تعقيبات الله عز وجل على قصة سيدنا يوسف

  • الدرس السادس عشر: شرح الآيات 102 - 108
  • 2021-10-30

تعقيبات الله عز وجل على قصة سيدنا يوسف

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


الله وحده عالم الغيب:
وبعد؛ مع اللقاء السادس عشر من لقاءات سورة يوسف، ومع الآية الثانية بعد المئة، وهي قوله تعالى:

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)
[ سورة يوسف ]

الآن أهم ما في القصة تلك التعقيبات التي سيعقبها المولى جلّ جلاله بعد أن قص علينا قصة يوسف من مبتدئها إلى منتهاها، قال: (ذَلِكَ) ذلك اسم إشارة، يعني ذلك الذي ذُكر قبل، الذي مرّ بك، بدءاً برؤيا يوسف، وانتهاءً بتحقق رؤيته، وما مرّ بينهما من إلقائه في الجُب، ثم دخوله السجن، ثم تعرضه لفتنة امرأة العزيز التي راودته عن نفسه، إلى أن تحققت الرؤيا.

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا...(100)
[ سورة يوسف ]

كل هذا أجمله الله جل جلاله بقوله: (ذَلِكَ) الذي مرّ بك (مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) أنباء جمع نبأ، عندنا نبأ وعندنا خبر، النبأ ذو أهمية أكثر من الخبر.

عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
[ سورة النبأ ]

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)
[ سورة النمل ]

النبأ شيء عظيم
فالنبأ شيء عظيم، شيء يقيني، شيء مهم، شيء غاب بشكلٍ كلي عن المُخبَر به، تقول: هذا الخبر أعرفه، خبر غير مهم، خبر ليس هذا مكانه، النبأ شيء مهم جداً، فالله تعالى يعبر عن الأشياء المهمة بالنبأ فقال: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) هذا الذي مرّ بك يا محمد صلى الله عليه وسلم، والذي مرّ بنا هذا (مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ)، الغيب كل ما غاب عن حواسك، نحن نعيش في عالم الشهادة، عالم الشهادة شيءٌ تراه بعينك هذا شهادة، تسمعه بأذنك هذا شهادة، تشم ريحه بأنفك هذا شهادة، تتذوقه بلسانك هذا شهادة، تلمسه بيدك هذا شهادة، فكل شيءٍ شهدته بحواسك فهو من عالم الشهادة، أما الغيب فهو ما غاب عن حواسك، والله تعالى قال:

ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)
[ سورة السجدة ]

ولا يُطلع أحداً على غيبه إلا بما شاء جلّ جلاله، والغيب قد يكون غيب زمان وقد يكون غيب مكان، ليس كل غيبٍ غيباً مطلقاً، أي قد يكون الغيب بالنسبة لي شهادة بالنسبة للآخرين، فمن يقف الآن خارج هذا الباب ما يحدث في هذا المجلس غيب بالنسبة له، أما بالنسبة لكم فهو شهادة، أما هو فالباب مُقفل، فبالنسبة له ما يجري في الداخل غيب، فغاب عن حواسه بحاجز المكان، لأنه في مكانٍ آخر، وقد يغيب عن حواسه بحاجز الزمان، زمان الماضي أو المستقبل، ما الذي سيجري غداً؟ لا نعلم، لكن الله يعلم، ما الذي سيجري بعد ساعة من الآن؟ لا ندري، لكن الله يعلم جلّ جلاله، ما الذي جرى قبل مئة عام؟ لا نعلم لكن الله يعلم، فقد يكون الغيب غيب زمان ماض، أو زمان مستقبلي، أو غيب مكان مستقبلي قال تعالى:

الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)
[ سورة الروم ]

أنبأ بغيب سوف يحدث وحدث، لأنه جل جلاله علم ما كان، وما يكون، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فعلم جلّ جلاله غيب الماضي، والحاضر، والمستقبل، والغيب المطلق الذي لا تدركه بحواسك لا أنت ولا غيرك كالملائكة هذا غيب، اليوم الآخر، الجنة، النار، نعلمها بقدر إخبار الله لنا عنها، لكن لا نعلمها مطلقاً لكن نصدق بها لأن المُخبر صادق جلّ جلاله.

اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)
[ سورة النساء ]


قصة يوسف من دلالة نبوة النبي محمد:
(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) هذا غيب الماضي، طبعاً قد يكون اليوم بعض الماضي معلوماً لنا، صار هناك تصوير، وتسجيل، فيمكن أن تسمع اليوم درساً صار بالقاهرة قبل أربعين سنة في مسجد من مساجد القاهرة، تجلس وتشاهد الحضور أو بعض الحضور، فانتقل الغيب إلى شهادة رغم أنه كان ماضياً، بسبب وسائل التواصل الحديثة، لكن عندما يكون الأمر بعيداً جداً لا يوجد تسجيل ولا تصوير فهذا غيب الماضي.
الوحي هو الإعلام بخفاء
فقصة يوسف عليه السلام من غيب الماضي (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) فيها الموحي وهو الله، والواسطة وهي الوحي، والموحى إليه وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) أي ذلك الذي (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) هو (مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ) (نُوحِيهِ إِلَيْكَ) الوحي أحبابنا الكرام؛ هو الإعلام بخفاء، حتى إنه يستخدم للوسوسة، قال تعالى:

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)
[ سورة الأنعام ]

(يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ) بمعنى يوسوس، وقد يكون الوحي بمعنى الأمر.

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)
[ سورة النحل ]

وقد يكون بمعنى الإلهام.

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
[ سورة القصص ]

ألهمناها، لأن أم موسى ليست نبياً، لكن أوحي إليها بطريق الإلهام، وأحياناً الإنسان يقول لك: أنا أُلهمت شيئاً كي أخرج، فخرجت، فبعد دقائق حصل حادث أليم في المكان، لو كنت بقيت فيه لأصابني ما أصاب الناس، ما أدري لماذا أُلهمت أن أخرج، أُلقي في روعي، فالوحي هو كل إعلامٍ بخفاء، أي من حيث لا يدري الباقون تعلم أنت، فيوحي إليك أحدهم بإيماء، الباقي ما انتبه ما الذي حصل، هو أومأ لك أن قم بنا لنخرج، فهو وحي، فكل إعلامٍ بخفاء هو وحي هذا في اللغة، في الشرع هو هذا الوحي الذي يكون من الله تعالى لرسوله عن طريق الواسطة، وهو يكون إعلاماً بخفاء، وبشكل سريع.
(ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) يا محمد صلى الله عليه وسلم (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ)، (لَدَيْهِمْ) لدى يوسف، وإخوته، وامرأة العزيز، والعزيز، وعزيز مصر، ويعقوب (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) طبعاً ورد (أَجْمَعُوا) في بداية القصة:

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)
[ سورة يوسف ]

لكن أيضاً قد ينطبق ذلك على كل من في القصة، يوم أجمعوا أمرهم أن يجعلوه في السجن، ويوم أجمعوا أمرهم أن يخرجوه من السجن، ولما أجمعوا أمرهم أن يجعلوه عزيز مصر، وهكذا (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) المكر كان من النسوة، وكان من أخوة يوسف أيضاً، المكر وهو التدبير بخفاء، أي حاكوا له شيئاً ومكروا به.

وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)
[ سورة آل عمران ]

جلّ جلاله يرد على مكرهم بما يجازيهم به (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) إذاً هذه القصة من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، أنه يرويها لأصحابه كما حدثت، ولا يمكن أن يخبر بها بهذه التفاصيل، حتى تفاصيل النيات (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) أي ما كان معهم أحد حتى النوايا، الأفعال، والأقوال كلها ذُكرت، فهذا لا يكون إلا لمن يعلم السرَّ وأخفى.
فهذه القصة من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.

الإنسان مُخير:
ثم قال تعالى:

وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)
[ سورة يوسف ]

أقل شيء في الوجود يدل الإنسان على الله
ما مناسبة هذه الآية؟ أهل مكة طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يا محمد إذا كنت صادقاً فاقصص علينا من الغيب، قُصَّ علينا قصة يوسف، ما الذي جرى معه؟ فجاء بها كما هي بالتفاصيل، وبالإعجاز البلاغي، وبالإعجاز الإخباري، وبكل ما فيها، ومع ذلك رفضوا الانصياع إلى الحق، لماذا؟ لأن الإنسان في النهاية مُخير، أقل شيء في الوجود يدله على الله إن كان يريد الهداية، وأكبر شيء يبعده عن الله إن كان لا يريد الهداية.
الأعرابي كان يقول: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، والماء يدل على الغدير، أفسماواتٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، ألا يدلان على العليم الخبير؟ الأعرابي لم يكن في وكالة ناسا للفضاء، ولا رأى بالتليسكوب المجرات التي تبعد عنا مليارات السنوات الضوئية، بل رأى أشياء بسيطة بالكون فآمن لأنه أراد أن يؤمن، وهناك من الناس من يجلس في وكالة ناسا للفضاء، ويرى بأم عينه ما يعجز اللسان إلا أن يقول: لا إله إلا الله إذا رأى، ومع ذلك يقول لك: مصادفة، كل هذا حدث مصادفة، كل العقل الذي أُعطيه، وكل الإمكانيات، وكل الدراسات ما قادته إلى الله، لأنه لا يملك قراراً بالهداية، لا يملك قراراً، فالإنسان إذا ملك قراراً بأن يهتدي كل شيء يدله على الله، وإذا رفض في الأصل، طبعاً لماذا يرفض؟ غالباً يرفض، غالباً لا أقول دائماً، غالباً يرفض الهداية لأن الهداية ستعطيه محددات يسير فيها، لن تسمح له الهداية أن يجلس مع أي امرأة، وإنما ستقيده بزوجاته، لن تسمح له الهداية أن يأخذ رشوة، أو أن يتعامل بالربا، ستقيده بالمال الحلال، فالهدى قيد، فالإنسان من غير أن يشعر وبالعقل الباطن لا يريد الهداية لأنها ستقيده، وهو لا يريد أن يتقيد، فيرفض الهداية، والآن مهما رأى من أشياء فإنها لا توصله إلى الله لأنه في الأصل لا يريد الهداية.
(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) فأكثر الناس مقابلها إما أن يكون أكثر أو أقل، أي ليس بالضرورة إذا قلنا: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ) معنى هذا بقي القليل منهم مؤمنين؟ لا، ممكن أن يكون مقابل الأكثر أكثر آخر، وقد يكون أقل (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ)، (وَلَوْ حَرَصْتَ) جملة معترضة (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ) بمؤمنين (وَلَوْ حَرَصْتَ) يا محمد على هدايتهم ، قال تعالى:

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
[ سورة التوبة ]

الحرص ؛ هو شدة الطلب، أي هو يشتد في طلبهم لعلهم يهتدون لكن هم في النهاية مخيرون، لا تستطيع أن تهديهم.

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
[ سورة البقرة ]

الإنسان مخير وليس مسيراً
لأن الإنسان مخير وليس مسيراً، فلو كان مسيراً لأجبرته على الهداية، لكن ما تنفعه تلك الهداية وقد أُجبر عليها إجباراً؟ ماذا ينفع النجاح طالباً قد أُجبر على الدوام إجباراً وهو لا يريد الدراسة في الأصل؟ ماذا ينفعه التكريم في نهاية العام وهو يعلم أنه لا يستحق ذلك؟ لأنه أُجبر، إذا أُدخل لطالب في الامتحان ورقة الإجابة، وقد وُضعت عليها الأسئلة والأجوبة مطبوعةً، وجلس وكتب اسمه فقط، ثم نال العلامة الكاملة، هل يعتز بهذا النجاح؟ مستحيل! هل يعتز أهله بهذا النجاح؟ مستحيل، هل تعتز الجامعة بنجاح طالبها؟ مستحيل، لأن الكل يعلم أنه أُجبر على ذلك، أما عندما يكتب، ويُخير في أن يدرس أو لا يدرس، الآن إذا نجح يعتز بنجاحه هو وأهله، وجامعته، وكل الناس، لأنه فعل ذلك طوعاً واختياراً.
مثال ذلك طالب في المدرسة، سأله الأستاذ: يا بني ماذا يعمل والدك؟ قال له: والدي عنده محل لبيع الورود والزهور الطبيعية، قال له: غداً تُحضر معك باقة زهور، لم نرَ منك شيئاً، يجب أن تحضر معك شيئاً، فالطالب ذهب إلى أبيه غاضباً، قال لوالده: الأستاذ يريد باقة زهور، والده جمع بعض الزهور التي تكاد تتلف، جمعها في باقة وقال له: خذها، في اليوم الثاني جاء وناولها للأستاذ، الأستاذ وضعها على الطاولة أمامه وهو يلقي الدرس، الطالب منزعج ينظر بطرف خفي إلى المدرس وهو منزعج منه لأنه أخذ منه الزهور إجباراً عنه، والأستاذ صغر أمام نفسه، لأنه طلب طلباً ما كان ينبغي أن يطلبه وهو في مكانه، فلا الباقة أسعدت الطالب، ولا أسعدت المدرس لأنها فُعلت إجباراً، جاء الطالب بها إجباراً، لكن لو أن الطالب وجد من أستاذه عناية، وهو يدرسهم ويتعب عليهم، فقال لوالده: يا أبتِ أريد أن أذهب بباقة زهور للأستاذ، فالوالد انبسط وانفرجت أساريره، وجاءه بأحسن الورود، وقال له: خذها لمدرسك، الطالب يجلس في الصف منتشٍ بهديته، والأستاذ يثني عليه خيراً، والطلبة يصفقون له، ما الذي حصل في المرة الثانية؟ الاختيار، فعل ما فعله مختاراً، فالعمل لا يكون له قيمة إلا إذا فعله الإنسان مختاراً.
لذلك: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) إن لم يكن عندهم رغبة في الإيمان فمهما حرصت على ذلك فلن يهتدوا، لأن الله فتح طريق الهداية، وفتح طريق الضلالة، لكن ما أجبر أحداً على الهداية ولا على الضلالة ، (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).

النسيان من نعم الله على الإنسان:

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)
[ سورة يوسف ]

(عَلَيْهِ) أي على القرآن، على الدعوة، على الحق (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) من سمات الرسل أنهم لا يسألون الناس أجراً على عملهم (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) حتى يكون خالصاً لوجه الله تعالى، أي دعوة خالصة، لا أريد منك شيئاً، بل إن الله تعالى وصف الرسل في آيات أخرى:

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)
[ سورة الفرقان ]

النسيان من نعم الله على الإنسان
(لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) أي هم مفتقرون إلى الطعام مثلهم مثل الناس (وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ) من أجل أن يحصِّلوا المال لشراء الطعام، أي يعيشون بين الناس (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) ذكرَ من الذاكرة، من الشيء الذي يتذكره الإنسان، الإنسان كيف يتذكر؟ يقولون: هناك بؤرة الشعور، وحواشي الشعور، البؤرة والحواشي، أنت إذا صار معك الآن حدث مهم جداً يدخل في بؤرة الشعور، تبقى لساعات وربما لأيام إذا كان الحدث مهماً جداً، لا يغيب عن ذهنك لحظة تقول: والله هذا الحدث ما غاب عن ذهني لحظة لثلاثة أيام، كأن يتوفى للإنسان قريب يحبه كثيراً، والده مثلاً، ثلاثة أيام بلياليها، يقول لك: والله ليلاً نهاراً لا يغيب عن ذاكرتي، لماذا؟ لأن الحدث الآن في بؤرة الشعور، أي التركيز عليه بشكل كامل، من نعم الله علينا أن الحدث بعد قليل ينتقل من بؤرة الشعور إلى حواشي الشعور، مثلاً إذا كنت ببركة ماء راكدة وأمسكت حصى صغيرة وألقيتها فتكوّن دوائر، البؤرة هي حيث نزلت الحصى، ثم تنتقل الدوائر إلى الحواشي، فالذي يحصل يقولون: من نعم الله على الإنسان النسيان، أحياناً الإنسان يقع بموقف محرج، موقف محرج لا يريد أن يقع فيه.
سابقاً قبل أن يكون هناك جوالات، أحد الأخوة كان مقتدراً ما شاء الله! فجعل في بيته جهازاً لاسلكياً، فالسماعة عنده وعند زوجته، فإذا أراد شيئاً حتى لا يقوم أمام الضيوف يضغط الزر يقول لها: يا أم فلان حضري القهوة، ويضغط الزر ليطفئ السماعة، عنده ضيوف ضغط: يا أم محمد حضري القهوة، ونسي الزر مضغوطاً، أي ما سيقال عند السماعة سيسمع في الداخل، وخرج إلى أم فلان قال لها: استعجلي، أطالوا الجلوس، وهم يسمعون كلامه، ما أثقلهم! – هذه حصلت وأنا حدثني فيها من شهدها - فلما دخل وجد وجوههم متغيرة فعلم ما الذي حصل، ما استطاع أن يتكلم ولا كلمة أي لا يوجد أي عذر، الأمر واضح، هذا الموقف محرج جداً، فإذا جلست أنت معه كلما تذكره يقول لك: رجف بدني، وقف شعر بدني من هول الموقف، الموقف سيئ، بعد حين ماذا يحدث بهذا الموقف؟ ينتقل من بؤرة الشعور إلى الحواشي، فإذا لم يحدث موقف مماثل، أو شيء يذكره به، لن يتذكره، هذه نعمة النسيان، أما لو أن الإنسان يتذكر كل شيء فهذه مشكلة، فينتقل الحدث من البؤرة إلى الحواشي.
الموت أهم حدث في حياة الإنسان
(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) لأن بعض الأحداث عندك على أهميتها، مثلاً الموت، الموت حدث مهم جداً، هل هناك من ينكر أن الموت أهم حدث سيجري معك في حياتك كلها؟ هل هناك شخص يقول: لا؟ يوجد حدث أهم والله أنا في تجارة، يوجد صفقة إذا ربحتها فهذه عندي أهم من الموت، لا، مستحيل لا يوجد حدث أهم من الموت! أهم حدث سيجري معنا كلنا، في تاريخنا كلنا هو أننا سنموت، سننتقل من الحياة الدنيا إلى الآخرة، لكن أقول: من نعم الله - لكن ينبغي ألا نستغرق كثيراً في هذه النعمة- أننا لا نذكره يومياً، لو كان الإنسان بكل لحظة يتذكر أنه سيموت ربما لا يعمل شيئاً.
لذلك جاء في بعض الخطب التي لا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن معناها جميل، قال: كأن الموت فيها على غيرنا قد كتب، نحن نعيش في الدنيا وكأن الموت مكتوب على أناس آخرين، نحن لا نريد أن نموت، نذهب وندفن الشخص، ونضع التراب، ونرجع إلى عملنا، لكن المؤمن يتذكر الموت بين الحين والأخر، حتى لا يعصي الله ينقل الموت من الحواشي ويعيده إلى البؤرة فيذكر، هذا الذكر.
فقال: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) كأن الهداية، وكأن الحق مركوز في أصل الفطرة، لكن بعد حين ذهب إلى الحواشي، فالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم يذكرانك بالحق فيعيدانه إلى بؤرة الشعور، ترجع وتفكر، الآن حضرنا هذا المجلس الطيب، أعدنا إلى بؤرة الشعور معلومات مهمة جداً لا ينبغي أن نتناساها، أما الإنسان الذي ليس له مجلس علم فهو غارق في المباحات، لن أقول: المعاصي، سأقول: في المباحات، لكن غرقه في المباحات ينسيه الأمور المهمة في الحياة وتذهب إلى الحواشي، يجب أن نعيدها إلى بؤرة الشعور (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) أذكرك بما هو مركوز في فطرتك، ووجوب اتباع الحق، ووجوب الصدق، والأمانة، والخير وإلى آخره.

كلّ حركة في الحياة تذكر الإنسان بالله:

وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)
[ سورة يوسف ]

عندما تقرأ (وَكَأَيِّنْ) أي عدد لا حصر له، فلا أستطيع إحصاءه فأقول: (وَكَأَيِّنْ) أو كم، كم التكثيرية، كم من إنسانٍ جاء إلى هذا المكان؟! أي لا أستطيع عدهم.

وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)
[ سورة آل عمران ]

(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ) أي ما أكثر الآيات التي تدل على عظمة الله، الآية هي الشيء الباهر، المعجز، الدال على العظمة، تقول: فلان آيةٌ في الجمال، آيةٌ في الذكاء، آيةٌ في الشجاعة، (وَكَأَيِّنْ) أي ما أكثر الآيات التي تكون في السماوات والأرض، الشمس آية، القمر آية، الطيور آية، الجبال آية، البحار آية، كلها آيات تدل على عظمة الله.
قال: (يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) معرضون عنها ولا يلتفتون إليها، كل شيء يدلك على الله، لكن هؤلاء ليس في الآية الأولى التي أتيتهم بها وهي قصة يوسف هذه آية أنك جئتهم بالقصة كما جرت، آيات أكبر من ذلك، كلها تدلهم على الله ولم يؤمنوا لأنهم لم يتخذوا قراراً بالإيمان (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) أما المؤمن فكل شيء يلفته إلى الله، كل شيء، استيقظ صباحاً: الحمد لله الذي ردّ إليّ روحي، التفت إلى الله بآية الاستيقاظ، إذا أراد أن ينام: باسمك اللهم أموت وباسمك أحيا، ذكره النوم بالله، باسمك ربي وضعت جنبي، ذكره بالله، إذا لبس لباسه: الحمد لله الذي كساني هذا من غير حول مني ولا قوة، ذكره لباسه بالله، إذا دخل الخلاء: أعوذ بك من الخبث والخبائث، غفرانك إذا خرج من الخلاء، كل حركة في الحياة تذكره بالله، لا يمر على آيات الله معرضاً عنها، وإنما يمر عليها متيقناً بها (يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ).

أعظم أنواع الظلم الإشراك بالله عز وجل:

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)
[ سورة يوسف ]

اتبع الحق ولو كنت وحدك
لا تقل: أنا مع الأكثرية، قل: أنا مع المؤمنين ولو كانوا قِلة، لا تقل: أنا مع الأكثرية، لا تقل كقول من قال: ضع رأسك بين الرؤوس وقل: يا قطاع الرؤوس! لا تضع رأسك بين الرؤوس، ضع رأسك مع المؤمنين الصادقين الصالحين، لا تكن إمعة، أي تبعاً لأحد، اتبع الحق، فأنت الجماعة ولو كنت وحدك، وهم القِلة ولو كانوا مليوناً، الحق هو الجماعة، الحق هو الكثرة، (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) أي (مُشْرِكُونَ) الشرك الجلي ما يفعله كان أهل مكة.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
[ سورة الزمر ]

إذاً يؤمنون بالله، لكن كيف؟ وهم مشركون (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) إذا كان الله قد خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فإذا أردت أن تتوجه، لماذا تتوجه للصنم الذي تعبده من دون الله؟ عجيب! من خلقك؟ الله، من يرزقك؟ الله، من يُطعمُك؟ الله، من يُعطيك الولد؟ الله، إذا أردت أن تدعو من تدعو؟ اللات والعزى!! هذا مقياس عجيب! الشرك هو حالة من التشتت والضياع لا توازيها حالة، هذا المعنى العام لأهل مكة أنهم يؤمنون بالله لكن مع الشرك، والإيمان بالله إن لم يصاحبه التوحيد لا ينجي، قال تعالى:

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
[ سورة الأنعام ]

أي بشرك.

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
[ سورة لقمان ]

أعظم أنواع الظلم أن تشرك بالله شيئاً وهو خلقك جلّ جلاله، لكن يوجد أنماط شرك خفي، لا تخرج من الملة، ولكنها شرك، فمعظم الناس اليوم لا يؤمنون بالله (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) الرياء شرك.

{ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن عمراً خرج إلى المسجد يوماً فوجد معاذ بن جبل عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي فقال: ما يبكيك يا معاذ؟ قال: يبكيني حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة }

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

كما قال صلى الله عليه وسلم، يرائي الناس في صلاته هذا شرك، الطيرة شرك أي التشاؤم، يقول لك: أنا أتشاءم يوم الأربعاء لا أخرج من بيتي شرك، التولة والتمائم شرك يقولك لك: أضع في رقبتي تميمة من أجل أن تحميني وهذا من الشرك، فالشرك كما ورد في الحديث:

{ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا (الحجر) }

[أخرجه البزار في مسنده]

هل أحد منكم يسمع دبيب النمل؟ إذاً هناك شرك خفي.
ويقول سيدنا علي رضي الله عنه: الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء.
أدنى أنواع الشرك أن تحب على جور وأن تُبغض على عدل، شخص ظالم تحبه، لماذا أحببته؟ والله يأتينا منه منفعة كبيرة، أي يوجد منفعة، أحبه رغم جوره، وصديقك فلان لماذا أبغضته؟ والله يا أخي لأنه صعب، كلما نجلس بمجلس هذا حرام، وهذا لا يجوز، كأنه شيخ علينا، أبغضه على عدل، الرجل ما أخطأ معك، الرجل بالعكس يحبك، ربما يكون مثلاً أخطأ الطريقة، ربما، لكن هو في المحصلة أراد بك خيراً، فقال لك: يا أخي لا يجوز لن نصلي إذا أردنا أن نجلس في هذا المجلس، أين ستدخل؟ هذا المكان لا نستطيع أن ندخله، فأبغضه على عدل، لأنه عدل معه وأعطاه شيئاً صحيحاً أبغضه، أو جلس في مجلس يتخاصم مع إنسان فقال له: أنت مخطئ يا أخي، الحق مع فلان أعطه، كان عادلاً في حكمه فأبغضه، يريده أن يقف معه ولو كان ظالماً، هذا أدنى الشرك، فما بالك بأنواع الشرك الرياء وكل ما ذكرناه قبل قليل؟ (الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل) فينبغي أن ننتبه إلى ذلك.
(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) الشرك الجلي والعياذ بالله مخرج من الملة، أن يتوجه الإنسان إلى صنم فيعبده، لكن الشرك الخفي لا يخرج من الملة هو شركٌ أصغر، لكن ينبغي للإنسان أن ينتبه منه، وأن يحاول جهده أن يبتعد عنه، وأن يخلص عمله لله.

الله عز وجل عظيم جليل:
قال:

أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)
[ سورة يوسف ]

الأمن أن تأمن الشيء، ألا تخاف منه (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ) استفهام إنكاري، أي هل يأمن إنسانٌ عذاب الله؟ هل يأمن إنسانٌ أن يأتيه الله؟

أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)
[ سورة الملك ]

لا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون، لا ينبغي أن تأمن، لأن الله عز وجل عظيم جليل جلّ جلاله فينبغي مع حبك له أن تخافه.
لا أجمع على عبدي أمنين وخوفين، من أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، ومن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة.
اختر لنفسك، تحب أن تكون الآن آمناً، كمن يقول: إن لم نصلّ ربك يغفر لنا، ربك الآن لن يحاسبنا من أجل قرشين، جلسة لا ترضي الله الآن ربك غفور رحيم، أمن، يوجد خوف يوم القيامة هيئ نفسك، لأنك سوف تتحاسب، الموقف صعب، أما إذا كنت تخاف في الدنيا قد تعصي لكن بخوف من الله، لا تستمرئ المعصية، لا تقل: ربك غفور، ربك غفور رحيم صحيح لكن.

نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)
[ سورة الحجر ]

الاثنان مع بعضهما.

وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)
[ سورة الأعراف ]


تفاوت الناس في ارتكاب المعاصي:

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
[ سورة الأنبياء ]

نحن لا نقول: إن المؤمن لا يعصي الله عز وجل، نحن لا نتفاوت بين بعضنا، هناك من يعصي، وهناك من لا يعصي، لأن الذي لا يعصي هو محمد صلى الله عليه وسلم المعصوم، لكن نتفاوت في شيئين ؛ هناك من يعصي مئة معصية في اليوم، وهناك من يعصي معصية واحدة بالأسبوع، أو في الشهر.
هناك شيء آخر مهم وهو هناك من يستمرئ المعصية فيفعلها ويقول لك: ماذا فعلنا؟ وهناك من تثقل عليه معصيته فيرجع إلى الله، ويبكي ندماً عليها، هذا التفاوت بين المؤمن وغير المؤمن، فنحن نرجو أن نكون إن شاء الله ممن معاصيهم صغيرة، قليلة، يسارعون إلى التوبة منها.

مشكلة الإنسان غفلته عن الموت:
(أَفَأَمِنُوا) لا تأمن (أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ) غاشية ؛ تغشاهم.

يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)
[ سورة الدخان]

أي يحيط بهم من كل جانب يوم القيامة:

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)
[ سورة الغاشية]

المؤمن أمره كله خير
لأنها تغشى الناس جميعاً، تحيط بهم، الغاشية تعم (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) إما أن يعجل بالدنيا لهم العذاب، وإما أن تأتي الساعة بغتةً، ساعة وفاته، الموت، الساعة هنا الموت، بغتةً ؛ أي فجأة، هناك موت الفجأة، هو للمؤمن رحمة، لأنه لا يمرض، ولا يعاني، فهو رحمة، وإذا أراد ربنا عز وجل به مرضاً أيضاً رحمة لأنه يكفر الخطايا، فالمؤمن أمره كله خير، أما غير المؤمن إن مرض تعذب بمرضه، وإن جاء الموت فجأة بغتة، ولما يصلح شيئاً أيضاً عذاب، فقال: (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أي فجأة، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: بادِرُوا بالأعمال سبعا: هل تُنْظَرون إلا فَقْرا مُنْسيا، أو غِني مُطغيا، أو مَرَضا مُفسِدا، أو هَرَما مُفنِدا، أو موتا مُجْهِزا، والدجالَ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ، والساعةَ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ، ثم قال: إلا وأكثروا من ذكر هادم اللذات بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ }

[أخرجه الترمذي والنسائي]

(أو غِني مُطغيا) الغنى يطغي أحياناً، يخرج الإنسان عن دينه (أو فَقْرا مُنْسيا) الفقر أيضاً مشكلة، ينسيه طاعة الله، يهتم بأمور حياته وينسى (أو هَرَما مُفنِدا) يكبر في السن يعيد القصة مئة مرة في المجلس الواحد، يدخل ابنه يقول له: من أنت؟ (هَرَما مُفنِدا) (أو موتا مُجْهِزا) يأتي الموت فجأة (والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ، والساعةَ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ) بادر، استعجل، ماذا تنتظر؟ الدنيا لا يوجد فيها شيء، لا الغنى ينفع، ولا الفقر، ولا الدجال، ولا الموت، ولا الساعة، استعجل بالأعمال الصالحة، لأن اليوم لك، غداً ليس لك، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، لا تملك إلا هذه اللحظة، فافعل فيها خيراً.
(أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) بغفلة، وهذه مشكلة أن يغفل الإنسان عن الموت فيأتيه فجأة ولما يصلح من شأنه شيئاً.

الدعوة إلى الله مع البيان والتعليل:
قل يا محمد صلى الله عليه وسلم:

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
[ سورة يوسف]

السبيل؛ هي الطرق، والجادة، والسنة، والسبيل تذكر وتؤنث، يقال: هذا سبيل وهذه سبيل، جاءت في القرآن مذكرة، في قوله تعالى:

سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)
[ سورة الأعراف]

فجاءت مذكرة (سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ) ليس لا يتخذوها (لَا يَتَّخِذُوهُ) فجاءت مذكرة، وتأتي مؤنثة، هذه باللغة العربية، والطريق تأتي مذكراً ومؤنثاً، لذلك إذا قال إنسان لك: هذه طريقنا فكلامه صحيح، وإذا قال لك: هذا طريقنا، فهذا صحيح، هذا سبيلي صحيح، هذه سبيلي صحيح، كلمات تذكر وتؤنث.
كل إنسان يأخذ خياره
يا محمد (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي) ما سبيله؟ الدعوة إلى الله (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) أي أنت لا تملك هدايتهم، ولكن تملك دعوتهم، فتُبرئ ذمتك بدعوة الناس إلى الحق لا باستجابتهم إلى الحق، وهذا من رحمة الله بنا، أنت أيها الأب تبرئ ذمتك بتربية أولادك، لا لأنهم أصبحوا علماء، أو أصبحوا صالحين، نوح عليه السلام ما ملك ابنه، وإبراهيم عليه السلام ما استطاع أن يهدي أباه، وامرأة فرعون ما استطاعت أن تهدي زوجها، ونوح ما استطاع أن يهدي زوجته، فالقضية قضية اختيار كل إنسان يأخذ خياره، أنت سبيلك ما هي؟ أن تدعو إلى الله، أن تبين الحق من الباطل، فتبرئ ذمتك.
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ) إذا أحببت أن تقف (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) تمام؟ (عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أو إذا أحببت (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي الدعوة إلى الله تكون على بصيرة، البصيرة غير البصر، البصر بالعين، البصيرة بالقلب، (عَلَى بَصِيرَةٍ) أي بالدليل والتعليل، أي بإسلامنا لا يوجد تقليد، ديننا منع التقليد.

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
[ سورة محمد]

ما قال فقل: لا إله إلا الله (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) العقيدة لا تقبل تقليداً.

وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
[ سورة محمد]

لو كل إنسان يقول: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) المشركون ينجون يوم القيامة أمام الله عز وجل، يقول: قلدنا آباءنا، والمسلم يقول: قلدت آبائي، لم يعد هناك دين.
(عَلَى بَصِيرَةٍ) ينبغي أن يكون الإسلام على بصيرة بالدليل، وبالتعليل، الدليل أي قال الله، وقال رسول الله، والتعليل بيان الحكم، بيان الفوائد، مثلاً:

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
[ سورة التوبة]

لماذا؟ قال: (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) هذا التعليل.

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
[ سورة العنكبوت]

تعليل.
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) فإن كنت متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا شرف عظيم في الآية (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ) وهذه الآية يكتشف بها بعض العلماء على أن هناك دعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، لأنه يقول: (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) فإن كنت متبعاً لرسول الله فينبغي أن تدعو إلى الله، طبعاً تدعو إلى الله ليس معنى هذا أن تقيم درساً كل أسبوع في المسجد لمئة شخص، لا، ليس هكذا، لا، المقصود الدعوة إلى الله التي هي فرض عين أي أن تنطق كلمة الحق، إذا كنت بعملك، مع رفاقك، ببيتك، مع أولادك، مع زوجتك، مع زملائك بالعمل، تتكلم عن فكرة بشكل صحيح، بيّن حقاً، بيّن حكماً شرعياً إذا رأيت شيئاً ليس صحيحاً، هذه الدعوة فرض عين.

تنزيه الله تعالى عن كل نقص:
التسبيح هو التنزيه عن كل نقص
(عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ) سبحان؛ مصدر من سبح، أي: وسبح الله سبحاناً، التسبيح هو التنزيه عن كل نقص، إن قلت: لله ولد، فأنت لم تسبحه وإن أشركت معه غيره فلم تسبحه، وإن قلت: الله عز وجل - عفواً منكم كما يقول بعض العوام - يعطي الحلاوة لمن ليس له أضراس، فأنت لم تسبحه، لأنك اتهمته بعدم الحكمة جلّ جلاله، وإذا قلت: الله أجبر عباده على المعصية، يا أخي الله أجبرني، فأنت لم تسبحه، لم تنزهه عن الظلم، إذا اتهمته أنه يجبر عباده على المعصية فأنت لم تنزهه عن الظلم، فالتسبيح أن الله منزه عن النقائص حاشاه أن يظلم، حاشاه جلّ جلاله أن يفعل فعلاً ليس فيه حكمة، حاشاه جلّ جلاله أن يضيع حق إنسان، طبعاً عندما تسوى الحسابات يوم القيامة، العدل المطلق يوم القيامة، حاشاه جلّ جلاله أن تفعل معروفاً ثم لا يكافئك عليه، نزهه عن النقائص.
(وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي التوجه لله وحده، وليس كما مرّ قبل قليل: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي لست مشركاً مع الله شيئاً من خلقه لا شركاً أكبر ولا شركاً أصغر (وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
بقي ثلاث آيات إن شاء الله نتحدث عنها في اللقاء القادم.
والحمد لله رب العالمين