ثلاثية الإيمان من سورة الأعراف

  • تدبر القرآن الكريم - آيات متفرقة
  • 2022-08-15

ثلاثية الإيمان من سورة الأعراف


مقدمة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يارب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، وبعد:
في الآية الخامسة والثمانين بعد المئة من سورة الأعراف يقول تعالى:

أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)
(سورة الأعراف)

هذه الآية من الآيات الجامعة التي فيها معانٍ عظيمة، لا سيما وأن ختامها (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) يعني إن لم يكن الإيمان عن هذا الطريق، فلا يوجد إيمان، وكأن الله في هذه الآية يرسم طريق الإيمان، دائماً كنا نقول: الإيمان أولاً، وكان الصحابة الكرام يقولون:

{ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا }

(رواه ابن ماجه)

فلما جاء القرآن الكريم صارت الأوامر سهلة التنفيذ، الإنسان عندما يكون الإيمان في قلبه قوياً تقول له: هذا حرام، يقول لك: سمعاً وطاعة تقول له: هذا واجب يقول لك: سمعاً وطاعة،

{ عن يوسف بن ماهك، قال: إني عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي، فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك، وما يضرك؟ قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك؟ قالت: لم؟ قال: لعلي أولف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأت قبل؟ إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا }

(صحيح البخاري)

لكن لما تركّز الإيمان في القلوب، استجاب الناس للأمر، واستجابوا للنهي.
بمعنى آخر: دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، قضى منها ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنوات في المدينة، المرحلة المكية والمرحلة المدنية، نحن بحاجة إلى المرحلة المكية، والمرحلة المدنية معاً، المرحلة المكية مرحلة بناء الإيمان، المرحلة المدنية مرحلة الأحكام، قلَّ أن تجد في مكة أحكاماً، السور الطوال المدنية التي فيها آيات المداينة والطلاق والنهي عن الربا، والتحذير من الغيبة...إلخ كلها نزلت في المدينة، لكن الآيات التي نزلت في مكة قبل الهجرة، المرحلة المكية كانت تثبيت إيمان، تعريف بالله، نظر في ملكوت السماوات والأرض، مظاهر اليوم الآخر، الجنة، النار، حتى تتعلق القلوب بالله، تتعلق بالإيمان، ينمو الإيمان في داخلها، الآن يأتي الأمر سهلاً.

الوازع والرادع:
تعلمون أن الخمر حُرمت في المدينة، فلما نزل:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)
(سورة المائدة)

أفرغوا كل ما في آنيتهم من خمر، هذا الإيمان لكن في الاتحاد السوفيتي سابقاً أرادوا ببعض السنوات تحريم الخمر تحريماً بشرياً جنّدوا الأساطيل الجوية والبحرية ومنعوا الإعلان عن الخمور لثلاث سنوات، ثم ازدادت نسب الذين يشربون الخمور، فعادوا إلى السماح به بعد منعه، التشريع الأرضي دائماً يعتمد على الرادع، يعتمد على قوة خارجية، قانون، كاميرا مثبتة تمنع المواطن من تجاوز إشارة المرور، يقول لك: المكان مراقب بالكاميرات، انتبه، ابتسم الكاميرا تراقبك، فالتشريعات الأرضية كلها تعتمد على الرادع، بينما التشريعات السماوية كلها تعتمد على الوازع، الوازع ينبع من الداخل، الرادع من الخارج، الرادع يضبط الناس لا شك، وأحياناً نحتاج إلى الرادع، القوانين مهمة جداً، البلاد التي ليس فيها قوانين تأكل الناس بعضها بعضاً، إذ ليس كل الناس يتمتعون بالمستوى الإيماني نفسه، فنحن بحاجة إلى الرادع لا أنكر، لكن كثير من أمور حياتنا لا تستقيم بالرادع، أنت لا تستطيع بالرادع أن تمنع الإنسان من إطلاق بصره، لا تستطيع بالرادع أن تمنعه من تناول الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في شهر من السنة، لا تستطيع بالوازع فقط أن تمنعه من غيبة الناس، ما القوانين التي تمنع من الغيبة؟ فلا بد من الوازع، الوازع ينبع من الداخل مع الإنسان، لا يحتاج إلى قوة تراقبه لأنه يراقب الله تعالى في تصرفاته، فالإيمان ينمّي الوازع، الإيمان يعتمد على الوازع الداخلي، لذلك لمّا تأتي الأحكام الشرعية يستجيب لها لوازع من داخله، إرضاء لخالقه، ولو لم يكن هناك من يراقبه، فهذه الآية:

ثلاثية الإيمان في سورة الأعراف:
(أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) واحد (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ) اثنان (وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ثلاثة.

أولاً: النظر في ملكوت الله عز وجل:
كلما توسع ملك الإنسان تتوسع قدرته
هذه الثلاثية: أولاً النظر في ملكوت الله عز وجل: عموماً اليوم إن كنت تجلس مع إنسان ما من أهل الأرض، وأشار إليك أحدهم أن هذا الإنسان يملك نصف عمان فرضاً، من الأراضي تختلف نظرتك له، لا تستطيع إلا أن تنظر إليه بمنظار مختلف لأنه مالك، كلما توسع ملك الإنسان تتوسع قدرته وعلمه وسطوته، الملك تعالى إذا ملك الإنسان شيئاً كلما توسعت دائرة ملكه حاز على تقدير الناس بشكل أكبر، هذا بدنيا الناس (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) السماء والأرض بمن فيها وما فيها وما فيهما ملك لله تعالى، ونحن قبل أسابيع الصورة التي انتشرت بالمرصد الذي رصدته وكالة ناسا للفضاء، الصورة عبارة عن أضواء بسيطة كأنه مفرقعات نارية كما يقال، نقاط، نقاط، نقاط، عندما نشروا الصورة قالوا هذه حبة رمل من الكون، حبة رمل وُضعت على إصبع ومدّ يده فقط بمقدار ذراع، هذه الصورة هي حبة رمل بالنسبة للكون على امتداد ذراع واحد فقط، هذا ما وصلنا إليه، فما هو الكون إذاً!

وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)
(سورة الذاريات)

(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) توسّع الكون هو ما يشهده العلماء اليوم في حل هذا اللغز والبحث عما وراءه، توسع الكون، والله تعالى قال: (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) فأنت إذا التقطت صورة من الكون فانتشرت وأقيمت الدنيا ولم تقعد وهي مقدار حبة رمل على امتداد ذراع إنسان فقط، وما وراءها لا نعلم عنه شيئاً، ثم إن هذه الصورة الملتقطة في لحظة الالتقاط، أما هذه النجوم التي تظهر فيها فأين ذهبت؟ وأين هي الآن؟ هي تجري:

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(38)
(سورة يس)

وكل شيء في الكون يجري، ويسير فأين هي هذه النجوم التي نراها بأعيننا؟ الله أعلم أين مكانها الآن، لكن عندما التقطت الصورة كانت قد وصلت إلينا، وصل إلينا الضوء، أما أين هي الآن الله أعلم.
فإذاً: هذا الملكوت في السماوات، في الأرض: البحار بما فيها، الأنهار بما فيها، الكائنات، هذا ملك الله، الله تعالى يملك الأشياء خلقاً وتصرفاً ومصيراً، ملك الإنسان ملك ناقص، نحن نملك والله تعالى من فضله علينا وعلى الإنسان أن جعل له ملكية، الإنسان يملك، وتُحترم ملكيته، بمعنى أنه إذا سرق إنسان منه يُعاقب، وإذا غشه يُحاسب، وإذا اغتصب أرضه تُرفع دعوى ضده، الإنسان الله ملّكه، الله هو المالك وجعل لك ملكاً، القطة لا تملك شيئاً، لا يوجد قطة تقول هذه الأرض ملكي، من كرامة الإنسان على الله أنه جعله يملك فأقول لك اليوم: هذا البيت ملك والحمد لله ليس أجاراً، والسيارة ملك، وعندي أرض والحمد لله مُلك، وكان من أدب بعض الأعراب إذا سُئل لمن هذه الأرض؟ يقول هي لله في يدي، يعني يدي عليها يد أمانة ليست يد ملك، إنما هي لله

وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ (33)
(سورة النور)

فمن كرامة الإنسان على الله أنه جعله يملك، نحن نملك بفضل الله تعالى، لكن ملكنا ملك ناقص، ليس ملكاً تاماً.
نحن ملكنا ناقص
أسألك هذا البيت لمن؟ تقول لي، الحمد لله ملكي، حسناً، هذا البيت أنت بنيته؟ لا والله، شركة الإسكان، أنا ما بنيته، لكن أنا جئت واشتريته ممن ملكه قبلي، أو أقول لك: هذا البيت تملكه؟ الآن أملكه، هل تستطيع أن تتصرف به؟ لا والله هناك تعليمات ولا أستطيع، التصرف محدود، مثلاً: مكان دورة المياه هنا لا أستطيع أن أضع دورة المياه في غرفة الجلوس بسبب وجود التمديدات، فالتصرف ناقص، أملكه لكن التصرف ناقص، أو أنا أسـتأجره والمالك الأصلي يمنعني، قال لي: لا تُحدِث أي تغييراً به فأنا أجلس به الآن ولكن ممنوع أن أدق مسماراً في الحائط، فالتصرف ناقص.
حسناً المصير؟ يقول لك: لمن هذا البيت مستقبلاً؟ والله لا أدري ربما بعد دقيقة ممكن أن يصبح للورثة، الآن أقول لك: لي ولكن بعد دقيقة ممكن أن يصبح ملك الورثة، والورثة ممكن أن يبيعوه أو ينتفعوا به أو يؤجروه أو يغلقوه لا أعرف، الله أعلم.
إذاً نحن ملكنا ناقص، لا نحن خلقنا ما نملكه، ولا تصرفنا به تصرفاً كاملاً، ولا نملك مصيره، لكن ربنا جل جلاله، يملك السماوات والأرض خلقاً وتصرفاً ومصيراً، هو الذي خلقها، وهو الذي يتصرف بها كيف يشاء، وهو الذي يرث الأرض ومن عليها، فإليه المرجع جل جلاله.
هذا ملك الله، فإذا نظر الإنسان في ملكوت السماوات والأرض لن ينظر نظر العين يعني البصر، وإنما نظر البصيرة:

وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ۖ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)
(سورة الأعراف)

عندما يأمرنا الله تعالى بالنظر في السماوات والأرض، أو يأمرنا بالنظر في الملكوت، أو يأمرنا بالنظر في الأفعال:

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)
(سورة الروم)

فالنظر المقصود ليس أن تقول نظرت، لا، النظر المقصود هو نظر الاعتبار، يعني أن يكون هذا النظر باعثاً لك على أخذ العبرة وإلا فما هو بنظر، حتى السمع، ربنا عز وجل قال:

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)
(سورة الأنفال)

(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) كيف (سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) ؟ السمع بحاجة لاستجابة، فإذا سمع الإنسان ولم يستجب فما سمع.
سأضرب مثلاً: إنسان يمشي في الطريق قال له أحدهم: انتبه على كتفك عقرب، فالتفت إليه بهدوء وقال له: جزاك الله خيراً على هذه الملاحظة القيمة، أرجو الله أن أكافئك على ملاحظتك في المستقبل، هل سمع ما قاله له؟ لا، لو أنه سمع ما قاله لانتفض وقفز وخلع معطفه وصرخ.
السمع هو الاستجابة
فإذاً علامة أنه سمع أنه استجاب، فالاستماع استجابة، في الصلاة لمّا نقول: سمع الله لمن حمده عندما ننهض من الركوع نقول سمع الله لـ من حمده، هو سمع من حمده، أنا أقول: سمعت الصوت، أو سمعت للصوت؟ الصوت، ليست بحاجة للام، لماذا نقول سمع الله لمن حمده؟ لأن السمع هنا يتضمن معنى الاستجابة، يعني استجاب الله لمن حمده، فالسمع هو الاستجابة، السمع من الله هو الاستجابة:

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
(سورة المجادلة)

فبعث الحكم الشرعي لها، يعني استجاب، أما إذا سمع ولم يستجب لها هذا ليس سماعاً.
أب قال لابنه: ادرس، فقال له: سمعت، وقام باللعب، هل سمع؟ ما سمع، أما إذا أمسك الكتاب فقد سمع، فالسمع هو الاستجابة (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) في الوقت نفسه النظر هو الاعتبار، أما إذا نظر وقال: نظرت في ملكوت السماوات والأرض، وما اعتبر وبقي يطغى في الأرض، ويبغي على أموال الناس، ولم يعرف أن الملك لله تعالى وحده، معناها ما نظر.
إذاً: (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) بمعنى أنه ينبغي أن ينقلك هذا النظر عندما تتأمل وتوقن أن هذا الكون ملك لله تعالى إذاً:

وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
(سورة الإسراء)

خفف الوطء، لا نتكبر على عباد الله عز وجل، هذا ملكه وأنت تسير في ملكه، ثم إذا كنت في ملكه فلا ينبغي أن تعصيه، قال له: أريد أن أعصي الله تعالى، قال: افعل ولكن بمكان لا يراك فيه، وبمكان ليس ملكاً له، قال له: لا يوجد، قال إذاً لا تعصِه، كيف تعصيه وهو يراك وفي ملكه! فإذاً النظر في ملكوت السماوات والأرض وأنها ملك لله، طبعاً الملكوت متل فعلوت وزنها في اللغة أعظم من الملك، يوجد طاغوت ويوجد ملكوت، الكفر بالطاغوت، والإيمان بالملكوت، فالله تعالى ملكوته واسع، كل ما يملّك فهو يملكه جل جلاله، ونحن في الصلاة نقرأ في كل صلاة:

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
(سورة الفاتحة)

فهو جل جلاله مالك، وفي قراءة: مَلِكِ، المالك يملك الأشياء، والملك يملك الأشياء والأشخاص معاً، والله مالكٌ وملكٌ، فكل ما في الكون من أشخاص أو أشياء فهو ملك له جل جلاله، فإذاً النظر في ملكوت السماوات والأرض يعني أنني سأسير في الأرض هوناً:

وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)
(سورة الفرقان)

طبعاً المعنى المتبادر هوناً: يعني لا يستعجل ويطأ الأرض، ولا يمشي ببطء، هوناً، لكن المعنى الأعمق: عندما ينظر في ملكوت السماوات والأرض ويعلم أن هذا الملك كله لله تعالى، فيمشي مشية الاعتبار والنظر والتأمل، هوناً، مشي النظر والاعتبار والتأمل.
فهذه الثلاثية التي هي طريق الإيمان: أولاً: النظر في ملكوت السماوات والأرض، قال تعالى:

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
(سورة الزمر)

كل شيء ملكه جل جلاله
فكل شيء ملكه جل جلاله، فينبغي أن نتأدب في ملكه، ينبغي أن نتأدّب في ملكه، اليوم أنا إذا ذهبت إلى مزرعة كبيرة أو أرض واسعة، ومشجّرة ومبنية وقيل لي: هذه ملك لفلان من الناس، صاحب منصب، فإذا دخلت أتأدّب، وإذا كان معي ابني أمسكه بيدي، حتى لا يُفسِد ملك هذا الإنسان، أتأدّب في ملك إنسان، فإذا أيقن الإنسان أنه في ملكوت الله تعالى يتأدّب، نحن في ملك الله، هذا الرصيف الذي تمشي عليه ملك لله تعالى، فأعطِ الطريق حقه، أما عندما يجلس في الطريق، ويغتاب الناس، ويطلق بصره، إذاً هو يتصرف في ملك الله تصرفاً لا يرضي الله تعالى، وعندما أعلم أن بيتي ملك لله أدخل فأسلم على أهل البيت، لا يرتفع صوتي، ولا أهين أحداً، ولا أؤذي أحداً، أنا في ملك الله، وعندما أمضي في البحر أنا في ملك الله، وعندما أركب الجو فبعض الناس والعياذ بالله يطلب الخمور، ويفعل المنكرات وهو في ملك الله تعالى، هذا الجو ملك لله، فإذاً الإنسان الذي ينظر في ملكوت السماوات والأرض يتأدب لأنه في ملك الخالق جل جلاله، فلا ينبغي أن يعصيه وهو في ملكه ولا ينبغي أن يسيء إلى عباده، فهؤلاء العباد أيضاً ملك لله وأنت ملك لله، ألا نقول عند المصيبة - نسأل الله أن يديم نعمه علينا وعليكم- ألا نقول: إنا لله! فنحن لله، نحن ملك لله:

قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)
(سورة الأنعام)

فالذي يكون ملكاً من المملوك لا يتصرف إلا بما يحبه مالكه ويرضاه، فهذه أول الثلاثية.
(أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).

ثانياً: النظر في خلقه يدفعك إلى حبه وتعظيمه:
الثانية خَلْقه (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ) ملكه وخلقه، طبعاً ما الفرق بينهما؟ المُلك والخلق هما شيء واحد، لكن النظرة تختلف، فننظر أن هذا كله ملك لله، وننظر فنعي قدرة الله تعالى وأننا في ملكه فنتأدب، وننظر أن هذا خلقه جل جلاله فنعظّم الله تعالى ونقدّره حق قدره، قال تعالى:

مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (1)
(سورة نوح)

أي عظمة

وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)
(سورة نوح)

الخلق دليل على تعظيم الخالق
فالخلق دليل على تعظيم الخالق، أنا إذا كنت في هذا المجلس الكريم ونظرت إلى هذه الطاولة مثلاً، فأستطيع أن أقول إن هذا النجار جيد أو غير جيد من خلال الطاولة التي صنعها، قد أقول: ما شاء الله والله صنعها صعب، أي نجار صنعها! فالصنعة تدل على الصانع، والخلق يدل على الخالق، فقالوا: (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ) وهذه مِن وبعدها نكرة تفيد الاستغراق، يعني (مِن شَيْءٍ) الذرة شيء والمجرة شيء، النملة شيء والحوت شيء، البعوضة شيء والفيل شيء:

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ(3)
(سورة الملك)

فلا تستطيع أن تقول في خلق الرحمن: خلق الفيل أعظم من خلق البعوضة:

إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۘ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)
(سورة البقرة)

وقد يكون الإعجاز في صِغر الشيء أهم من الإعجاز في كِبره، اليوم يقول لك: والله شريحة بحجم رأس الإصبع وهي عبارة عن واحد تيرا، تقول: الله أكبر واحد تيرا! فكلما صغر الشيء ودقّ تنظر إليه بعين الإجلال أحياناً أكثر، فالله تعالى عنده الذرة وعنده المجرة، فإذا نظرت في خلق البعوضة هذا كما تشاهده من بديع صنع الله، وإذا نظرت في خلق الحوت الأزرق هذا كما تشاهده من بديع صنع الله.
فإذاً: (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ) للدلالة على أن كل شيء خلقه الله تعالى معجز يدل على عظيم صنعه جل جلاله.
الكون والإنسان في القرآن الكريم
الله تعالى في القرآن يحدثنا دائماً عن الكون، القرآن أكثر من ستة آلاف آية ، الجزء الكوني في القرآن تقريباً سدس القرآن، أكثر من ألف آية في القرآن ألف ومئتا آية تقريباً في بعض الدراسات تتحدث عن الكون والإنسان، يعني عن الخلق، فهذا كله ليلفت نظرنا إلى خلقه:

فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24)
(سورة عبس)

قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ(101)
(سورة يونس)

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
(سورة يس)

فكل الآيات الكونية في القرآن التي تتجاوز الألف آية، وتشكل سدس القرآن هدفها التعريف بالخالق جل جلاله، وأكثرها آيات مكية، أكثرها نزلت في مكة لتعميق الإيمان في النفوس، لأن الإنسان يُعجَب ويستجيب للعظيم دائماً.
صنعة المخلوق هي صنعة الخالق
لماذا شبابنا يقدسون الغرب؟ لأنه يرى صنعته، لكن ما أحد لفت نظره إلى صنعة الخالق، فيجب دائماً أن نعي أن صنعة الخالق أعظم من صنعة المخلوق، وأن صنعة المخلوق هي من خلق الخالق، لأنها عبارة عن تجميع لأشياء خلقها الله تعالى، ولأن الدماغ البشري الذي صنعها خلقه الله تعالى، فصنعة المخلوق هي صنعة الخالق، فالأصل أن نلفت انتباه الناس إلى عظمة الخالق لا إلى عظمة المخلوق، لأنهم إذا عظّموا الخالق أطاعوه، أما إذا عظموا المخلوق كما يعظمون الغرب اليوم اتبعوه، فهذه المشكلة.
(وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ) في القرآن الكريم الله تعالى يوجهنا إلى ثلاث مستويات في النظر:
المستوى الأول: أن يتفكر الإنسان في الشيء وأصله:

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
(سورة العلق)

هذا الشيء وأصله، أحياناً تنظر تجد مخلوقاً أمامك، طفل ابنك في البيت يمشي أمامك، تنظر إليه، هذا ماذا كان؟ كان علقة، أول الخلق علق لأنه لا يستطيع أن يستمد غذاءه بنفسه، فيعلق بجدار الرحم ليستمد منه غذاءه، حسناً العلقة صارت مضغة والمضغة مُخلّقة وغير مُخلّقة، ومرحلة التمايز، واليد، والرجل، والقدم، وعينان، وكبد، وكلية، وتصفية دم، وجهاز دوران، وجهاز إطراح، وجهاز تناسل، هذا كله تشكل من علق (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) هذا الشيء وأصله.
وأحياناً ربنا عز وجل يلفت نظرنا إلى الشيء وعدمه، كيف الشيء وعدمه؟

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ (30)
(سورة الملك)

أنت الآن تعيش والماء موجود وقد لا نلتفت لنعمة المياه لأن الإنسان لا يلتفت إلى الشيء إلا عندما يفقده، فلو أن الماء فُقِد، غار في الأرض ولم تجد ماء، إذاً تفكر في نعمة الماء عند فقدانه لا عند وجوده.
وأحياناً يريد أن يلفت نظرنا في الشيء وخلاف ما هو عليه، يعني مثلاً: الماء موجود، والماء لا لون ولا طعم ولا رائحة، حسناً: لو كان له لون؟ ونزل المطر، وصُبغت الدنيا كلها بلون الماء وهو أحمر، لو كان له رائحة؟ وبعض الناس ما استساغوا رائحته فقال: لا أحب الماء لكن مضطر له للعيش، يعني أضع يدي على أنفي وأشرب الماء، حسناً لو كان له طعم؟ طعم ممجوج لا يحبه الإنسان، إذاً لا طعم ولا لون ولا رائحة، حسناً لو كان له طعم إذاً كلما وُضع وطُبخ الطعام سيصدر معه طعم الماء، كل طبخة ممزوجة بطعم الماء، الماء حيادي يوضع في كل مكان لا لون ولا طعم ولا رائحة، كيف لفت نظرنا إلى ذلك جل جلاله؟

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)
(سورة القصص)

الشيء وخلاف ما هو عليه، نحن نتعود ليل ونهار، لو كان الليل سرمداً ولا يوجد نهار، كيف ستجلب النهار ؟ قال:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
(سورة البقرة)

التفكر باب عظيم إلى الله تعالى
فإذاً التفكر باب عظيم إلى الله تعالى: (وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ) مهما كان هذا الشيء يسيراً، فإنه يلفتك إلى الله، ويوصلك إلى الله، وتعظّم الله فتطيعه، التعظيم ليس مقصوداً لذاته، وإنما لما ينتج عنه من الطاعة لأن الناس فُطِروا على حب العظيم، وطاعة العظيم، فأنت تحبه وتطيعه من خلال النظر في خلقه.
وبالمناسبة: الكون هو مظهر لأسماء الله تعالى الحسنى، وصفاته الفضلى، تقول: اللطيف، تجد لطفه في كونه، الرحيم في كونه، الودود في كونه، الوردة ود من الله، الوردة لمن خلقها الله؟ إذا جاءت دابة هل تشم الوردة أم تأكلها؟ إذاً الوردة ود الودود، اللطيف، السن اللبني عند الطفل وهو يأكل ينزل بلطف، الهواء لطف، الأرض تدور 30 كم في الثانية، لو كان الهواء لا يتحرك معها كان بكل لحظة لدينا عواصف في الأرض لا تعد ولا تحصى، الهواء موجود نستنشقه لطيف ولا نشعر به، هذا اسم اللطيف موجود في الكون، رحمة الله إذا وجدت الدابة ترفع حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه تشاهد رحمة الله بعينك، الجبار: زلزال قوة 7 ريختر شرّد مئة ألفاً، الجبار، المنتقم، كل أسماء الله الحسنى مبثوثة في الكون، فإذا أردت أن تتعرف على صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى فعليك بالنظر في الكون:
(أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ)

ثالثاً: النظر في المآل وبأن الأجل قد يكون قد اقترب:
من مقتضيات الإيمان التفكر في الموت
الثالثة: (وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) من مقتضيات الإيمان التفكر في الموت، ليس تشاؤماً -معاذ الله- ولكن دفعاً للعمل الصالح، التفكر في الموت لا يوقف الحياة، لكنه يوقف المعصية، فإذا أوقف الحياة فهو تفكّر مذموم يجب أن نراجع حساباتنا، إذا قال لك أحدهم: أنا أخاف من الموت كثيراً وكلما أفكر في الموت أقعد ولا أذهب إلى العمل، فمعناها أنت لديك مشكلة، التفكر في الموت ليس لترك العمل والحياة، ولكن لترك المعصية والحرام، (وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) يعني لماذا لا تقول في نفسك دائماً: لعل الأجل يأتي بعد حين فماذا قدمت لله؟ لعلي أموت غداً فماذا صنعت من عمل يقربني من الله؟ (وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)
إذاً ثلاثية الإيمان وهي الحديث الذي لا إيمان إلا به، هي نظر في ملكوت الله تعالى، يدفعك إلى تعظيمه، ويدفعك إلى التأدّب في ملكه، ونظرٌ في خلقه يدفعك إلى حبه وتعظيمه، ونظرٌ في المآل وبأن الأجل قد يكون قد اقترب، وهو قريب، كلنا الأجل قريب منا، الذي بقي له في العمر سنة كالذي بقي له عشرون أو ثلاثون سنة أمام الأبد، وأمام اللانهاية سنة مثل العشرين سنة، كله قريب:

إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا(10)
(سورة المعارج)

فنحن نرى الأشياء بعيدة لأننا نقيسها بالزمن الذي نعيشه، لكن عند الله كله قريب، ولو بقي للإنسان خمسون سنة في هذه الحياة فالأجل قريب (وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) الأجل قريب يا أحبابنا، فنحن نسعى دائماً إلى عمل صالح، إذاً ملكوت السماوات والأرض، نتأدب في ملكه، من خلقه نعرفه ونعظمه ونحبه، من التفكر في الموت نكثر من الصالحات، ونتوقف عن المحرمات، هذه الثلاثية الإيمانية في سورة الأعراف
(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) إن لم يكن هذا الطريق للإيمان فليس هناك طريق آخر، أنا سأؤمن لكن هذا موضوع التفكر لن أفعله، والنظر في ملكوت السماوات والأرض لن أفعله والتفكر في الموت تشاؤم لا أريده، لن تستطيع أن تؤمن، سيبقى على معاصيه وآثامه، وسيبقى مقيماً على ما هو عليه ولن يؤمن (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).
والحمد لله رب العالمين.