قصة بقرة بني إسرائيل

  • تدبر القرآن الكريم - آيات متفرقة
  • 2022-09-12

قصة بقرة بني إسرائيل

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا رب العالمين، أحبابنا الكرام، يقول تعالى في سورة البقرة:

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
(سورة البقرة)

قصة بقرة بني إسرائيل ذُكرت مرة واحدة في كتاب الله في سورة البقرة، ولعلكم تلحظون أن في كتاب الله تعالى إكثاراً من ذكر قصة موسى مع قومه، حتى إن المواضع التي ذُكر فيها موسى مع قومه في كتاب الله تجاوزت الثلاثين موضعاً، ذلك أن هذه القصة قصة موسى في القرآن الكريم فيها عبر ودروس كثيرة، والأمة المسلمة بحاجة ماسة لتلك الدروس، وكأن الله تعالى يعلّم أمة الإسلام من خلال موسى مع قومه، حتى لا تتكرر الأخطاء، يقولون: الحكي للجارة واسمعي يا كنة (مثل شعبي) هذا على تلك الطريقة، نتحدث عن بني إسرائيل والمقصود أمة الإسلام أن تتّعظ فلا تقع بما وقع به بنو إسرائيل، لذلك تكررت أحداث هذه القصة في مواضع عدة في كتاب الله، هذا الموضع موضع بقرة بني إسرائيل جاءت مرة واحدة في سورة البقرة، وسميت السورة كلها باسم البقرة، لماذا؟

سبب تسمية سورة البقرة:
أولاً: هناك شيء اسمه عنصر المفاجأة والتشويق، يعني عندما تجد في كتاب الله سورة النمل، سورة العنكبوت، سورة الحجر، سورة البقرة، سورة النحل، أسماء حيوانات: الفيل، أسماء حشرات: النمل، النحل، هذا فيه تشويق، اليوم عندما يؤلف أحد الكتاب رواية يختار لها اسماً فيه تشويق، ليس فيه مباشرة، لا يعبّر عن القصة بعبارة واضحة جداً مثلاً، وإنما يعبر عنها بكلمة تجعلك أو تجعل خيالك يسرح، المقصود البقرة، ما البقرة؟ سورة الفيل، العنكبوت، النمل، النحل، هذه الأسماء فيها عنصر التشويق.
تربية الأمة على الإيمان بالغيب
ثانياً: السبب الثاني والمهم: ارتباط قصة البقرة بالسورة، هذه القصة تبين حالاً كان عليه اليهود لا يريد منا جل جلاله أن يكون المسلمون عليه، هذه الحال هي حالة عالم الشهادة وعدم الإيمان بالغيب، سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام يوم قال لهم: اذبحوا بقرة هذا غيب، ما علاقة البقرة؟ هم جاؤوا يقولون له: إن هناك جريمة قتل وقعت، ونريد منك يا موسى أن تكشف لنا القاتل، نحن محتارون، فيأتي الجواب من الله: اذبحوا بقرة، ما علاقة البقرة بجريمة القتل؟! نسألك عن القاتل تقول اذبحوا بقرة! هذا يحتاج إلى إيمان بالغيب، يريد الله تعالى أن يربي أمة الإسلام على الإيمان بالغيب من بداية سورة البقرة:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)
(سورة البقرة)

في ختام سورة البقرة:

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)
(سورة البقرة)

يربي الأمة كلها على الإيمان بالغيب وعلى قول: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ما دام الله تعالى يأمرك إذاً بادر إلى التنفيذ، فلذلك جاء اسم السورة مرتبط بهذه القصة لأنها تبين بأن هؤلاء القوم قوم موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام لم يكن عندهم التزام أو إيمان كافٍ بعالم الغيب حتى يستجيبوا للأمر فوراً دون تردد ودون تلكؤ، فيعلمنا من خلالهم لا تكونوا مثلهم، كونوا من المؤمنين بالغيب الذين إذا قال الله تعالى لهم: افعلوا فعلوا وإذا قال لهم: اتركوا تركوا.
لأن الإنسان أحبابنا الكرام عندما يكون في دائرة (شركة) عنده موظف زميل له يجلس على المكتب المقابل له، قال له هذا الموظف وهو مساوٍ له موظفان من الرتبة نفسها قال له: خذ هذه الورقة اكتبها واطبعها، يناقشه لماذا أكتبها على الحاسب؟ ما هذا الأمر؟ ماذا تريد منه؟ يناقشه، لكن لو طلبه مدير الشركة وقال له: خذ هذا الأمر، لا يقول له: لماذا، يقول له: حاضر سمعاً وطاعة، فالإنسان يناقش مثيله لكنه لا يناقش من هو أعلى منه.
أنا عندما أدخل إلى طبيب وأنا مختص في مجال غير مجال الطب تماماً، ويقول لي تحتاج إلى كذا وكذا والدواء كذا وكذا لا أناقشه، لأني أعلم أن العلم الذي عنده ليس عندي.
القائد في الجيش لا يناقشه جنوده، يقول له: نفّذ ثم اعترض، إذا أردت أن تعترض بعد التنفيذ، قبل التنفيذ لا يوجد مناقشة.

المراد من سورة البقرة:
يريد الله تعالى في سورة البقرة ومن خلال قصة البقرة التي ارتبطت اسم السورة بها أن يعلمنا على ضرورة الالتزام بالأمر فوراً مثال ذلك: في سورة البقرة قال تعالى:

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)
(سورة البقرة)

لماذا؟ قال: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا) أي بسبب قولهم (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) على الهامش: هذا تشبيه مقلوب اسمه في اللغة العربية، كيف تشبيه مقلوب؟ أنت تقول الفتاة كالوردة في الجمال، الفتاة: مشبه، والوردة: مشبه به، والكاف: أداة تشبيه، في الجمال: وجه الشبه. ممكن أن تحذف في الجمال لأن الوضع مفهوم، الفتاة كالوردة لا يعني أن لها رائحة كالوردة، وإنما في الجمال فتقول الفتاة كالوردة، ويمكن أن تحذف الكاف فتقول: الفتاة وردة، هذا تشبيه بليغ، أما إذا قلت: الوردة كالفتاة معناها أن هذه الفتاة الصغيرة ذات الثلاث سنوات بلغت في جمالها حُسْناً حتى أصبحت الوردة تشبهها وليس هي تشبه الوردة، هذا تشبيه مقلوب.
الربا يهدم المجتمعات
هؤلاء من شدة حمقهم المرابون: قالوا: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) وليس إنما الربا مثل البيع، جعلوا الربا أصلاً وشبهوا البيع به قالوا: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) قلبوها، الربا هو الأصل الذي نعيش عليه، البيع مثل الربا، حسناً الآن موطن الشاهد: إذا قال لك إنسان اليوم: اليوم إذا جاءني إنسان ويريد أن يناقشني وقال لي: أخي الربا مثل البيع، أو البيع مثل الربا، فأحببت أن أبين له عندي ما أحدثه به نصف ساعة عن المفاضلة بين البيع والربا، أقول له: البيع مبادلة منفعة سلعة بمال، الربا ثمن وقت، الربا يهدم المجتمعات، الربا يؤدي إلى الخراب، الربا يجمّع الأموال في أيدٍ قليلة ويحرم منه الكثرة الكثيرة، بينما البيع مبادلة منفعة أنا أعمل وأنت تعمل أنا أستفيد وأنت تستفيد موظفون وعمال وشركات وطباعة فالمجتمع يعمل، أجيبه بكثير من الحكم، ماذا كان جواب الله تعالى على قولهم (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) قال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) ألا يكفي الفرق بينهما أن الربا حرام وأن البيع حلال، يعني لا تناقش.
أحبابنا الكرام لا أريد في هذا اللقاء أبداً معاذ الله أن يكون قصدي عدم البحث عن حكم الشريعة فأنا أحب مقاصد الشرع وأحب أن نبحث في أسرار الشرع وأن نصل إلى حكم الله فيها، لكن أن يصبح المسلم كبني إسرائيل كل شيء يريد أن يُخضِعه لعقله ولمنطقه ولا يطبق شيئاً حتى يفهم لماذا؟ وأنا لا أقتنع.. هذا ليس شأن المسلم، يدربه القرآن في سورة البقرة على أنه ليس من شأنك إلا أن تؤمن بما جاءك من الله، بعد ذلك يكشف لك الحكمة فتزداد تمسكاً بالأمر وتفهمه للناس وتشرحه، لكن ليس فهم الحكمة أساسياً في أن تأتمر أو لا تأتمر، فعلة أية أمر أنه أمر، وعلة أي نهي أنه نهي، ألا يكفي أن الله أمر حتى نأتمر؟ ألا يكفي أن الله نهى حتى ننتهي؟ انتهى. قال:
(وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) انتهى الأمر (فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

من دلالات اسم البقرة:
نعود إلى قصة بقرة بني أسرائيل، فإذاً: هذا علاقة ارتباط الاسم: التشويق أولاً حتى إذا قرأ المسلم سورة البقرة، البقرة؟ تخيل أنك اليوم أول مرة تريد أن تقرأ السورة، ففتحت سورة البقرة، ما قصة البقرة؟ تشويق.
ثانياً: البقرة مرتبطة بقصة مهمة جداً في تربية المؤمن وسلوك المؤمن وهي وجوب انصياعه للغيب، ووجوب أن يقول دوماً كما في ختام سورة البقرة: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) وألا يكون كبني إسرائيل الذين قالوا:

إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (93)
(سورة البقرة)

وذكرهم الله في سورة البقرة (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ).
نأتي إلى القصة، حتى الآن طريقة عرض القصة ما بدأها وقال لك: قُتل شخص ونريد أن نعرف من القاتل، بدأها من النهاية، قال: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً) الآن أنت تقرأ القصة لأول مرة: لماذا يقول لهم اذبحوا بقرة؟ سيأتي الجواب بعد حين ولكن درّب نفسك أن الأمر ينبغي أن تأتمر به (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) كلمة كلمة أحبابنا الكرام، تدبروا القرآن، القرآن كريم:

إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)
(سورة الواقعة)

كريم كلما زدته نظراً أعطاك أكثر وأكثر، كريم تزيده تدبراً فيزيدك عطاءً وحِكماً ومواعظ ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) هذا اللفظ تكرر في قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
(سورة النحل)

معرفة الله قبل معرفة الأمر
لماذا هذه الصياغة؟ ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) يعني الإنسان الذي يسمع إن الله يأمر يعرف الله قبل أن يعرف الأمر، فيبادر إلى تنفيذ الأمر، كأن يقول لك قائل: افعل كذا، فتقول له والله إني متعب، يقول لك: إن والدك الذي طلب ذلك، فيقول: أبي قال لك ؟ مباشرة أنفذ، فعندما يعرف الإنسان الآمر تختلف استجابته للأمر، الأمر مختلف بين أن يكون من شخص أو من آخر، فهنا يقول: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) بالمقابل يقول إبراهيم عليه السلام لابنه إسماعيل:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
(سورة الصافات)

لطّفها عليه، ما قال له إن الله يأمرني أن أذبحك (إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ) لكن أرى فعل مضارع يعني الرؤية تتكرر أكثر من مرة، فلا بد أن أخبرك ولطّفها عليه (إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) انظر إلى الإجابة لمن يعرف الله (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) دون تلكؤ، هذا ابنه وليس بقرة، بالمقابل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً) اذبح بقرة، ماذا يكلفك الأمر؟ بقرة نكرة، يعني لو أنهم ذهبوا إلى بقرة عمرها ستة أشهر، أو بقرة عمرها ثلاثة أعوام كلاهما يجزئ، لو ذهبوا إلى بقرة وزنها 300 أو بقرة وزنها 700 كيلو كله يجزئ، صغيرة كبيرة في السن الحجم صغير كبير، اللون كله يجزئ، سليمة من العيوب غير سليمة من العيوب يصدق عليها لفظ بقرة، نكرة، فالأمر سهل بمتناول اليد وكل أوامر الله بالمناسبة في متناولنا وضمن سعتنا، ولا يقولن قائل والله تنفيذ الأوامر صعب، كله ضمن سعتنا، نعم الدنيا سجن المؤمن، يعني لا يستطيع الإنسان أن يعيش كما يعيش المتفلت من منهج الله، لكنه يحيا حياة طيبة، يعني ما ينقصه شيء، الطعام موجود وهناك لحم واحد محرم، والشراب موجود وهناك شراب مسكر محرم، وهناك من يحل له ومن لا تحل له، ويجلس جلسات ويذهب نزهات، متاح، فالأمر ضمن الوِسع.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) نبي من أنبياء الله ولا يقول لك أنا آمرك يقول (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) تقول له (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) قمة الجهل والحمق وسوء الأدب، تستهزئ بنا؟ هو نبي من أنبياء الله والأنبياء رباهم ربهم جل جلاله فأحسن تأديبهم وتربيتهم قال: (قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) ما قابل جهلهم بجهل، قال لهم: أعوذ بالله: ألتجئ إلى الله وأحتمي به أن أكون من الجاهلين، لأن الكلام في هذا الموضع بالهزء جهل كبير، أن أنقل لك عن الله شيئاً والله لم يأمرني به هذا جهل عظيم، أن يفتري الإنسان على الله الكذب (قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) الآن جاء الأمر ردة الفعل، قالوا ما هي:

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68)
(سورة البقرة)


صفات البقرة:
انظروا في كلمة (مَا هِيَ) الآن (مَا هِيَ) سؤال عن الذات أم عن الصفات؟ عن الذات، أنا إذا سألت إنسان من أنت؟ معناها لا أعرفه، أما إذا سألته كم طولك؟ هذه صفة، تحب هذا اللحم أم هذا؟ هذه صفة، بدأت بالصفات.
فهم قال لهم: اذبحوا بقرة فلما قالوا: (مَا هِيَ) الجواب المنطقي بقرة، يعني هم سألوا عن الذات، هذا مزيد استهزاء، أقول لكم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً) تقول لي (مَا هِيَ) ؟ بقرة، لكنه بأدبه العالي فهم أنهم يريدون صفات البقرة، هم سألوا عن الذات أجابهم عن الصفات (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ) الفارض: التي بلغت من العمر ما بلغت، حملت وولدت، الفارض في الأصل هو الواسع، والبقرة لما تحمل مرة ومرتين وثلاثة تصبح واسعة لذلك تسمى فارض، والبكر لم يطأها زوج بكر، معناها حجمها صغير (لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ) يعني وسط بين ذلك، ما زال الأمر سهلاً، بقرة عمرها معقول ليست بكراً وليست فارضاً، ثم أعاد التأكيد عليهم (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) انتهى، إن شر المسلمين منزلة كما يقول صلى الله عليه وسلم: من سأل مسألة فحُرِّمت من أجل مسألته:

{ إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته }

(متفق عليه)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)
(سورة المائدة)

{ دَعُونِي ما تَرَكْتُكُمْ، إنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ علَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عن شيءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ. }

(صحيح مسلم عن أبي هريرة)

إذا الأمر واضح نفّذه لا تكثر من السؤال، قال لهم: (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) يعني باللغة العامية الشامية (لفّوها بقى) يعني:

{ لا تتشددوا فيشدِّدُ اللهُ عليكم }

(الألباني عن أنس بن مالك وهو ضعيف)

البقرة واضحة سألتم أعطيناكم صفة (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ)

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ(69)
(سورة البقرة)

لا يكفي ماهي، أعطيتنا الصفات ولكن اللون يوجد أسود ويوجد أبيض ويوجد أسود وأبيض ويوجد بني، (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ) صفراء من أين سنحضرها؟ قليلة نادرة ليست صفراء قاتمة، هناك درجات للون (فَاقِعٌ لَّوْنُهَا) الأصفر الفاقع (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) تُدخل على ناظرها سروراً، يعني يجب أن تكون جميلة جداً، هم شددوا فشدد الله عليهم:

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)
(سورة البقرة)

عادوا للمربع الأول، قالوا (إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا) ضاقت ما عدنا نعرف (وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) وأظن أن كلامهم حتى الآن ما زال في موضع الاستهزاء، والدليل ما سيأتي بعد قليل، ليس قولهم إن شاء الله أنهم راغبون بالهداية لا، يعني أن يهتدوا للبقرة لكن لا زالوا بموضع السخرية والاستهزاء، يعني إن شاء الله نصل للبقرة، يعني إن شاء الله خير:

قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)
(سورة البقرة)

الذلول ذلله الله للإنسان
هناك حيوان ذلول، الله ذلله للإنسان، الجمل ذلول، ذلول: خاضع للإنسان، يعني يأتي طفل صغير يمسكه فينزل فيركب على ظهره، يعني هذا الجمل لو أنه لم يُذلِّله الله وفكر في ذاته لماذا أسمح لهذا الطفل الصغير الذي لا يجاوز طوله طول نصف حافري أن يركب علي وأن أسير به وأفعل ما يريد؟ فأركله بقدمي وانتهى الأمر لكنه لا يفعل لأن الله ذلله، والبقرة لولا أنها مذلله ما استطعنا أن نحلبها ولما أطعموا البقر من الجِيف جُنّ البقر فأطلقوا الرصاص عليه من بعيد وما جنون البقر إلا من جنون البشر، أطعموه خلاف الذي فطره الله عليه فجُن فاضطروا أن يعدموه، فالأصل أن هناك كائنات ذللها الله لك على كبر حجمها بالنسبة لك، هناك كائنات غير مذللة، الإنسان إذا رأى أفعى الأفعى أصغر من البقرة بمئة مرة، لكنه يركض هارباً لأن الله لم يذللها له، لكن البقرة ذللها، الآن قال: نريد بقرة غير مذللة.
(لَّا ذَلُولٌ) غير خاضعة، يعني برية ليست مؤنسة برية ليست أليفة، (لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) يعني ليست من البقر الذي يحرث الأرض، (وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ) يعني خارجة عن كل وسائل التذليل، لما ذللها الله نحلبها ونحرث بها الأرض ونسقي بها الحرث لكن (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ) صفة جديدة، (مُسَلَّمَةٌ) سالمة من العيوب، (لَّا شِيَةَ فِيهَا) يعني لا شيء فيها، لا باللون يعني اللون أصفر متكامل كله، مافيه أي نقطة غير الأصفر، ولا عيب فيها لا شيء فيها.
(قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) انظر إلى قلة الأدب، وكأنما كان قبل ذلك (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ) كأنه كان باطلاً والعياذ بالله، (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ) يعني يريدون الآن أن يبرروا لأنفسهم الآن فهمنا وما سبق ألم يكن حقاً! هم سوء أدبهم بدأ من اللحظة الأولى لما قالوا: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ) أوليس ربكم؟ وقالوا من قبل:

قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ(24)
(سورة المائدة)

غير معترفين بالأوامر الإلهية، والآن يقولون (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا) أوليس ربكم؟ قولوا: ادع لنا ربنا، فالنتيجة كل هذا هو محاولة للهروب من الأمر، والله تعالى ينبئنا كي لا نفعل مثلهم قال: (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) يعني هم ذبحوها لأنهم وصلوا إلى طريق مسدود ولا بد أن يفعلوا، عندهم مشكلة كبيرة أحد الأشخاص قتله ابن أخيه وحمل جثته وألقاها في مكان آخر ليتّهم بها رجلاً آخر.

علاقة البقرة بقصة القتيل:
والآن يأتي التفصيل قال:

وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
(سورة البقرة)

الآن سأخبركم لماذا البقرة، عندما نفذتم الأمر سأخبركم (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) (فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) يعني كل شخص صار يدرأ الشبهة عن نفسه ويلصق التهمة بغيره، وتعدد المتهمون وليس هناك دليل لنعرف من قتل هذا الشخص (فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا).
كل شخص صار يدرأ الشبهة عن نفسه
(وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) يعني ما أخفيتم في داخلكم الله يريد أن يخرجه للعلن، وأن تُعلم القصة بتفاصيلها، الآن أعظم دليل ممكن أن يحصل ولن يتكرر في التاريخ أن يقوم القتيل فيقول هذا قتلني، لا مجال سيحكي لهم القصة كلها هذا أعظم شاهد، هذه لن تتكرر في أي محكمة في التاريخ، أن ينهض القتيل من قبره ويحكي القصة ويمثل الجريمة كما وقعت مئة بالمئة حتى لحظة وفاته، قال:

فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
(سورة البقرة)

الآن ذبحتم البقرة حسناً، الآن سنخبركم ما علاقة البقرة في القصة، علاقتها أن الله عز وجل الآن يريد أن يكشف الجريمة، هاتوا جزءاً من البقرة كتفها فخذها عظم من عظامها ببعضها اضربوا الميت به فيحييه الله تعالى، نعم ضربوا جزءاً من البقرة بالقتيل فوقف القتيل وأخبرهم بالقاتل الذي هو خاله، فوقف وأخبرهم بالقصة، قال: (كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) إذا كان هناك إنسان عنا في الشامي شاطر كثير، طبعاً الشاطر في اللغة هو الذي أعيا أهله خبثاً، لكن نحن في اللهجة الشامية نطلقه على الشخص الحربوق الذي يمشي أموره، هو في الأصل الشاطر ليس لفظاً جميلاً، هو الذي أعيا أهله خبثاً.
على كلٍّ إذا كان هناك شخص شاطر يقال: يرمي عشر عصافير بحجر واحد، يقول في المثل: يرمي عشر عصافير بحجر واحد، يعني يحقق أكثر من غاية بكلمة يقولها، أو بفعل يفعله، يقول لك: شاطر، ربنا جل جلاله ولله المثل الأعلى إذا أراد أن يفعل فعلاً من أفعاله فإنه يحقق لا أقول عشرة ولا مئة مقصد، وإنما آلاف المقاصد بفعل واحد، ففي هذا الفعل الذي حصل: أولاً كُشفت الجريمة، قال: (كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ) أيضاً إحياء الموتى دليل على البعث يوم القيامة فالذي أحياها بضربها الآن بجزء من البقرة قادر أن يحييها يوم القيامة، فانتظروا البعث والوقوف بين يدي الله، أيضاً: هذه البقرة هم عنادهم واستكبارهم أدى إلى بقرة واحدة ليس هناك غيرها أبداً، وكان قد تركها أب صالح لابنه، لم يترك له غيرها، فلما جاؤوا إليه يطلبونها طلب وزنها ذهباً فأغناه الله إلى أولاد أولاده، فكم حُقّق من أهداف في قصة واحدة!
استكبارهم سيحاسبون عليه لكن هذا الاستكبار وظّفه الله تعالى لخير هذا الطفل اليتيم الذي أبوه صالح وترك ابنه بلا شيء فكان صالحاً فأراد الله أن يغنيه، فربنا جل جلاله يعني عشرات بل مئات الأهداف بفعل واحد ولا يعلم الحكم من أفعال الله تعالى إلا الله، نحن نستنبط بعضها التي أخبرنا بها الله، أما شيء آخر لا نعلم.

الخير في حادثة الإفك:
لما حصلت حادثة الإفك:

إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
(سورة النور)

كيف هو خير؟ كم من الخيرات في حادثة الإفك؟ مكانة عائشة، ظهور المنافقين في المدينة، نزول الوحي وعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم يُوحى إليه، فلو كان يكتب القرآن من ذاته لبرّأ زوجته في اليوم الثاني وما انتظر كل هذه الأيام، والكمد يتملّكه ينتظر وحي الله، كم كان من خير في حادثة الإفك وظاهره شر، قال تعالى: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ) لكن هذا لا يعفي من المسؤولية قال: (وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فإذا كان فعل فاعل سيئ وظّفه الله تعالى لأمر خيّر هذا لا يُعفٍي السيئ من سوئه.

العبرة من قصة البقرة:
المبادرة إلى تنفيذ الأمر لأنه أمر
إذاً أحبابنا الكرام قصة بقرة بني إسرائيل هي قصة الإيمان بالغيب والاستجابة لأمر الله تعالى دون سؤال عن حكمة أو علة، وإنما المبادرة إلى تنفيذ الأمر لأنه أمر، ولأن الله تعالى أمر به، اليوم إذا قلت لك: لماذا لا تأكل لحم الخنزير؟ الجواب: لأن الله حرّمه، أما من يقول لأن فيه دودة شريطية حسناً سنلغي لك الدودة الشريطية بالعلوم الحديثة، سنتلفها لك عنا علوم الآن نستطيع أن نُذهِبها، لا، ونعلم أولادنا نحن لا نفعل ذلك لأن الله حرّمه فقط، الآن بعد ذلك التمسوا الحكم، اللحم يتطبع بطباعه الإنسان ذكر ذلك ابن القيم، وهذا واقع مشاهَد، هذا الخنزير في الأصل للروث وللحيوانات الميتة ففيه خبث والله تعالى يحرم الخبائث تخبث بها النفوس يرى الفاحشة في أهله ويسكت، يتطبع الإنسان به، هذه الحكم نتلمسها، لكننا لا نفعل الأمر من أجل الحكم وإنما لأن الله أمر، لماذا لا تشرب الخمر؟ لأنه يتلف الكبد، لا، لأن الله حرم الخمر فقط.
حتى في الأمور العادية، في الأمور العبادية لماذا نقصر الصلاة في السفر؟ لأنه سفر حسناً الآن بعد ذلك تقول لي هناك مشقة أحياناً في السفر فالله خفف، ولكن أصل الفعل والترك هو أن الله حرم، وأن الله أباح،
أنت الآن مع مديرك في الشركة تقول والله هكذا يريد سأفعل ما يريد.
مع الطبيب تقول والله أمر بالقسطرة سأفعل قسطرة.
مع الضابط في الجيش منبطحاً قبل أن يقول الحرفين الأخيرين يكون التصق كله في التراب وعفّر نفسه كله لأنه قال منبطحاً.
الآن انت أمام إله خلقك ورزقك وحياتك بيده، وموتك بيده، وقوتك بيده، وضعفك بيده، وقطر الشريان التاجي بيده، وانتظام الكليتين بيده، والكبد بيده، كلك وما تملك بيده، بلحظة واحدة يغير المعادلات ثم تقول أريد أن أفهم!
أعيد وأكرر أنا أحب أن تفهم الحكم وأسعى لذلك، لكن لا أريد أن نربي أنفسنا أو أولادنا أو من نعلمهم على هذه الطريقة في أن الأمر يحتاج إلى أن نفهمه، أخي أنا لا أعمل حتى أقتنع، البسي الحجاب، ما اقتنعت، صلي لأقتنع، لا يصح لأقتنع، هذا إله يقول لك: افعل أو لا تفعل قل أنا مقصر يا أخي، يعني إذا كان الإنسان مقصر فليقل والله أنا مقصر أسأل الله أن يعفو عني، أما إذا أمر واضح لا خلاف فيه بأنه واجب فيجب أن نأتمر به.
والحمد لله رب العالمين