التآمر على يوسف عليه السلام
التآمر على يوسف عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد؛ مع اللقاء الثالث من لقاءات سورة يوسف، ومع الآية السابعة وهي قوله تعالى: |
لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ(سورة يوسف: الآية 7)
في اللقاء الماضي انتهينا من مقدمات السورة، السورة لها مقدمتان؛ المقدمة الأولى مقدمة عامة تحدثت عن (الْكِتَابِ الْمُبِينِ) وعن أحسن القصص في هذا (الْكِتَابِ الْمُبِينِ)، والمقدمة الثانية كانت رؤيا رآها يوسف عليه السلام، وهذا من براعة الاستهلال، حيث تكلم ربنا عز وجل عن رؤيا رآها يوسف ووجَّهَهُ أبوه يعقوب عليهما السلام ألا يقصَّ تلك الرؤيا على إخوته، الآن أُسدل الستار عن هذه الرؤيا بشكل كامل وسيُعاد الحديث عنها في نهاية القصة عندما يقول تعالى: |
وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا(سورة يوسف: الآية 100)
فالقصة ابتدأت برؤيا وانتهت بتحقق تلك الرؤيا، وهذا من براعة الاستهلال، الآن انتهت المقدمات، وشرع البيان الحكيم في قصة يوسف من أولها، وجاء بكلام يستنفر الهمم ويدعو الإنسان إلى التمعن في هذه القصة واستخلاص عبرها ودروسها. |
تحديد الشريحة المستهدفة وهم السائلون
قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) قصة يوسف التي سيتم الحديث عنها الآن فيها آيات، أي دروس وعبر، سيكون في هذه القصة عِظات، لمن؟ (لِّلسَّائِلِينَ)، وهذه إشارة لطيفة من المولى سبحانه وتعالى إلى أن الذي يسأل هو الذي ينتفع، السائلون جمع سائل، والسائل هو الذي يسأل عن أمرٍ ما، قال تعالى: |
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ(سورة المعارج: الآية 1)
واستفتح سورة النبأ بقوله تعالى: |
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ(سورة النبأ: الآية 1-2)
السؤال مفتاح العلم
|
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(سورة النحل: الآية 43)
وكأن الله يستنهض هممنا بهذه الآية أن نسأل لنتعلم، أن نسأل لنتفقه في ديننا، أن نسأل لنعرف أحكام ديننا، ينبغي أن نسأل، أن نبحث، البحث والسؤال مفتاح العلم (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) وقيل: يصح يُوسِف ويُوسَف، لكن في القرآن لم ترد إلا (يُوسُفَ) بجميع القراءات وهذا هو الفصيح الصحيح وهو اسمٌ ممنوعٌ من الصرف للعلمية والعجمة، يعني هو اسم علم لأنه يدل على شخص محدد بذاته اسمه يوسف وأعجمي، قال بعضهم: إنه مأخوذ من الأسف، يؤسف من الأسف، لكن الصحيح أنه أعجمي وليس عربياً، يعني أنَّ الاسم من لغةٍ غير اللغة العربية فلا نفهمه على مقاييس اللغة العربية، (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) إذاً هناك عبر وعِظات ودروس سنستنتجها من قصة يوسف مع إخوته عندما نسأل عنها ونستقصي عن عبرها ودروسها. |
موقف إخوة يوسف من محبة أبيهم له
الآن: |
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(سورة يوسف: الآية 8)
العصبة هي الجماعة
|
{ عن ابن عباس قال: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثَلاثُ مِائَةٍ وَنَيِّفٌ، وَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِذَا هُمْ أَلْفٌ، فَاسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ، ثُمَّ قَالَ:(اللهُمَّ أَيْنَ مَا وَعَدْتَنِي؟ اللهُمَّ أَنْجِزْ مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلامِ، فَلا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا }
(رواه مسلم)
وهم عصابة خير، جمع خير، لكن في عرف الناس وفي لغتهم أصبح الكثير منهم إذا قالوا: عصابة قصدوا بها المتآمرين في الشر، لكنها لغةً تعني المجتمعين سواءً كان على خيرٍ أو على شرٍّ، فهنا قالوا: (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) مجموعة، كُثر، ندفع وننفع، نحن بمجموعنا نستطيع أن ندفع الشر عن أنفسنا وأن ننفع الآخرين بخيرنا، هذه هي العُصْبَة، فما هذه المفارقة أن يُحِب أبونا يوسف وأخاه أكثر منا! رغم أننا مجتمعين نكون عوناً له أكثر منهما، هما غلامان صغيران أما نحن فعصبةٌ تدفع وتنفع فينبغي أن يكون حبه لنا أعظم من حبه لإخوتنا، لأن الإنسان يحب الشيء الذي ينفعه ويدفع عنه السوء، وهذان لا ينفعانه ولا يدفعان عنه السوء، إنهم يتكلمون بمقاييس أرضية بحتة لا علاقة لها لا بأبوةٍ ولا بحنوٍّ ولا بنجابةٍ في الغلام ولا في ما يتوسم الأب بابنه، يتكلمون بمصالح مادية بحتة (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) لا يعنون أن يعقوب في ضلالٍ في الدين مبين ظاهر واضح، ولو قالوا: إنه ضالٌّ دينياً لكفروا، إن قال قائلٌ عن نبيٍّ من أنبياء الله: إنه ضال فقد كفر والعياذ بالله، ولكنهم قصدوا بالضلال هنا البعدَ عن حقيقة الأمر. |
من شأن المفسدين اتهام المصلحين
ومثل ذلك قوله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: |
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ(سورة الضحى: الآية 7)
الضلال بمعنى البعد عن حقيقة الأمر
|
أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(سورة الأعراف: الآية 82)
فرعون الذي كان يقتل البنين ويستحيي البنات قال له: قَتَلْتَ نَفْسًا، جاء يتهم موسى عليه السلام بقتل نفسٍ واحدةٍ خطأً وهو قد قتل آلافاً بل مئات الألوف من الأنفس ظلماً وعدواناً وأنفساً طاهرة بريئة وصغيرة لم ترتكب جرماً وجاء يتهمه بقتل نفسٍ خطأً |
فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ(سورة القصص: الآية 15)
كان قتلاً خطأً وليس متعمداً، وفي العصر الحديث وجدنا من قتل آلاف الأنفس يتهم بريئاً ويحاكمه على قتل نفس وهو لم يفعلها، فهذا متكرر في التاريخ. |
فهنا (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ) أقسموا (وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا) (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) هذه الواو يسمونها في اللغة العربية واو الحال (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) أي حالة كوننا عصبةً مجتمعين (إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). |
أفكار ومقترحات إخوة يوسف للتخلص منه
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ(سورة يوسف: الآية 9)
خياران بنتيجة واحدة
|
(يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) يصبح وجه أبيكم خالياً لكم، يتفرغ لكم ولا يحجزه عنكم شيء، يصبح الآن متقرباً إليكم وحدكم لأنه ليس هناك من يشغله عنكم من هذين الأخوين، هم ظنوا بسوء فهمٍ وتقديرٍ منهم ظنوا أنه إذا خلا وجه أبيهم لهم خلا قلبه لهم، ولكن لم يعلموا أن القلب شيء والوجه شيءٌ آخرٌ، فقد يواجهك إنسانٌ بوجهه ويخلو لك بوجهه وقلبه معلقٌ بغيرك، فالعبرة ليست في أن يخلو وجه الإنسان لك بل أن يخلو قلبه لك، فهم قالوا: (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) ظناً منهم أنه إذا اتجه إليهم بوجهه فقد اتجه إليهم بقلبه، لكن الأحداث أثبتت بعد حين أنه لم يخلُ لهم وجه أبيهم وإنما بقي قلبه معلقاً بهذا الغلام سنواتٍ وسنواتٍ حتى ابيضت عيناه حزناً على فقيده، فلا هم أصابوا خيراً ولا خلا وجه أبيهم لهم، لم يستفيدوا، يتخيل المجرم أنه بجريمته سيحصّل خيراً لكنه في محصلة الأمر سيخسر في الدنيا والآخرة، لا يهنأ لقاتلٍ بال، مستحيل أن يهنأ لقاتلٍ بال، فهو معذبٌ في الدنيا قبل الآخرة. |
إخوة يوسف لم يكونوا من الأنبياء
لا دليل على نبوة أخوة يوسف
|
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ(سورة البقرة: الآية 136)
قالوا: (الْأَسْبَاطِ) هم اثنا عشر رجلاً هم أولاد يعقوب عليه السلام وهم إخوة يوسف فهم أنبياء، لكن الصحيح من أقوال أهل العلم أنهم ليسوا بأنبياء (وَالْأَسْبَاط) هم من نسل يعقوب لكن لا يشترط أنهم إخوة يوسف عليه السلام. |
العدل والمساواة
العدل شيء والمساواة شيءٌ آخر
|
لكن أحياناً العدل لا يقتضي المساواة، لديك ابن في الجامعة في السنة الثالثة في الطب ولديك ابن في الصف الأول الابتدائي، فقلت: والله من المساواة والعدل أن أعطي الجميع المبلغ نفسه، فقال طالب الطب: يا أبتِ عندي اليوم امتحان عملي أحتاج إلى مئة دينار من أجل شراء المستلزمات، خذ مئة، فذهبت إلى الصغير في الصف الأول وأعطيته مئة حتى تعدل! هذا ليس عدلاً، هذه مساواة، العدل أن تعطي كل شخصٍ ما يحتاجه، الآن الكبير بحاجة مال، الصغير بحاجة مصروف بسيط ليشتري به حلوى من المدرسة، هذا العدل، فالعدل ليس مساواةً دائماً، العدل أن تعطي كل شخصٍ ما يحتاجه، حتى لا نخلط بين العدل والمساواة. |
الميل للصغير أمرٌ فطري
|
تبرير المعصية بالعزم على التوبة
(يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) هل هذه توبة؟ التوبة لا تكون بهذا الشكل قال تعالى: |
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ(سورة النساء: الآية 17)
العزم على التوبة ليس مبرراً للمعصية
|
هل أخبر يوسف إخوته بالرؤيا التي رآها؟ قال بعضهم: أخبر، وقال بعضهم: لم يخبر، والصحيح أنه لم يخبر، لأنه لم يظهر أي أثر لهذا الإخبار، الذين قالوا: أخبر إخوته؛ استدلوا بأنهم قد حسدوه وحقدوا عليه وبدؤوا يكيدون له، لكن لو نظرنا في سياق الآيات هم ما جاؤوا على ذكر الرؤيا أبداً، هم يتحدثون فقط عن تفضيله هذين الغلامين على باقي الإخوة، فالمشكلة موجودة عندهم في الأصل لا علاقة لها بالرؤيا، يبدو أن يوسف لم يقصَّ عليهم الرؤيا ولم يخبرهم بما رأى، لكن هم قد احتملوا في قلوبهم حسداً عليه مما رأوا من تفضيل والدهم إياه عليهم. |
الحل الوسط كما رأى أحد أخوة يوسف
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ(سورة يوسف: الآية 10)
إنكار المنكر هو الموقف الصحيح
|
حديث الإفك في نهايته كان خيراً للمسلمين لكن من تحدث به لا يُعفى من المسؤولية
عندما انتشر حديث الإفك في المدينة وأصبح الناس يتكلمون في عِرضِ أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وانتشر الحديث في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الذي أشاعه؟ المنافقون وعلى رأسهم زعيمهم عبد الله بن أبي بن سلول، هذا الذي حصل، الآن ذكر القرآن الكريم هذه القصة، جاء تعقيب القرآن على القصة قال: |
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ(سورة النور: الآية 11)
خيرات كثيرة في حديث الإفك
|
يد الله تعمل وحدها في الخفاء
الآن في قصة يوسف ما الذي يريده الله من كل ذلك؟ يريد الله أن يُلقى يوسف (فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ) وأن (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) وأن ينتقل عبداً ثم يصبح عزيز مصر ثم ينشر الخير في أرجاء الأرض، خير الدنيا وخير الآخرة، أراد الله ذلك، أراد الله أن يتخلى يعقوب عن يوسف عليه السلام مثل ما أراد يوماً أن يتخلى إبراهيم عن ابنه إسماعيل، الله تعالى يصطنع أنبياءه لنفسه، قال في حق موسى عليه السلام: |
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي(سورة طه: الآية 41)
الإرادة الإلهية تتحكم بكل شيء
|
احتمال النجاة أكبر في الجُب
الْجُبِّ هو البئر الذي ليس فيه حجارة
|
إخوة يوسف يطلبون من أبيهم أخذه معهم
الآن في المشهد الآخر يتضح لك إن وافقوا أم لم يوافقوا وهذا من براعة القصة القرآنية، أغلق المشهد هنا فتح المشهد الآخر، الآن المشهد القادم إخوة يوسف يراودون أباهم عن يوسف لأخذه |
قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ(سورة يوسف: الآية 11)
يعقوب لم يتوقع الشر من أخوة يوسف
|
(قَالُوا يَا أَبَانَا) هذا النداء فيه استعطاف للقلب فذكروه بآصرة القربى بينه وبينهم، ثم قالوا باستفهام إنكاري (مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ) يستنكرون عليه ذلك، موقفك غريب عجيب أن تمتنع عن إرسال يوسف معنا (وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) نحن نحبه، ننصح له، نحب ذهابه ليستمتع معنا ويغير من الأجواء التي يعيشها، ليشِب.... إلخ، (وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) وهنا جاؤوا بأشد أنواع التأكيد (إِنَّا)، و(إِنَّ): حرف مشبه بالفعل يفيد التوكيد، (لَنَاصِحُونَ) اللام لام المزحلقة أيضاً تفيد التوكيد، لم يقولوا: إنَّا له ناصحون، قالوا: (إِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) توكيد جديد، اللام للتوكيد أيضاً، فأكدوا بكل المؤكدات بأنهم لا يريدون بيوسف إلا خيراً، وقد قالوا: يكاد المريب يقول: خذوني، الذي يحيك مؤامرةً يكون شكله وفعله مريبين للآخرين. |
براءة يعقوب وطهر قلبه منعه من الشك
لكن يعقوب نبي لم يعرف الشر! مثل آدم عندما سوَّل له الشيطان أن يأكل من الشجرة، تقول: كيف استجاب آدم؟! لأن آدم لم يعهد أن يكذب أحد، هو يعيش في جنة الله عزَّ وجلَّ، صدق وملائكة مطهرون حوله لم يعهد أن يأتي مخلوق فيقول له: |
هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ(سورة طه: الآية 120)
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ(سورة الأعراف: الآية 21-22)
براءة يعقوب تمنعه من الشك
|
إلحاح أخوة يوسف على أبيهم لينالوا موافقته
أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(سورة يوسف: الآية 12)
إذا عزمت على الطاعة فبادر إليها
|
(غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) (يَرْتَعْ): هذه قراءة حفص، وهناك قراءة (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا نَرْتَعْ) بالنون، كلنا، وهناك قراءة (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا نَرْتَعِ) وكل واحدة لها معنى، المعنى هنا في قراءة حفص (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ) يأكل ما شاء وكيف شاء، والرتع في الأصل يكون للبهائم، بهائم رُتَّعْ، ترتع بمعنى أنها تأكل ما تشاء، وقد يُطلق على الإنسان عندما يتنزه ويفعل ما يحلو له كيف شاء فكأنه رَتَع، أما قراءة (نَرْتَعْ) كلنا سوف نرتع مع بعض، أما قراءة (نَرْتَعِ) من الرعي أي يرعى بعضنا بعضاً، من الرعاية، هذا من علم القراءات. |
(أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) اللعب محبب للطفل، اللعب هو شيء لا طائل وراءه لكن قد يكون مباحاً وقد يكون محرماً، وهنا المقصود به اللعب المباح البريء الذي يلعبه الأطفال، الركض، مع الطبيعة يفعل ما يحلو له. |
(وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أيضاً توكيد جديد من إخوة يوسف لينالوا الموافقة من أبيهم (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أيضاً بلام المزحلقة المؤكدة، سنحفظه مما يمكن أن يُسيء إليه أو يوقع به شراً فنحن معه ننصح ونحفظ، ننصح له ما يسره ويدخل السعادة إلى قلبه، ونحفظه مما يمكن أن يسوؤه، في المرة الأولى قالوا: ناصحون، وفي الثانية حافظون، فهنا كأنهم قد بدؤوا يستميلون قلب والدهم، ولكن ما زال في قلبه ريبٌ وشكٌّ قبل أن يعطيهم الموافقة النهائية، نتحدث عنه إن شاء الله في لقاءٍ قادمٍ. |