فقه الشجاعة

  • برنامج دار الأرقم - الحلقة 24
  • 2025-03-24

فقه الشجاعة


إتمام المكارم يعني توجيهها بالاتجاه الصحيح وتقييدها بالمنهج الإلهي:
في دار الأرقم يتعلَّم الدارسون فقه الشجاعة، فلقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم بين ظهراني قومٍ عندهم من مكارم الأخلاق الكثير، إلا أنَّ هذه الأخلاق لم تكن موجَّهة في الاتجاه الصحيح، ولا منضبطة بمنهجٍ رشيد، فأصبح الكرم ينحو منحى الإسراف والمباهاة، ويتجه باتجاه الإسراف أو التبذير، وصارت الشجاعة تهوراً وعصبية للدفاع عن القبيلة، فقال عليه الصلاة والسلام:

{ إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ و في روايةٍ (صالحَ) الأخلاقِ }

(أخرجه البزار والبيهقي)

وإتمام المكارم هنا، يعني توجيهها بالاتجاه الصحيح، وتقييدها بالمنهج الإلهي.
الزبير بن العوام رضي الله عنه، خريج الدار وأحد العشرة المبشرين بالجنَّة، بلغ من الشجاعة مبلغاً عظيماً، فكان أول من سلَّ سيفه في ذات الله وفي سبيله، ودفاعاً عن نبيه صلى الله عليه وسلم.
في غزوة الأحزاب حاصر المشركون المدينة، ونقض بنو قريظة في داخل المدينة العهد، وتحالفوا مع المشركين.
قال صلى الله عليه وسلم: من يأتينا بخبر بني قريظة؟
قال الزبير: أنا، فانطلق وحده متخفّياً بين الأعداء، مُعرِّضاً حياته للخطر وعاد بأخبارهم.
بعد حين نادى رسول الله: من يأتينا بخبر بني قريظة؟ قال الزبير: أنا، وذهب وعاد بمعلوماتٍ جديدة، وكذلك فعل في المرة الثالثة.
في كل مرة كان يقتنص الفرصة وبكل شجاعة، حتى جاءت مكافأته على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ مَن يَأْتِينِي بخَبَرِ القَوْمِ؟ -يَومَ الأحْزَابِ- قَالَ الزُّبَيْرُ: أنَا، ثُمَّ قَالَ: مَن يَأْتِينِي بخَبَرِ القَوْمِ؟ قَالَ الزُّبَيْرُ: أنَا، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ. }

(أخرجه البخاري ومسلم)

والحواري هو الصديق الوفي المُخلص لرسول الله.
قالوا: الفضيلة وسط بين رذيلتين، والإسلام لا يقبل الجبناء، ولا يُحب المتهورين، وكذلك يذمّ البخلاء ولا يُحب المسرفين.

من فقه الشجاعة في دار الأرقم أن تتوجه بها إلى إعلاء كلمة الله والدفاع عن المقدَّسات:
ومن فقه الشجاعة في دار الأرقم، أن تتوجه بها إلى إعلاء كلمة الله، والدفاع عن المقدَّسات وإنصاف المظلومين.
ومن الشجاعة شجاعة الموقف والرأي، فالشجاعة ليست قوة في البدن، تدفع صاحبها إلى اقتحام المعارك، ولكنها قوة في الحق، واندفاع لنصرته، ورأي سديد، وحزم عندما يقتضي الموقف حزماً، وسماحة عندما يقتضي الموقف ليناً.
من هنا فقد كان من فقه عمر رضي الله عنه، أنه اختار الزبير ليكون واحداً من لجنة شورى سداسية، شكَّلها لاختيار الخليفة من بعده، وقد قالوا:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإنَّ فساد الرأي أن تترددا
{ أبو جعفر المنصور }