قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ

  • اللقاء الأول من تفسير سورة المؤمنون: شرح الآيات 1-16
  • 2024-07-06

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزِدنا عِلماً وعملاً متقبَّلاً يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعمل، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات.
وبعد: فمع اللقاء الأول من لقاءات تدبُّر سورة المؤمنون، ومع الآية الأولى وهي قوله تعالى:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
(سورة المؤمنون)


سورة المؤمنون سورةٌ مكيَّة بكاملها:
سورة المؤمنون سورةٌ مكيَّة بكاملها، وقد وَرَد في صحيح مسلم، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ في صلاة الصبح سورة المؤمنون في مكة، فلمّا وصل إلى ذِكر موسى وهارون، سعلَ سعلةً فركع، هكذا وَرَد في الصحيح، فهي نزلت بمكة وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر في مكة.
والحقيقة أنَّ هذه السورة تتحدث عن صفات المؤمنين، وعن الميِّزات التي يتمتع بها المؤمن، وتبدأ بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وقد خُتِمت قبلها سورة الحج، في الآية قبل الأخيرة بقوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ (77)
(سورة الحج)

فناسب ذلك أن تبدأ سورة المؤمنون بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) ففي سورة الحج في الختام (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وهذا رجاء، والرجاء من الله تعالى أمرٌ واقعٌ حتماً، لذلك ابتدأت سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ) بحرف التحقيق (قد) بمعنى أنَّ الفلاح من الله تعالى إذا وعد به فهو واقع.
ثم قال تعالى:

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)
(سورة المؤمنون)

وفي ختام الحج (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) وهي الصلاة والزكاة بطريقةٍ أُخرى، وهذا من المناسبات بين ختام الحج وبداية المؤمنون.

فرقٌ بين الفلاح والنجاح:
إذاً يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) و(قد) حرف تحقيق، بمعنى أنَّ الفلاح محقَّقٌ، والفلاح أصله من الفلح وهو الشَق، وسُمّيَ الفلاَّح فلاَّحاً، لأنه يشق الأرض، ويضع فيها البذرة، ثم يحرث الأرض بعد زراعتها، ثم يتعهدها، فتنمو وتعطي الثمرة، فالفلاَّح مفلحٌ بهذا المعنى، فعندما تحقق الهدف والمقصِد الذي جئت من أجله، فقد أفلحت، فلو درس الإنسان في الجامعة ست سنوات ثم لم يتخرج فهذا ليس فلاحاً، ولو أسَّس أسرةً ولكنها انتهت بالطلاق، فهذا ليس فلاحاً، ولو أنه أنجب أولاداً، ولكنهم كانوا عاقين له في المستقبل وليسوا على الصلاح فهذا ليس فلاحاً، قد يُسمّى ما يصنعه المرء في الدنيا نجاحاً، وفي القرآن ليس هناك نجاح، يتحدث ربنا دائماً عن الفلاح، أفلح، لعلكم تفلحون، فالفلاح هو أن تحقق المقصِد من الشيء، ولا يفلح الإنسان إلا إذا نجا يوم القيامة من عذاب جهنم وأُدخِل الجنَّة، وهذا هو الفوز العظيم، والفلاح الكبير.
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) والإيمان يأتي من التصديق، ويأتي من الأمن

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82)
(سورة الأنعام)

ويقول ربنا جلَّ جلاله:

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
(سورة البقرة)

فالإيمان بمعنى التصديق، فمَن صدَّق فقد آمن، فإذا آمن حقق الأمن الذي هو عدم توقع المصيبة، فهو يرجو مستقبلاً خيِّراً بإيمانه، فرقٌ كبير بين الأمن والسلامة، السلامة أن يمضي يومك دون مشكلة، فقد سلمت، لكن الأمن أن لا تتوقع المصيبة غداً، فالأمن ألّا تتوقع الشر، والسلامة أن تسلم منه حالاً، والمؤمن آمِن

قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
(سورة التوبة)

لأنه مع الله فكل شيءٍ سيأتي لمصلحته، فهِم أم لم يفهم، فهو آمنٌ من هذا الأمر، أمّا غير المؤمن، قلق بشأن مصيره، الموت يقلقه، كلما دنا من الموت وكبر عمره يقلقه تقدم العمر، لأنه سيقدِم على الله تعالى وما أعدَّ شيئاً، أمّا المؤمن حاله كحال بلال، غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه.

{ سمِعتُ عَمَّارَ بنَ ياسِرٍ بصِفِّينَ باليَومِ الذي قُتِلَ فيه وهو يُنادي: أُزلِفَتِ الجَنَّةُ، وزُوِّجَتِ الحُورُ العِينُ، اليَومَ نَلْقى حَبيبَنا مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وفي رِوايةٍ: نَلْقى الأحِبَّةَ، مُحمدًا وحِزبَه، عَهِدَ إلَيَّ أنَّ آخِرَ زادِكَ مِنَ الدُّنيا ضَيحٌ مِن لَبَنٍ. }

(الألباني السلسلة الصحيحة)

فالأمن من الإيمان، والتصديق من الإيمان، والله تعالى يقول: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) فالمؤمن فالح.

صفات المؤمنون:
الآن ما صفاتهم؟ سيعرض ربنا جلَّ جلاله صفات المؤمنين في هذه الآيات، وقد قالوا الصفة قيد، بمعنى لو قلت إنسان، فإنك تعني بها اليوم ما يقرب من ثمانية مليارات شخص، كبير صغير، ذَكَر أنثى، مثقَّف غير مثقَّف، على وجه هذه البسيطة، فإذا ضفت إليها مسلم فقد صغّرت الدائرة إلى مليارين، أي الربع، فإذا قلت عربي فقد نزلت تحت المليار، فإذا قلت مثقف نزلت إلى الملايين، فإذا قلت طبيب نزلت إلى مئات الألوف، فإذا قلت قلبية، نزلت إلى عشرات الألوف، وهكذا، فكلما أضفت صفةً صغرت الدائرة، فالصفة قيد، فلمّا قال ربنا: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) يعني أي إنسانٍ آمَن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى، فهو مفلح، لكن الصفة ستقيِّد، ما كل مؤمنٍ سيفلح الفلاح الذي يريده الله تعالى.
الصفة الأولى:
(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) الخشوع هو السكون

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
(سورة فصلت)

ساكنةً، (فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) فالاهتزاز والنمو، ربت، نمت بعكس الخشوع، الخشوع هو السكون، والخشوع في القلب، فهو سكون القلب، وينعكس سكون القلب على الجوارح فتسكن مع القلب، وقد وَرَد عن سيدنا عمر رضي الله عنه، أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته أو برأسه في صلاته، فقال: " لو خشَع قلبُ هذا لخشَعتْ جوارِحُه " يعبث أي يكرر، داخل صلاته دائماً يعبث، وليس أنه حكّه جلده فحرَّك يده، أو أراد أن يُعدِّل من وضعه، أو نسيَ هاتفه في وضع الرنين فأراد أن يسكته لئلا يزعج المصلين، فهذا كله لإصلاح الصلاة، لكن لمّا أكثر من الحركة في الصلاة دون مُبرِّر، فقال: لو خشَع قلبُ هذا لخشَعتْ جوارِحُه، فالخشوع هو سكون القلب، وينعكس على سكون الجوارح، فيسكن الإنسان بين يدي الله، لأنه يعلم بين يدي مَن يقف، حاله أعظم من حال مَن دخل إلى ملِكٍ من ملوك الأرض، فجلس بين يديه متأدِّباً لا يجرؤ أن يعبث بلحيته، ولا أن يُكثِر من حركاته بين يديه، ولا أن يمد رجليه، فيسكن بين يدي هذا المسؤول، فحال المصلّي في صلاته أعظم من حالك بين يدي ملِكٍ من ملوك الأرض.
فالخشوع هو السكون، والله تعالى ما قال الذين هُم يؤدون صلاتهم، لأن هذا أمرٌ مفروغٌ منه بالنسبة للمؤمن، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ، فمَن تركَها فقد كفرَ }

(أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد)

هي عهدٌ بين المؤمن وربه، فلا يوصَف المؤمن بأنه يؤدي صلاته، لأن الحال عند ذلك يصبح كمن يقول بأنَّ الطالب يأتي إلى المدرسة، بالطبع الطالب يأتي إلى المدرسة، لكن هل هو متفوِّق أم ليس متفوقاً، فالوصف بالشيء المفروغ منه زيادة، وإنما يوصف بالشيء الذي ينبغي أن يكون عليه، فلذلك وصَفَهُم بأنهم يخشعون في صلاتهم لا أنهم يؤدونها فحسب.
ثم يقول المولى جلَّ جلاله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) اللّغو هو كل قولٍ لا طائل وراءه، ولا فائدةً ترجى منه، يجلس بعض الشباب جلسةً طويلةً يتكلمون كلاماً لا طائل ورائه، لو تكلموا في الحرام في العورات، هذا لا يُسمّى لغواً، هذا يُسمّى مأثماً ومغرماً، لو تكلموا في الطاعات، هذا يُسمّى ربحاً وفوزاً، لكن لو تكلموا في أشياءٍ ليست حراماً ولا حلالاً، فإنما ليست محرَّمةً وليست مرجوُّةً أو مطلوبةً، فهذا هو اللّغو، وقالوا: الأفعال أيضاً يطلق عليها اللّغو، كأن يفعل الإنسان شيئاً لا طائل ورائه.
فوصفهم بأنهم يعرضون، الإعراض هو اجتناب الشيء على وجه التحقير له وتركه، يُعرضون عنه لا يلتفتون إليه، فمن باب أَولى لمّا أنه قال: إنهم معرضون عن اللّغو، أن يكونوا معرضين عن الحرام، كقوله تعالى يخاطب الإنسان:

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
(سورة الإسراء)

فلو قال إنسانٌ أنا ما قلت لوالديَ أُفٍّ، وإنما قلت لهما دعوني وشأني، ما شأنكم بي، أنا حُر أفعل ما أشاء، والله تعالى لم ينهاني عن ذلك، نقول له قد نهاك عن ذلك بقوله: (فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ) لأنَّ أقل كلمة وهي خروج النفس فقط، هي التأفُّف، فكل ما فوقها منهيٌ عنه بما يُسمّى عند الفقهاء بقياس الأَولى، من باب أَولى، فهنا لمّا قال: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) فإذاً هُم عن الحرام معرضون من باب أَولى، إذا كانوا يتركون اللّغو، فهم يتركون الحرام، واللّغو لمّا وصف الله نعيم الجنَّة في سورة الواقعة، قال تعالى:

لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
(سورة الواقعة)

في سورة النبأ قال:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)
(سورة النبأ)


المؤمن يُعرض عن اللّغو وعن مجالس اللّغو:
فوصف نعيم الجنَّة بأنه ليس فيه لغوٌ، الأمور الثانية أمورٌ مادية، (حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) نساء حور عين، (وَكَأْسًا دِهَاقًا) لكن أورد بينها أنَّ المؤمن عندما سمَت نفسه في الدنيا، أصبح اللّغو والكذب ممجوجاً عنده، فمن نعيم الجنَّة أنه لم يسمع لغواً ولا كذباً، فمن نعيم الدنيا أن يُعرض الإنسان عن اللّغو، فاللّغو هو كلام لا طائل وراءه، لا يقدِّم ولا يؤخِّر.

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
(سورة فصلت)

فالمؤمن يُعرض عن اللّغو وعن مجالس اللّغو، فلا يقال لسهرةٍ لطيفةٍ ذُكِر فيها اسم الله تعالى، ثم تمازح الناس فيها مزحاً بريئاً، لا يقال عنها لغوٌ، لأنها ذُكِر فيها اسم الله تعالى، لا يقال عن عمل الإنسان في عيادته أو في متجره، أو في تجارته، أو في مكتبه، لا يقال عنه لغوٌ، لأنه يبتغي به وجه الله، لأنه عملٌ له طائل وراءه، لا يقال عن مسامرة الرجُل لأهله، وإدخال السرور إلى قلب زوجته وإعفافها وإحصانها من الحرام، لا يقال عنه لغوٌ، بل يقال عنه إنه إن ابتغى به وجه الله فهو صدقة، لكن يقال عن المجالس التي تُقضى لساعاتٍ ليس فيها ذِكرٌ لله تعالى، وإنما مجرد تداول أحاديث المال والأعمال والسياسة، والأمور التي لا ينفع من علمها شيء، ولا يضر من جهلها شيء، يقال عنه لهوٌ، وقد روِي أنَّ عمر رضي الله عنه، << مرَّ برجُلٍ فقال مَن هذا؟ فقالوا هذا نسَّابا، قال: وما نسَّابا، قال: يعرف أنساب العرب، يعني نقول له فلان، يقول لك أنا آتي لك بنسبه، فقال هذا عِلمٌ لا ينفع من عَلِمه، ولا يضر من جهله>>.
(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) أيضاً لم يقل يؤدون زكاتهم، وإنما قال يفعلونها، والفرق بين أدائها وفعلها، شيءٌ جميلٌ جداً ذكَره الشعراوي رحمه الله في تفسيره، معنىً دقيق جداً، يصطحب نيّة أداء الزكاة منذ بداية عمله، أي هو لمّا يدخل في العمل، يستحضر في داخله أنَّ ما سأجني فيه من ربحٍ، سيكون جزءٌ منه لله، فيبني عمله على هذا الأساس.

الزكاة تأتي من شيئين، تأتي من الطهارة ومن النماء:
لذلك يُطلَب من المؤمن أن يعمل، وأن يسعى لأن يكون مؤدّياً للزكاة، سواءً أدرك ذلك أم لم يدرك، قد يرزقه الله فيؤدي الزكاة وقد لا يرزقه، لكن هو يفعلها، بمعنى أنه يجعلها فعالةً في عمله، فيقول أنا إن شاء الله في آخر الشهر راتبي خمسمائة، سأترك عشر دنانير لله تعالى، من البداية، أو يقول أنا إن شاء الله أرباحي كذا، فإذا استطعت أن أُضاعف جهدي وعملي، فتتضاعف أرباحي في العام القادم، فيتجمَّع معي النصاب، فإن شاء الله في السنة القادمة عندي زكاة مال، فالزكاة هي جزءٌ من كينونة المؤمن، ولا يقول قائلٌ أنَّ هذه الآيات نزلت بمكة وإنَّ الزكاة قد فُرِضت في المدينة، لأن الذي فرض في المدينة هو مقاديرها وأنصبتها، أمّا الزكاة بالمعنى المُطلق، وهو أن يعطي الإنسان فضل ماله للفقراء والمساكين، فهي موجودةٌ منذ فجر التشريع الإسلامي، والزكاة تأتي من شيئين، تأتي من الطهارة ومن النماء

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103)
(سورة التوبة )

الطهارة لأن المال فيه حق، فلا يطهُر إلا بدفع الحق الذي هو فيه، أنت معك مئة، اثنان ونصف ليسا لك، فإذا بقيا في المال فالمال غير طاهر، لا يطهُر المال إلا بدفع الزكاة، إذا بلغ المال النصاب، وينمو المال أيضاً بدفع الزكاة، كيف ينمو؟ ينمو بقانون الربّ جلَّ جلاله، قال تعالى:

وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
(سورة الروم)

الرِبا لماذا يصنعه الإنسان؟ ليربو، ليزيد، الرِبا هو الزيادة، فأنا عندما أُعطي إنسان مئة وأقول له ارجعها مئة وعشرة، فأنا أردت أن أزيد في مالي، قال فلا يربو عند الله (وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ) الزكاة نقص مال (تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) مضاعفة، القانون الإلهي شيء وقانون البشر شيء، فعندما نقول الزكاة نماء، سينمو المال لأن الله يريد له أن ينمو، وينمو المال أيضاً بطريقةٍ يعرفها الاقتصاديون، أنَّ الإنسان عندما يدفع زكاة ماله، فتنمو القوة الشرائية عند الناس، فيعود الفقراء للشراء منه، فتتحرك دورة الحياة، فينمو المال.

معنى وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ:

وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
(سورة المؤمنون)

الفُروج: جمع فرج، وهو سوءة الرجُل أو سوءة المرأة، أي العورةُ المُغلَّظة، حافظون: أي يحفظونها بمعنى يمنعونها إلا في ما خُلِقت لأجله، فلا يكشفونها، ولا يجعلونها أداةً لارتكاب مُحرَّم، (لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ).

إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)
(سورة المؤمنون)

(إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ ) مع زوجته، (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) ملك اليمين، (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) فلا يلام الإنسان، مبدئياً لا يلام، على عدم حفظ فرجه، فهذا مباح لزوجته، أو لملك اليمين، لكن لو أنه ابتغى وجه الله، فإنه لا يقال لا يلام فقط، وإنما يؤجَر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ أنَّ ناسًا من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا رسولَ اللهِ ! ذهب أهلُ الدُّثورِ بالأجورِ ، يُصَلُّون كما نصلي ، ويصومون كما نصومُ ، ويتصدقون بفضولِ أموالِهِم ، قال : أَوَلَيْس قد جعل اللهُ لكم ما تَصَدَّقُون ؟ إن بكلِّ تسبيحةٍ صدقةً ، [ وبكلِّ تكبيرةٍ صدقةً ، وبكلِّ تهليلةٍ صدقةً ، وبكلِّ تحميدةٍ صدقةً ] ، وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ ، ونهيٌ عن منكرٍ صدقةٌ ، وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ ! قالوا : يا رسولَ اللهِ ! أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجرٌ ؟ ! قال : أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ ؟ [ قالوا : بلى ، قال : ] فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له [ فيها ] أجرٌ ، وذكر أشياءَ : صدقةً ، صدقةً ، ثم قال : ويُجْزِئُ من هذا كلِّه ركعتا الضُّحَى }

(أخرجه مسلم )

لكن مبدئياً غير مُلام لأنه بالحلال، فلا لوم في الحلال، الزوجة واضحة، امرأة عقد عليها الإنسان، عقداً صحيحاً شرعياً، خالياً من الموانع، مستحضِراً لشروطه، فهي زوجته، فتباح له، إلا ما حرَّم الشرع عليه في علاقته بزوجته.

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
(سورة البقرة )

الموضع الحرث، وفي حالة غير العذر الشرعي.

ملك اليمين:
ملك اليمين: هي المرأة التي كان أمرها بيعاً وشراءً، الأَمة، التي تباع وتشترى، أو أسيرة الحرب، التي أُسرت في الحرب، فتملّكها الجنود فأصبحت مُلكاً لليمين، هذه ملك اليمين، لم يعد لها وجود اليوم، الحكم موجود، الحكم لم ينسى، هناك فرقٌ بين الحكم غير موجود، وبين الحكم موجود لكنه مُعطل لعدم وجود أرضية له في الواقع، يعني الحُكم يطبَّق على شيء، الصلاة واجبة لأن هناك إنسان يُصلّي، فالوجود متعلق بوجود شيء يجب عليه.
سيدنا عمر رضي الله عنه، كثير من الخطباء يقولون إنَّ عمر رضي الله عنه ألغى حكم المؤلفة قلوبهم، الزكاة تعطى لثمانية أصناف، أحد الأصناف المؤلفة قلوبهم، أي الأشخاص الذين دخلوا في الإسلام حديثاً، فنريد أن نتألف قلبهم ليحسُن إسلامهم، فنعطيهم من الزكاة نتألف بها قلبهم، سيدنا عمر لم يلغي الحكم، عطَّل تطبيقه، لأنه لا يوجد مؤلفةٌ قلوبهم في عهده، الفتوحات انتشرت، والإسلام عمّ، فلم يعد عنده أشخاصٌ يطبِّق عليهم هذا السهم فأوقفه، ولكن لم يوقف الحكم بل أوقف تطبيق الحكم، أمّا الحكم موجود.
بالمناسبة أيضاً يقولون إنَّ سيدنا عمر رضي الله عنه أوقف حكم قطع اليد في عام الرمادة، لم يوقف الحكم، بل عطَّل تنفيذه عملاً بنَص رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ ادرؤوا الحدودَ بالشُّبهاتِ }

(الألباني إرواء الغليل)

فلمّا وجد هناك شُبهةً كبيرة وهو أنَّ الناس جائعة، فقطع اليد والناس جائعة تريد أن تأكل وتشرب، لا ينبغي وفق (ادرؤوا الحدودَ بالشُّبهاتِ) فعطَّل تطبيق الحد بموجب نَصٍ آخر، وجعل العقوبة تعذيرية في هذا العام، بحيث يعاقِب السارق لكن لا يقطع يده، فسيدنا عمر فقيه، لا يمكن أن يوقف حكماً من أحكام الله، لكن من فقهه عطَّل هذا الحكم لأنه لا وجود له على أرض الواقع.
فملك اليمين، الحُكم قائم، ولو وجِد له في المستقبل أرضيِّة يعود تطبيقه، لكن حالياً توافقت الأمم على أنه ليس هناك إماء، طبعاً للأسف الشديد نقول ذلك، أنَّ الأمم اليوم أصبحت تُستعبَد بالجملة، الاستعباد لم ينتهي، لكن أخذ صوراً جديدة للأسف، اليوم يستعبدون أمماً بالجملة، لكن قضية الإماء وملك اليمين أوقفت، الإسلام لمّا جاء، ملك اليمين كان قائماً، لا يقول قائل إنَّ الإسلام شرع ملك اليمين، الإسلام وضع قواعد للتعامل مع العبيد ومع الإماء، والقواعد هي حاجةٌ لا بُدَّ منها، لتنظيم الأمر، وإنهائه بالطريقة الصحيحة، فملك اليمين موجود، و أُمم الأرض جميعها كانت تتعامل بالإماء، فبالحرب عندما يؤسَر هذه ملك يمين، إماء، سمِّها ما شئت، الإسلام سمّاها ملك اليمين، فلا يُعقل أن نؤمنهم على نسائهم وهُم يستبيحون نساءنا، فمن باب المعاملة بالمِثل.
الإسلام وضع قواعد للتعامل مع ملك اليمين، تكون لرجُلٍ مُعيَّن، تعيش في بيته وتحت سلطانه، ويحميها الإسلام من الوقوع في الحرام، فتصبح شبيهةً بالزوجة، فإذا ولدت وأصبحت أُم ولد، أخذت حريتها بولدها، فهو طريقٌ نحو تحريرها، وطريقٌ نحو إدخالها في مدرسةٍ داخلية لترى عدالة الإسلام، كثيرٌ من أمهات الخلفاء، وزوجات الخلفاء بني أُمية كانوا في الأصل من الإماء، لكن الإسلام لم يسلبها مكانتها ولا كرامتها بذلك، وإنما قدَّر أنها امرأة، تعيش في بيت رجُلٍ متزوج، وتعلم من واقع الحال أنَّ النساء، الزوجة أو الزوجات يعشنَ مع زوجهم بالوضع الطبيعي، وهي أصبحت الآن ليس لها أي شيء، ولا زوج ولا أحد، فلا بُدَّ من تحصينها، اعترافاً بحاجتها لذلك، لا يُنكِر ذلك عاقل، فوضعها الإسلام في بيئةٍ مسلمة، ترى عدل الإسلام، ترى كيف يتعامل الرجُل، حتى نهى الإسلام فقال:

{ لا يقولَنَّ أحدُكم عبدي وأمتي ولكن ليقُلْ فتاي وفتاتي }

(الشوكاني فتح القدير)


الإسلام سهل عملية التخلص من العبيد من خلال عتق الرقبة وفك الرقبة:
حتى باللفظ لا تقل عبد، كلنا عباد لله عزَّ وجل، وبدأ يُسهِّل عملية التخلص من العبيد، فجعل عتق الرقبة وفك الرقبة

فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
(سورة البلد)

حلفت يميناً أعتِق رقبة، ظهرت من زوجتك أعتِق رقبة، قتل خطأ أعتِق رقبة، فبدأ بالإعتاق بطريقةٍ صحيحة، حتى وصل الأمر إلى أنه يمكن أن يُعتَق عبدٌ فيقول اتركني عندك عبد لأن الحياة الكريمة التي أعيشها داخل بيتك، والتي هي عبد بالاسم فقط، أفضل من العيش في هذا المجتمع السيّء، وصل الأمر لذلك في بعض البيوتات، فملك اليمين ليست شريعةً إسلامية، ملك اليمين هي حالةٌ قائمة، وضع لها الإسلام ضوابطها، والله تعالى يقضي ما يشاء، وهو الأعلم والأخبر بشؤون عباده.

فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)
(سورة المؤمنون)

فمن طلب وراء ذلك، وراءه: أي بعده، غيره (فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) أي المتجاوزون للحدود التي حدَّها الله تعالى، ولك أن تفهم من قوله تعالى: (فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ) هذا اللطف في الخطاب، وذاك الذوق العالي، وذاك الأدب الرفيع.
فأدخل كل الممارسات المحرَّمة التي تكون في غير العلاقة الصحيحة مع الزوجة أو مع ملك اليمين في قوله: (فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ) بدأً بالاستمناء وانتهاءً بالزِنا والفاحشة والشذوذ، وكل العلاقات المنحرفة، لخَّصها (فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ)، (فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) أي المتجاوزون لحدود الله، كلٌ بقدر تجاوزه، فالزِنا فاحشة، وأن يأتي الرجُل الرجُل فاحشةٌ أكبر، وغير ذلك، (فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المتجاوزون للحدّ.

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)
(سورة المؤمنون)


الأمانة وأعظم الأمانات أمانتك مع الله:
الأمانة هي ما يؤتمن عليه الإنسان أن يؤديه، والأمانات جاءت جمعاً لأن لكل شيءٍ أمانة، وأعظم الأمانات أمانتك مع الله.

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
(سورة الأحزاب)

فهل حملت الأمانة حقاً؟ فعبدت الله وأتيت ما أمر وانتهيت عمّا نهى عنه وزجَر، ثم لكل عملٍ أمانة، فعملك أمانة، فهل تنصح أم تغش، الطبيب هل يعامل المرضى بالأمانة أم يعاملهم بالخيانة، والمحامي هل يوهم الخصم لديه بأنَّ القضية رابحة وهو يعلم يقيناً أنها خاسرة، أم يوضح له الحقيقة كاملةً، والتاجر هل يبيع البضاعة بسعرٍ معتدل ويوضِّح عيوبها إن كان بها عيوب، إلى آخره....
فالأمانة مفهومها واسع، والمعلِّم في صفه هل يعطي الوقت كاملاً للطلاب، هل يصحِّح واجباتهم، هل يراعي ضعف ضعيفهم، وقوة قوِّيهم، إلى آخره، فهذه أيضاً أمانة المهنة، وللمجالس أمانة، فإذا حدَّث الرجل بشيء كما قال صلى الله عليه وسلم ثم التفت فهي أمانة

{ إذا حَدَّثَ الرجلُ الحديثَ ثم التَفَتَ فهي أمانةٌ }

(أخرجه الترمذي وأبو داوود وأحمد)

من غير أن يقول لك، لكن لمّا قال لك سأخبرك شيئاً ثم التفت وكأنه يشير إليك إلى أنه يريد أن يتأكد أن لا أحد يسمع، فهذه أمانة المجالس، فالمهنة أمانة والمجلس أمانة والإيمان أمانة، وكلها أمانات فجمعها فقال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ) البعض يتوهم أنَّ الأمانة أن إنساناً قد سافر فوضع عندك مئة فرجع فأعطيته إياها، هذا جزءٌ من الأمانة لكنه ليس كل الأمانة (وَعَهْدِهِمْ) العهد هو ما يعاهد الإنسان به ربَّه أو يعاهد به الخلق، على فعل شيءٍ أو تركه، فينبغي أن يرعى ذلك، (رَاعُونَ) أي ملتزمون بأماناتهم وعهودهم حافظون لها يرعونها حق رعايتها ويلتزمون بها.

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
(سورة المؤمنون)

الآن جاء بالصلوات بالجمع، (عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) فبدأ بالصلاة وختم بالصلاة، لأنها أول الأمر وآخره، ورأس الأمر وعموده، ولأنها المعوَّل عليها، ولشدة أهميتها بدأ بالخشوع بها وهو الأهم، وأنهى بالمحافظة عليها، بمعنى أن تؤدى في أوقاتها التي أمر الله تعالى بها، وعلى الهيئة التي أرادها الله تعالى، قال:

أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)
(سورة المؤمنون)


من هُم الوارثون:
أي المستجمعون لتلك الصفات السابقة (هُمُ الْوَارِثُونَ ) والوارث هو الذي يأخذ حقاً من غير عقدٍ ولا هبةٍ، أنت عندما يصلك شيء، إمّا أن يصلك بعقد بيع، تشتري سيارة، توقع عقداً، تُعطي الثمن، تأخذ السلعة، أو هبةً، تنجح في الامتحان فيأتي لك والدك بهاتفٍ نقّال، فأنت تتملك الشيء عقداً أو هبةً، لكن الحق الذي تتملكه بغير عقدٍ ولا هبة هو الميراث، وسُئل أحد الصالحين فقيل له لمّا ورِث كيف تملكت هذا المال؟ هل تملكته بعقد؟ قال: ليس هناك عقد، قال: هل أحدٌ وهبك إياه، قال: لا، قالوا فأين العقد؟ قال: قوله تعالى:

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)
(سورة النساء)

فقالوا أعظم العقود هو عقد الميراث، لأن الله تعالى جلَّ جلاله هو الذي عاقد عليه، فهو الذي وهبك إياه، وهو الذي أعطاك إياه، فلذلك الميراث من أعظم الحقوق عند الله تعالى، (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) فلا يتجرأ إنسان على أن يقول أُعطي البنت ولا أُعطي الذكَر، أو أُعطي الذكَر ولا أُعطي الأنثى، أو يتلاعب بالميراث قبل موته فيقول: ليس عندي ذكور وسيرث إخوتي منّي فسأُسجِّل كل أملاكي لبناتي، هذا تلاعب بالحقوق، ولا يقولنَّ أب أنا ابني كان عاقَّاً فسأحرمه من الميراث، القضية ليست عقوقاً وبِرّاً، القضية قضية حق له، عاق أم بار سيحاسبه الله تعالى على عقوقه، أمّا حقه لا تمنعه إياه بعقوقه، ولا تزيده ببره، طبعاً النفس مبنية على حب من أحسن إليها، فالإنسان حر التصرف بماله، فلو كان ابن يأتي إليه يومياً، فأتى له بهديةٍ مرةً ومرتين وعشرة، فهذا لا شيء فيه، لكن أن يقول سأُسجِّل لك البيت كله والمعمل كله لأن أخاك لا يزورني في مرضي، هنا المصيبة، على كلٍ فالميراث أمرٌ مهمٌ جداً، فقال: (أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ) لكن ما هذا الميراث؟ قال:

الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
(سورة المؤمنون)

كيف الميراث تأخذه من غير جهدٍ منك، ألا يقول العوام ولد وفي فمه ملعقةٌ من ذهب، لا يوجد جهد، أمّا أحياناً الإنسان يتعب كل عمره ليبني ثروةً، يأتي آخر والده كان صاحب ثروةً، أو عمّه وليس له أولاد، فجأةً يرِث، فالميراث لا جهد فيه، فما الذي قدَّمناه نحن لله تعالى حتى أعطانا الجنَّة؟ ولا شيء، فقال: (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ففيها البقاء الدائم.

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12)
(سورة المؤمنون)


معنى (مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ):
سلالة: أي خلاصة، يعني من أجود الطين، إذا أمسكت الطين بيدك وقمت بعصره، يخرج من بين الأصابع خلاصته، وتبقى الشوائب في الداخل، هذه هي السلالة، (مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ) آدم عليه السلام، طين: أي ماءٍ وتراب.

ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13)
(سورة المؤمنون)

آدم من تراب، ثم الخلق تناسلوا عن طريق النطاف، فالنطفة جُعلت في قرارٍ مكين، والنطفة وضِعت في السائل المنَوي، ثم تجعل (فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ) والقرار: الذي يستقر به الشيء، ومكين: أي آمن، فقد أحاط الله الرحِم بعظام الحوض لتحميه، وجعلها في الوسط الهندسي للمرأة، والوسط دائماً هو القرار، (فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ) أي في الرحِم.

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
(سورة المؤمنون)

تحولت النطفة إلى علقة، تعلق بجدار الرحِم لتأخذ الغذاء من الرحِم، (عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) بحجم المُضغة التي تُمضغ، وعلى شكل المُضغة، وفي آياتٍ أُخرى وضَّح:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
(سورة الحج)


(فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) هذه الآية أصلٌ في أنَّ العظام يُخلق قبل اللحم:
المُخلَّقة تأخذ أشكال الجسم، اليد والرجل إلى آخره... (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا) اشتدَّت وأصبحت عظاماً، (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) وهذه الآية أصلٌ في أنَّ العظام يُخلق قبل اللحم، على خلاف ما كان يقوله الطب القديم في أنَّ اللحم قبل العظم، فالخلايا العظمية أولاً، ثم تُكسى باللحم كسوةً، (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ) (ثم) للتراخي، وهي فترة الحمل، التي تمتد لتسعة أشهُر، حتى ينمو الجنين بشكلٍ طبيعي داخل رحم الأم، (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ) داخل الرحِم خَلق من نوع، وخارج الرحِم خلقاً آخر، داخل الرحِم لا يقوى على التنفس، ولا على إخراج الفضلات، ولا على أخذ الغذاء بنفسه، فخلقٌ مختلف، قال: (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ) وجعل رأسه يخرج أولاً حتى يبدأ فوراً بالتنفس، فإذا الطفل لم يوجه رأسه للخروج، تُجرى العملية قيصرية، لأن هناك مشكلة لا يمكن أن يتنفس بشكلٍ صحيح، أول شيءٍ يفعله الخلق الآخر يبدأ بأخذ الهواء، هو داخل الرحِم لا يتنفس إلا عن طريق أمه، (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) تبارك: أي عمَّ فضله وخيره، وزاد إحسانه وفضله، (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) وهل هناك خالقٌ غير الله أحسن الخالقين؟ بالمعنى الحقيقي لا خالق إلا الله، لكن بالمعنى المجازي وهو خلق شيءٍ من أشياء، الإنسان يفعل ذلك، فيُنشئ الطاولة وقد يُسمّى هذا خلقاً، لكن هل هو خلق من عدم؟ لا، الخشب من خلق الله، وهو جعله طاولة، فالله أحسن الخالقين لأنه يخلق من عدم، ولأن خلقه لا يحتاج إلى تطويرٍ ولا تعديل، فليس عندنا إنسانٌ نسخة ألف وثمانمئة وستون، وإنسان ألف وتسعمئة وستون، نسخة واحدة، (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).

ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
(سورة المؤمنون)

أين الحياة؟ (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ) خرج الجنين (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) ثم نما وكبر، ثم تكلم ودخل إلى المدرسة، ثم تخرَّج واحتفلوا به، ثم تزوج وأنجب، ثم كبر وأصبح جد، أحفاد، ثم هرِم ورُدَّ إلى أرذل العمر فمات، نحن كل تركيزنا هنا، نحن نرى الحياة كلها، وربنا عزَّ وجل لم يتكلم عن هذه القصة، (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ) لأن هذه النقطة صغيرة جداً، التي نتشاجر عليها نحن هي صغيرة جداً، الحياة ما بعد الموت، فأغفلها (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ) ما نهتم له ونكثر من الحديث عنه، هو في الحقيقة نقطة في بحر، (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ) وأكَّد، (إنَّ) و(اللام) مؤكِدَين، (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ) (ثم) للتراخي، هذه الحياة، ل للتوكيد (لَمَيِّتُونَ) لمّا قال:

ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
(سورة المؤمنون)


ما من يقينٍ أقرب إلى الشك من الموت:
مؤكِد واحد إنَّ، لم يقل لتبعثون، حسناً البعث أو الموت؟ الحقيقة أنَّ الناس إذا أتيت للواقع، للفعل وليس للقول، هُم في إنكارهم للموت أعظم من إنكارهم للبعث، لذلك قالوا: ما من يقينٍ أقرب إلى الشك من الموت، وما من يقينٍ يتعامل الناس معه على أنه شكٌ كالموت، هو يقين، تقول له سوف تموت، يقول لك طبعاً سأموت، وفي الواقع يأكل الرِبا، والواقع تارك صلاته، متى شك؟ لو يقين فيجب أن تعمل له، فهذا يقين أقرب للشك، كأن الموت ورَد في بعض الخطب التي نُسبت للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان في سندها ضعف، قال: " كأن الموت فيها على غيرنا قد كتب" نحن نذهب للعزاء ونودعه ونأخذه وندفنه، نخرج من المقبرة ونعود لحياتنا وكأن لا شيء، ولا يخطر ببالنا أننا سنكون مكانه، نقول أنتم السابقون ونحن اللاحقون، لكن في الواقع ما عندنا اليقين بالفعل، فأكده المؤكِدَين (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ) الموت حقٌ من الله، أنا أقول هي لها مزية ولها سيئة، يعني يقيننا الأقرب إلى الشك بالموت، مزيته أنه لو تحول إلى يقينٍ حقيقي بالواقع وليس بالقول، بالقول إذا ما تحوَّل إلى يقينٍ حقيقي هناك مشكلة بالإيمان، يعني إذا إنسان قال لك أن لن أموت، هذا عنده مشكلة بإيمانه، أو بعقله، أقول بالفعل لو تحوَّل إلى يقين بالفعل لربما توقف الإنسان عن العمل، يعني لم يعد يُطيق حياةً، لم يعد يُطيق جلسةً مع زوجته، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ إني أرى ما لا تَرَوْنَ وأسمعُ ما لا تسمعون أَطَتِ السماءُ وحقٌّ لها أن تَئِطُّ ما فيها موضعُ أربعِ أصابعَ إلا وملكٌ واضعٌ جبهتَه للهِ ساجدًا واللهِ لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا وما تلذَّذتم بالنساءِ على الفُرُشِ ولخرجتم إلى الصُّعداتِ تجأرونَ إلى اللهِ لوددتُ أني كنتُ شجرةً تُعْضَدُ }

(أخرجه ابن ماجه والترمذي وأحمد)

فحتى نُعمِر الأرض، وتستمر الحياة، ونتزوج، وأولاد، ونعيش، لا بُدَّ من هذه الفجوة بين الواقع واليقين، لكن متى تكون سيئة؟ عندما يكون هذا الواقع فيه معاصٍ وآثام، فيصبح هذا اليقين بالموت بالكلام بلا أي قيمة (ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) للحساب والوقوف بين يدي الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.