً (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً).
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) قال: (فَإِنِّي قَرِيبٌ) وما قال فقل، لأنه ليس بين العبد وربه واسطة (فَإِنِّي) مع أنه كل الآيات ويسألونك، قل، إلا هذه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) حتى لا يترك مسافةً بين قربه منك ولو كلمة قل (فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) إذاً تكفَّل بالإجابة جلَّ جلاله، ولو لم يُجِب ليس لنا شيء، لكن تكفَّل قال: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) إذاً الإجابة مضمونة، (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) لكن أنت ما الذي صنعته؟ (وَلْيُؤْمِنُوا بِي) استجابة وإيمان (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) لعلَّ الله تعالى يرشدك إلى أسباب الإجابة، ويرشدك إلى الدعاء الذي ينفعك، ويرشدك إلى ما يُصلحك، فقد تدعو شيئاً فيه شرٌّ لك وأنت تظنه خيراً

وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا(11)
(سورة الإسراء)

يستعجل.

الإجابة مضمونة لكنها بإحدى طرقٍ ثلاث:

{ ما مِن رجُلٍ يدعو اللَّهَ بدعاءٍ إلَّا استجيبَ لَهُ فإمَّا أن يعجَّلَ له في الدُّنيا وإمَّا أن يدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ وإمَّا أن يُكفَّرَ عنْهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعَا ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ أو يستعجِلْ . قالوا يا رسولَ اللَّهِ وَكيفَ يستعجِلُ قالَ يقولُ دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي }

(ضعيف الترمذي)

فالإجابة مضمونة، لكنها بإحدى طرقٍ ثلاث: التعجيل في الدنيا، إذا كان هذا يصلح العبد، ويبلِّغه ما يريده الله تعالى منه، ويكون فيه الخير له، فإنه يعجِّله له في الدنيا، لكن ليس باليوم والدقيقة والثانية، لا، في الدنيا

قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(89)
(سورة يونس)

لموسى وهارون، وكانت الإجابة بعد أربعين سنة بحكمة الله، فهو ضمن لك الإجابة في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد، وإمّا أن يُدَّخر له في الآخرة لعلَّ الإجابة الآن لا تصلح له، فيؤجِّل الإجابة إلى الآخرة، فيعطيه ما سأل الله تعالى لكن في الآخرة، وما أعظم عطاء الآخرة، وما أقل عطاء الدنيا، قال وإمّا أن يُغفر له بقدر ما دعا، قد يكون عاصياً لله تعالى فتحول معصيته بينه وبين الإجابة، فتكون إجابته بمغفرة الذنوب، فربنا كريم، لا ترفع يديك إليه ويردهما صُفراً، وإنما يُجيبك بإحدى أساليب الإجابة، لكن يجب أن نجعل جهدنا وسؤالنا المستمر في مدى استجابتنا نحن لله، لا في مدى استجابة الله تعالى لنا، فإنه قد تكفَّل بالإجابة، لكن نحن ما تكفَّلنا بإجابته، ضعفنا وتقصيرنا وذنوبنا تحول بيننا وبين الاستجابة الكاملة، ولكن فليحاول كلٌ منّا جهده أن يستجيب لله تعالى، لأن الله تعالى يدعونا للحياة، ويدعونا لما يُحيينا، ولما يكون فيه خير ما في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم اجهل هذا الجمع جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل التفرق من بعده معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منّا ولا معنا شقيِّاً ولا محروماً، اللهم انصر أهلنا في غزَّة، اللهم انصر أهلنا في غزَّة، اللهم عجِّل بالفرَج عن أهلنا في غزَّة، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنهم قد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصبّ عليهم يا ربّ من عندك صوت عذاب، إنك لهم بالمرصاد.
اللهم ارحم شهدائنا وأبطالنا يا أرحم الراحمين، اللهم أنزل رحماتك وبركاتك وصلواتك على شهدائنا يا أكرم الأكرمين، اللهم اجعلهم في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، اللهم بارك أهل هذا البيت واحفظ لهم إيمانهم وأهلهم وأولادهم وصحتهم وأموالهم، أطعِم من أطعمنا، واسقِ من سقانا، وأكرم من أكرمنا، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.