الدخول الثالث

  • الدرس الرابع عشر: شرح الآيات 88 - 98
  • 2021-10-02

الدخول الثالث

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلِي وأسلم على نبينا الأمين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً.

دخول أخوة يوسف عليه وقد أصابهم الضّر:
وبعد فيا أيها الأخوة الأحباب؛ مع اللقاء الرابع عشر من لقاءات سورة يوسف ومع الآية الثامنة والثمانين، وهي قوله تعالى:

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
[ سورة يوسف ]

أحبابنا الكرام؛ أخوة يوسف دخلوا عليه بعد أن أصبح عزيز مصر، دخلوا عليه أربع دخولات، الدخول الأول:

وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)
[ سورة يوسف ]

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59)
[ سورة يوسف ]

والدخول الثاني يوم دبر لهم المكيدة وأخذ أخاه، والآن الدخول الثالث، وبقي الدخول الرابع، فهذا هو الدخول الثالث لأخوة يوسف عليه وقد أصبح عزيز مصر (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) على يوسف، ولم يذكر من هو قال (عَلَيْهِ) بالضمير، مع أنه لم يسبق في الآية التي قبلها ما يشير مباشرة إلى ذلك، لكن يوسف بطل القصة، فإذا قال: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) ثم (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) اتضح من هو المقصود، والبلاغة في الإيجاز (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا) أخوة يوسف (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرّ) (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) تعظيم (مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرّ) ترقيق، (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) فيها أولاً تعظيمٌ لقدر يوسف، فالعزيز هو الذي لا ينال جانبه، مرهوب الجانب، صاحب الأمر والنهي في مكانه، في ملكه، فكأنهم بذلك يقولون له: ما جئنا به إليك لن يعجزك فأنت العزيز.
المقصود بالضرّ هنا الجوع
كما يفعل من دخل يريد شيئاً (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) ثم أرادوا أن يرققوا قلبه لحالهم قالوا: (مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرّ) والضر هنا المقصود به الجوع، والضر أنواع كثيرة، فقد يصاب الإنسان بضر في صحته، أو في ماله، أو في أهل بيته، إلى آخره (مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرّ)، والضر غالباً في القرآن يطلق عليه المس، ما يقال: أصابنا الضر، وإنما (مَسَّنَا)، حتى أيوب عليه السلام وقد بلغ به الضر ما بلغ حتى أصبح يُضرب المثل بصبر أيوب على ضره قال:

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)
[ سورة الأنبياء ]

أي الضر مهما كان كثيراً فإنه محدود، فالقرآن يعبر بالمس عن الضر لأنه هو الحالة الطارئة، وليس الحالة الأصلية، الإنسان مخلوق في الأصل لجنة عرضها السماوات والأرض، فإذا جاء الضر فإنه يمسه مساً سريعاً خاطفاً، مهما طال أمده، قد يقول إنسان: كيف؟ أنا والله مسني الضر من عشر سنوات إلى الآن، ما قيمة هذه السنوات العشر بالعمر الطويل الذي خُلقت من أجله للأبد؟ هي صفر، حتى في الرياضيات، أي رقم مهما طال إذا وضعته بسطاً ووضعت المقام لا نهاية فقيمته صفر، أي عدد ينسب إلى اللانهاية فهو صفر، فعندما نقول: (مَسَّنِيَ الضُّرّ) في سنوات فتذهب لأن كل شيء ينتهي بالموت فهو مس، وغالباً القرآن يعبر عن الضر بالمس.
وهنا أيضاً على ما يأتي به القرآن (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرّ) أي الجوع، لأنه لا يوجد قمح في مصر، وما جاورها من البلدان في أرض كنعان حتى لم يعد هناك قمح، سنوات عجاف، ولولا أن الله تعالى قيض يوسف عليه السلام ليقوم بمهمة تخزين القمح لمات الناس جوعاً، فكانوا يأتون إليه لأخذ القمح (قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ) البضاعة هي ما يُبتضع ومنه مبضع الجراح الذي يقطع شيئاً، فالبضاعة هي شيء قطع من أجل الاستخدام، البضاعة (مُزْجَاةٍ) بمعنى مدفوعة.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
[ سورة النور ]

البضاعة المزجاة هي البضاعة المدفوعة
يدفعه جلّ جلاله، يأتي السحاب، فالبضاعة المزجاة هي البضاعة المدفوعة أي التي ينظر إليها الناس فيردونها لا يريدونها لرداءتها وسوئها، أهل كنعان عندما يشترون القمح كان النظام مبنياً على المقايضة، ذكرنا ذلك سابقاً، ما كان المال مقابل السلعة، كانت السلعة مقابل السلعة، سلعة ثمن، وسلعة مبيع، لكن هما سلعتان فأهل كنعان مثلاً يأتون وعندهم الجلود، وربما السمن أي ما ينتشر في هذه الأراضي، ويقدمونها ويأخذون مقابلها القمح، هذا نظام المقايضة، البشرية عندما تطورت قليلاً جعلوا الثمن مقابل السلعة وهو الذهب، ثم سحبوا الذهب، وأعطونا بدلاً عنه أوراقاً، وقالوا لنا: هذه العملة، وأقنعونا أنها العملة، فسلمنا الذهب وبقينا على أوراق يُلعب بها فتارة تهبط، وتارة تعلو بفعل المضاربات المالية، واللعب السياسية، والاقتصادية، ورضا الدول العظمى عن الدول المستضعفة، أو عدم رضاها عنها، فالأصل هو المقايضة؛ سلعة بسلعة.
فالبضاعة التي جاؤوا بها (مُزْجَاةٍ)، أنت راقب نفسك، لو ذهبت تشتري الآن من السوق، ومعك دنانير، قال لك البائع: المبلغ هو عشرة دنانير، فأخرجت المال الذي معك ووجدت ثلاث عشرات، عشرتان وضعهم جيد، والثالثة مهترئة، فأي واحدة تخرجها لتدفعها بشكل لا شعوري؟ المهترئة، كلنا نفعل ذلك، كي تتخلص منها، مع أن الثانية ربما بعد ربع ساعة تنفقها، لكن الإنسان يقدم البضاعة المزجاة، أي يتخلص منها ويأخذ البضاعة الجيدة دون أن يشعر، فالبضاعة المزجاة يأتي بها الناس من أجل أن يتخلصوا منها في الأصل، هذا معنى (مُزْجَاةٍ)، لكن عندما تأتي إلى عزيز مصر وتريد القمح في زمن الجفاف، وتريد أن تأخذ أكبر كمية ممكنة، فتحضر أحسن ما عندك، من أجل أن تأخذ أحسن ما عنده، أما هم فقد مسهم الضر في تلك البلاد، وذهبوا بأخيهم ولم يعودوا به، والوضع تأزم أكثر وأكثر، فقالوا (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ) أي مدفوعة لا تُقبل، الناس يردونها، لكن رغم ذلك قال: (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) أي أعطنا الكيل الذي نستحقه كاملاً من القمح (الْكَيْلَ) كاملاً (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) أي أعطنا إياه كاملاً غير منقوص (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) تعني شيئين، أولاً: (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا) بمعنى أن تقبل بضاعتنا المزجاة، وتعطينا الكيل وافياً رغم أننا لا نستحقه، وقد يراد بها أيضاً أن تعطينا الكيل وافياً وتزيدنا شيئاً بالحالة التي نحن فيها رغم بضاعتنا المزجاة.

ضعف الإنسان يجعله جاهزاً للاعتراف بذنبه:
الآن: (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) ولأنهم لا يملكون ثواباً له أحالوا أجره على الله، وفي الحديث: "إذا أحسن إليكم فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فقولوا: جزاك الله خيراً " أي أنت عندما تعجز عن المكافأة تقول: " جزاك الله خيراً " وهذا ملمح مهم في الحديث، بعض الناس يبدأ بجزاك الله خيراً، جزاك الله خيراً جميلة جداً، ومن قال لصاحبه:

{ عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'مَنْ صُنِعَ إليه مَعْرُوفٌ، فقال لفَاعِلهِ: جَزاكَ اللّه خَيْراً فقد أبلغ في الثَّناء }

[أخرجه الترمذي ]

أي أحلته على العظيم، لكن عندما تملك أن تكافئه فينبغي أن تزيد على جزاك الله خيراً مكافأته بما تستطيع، أما عندما تعجز فيكفي أن تقول: جزاك الله خيراً فإني أُحيلك على الله ليؤجرك.
الجزاء عند الله جلَّ جلاله
هنا عندما قالوا: (إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) فالجزاء عند الله، لأنهم لا يملكون جزاءً لما فعله معهم، يوم سيقبل منهم بضاعتهم المزجاة، وسيوفي لهم الكيل، وسيتصدق عليهم، هنا وصل هؤلاء إلى مرحلة منتهى الضعف، مع منتهى الذل، والإنسان يوم يصبح ضعيفاً يكون جاهزاً للاعتراف بذنبه، والعودة إلى رشده.

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
[ سورة العلق ]

الإنسان عندما يشعر نفسه مستغنياً لا يتوب، متى يتوب؟ في الضعف، لذلك ماذا قال تعالى في القرآن الكريم؟ قال:

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
[ سورة السجدة ]

أي رحمة الله تقتضي أن يذيق بعض الناس عذاباً في صحته، في ماله، في أهل بيته، في تجارته..... إلى آخره، من أجل أن يرجعه إليه قبل أن يأتي العذاب الأكبر الذي لا دافع له، لأن الإنسان غالباً إذا وجد نفسه مستغنياً، مكتفياً، فإنه لا يتوب ولا يعود، لكن عندما يجد نفسه ضعيفاً ذليلاً يعود إلى باب الله عز وجل، وقد ذكر الله تعالى مثالاً لهؤلاء الذين:

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)
[ سورة يونس ]

حتى إذا أدركهم الغرق الآن يا رب، فمتى يعود الإنسان؟ إذا شعر بالمصيبة يعود إلى الله عز وجل، هذه هي المكيدة التي دبرها يوسف، وهي من تدبير الله تعالى بأن يصلوا إلى الضعف، حتى إذا واجههم الآن سيقرون ويعترفون، لكن عندما دخلوا عليه في المرة الثانية، وأخذ منهم بنيامين، ماذا قالوا؟

قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)
[ سورة يوسف ]

التوبة لم يحن وقتها بعد، ما زالوا يتهمون يوسف بالسرقة زوراً وبهتاناً، لكن هنا وصلوا إلى أدنى مستويات الضعف، والدهم قد فقد بصره، يتهمهم بأنهم دبروا المكيدة الثانية لأخيهم بنيامين رغم براءتهم، أخوهم قال:

فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)
[ سورة يوسف ]

بقي في مصر، هم في حالة ضنك وجوع شديد مع أهلهم، ومع أولادهم، ومع أزواجهم، الأمور مع بعضها هُيئت لأن يعترفوا ويقروا، فلما شعر يوسف عليه السلام أن الوقت قد حان، وهذا كله بتدبير الله تعالى:

قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)
[ سورة يوسف ]

ذكرهم بفعلتهم، وهم يعلمون أنه لا يصل خبر ذلك إلا إذا كان هو يوسف، فقال: (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) وبدأ مباشرةً بوضع الأعذار لهم، فما قال: إذ أنتم خاطئون، قال: (إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) لأن الجهل عذر، وإن كان في الفقه، المرء لا يعذر بجهله إلا إذا كان في مكان لا تصله المعلومة.
الجهل ليس عذراً لمسلم في بلاد المسلمين
فرضاً إنسان يعيش في الأردن، والعياذ بالله شرب الخمر، قلنا له: كيف تشرب الخمر؟ الخمر حرام لا يجوز شرعاً، قال: لا أعلم أنه حرام، نقول له: كيف لا تعلم أنه حرام؟ أنت تعيش في بيت مسلم، وفي بلد مسلم، والإعلام يؤكد ذلك، والمدارس تُعلم ذلك، معلوم من الدين بالضرورة، فلا تُعذر بجهلك، لكن لو أن مسلماً كان يعيش في بلد بعيد في أقاصي الدنيا ولم يعلمه أحد، وأسلم حديثاً، وشرب الخمر، وقال: أنا ما كنت أعلم، لو أعلم لما شربته، هذا يُعذر لجهله، فالجهل عُذر عندما لا يكون هناك من يعلمك بالظروف المحيطة، أما الجهل ليس عذراً لمسلم في بلاد المسلمين.
على كل هنا عذرهم قال: (إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) أي جهلكم أودى بكم إلى ذلك سواءً كان الجهل عذراً أو لم يكن عذراً، فهو مخفف لهم، ففرق بين أن يفعل الإنسان الشيء وهو جاهل، وبين أن يفعله وهو عالمٌ بحرمته، أو عالمٌ بنتائجه الكارثية المدمرة، فقال: (إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) فانظروا إلى رحمة يوسف عليه السلام، من البداية ما واجههم بخطئهم وإنما بجهلهم: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ).

الله تعالى يعطي بلا مقابل فهو وحده من يستحق أن يمن على عباده:

قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
[ سورة يوسف ]

المنان هو الذي يعطي بلا مقابل
الآن الخبر غالباً لم يصل إلا أن يكون هو يوسف، نظروا إليه فراجعوا صورته الطفولية، والإنسان مهما تغير يبقى شيء من صورته الطفولية، فعلموا أنه يوسف: (قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) وهنا أكدوا ذلك رغم أنهم يستفهمون لكنهم أكدوا، كيف أكدوا؟ ما قالوا: أنت يوسف (قَالُوا أَئِنَّكَ) إنّ للتأكيد (لَأَنْتَ) اللام للتوكيد، (أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) لكن رغم ذلك استفهموا، لأن المقام مقام استفهام، لأن الأمر لم يحسم بعد، رغم كل المؤكدات عندهم، وعرفوا أنه يوسف (قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) (قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي) أخوه بنيامين (قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا) والله تعالى صاحب المن، ومن أسمائه المنان، من أسمائه جلّ جلاله المنان، ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، الحنان لم يثبت إلا في أحاديث ضعيفة، أما المنان فثبت في أحاديث صحيحة، المنان من أسماء الله الحسنى، والمنان هو الذي يعطي بلا مقابل، فهو وحده من يستحق أن يمن على عباده، المن بالإنسان شيء سيئ قال تعالى:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
[ سورة البقرة ]

مناً أن يقول لهذا الإنسان كلما رآه: يا فلان أنا الذي أعطيتك، أنا الذي علمتك، أنا الذي ربيتك، فضلي عليك كبير، ويزيد بعض العوام كلمة فيها سوء أدب مع الله يقول له: لحم أكتافك من خيري، بدل أن يقول له: لحم أكتافك من خير الله، ومن فضل الله، وإن كنت فعلت شيئاً فهذا مال الله، وأنت واسطة، واحمد الله أنه تكرم عليك وتمنن عليك، فالمن لله ولرسوله، فالذي يتبع ما أنفق مناً يفسد صدقته (ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى) أن يخبر إنساناً آخر لا يحب هذا المتفضل عليه أن يعلم ذلك الإنسان، أي أنت ساعدت فلاناً من الناس، ثم ذهبت إلى جاره فقلت له: هل علمت؟ تسأله: كيف جارك فلان؟ والله الحمد لله، كيف أحواله إن شاء الله تحسنت؟ والله تحسنت، أنا ساعدته، فتخبر شخصاً لا يحبه أن يعلم أنك ساعدته فتؤذيه بذلك، وكان أحد الصالحين يقول: والله إذا أعطيت إنساناً ثم علمت أن سلامي عليه يؤذيه تركت عليه السلام، أي يمر من أمام دكانه فينشغل عنه، لأنه يخشى أن يقول له: السلام عليكم، فيذكره بصنيعه معه، الإنسان لا يحب أن يأخذ إلا من الله مباشرةً، فإذا منَّ إنسان على آخر فقد أفسد صدقته، وأفسد خيره، (ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لكن الله عز وجل وحده صاحب المن، يستحق المن.

يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
[ سورة الحجرات ]

مع الله لا يوجد أن تقول: والله يمنُّ الله عليّ، بالعكس تماماً، إذاً الله عز وجل صاحب المنّ جلّ جلاله (قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا) عطاء عظيم.

جزاء التقوى مع الصبر:
(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) والله يا أحباب هذه الآية خلاصة الخلاصة، هذه الخلاصة التي قالها يوسف، وأثبتها الله قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة هي خلاصة الخلاصة: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
(مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) التقوى أن تجعل بينك وبين المعاصي وقاية، أن تجعل بينك وبين الزنا وقاية، وبينك وبين المال الحرام وقاية، وبينك وبين العلو في الأرض بغير الحق وقاية، إلى آخره، أن تتقي الله، وأن تتقي أسماء جلاله بأسماء جماله، فالله هو القوي، والعزيز، والجبار، والمنتقم، فكن متقياً لهذه الأسماء من أن يصيبك شيء منها.
التقوى مع الصبر طريق النصر
(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) التقوى مع الصبر طريق النصر، وطريق الفلاح، وطريق النجاح، هناك من يصبر ولا يتقِي، صابر، لكنه مقيم على المعاصي، ما هذا الصبر؟! يقول لك: والله أنا منذ أن - والعياذ بالله نسأل الله السلامة - توفي ولدي، أو توفي والدي أصبحت حزيناً، كئيباً، صابراً على فراقه، وجالساً طوال النهار في الحانات أشرب الخمر لأنسى ما أصابني، هذا ليس صبراً (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) والله تعالى قال:

إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
[ سورة آل عمران ]

الأعداء مهما كان مكرهم عظيماً، وكيدهم عظيماً، إذا أنت تحليت بالصبر والتقوى، وهنا قدم الصبر على التقوى، لأن المعرض معرض حديث عن الأعداء وما يمكرون به فالحاجة إلى الصبر أشد، لكن هنا يوسف قدم التقوى على الصبر لأنه وقع فيما كان ينبغي أن يتقي الله فيه قبل الصبر، يوم راودته امرأة العزيز عن نفسه فاتقى الله تعالى، فقدم التقوى على الصبر، لكن هما شيئان لا ينفصلان التقوى والصبر طريق النصر، أما الصبر مع المعصية فطريق القهر ثم القبر، ليس بعد المعصية والصبر إلا القهر والقبر، أما التقوى مع الصبر فطريق النصر، والفلاح، والفوز، فقال: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وكأن التقوى والصبر يؤديان إلى الإحسان، لأنهما أساس (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ويوسف كان محسناً، كان محسناً في السجن.

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
[ سورة يوسف ]

وكان محسناً في القصر يوم جاؤوا إليه وقالوا: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فالمحسن لا تغيره الظروف، وهو في السجن محسن، وهو في القصر محسن.

الفرق بين الإيثار والأثرة:
الآن:

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)
[ سورة يوسف ]

الخاطئ يتعمد الخطأ ابتداءً
إخوته (قَالُوا تَاللَّهِ)، (تَاللَّهِ) قسم، عندنا والله، بالله، تالله، كلها أحرف للقسم (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) هنا اعترفوا، ما قالوا: وإن كنا لجاهلين، هو ماذا قال لهم؟ (إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ) أي وضع لهم عذراً مخففاً، هم اعترفوا بذنبهم تماماً قالوا: (وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) ولماذا لم يقولوا: وإن كنا لمخطئين؟ المخطئ شيء والخاطئ شيء آخر، المخطئ يفعل فعلته يظن أنه يفعل حسناً فيخطئ، أما الخاطئ فيتعمد الخطأ ابتداءً، المخطئ لا يتعمد الخطأ ابتداءً، أراد خيراً فوقع ما لم يكن بالحسبان، يقول: والله ما أردت ذلك، أخطأت يا أخي، لكن هو ما أراد الخطأ.

{ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله، قلت: مثل حديث قبله عن النبي صلى الله عليه وسلم: وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه }

[أخرجه الطبراني ]

ما أراد الخطأ لكن وقع فيه، فيُعفى عنه، أما الخاطئ فهو الإنسان الذي يفعل الخطأ متعمداً ابتداءً، أخذوه وألقوه في الجُب، هل هناك أي مسمى لهذا الفعل إلا أنه خطأ كبير والعياذ بالله، فهنا قالوا: (وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) يعترفون بأنهم فعلوا ما فعلوا عن سبق إصرار وتصميم (وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ).
(قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا) آثرك أي كنت مؤثراً عنده علينا، عندنا نحن في اللغة إيثار وأثرة، الإيثار خُلق محمود، والأثرة خُلق مذموم، الإيثار أن تؤثر أخاك بشيء ، أنت خرجت مع زميلك في نزهة، ودخلتما إلى الفندق، والفندق فيه سرير مطل على المناظر الجميلة، وسرير داخلي غير مطل على شيء، فأنت أسرعت وأخذت السرير الذي عند الباب وآثرت أخاك بالسرير المطل، هذا خُلق إسلامي عظيم.

وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
[ سورة الحشر ]

الأثرة أن يستأثر الإنسان بالشيء الجيد له
طبعاً أنا أعطي مثالاً لأشياء ربما بسيطة لكن فيها معنى الإيثار، وضع الطعام توجد مع الطعام تفاحتان، تفاحة كبيرة متوردة الخدين كما يقال، والثانية صغيرة، وكل واحد له واحدة، فأسرعت إلى الصغرى هذا إيثار، لكن أصل الإيثار قال: (وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) شدة الفقر، أي مهما يكن فقيراً متعباً يعطي أخاه الطعام ويبقى بلا طعام هذا الإيثار خُلق إسلامي عظيم، لكن الأثرة بعكس الإيثار وهي خُلقٌ مذموم، الأثرة أن يستأثر الإنسان بالشيء الجيد له ويترك لأخيه الشيء الرديء، أو يتركه بلا شيء، أكثر وأكثر، المهم هو أن يرتاح، المهم هو أن يأخذ الكرسي المريح، المكان الأجود، الطعام الأطيب، لا يؤثر فهو ذو أثرة، لكن ربنا عز وجل يؤثر إنساناً على آخر، لكن هل يفعل ذلك بقوانين أم بغير قوانين؟ بقوانين، مدير الشركة أحياناً يؤثر موظفاً على آخر لماذا؟ لا يوجد أي سبب، ربما الآخر المؤثَر لسانه حلو، يعرف كيف يتكلم فيؤثره، مع أن الأول يعمل أكثر من الثاني لمصلحة الشركة، لكنه يؤثر صاحب اللسان الجميل، ربما يؤثره لأنه قد جاء له بهدية في يوم ميلاده فيؤثره، ربما يؤثره لأن أمه أوصته به فهو ابن خالته، مقاييس الممكنين في الأرض أحياناً في إيثار شخصٍ على شخص تعتمد على مقاييس غير موضوعية، مقاييس انتمائية، هذا قريبنا، وهذا من ضيعتنا، كلام لا معنى له، وكلما ارتقى الإنسان يجعل مقاييسه موضوعية لإيثار شخص على آخر، ربنا جلّ جلاله الإيثار عنده يكون للأتقى، قال:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[ سورة الحجرات ]

ليس بين الله وبين عباده نسب.
" لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم "

{ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قَالَ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتَذَاكَرُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا أَظَلَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي بِهِ الْعِلْمَ سَهَّلَ اللَّهُ طَرِيقَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ }

[أخرجه الدرامي]

"يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً".
لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، في المقاييس الإسلامية مقاييس موضوعية مبنية على أسس وقوانين، فلما (قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا) لماذا آثر الله يوسف على إخوته؟ لأن يوسف صبر، واتقى الله، لأن يوسف في السجن كان محسناً وخارج السجن كان محسناً، لأن يوسف رفض أن ينصاع لغرائزه، وشهواته، ويواقع امرأة العزيز والعياذ بالله، بينما إخوته انصاعوا في لحظات من حياتهم، في لحظات ضعف إلى شهواتهم، فأرادوا أن يقتلوا يوسف ليخلو لهم وجه أبيهم، ثم كذبوا على أبيهم، ثم، ثم، إلى آخره، فلماذا آثر الله يوسف على إخوته؟ ليس لأن يوسف جميل الصورة، وقد أوتي الحسن، يوسف عليه السلام كان جميلاً، لكن ليس لأنه كان جميلاً، ولكن لأنه كان محسناً، متصدقاً، متقياً، صابراً، فرفعه الله في الدنيا، وأعظم الإيثار يوم القيامة يوم تكون المراتب في الجنة، فيؤثر الله بعض الناس على بعض في الجنة، حتى في مراتبها، فهناك الفردوس الأعلى، وهناك الطبقات الدنيا من الجنة.
(تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ) اعترفوا بخطئهم المتعمد الذي بدؤوه متعمداً.

ابتعاد يوسف عن لوم إخوته لمعرفته بصدق توبتهم:

قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)
[ سورة يوسف ]

الآن يوسف عليه السلام بدأ أول شيء فعله من الإحسان لهم، أنه وضع لهم الأعذار المخففة، فقال لهم: (إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ).
إذا رأيت تائباً فافتح له باب الرحمة
الأمر الثاني (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) فوراً (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) ما معنى تثريب؟ معناه اللوم، أي لا لوم عليكم، ولا تعيير، لا نعيركم ولا نلومكم، ما أخشى ما يخشاه الذي يعترف بذنبه؟ اللوم الذي بعد ذلك، أنت تقول له مثلاً: سامحتك، لكن هذا الذي عملته هل هو صحيح؟ هل يصح هذا؟ يذوب خجلاً، مادام سامحتني فلا تلمني، فأول شيء طمأنهم (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) لا يوجد لوم، والتثريب في اللغة من شيء اسمه الثرب، من منكم يحب بالشام قشة الكروش، كرش الحيوان وأمعاؤه، عندما يكون على الأمعاء والكرش دهن كثير هذا هو الثرب، وجمعه ثروب، انظروا إلى دقة اللغة، فإذا لم يكن هذا في الخروف فهو هزيل ولا يكون الطعام طيباً، الدهن مهم جداً، يقولون: لا يوجد ثرب عليه أبداً ولا شيء، من هنا جاء الثرب (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) لا لوم عليكم أبداً، لا يوجد أية مشكلة، اعتبروا الموضوع منتهياً (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) ويمكن أن نقف فنقول: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي اليوم لا يوجد لوم، أو نقول: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) ثم (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ) وقفان صحيحان، على كل حال انظروا إلى يوسف عليه السلام مباشرةً رفع اللوم عنهم، ورجا الله تعالى أن يغفر لهم لما علم صدق توبتهم (يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فتح لهم باب الرحمة، إذا رأيت تائباً فافتح له باب الرحمة، لا تضيق عليه، إذا كان هناك أشياء تحتاج إلى حساب، وأمور تحتاج إلى إصلاح دعها إلى حين، أما فوراً قل له: لا تثريب عليك يغفر الله لك (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) رحمة الله واسعة، افتح له أبواب الرحمة التي فتحها الله، لا تغلق في وجهه باب الرحمة (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) كيف أرحم الراحمين؟ الأم من الراحمين، الأم التي تضع وليدها، أي ترحمه، وتنظفه، وترضعه، وتسهر على مرضه، أليست هذه رحمة؟ (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لكن ربنا عز وجل أرحم الراحمين، مهما وجدت من رحمات في الأرض فما هي إلا من رحمةٍ من مئة رحمة أنزلها الله على الأرض، حتى إن الدابة ترفع قدمها عن وليدها خشية أن تصيبه بهذه الرحمة، أما رحمة الله فواسعة (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).

عودة البصر إلى يعقوب معجزة من إخبار الله ليوسف عليه السلام:

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)
[ سورة يوسف ]

قميص يوسف عجيب في سورة يوسف، مرةً كان دليل اتهام، ثم أصبح دليل براءة والآن أصبح القميص شفاء.

وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)
[ سورة يوسف ]

يوم كان صغيراً: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا) وفي بعض الروايات التاريخية قال لهم: ما أرحم هذا الذئب، أي أكله ولم يمزق قميصه، لم يعرفوا أن يحيكوا الكذب كما يقولون، ثم أصبح القميص دليل براءته.

وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)
[ سورة يوسف ]

والآن أصبح قميصه آية شفاء، فهنا قال: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) والد يوسف يعقوب عليه السلام.

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
[ سورة يوسف ]

يكظم الحزن في داخله حتى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ) الآن القميص قال:(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا) أي فوراً، طبعاً هذا بإخبار الله، هذه معجزة من إخبار الله، لولا أن الله أوحى إلى يوسف أن ذلك سيحصل لما علم بذلك (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) توكيد، ليس بوالدكم فقط، وزوجته، وإنما(بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) الأولاد، والأزواج، والكنائن، والأصهار، كل الأهل (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ).

اتهام يعقوب عليه السلام بالخرف:

وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)
[ سورة يوسف ]

(فَصَلَتِ) من فصل الشيء عن الشيء إذا انزاح عنه (فَصَلَتِ الْعِيرُ) أي خرجت العير، القافلة خرجت من مصر، وبدأت بطريق الشام (فَصَلَتِ الْعِيرُ) خرجت من الطريق (قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) أي قبل أن تفصل العير بالمدينة وضوضاء المدينة ريح يوسف مختلطة مع ريح القوم، المدينة تعج بالناس (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) أنا أشم رح يوسف، طبعاً هذه معجزة لا شك، لكن أقول دائماً: عصرنا هذا أدعى لقبول المعجزات من أي عصر مضى، أي الإسراء والمعراج بعهد النبي صلى الله عليه وسلم معجزة واليوم معجزة، لكن اليوم قبول المعجزة أسهل بكثير، نحن نرى بأعيننا الذين وصلوا للقمر، ونرى بأعيننا كيف الإنسان ينتقل بنصف ساعة من بلد لبلد، وكيف الطائرات، وكيف الصواريخ.

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)
[ سورة النحل ]

المعجزات أصبحت أدعى للقبول
ونتوقع أن ينتقل الإنسان من بلد إلى بلد بمدة أقصر بكثير، لم يعد هناك شيء مستغرب، فالمعجزات أصبحت أدعى للقبول، هنا المعجزة اليوم علمياً معروف أن هناك دراسات كثيرة أن الصورة، والصوت، والرائحة لا تفنى موجودة، فلو هُيئ لنا أن نلتقط كان ممكن أن نلتقط نظرياً، عملياً لا يوجد هذا الشيء حتى الآن، ممكن لو تراخى كما يقول أينشتاين أن نرى معركة بدر كيف صارت على الأرض، لأنها هي موجودة صارت موجات، والأصوات القديمة ممكن أن نسمعها اليوم لو استطعنا أن نلتقطها، لأنها موجودة تتخامد لكن تبقى موجودة، الرائحة تنتقل، أنت عندك شم تشم لمسافة معينة، والآخر حاسة الشم عنده أقوى يشم أفضل منك، هناك مخلوقات تشم أكثر منك ومني، تشم عن بعد، فالرائحة موجودة فهي القدرة على الوصول لها فقط إما باختراع وسائل يسمونها استطالات الحواس، الناس كانوا ينظرون يرون أشياء محددة، الميكروسكوب، والتلسكوب، أصبحنا نرى أشياء لم يكن الناس يرونها بأعينهم هذه يسمونها استطالات الحواس، تماماً؟ فممكن أن يكون هناك في يوم ما مثلاً استطالات لحاسة الشم، بأن تستطيع أن تشم الرائحة وهي بعيدة عنك مئة كيلو متر ما الذي يمنع هذا؟
(إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) شم الرائحة نبي الله يعقوب (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) أجدها بالتوكيد (لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ) الفند هو الخرف، أي لولا أن تتهموني بالخرف لقلت ذلك، شيء لا يصدق، من يشم؟ أين يوسف؟ وفعلاً اتهموه في ذلك.

قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)
[ سورة يوسف ]

والضلال هنا ليس الخروج عن المنهج، الضلال هنا ليس الضلال الشرعي بمعنى أنه خرج عن المنهج، وهو نبي ومعاذ الله أن يتهمه أحدٌ بالضلال، لكن المقصود (تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ) أي فيما تتوهمه، أي سموا أوهامه بأن يوسف ما يزال حياً، وأنه سيعود، وأنني سألتقي به يوماً سموها ضلالاً، لأنها بعدٌ عن الحقائق، فكل شيء يشير إلى أن يوسف لن يعود، وأنت ما زلت تقول: سوف يعود (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ) رجعنا لاستجرار الكلام السابق.

سرّ النبوة عند الأنبياء:

فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)
[ سورة يوسف ]

النبوة وحي
وقيل في بعض الروايات إن البشير هو كبيرهم، الذي قال: (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) هذه المرة هو عاد أول واحد، لأن الله جعل له مخرجاً (أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي) جاء حكم الله: (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ) أي ألقى القميص على وجه يعقوب (فَارْتَدَّ بَصِيرًا) رجع كما كان (بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يعقوب عليه السلام فُرجت أساريره (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، هذه هي النبوة، النبوة وحي، أي محاولة لإخراج النبوة عن أنها وحي محاولة لدس السم في الدسم، النبي محمد العبقري، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبقري لا شك في ذلك، ذكي، لكن هو نبي يوحى إليه، هو موضوع وحي، أما تقول لي: هو مصلح اجتماعي عظيم، إذا أردت أن تكتفي بذلك فهذا ضلال، الموضوع ليس موضوع مصلح اجتماعي، لأنه يوجد مصلحون اجتماعيون.

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)
[ سورة فصلت ]

هذا الفرق، فاليوم بعض المحاولات من أدعياء الدين أو من أعدائه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مصلحاً اجتماعياً عظيماً، هو على رأس المئة الأوائل كما وضعه مايكل هارت، وصدق مايكل هارت، كلامه صحيح في ذلك الأمر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أهم شيء ينبغي ألا يغيب عن ذهننا أنه يوحى إليه، يعلم من الله ما لا نعلم، هذا سر النبوة، لأنه يخبرنا عن الله، فنتبعه لذلك فقط، وليس لأنه مصلح اجتماعي ولو أنه مصلح اجتماعي، شخص آخر يقول لك: والله وجدت مصلحاً اجتماعياً آخر، بوذا كان مصلحاً اجتماعياً أيضاً، بوذا له كلمات طيبة وكان مصلحاً اجتماعياً، واليوم يوجد أناس يعبدون بوذا، فالقضية ليس في أنه مصلح، أو عبقري، أو ذكي، أو فاتح، أو مناضل من الدرجة الأولى لإحقاق الحق، أو محارب العبودية، كله صحيح لكن قبل ذلك كله هو نبي (يُوحَى إِلَيَّ)، فيعقوب عليه السلام (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).

اختلاف مشاعر الأب عن مشاعر الأخ:

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)
[ سورة يوسف ]

اعتراف آخر، طلبوا المغفرة الآن من أبيهم يعقوب، قبل ذلك يوسف ماذا قال؟ (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ) فوراً، ماذا قال يعقوب؟

قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)
[ سورة يوسف ]

يوجد سوف، وهناك السين، سأستغفر بعد قليل، سوف أحتاج إلى وقت، لم يقل: يا ربي اغفر لهم، يعقوب لم يرق قلبه عليهم، الذي عملوه كبير بالنسبة له، غيبوا ابنه عنه سنوات طويلة، مشاعر الأب غير مشاعر الأخ، وحق الأب غير حق الأخ، سيدنا يوسف نبي، وسيدنا يعقوب نبي، فلا نستطيع أن نفاضل بينهما، بل يعقوب نبي والد نبي، لكن سيدنا يعقوب بشر: (قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) أعطوني وقتاً، العمل الذي عملوه كان كبيراً، حق الأب كبير جداً، والذي عملوه كان كبيراً بحق الأب، الأخ يسامح أسرع بكثير، وقد قال بعض العلماء: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) أعطوني وقتاً حتى السحر، أجد الوقت المناسب لمناجاة الله، حتى أتحين الوقت المناسب.
المعنى الأول: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ) لأنه يريد أن يأخذ وقته للمسامحة، والمعنى الثاني بأنه يريد أن يتحين وقتاً يناجي به خالقه في وقت السحر مثلاً كما قال بعض أهل التفسير (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) المغفرة والرحمة.
بقي الآن الدخول الرابع:

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)
[ سورة يوسف ]

هذا الدخول الرابع نرجئه إلى اللقاء القادم.
والحمد لله رب العالمين